الأخبار
الولايات المتحدة تفرض عقوبات على مقررة الأمم المتحدة الخاصة للأراضي الفلسطينية(أكسيوس) يكشف تفاصيل محادثات قطرية أميركية إسرائيلية في البيت الأبيض بشأن غزةجامعة النجاح تبدأ استقبال طلبات الالتحاق لطلبة الثانوية العامة ابتداءً من الخميسالحوثيون: استهدفنا سفينة متجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلي وغرقت بشكل كاملمقررة أممية تطالب ثلاث دول أوروبية بتفسير توفيرها مجالاً جوياً آمناً لنتنياهوالنونو: نبدي مرونة عالية في مفاوضات الدوحة والحديث الآن يدور حول قضيتين أساسيتينالقسام: حاولنا أسر جندي إسرائيلي شرق خانيونسنتنياهو يتحدث عن اتفاق غزة المرتقب وآلية توزيع المساعدات"المالية": ننتظر تحويل عائدات الضرائب خلال هذا الموعد لصرف دفعة من الراتبغزة: 105 شهداء و530 جريحاً وصلوا المستشفيات خلال 24 ساعةجيش الاحتلال: نفذنا عمليات برية بعدة مناطق في جنوب لبنانصناعة الأبطال: أزمة وعي ومأزق مجتمعالحرب المفتوحة أحدث إستراتيجياً إسرائيلية(حماس): المقاومة هي من ستفرض الشروطلبيد: نتنياهو يعرقل التوصل لاتفاق بغزة ولا فائدة من استمرار الحرب
2025/7/10
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

أبطالٌ تحت الصـفر بقلم:د. نعيم عودة

تاريخ النشر : 2010-07-27
أبطالٌ تحت الصـفر بقلم:د. نعيم عودة
أبطالٌ تحت الصـفر
وآخرون نجوم في السماء.
د. نعيم عودة

عاد بذاكرته كثيراً إلى الوراء، أغمض عينيه وأحس بثقل جفونه وكأنه يريد أن يغوص في نوم عميق، لكنه لم يكن يريد أن ينام، كان يريد أن يتذكر الماضي بكل ما فيه ، جده الفلاح، الذي كان يركب حماره قبل شروق الشمس ، يحمل صرّة فيها خبز وبندورة وبصل وملح، يتجه إلى البيدر ، يقف على أطراف أرضه موزعاً نظراته هنا وهناك، صباح الخير يابو أحمد ، وصباح الخير يابو فاروق ، ويسعد صباحك يابو حليمة.... صباحات رقيقة كرقـة قلوبهم ، صافية كصفاء أنفسهم، يفلح الأرض ، المحراث في يده والحمار أمامه يشق الأرض بصعوبة ظاهرة، يرمي حبات الذرة البيضاء في بوق المحراث ،، ينظرها جده وهي تسقط في الشق، يحلم بغـدٍ أخضر، وتنزل حبات من العرق على جبينه وتسقط على عينيه الساطعتين كعيني نسـر، يمسح عرقـه بكـم ّ دمايـتـه : حـا ، حـــا .. ويأتي صوت من الجوار : يعطيك العافية أبو عـودة.. ويعود الصدى محملاً بالترحيب ونقاء السريرة...
شمس الضحى هنا تختلف عنها في أصعدة أخرى، نحن قريبون من البحر ،، بضعة كيلومترات حيث يافـا وبحرنا الأبيض، نحب هذا البحر ، ولن نتخلى عنه ، ستظل شوكتنا قائمة في عيونهم ، وسيبقى البحر الأبيض قابعاً في قلوبنا أبد الدهر حتى يزولوا ، نسيم البحر كان يصل إلى حيث جـده ، مجموعات القرى من حولنا تشكل حزاماً حول يافا ، وأهلها الطيبون زهور متناثرة في الفـلاحين ،، ونسـيم البحر الأبيض المتوسط يهـب بين الفينة والفينة ، يدور على تلكم القرى ويقول لأهلها : صباح الخير وصباح العافية..
عندما وصلت السفن تحمل الداء الخبيث إلـى قرانا ومدننا ، وفاض بهم البحر وحال لونه إلى سواد ، ولم يكن هناك من راع ٍ ، تداعى الفلاحون للتشاور : كل من يملك سلاحاً عليه الدفاع عن أرضه وعـِرضه ، جمعوا بعض المال وانطلقوا يبحثون في طول البلاد وعرضها عن قطعة سلاح هنا أو هناك ، شمالاً وجنوباً ، وكانت الذخيرة طلقات معدودة لكل مقاتل. بينما كانت قطع السلاح الحديث تلمع في أيدي الغاصبين ، وكانت ذخيرتهم بلا عدد، وكانوا يحملون خرائط لكل ما يريدون فعله.. كانت القوة والنظام والهدف الواضح مقابل البساطة والأمل .
وأصبحنا لاجئين....
حمل الراية وصاح وأرغى وأزبد ، وتمسك بكل الثوابت : من النهر إلى البحر . وعاد الأمل يبحث عن مستقر ّ ، ترقرق الأمل في حنايا القلوب كما يترقرق الدمع في جوف العين،، وسقطت رايته ليحملها آخر ، وقام إخوة يوسف بدورهم خير قيام ، أما هو فلم يكن يوسف، لقد صال وجال وركب البر ّ والبحر والجوّ ، حتى انتهى به المطاف إلى الرحيل، أما جـدّ صاحبنا فقد انتهى به مطافه إلى مقبرة في عقبـة جبر، حيث هوى كثيرون ، هووا وأسلموا مفاتيح بيوتهم إلى الأبناء وما زالت إلى اليوم بين يدي الأحفاد.
عندما تسقط جثث الأبطال في المعركة ، تتحلق فوقها غربان كثيرة ، من أين تأتي كل هذه الغربان؟ يصطاد الأسد فريسته ويأكل منها ، ثم يتركها تتعفـن لتأكل منها الضباع والغربان وكثير من الهوام التي لا تعيش إلا في رائحة العفن.. ما أكثر هؤلاء.. ما أكثرهم هنـــا. يطل بوجهه من خلف شاشة، لم يكن أنيقاً ولم يكن متكلماً ، ولم يكن فصيحا ً ، كان يبدو عليه الفقر والفاقة ، لم يحمل تاريخاً من أي لون ، كيف يزرعونهم بيننا؟ ! بل كيف نغمض أعيننا عنهم ونقول : هذا فلان.. من أين جاء هذا الفلان؟! ومع مرور الأيام تطول رقبته وترقى ليصبح كالنعامة في رفعتها ونظافتها ،،
رأس النعامة في التراب تدسـه ُ - ظنـاً بأن غباءها يحميها
تتلقفهم أيادي الثعابين ، ملساء رقيقة ، تلمع بالذهب والوعود البراقة ،، فيفرحون ، وتنادي عليهم قلوبهم : أنتـم الأبطال . ومن هنا كانت بداية قصـة الضياع.
لكنّ ملايين العيون في الشتات ومن خلف الأمواج ، تظل ترصد الأبواب وما خلف الوصيد ، عيون الملايين لا تنام أبداً ، لأنها مسكونة بأرواح الذين ساروا على الدرب ، وعيونهم ملتصقة بنجوم الوطن، بينما سحقتهم الأمواج في رحلة غاضبة، لم يغادروا ولكنهم غاصوا تحت الرماد ، وسكنوا أقبية الأمواج وأعالي الريح ، في انتظار العودة.
أما أكلـَـة ُ الجيـف ، فلن يزيل عنهم البائقة إلا أن يشربوا من البحر الميت ، وأما أصحاب الأمل فإنهم سينعمون بماء البحر الأبيض المتوسط ، وشواطئ يـافا، ويقول صاحبي للذين يظنون بنا ظنّ السوء: إننا لا نبـدل جنتنـا بكل جنانكـم ، فاهنأوا بها .
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف