
الديانات النبطية
الفصل الثالث- ديانات الأنباط:
ويشمل الموضوعات التالية:
مقدمة في الدين (العرب ودين التوحيد):
أولا- آلهة الأنباط:
ذوالشرى، اللات، العزى، مناة، بعل، شيع القوم، قوس، الكتبي، الدلفين، قيس، العبادة الملكية.
ثانيا- المعابد النبطية:
(رم، خربة التنور، الذريح، قصر البنت، قصر ربة، معبد بعل شمين، معبد السويداء، معبد بصرى، معبد سحر، معبد صور، معبد عبيدة، معبد الأسود المجنحة، معبد روافا، معبد تل الشقيفية (مصر)، معبد بيتولي – (إيطاليا)، معبد أم الجمال، معبد جرش، معبد ذيبان، معبد التوانة، أماكن تعبدية أخرى.
ثالثا- بعض المعتقدات والمفاهيم والشعائر الدينية النبطية:
1- تطور المفاهيم والمعتقدات والرموز النبطية.
2- مفهوم الحياة الآخرة.
3- مفهوم النفس(الروح).
4- عادات دفن الموتى.
5- العبادات.
6- الأنصاب والبخور والأشجار ودورها.
7- التشريع.
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
مقدمة في الدين (العرب ودين التوحيد):
عرف الأنباط الدين مثل الأقوام السامية الأخرى، وكان الدين أمرا مركزياً وحيوياً على ما تعكسه كثرة المعابد في حياة الأنباط، بل إن المعتقدات والطقوس الدينية لتبدو للدارس كأنها الشغل الشاغل للأنباط، فمعابدهم تنتشر في كل البقاع التي وجدت لهم فيها مستوطنات كبرت أم صغرت، بل إن بعض المعابد كان يقام في البلاد البعيدة التي كان الأنباط يقيمون فيها كجاليات مؤقتة كالإسكندرية أو "مينوبولي" في إيطاليا، هذا علاوة على أنهم أقاموا بعض معابدهم في بعض المناطق النائية قليلة السكان مثل معبد الذريح في ملتقى وادي اللعبان ووادي حسما قرب الطفيلة، ويحتمل أن يكون معبد "وادي رم" من هذا النوع النائي مع الأخذ بالاعتبار أهميته من خلال وقوعه على الطريق التجاري القادم من الجزيرة العربية.
وقد تعبد الأنباط للعديد من الآلهه والإلهات وقدموا لها الأضاحي والقرابين وحجوا إلى معابدها وتقربوا لها وتذرعوا لها بالأمنيات والأدعية، وجعلوها في بيوتهم (الأنصاب والمجامر) واختصوها ببعض هباتهم وصدقاتهم مما يدل على عمق اعتقاداتهم بتأثيرها في حياتهم الدنيا على ما يبدو.
وليس من اليسير على الدارس تنظيم هيكل أو "مخطط تنظيمي" لمنظومة الآلهة النبطية وترتيب أهميتها وأسبقيتها في حياة الأنباط نظرا لكثرة هذه الآلهة من جانب، ونظرا لانعدام المراجع الأصيلة للأنباط بشأن دينهم ومعتقداتهم. وجل المعلومات المتحصلة في هذا الشأن لا تعدو أن تكون تحقيقات أثرية اعتمدت أكثر ما اعتمدت على تماثيل الآلهة أو بقاياها التي وجدت في خرائب المعابد النبطية وفي بعض النقوش وخصوصا نقوش المقابر التي حرص الكثير منها على توجيه اللعنات باسم بعض الآلهة لمن يتجرأ على حرمة المقابر، وبعض هذه النصوص كان قد نص على تحديد غرامات تدفع لصالح بعض الآلهة في حالة وقوع التعدي أو التجرؤ.
كان من الواضح تماما تعدد الآلهة لدى الأنباط مثلما لدى معظم الأقوام السامية في ذلك الحين من مجتمعات الشرق في بلاد ما بين النهرين إلى شواطئ المتوسط الشرقية التي كانت الساحات الواسعة التي انتقلت وانتشرت فيها الجماعات السامية إضافة إلى الجزيرة العربية. ويبدو أن معتقدات قبائل الجزيرة العربية إضافة إلى معتقدات بلاد الكنعانيين والفينيقيين كانت المصادر الأساسية للمعتقدات الدينية النبطية. والأرجح أن الأنباط حملوا معهم من مواطنهم الأولى أربابا هي اللات والعزى ومناة وذو الشرى وشيع القوم، وكل هذه الأرباب كانت تناسب عيشة البداوة، خاصة "شيع القوم"، فإنه كان ربا يكره شرب الخمر، وذلك هو حال الأنباط قبل أن يصبحوا من أكبر زراع العنب ومنتجي الخمور(1). ومع أن بعض الإخباريين المسلمين يعزي التأثر بعبادة الأصنام إلى تأثير بلاد الشام، إلا أنه من الصعب تصديق ان الجزيرة العربية كانت تنتظر مثل هذا التأثير في أوقات متأخرة نسبيا مثلما يورد بعض هؤلاء ويعزونها إلى أشخاص بعينهم. وإبن هشام يورد في سيرته (الجزء الأول): أن عمرو بن لحي هو أول من جلب "هبل" من بلاد مؤاب ومن البلقاء تحديدا، وبها يومئذ العماليق، وهم من الكنعانيين، وقد وجدهم يتعبدون للأصنام، فقال لهم: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ قالوا له: هذه الأصنام نعبدها، نستمطرها فتمطرنا، ونستنصرها فتنصرنا، فقال لهمم: أفلا تعطونني منها صنما، فأسير به إلى أرض العرب، فيعبدونه؟ فأعطوه صنما يقال له هبل، وأخذه، فتقدم به إلى مكة، فنصبه، وأمر الناس بعبادته(2). ويعتقد أن ذلك وقع في القرن الأول الميلادي، أي في زمن الأنباط. والحقيقة أن حضارات الجزيرة العربية الجنوبية والشمالية منها كان لديها منظومة متكاملة من الدين والآلهة منذ آماد بعيدة تسبق ما أصبحنا نعرف عنه من حضارات قامت قبل العصور الحديدية أو ربما ما قبلها، وربما أن عرب الحجاز لم يكن لهم عهد بالأصنام لقلة احتكاكهم بالمجتمعات الحضرية المحيطة، فإن البداوة كانت لا تزال تسيطر عليهم، وحضارة البدو لم تكن لتحفل بالمجسمات التي من شأنها الإثقال على طبيعة البدو في التنقل وفي البساطة وفي الزهد بمقتنيات الحياة. ولذلك عرفنا في تراث بدو الجزيرة العربية صناعتهم لآلهتهم من التمر دون أن يتورعوا عن أكلها في حال نفاذ مؤونتهم منه. وقد أشار القرآن الكريم إلى أن عبادة العرب للأصنام لم تكن إلا أسلوبا أو وسيلة تقربهم إلى الله زلفى: "وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى"(الزمر/2)، ولكنهم مع تقادم الأيام راحوا ينزلون بها القداسة والشراكة من دون الله لتصبح جوهر عقائدهم وعمادها. ونحن لا نستطيع الجزم بغير الحقيقة التاريخية/ الاجتماعية التي تجعل من الدين ضرورة حياتية وإنسانية منذ نشأة المجتمعات البشرية، والكتب السماوية توحي لنا أو تنبهنا في الكثير من النصوص إلى أقدمية الدين لدى الإنسان، وهي جميعا تتفق على أن الدين كان ملازما لآدم أبي البشر عليه السلام، أي أن الدين وجد على الأرض حال وطئ قدم الإنسان لها، والدين – كما تشير الكتب السماوية – ظل موجودا على الأرض بدون انقطاع، لكنه كان يتعرض لفترات من النكوص التي ظلت تستدعي إرسال الرسل والأنبياء لتذكير الناس بالدين والتزاماته وعلى رأسها وحدانية الرب الخالق.
والحقيقة أننا لا نستطيع أن نعرف تماما كيف ومتى نشأت فكرة تعدد الآلهة، ولكننا صرنا نعرف أن هذه الفكرة كانت ولا تزال فكرة إنسانية، أي أنها وجدت في كل المجتمات البشرية تقريبا، ولكنها لم تكن لتلغي الفكرة أو الحقيقة الأصلية المتمثلة في وحدانية الخالق، وإذا ما عدنا إلى الوراء مسافة منطقية يمكن تقدير منطقيتها، فإن أقرب فترة لنرصد فكرة الدين في مجتمعات الجزيرة العربية قد تكون فترة سيدنا إبراهيم عليه السلام، وهي حسب الكثير من التقديرات تدور حول 1800 قبل الميلاد، في هذه الفترة جاب إبراهيم منطقة واسعة من بلاد الرافدين شرقا إلى مصر غربا، معرجا على الجزيرة العربية باحثا عن مناخ ملائم لدينه الجديد وليرسي بناء قواعد البيت الحرام مثلما يخبرنا القرآن الكريم: ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (الحج /26)، وهذا العمل يستلزم وجود عُباد موحدين يحمون هذا البناء وينتفعون منه أيضا بالعبادة، وخلال تنقله وترحاله أيضا يخبرنا العهد القديم عن بعض الشخصيات التي التقاها إبراهيم عليه السلام في بلاد الكنعانيين الذين قدموا له العون والمساعدة لأنهم مؤمنون كملكي صادق الذي كان حاكما أو كاهنا في شليم – القدس :
"وأخرج ملكي صادق ملك شليم خبزا وخمرا لأنه كان كاهنا لله العلي، وباركه وقال مبارك أبرام من الله العلي مالك السماوات والأرض، وتبارك الله الذي دفع عنك أعداءك (التكوين، 14/ 18- 20).
ولم يقتصر ذلك على ملكي صادق، فبعد فترة وجيزة سنطلع على حوادث أخرى في بلاد الكنعانيين وما جاورها تنبؤنا بتعدد المؤمنين الموحدين، فهذا الملك " الفلسطيني "ابي مالك" ملك جرار يترفع عن مس امرأة إبراهيم بعد تلقيه رؤيا صادقة، ثم يحسن إلى إبراهيم ويقدم له أموالا كثيرة، ويقيم عهدا معه في بئر السبع. وعندما ماتت امرأته سارة في قرية أربع الكنعانية قرب حبرون في أرض الكنعانيين، رغب صاحب أرض "مغارة المكفيلا" بتقديمها عطية لإبراهيم ليدفن سارة فيها، لكنه أصر على دفع ثمنها بشواقل الفضة...
ويمكن أن نستنتج من هذه الحوادث أن إبراهيم عليه السلام كان يتحرك في مجتمعات تعرف دين التوحيد، ومنهم من كان ذا شأن في مجتمعه، أي أن دين التوحيد لم يكن يعاني من الاضطهاد، وربما على العكس من ذلك بالرغم من تعدد الملل وتعدد الآلهة والأصنام التي عرفتها تلك المجتمعات. لكننا لا نعرف تماما كيف عاودت الديانات الوثنية انتشارها في المنطقة على نطاق واسع، وربما كان ذلك بتأثير الحضارات المجاورة كحضارات بلاد الرافدين التي عرفت تعدد الآلهة منذ نشأة حضاراتها في الألف الرابع قبل الميلاد، وكذلك الحضارة الفرعونية التي عرفت تعدد الآلهة منذ وقت مبكر، فسرى ذلك في الفينيقيين والآراميين والأدوميين والمديانيين.. إضافة إلى حضارات جنوب الجزيرة.
ويرى كثير من الباحثين - وكذلك شهد الإخباريون المسلمين- أن بعض العرب كانوا على دين التوحيد الذي نادى به إبراهيم الخليل عليه السلام من قبل، والذي يرتقي إيمانه به إلى زمن يسبق عهد موسى واليهود بما ظل معروفا لدى العرب "الحنفية" و"الحنفاء"، وفي القرآن الكريم (حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ (الحج / 31)، ثم " مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (آل عمران/67) أو (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا (النساء/125). ويرى بعض الباحثين أن الموحدين (الحنفاء) في الجزيرة العربية كانوا أكثر عددا من المشركين، وربما كان للمشركين سطوة سياسية حالت دون سيطرة دين التوحيد فترة طويلة(3)، إلى أن قيض الله ذلك بالرسالة المحمدية في أواسط القرن السادس الميلادي. وكان لفظ الجلالة (الله) معروفا وشائعاً جدا بين العرب في الجزيرة العربية وفي الأطراف المحيطة كبلاد الشام خصوصا، وفي الشعر الجاهلي الكثير من الشواهد الشعرية، كقول أمية بن أبي الصلت المتوفى سنة 5 هـ قبل أن يسلم:
لك الحمد والنعماء والملك
مليك على عرض السماء مهيمن
ملائكة أقدامهم تحت عرشه
فلا شيء أعلى منك مجدا وأمجد
لعزته تعفو الوجوه وتسجد
يكفيه لولا الله كفوا وأبلدوا
***
على أن الأقوام أو الحضارات التي كانت تقوم في بلاد الشام عرفت هي الأخرى لفظ الجلالة (الله) منذ وقت مبكر جدا وإن كان ذلك بالصيغة اللغوية التي كانت دارجة آنذاك، وأغلب الظن أن كلمة (إيل) كانت الجذر السامي للفظ الجلالة (الله)، ومما يدعم هذا الافتراض أمران مهمان: الأصل اللغوي لحروف لفظ (الله) فيها اللام المشددة التي تماثل لام (إيل)، أما الياء في إيل فهي من أحرف العلة التي يمكن أن تظهر أو تختفي في اللهجات السامية مثل الكثير من الألفاظ الأخرى، خصوصا في الاسماء. وكان "إيل" على ما توحي بقايا الأساطير الكنعانية والفينيقية أصل الآلهه أو ربها أو والدها. فهو رب الأرباب في الديانة الكنعانية، وأول ملمح توحيدي مبكر ما يزال حتى يومنا الحاضر يعني الله، أخذه العبرانيون وجمعوه على "ألوهيم"، ولأن بعل في الديانة القديمة هو ابن إيل، فقد استعار الكثير من صفاته، وصار من الممكن انتساب هبة المطر إليهما معا، فمنطقة مرج ابن عامر في فلسطين كان اسمها الكنعاني "يزرعيل" أي إيل يزرع(4)، ولكن مكانة إيل تراجعت لصالح الآلهة الأخرى خصوصا "بعل" الذي أصبح بعل شمين، أي رب السماوات. وفي الاسماء السامية والعربية والعبرية قائمة طويلة من الاسماء المضافة إلى إيل: إسرائيل، وجبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، وربئيل، ويزراعيل، يسماعيل...الخ، أما في الآرامية فنجد الكثير من الأسماء التي تحمل اسم الإله الأعلى مثل Yaballah أي وهب الله، ووهب معروفة عند العرب، ومع الوقت اختصروه إلى وهب أو حوروا معناه إلى اسم عطا الله، أو عطية(5) التي أصلها عطية الله أو عطاء لله.
وعرف إيل في الديانات الجنوبية، فقد عرف أحد ملوك حمير "كرب إيل" الإله الذي كانوا يدعونه إله إبراهيم ، ويدل على أن هذا الإله عربي الأصل، من حيث العبادة، ومكرب بمعنى "المقدس" اقترن بأسماء الملوك الكهنة.
وفي العهد القديم نصوص عديدة تذكرنا بأن الأقوام السامية كانت تعرف الله باسم "إيل" ومن ذلك مثلا: "وجاء يعقوب إلى لوز التي في أرض كنعان وهي بيت إيل هو وجميع الذين معه، وبنى ثم مذبحا ودعا الموضع إله بيت إيل لأنه هناك تجلى له الله حين هرب من وجه أخيه" (التكوين، 16/6). ومما يعزز هذا الافتراض هو أن بيت إيل التاريخية تقع في نطاق ما يعرف اليوم برام الله، مما يعني أن الكلمة ظلت قائمة وحرفت أو تطورت أو ترجمت إلى رام الله ، أي بيت الله أو مسجد الله، وهو المكان العالي الذي كان الأقدمون يختارونه لإقامة العبادات ظنا منهم أنه سيكون أقرب للرب الذي يقطن السموات، وما يزال هذا الاعتقاد ساريا دون أن تنفيه الديانات بما فيها خاتم الأديان، الدين الإسلامي.
الأمر الثاني الذي يدعم افتراض أن إيل هو الله نفسه هو أن الموحدين والوثنيين على السواء ظلوا يستخدمون اسم "إيل" كمعبودهم، لكن الفرق أن الوثنيين راحوا يشركون بعبادة إيل آلهة أخرى ظلت تتكاثر وتتقوى إلى أن صارت هي المقدمة على " إيل " نفسه، وهكذا تراجعت أهمية إيل ليبدو مثل الآلهة الأخرى في مراحل مبكرة ثم ليواصل التراجع في مراحل لاحقة لصالح بعل واللات والعزى ومناة وذو الشرى...إلخ من الآلهة التي سنستعرضها بعد قليل. وإيل ربما كان في اعتقاد البعض منهم أنه الإله الواحد الأحد إلى أن فسدت العقيدة فتزاحمت الأصنام والمعتقدات ولم يبق من عقيدة التوحيد غير شظايا من الآثار التي لا تكفي لاستجلاء كامل الحقيقة التي ظل القرآن الكريم يؤكدها، وهي أن الإنسان خلق ليعبد الله وأنه يدرك دينه وإلاهه بالفطرة ما لم يجر التأثير عليه بالتربية.
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ( (سورة الروم-30)(6) أنظر التفسير.
أما بالنسبة للأنباط ومعرفتهم بإيل، فإن اسماء بعض ملوكهم جاءت مضافة إلى إيل مثل "رب إيل" واسماء أخرى وردت في نقوشهم مثل "زيدإيل" و "سعد إيل" مما يدل أيضا على معرفتهم بإيل قبل أن تطغى عبادة الأصنام والآلهة الإشراكية. وفيما يلي ما عرف منها لديهم:
يتبع في الجزء التالي أصنام وآلهة الأنباط
جميع الحقوق محفوظة لدنيا الوطن © 2003 - 2010
الفصل الثالث- ديانات الأنباط:
ويشمل الموضوعات التالية:
مقدمة في الدين (العرب ودين التوحيد):
أولا- آلهة الأنباط:
ذوالشرى، اللات، العزى، مناة، بعل، شيع القوم، قوس، الكتبي، الدلفين، قيس، العبادة الملكية.
ثانيا- المعابد النبطية:
(رم، خربة التنور، الذريح، قصر البنت، قصر ربة، معبد بعل شمين، معبد السويداء، معبد بصرى، معبد سحر، معبد صور، معبد عبيدة، معبد الأسود المجنحة، معبد روافا، معبد تل الشقيفية (مصر)، معبد بيتولي – (إيطاليا)، معبد أم الجمال، معبد جرش، معبد ذيبان، معبد التوانة، أماكن تعبدية أخرى.
ثالثا- بعض المعتقدات والمفاهيم والشعائر الدينية النبطية:
1- تطور المفاهيم والمعتقدات والرموز النبطية.
2- مفهوم الحياة الآخرة.
3- مفهوم النفس(الروح).
4- عادات دفن الموتى.
5- العبادات.
6- الأنصاب والبخور والأشجار ودورها.
7- التشريع.
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
مقدمة في الدين (العرب ودين التوحيد):
عرف الأنباط الدين مثل الأقوام السامية الأخرى، وكان الدين أمرا مركزياً وحيوياً على ما تعكسه كثرة المعابد في حياة الأنباط، بل إن المعتقدات والطقوس الدينية لتبدو للدارس كأنها الشغل الشاغل للأنباط، فمعابدهم تنتشر في كل البقاع التي وجدت لهم فيها مستوطنات كبرت أم صغرت، بل إن بعض المعابد كان يقام في البلاد البعيدة التي كان الأنباط يقيمون فيها كجاليات مؤقتة كالإسكندرية أو "مينوبولي" في إيطاليا، هذا علاوة على أنهم أقاموا بعض معابدهم في بعض المناطق النائية قليلة السكان مثل معبد الذريح في ملتقى وادي اللعبان ووادي حسما قرب الطفيلة، ويحتمل أن يكون معبد "وادي رم" من هذا النوع النائي مع الأخذ بالاعتبار أهميته من خلال وقوعه على الطريق التجاري القادم من الجزيرة العربية.
وقد تعبد الأنباط للعديد من الآلهه والإلهات وقدموا لها الأضاحي والقرابين وحجوا إلى معابدها وتقربوا لها وتذرعوا لها بالأمنيات والأدعية، وجعلوها في بيوتهم (الأنصاب والمجامر) واختصوها ببعض هباتهم وصدقاتهم مما يدل على عمق اعتقاداتهم بتأثيرها في حياتهم الدنيا على ما يبدو.
وليس من اليسير على الدارس تنظيم هيكل أو "مخطط تنظيمي" لمنظومة الآلهة النبطية وترتيب أهميتها وأسبقيتها في حياة الأنباط نظرا لكثرة هذه الآلهة من جانب، ونظرا لانعدام المراجع الأصيلة للأنباط بشأن دينهم ومعتقداتهم. وجل المعلومات المتحصلة في هذا الشأن لا تعدو أن تكون تحقيقات أثرية اعتمدت أكثر ما اعتمدت على تماثيل الآلهة أو بقاياها التي وجدت في خرائب المعابد النبطية وفي بعض النقوش وخصوصا نقوش المقابر التي حرص الكثير منها على توجيه اللعنات باسم بعض الآلهة لمن يتجرأ على حرمة المقابر، وبعض هذه النصوص كان قد نص على تحديد غرامات تدفع لصالح بعض الآلهة في حالة وقوع التعدي أو التجرؤ.
كان من الواضح تماما تعدد الآلهة لدى الأنباط مثلما لدى معظم الأقوام السامية في ذلك الحين من مجتمعات الشرق في بلاد ما بين النهرين إلى شواطئ المتوسط الشرقية التي كانت الساحات الواسعة التي انتقلت وانتشرت فيها الجماعات السامية إضافة إلى الجزيرة العربية. ويبدو أن معتقدات قبائل الجزيرة العربية إضافة إلى معتقدات بلاد الكنعانيين والفينيقيين كانت المصادر الأساسية للمعتقدات الدينية النبطية. والأرجح أن الأنباط حملوا معهم من مواطنهم الأولى أربابا هي اللات والعزى ومناة وذو الشرى وشيع القوم، وكل هذه الأرباب كانت تناسب عيشة البداوة، خاصة "شيع القوم"، فإنه كان ربا يكره شرب الخمر، وذلك هو حال الأنباط قبل أن يصبحوا من أكبر زراع العنب ومنتجي الخمور(1). ومع أن بعض الإخباريين المسلمين يعزي التأثر بعبادة الأصنام إلى تأثير بلاد الشام، إلا أنه من الصعب تصديق ان الجزيرة العربية كانت تنتظر مثل هذا التأثير في أوقات متأخرة نسبيا مثلما يورد بعض هؤلاء ويعزونها إلى أشخاص بعينهم. وإبن هشام يورد في سيرته (الجزء الأول): أن عمرو بن لحي هو أول من جلب "هبل" من بلاد مؤاب ومن البلقاء تحديدا، وبها يومئذ العماليق، وهم من الكنعانيين، وقد وجدهم يتعبدون للأصنام، فقال لهم: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ قالوا له: هذه الأصنام نعبدها، نستمطرها فتمطرنا، ونستنصرها فتنصرنا، فقال لهمم: أفلا تعطونني منها صنما، فأسير به إلى أرض العرب، فيعبدونه؟ فأعطوه صنما يقال له هبل، وأخذه، فتقدم به إلى مكة، فنصبه، وأمر الناس بعبادته(2). ويعتقد أن ذلك وقع في القرن الأول الميلادي، أي في زمن الأنباط. والحقيقة أن حضارات الجزيرة العربية الجنوبية والشمالية منها كان لديها منظومة متكاملة من الدين والآلهة منذ آماد بعيدة تسبق ما أصبحنا نعرف عنه من حضارات قامت قبل العصور الحديدية أو ربما ما قبلها، وربما أن عرب الحجاز لم يكن لهم عهد بالأصنام لقلة احتكاكهم بالمجتمعات الحضرية المحيطة، فإن البداوة كانت لا تزال تسيطر عليهم، وحضارة البدو لم تكن لتحفل بالمجسمات التي من شأنها الإثقال على طبيعة البدو في التنقل وفي البساطة وفي الزهد بمقتنيات الحياة. ولذلك عرفنا في تراث بدو الجزيرة العربية صناعتهم لآلهتهم من التمر دون أن يتورعوا عن أكلها في حال نفاذ مؤونتهم منه. وقد أشار القرآن الكريم إلى أن عبادة العرب للأصنام لم تكن إلا أسلوبا أو وسيلة تقربهم إلى الله زلفى: "وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى"(الزمر/2)، ولكنهم مع تقادم الأيام راحوا ينزلون بها القداسة والشراكة من دون الله لتصبح جوهر عقائدهم وعمادها. ونحن لا نستطيع الجزم بغير الحقيقة التاريخية/ الاجتماعية التي تجعل من الدين ضرورة حياتية وإنسانية منذ نشأة المجتمعات البشرية، والكتب السماوية توحي لنا أو تنبهنا في الكثير من النصوص إلى أقدمية الدين لدى الإنسان، وهي جميعا تتفق على أن الدين كان ملازما لآدم أبي البشر عليه السلام، أي أن الدين وجد على الأرض حال وطئ قدم الإنسان لها، والدين – كما تشير الكتب السماوية – ظل موجودا على الأرض بدون انقطاع، لكنه كان يتعرض لفترات من النكوص التي ظلت تستدعي إرسال الرسل والأنبياء لتذكير الناس بالدين والتزاماته وعلى رأسها وحدانية الرب الخالق.
والحقيقة أننا لا نستطيع أن نعرف تماما كيف ومتى نشأت فكرة تعدد الآلهة، ولكننا صرنا نعرف أن هذه الفكرة كانت ولا تزال فكرة إنسانية، أي أنها وجدت في كل المجتمات البشرية تقريبا، ولكنها لم تكن لتلغي الفكرة أو الحقيقة الأصلية المتمثلة في وحدانية الخالق، وإذا ما عدنا إلى الوراء مسافة منطقية يمكن تقدير منطقيتها، فإن أقرب فترة لنرصد فكرة الدين في مجتمعات الجزيرة العربية قد تكون فترة سيدنا إبراهيم عليه السلام، وهي حسب الكثير من التقديرات تدور حول 1800 قبل الميلاد، في هذه الفترة جاب إبراهيم منطقة واسعة من بلاد الرافدين شرقا إلى مصر غربا، معرجا على الجزيرة العربية باحثا عن مناخ ملائم لدينه الجديد وليرسي بناء قواعد البيت الحرام مثلما يخبرنا القرآن الكريم: ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (الحج /26)، وهذا العمل يستلزم وجود عُباد موحدين يحمون هذا البناء وينتفعون منه أيضا بالعبادة، وخلال تنقله وترحاله أيضا يخبرنا العهد القديم عن بعض الشخصيات التي التقاها إبراهيم عليه السلام في بلاد الكنعانيين الذين قدموا له العون والمساعدة لأنهم مؤمنون كملكي صادق الذي كان حاكما أو كاهنا في شليم – القدس :
"وأخرج ملكي صادق ملك شليم خبزا وخمرا لأنه كان كاهنا لله العلي، وباركه وقال مبارك أبرام من الله العلي مالك السماوات والأرض، وتبارك الله الذي دفع عنك أعداءك (التكوين، 14/ 18- 20).
ولم يقتصر ذلك على ملكي صادق، فبعد فترة وجيزة سنطلع على حوادث أخرى في بلاد الكنعانيين وما جاورها تنبؤنا بتعدد المؤمنين الموحدين، فهذا الملك " الفلسطيني "ابي مالك" ملك جرار يترفع عن مس امرأة إبراهيم بعد تلقيه رؤيا صادقة، ثم يحسن إلى إبراهيم ويقدم له أموالا كثيرة، ويقيم عهدا معه في بئر السبع. وعندما ماتت امرأته سارة في قرية أربع الكنعانية قرب حبرون في أرض الكنعانيين، رغب صاحب أرض "مغارة المكفيلا" بتقديمها عطية لإبراهيم ليدفن سارة فيها، لكنه أصر على دفع ثمنها بشواقل الفضة...
ويمكن أن نستنتج من هذه الحوادث أن إبراهيم عليه السلام كان يتحرك في مجتمعات تعرف دين التوحيد، ومنهم من كان ذا شأن في مجتمعه، أي أن دين التوحيد لم يكن يعاني من الاضطهاد، وربما على العكس من ذلك بالرغم من تعدد الملل وتعدد الآلهة والأصنام التي عرفتها تلك المجتمعات. لكننا لا نعرف تماما كيف عاودت الديانات الوثنية انتشارها في المنطقة على نطاق واسع، وربما كان ذلك بتأثير الحضارات المجاورة كحضارات بلاد الرافدين التي عرفت تعدد الآلهة منذ نشأة حضاراتها في الألف الرابع قبل الميلاد، وكذلك الحضارة الفرعونية التي عرفت تعدد الآلهة منذ وقت مبكر، فسرى ذلك في الفينيقيين والآراميين والأدوميين والمديانيين.. إضافة إلى حضارات جنوب الجزيرة.
ويرى كثير من الباحثين - وكذلك شهد الإخباريون المسلمين- أن بعض العرب كانوا على دين التوحيد الذي نادى به إبراهيم الخليل عليه السلام من قبل، والذي يرتقي إيمانه به إلى زمن يسبق عهد موسى واليهود بما ظل معروفا لدى العرب "الحنفية" و"الحنفاء"، وفي القرآن الكريم (حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ (الحج / 31)، ثم " مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (آل عمران/67) أو (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا (النساء/125). ويرى بعض الباحثين أن الموحدين (الحنفاء) في الجزيرة العربية كانوا أكثر عددا من المشركين، وربما كان للمشركين سطوة سياسية حالت دون سيطرة دين التوحيد فترة طويلة(3)، إلى أن قيض الله ذلك بالرسالة المحمدية في أواسط القرن السادس الميلادي. وكان لفظ الجلالة (الله) معروفا وشائعاً جدا بين العرب في الجزيرة العربية وفي الأطراف المحيطة كبلاد الشام خصوصا، وفي الشعر الجاهلي الكثير من الشواهد الشعرية، كقول أمية بن أبي الصلت المتوفى سنة 5 هـ قبل أن يسلم:
لك الحمد والنعماء والملك
مليك على عرض السماء مهيمن
ملائكة أقدامهم تحت عرشه
فلا شيء أعلى منك مجدا وأمجد
لعزته تعفو الوجوه وتسجد
يكفيه لولا الله كفوا وأبلدوا
***
على أن الأقوام أو الحضارات التي كانت تقوم في بلاد الشام عرفت هي الأخرى لفظ الجلالة (الله) منذ وقت مبكر جدا وإن كان ذلك بالصيغة اللغوية التي كانت دارجة آنذاك، وأغلب الظن أن كلمة (إيل) كانت الجذر السامي للفظ الجلالة (الله)، ومما يدعم هذا الافتراض أمران مهمان: الأصل اللغوي لحروف لفظ (الله) فيها اللام المشددة التي تماثل لام (إيل)، أما الياء في إيل فهي من أحرف العلة التي يمكن أن تظهر أو تختفي في اللهجات السامية مثل الكثير من الألفاظ الأخرى، خصوصا في الاسماء. وكان "إيل" على ما توحي بقايا الأساطير الكنعانية والفينيقية أصل الآلهه أو ربها أو والدها. فهو رب الأرباب في الديانة الكنعانية، وأول ملمح توحيدي مبكر ما يزال حتى يومنا الحاضر يعني الله، أخذه العبرانيون وجمعوه على "ألوهيم"، ولأن بعل في الديانة القديمة هو ابن إيل، فقد استعار الكثير من صفاته، وصار من الممكن انتساب هبة المطر إليهما معا، فمنطقة مرج ابن عامر في فلسطين كان اسمها الكنعاني "يزرعيل" أي إيل يزرع(4)، ولكن مكانة إيل تراجعت لصالح الآلهة الأخرى خصوصا "بعل" الذي أصبح بعل شمين، أي رب السماوات. وفي الاسماء السامية والعربية والعبرية قائمة طويلة من الاسماء المضافة إلى إيل: إسرائيل، وجبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، وربئيل، ويزراعيل، يسماعيل...الخ، أما في الآرامية فنجد الكثير من الأسماء التي تحمل اسم الإله الأعلى مثل Yaballah أي وهب الله، ووهب معروفة عند العرب، ومع الوقت اختصروه إلى وهب أو حوروا معناه إلى اسم عطا الله، أو عطية(5) التي أصلها عطية الله أو عطاء لله.
وعرف إيل في الديانات الجنوبية، فقد عرف أحد ملوك حمير "كرب إيل" الإله الذي كانوا يدعونه إله إبراهيم ، ويدل على أن هذا الإله عربي الأصل، من حيث العبادة، ومكرب بمعنى "المقدس" اقترن بأسماء الملوك الكهنة.
وفي العهد القديم نصوص عديدة تذكرنا بأن الأقوام السامية كانت تعرف الله باسم "إيل" ومن ذلك مثلا: "وجاء يعقوب إلى لوز التي في أرض كنعان وهي بيت إيل هو وجميع الذين معه، وبنى ثم مذبحا ودعا الموضع إله بيت إيل لأنه هناك تجلى له الله حين هرب من وجه أخيه" (التكوين، 16/6). ومما يعزز هذا الافتراض هو أن بيت إيل التاريخية تقع في نطاق ما يعرف اليوم برام الله، مما يعني أن الكلمة ظلت قائمة وحرفت أو تطورت أو ترجمت إلى رام الله ، أي بيت الله أو مسجد الله، وهو المكان العالي الذي كان الأقدمون يختارونه لإقامة العبادات ظنا منهم أنه سيكون أقرب للرب الذي يقطن السموات، وما يزال هذا الاعتقاد ساريا دون أن تنفيه الديانات بما فيها خاتم الأديان، الدين الإسلامي.
الأمر الثاني الذي يدعم افتراض أن إيل هو الله نفسه هو أن الموحدين والوثنيين على السواء ظلوا يستخدمون اسم "إيل" كمعبودهم، لكن الفرق أن الوثنيين راحوا يشركون بعبادة إيل آلهة أخرى ظلت تتكاثر وتتقوى إلى أن صارت هي المقدمة على " إيل " نفسه، وهكذا تراجعت أهمية إيل ليبدو مثل الآلهة الأخرى في مراحل مبكرة ثم ليواصل التراجع في مراحل لاحقة لصالح بعل واللات والعزى ومناة وذو الشرى...إلخ من الآلهة التي سنستعرضها بعد قليل. وإيل ربما كان في اعتقاد البعض منهم أنه الإله الواحد الأحد إلى أن فسدت العقيدة فتزاحمت الأصنام والمعتقدات ولم يبق من عقيدة التوحيد غير شظايا من الآثار التي لا تكفي لاستجلاء كامل الحقيقة التي ظل القرآن الكريم يؤكدها، وهي أن الإنسان خلق ليعبد الله وأنه يدرك دينه وإلاهه بالفطرة ما لم يجر التأثير عليه بالتربية.
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ( (سورة الروم-30)(6) أنظر التفسير.
أما بالنسبة للأنباط ومعرفتهم بإيل، فإن اسماء بعض ملوكهم جاءت مضافة إلى إيل مثل "رب إيل" واسماء أخرى وردت في نقوشهم مثل "زيدإيل" و "سعد إيل" مما يدل أيضا على معرفتهم بإيل قبل أن تطغى عبادة الأصنام والآلهة الإشراكية. وفيما يلي ما عرف منها لديهم:
يتبع في الجزء التالي أصنام وآلهة الأنباط
جميع الحقوق محفوظة لدنيا الوطن © 2003 - 2010