فينيقيّة العَينين
فينيقيّة العَينين كانت وجميلة، و ذاك الحزن الدائمُ الإقامَة، في اسواد ليلهما الأنيق كان يُعصى فهمَه على كل قوانين الأرض و البشر، ليبقى واقفاً، مُنتصباً أمامي، صامتاً و محملقاً في وَجهي، يَتحداني و يُعَذبني.
فينيقيّة العَينين ِ كانت، بوجه مُذدان بكلماتِ لا تبوحُ، كأسرارِ الغَيم وعُمق البحار...وَ كنقاء لؤلؤ المُحار! أيخرجُ مِن أسره، أم يَبقى؟ لكنّ مَن يَدري بيّد مَن هو القرار؟
هذه هي الحَياة, ولكم هي غريبة! حتّى اللؤلؤ، حتى المُحار، سَيَبقى أبدا أسير الأقدار...فأحبَبتها مُذ عَرفتها..
ولكم استثغتُ الى هَدير صَمتها، وَلكم حادثتُ حُزنَ عَينيها، وهي أمامي جالسة، أو بقربي ساهمة في أقاصي مدى لا أطال أبعادَه! و كنت كلما اقترَبت منها، ارتفعَ ما بَيني وَ بَينها جدار...
إنّها تسكنُ في أعماقي، تنامُ على وسادَتي، و تغفو مِثل طِفل يوقِظك مِئة مَرة في الليل وَ في أي لحظة يُريد، إمّا لِشربَةِ ماء، أو لِحِكاية صَغيرة، فتخبرَه ُ حباً أو خوفاً، أو حَناناً، أو برداً وَ تلفه رُغما عَنك، تحضنَه بِدِفئِكَ، ليَغفوَ مِن جَديد، وتغطيّه بالأحلام كي لا يَشعُرَ بالبَرد...
وَ لكَم هَدهَدتُ لها على كتِفِ أحلامها، و هَمستُ لها :" ابتسمي للحياة يا صَديقتي،ولا تستسلمي، إمضي, تعلمي أبجديَّة مِلح الأرض ( الصَبر).
إنّها الحَياة، صندوقُ عَجائِب، وَ حَدائقَ مِن أسرار...كلّ الناس غرَباء، وَ يَخلقُ الله ِلكلّ إنسان حُزنهُ على مَقاسِ احتماله وَ نحنُ لا نتشابه إلاّ في مُمارَسَةِ الأحزان. كلنا أسرى ، ذلك الحاوي الذي يسرق الإنتباه في الأسواق العتيقة، بَهلوان يُضحِكُ غيره مُتداريا بُكاءَ قلبِه, و لبرهة يُلملِمُ فتات أفراح يَدُسّه جَيبا تكادُ تكون مَثقوبة، لِيَنقده كعصفور جائع عند المَسَاء...
وَ أعود لأهمِسَ لها، فأحار، لماذا لا تجيبني؟.. وَ تراني منها أغار؟
وَ هَل حَقا الكلامُ أبلغهُ الصَمت؟ وبأنّ الكلمات تموتُ حين تُقال؟
أتأملُ وَجهَها، فأتمنى! آه لو كنت أملِكُ مِنديلا سِحريا، لكنتُ مَسَحتُ عَن وَجهها ذلك الحُزن الجَميل، لكن لا، لأنّ الحَياة حين كحَلّت تِلكَ العَينين بالدُموع ، لم تُدرِك كم ذادَت مِن حُسنِهما جمالا, وأناقة، جاهِلة رَهافة إحساس ٍ لا يُرتأ بإبرة الزمان، إحساس برقة جَناحِ الفراشات، وَتوَيجات الأزهار.
وَ لكم جَلست بقربها أو قبالتها دون أن أعرف إن كانت تراني أم لا ؟ وَ تراها تسمَعني أم لا؟؟
فكل ما كان يَشدُني إليها تلك الأناقة في جُلوسِها على ذلك المِقعد الحَجَري ، مُبهَمَة كأبو الهَول ، وَبيَدِها كتاب وَ مَن يَدري إن كانت هي التي تقرأه، أم هو الذي يتلوها؟
وَ لكم تبادَلتُ مَعَها أطرافَ الوَحدَةِ قائلة لها :" لا تنهَزمي يا طِفلتي ويا امرأةَ الأقدار، فحينَ عُمِّدت ِ بماء العذاب والقهر والنسيان انتصبْت ِ كشجرةِ سنديان ٍ عتيقةٍ لا تهابُ الريّاح...
حزينة ُ مثلك ِ أنا يا صديقة ومرصودة للعذاب: عذاب ُ لو وُزِّع َ على الأرض كلّها لما نضُب، ولا خاب، مثلكِ أنا أحمل صَليبي وأسيرُ به كل صَباح... ولكنّي جبلْتُ حزني بالإيمان وصافحْتُ أشواكَ قدري بالنِسيان، وكلّ الدموع التي زرفتها من عينيّ ، ابتلعَتها دمعة فرح واحدة في لحظة تألّق وأمل.. ...وكانت تِلكَ الدموع كلما انهَمَرَت كليالي غزيرة المَطَر، لدَرَجَةٍ لا تعتصِرها مِخدّتي وبانهِمارِها كانت قوّتي تزداد ويَقوى انتصاري على الأقدار،و مهما طال المشوار.
جميلة ُ جدّا ً كانت وكما أذكرها، بعينينّ فينيقيّتين وذكاء مُتسَربل يَخجلُ أحيانا ً منك ويمضي من جديد إلى المجهول وبصمت ٍ يجعلك تعود إلى أوّل الحوار. ترى هل كانت تتجاهلني عن عبث أو عن قرار، حين كانت تغادر مقعدها من الحديقة العامّة في آخر النهار، فيما أنا أناديها : " إبق ِ بعدُ قليلا .ً فإنّ المرفأ يَصمُد أمام العاصِفة مَهما كانت هوجاء، وكلّ مصيبةٍ تمرّ بنا ولا تقتلنا فهذا يعني بأنّنا أقوياء.
...كثيرا ً ما كانت ترفع نظرها إليّ وتحاول الكلام، لكنّها فجأة ً كانت تمضي بهدوءِ سُقوط ورقة شجر خريفيّة على الأرض، لتعود إلى بيتها قبل المساء. فيما أنا أعاود رحلة انتظاري لجلوسها قبالتي في الحديقة عِندَ أوائل النهار...
إلى أن كان ذات يوم ٍ، استجمعْتُ فيهِ قوّتي، وتوجّهتُ صَوبَها، وقفتُ أمامها وفي يدي منديلا ً سحريّا ً أردتُ أن أمسح به حُزنَ عَينيها ولحظة مُحاولتي مُلامسةَ وَجنتيها، انتفضَت كمَن مَسَّه تيارُ كهرُبائيُ
وَ خرجَ مِن حُنجُرَتها صَوتا غريبا يُشبه عُواء ذِئب جريح في قلب الغابة عالق في فخّ لا يقدرعلى الخلاص مِنه !... وَيحي إنّها خرساء ، وكرَفة عَين اختفت من أمامي، وَ فجأة سَقط َ المنديلُ من يدي
وأخذته الرِيّاح.
...وحتى هذا اليَوم لا زِلت أزورُ تلك الحديقة فقد أراها، وقد أجدُ المفتاح! لكنّ كلّ شيء كان قد مضى وراح! لكن تُرى مَن كانت تلك الحوريّة؟ أهي أنا أم فتاة أخرى بعيون فينيقيّة؟ وأين أصبَح ذاكَ المنديل السحري؟
هل هي التي سَلبَتهُ مِنّي؟ أم أنا التي أعَرتها إيّاه؟ أم كان لها وقد صادقتني لإسترجاعه؟
أجل هذه هي الحقيقة، لكنّها سَتعود! أجَل ستعود، وَ إلى نفس المَكان، وَسَيتكرّر ما كان، لأنّه القدر لأنّها حِكمةُ الخالق والزمان.
ورد هاني 5/12/2004
فينيقيّة العَينين كانت وجميلة، و ذاك الحزن الدائمُ الإقامَة، في اسواد ليلهما الأنيق كان يُعصى فهمَه على كل قوانين الأرض و البشر، ليبقى واقفاً، مُنتصباً أمامي، صامتاً و محملقاً في وَجهي، يَتحداني و يُعَذبني.
فينيقيّة العَينين ِ كانت، بوجه مُذدان بكلماتِ لا تبوحُ، كأسرارِ الغَيم وعُمق البحار...وَ كنقاء لؤلؤ المُحار! أيخرجُ مِن أسره، أم يَبقى؟ لكنّ مَن يَدري بيّد مَن هو القرار؟
هذه هي الحَياة, ولكم هي غريبة! حتّى اللؤلؤ، حتى المُحار، سَيَبقى أبدا أسير الأقدار...فأحبَبتها مُذ عَرفتها..
ولكم استثغتُ الى هَدير صَمتها، وَلكم حادثتُ حُزنَ عَينيها، وهي أمامي جالسة، أو بقربي ساهمة في أقاصي مدى لا أطال أبعادَه! و كنت كلما اقترَبت منها، ارتفعَ ما بَيني وَ بَينها جدار...
إنّها تسكنُ في أعماقي، تنامُ على وسادَتي، و تغفو مِثل طِفل يوقِظك مِئة مَرة في الليل وَ في أي لحظة يُريد، إمّا لِشربَةِ ماء، أو لِحِكاية صَغيرة، فتخبرَه ُ حباً أو خوفاً، أو حَناناً، أو برداً وَ تلفه رُغما عَنك، تحضنَه بِدِفئِكَ، ليَغفوَ مِن جَديد، وتغطيّه بالأحلام كي لا يَشعُرَ بالبَرد...
وَ لكَم هَدهَدتُ لها على كتِفِ أحلامها، و هَمستُ لها :" ابتسمي للحياة يا صَديقتي،ولا تستسلمي، إمضي, تعلمي أبجديَّة مِلح الأرض ( الصَبر).
إنّها الحَياة، صندوقُ عَجائِب، وَ حَدائقَ مِن أسرار...كلّ الناس غرَباء، وَ يَخلقُ الله ِلكلّ إنسان حُزنهُ على مَقاسِ احتماله وَ نحنُ لا نتشابه إلاّ في مُمارَسَةِ الأحزان. كلنا أسرى ، ذلك الحاوي الذي يسرق الإنتباه في الأسواق العتيقة، بَهلوان يُضحِكُ غيره مُتداريا بُكاءَ قلبِه, و لبرهة يُلملِمُ فتات أفراح يَدُسّه جَيبا تكادُ تكون مَثقوبة، لِيَنقده كعصفور جائع عند المَسَاء...
وَ أعود لأهمِسَ لها، فأحار، لماذا لا تجيبني؟.. وَ تراني منها أغار؟
وَ هَل حَقا الكلامُ أبلغهُ الصَمت؟ وبأنّ الكلمات تموتُ حين تُقال؟
أتأملُ وَجهَها، فأتمنى! آه لو كنت أملِكُ مِنديلا سِحريا، لكنتُ مَسَحتُ عَن وَجهها ذلك الحُزن الجَميل، لكن لا، لأنّ الحَياة حين كحَلّت تِلكَ العَينين بالدُموع ، لم تُدرِك كم ذادَت مِن حُسنِهما جمالا, وأناقة، جاهِلة رَهافة إحساس ٍ لا يُرتأ بإبرة الزمان، إحساس برقة جَناحِ الفراشات، وَتوَيجات الأزهار.
وَ لكم جَلست بقربها أو قبالتها دون أن أعرف إن كانت تراني أم لا ؟ وَ تراها تسمَعني أم لا؟؟
فكل ما كان يَشدُني إليها تلك الأناقة في جُلوسِها على ذلك المِقعد الحَجَري ، مُبهَمَة كأبو الهَول ، وَبيَدِها كتاب وَ مَن يَدري إن كانت هي التي تقرأه، أم هو الذي يتلوها؟
وَ لكم تبادَلتُ مَعَها أطرافَ الوَحدَةِ قائلة لها :" لا تنهَزمي يا طِفلتي ويا امرأةَ الأقدار، فحينَ عُمِّدت ِ بماء العذاب والقهر والنسيان انتصبْت ِ كشجرةِ سنديان ٍ عتيقةٍ لا تهابُ الريّاح...
حزينة ُ مثلك ِ أنا يا صديقة ومرصودة للعذاب: عذاب ُ لو وُزِّع َ على الأرض كلّها لما نضُب، ولا خاب، مثلكِ أنا أحمل صَليبي وأسيرُ به كل صَباح... ولكنّي جبلْتُ حزني بالإيمان وصافحْتُ أشواكَ قدري بالنِسيان، وكلّ الدموع التي زرفتها من عينيّ ، ابتلعَتها دمعة فرح واحدة في لحظة تألّق وأمل.. ...وكانت تِلكَ الدموع كلما انهَمَرَت كليالي غزيرة المَطَر، لدَرَجَةٍ لا تعتصِرها مِخدّتي وبانهِمارِها كانت قوّتي تزداد ويَقوى انتصاري على الأقدار،و مهما طال المشوار.
جميلة ُ جدّا ً كانت وكما أذكرها، بعينينّ فينيقيّتين وذكاء مُتسَربل يَخجلُ أحيانا ً منك ويمضي من جديد إلى المجهول وبصمت ٍ يجعلك تعود إلى أوّل الحوار. ترى هل كانت تتجاهلني عن عبث أو عن قرار، حين كانت تغادر مقعدها من الحديقة العامّة في آخر النهار، فيما أنا أناديها : " إبق ِ بعدُ قليلا .ً فإنّ المرفأ يَصمُد أمام العاصِفة مَهما كانت هوجاء، وكلّ مصيبةٍ تمرّ بنا ولا تقتلنا فهذا يعني بأنّنا أقوياء.
...كثيرا ً ما كانت ترفع نظرها إليّ وتحاول الكلام، لكنّها فجأة ً كانت تمضي بهدوءِ سُقوط ورقة شجر خريفيّة على الأرض، لتعود إلى بيتها قبل المساء. فيما أنا أعاود رحلة انتظاري لجلوسها قبالتي في الحديقة عِندَ أوائل النهار...
إلى أن كان ذات يوم ٍ، استجمعْتُ فيهِ قوّتي، وتوجّهتُ صَوبَها، وقفتُ أمامها وفي يدي منديلا ً سحريّا ً أردتُ أن أمسح به حُزنَ عَينيها ولحظة مُحاولتي مُلامسةَ وَجنتيها، انتفضَت كمَن مَسَّه تيارُ كهرُبائيُ
وَ خرجَ مِن حُنجُرَتها صَوتا غريبا يُشبه عُواء ذِئب جريح في قلب الغابة عالق في فخّ لا يقدرعلى الخلاص مِنه !... وَيحي إنّها خرساء ، وكرَفة عَين اختفت من أمامي، وَ فجأة سَقط َ المنديلُ من يدي
وأخذته الرِيّاح.
...وحتى هذا اليَوم لا زِلت أزورُ تلك الحديقة فقد أراها، وقد أجدُ المفتاح! لكنّ كلّ شيء كان قد مضى وراح! لكن تُرى مَن كانت تلك الحوريّة؟ أهي أنا أم فتاة أخرى بعيون فينيقيّة؟ وأين أصبَح ذاكَ المنديل السحري؟
هل هي التي سَلبَتهُ مِنّي؟ أم أنا التي أعَرتها إيّاه؟ أم كان لها وقد صادقتني لإسترجاعه؟
أجل هذه هي الحقيقة، لكنّها سَتعود! أجَل ستعود، وَ إلى نفس المَكان، وَسَيتكرّر ما كان، لأنّه القدر لأنّها حِكمةُ الخالق والزمان.
ورد هاني 5/12/2004