
قراءة في ( نبوءة شهرزاد) لكاتبها المهندس زياد صيدم
يكتبها د. نعيم عودة
إن قراءة ً في نص ما ، يشكل ردّ الفعل بعد قراءة ذلك النص، ويوجه نظر الكاتب والقارئ إلى معان ٍ وردت فيه ، قصداً أو من غير قصد، ومن هنا جاءت قراءتي لنص المهندس زياد صيدم في ( نبوءة شهرزاد) ، حيث قصد الكاتب أن يستخدم الأسطورة القديمة بحكم معرفة الناس بها، ليصل إلى نبوءة مستقبلية يريدها أن تتحقق لهذه الأمة.
وما لفت انتباهي في هذه النصوص هو المونولوج الداخلي والخارجي فيها، وقد أحسن الكاتب استخدام المونولوج لينقل لنا فكرة الشخصيات التي قامت بسرد النص. كما اعتنى بإظهار الترتيب الزمني للحكاية ، فمن إظهار لزمن سحيق مضى ، إلى زمن مستقبلي آت ٍ ، وصور ٍ من الزمن السحيق إلى صور ٍ بارزة من الحاضر والمستقبل .
وتأتي أهمية الزمن من أنه عنصر من عناصر حضارتنا ، فهو الوعاء غير المرئي ولكنه المحسوس ، الذي تسير فيه حياتنا وتتطور فيه أحداثها ، وهو الماضي والحاضر والمستقبل ، وأرى أنّ هناك زمنا ً كريستالياً مغلفاً ، يأتي بعد زمن المستقبل ولا نكاد نعلم عنه الكثير ، فوصفوه في بعض الأساطير ، بأنه الاتجاه إلى الغرب – تعبيراً عن الموت ، أو بالعالم السفلي كما في جلجامش.
أما عن الترتيب الزمني في نبوءة شهرزاد ، فقد كان الارتداد واضحاً في كل أجزائها ، حيث كانت أسطورة شهرزاد وشهريار ، هي الأساس الذي اعتمده الكاتب ليتكئ عليه طلباً لتحقيق أمنيات الحاضر والمستقبل ، كقوله ( هل تقصدين بالعربات الفارهة تلك المجرورة بالخيول والمزينة بالحرير؟)، تضحك شهرزاد : لا يا ملك الزمان .. إنها عربات من الحديد تسير بأسرع من الخيول ، تحركها قوة موتور رهيب، يعمل بوقود البترول ..)
وأما الاستباق الزمني فكان جلياً في قوله: ( يتساءل شهريار: هل من نهاية مفرحة للأمة بعد ذلك يا شهرزاد؟ هل من بريق نور بعد ظلام؟ أم هي نهاية المطاف وقيام الساعة!! وتقول شهرزاد: مولاي امنحني الأمان على ما سأقصه عليك إن كنت َ تبغي الحقيقية ، مولاي .. أبشرك بخروج زعيم قوي من رحم المقهورين .. سيلتفون من حوله .. ويبدأ في ترتيب أمور الناس ...... )
ونحن نستخدم الأسطورة والحكايات الشعبية والأمثال والطبيعة والطير والحيوان ، ونسخرها لخدمة الفكرة الحديثة التي نزعم أننا نخلقها ، وبطبيعة الحال فإن تقديم المادة يعتمد على : السرد والعرض والنقل. والسرد هنا هو زمن قراءة النص كما أن العرض هو الخطاب الذي يقوم فيه الراوي بإثبات أقوال الشخصيات دون تدخل منه ، والنقل هو أن يقوم الراوي بنقل كلام عن متكلم آخر. وفي نبوءة شهرزاد نجد العرض واضحاً كما في قول شهرزاد: ( نعم يا مولاي .. يحدث هذا بينما يكون الحصار شديداً على الناس ، فيعلنون الهدنة مع أعدائهم بشكل صامت.. بلا ضجيج أو تصريح!) ويبدو النقل في تعليق الراوي على ما يقوم به شهريار ، فيقول عنه : ( يقف شهريار من جديد على قدميه .. يبدأ في التجوال في غرفته الفسيحة ، يحرك يديه راسماً علامات الدهشة .... )
والمونولوج كان له دور كبير في هذا النص ، فهناك المونولوج الداخلي ، الذي يبديه شهريار وهو واقف يتأمل ويفكر فيما يسمع ، دون أن يقول شيئا لأحد ما :( يبدأ في التجوال في غرفته الفسيحة ، يحرك يديه راسماً علامات الدهشة – يمعن في التفكير ، ثم يكتسح وجهه حزن شديد) ، وفي مشهد آخر أيضا : ( يتنهد شهريار .. يهدأ روعه .. تستقر نظراته .. ينعم بهدوء وراحة) ثم ( تصمت شهرزاد عن الكلام المباح لينام شهريار هذه الليلة هانئا والبسمة تعلو محياه.) وفي مقطع آخر ( لكنها قبل أن تذهب في سباتها .. تنظر إلى السماء وتبتهل ، تتمتم بكلمات تناجي ربها ، تستجدي الشفاعة والغفران وتغرق في بحر دموعها)، أما المونولوج الخارجي في النص فكان واضحاً وضوح الشمس ، من خلال الحوارات التي استمرت من بداية النص حتى نهايته بين شهريار وشهرزاد.
وأختتم هذه العجالة بتوضيح دور الحوار في البناء العام للحكاية ، فهو يساعد على تصوير الشخصية وتطوير الحدث وتوضيح الأفكار وجوانب الصراع في النص.
يكتبها د. نعيم عودة
إن قراءة ً في نص ما ، يشكل ردّ الفعل بعد قراءة ذلك النص، ويوجه نظر الكاتب والقارئ إلى معان ٍ وردت فيه ، قصداً أو من غير قصد، ومن هنا جاءت قراءتي لنص المهندس زياد صيدم في ( نبوءة شهرزاد) ، حيث قصد الكاتب أن يستخدم الأسطورة القديمة بحكم معرفة الناس بها، ليصل إلى نبوءة مستقبلية يريدها أن تتحقق لهذه الأمة.
وما لفت انتباهي في هذه النصوص هو المونولوج الداخلي والخارجي فيها، وقد أحسن الكاتب استخدام المونولوج لينقل لنا فكرة الشخصيات التي قامت بسرد النص. كما اعتنى بإظهار الترتيب الزمني للحكاية ، فمن إظهار لزمن سحيق مضى ، إلى زمن مستقبلي آت ٍ ، وصور ٍ من الزمن السحيق إلى صور ٍ بارزة من الحاضر والمستقبل .
وتأتي أهمية الزمن من أنه عنصر من عناصر حضارتنا ، فهو الوعاء غير المرئي ولكنه المحسوس ، الذي تسير فيه حياتنا وتتطور فيه أحداثها ، وهو الماضي والحاضر والمستقبل ، وأرى أنّ هناك زمنا ً كريستالياً مغلفاً ، يأتي بعد زمن المستقبل ولا نكاد نعلم عنه الكثير ، فوصفوه في بعض الأساطير ، بأنه الاتجاه إلى الغرب – تعبيراً عن الموت ، أو بالعالم السفلي كما في جلجامش.
أما عن الترتيب الزمني في نبوءة شهرزاد ، فقد كان الارتداد واضحاً في كل أجزائها ، حيث كانت أسطورة شهرزاد وشهريار ، هي الأساس الذي اعتمده الكاتب ليتكئ عليه طلباً لتحقيق أمنيات الحاضر والمستقبل ، كقوله ( هل تقصدين بالعربات الفارهة تلك المجرورة بالخيول والمزينة بالحرير؟)، تضحك شهرزاد : لا يا ملك الزمان .. إنها عربات من الحديد تسير بأسرع من الخيول ، تحركها قوة موتور رهيب، يعمل بوقود البترول ..)
وأما الاستباق الزمني فكان جلياً في قوله: ( يتساءل شهريار: هل من نهاية مفرحة للأمة بعد ذلك يا شهرزاد؟ هل من بريق نور بعد ظلام؟ أم هي نهاية المطاف وقيام الساعة!! وتقول شهرزاد: مولاي امنحني الأمان على ما سأقصه عليك إن كنت َ تبغي الحقيقية ، مولاي .. أبشرك بخروج زعيم قوي من رحم المقهورين .. سيلتفون من حوله .. ويبدأ في ترتيب أمور الناس ...... )
ونحن نستخدم الأسطورة والحكايات الشعبية والأمثال والطبيعة والطير والحيوان ، ونسخرها لخدمة الفكرة الحديثة التي نزعم أننا نخلقها ، وبطبيعة الحال فإن تقديم المادة يعتمد على : السرد والعرض والنقل. والسرد هنا هو زمن قراءة النص كما أن العرض هو الخطاب الذي يقوم فيه الراوي بإثبات أقوال الشخصيات دون تدخل منه ، والنقل هو أن يقوم الراوي بنقل كلام عن متكلم آخر. وفي نبوءة شهرزاد نجد العرض واضحاً كما في قول شهرزاد: ( نعم يا مولاي .. يحدث هذا بينما يكون الحصار شديداً على الناس ، فيعلنون الهدنة مع أعدائهم بشكل صامت.. بلا ضجيج أو تصريح!) ويبدو النقل في تعليق الراوي على ما يقوم به شهريار ، فيقول عنه : ( يقف شهريار من جديد على قدميه .. يبدأ في التجوال في غرفته الفسيحة ، يحرك يديه راسماً علامات الدهشة .... )
والمونولوج كان له دور كبير في هذا النص ، فهناك المونولوج الداخلي ، الذي يبديه شهريار وهو واقف يتأمل ويفكر فيما يسمع ، دون أن يقول شيئا لأحد ما :( يبدأ في التجوال في غرفته الفسيحة ، يحرك يديه راسماً علامات الدهشة – يمعن في التفكير ، ثم يكتسح وجهه حزن شديد) ، وفي مشهد آخر أيضا : ( يتنهد شهريار .. يهدأ روعه .. تستقر نظراته .. ينعم بهدوء وراحة) ثم ( تصمت شهرزاد عن الكلام المباح لينام شهريار هذه الليلة هانئا والبسمة تعلو محياه.) وفي مقطع آخر ( لكنها قبل أن تذهب في سباتها .. تنظر إلى السماء وتبتهل ، تتمتم بكلمات تناجي ربها ، تستجدي الشفاعة والغفران وتغرق في بحر دموعها)، أما المونولوج الخارجي في النص فكان واضحاً وضوح الشمس ، من خلال الحوارات التي استمرت من بداية النص حتى نهايته بين شهريار وشهرزاد.
وأختتم هذه العجالة بتوضيح دور الحوار في البناء العام للحكاية ، فهو يساعد على تصوير الشخصية وتطوير الحدث وتوضيح الأفكار وجوانب الصراع في النص.