
غيرة مغايرة
1- الرغيف المُرّ
تسللت إليه خلسة بقفزات انسيابية ، لم يشعر بوجودها ، جلست القرفصاء على بعد خطوات منه، عيناها تحدقان من حدقات دائريّة في شرارت اللهب المتوهج من الفرن الصغير، أرخت شفتها السفلى وأخذ لسانها يلملم نثرات اللعاب التي أثارها الجوع ،استكانت بهدوء، ثم أصدرت صوتا خفيضا، أثارت انتباهه، لا يوجد سواه في هذا المكان الموحش، التفت خلفه، رآها، للوهلة الأولى اعترته جفلة، ثم أخذت الطمأنينة تتسرب إليه، ابتسم وحيّاها: أهلا... لم يبق في هذا العالم إلا أنت لتكوني ضيفتي، أمالت رأسها باستكانة، تناول كرات العجين وأخذ يبسطها بين راحتيه ويرميها لقمة سائغة للّهب، رائحة الخبز الشهي تعبق بالمكان، التفت إليها قائلا: يبدو أنك جائعة، رمى الرغيف إليها التقطتة بلهفة، وحملته بين يديها واختفت عن الأنظار وتابع عمله.
مع اشتعال اللهب تتراءى أمامه صورة زوجه والأولاد الذين تركهم في أرض الوطن وسعى للعمل في غربة مقفرة شحيحة من أبسط الاحتياجات، كان نصيبه هذه القرية النائية التي نسيها التاريخ في جوف الزمن، عاش فيها بدائية الحياة، حديقة صغيرة يعتني بنباتاتها، ثمار البندورة التي جلب بذورها من المدينة البعيدة أخذت تتلون، ينتظر نضوجها بفارغ الصبر، أوراق الخضراوت المتنوعة أينعت، ملامح معيشته هنا ذكرته ب "روبنسون كروزو" الذي ألقته الأمواج من السفينة إلى جزيرة مهجورة، لكنّ غربته اختيار بملئ إرادته من أجل بناء مستقبله، لم يتآلف مع السكان المحليين لصعوبة في اللهجة وبعد شاسع في العادات والتقاليد والطباع، آنس وحدته حين اقتنى بعض الحيوانات الأليفة، انحسر العالم لديه بين عمله وكتبه ومزرعته الصغيرة ومذياع صغير يجعله على اتصال بأخبار العالم.
أحلام وآمال تلوّنت أمام ناظرية، أخيلة حميمة تتراءى بوهج اللهب، ، صوت ضحكات أطفاله يرن في أذنيه، رغبة زوجه في أن يكون لها سكن مستقل عن العائلة الكبيرة، أمنيته أن يمتلك سيارة، الأولاد يتمنون ألعابا الكترونية، احتياجات الحياة الكثيرة جعلته يضحي بقربهم من أجل الحصول على مرتب مغرٍ في تلك المنطقة النائية مكانيا وحضاريا عن العالم، في قرارة نفسه يدرك أنّه يحتاج إلى الكثير من الصبر لتحقيق آماله، نداء الجوع أيقظه من شرود ذهنه، أكل الرغيف الساخن بشهية مع الزيت والزعتر وملأ خواء معدته، كلّ صور الحياة حوله روتينية، الحدث المثير المتغير في هذا المكان عندما تقبل عليه كلما داعبت أنفها رائحة الخبز، ومع مرور الأيام تجرأت لتجلس قبالته فتأخذ حصتها من الخبز االساخن وتنسحب بعيدا.
همسات زوجته الحبيبة التي تختزنها الذاكرة تثير الشوق والحنين إلى مناجاتها فكان يكتب لها رسائل شوق، مذياعه يشدو أغنية" حلم" للست،حدّث نفسه: في الرسالة القادمة سأهديها هذه الأغنية ،افترش رسائلها على منضدته التي تهتز مع كل حركة، عباراتها الولهى هنا وهناك تعيد إليه شدو الحياة، " اشتقت إليك صورتك لا تفارق مخيلتي، كلماتك وهج سعادتي، همسك يذكرني بكل لقاء، عبير أشيائك يعطر المكان، حنين جارف إليك، عندما يجتاحني الشوق أطفئ لظاه بشجو رسائلك، ملامحك ترتسم في وجوه الأولاد، ضجيج أسئلتهم عنك يؤلمني " . سرح بخياله في شكل البيت الذي سيضمه مع أسرته الصغيرة، تصوّر ضحكاتهم وفرحهم في الألعاب التي يحلمون بها .
الوحدة مريرة وقاتلة، طلب من زوجته أن تكتب له كلّ شيء عن أحوالهم، حضر ساعي البريد بموعده الشهريّ وسلّمه رسالة منها، كتبت تطمئنه عن الأهل والأولاد وكتبت له عن حلم رأته في المنام : حلمت أني جالسة على الشاطيء أرقب الموج وتفكيري مغلق عليك، فإذ بأصابعي تعبث بالرمال وبدون وعي مني تكتب حروف اسمك فتنتشي روحي بومضات السعادة، فيأتي الموج يمحوها فيحزن قلبي، غدوت كطفلة أبني قصر الرمال على الشاطئ وتصورته القصر الذي ستبنيه لي وأمسكت بيدي لندخله سويا وكأنك "شهريار"وأنا التي ستقص عليك حكايا الشوق ومعاناة الفراق، وفجأة هاجت موجة عاتية فهدمت القصر فاحتضنت أولادي بعيدا عن الشاطيء واحتواك الموج، ناديت عليك فلم ترد واختنق صوتي واستيقظت بقلب مقبوض حزين ، زوجي الحبيب لا أريد قصرا بدونك بل أرضى بخيمة في أرض الوطن، ارجع إلينا . حدّث نفسه: مسكينة زوجتي تخاف من أضغاث حلم. ريح قوية تعصف في الخارج، الهواء المتسرب من الشقوق يطفيء شعلة المصباح، يشعله من جديد، صور الأولاد تحدق فيه من الأطر، قرصه الجوع ،تناول الرغيف الأخير ونام ضمن أحلامه.
في اليوم التالي عطلته الأسبوعية، كالعادة سيغادر إلى البلدة المجاورة ليشتري ضرورياته، سيحضر لضيفته موزا لعلها تتقرّب إليه، اعتاد حضورها مع أول عبق للخبز حين تلفحه النار، تمنى لو تبقى معه تؤنس وحدته، لكنّها تتناول الرغيف وتفرّهاربة، كلّما دخل غرفته تعلّقت نظراته في صورالأولاد، تساءل في نفسه لم يفعل ذلك أهو الاشتياق لهم ؟ الإجازة السنوية اقتربت، فهو يعدّ العدة للقائهم، أزيز الحطب يطمئنه بوجبة شهية، لديه دجاجة جهّزها ليشويها في الفرن لم يأكل اللحم منذ ثلاثة شهور، احمرّ الرغيف، رائحة الخبز الشهية استدعتها، استقبلها بضحكة صاخبة، اقتربت منه، مدّت يدها لتتناول الرغيف الساخن، ناولها موزة أكلتها بشهيّة، رقصت فرحا بوثبات هنا وهناك، تابع عمله، لكنّها نظرت خلفها، تجمّدت في مكانها مرعوبة متشرنقة بستار الخوف، أنين مرتجف صدر منها، التفت إلى حيث نظرت، كان يقف متجهما مزمجرا ، حدّث نفسه : لعله زوجها أو صديقها لا أدرك مدى العلاقات بين أبناء فصيلتها، ولا أعرف سبب فزعها، لكنّي لا استطيع إلا تقديم رغيف واحد من الخبز ،لأنّ دراهمي أدّخرها لتحقيق أحلام المستقبل.
انطلقت فزعة إلى جوف الغابة، بعد ساعة إذ بالقرد الذي خافت منه يعود ويتقافز خلفه قطيع من القردة يتصايحون بأصوات مرعبة، يحملون الحجارة وأخذوا يقذفونه بها من كلّ الاتجاهات، حاول الهروب لكنه لم يستطع، أدرك سبب الهجمة وسرّ غضبة القرد على شرفه وعرضه، اخذ يصرخ: لم تكن أنثاك صديقتي، لم أقدم لها سوى رغيف الخبز، أنها قردة! أتغارعليها مني؟ إنها قردة! قردة! قردة!... لكنّ سيل الحجارة لم يتوقف وسالت دماؤه، وتلاشت أحلامه وجرف الموج قصرالرمال حين فارقت الروح جسده والأسرة الصغيرة تنتظرعودة الأب مكللا بالآمال والأحلام .
(حادثة وقعت في الثمانينات في إحدى قرى الجزيرة العربية )
2- الحلوى المريرة
طرقات خفيفة على الباب، أسرعت لتفتحه،همسات بينها وبين الضيف، ثم أعلت صوتها : إتّه الصديق الوفيّ ،سارت أمامه بدلال، الزوج منهمك في تجهيز الطاولة وترتيب ورق اللعب.
أقبل الزوج متلهفا : لقد تأخرت يا صديقي ، كم أنا مشتاق لأغلبك الليلة ،جهزت خططا محكمة لذلك.
: وأنا مستعد وأتمنى أن تكون مرة غالبا .
التفت إلى زوجه: جهزي الشاي والمكسرات وتعالي لتقفي ورائي، أليس وراء كلّ رجل عظيم امرأة جميلة ؟ أنا أتفاءل بوجودك قريبة مني.
جهزت المطلوب وتزينت... ووقفت خلف زوجها تراقب ورقه .
:يا صديقي الوفيّ قبل البدء باللعب، ما هو جزاء المغلوب ؟
: كالعادة، إحضار حلوى من عند" حلويات المشرق".
: لا ياصديقي الطيّب ، سئمت حلوياته نريد حلوى من عند "الحلويات الافرنجية "لأتها ألذ ّ.
: لكنّ المحل بعيد جدا .
: وما يدريك أنك أنت المغلوب قد أكون أنا المغلوب، ألم تقل أنّك مستعد بخطط محكمة .
: اتفقنا ، فليكن.
بدأت المعركة الورقية، والزوجة تقف خلف زوجها تراقب أوراقه وتشير للصديق بها، وفي النهاية هزم الزوج كالعادة فقالت له ساخرة : لقد سوّدت وجهي بهزيمتك النكراء، وخرج الزوج المغبون المغلوب لكلّ قيم الرجولة إلى المحل البعيد ليحضر الحلوى، واصطحب الصديق الزوجة إلى غرفة النوم.
عاد الزوج واستمتع الصديق بأكل الحلوى ثمّ قال له الصديق بابتسامة ماكرة: حلواك لذيذة جدا لقد غلبتك مرتين .
( قصة نراثية )
1- الرغيف المُرّ
تسللت إليه خلسة بقفزات انسيابية ، لم يشعر بوجودها ، جلست القرفصاء على بعد خطوات منه، عيناها تحدقان من حدقات دائريّة في شرارت اللهب المتوهج من الفرن الصغير، أرخت شفتها السفلى وأخذ لسانها يلملم نثرات اللعاب التي أثارها الجوع ،استكانت بهدوء، ثم أصدرت صوتا خفيضا، أثارت انتباهه، لا يوجد سواه في هذا المكان الموحش، التفت خلفه، رآها، للوهلة الأولى اعترته جفلة، ثم أخذت الطمأنينة تتسرب إليه، ابتسم وحيّاها: أهلا... لم يبق في هذا العالم إلا أنت لتكوني ضيفتي، أمالت رأسها باستكانة، تناول كرات العجين وأخذ يبسطها بين راحتيه ويرميها لقمة سائغة للّهب، رائحة الخبز الشهي تعبق بالمكان، التفت إليها قائلا: يبدو أنك جائعة، رمى الرغيف إليها التقطتة بلهفة، وحملته بين يديها واختفت عن الأنظار وتابع عمله.
مع اشتعال اللهب تتراءى أمامه صورة زوجه والأولاد الذين تركهم في أرض الوطن وسعى للعمل في غربة مقفرة شحيحة من أبسط الاحتياجات، كان نصيبه هذه القرية النائية التي نسيها التاريخ في جوف الزمن، عاش فيها بدائية الحياة، حديقة صغيرة يعتني بنباتاتها، ثمار البندورة التي جلب بذورها من المدينة البعيدة أخذت تتلون، ينتظر نضوجها بفارغ الصبر، أوراق الخضراوت المتنوعة أينعت، ملامح معيشته هنا ذكرته ب "روبنسون كروزو" الذي ألقته الأمواج من السفينة إلى جزيرة مهجورة، لكنّ غربته اختيار بملئ إرادته من أجل بناء مستقبله، لم يتآلف مع السكان المحليين لصعوبة في اللهجة وبعد شاسع في العادات والتقاليد والطباع، آنس وحدته حين اقتنى بعض الحيوانات الأليفة، انحسر العالم لديه بين عمله وكتبه ومزرعته الصغيرة ومذياع صغير يجعله على اتصال بأخبار العالم.
أحلام وآمال تلوّنت أمام ناظرية، أخيلة حميمة تتراءى بوهج اللهب، ، صوت ضحكات أطفاله يرن في أذنيه، رغبة زوجه في أن يكون لها سكن مستقل عن العائلة الكبيرة، أمنيته أن يمتلك سيارة، الأولاد يتمنون ألعابا الكترونية، احتياجات الحياة الكثيرة جعلته يضحي بقربهم من أجل الحصول على مرتب مغرٍ في تلك المنطقة النائية مكانيا وحضاريا عن العالم، في قرارة نفسه يدرك أنّه يحتاج إلى الكثير من الصبر لتحقيق آماله، نداء الجوع أيقظه من شرود ذهنه، أكل الرغيف الساخن بشهية مع الزيت والزعتر وملأ خواء معدته، كلّ صور الحياة حوله روتينية، الحدث المثير المتغير في هذا المكان عندما تقبل عليه كلما داعبت أنفها رائحة الخبز، ومع مرور الأيام تجرأت لتجلس قبالته فتأخذ حصتها من الخبز االساخن وتنسحب بعيدا.
همسات زوجته الحبيبة التي تختزنها الذاكرة تثير الشوق والحنين إلى مناجاتها فكان يكتب لها رسائل شوق، مذياعه يشدو أغنية" حلم" للست،حدّث نفسه: في الرسالة القادمة سأهديها هذه الأغنية ،افترش رسائلها على منضدته التي تهتز مع كل حركة، عباراتها الولهى هنا وهناك تعيد إليه شدو الحياة، " اشتقت إليك صورتك لا تفارق مخيلتي، كلماتك وهج سعادتي، همسك يذكرني بكل لقاء، عبير أشيائك يعطر المكان، حنين جارف إليك، عندما يجتاحني الشوق أطفئ لظاه بشجو رسائلك، ملامحك ترتسم في وجوه الأولاد، ضجيج أسئلتهم عنك يؤلمني " . سرح بخياله في شكل البيت الذي سيضمه مع أسرته الصغيرة، تصوّر ضحكاتهم وفرحهم في الألعاب التي يحلمون بها .
الوحدة مريرة وقاتلة، طلب من زوجته أن تكتب له كلّ شيء عن أحوالهم، حضر ساعي البريد بموعده الشهريّ وسلّمه رسالة منها، كتبت تطمئنه عن الأهل والأولاد وكتبت له عن حلم رأته في المنام : حلمت أني جالسة على الشاطيء أرقب الموج وتفكيري مغلق عليك، فإذ بأصابعي تعبث بالرمال وبدون وعي مني تكتب حروف اسمك فتنتشي روحي بومضات السعادة، فيأتي الموج يمحوها فيحزن قلبي، غدوت كطفلة أبني قصر الرمال على الشاطئ وتصورته القصر الذي ستبنيه لي وأمسكت بيدي لندخله سويا وكأنك "شهريار"وأنا التي ستقص عليك حكايا الشوق ومعاناة الفراق، وفجأة هاجت موجة عاتية فهدمت القصر فاحتضنت أولادي بعيدا عن الشاطيء واحتواك الموج، ناديت عليك فلم ترد واختنق صوتي واستيقظت بقلب مقبوض حزين ، زوجي الحبيب لا أريد قصرا بدونك بل أرضى بخيمة في أرض الوطن، ارجع إلينا . حدّث نفسه: مسكينة زوجتي تخاف من أضغاث حلم. ريح قوية تعصف في الخارج، الهواء المتسرب من الشقوق يطفيء شعلة المصباح، يشعله من جديد، صور الأولاد تحدق فيه من الأطر، قرصه الجوع ،تناول الرغيف الأخير ونام ضمن أحلامه.
في اليوم التالي عطلته الأسبوعية، كالعادة سيغادر إلى البلدة المجاورة ليشتري ضرورياته، سيحضر لضيفته موزا لعلها تتقرّب إليه، اعتاد حضورها مع أول عبق للخبز حين تلفحه النار، تمنى لو تبقى معه تؤنس وحدته، لكنّها تتناول الرغيف وتفرّهاربة، كلّما دخل غرفته تعلّقت نظراته في صورالأولاد، تساءل في نفسه لم يفعل ذلك أهو الاشتياق لهم ؟ الإجازة السنوية اقتربت، فهو يعدّ العدة للقائهم، أزيز الحطب يطمئنه بوجبة شهية، لديه دجاجة جهّزها ليشويها في الفرن لم يأكل اللحم منذ ثلاثة شهور، احمرّ الرغيف، رائحة الخبز الشهية استدعتها، استقبلها بضحكة صاخبة، اقتربت منه، مدّت يدها لتتناول الرغيف الساخن، ناولها موزة أكلتها بشهيّة، رقصت فرحا بوثبات هنا وهناك، تابع عمله، لكنّها نظرت خلفها، تجمّدت في مكانها مرعوبة متشرنقة بستار الخوف، أنين مرتجف صدر منها، التفت إلى حيث نظرت، كان يقف متجهما مزمجرا ، حدّث نفسه : لعله زوجها أو صديقها لا أدرك مدى العلاقات بين أبناء فصيلتها، ولا أعرف سبب فزعها، لكنّي لا استطيع إلا تقديم رغيف واحد من الخبز ،لأنّ دراهمي أدّخرها لتحقيق أحلام المستقبل.
انطلقت فزعة إلى جوف الغابة، بعد ساعة إذ بالقرد الذي خافت منه يعود ويتقافز خلفه قطيع من القردة يتصايحون بأصوات مرعبة، يحملون الحجارة وأخذوا يقذفونه بها من كلّ الاتجاهات، حاول الهروب لكنه لم يستطع، أدرك سبب الهجمة وسرّ غضبة القرد على شرفه وعرضه، اخذ يصرخ: لم تكن أنثاك صديقتي، لم أقدم لها سوى رغيف الخبز، أنها قردة! أتغارعليها مني؟ إنها قردة! قردة! قردة!... لكنّ سيل الحجارة لم يتوقف وسالت دماؤه، وتلاشت أحلامه وجرف الموج قصرالرمال حين فارقت الروح جسده والأسرة الصغيرة تنتظرعودة الأب مكللا بالآمال والأحلام .
(حادثة وقعت في الثمانينات في إحدى قرى الجزيرة العربية )
2- الحلوى المريرة
طرقات خفيفة على الباب، أسرعت لتفتحه،همسات بينها وبين الضيف، ثم أعلت صوتها : إتّه الصديق الوفيّ ،سارت أمامه بدلال، الزوج منهمك في تجهيز الطاولة وترتيب ورق اللعب.
أقبل الزوج متلهفا : لقد تأخرت يا صديقي ، كم أنا مشتاق لأغلبك الليلة ،جهزت خططا محكمة لذلك.
: وأنا مستعد وأتمنى أن تكون مرة غالبا .
التفت إلى زوجه: جهزي الشاي والمكسرات وتعالي لتقفي ورائي، أليس وراء كلّ رجل عظيم امرأة جميلة ؟ أنا أتفاءل بوجودك قريبة مني.
جهزت المطلوب وتزينت... ووقفت خلف زوجها تراقب ورقه .
:يا صديقي الوفيّ قبل البدء باللعب، ما هو جزاء المغلوب ؟
: كالعادة، إحضار حلوى من عند" حلويات المشرق".
: لا ياصديقي الطيّب ، سئمت حلوياته نريد حلوى من عند "الحلويات الافرنجية "لأتها ألذ ّ.
: لكنّ المحل بعيد جدا .
: وما يدريك أنك أنت المغلوب قد أكون أنا المغلوب، ألم تقل أنّك مستعد بخطط محكمة .
: اتفقنا ، فليكن.
بدأت المعركة الورقية، والزوجة تقف خلف زوجها تراقب أوراقه وتشير للصديق بها، وفي النهاية هزم الزوج كالعادة فقالت له ساخرة : لقد سوّدت وجهي بهزيمتك النكراء، وخرج الزوج المغبون المغلوب لكلّ قيم الرجولة إلى المحل البعيد ليحضر الحلوى، واصطحب الصديق الزوجة إلى غرفة النوم.
عاد الزوج واستمتع الصديق بأكل الحلوى ثمّ قال له الصديق بابتسامة ماكرة: حلواك لذيذة جدا لقد غلبتك مرتين .
( قصة نراثية )