المخيم عصرا
قصة : محمد عارف مشّه
اسند ابو خليل الزكراوي ظهره على الحائط امام دكانه . خشية ان يفقد توازنه على الكرسي ذي الثلاثة ارجل. اخرج علبة الهيشي . تناول ورقة تبغه . بللها بريقه . اخرج بين اصبعيه كمية من الهيشي . وضعها في ورقة التبغ . لفها . بللها بريقه من جديد ثم وضعها بفمه . اشعل قدّاحة الكاز عدة مرات فلم تشتعل فبان ضيقه وغضبه على وجه . نفث ضيقه . خضّ قداحة الكاز . اخفاها بيديه . حاول اشعالها ثانية فاشتعلت وأشعل سيجارته.
نفث ابو خليل حلقات الدخان من انفه وفمه متلذذا بينما كانت ورقة صحيفة قديمة تتطاير في الهواء اثر زوبعة خماسينية لم تستطع الزوبعة ابعاد الورقة لأكثر من تعلق الورقة على غصن شجرة التين التي تقف شامخة امام دكانه لتذكرّه دوما بتين الخليل وكأن الورقة تركض نحو موطنها على الغصن . ابتسم ابو خليل لفلسفته حكاية تطاير الورقة وأخذ نفسا عميقا متفاخرا بذكائه .
اطلق ابو خليل نظره نحو مصدر ازعاج اولاد الحارة امام دكانه :
طاق طاق طاقية
شباكين بعليّه
رن رن ياجرس
حوّل واركب ع الفرس
ياعمي ياجمّال سرقولك جمالك
سيفي تحت راسي مابسمع كلامك
لمح ابو خليل ابنه احمد يحمل قطعة قماش ويدور حول الجالسين على الأرض بشكل دائري من الأولاد والبنات قبل ان يضع قطعة القماش خلف احدهم سرا . نهر ابو خليل ولده احمد والأولاد ان يكفّوا عن الصراخ والضجيج فصمتوا قليلا ثم عادوا ثانية
طاق طاق طاقية
لوّح ابو خليل بعكازته امام الأولاد لاعنا اباءهم وامهاتهم . فخاف الأولاد وهربوا بعد أن اوهمهم برفع قنبازه استعداد لنهوضه وضربهم بعصاه . فضحك ابو خليل ضحكته الرنانة والمعهود عنها بكبر ضجيج ضحكته رغم ضآلة جسمه ونحوله ولم يدهش احد من المارّة لضحكات ابي خليل المتواصلة حتى تحمر وجنتاه وبلا مبرر احيانا فهو صاحب مزاج في الضحك – كما كان يصف نفسه . فقد كان الاتفاق الضمني وغير المعلن بينه وبين المارّة بأن لا يعلق احد على ضحكاته المتكررة خشية أن يتكرر فعل ابي خليل مع سعيد الأعرج ونجمة حين جاءت عروسا مغناجا ذات جمال زوجة لمنصور الذي لم ينجب من زوجاته الثلاث ليس عجزا منه كما كان يقول ولكن بسبب عدم قدرتهن على مجاراته في عدد المرات او طول كل مرّة . فبالنسبة للزوجة الأولى فقد تأخى لحمه مع لحمها كما كان يقول .
ضحكت نجمة ضحكة رجراجة حين رأت ابا خليل لأول مرة وهو يمشي بشكل متواز فلعن ابو خليل ام نجمة وأباها وتهدد زوجها بالويل والثبور وعظائم الأمور . فازدادت ضحكاتها مستهزئة بأبي خليل وهي تقول : اتستطيع انت بنحالة جسمك فعل شي مثل هذا ؟ سألته متحدّية وأضافت اما أسدي وروح عمري منصورفيفعل ما تعجز انت عن فعله وأتبعتها بضحكة مغناّجة رنانة
استشاط ابو خليل غضبا لاتهامه بقصر جسده ونحالته امام ضخامة جسد منصور . فتقدم سعيد الأعرج لإشهار كرامته وشدة بأسه ومراسه في قتال الرجال امام نجمة كيف ينال اعجابها واقتصاصه من ابي خليل معتزا بضخامة جسمة ونحالة جسم ابي خليل
أرغد سعيد وأزبد ثم اندفع فحيحه نحو ابي خليل الذي ظل جالسا على كرسيه ذي الثلاثة ارجل بغير مبالاة لقدوم سعيد نحوه إلى ان وصل سعيد إليه فقفز بضربة من عصاه على عيني سعيد ادت لفقدان توازنه وسقوطه ارضا فصرخ اولاد الحارة ضاحكين لتكوّم جسد سعيد الضخم على الأرض وشمت بسقوطه رجال الحارة وهو الذي كاد ان يتعلب على الملاكم الطنبوري بالضربة القاضية في المدرج الروماني في عمان وقد شاهد المباراة مالايقل عن مائة شخص لولا الحكم الذي راح يمط واااااااااااااحد اثناااااااااااااااان الى ان استيقظ الطنبوري من لكمة سعيد الأعرج والتي اسقطته أرضا
إيه الله يستر على الجميع همس بها ابو خليل لنفسه
مرحبا
... التفت أبو خليل إلى مصدر الصوت فوجد ضياء ينفلت فجأة من عيني البنت
نعم قال أبو خليل
حضرتك السيد أبو خليل ؟
من انت؟
أنا نجمة أمي تسلم عليك
أمك؟
أمي نجمة
نجمة ....... نجمة ....... نجمة زوجة منصور؟
من منصور ياعم ؟ امي نجمة زوجة سعيد
سعيد بائع الخضار ؟ ..... سعيد الأعرج ؟
ههههههههههههه انفجرت ضحكة مجنونة من بين شفتي أبي خليل كرعد ثم قال ممازحا أهي نجمة طلقت منصور وتزوجت سعيد الاعرج؟ ومنصور ماذا فعلت به ؟ باعته؟
من منصور ؟ تساءلت البنت بدهشة واستغراب
وماذا تريد مني الست نجمة ؟
تناول ابو خليل ورقة تبغه ثانية وبللها بريقه . انتبه لوجود الأطفال ولعبهم بكرة مصنوعة من جورب قديم يثيرون الضحاك والصراخ وضجيج التراب والزوابع الخماسينية الصغيرة فينهرهم ثانية لاعنا اهاليهم جميعا ثم يواصل لفّ سيجارة تبغه ويشعلها الذي استغرب لاشتعال قداحته سريعا فنظر اليها طويلا مستغربا بدهشة وهو يدسها في جيب قمبازه وينفث اول نفس من سيجارته باتجاه البنت دون اكتراث لوجودها فتغلق البنت فهما وانفها من شدة رداءة الرائحة ثم تسعل فينتبه ابو خليل لسعالها ثم ينظر باتجاه باب بيته المبني من الطين في اول الشارع ماطّا رقبته كديك ثم يصيح : يازياد .... اين انت يازياد . ولأول مرة ينتبه ابو خليل بأن باب بيته الحديدي الأحمر قد اختلط لونه بسبب الصدأ فيلعن الصدأ وأهله والذي كان سببا في تغير لون الباب الحديدي .
كرر أبو خليل النداء على ابنه زياد مرتين فلم يخرج له احد . .... لقد اقترب موعد صلاة المغرب قالها ابو خليل هامسا لنفسه بحسرة وأضاف : لم يأت احد ليجلس في الدكان بدلا عني . صرخ بصوت اكثر ارتفاعا : زياد ياابن الكلب ، فخرج اليه ابنه احمد مبتسما . استشاط ابو خليل غضبا وهو يسأل :
أين زياد؟
انه يدرس
التفت أبو خليل للبنت وكأنه يراها لأول مرة ثم سأل : من حضرتك؟
أنا نجمة
أنت نجمة ام أن امك نجمة ؟
انا اسمي نجمة واسم امي نجمة ايضا . قالتها البنت ضاحكة
واين القمر ؟ قالها ابو خليل باستهزاء واضاف موجها كلامه لنجمة : انتبهي للدكان انت والولد الصغير الى حين عودتي بعد صلاة المغرب كي اعيدك إلى امك . قالها وهو ينهض متكئا على عصاه محاولا عدم اختلال جسده عن الكرسي وسقوطه ارضا .
سار ابو خليل ببطء متكئا على عكازه إلى أن وصل باب بيته فدفعه بعصاه ثم دخل متجها إلى الحمّام لقضاء جاحته وتأدية فرائض الوضوء استعداد لصلاة المغرب . خرج زياد وبيده قطعة خبز يقضم منها ويتبعها بقضمة من حبة البندورة وهو يشير لأخته نعمة : من بالحمّام ؟
أشارت له اخته نعمة بإصبعيها نحو اسفل انفها دلالة ضخامة شارب ابيها .... ياحبيبي قالها زياد هامسا بضيق ورغبة شديدة في قضاء حاجته . وأين احمد أشار لها بيده . فاشارت بإشارات الصم بأنه في الدكان .
مع من؟ ساّل زياد بالإشارة
لا أعرف اجابت باشارة الصم .
تنحنح أبو خليل حين خروجه من الحمّام يحمل ابريق الوضوء الفخاري وقال : بسم الله الرحمن الرحيم وهو يرفع اكمام قمبازه عن يديه الى الأعلى وأطراف قمبازه يضعها في حضنه خشية اتساخ اطراف القمباز فأعلن المؤذن اقامة الصلاة .
استغفر الله العظيم قالها ابو خليل . لقد اضعت صلاة الجماعة في المسجد . انهي ابو خليل وضوءه ثم افسح المجال لابنه زياد بدخول الحمّام من اجل قضاء حاجته وهو يقول له : صل المغرب واذهب اغلق الدكان مع اخيك احمد
حاضر قال زياد
انهي زياد صلاة المغرب مع ابيه جماعة ثم خرج مسرعا نحو الدكان بينما تقافزت الدجاجات مذعورة ونفش الديك ريشه معلنا الحرب على زياد حين رفس دجاجة كانت احدى محظيات الديك بينا اتجهت نعمة نحو حوش الدار ترش الماء وتكنس الارض وتضع الفراش لأبيها امام المذياع الكبير محركا ابرة المذياع يمينا وشمالا علّه يلتقط خبرا عن فلسطين او عن جمال عبد الناصر وتسليحه الجيش استعداد للحرب مع اليهود واسترداد فلسطين المغتصبة . فقد تحدّى ابو خليل ابا جمال صاحب مقهى العودة في اول المخيم على الشارع العريض والذي كان يجبر الحضور على دفع ثمن كأس شاي اضافي في حالة وجود اجتياحات اسرائيلية للمناطق الأردنية أو وجود اخبار جديدة عن حرب الاستزاف السورية – الاسرائيلية . وعلى الحضور دفع نصف دينار في حالة رغبة احدهم بالاستماع لخطاب جمال عبد الناصر بصوت هامس اذا لم يكن احد من المخبرين في المقهى طبعا لما لخطورة الموقف كا كان يزعم ابو جمال من أجل أن يبتزّ الحضور واخضاعهم لرغباته المستمرة في الابتزازمادام انه فإذا تواجد احد من متنفذي او وجهاء المخيم امثال أبي عدنان الذي كان يتنكر باسمه ظنا منه بأن الحكومة لا تعرف بشيوعيته او علي الصقري والذي كان يتنكر ببعثيته خشية كشف امره من الحكومة إضافة الى الناصريين الذين كانو ينتشرون في المخيم سرا وعلانية ويعلنون عداءهم للأخوان المسلمين الذين كانوا يتمتعون في المخيم بحرية اكبر من باقي التنظيمات والقوى السياسية في المخيم .
انتهت النوسيقى العسكرية من اذاعة صوت العرب وجاء صوت المذيع جهوريا ....... مازلنا في انتظار سيادة الرئيس جمال عبد الناصر وتفضله بالقاء خطابهو ...... فصاح ابو خليل فرحا : ينصر دينك يا ابا خالد .
واصل زياد سيره باتجاه دكان ابيه وهو يلمح بقالة كتب عليها دكان العجوري . ملحمة اليافاوي . خضار البيساني ......... لماذا يسمي الاشخاص أنفسهم باسماء قراهم وبلدانهم في فلسطين ؟ سأل زياد اباه ذات لحظة صفاء . تنهد أبو خليل وهو يشعل سيجارة الهيشي وقال: نسي الناس اسماءهم ليتذكروا بلدانهم المغتصبة يا زياد
وصل زياد الدكان ففوجيء بفتاة ارتعشت لها جوانحه حين رأها تقف خلف الميزان الحديدي في دكان أبيه .
تفضل يا أخ قالت البنت مبتسمة فتراقص قلب زياد لابتسامتها
اخ؟ قال زياد باستغراب وأضاف : انا زياد
اهلا يازياد ماذا تريد ؟ علبة سجائر؟ قالت جملتها الأخيرة مبتسمة
أنا زياد ابن ابي خليل صاحب الدكان ........ من أنت ؟
أنا نجمة ؟
يارب السماء انت قمر ولست نجمة قالها زياد بهمس
لماذا تقف هناك تعال ادخل
رفع زياد العارض الخشبي والذي يمنع دخول الزبائن الى الدكان وإبقائهم يقفون خارج الدكان صيفا وشتاء ثم دخل .
في أي صف انت ؟ في الإعدادي ؟
لا انا توجيهي
توجيهي؟ قالتها نجمة باستغراب وأضافت : وانا معلمة .
معلمة؟
نعم معلمة لغة عربية . تعال واجلس قالتها نجمة وهي تبتسم ابتسامة قاهرة لأعتى الرجال وأقواهم وليست لشخص مثل زياد مازال غضا لم تبتسم له بنت قط غير اخته .
سحبت نجمة زيادا من يده ومشت معه خطوتين ثم اجلسته جوارها وهي تقول : هل تحب اللغة العربية ؟
احبها كثيرا ومعلم اللغة العربية يقول بأني شاعر .... قال جملته الأخيرة متفاخرا
بجد؟ قالت نجمة وضحكت ضحكة مغناجة
طأطأ زياد برأسه خجلا بينما تعثرت الحروف في جنبات فمه فخرجت الكلمات متعثرة خجلة نعم و......
اكمل . ..... ماذا؟
صمت زياد ولم ينطق فأضافت نجمة : هل تحفظ شيئا من أشعارك؟ أسمعني .
عادت فالتصقت الحروف في سقف حلقه وهو يواري خجله حين قال : اسمعي هذه القصيدة اني احفظها وأحبها ايضا
هات اسمعني ولم تبتسم
أنت الليلة أنثاي
قال زياد وأضاف :
كوني الليلة أنثاي
في ليلة القبلة هذه
في ليلة الحب هذه
امرأة من خمر وشهد من ذكريات
أنت الليلة قمري والضياء الذي يسري في جسدي كما اجتياح النور لقلوب الاتقياء
*************
انت ماتبقى لي من لحظة
أو رصاصة في جيب عشقي
ابحث عنك
في روحي وفي مسامات جسدي المباح
ككل مدني المستباحة لاستعمار عينيك
...............
انت الليلة انثاي
فكوني الليلة انثاي
ودعيني أبحر في جسد الاهات
أبحريني في عينيك زورقا وضياء
واجعلي
دمي
عشقي
روحي
كل شيء لأجلك مستباح
واعتقيني إن شئت من جمرالغانيات
انقذيني من سحر العيون الزائغات
افرطيني كحبات العقد في جيد حسناء
ولملميني عن أرصفة الطرقات
والمقاهي وعيون الغانيات
اعتقيني ان شئت واجعليني
لعينيك اسهر كل مساء
فانا من اجلك سيدتي
عشقت كل النساء
وماعاد حنيني يشتعل شوقا
الا إليك كل مساء
فآويني طفلا شردته الاحزان وضميني
كما شيخ قد عاد
يبحث عن وطنه في عيون النساء
اجعليني ناسكا
راهبا
شيخا تقيا
او فاتركيني اعبث في عيون النساء
لكني لا أرغب ابدا عن وطن
يغنيني
يسعدني
يشقيني
يلملمني
يبعثرني
يعيدني
ينقلني لوطن
في عيني حسناء
لا ارضى ابدا سيدتي بغير امرأة اختصر فيها كل النساء
تملؤني
تحرقني
تشعلني
تطفؤني
تبعث فيّ اشياء
واشياء
واشياء
الله قالت نجمة مبتسمة وأضافت : ومن هذه صاحبة الحظ السعيد؟
من ؟ سأل زياد
التي تحبها
انا؟
لا تخجل قل لي من هي سأخطبها لك قالتها ممازحة لزياد وهي تتعمد ملاصقة فخذها اللدن بساقه فارتعش جسد زياد كما العصفور المبتل وهو يبعد ساقه عن فخذها وقال : هل اعجبتك ؟
تماوج شعر نجمة مع نسمة هواء هبت فتراقص لها مصباح الكاز المعلق في دكان أبي خليل فشّكّل ضوء مصباح الكاز قوس قزح تلألأ على وجنتي نجمة وهي تقول هل تحفظ غيرها
سيدة الغياب .... قال زياد احفظ قصيدة الغياب
اسمعي
طال انتظاري سيدتي
عشعش الشوق في الروح سيدتي
هيمن في داخلي
سيطّر عليّ
جذبني نحو القاع
فكان قاع البحر عميقا
مظلما
قاع البحر الابيض اسودا
قاع البحر الاحمر اسودا
قاع الاشتياق اليك اسودا
.........................
قتلني الشوق
قتلني الحنين
صوتك يهمس في اذني
رائحة قبلاتك تلسعني
تميتني في اللحظة الواحدة الاف الميتات
ثم اصحو
ثمة خوف في داخلي
ثمة أشواك في داخلي
ثمة اشياء في داخلي تؤلمني
حبي اليك يؤلمني
يقولون الحب سعادة
غبي من قال هذا
لم يعشق امرأة مثلك
ولم يعشق امرأة مثلك
من قال ان الحب سعادة
حبك يؤلمني سيدتي
لان حبي ليس ككل الرجال
وأنت لست ككل النساء
حبي متميز سيدتي
حبي نار
وأنت من اشعلت النار
في غيابك نار
في حضورك نار
انت النار
سيدتي
وأنا من يتألم
بألم النار
مازال مصباح الكاز يتراقص كغانية على شرفة وجنتي نجمة حين دخلت الفرخة السوداء فجأة وهي تصرخ : بنت في الدكان ؟ وأضافت ياللعيب وياللعار قالت الفرخة صارخة وهي ترفع بصوتها كي يسمعها المارّة ويتعرّفون على جريمة يقترفها زياد في دكان أبيه مع بنت من بنات المخيم
خالتي الفرخة ارجوك لا تفهميني خطأ
فرخة تبيض بعينك انا اسمي ام سالم ياولد
اغمضت الفرخة عينا وحدقت بعينها الأخرى كي ترى من خلال عتمة الدكان وضعف ضوء المصباح الباهت وجه البنت وتتحقق ابنة من هي فقال زياد : ارجوك خالتي ام سالم السوداء
اخرس ياولد زعقت ام سالم كعرسة
تفضلي ياخالتي قال زياد
خالتك ؟ تفو عليك وعليها وعلى تربيتك يا ابن المدارس يامتعلم
خالتي لا تفهميني خطأ
خطأ؟
ياخالة انها نجمة
نجمة هههههه بنت القمر ؟ قالتها الفرخة بسخرية وشماتة وهي تسير باتجاه الطاولة الخشبية والمنتصب فوقها الميزان الحديدي كأبي الهول تقترب من نجمة وتشد شعرها بعنف فتصرخ نجمة من شدة الألم يهرع لها زياد محاولا انقاذها من بين يديّ الفرخة السوداء لكنها سرعان ماتزعق في وجهه فيرتد مبتعدا عنهن حين لمح صورة وجه ابيه تقترب منه مؤنبة ورافعا العصا في وجهه وهو يقول صارخا مؤنبا ياابن الكلب بنت في الدكان ؟
تركت الفرخة السوداء شعر البنت بينما راحت نجمة تلملم شعرها المبعثر مبتعدة عن الفرخة محتمية بأبي خليل وهي تبرر انا ابنة نجمة ياعم هل نسيتني ؟
ابنة نجمة ؟ زعقت الفرخة ؟ نجمة ذاتها التي كانت ....... ياللعار ومالذي جاء بها الى هنا يا حاج ؟
صل على النبي ياحرمة قالها أبو خليل
يامثبّت العقل والدين يارب ...... لا نلوم ابنك ففرخ البط عوّام . طالع لأبيه .قالتها الفرخة لأبي خليل وخرجت مسرعة خائفة من عصاه بينما وجّه عصاه لكتف زياد وهو يقول : اذهب مع البنت إلى الدار وفي الدار سنتفاهم .
خرج زياد مطأطيء الرأس خجلا وقد نسي ان يوقظ اخاه احمد فصرخ ابو خليل كي يعود زياد ويخرج مع اخيه ونجمة الى الدار بينما بقي ابو خليل في دكانه يجمع النقود من جارور الطاولة الخشبية
................. ...............
هل كتبت لفلسطين؟
قالت نجمة لزياد بينما كان يسير مطأطأ الرأس في المقدمة خلف احمد الصغير
فلسطين؟ قالها زياد كمن لدغته عقرب فجأة
عن فلسطين نعم عن فلسطين قالتها بصوت مرتفع فهمس لها قائلا : اسكتي أرجوك قبل أن يسمعك ال......
خائف ان تذكر اسمهم حسنا سأخفض صوتي : هل كتبت لفلسطين ؟ هل صوتي منخفض الان ؟ قالتها بشيء من السخرية بينما انسدلت خصلة من شعرها امام عينيها ردّتها بتلقائية خلعت قلب زياد وتبعثرت نظراته خطواته .
ما بك هل انت مريض؟
لا قال زياد وهو يحاول مقاومة انفاسها التي كادت ان تحرق وجهه حين اقتربت منه قائلة : استند عليّ
لا . لا ابتعدي عني صرخ لسانه فهمست جوانحه اقتربي اكثر يانجمة والتصقي بأرضي .
فلسطين؟ قال زياد
نعم فلسطين بلدك وأرضك وناسك . فلسطين التراب والحقول والبيارات . فلسطين ال.......
صراعنا ليس صراعا على الأرض والتراب يا نجمة . صراعنا على الهوية والثقافة والانتماء .
هل انت ناصري؟
لا
بعثي ؟
لا
شيوعي ؟
لا
اذن ماذا أنت ؟
انا انسان
وانا انسانة ايضا
اعرف
التفتت نجمة فجأة ووقفت كمن تريد قطع الطريق عليه في مقابلتها له وقالت بإصرار وتحد المهم ان فلسطين مازالت محتلة من اليهود
عرفت وقد استمعت عن ذلك بالأخبار يوم امس قالها زياد بسخرية ومرارة وهو يحاول ابعاد نجمة عن طريقه
يوم امس ؟ ضحكة صغيرة وأضافت جيد انك عرفت يوم امس ان فلسطين محتلة من اليهود
لقد وصلنا هاهو بيتنا المتواضع تفضلي قالها وهو يخلي لها الطريق كي تدخل من الباب الضيق بينما هي دسّت ورقة في جيبه ومضت الى الداخل فراحت نظراته تلاحق مؤخرة نجمة ولم يغض بصره .
دخل زياد بنظرة مختبئة خلف خجله وخوفه من عقاب ابيه متوسلة لأبي خليل أن لا يهينه بكلمة جارحة امام نجمة ففهم أبو خليل وتجاهل وجود زياد حين دخل خلف نجمة وقال : ادخلي عند نعمة وأشار لها بيده .
دخلت نجمه وتبعها زياد فنهره الأب بنحنحة افهمت زياد ان لا يفكر في الدخول ثانية فعاد زياد الى الخلف .
صليت العشاء ؟ سأل ابو خليل ابنه
لا
وماذا تنتظر ؟ اذهب وصل العشاء ثم عد لدراستك وأنا سأنام هنا احرس البنتين .
حاضر ........ قالها زياد وذهب معلنا اقامة صلاة العشاء .
قرأ زياد في صلاته الورقة التي دسّتها نجمة في جيبه وتخيل كلمات الحب والأعجاب التي بثتها نجمة في رسالتها . وقد تخيل الزمان والمكان وكاد ان...... لولا انه تذكّر انه في صلاته لم يقرأ التشهد بل قرأ بدلا منه الفاتحة وسورة صغيرة خلال جلوسه للتشهد فاستغفر الله وتذكّر تشهده وإكمال صلاته .
قصة : محمد عارف مشّه
اسند ابو خليل الزكراوي ظهره على الحائط امام دكانه . خشية ان يفقد توازنه على الكرسي ذي الثلاثة ارجل. اخرج علبة الهيشي . تناول ورقة تبغه . بللها بريقه . اخرج بين اصبعيه كمية من الهيشي . وضعها في ورقة التبغ . لفها . بللها بريقه من جديد ثم وضعها بفمه . اشعل قدّاحة الكاز عدة مرات فلم تشتعل فبان ضيقه وغضبه على وجه . نفث ضيقه . خضّ قداحة الكاز . اخفاها بيديه . حاول اشعالها ثانية فاشتعلت وأشعل سيجارته.
نفث ابو خليل حلقات الدخان من انفه وفمه متلذذا بينما كانت ورقة صحيفة قديمة تتطاير في الهواء اثر زوبعة خماسينية لم تستطع الزوبعة ابعاد الورقة لأكثر من تعلق الورقة على غصن شجرة التين التي تقف شامخة امام دكانه لتذكرّه دوما بتين الخليل وكأن الورقة تركض نحو موطنها على الغصن . ابتسم ابو خليل لفلسفته حكاية تطاير الورقة وأخذ نفسا عميقا متفاخرا بذكائه .
اطلق ابو خليل نظره نحو مصدر ازعاج اولاد الحارة امام دكانه :
طاق طاق طاقية
شباكين بعليّه
رن رن ياجرس
حوّل واركب ع الفرس
ياعمي ياجمّال سرقولك جمالك
سيفي تحت راسي مابسمع كلامك
لمح ابو خليل ابنه احمد يحمل قطعة قماش ويدور حول الجالسين على الأرض بشكل دائري من الأولاد والبنات قبل ان يضع قطعة القماش خلف احدهم سرا . نهر ابو خليل ولده احمد والأولاد ان يكفّوا عن الصراخ والضجيج فصمتوا قليلا ثم عادوا ثانية
طاق طاق طاقية
لوّح ابو خليل بعكازته امام الأولاد لاعنا اباءهم وامهاتهم . فخاف الأولاد وهربوا بعد أن اوهمهم برفع قنبازه استعداد لنهوضه وضربهم بعصاه . فضحك ابو خليل ضحكته الرنانة والمعهود عنها بكبر ضجيج ضحكته رغم ضآلة جسمه ونحوله ولم يدهش احد من المارّة لضحكات ابي خليل المتواصلة حتى تحمر وجنتاه وبلا مبرر احيانا فهو صاحب مزاج في الضحك – كما كان يصف نفسه . فقد كان الاتفاق الضمني وغير المعلن بينه وبين المارّة بأن لا يعلق احد على ضحكاته المتكررة خشية أن يتكرر فعل ابي خليل مع سعيد الأعرج ونجمة حين جاءت عروسا مغناجا ذات جمال زوجة لمنصور الذي لم ينجب من زوجاته الثلاث ليس عجزا منه كما كان يقول ولكن بسبب عدم قدرتهن على مجاراته في عدد المرات او طول كل مرّة . فبالنسبة للزوجة الأولى فقد تأخى لحمه مع لحمها كما كان يقول .
ضحكت نجمة ضحكة رجراجة حين رأت ابا خليل لأول مرة وهو يمشي بشكل متواز فلعن ابو خليل ام نجمة وأباها وتهدد زوجها بالويل والثبور وعظائم الأمور . فازدادت ضحكاتها مستهزئة بأبي خليل وهي تقول : اتستطيع انت بنحالة جسمك فعل شي مثل هذا ؟ سألته متحدّية وأضافت اما أسدي وروح عمري منصورفيفعل ما تعجز انت عن فعله وأتبعتها بضحكة مغناّجة رنانة
استشاط ابو خليل غضبا لاتهامه بقصر جسده ونحالته امام ضخامة جسد منصور . فتقدم سعيد الأعرج لإشهار كرامته وشدة بأسه ومراسه في قتال الرجال امام نجمة كيف ينال اعجابها واقتصاصه من ابي خليل معتزا بضخامة جسمة ونحالة جسم ابي خليل
أرغد سعيد وأزبد ثم اندفع فحيحه نحو ابي خليل الذي ظل جالسا على كرسيه ذي الثلاثة ارجل بغير مبالاة لقدوم سعيد نحوه إلى ان وصل سعيد إليه فقفز بضربة من عصاه على عيني سعيد ادت لفقدان توازنه وسقوطه ارضا فصرخ اولاد الحارة ضاحكين لتكوّم جسد سعيد الضخم على الأرض وشمت بسقوطه رجال الحارة وهو الذي كاد ان يتعلب على الملاكم الطنبوري بالضربة القاضية في المدرج الروماني في عمان وقد شاهد المباراة مالايقل عن مائة شخص لولا الحكم الذي راح يمط واااااااااااااحد اثناااااااااااااااان الى ان استيقظ الطنبوري من لكمة سعيد الأعرج والتي اسقطته أرضا
إيه الله يستر على الجميع همس بها ابو خليل لنفسه
مرحبا
... التفت أبو خليل إلى مصدر الصوت فوجد ضياء ينفلت فجأة من عيني البنت
نعم قال أبو خليل
حضرتك السيد أبو خليل ؟
من انت؟
أنا نجمة أمي تسلم عليك
أمك؟
أمي نجمة
نجمة ....... نجمة ....... نجمة زوجة منصور؟
من منصور ياعم ؟ امي نجمة زوجة سعيد
سعيد بائع الخضار ؟ ..... سعيد الأعرج ؟
ههههههههههههه انفجرت ضحكة مجنونة من بين شفتي أبي خليل كرعد ثم قال ممازحا أهي نجمة طلقت منصور وتزوجت سعيد الاعرج؟ ومنصور ماذا فعلت به ؟ باعته؟
من منصور ؟ تساءلت البنت بدهشة واستغراب
وماذا تريد مني الست نجمة ؟
تناول ابو خليل ورقة تبغه ثانية وبللها بريقه . انتبه لوجود الأطفال ولعبهم بكرة مصنوعة من جورب قديم يثيرون الضحاك والصراخ وضجيج التراب والزوابع الخماسينية الصغيرة فينهرهم ثانية لاعنا اهاليهم جميعا ثم يواصل لفّ سيجارة تبغه ويشعلها الذي استغرب لاشتعال قداحته سريعا فنظر اليها طويلا مستغربا بدهشة وهو يدسها في جيب قمبازه وينفث اول نفس من سيجارته باتجاه البنت دون اكتراث لوجودها فتغلق البنت فهما وانفها من شدة رداءة الرائحة ثم تسعل فينتبه ابو خليل لسعالها ثم ينظر باتجاه باب بيته المبني من الطين في اول الشارع ماطّا رقبته كديك ثم يصيح : يازياد .... اين انت يازياد . ولأول مرة ينتبه ابو خليل بأن باب بيته الحديدي الأحمر قد اختلط لونه بسبب الصدأ فيلعن الصدأ وأهله والذي كان سببا في تغير لون الباب الحديدي .
كرر أبو خليل النداء على ابنه زياد مرتين فلم يخرج له احد . .... لقد اقترب موعد صلاة المغرب قالها ابو خليل هامسا لنفسه بحسرة وأضاف : لم يأت احد ليجلس في الدكان بدلا عني . صرخ بصوت اكثر ارتفاعا : زياد ياابن الكلب ، فخرج اليه ابنه احمد مبتسما . استشاط ابو خليل غضبا وهو يسأل :
أين زياد؟
انه يدرس
التفت أبو خليل للبنت وكأنه يراها لأول مرة ثم سأل : من حضرتك؟
أنا نجمة
أنت نجمة ام أن امك نجمة ؟
انا اسمي نجمة واسم امي نجمة ايضا . قالتها البنت ضاحكة
واين القمر ؟ قالها ابو خليل باستهزاء واضاف موجها كلامه لنجمة : انتبهي للدكان انت والولد الصغير الى حين عودتي بعد صلاة المغرب كي اعيدك إلى امك . قالها وهو ينهض متكئا على عصاه محاولا عدم اختلال جسده عن الكرسي وسقوطه ارضا .
سار ابو خليل ببطء متكئا على عكازه إلى أن وصل باب بيته فدفعه بعصاه ثم دخل متجها إلى الحمّام لقضاء جاحته وتأدية فرائض الوضوء استعداد لصلاة المغرب . خرج زياد وبيده قطعة خبز يقضم منها ويتبعها بقضمة من حبة البندورة وهو يشير لأخته نعمة : من بالحمّام ؟
أشارت له اخته نعمة بإصبعيها نحو اسفل انفها دلالة ضخامة شارب ابيها .... ياحبيبي قالها زياد هامسا بضيق ورغبة شديدة في قضاء حاجته . وأين احمد أشار لها بيده . فاشارت بإشارات الصم بأنه في الدكان .
مع من؟ ساّل زياد بالإشارة
لا أعرف اجابت باشارة الصم .
تنحنح أبو خليل حين خروجه من الحمّام يحمل ابريق الوضوء الفخاري وقال : بسم الله الرحمن الرحيم وهو يرفع اكمام قمبازه عن يديه الى الأعلى وأطراف قمبازه يضعها في حضنه خشية اتساخ اطراف القمباز فأعلن المؤذن اقامة الصلاة .
استغفر الله العظيم قالها ابو خليل . لقد اضعت صلاة الجماعة في المسجد . انهي ابو خليل وضوءه ثم افسح المجال لابنه زياد بدخول الحمّام من اجل قضاء حاجته وهو يقول له : صل المغرب واذهب اغلق الدكان مع اخيك احمد
حاضر قال زياد
انهي زياد صلاة المغرب مع ابيه جماعة ثم خرج مسرعا نحو الدكان بينما تقافزت الدجاجات مذعورة ونفش الديك ريشه معلنا الحرب على زياد حين رفس دجاجة كانت احدى محظيات الديك بينا اتجهت نعمة نحو حوش الدار ترش الماء وتكنس الارض وتضع الفراش لأبيها امام المذياع الكبير محركا ابرة المذياع يمينا وشمالا علّه يلتقط خبرا عن فلسطين او عن جمال عبد الناصر وتسليحه الجيش استعداد للحرب مع اليهود واسترداد فلسطين المغتصبة . فقد تحدّى ابو خليل ابا جمال صاحب مقهى العودة في اول المخيم على الشارع العريض والذي كان يجبر الحضور على دفع ثمن كأس شاي اضافي في حالة وجود اجتياحات اسرائيلية للمناطق الأردنية أو وجود اخبار جديدة عن حرب الاستزاف السورية – الاسرائيلية . وعلى الحضور دفع نصف دينار في حالة رغبة احدهم بالاستماع لخطاب جمال عبد الناصر بصوت هامس اذا لم يكن احد من المخبرين في المقهى طبعا لما لخطورة الموقف كا كان يزعم ابو جمال من أجل أن يبتزّ الحضور واخضاعهم لرغباته المستمرة في الابتزازمادام انه فإذا تواجد احد من متنفذي او وجهاء المخيم امثال أبي عدنان الذي كان يتنكر باسمه ظنا منه بأن الحكومة لا تعرف بشيوعيته او علي الصقري والذي كان يتنكر ببعثيته خشية كشف امره من الحكومة إضافة الى الناصريين الذين كانو ينتشرون في المخيم سرا وعلانية ويعلنون عداءهم للأخوان المسلمين الذين كانوا يتمتعون في المخيم بحرية اكبر من باقي التنظيمات والقوى السياسية في المخيم .
انتهت النوسيقى العسكرية من اذاعة صوت العرب وجاء صوت المذيع جهوريا ....... مازلنا في انتظار سيادة الرئيس جمال عبد الناصر وتفضله بالقاء خطابهو ...... فصاح ابو خليل فرحا : ينصر دينك يا ابا خالد .
واصل زياد سيره باتجاه دكان ابيه وهو يلمح بقالة كتب عليها دكان العجوري . ملحمة اليافاوي . خضار البيساني ......... لماذا يسمي الاشخاص أنفسهم باسماء قراهم وبلدانهم في فلسطين ؟ سأل زياد اباه ذات لحظة صفاء . تنهد أبو خليل وهو يشعل سيجارة الهيشي وقال: نسي الناس اسماءهم ليتذكروا بلدانهم المغتصبة يا زياد
وصل زياد الدكان ففوجيء بفتاة ارتعشت لها جوانحه حين رأها تقف خلف الميزان الحديدي في دكان أبيه .
تفضل يا أخ قالت البنت مبتسمة فتراقص قلب زياد لابتسامتها
اخ؟ قال زياد باستغراب وأضاف : انا زياد
اهلا يازياد ماذا تريد ؟ علبة سجائر؟ قالت جملتها الأخيرة مبتسمة
أنا زياد ابن ابي خليل صاحب الدكان ........ من أنت ؟
أنا نجمة ؟
يارب السماء انت قمر ولست نجمة قالها زياد بهمس
لماذا تقف هناك تعال ادخل
رفع زياد العارض الخشبي والذي يمنع دخول الزبائن الى الدكان وإبقائهم يقفون خارج الدكان صيفا وشتاء ثم دخل .
في أي صف انت ؟ في الإعدادي ؟
لا انا توجيهي
توجيهي؟ قالتها نجمة باستغراب وأضافت : وانا معلمة .
معلمة؟
نعم معلمة لغة عربية . تعال واجلس قالتها نجمة وهي تبتسم ابتسامة قاهرة لأعتى الرجال وأقواهم وليست لشخص مثل زياد مازال غضا لم تبتسم له بنت قط غير اخته .
سحبت نجمة زيادا من يده ومشت معه خطوتين ثم اجلسته جوارها وهي تقول : هل تحب اللغة العربية ؟
احبها كثيرا ومعلم اللغة العربية يقول بأني شاعر .... قال جملته الأخيرة متفاخرا
بجد؟ قالت نجمة وضحكت ضحكة مغناجة
طأطأ زياد برأسه خجلا بينما تعثرت الحروف في جنبات فمه فخرجت الكلمات متعثرة خجلة نعم و......
اكمل . ..... ماذا؟
صمت زياد ولم ينطق فأضافت نجمة : هل تحفظ شيئا من أشعارك؟ أسمعني .
عادت فالتصقت الحروف في سقف حلقه وهو يواري خجله حين قال : اسمعي هذه القصيدة اني احفظها وأحبها ايضا
هات اسمعني ولم تبتسم
أنت الليلة أنثاي
قال زياد وأضاف :
كوني الليلة أنثاي
في ليلة القبلة هذه
في ليلة الحب هذه
امرأة من خمر وشهد من ذكريات
أنت الليلة قمري والضياء الذي يسري في جسدي كما اجتياح النور لقلوب الاتقياء
*************
انت ماتبقى لي من لحظة
أو رصاصة في جيب عشقي
ابحث عنك
في روحي وفي مسامات جسدي المباح
ككل مدني المستباحة لاستعمار عينيك
...............
انت الليلة انثاي
فكوني الليلة انثاي
ودعيني أبحر في جسد الاهات
أبحريني في عينيك زورقا وضياء
واجعلي
دمي
عشقي
روحي
كل شيء لأجلك مستباح
واعتقيني إن شئت من جمرالغانيات
انقذيني من سحر العيون الزائغات
افرطيني كحبات العقد في جيد حسناء
ولملميني عن أرصفة الطرقات
والمقاهي وعيون الغانيات
اعتقيني ان شئت واجعليني
لعينيك اسهر كل مساء
فانا من اجلك سيدتي
عشقت كل النساء
وماعاد حنيني يشتعل شوقا
الا إليك كل مساء
فآويني طفلا شردته الاحزان وضميني
كما شيخ قد عاد
يبحث عن وطنه في عيون النساء
اجعليني ناسكا
راهبا
شيخا تقيا
او فاتركيني اعبث في عيون النساء
لكني لا أرغب ابدا عن وطن
يغنيني
يسعدني
يشقيني
يلملمني
يبعثرني
يعيدني
ينقلني لوطن
في عيني حسناء
لا ارضى ابدا سيدتي بغير امرأة اختصر فيها كل النساء
تملؤني
تحرقني
تشعلني
تطفؤني
تبعث فيّ اشياء
واشياء
واشياء
الله قالت نجمة مبتسمة وأضافت : ومن هذه صاحبة الحظ السعيد؟
من ؟ سأل زياد
التي تحبها
انا؟
لا تخجل قل لي من هي سأخطبها لك قالتها ممازحة لزياد وهي تتعمد ملاصقة فخذها اللدن بساقه فارتعش جسد زياد كما العصفور المبتل وهو يبعد ساقه عن فخذها وقال : هل اعجبتك ؟
تماوج شعر نجمة مع نسمة هواء هبت فتراقص لها مصباح الكاز المعلق في دكان أبي خليل فشّكّل ضوء مصباح الكاز قوس قزح تلألأ على وجنتي نجمة وهي تقول هل تحفظ غيرها
سيدة الغياب .... قال زياد احفظ قصيدة الغياب
اسمعي
طال انتظاري سيدتي
عشعش الشوق في الروح سيدتي
هيمن في داخلي
سيطّر عليّ
جذبني نحو القاع
فكان قاع البحر عميقا
مظلما
قاع البحر الابيض اسودا
قاع البحر الاحمر اسودا
قاع الاشتياق اليك اسودا
.........................
قتلني الشوق
قتلني الحنين
صوتك يهمس في اذني
رائحة قبلاتك تلسعني
تميتني في اللحظة الواحدة الاف الميتات
ثم اصحو
ثمة خوف في داخلي
ثمة أشواك في داخلي
ثمة اشياء في داخلي تؤلمني
حبي اليك يؤلمني
يقولون الحب سعادة
غبي من قال هذا
لم يعشق امرأة مثلك
ولم يعشق امرأة مثلك
من قال ان الحب سعادة
حبك يؤلمني سيدتي
لان حبي ليس ككل الرجال
وأنت لست ككل النساء
حبي متميز سيدتي
حبي نار
وأنت من اشعلت النار
في غيابك نار
في حضورك نار
انت النار
سيدتي
وأنا من يتألم
بألم النار
مازال مصباح الكاز يتراقص كغانية على شرفة وجنتي نجمة حين دخلت الفرخة السوداء فجأة وهي تصرخ : بنت في الدكان ؟ وأضافت ياللعيب وياللعار قالت الفرخة صارخة وهي ترفع بصوتها كي يسمعها المارّة ويتعرّفون على جريمة يقترفها زياد في دكان أبيه مع بنت من بنات المخيم
خالتي الفرخة ارجوك لا تفهميني خطأ
فرخة تبيض بعينك انا اسمي ام سالم ياولد
اغمضت الفرخة عينا وحدقت بعينها الأخرى كي ترى من خلال عتمة الدكان وضعف ضوء المصباح الباهت وجه البنت وتتحقق ابنة من هي فقال زياد : ارجوك خالتي ام سالم السوداء
اخرس ياولد زعقت ام سالم كعرسة
تفضلي ياخالتي قال زياد
خالتك ؟ تفو عليك وعليها وعلى تربيتك يا ابن المدارس يامتعلم
خالتي لا تفهميني خطأ
خطأ؟
ياخالة انها نجمة
نجمة هههههه بنت القمر ؟ قالتها الفرخة بسخرية وشماتة وهي تسير باتجاه الطاولة الخشبية والمنتصب فوقها الميزان الحديدي كأبي الهول تقترب من نجمة وتشد شعرها بعنف فتصرخ نجمة من شدة الألم يهرع لها زياد محاولا انقاذها من بين يديّ الفرخة السوداء لكنها سرعان ماتزعق في وجهه فيرتد مبتعدا عنهن حين لمح صورة وجه ابيه تقترب منه مؤنبة ورافعا العصا في وجهه وهو يقول صارخا مؤنبا ياابن الكلب بنت في الدكان ؟
تركت الفرخة السوداء شعر البنت بينما راحت نجمة تلملم شعرها المبعثر مبتعدة عن الفرخة محتمية بأبي خليل وهي تبرر انا ابنة نجمة ياعم هل نسيتني ؟
ابنة نجمة ؟ زعقت الفرخة ؟ نجمة ذاتها التي كانت ....... ياللعار ومالذي جاء بها الى هنا يا حاج ؟
صل على النبي ياحرمة قالها أبو خليل
يامثبّت العقل والدين يارب ...... لا نلوم ابنك ففرخ البط عوّام . طالع لأبيه .قالتها الفرخة لأبي خليل وخرجت مسرعة خائفة من عصاه بينما وجّه عصاه لكتف زياد وهو يقول : اذهب مع البنت إلى الدار وفي الدار سنتفاهم .
خرج زياد مطأطيء الرأس خجلا وقد نسي ان يوقظ اخاه احمد فصرخ ابو خليل كي يعود زياد ويخرج مع اخيه ونجمة الى الدار بينما بقي ابو خليل في دكانه يجمع النقود من جارور الطاولة الخشبية
................. ...............
هل كتبت لفلسطين؟
قالت نجمة لزياد بينما كان يسير مطأطأ الرأس في المقدمة خلف احمد الصغير
فلسطين؟ قالها زياد كمن لدغته عقرب فجأة
عن فلسطين نعم عن فلسطين قالتها بصوت مرتفع فهمس لها قائلا : اسكتي أرجوك قبل أن يسمعك ال......
خائف ان تذكر اسمهم حسنا سأخفض صوتي : هل كتبت لفلسطين ؟ هل صوتي منخفض الان ؟ قالتها بشيء من السخرية بينما انسدلت خصلة من شعرها امام عينيها ردّتها بتلقائية خلعت قلب زياد وتبعثرت نظراته خطواته .
ما بك هل انت مريض؟
لا قال زياد وهو يحاول مقاومة انفاسها التي كادت ان تحرق وجهه حين اقتربت منه قائلة : استند عليّ
لا . لا ابتعدي عني صرخ لسانه فهمست جوانحه اقتربي اكثر يانجمة والتصقي بأرضي .
فلسطين؟ قال زياد
نعم فلسطين بلدك وأرضك وناسك . فلسطين التراب والحقول والبيارات . فلسطين ال.......
صراعنا ليس صراعا على الأرض والتراب يا نجمة . صراعنا على الهوية والثقافة والانتماء .
هل انت ناصري؟
لا
بعثي ؟
لا
شيوعي ؟
لا
اذن ماذا أنت ؟
انا انسان
وانا انسانة ايضا
اعرف
التفتت نجمة فجأة ووقفت كمن تريد قطع الطريق عليه في مقابلتها له وقالت بإصرار وتحد المهم ان فلسطين مازالت محتلة من اليهود
عرفت وقد استمعت عن ذلك بالأخبار يوم امس قالها زياد بسخرية ومرارة وهو يحاول ابعاد نجمة عن طريقه
يوم امس ؟ ضحكة صغيرة وأضافت جيد انك عرفت يوم امس ان فلسطين محتلة من اليهود
لقد وصلنا هاهو بيتنا المتواضع تفضلي قالها وهو يخلي لها الطريق كي تدخل من الباب الضيق بينما هي دسّت ورقة في جيبه ومضت الى الداخل فراحت نظراته تلاحق مؤخرة نجمة ولم يغض بصره .
دخل زياد بنظرة مختبئة خلف خجله وخوفه من عقاب ابيه متوسلة لأبي خليل أن لا يهينه بكلمة جارحة امام نجمة ففهم أبو خليل وتجاهل وجود زياد حين دخل خلف نجمة وقال : ادخلي عند نعمة وأشار لها بيده .
دخلت نجمه وتبعها زياد فنهره الأب بنحنحة افهمت زياد ان لا يفكر في الدخول ثانية فعاد زياد الى الخلف .
صليت العشاء ؟ سأل ابو خليل ابنه
لا
وماذا تنتظر ؟ اذهب وصل العشاء ثم عد لدراستك وأنا سأنام هنا احرس البنتين .
حاضر ........ قالها زياد وذهب معلنا اقامة صلاة العشاء .
قرأ زياد في صلاته الورقة التي دسّتها نجمة في جيبه وتخيل كلمات الحب والأعجاب التي بثتها نجمة في رسالتها . وقد تخيل الزمان والمكان وكاد ان...... لولا انه تذكّر انه في صلاته لم يقرأ التشهد بل قرأ بدلا منه الفاتحة وسورة صغيرة خلال جلوسه للتشهد فاستغفر الله وتذكّر تشهده وإكمال صلاته .