النِّعمة النِّقمَة
بقلم : فرياد إبراهيم ( الزّبَرجَدي)
كان جاري العم عبدالله تاجرا بسيطا يكسب بعمله ما يسد الحاجة وما يقيم الأود .كان يعيش وحيدا في بيته بعد أن تزوج أطفاله وماتت زوجته. وكان يقارب الستين من العمر.
ولكنه ساءت به الحال بعد يسر بعد ان أصاب تجارته الكساد لمرات متكررة.
كنت اسمعه يوميا يشكو الى ربه بعد كل صلاة داعيا أياه: يا فتاح ،يارزاق. وكلما التقيت به شكا لي طعامه: " فطوري حساء عدس وغدائي طماطة وبصل وعشائي خبز ولبن، لم اذق للحم طعما منذ عيد الأضحى وذلك صدقة من الخيّرين ."
قلت له : " الحمد لله انك لا تزال تتمتع بصحة جيدة وتقوم وتمشي الى محلك على رجليك."
وكما يقال لا يثبت الزمن على حال. واصبر فإن الدهر لن يصبرا.
فصبر وزال الشقاء ونزل النعيم على العم عبدالله.
ربحت تجارته لمرات متتالية فجمع ثروة لا يستهان بها. وفتح سوبر ماركت كبيرة في وسط المدينة.
وكان محل القصاب أول مكان وطئته قدماه في نعيمه هذا ولم يلتفت الى حانوت الخضرواتي بعد ذلك اليوم.
وكان يفتخر أمام اقرانه: أفطر لحم مشوي صباحا، واتغذى كباب وشاورمة ظهرا واتعشى الدجاج المشوي مساء .
ارتفعت بطنه إرتفاعا سريعا كما ترتفع بطن الحامل. وزاد الأمر سوءا بعد أن اشترى سيارة سوبر تيوتا صالون فهجر المشي. و كلما توسعت تجارته توسعت مصارينه.
حتى كاد الزائر المنقطع عنه لردح من الزمن لا يعرفه لفرط البدانة والتكور.
دام هكذا في حياة سمّاها حياة الملوك: أكل، شرب، ونوم. الى أن مرض من التخمة والكسل. فأصيب بأمراض الملوك والأغنياء: داء النقرس ، الم المفاصل ، أمراض القلب والشرايين وضغط الدم واخيرا أصيب بعجز الكلى.
لزم داره وانفق ما أدخره من ثروة على الأطباء والدواء. فتضائل ماله يوما بعد يوم الى ان اضمحل ونفذ. وعاد كما كان فقيرا . وعاد الى طعام الصعاليك: حساء العدس والطماطة والبصل والخبز واللبن.
وبعد أشهر من أفلاسه هزل ونحف ونزل وزنه أخيرا الى حده المألوف.
وعاد اليه نشاطه وفي حيرة منه فاستغنى وهو صعلوك عن القسم الأكبر من الأدوية التي كان يتناولها وهو ملك.
وثم عاد الى محله القديم الضيق. وعاود مشيته الذهبية اليه.
وسمعته يوما يناجي ربه:
" الحمد الله على إذهابك لنقمة حسبتها نعمة."
وحين التقيت به آخر مرة رفع رأسه الى السماء مناجيا:
" إلهي، كأني بك تمنح للعبد أحد اثنين : امّا الصحة وإما الثروة.
وكأنهما لا يجتمعان في شخص واحد."
فلم أجد أفضل من أن استشهد له بقول الجاحظ في البخلاء:
( ولو سألت حذاق الأطباء لأخبروك أن عامة أهل القبورإنما ماتوا بالتخم.)
فرياد إبراهيم ( الزَبَرجَدي)
بقلم : فرياد إبراهيم ( الزّبَرجَدي)
كان جاري العم عبدالله تاجرا بسيطا يكسب بعمله ما يسد الحاجة وما يقيم الأود .كان يعيش وحيدا في بيته بعد أن تزوج أطفاله وماتت زوجته. وكان يقارب الستين من العمر.
ولكنه ساءت به الحال بعد يسر بعد ان أصاب تجارته الكساد لمرات متكررة.
كنت اسمعه يوميا يشكو الى ربه بعد كل صلاة داعيا أياه: يا فتاح ،يارزاق. وكلما التقيت به شكا لي طعامه: " فطوري حساء عدس وغدائي طماطة وبصل وعشائي خبز ولبن، لم اذق للحم طعما منذ عيد الأضحى وذلك صدقة من الخيّرين ."
قلت له : " الحمد لله انك لا تزال تتمتع بصحة جيدة وتقوم وتمشي الى محلك على رجليك."
وكما يقال لا يثبت الزمن على حال. واصبر فإن الدهر لن يصبرا.
فصبر وزال الشقاء ونزل النعيم على العم عبدالله.
ربحت تجارته لمرات متتالية فجمع ثروة لا يستهان بها. وفتح سوبر ماركت كبيرة في وسط المدينة.
وكان محل القصاب أول مكان وطئته قدماه في نعيمه هذا ولم يلتفت الى حانوت الخضرواتي بعد ذلك اليوم.
وكان يفتخر أمام اقرانه: أفطر لحم مشوي صباحا، واتغذى كباب وشاورمة ظهرا واتعشى الدجاج المشوي مساء .
ارتفعت بطنه إرتفاعا سريعا كما ترتفع بطن الحامل. وزاد الأمر سوءا بعد أن اشترى سيارة سوبر تيوتا صالون فهجر المشي. و كلما توسعت تجارته توسعت مصارينه.
حتى كاد الزائر المنقطع عنه لردح من الزمن لا يعرفه لفرط البدانة والتكور.
دام هكذا في حياة سمّاها حياة الملوك: أكل، شرب، ونوم. الى أن مرض من التخمة والكسل. فأصيب بأمراض الملوك والأغنياء: داء النقرس ، الم المفاصل ، أمراض القلب والشرايين وضغط الدم واخيرا أصيب بعجز الكلى.
لزم داره وانفق ما أدخره من ثروة على الأطباء والدواء. فتضائل ماله يوما بعد يوم الى ان اضمحل ونفذ. وعاد كما كان فقيرا . وعاد الى طعام الصعاليك: حساء العدس والطماطة والبصل والخبز واللبن.
وبعد أشهر من أفلاسه هزل ونحف ونزل وزنه أخيرا الى حده المألوف.
وعاد اليه نشاطه وفي حيرة منه فاستغنى وهو صعلوك عن القسم الأكبر من الأدوية التي كان يتناولها وهو ملك.
وثم عاد الى محله القديم الضيق. وعاود مشيته الذهبية اليه.
وسمعته يوما يناجي ربه:
" الحمد الله على إذهابك لنقمة حسبتها نعمة."
وحين التقيت به آخر مرة رفع رأسه الى السماء مناجيا:
" إلهي، كأني بك تمنح للعبد أحد اثنين : امّا الصحة وإما الثروة.
وكأنهما لا يجتمعان في شخص واحد."
فلم أجد أفضل من أن استشهد له بقول الجاحظ في البخلاء:
( ولو سألت حذاق الأطباء لأخبروك أن عامة أهل القبورإنما ماتوا بالتخم.)
فرياد إبراهيم ( الزَبَرجَدي)