
رحلة إلى الأعماق
رواية في فصول من الخيال العلمي
نزار ب. الزين*
*****
الفصل السابع
بعد أن شاهدوا- و قد عقدت الدهشة ألسنتهم - الموجات الأولى من أشباه البشر المهجرين المنفيين من أقاصي المجرة ، تساءل الدكتور هشام :
- ترى هل تعلم ما إذا كان المنفيون قد تمكنوا من العيش مع الحيوانات العملاقة التي نسميها الدينصورات ؟
أجابه جِمنا :
= قبل عمليات تهجير المنفيين من كواكب مجرة درب اللبان الأخرى ، تلك الموجات التي شهدتها الكرة الأرضية ، قدمت إلى الأرض مركبات من الفضاء البعيد و نظفتها من الحيوانات العملاقة ، أعني سلطت عليها موجات شعاعية خاصة قزمتها ، فما الحرابي و الحرادين و العظايا و الضباء و الإغوانات و الثعابين و الطيور الكاسرة كالنسور و الصقور التي تملأ الأرض حاليا ، إلا أحفاد مقزمة لتلك الدينصورات ، و مع ذلك فقد بقي بعضها في بعض المناطق النائية ردحا آخر من الزمن تشارك الإنسان أو اشباهه العيش في الغابات أو على ضفاف الأنهار و البحيرات ، بل لا زال بعضها موجودا حتى اليوم ، و لكن خشيتها من أسلحة البشر الفتاكة جعلتها تهاجر إلى كهوف في أعماق الأرض أو أعماق بعض البحار و البحيرات ، و هذا ما خلق الأساطير التي تتداولها حكاياتكم التي تسمونها بالخرافية ، كخرافة التنين الذي ينفث نارا ، هو في حقيقته ثعبان عملاق يخرج من فمه بخار كثيف كما يخرج من أفواهكم أيام برد الشتاء فظنوا البخار دخانا ، و طائر الرخ الذي ورد في مسلسل حكايات ألف ليلة و ليلة ، إن هو إلا نسر عملاق ، كان ينقض على أطفال البشر و يختطفهم ليغذي بهم فراخه ، و الكينغ كنغ إن هو إلا غوريلا عملاقة عاشت آلاف السنين في أفريقيا و الأمازون قبل أن تتقزم ، و هكذا ...
يجيبة الدكتور هشام :
- هذا يعني أن لكل أسطورة أساسها من الحقيقة ! أليس كذلك ؟
= صدقت !
أجابه جِمنا ، ثم أضاف قائلا :
= بعد أن اخترع البشر الأسلحة اختفى أشباه البشر ، و من هنا بدأت محنة الإنسانية ، اخترعوا السلاح بداية لاصطياد الحيوانات الضعيفة و استطعامها ، أو للدفاع عن أنفسهم تجاه هجمات الحيوانات المفترسة القوية ، ثم بدؤوا يستخدمونه ضد النينترداليين ، ثم ضد بعضهم بعضا ، فتعلموا تنظيم الغزوات التي طوروها فيما بعد إلى حروب .
فتاريخكم أيها البشر سلسلة من الحروب ارتكبتها أياديكم الآثمة ؛ شاهدوا معي :
انتصبت الشاشة المائية العملاقة و بعد بعض التشوش ظهرت قرية بنيت بيوتها من أغصان الأشجار و أوراقها ، و ثمت أطفال يلعبون في ساحتها ، و نساء يشوين غزالا تم اصطياده مؤخرا ، و رجال يتسامرون في حلقات ، و كلهم رجالا و نساء و أطفالا عراة كما ولدتهم أمهاتهم ؛ و على حين غرة ، ينقض شبان من مكان آخر على القرية من عدة جهات ، يحملون ما يشبه رماحا صنعت من أغصان الأشجار و قدت رؤوسها من الحجارة المنحوتة التي ربطت إليها بخيوط من لحاء الشجر ؛ فيفاجئون أهل القرية الآمنين ، يقتلون الرجال ثم يسوقون النساء و الأطفال كما تساق السائمة .
و في لقطة ثانية ، يظهر جيشان متقابلان في صفين طويلين قادة جند أحد الجيشين يعتمرون خوذا صنعت من جلود الحيوانات و ظهر منها ما يشبه القرون و أحاطوا صدورهم و ظهورهم بدروع جلدية ، و تصحبهم كثرة من الخيول المطهمة ، بينما تميز جند الجيش المقابل بخوذهم المعدنية اللامعة و دروعهم المعدنية .
تجري هنا و هناك على طول المجابهة ، مصارعات زوجية بين جنود من هؤلاء و آخرين من اؤلئك ، ثم يلتحم الجيشان في قتال شرس تتطاير فيه الرؤوس و الأيدي و الأرجل و تجري الدماء في جداول ، و تدوم المعركة طويلا ليبدأ ذوو الخوذ المعدنية بالفرار بعد أن خلفوا وراءهم عشرات القتلى و مئات الجرحى ، ثم يظهر قائد الجيش المنتصر و قد رُفع على الأكتاف ، بينما أخذت جموع ذوي القرون تهتف و تهزج بأهازيج النصر .
يقول جِمنا :
= هذا الذي ترونه فوق الأكتاف هو الإسكندر المقدوني الملقب بذي القرنين ، و الذي غزا بجيشه نصف العالم القديم ، لغاية واحدة هي استعباد الآخرين و نهب ثرواتهم .
و في لقطة ثالثة : يظهر جيشان متقابلان على طول ضفاف نهر طويل متعرج تميز جند أحد الجيشين باثواب خفيفة قصيرة و قطع من القماش تلتف حول رؤوسهم أغلبها أبيض اللون ، و نعال تجعلهم إلى الحفاة أقرب ، يستخدمون الجمال بكثرة إضافة إلى الخيول ؛ و في المقابل كان جند الجيش الآخر مدججين بالسلاح ، يعتمرون الخوذ المعدنية التي تلمع كآلاف الأضواء عاكسة نور الشمس ، و قد تدرعوا أيضا بدروع معدنية ، و ربطت كل مجموعة منهم بالسلاسل ، و هم يستخدمون الخيول و العربات الخفيفة التي يجر كل منها حصان واحد ، و يعتليها جندي واحد مسلح برمح طويل .
و يلتحم الجيشان من ثم في قتال شرس ، تميز بخفة حركة الجنود غير المدرعين ، و بثبات الجنود المجنزرين رغم وقوع عدد كبير منهم بين قتيل و جريح ، و في الأكمات الخلفية للجيش الأبيض ، تظهر نساء يشبهن البدويات العربيات المعاصرات ، يحملن عصيا و أعمدة الخيام ، فيهاجمن بها كل جندي منهم يحاول الفرار ، و يدفعنه للعودة إلى القتال ، بينما تصيح الأخريات منشدات أهازيج تشجيعية ، و تستمر المعركة شرسة حتى غياب الشمس ، عندما يبدأ الآخرون مولين الأدبار .
يسألهم جِمنا :
= هل منكم من خمن اسم المعركة و ما هي هوية المتحاربين ؟
فتصدى للإجابة الدكتور رياض :
- أعتقد أنها معركة اليرموك بين العرب و الروم البيزنطيين .
و في لقطة رابعة :
تظهر قاعة كبيرة مزدانة بالزخارف العربية و ستائر الديباج و مطارح و مساند الموصلي و الأغباني و غطيت نوافذها بستائر من الحرير الطبيعي الملون ، و في القاعة التي اعتقدوا أنها قاعة العرش ، جلس ما بدا أنهم من كبار الحاشية و القادة و الوجهاء ، بينما تصدر القاعة ما يُُظن أنه ملك أو ربما خليفة ، فقد اعتمر قلنسوة من الأغباني توسطتها ماسة كبيرة .
يتقدم منه أحد قواد الجيش ، ظهر ذلك من ارتدائه لعدة القتال ، ليقول له : " مولاي ! جيوش المغول تتقدم و قد اجتازت قبل قليل السور الشرقي للمدينة ، و مدينتنا بغداد سوف تسقط بين لحظة و أخرى " فيجيبه الأمير أو الخليفة : "استرضوه ، أرسلوا له الهدايا و الأموال ، و قولوا له أن يأخذ ما يشاء و لكن فليتركني و قصري !!!! " .
ثم يظهر جند المغول و هم يجتاحون بغداد فيفتكون بكل من يشاهدونه في طرقاتها و حواريها من بشر و حيوان ، ثم يهاجمون قصورها و مدارسها و مساجدها و مكتباتها و وراقيها ، فينهبون ما فيها من ذهب و فضة و نفائس عمرت بها ، فحتى قباب المساجد المذهبة قطعوها و تقاسموها ، ثم ألقوا ما صادفوه من كتب و مجلدات جمعت على مدار خمسة قرون ، في نهر دجلة الذي تحول ماؤه إلى اللون الأسود ، و تراكمت قراطيس جلد الغزال في النهر و التي كانت تستخدم بدل الورق ، حتى أصبحت كجزر متناثرة في وسط و أطراف النهر ، أما أغرب مشهد فكان استخدام المجلدات العلمية في بناء معسكر لهم بدل الطوب ، في أكبر ساحات وسط بغداد .
ثم ، يدخل هولاكو و قواده و ثلة من أعتى جنوده قصر الخليفة ، و بعد أن أرشدهم الخليفة أو الملك – صاغرا - إلى أماكن ثروته الشخصية و ثروة المدينة ، فتكوا به و بقواده و من تجمع حوله من حاشيته ، ثم التفتوا إلى "الحرملك" فأخذوا يفتكون بالنساء و الأطفال ، فذبحوهم ذبح النعاج !.
ثم ، التفت جِمنا إلى مجموعة العلماء قائلا :
إنه آخر الخلفاء العباسيين الملقب بالمستعصم ، و ما شاهدتموه هو سقوط بغداد في أيدي المغول بقيادة هولاكو شقيق ملكهم .
تدمع عيون الدكتور عبد الله و الكتور هشام ، بينما يهز الآخرون رؤوسهم يمنة و يسرة حزنا و أسى ..
يسألهم جِمنا : " هل أنتم على استعداد لمشاهدة المزيد ؟ " ، فيهزون برؤوسهم علامة الموافقة .
تظهر امامهم مدينة بغداد ، كمدينة عصرية عملاقة بمبانيها الحديثة و ساحاتها الملأى بالنصب التذكارية و حدائقها الغناء ، عرفوها من الأعلام العراقية المرفرفة فوق أكبر مبانيها ، و قد امتدت على ضفتي دجلة . الدخان الأسود يتصاعد من محيط المدينة ، و طلقات مدفعية و صاروخية تنطلق في الجو محاولة تفجير الصواريخ الذكية الأمريكية قبل بلوغها أهدافها ، و قد خلت الشوارع من الناس فالتجؤوا إلى أقبية منازلهم ..
ثم يتحول المشهد إلى مطار بغداد و قد امتلأ بالطائرات الأمريكية العملاقة ، عرفوها من شعار النجمة الخماسية المرسوم على أجنحتها و جذوعها ، أخذت تلفظ ما في أجوافها من تجهيزات عسكرية ضخمة ؛ مئات الدبابات و المجنزرات أخذت تحتشد ، و مئات حاملات الجنود ، و مختلف أنواع الشاحنات ، بينما حلقت في الجو عشرات الحوامات و من فوقها عشرات الطائرات الحربية لحمايتها .
ثم يتحول المشهد إلى جهة لا تبعد كثيرا ، حيث انطلقت عشرات الدبابات نافثة دخانها الأسود من عوادمها ، و قد رفعت كل منها العلم العراقي و عليه عبارة الله و أكبر ، و اندفعت متجهة نحو المطار من خلال عدة طرق رئيسية و مسارب ترابية .
و فجأة تلمع فوقها كتلة هائلة من نور شديد السطوع ، تلحقها كتلة ثانية ثم ثالثة ؛ ثم يتكشف المشهد عن دمار رهيب شمل الدبابات و العربات جميعا بلا استثناء ، و ظهر فوق الطرقات ما يشبه ظلالا بشرية ، هي بقايا جنود حاولوا الفرار من مركباتهم فانصهروا مع الإسفلت صهرا ..
و يعلق جِمنا قائلا : " إنه اليورانيم المخضب ! أو ما يسمونه القنابل النووية النظيفة !!!! "
ثم ينتقل المشهد إلى داخل المدينة ، فثمت عشرات من رجال ملثمين يحملون رشيشات خفيفة و مدججين بالقنابل اليدوية ، تنطلق على شكل شراذم في شوارع بغداد ، فيفتك أفرادها بكل من يشاهدونه في طريقهم من بشر و حيوان ، ثم يهاجمون قصور المدينة و مدارسها و جامعاتها و مساجدها و مستشفياتها و مكتباتها و متاحفها ، فينهبون و يحرقون و يقتلون ، بينما كان آخرون يبحثون عن العلماء و أساتذة الجامعات ، مسترشدين بقوائم سجل عليها أسماء و عناوين هؤلاء ، فيقتحمون بيوتهم و يذبحونهم و عائلاتهم ذبح النعاج ..
===================
*نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
الموقع : www.FreeArabi.com
رواية في فصول من الخيال العلمي
نزار ب. الزين*
*****
الفصل السابع
بعد أن شاهدوا- و قد عقدت الدهشة ألسنتهم - الموجات الأولى من أشباه البشر المهجرين المنفيين من أقاصي المجرة ، تساءل الدكتور هشام :
- ترى هل تعلم ما إذا كان المنفيون قد تمكنوا من العيش مع الحيوانات العملاقة التي نسميها الدينصورات ؟
أجابه جِمنا :
= قبل عمليات تهجير المنفيين من كواكب مجرة درب اللبان الأخرى ، تلك الموجات التي شهدتها الكرة الأرضية ، قدمت إلى الأرض مركبات من الفضاء البعيد و نظفتها من الحيوانات العملاقة ، أعني سلطت عليها موجات شعاعية خاصة قزمتها ، فما الحرابي و الحرادين و العظايا و الضباء و الإغوانات و الثعابين و الطيور الكاسرة كالنسور و الصقور التي تملأ الأرض حاليا ، إلا أحفاد مقزمة لتلك الدينصورات ، و مع ذلك فقد بقي بعضها في بعض المناطق النائية ردحا آخر من الزمن تشارك الإنسان أو اشباهه العيش في الغابات أو على ضفاف الأنهار و البحيرات ، بل لا زال بعضها موجودا حتى اليوم ، و لكن خشيتها من أسلحة البشر الفتاكة جعلتها تهاجر إلى كهوف في أعماق الأرض أو أعماق بعض البحار و البحيرات ، و هذا ما خلق الأساطير التي تتداولها حكاياتكم التي تسمونها بالخرافية ، كخرافة التنين الذي ينفث نارا ، هو في حقيقته ثعبان عملاق يخرج من فمه بخار كثيف كما يخرج من أفواهكم أيام برد الشتاء فظنوا البخار دخانا ، و طائر الرخ الذي ورد في مسلسل حكايات ألف ليلة و ليلة ، إن هو إلا نسر عملاق ، كان ينقض على أطفال البشر و يختطفهم ليغذي بهم فراخه ، و الكينغ كنغ إن هو إلا غوريلا عملاقة عاشت آلاف السنين في أفريقيا و الأمازون قبل أن تتقزم ، و هكذا ...
يجيبة الدكتور هشام :
- هذا يعني أن لكل أسطورة أساسها من الحقيقة ! أليس كذلك ؟
= صدقت !
أجابه جِمنا ، ثم أضاف قائلا :
= بعد أن اخترع البشر الأسلحة اختفى أشباه البشر ، و من هنا بدأت محنة الإنسانية ، اخترعوا السلاح بداية لاصطياد الحيوانات الضعيفة و استطعامها ، أو للدفاع عن أنفسهم تجاه هجمات الحيوانات المفترسة القوية ، ثم بدؤوا يستخدمونه ضد النينترداليين ، ثم ضد بعضهم بعضا ، فتعلموا تنظيم الغزوات التي طوروها فيما بعد إلى حروب .
فتاريخكم أيها البشر سلسلة من الحروب ارتكبتها أياديكم الآثمة ؛ شاهدوا معي :
انتصبت الشاشة المائية العملاقة و بعد بعض التشوش ظهرت قرية بنيت بيوتها من أغصان الأشجار و أوراقها ، و ثمت أطفال يلعبون في ساحتها ، و نساء يشوين غزالا تم اصطياده مؤخرا ، و رجال يتسامرون في حلقات ، و كلهم رجالا و نساء و أطفالا عراة كما ولدتهم أمهاتهم ؛ و على حين غرة ، ينقض شبان من مكان آخر على القرية من عدة جهات ، يحملون ما يشبه رماحا صنعت من أغصان الأشجار و قدت رؤوسها من الحجارة المنحوتة التي ربطت إليها بخيوط من لحاء الشجر ؛ فيفاجئون أهل القرية الآمنين ، يقتلون الرجال ثم يسوقون النساء و الأطفال كما تساق السائمة .
و في لقطة ثانية ، يظهر جيشان متقابلان في صفين طويلين قادة جند أحد الجيشين يعتمرون خوذا صنعت من جلود الحيوانات و ظهر منها ما يشبه القرون و أحاطوا صدورهم و ظهورهم بدروع جلدية ، و تصحبهم كثرة من الخيول المطهمة ، بينما تميز جند الجيش المقابل بخوذهم المعدنية اللامعة و دروعهم المعدنية .
تجري هنا و هناك على طول المجابهة ، مصارعات زوجية بين جنود من هؤلاء و آخرين من اؤلئك ، ثم يلتحم الجيشان في قتال شرس تتطاير فيه الرؤوس و الأيدي و الأرجل و تجري الدماء في جداول ، و تدوم المعركة طويلا ليبدأ ذوو الخوذ المعدنية بالفرار بعد أن خلفوا وراءهم عشرات القتلى و مئات الجرحى ، ثم يظهر قائد الجيش المنتصر و قد رُفع على الأكتاف ، بينما أخذت جموع ذوي القرون تهتف و تهزج بأهازيج النصر .
يقول جِمنا :
= هذا الذي ترونه فوق الأكتاف هو الإسكندر المقدوني الملقب بذي القرنين ، و الذي غزا بجيشه نصف العالم القديم ، لغاية واحدة هي استعباد الآخرين و نهب ثرواتهم .
و في لقطة ثالثة : يظهر جيشان متقابلان على طول ضفاف نهر طويل متعرج تميز جند أحد الجيشين باثواب خفيفة قصيرة و قطع من القماش تلتف حول رؤوسهم أغلبها أبيض اللون ، و نعال تجعلهم إلى الحفاة أقرب ، يستخدمون الجمال بكثرة إضافة إلى الخيول ؛ و في المقابل كان جند الجيش الآخر مدججين بالسلاح ، يعتمرون الخوذ المعدنية التي تلمع كآلاف الأضواء عاكسة نور الشمس ، و قد تدرعوا أيضا بدروع معدنية ، و ربطت كل مجموعة منهم بالسلاسل ، و هم يستخدمون الخيول و العربات الخفيفة التي يجر كل منها حصان واحد ، و يعتليها جندي واحد مسلح برمح طويل .
و يلتحم الجيشان من ثم في قتال شرس ، تميز بخفة حركة الجنود غير المدرعين ، و بثبات الجنود المجنزرين رغم وقوع عدد كبير منهم بين قتيل و جريح ، و في الأكمات الخلفية للجيش الأبيض ، تظهر نساء يشبهن البدويات العربيات المعاصرات ، يحملن عصيا و أعمدة الخيام ، فيهاجمن بها كل جندي منهم يحاول الفرار ، و يدفعنه للعودة إلى القتال ، بينما تصيح الأخريات منشدات أهازيج تشجيعية ، و تستمر المعركة شرسة حتى غياب الشمس ، عندما يبدأ الآخرون مولين الأدبار .
يسألهم جِمنا :
= هل منكم من خمن اسم المعركة و ما هي هوية المتحاربين ؟
فتصدى للإجابة الدكتور رياض :
- أعتقد أنها معركة اليرموك بين العرب و الروم البيزنطيين .
و في لقطة رابعة :
تظهر قاعة كبيرة مزدانة بالزخارف العربية و ستائر الديباج و مطارح و مساند الموصلي و الأغباني و غطيت نوافذها بستائر من الحرير الطبيعي الملون ، و في القاعة التي اعتقدوا أنها قاعة العرش ، جلس ما بدا أنهم من كبار الحاشية و القادة و الوجهاء ، بينما تصدر القاعة ما يُُظن أنه ملك أو ربما خليفة ، فقد اعتمر قلنسوة من الأغباني توسطتها ماسة كبيرة .
يتقدم منه أحد قواد الجيش ، ظهر ذلك من ارتدائه لعدة القتال ، ليقول له : " مولاي ! جيوش المغول تتقدم و قد اجتازت قبل قليل السور الشرقي للمدينة ، و مدينتنا بغداد سوف تسقط بين لحظة و أخرى " فيجيبه الأمير أو الخليفة : "استرضوه ، أرسلوا له الهدايا و الأموال ، و قولوا له أن يأخذ ما يشاء و لكن فليتركني و قصري !!!! " .
ثم يظهر جند المغول و هم يجتاحون بغداد فيفتكون بكل من يشاهدونه في طرقاتها و حواريها من بشر و حيوان ، ثم يهاجمون قصورها و مدارسها و مساجدها و مكتباتها و وراقيها ، فينهبون ما فيها من ذهب و فضة و نفائس عمرت بها ، فحتى قباب المساجد المذهبة قطعوها و تقاسموها ، ثم ألقوا ما صادفوه من كتب و مجلدات جمعت على مدار خمسة قرون ، في نهر دجلة الذي تحول ماؤه إلى اللون الأسود ، و تراكمت قراطيس جلد الغزال في النهر و التي كانت تستخدم بدل الورق ، حتى أصبحت كجزر متناثرة في وسط و أطراف النهر ، أما أغرب مشهد فكان استخدام المجلدات العلمية في بناء معسكر لهم بدل الطوب ، في أكبر ساحات وسط بغداد .
ثم ، يدخل هولاكو و قواده و ثلة من أعتى جنوده قصر الخليفة ، و بعد أن أرشدهم الخليفة أو الملك – صاغرا - إلى أماكن ثروته الشخصية و ثروة المدينة ، فتكوا به و بقواده و من تجمع حوله من حاشيته ، ثم التفتوا إلى "الحرملك" فأخذوا يفتكون بالنساء و الأطفال ، فذبحوهم ذبح النعاج !.
ثم ، التفت جِمنا إلى مجموعة العلماء قائلا :
إنه آخر الخلفاء العباسيين الملقب بالمستعصم ، و ما شاهدتموه هو سقوط بغداد في أيدي المغول بقيادة هولاكو شقيق ملكهم .
تدمع عيون الدكتور عبد الله و الكتور هشام ، بينما يهز الآخرون رؤوسهم يمنة و يسرة حزنا و أسى ..
يسألهم جِمنا : " هل أنتم على استعداد لمشاهدة المزيد ؟ " ، فيهزون برؤوسهم علامة الموافقة .
تظهر امامهم مدينة بغداد ، كمدينة عصرية عملاقة بمبانيها الحديثة و ساحاتها الملأى بالنصب التذكارية و حدائقها الغناء ، عرفوها من الأعلام العراقية المرفرفة فوق أكبر مبانيها ، و قد امتدت على ضفتي دجلة . الدخان الأسود يتصاعد من محيط المدينة ، و طلقات مدفعية و صاروخية تنطلق في الجو محاولة تفجير الصواريخ الذكية الأمريكية قبل بلوغها أهدافها ، و قد خلت الشوارع من الناس فالتجؤوا إلى أقبية منازلهم ..
ثم يتحول المشهد إلى مطار بغداد و قد امتلأ بالطائرات الأمريكية العملاقة ، عرفوها من شعار النجمة الخماسية المرسوم على أجنحتها و جذوعها ، أخذت تلفظ ما في أجوافها من تجهيزات عسكرية ضخمة ؛ مئات الدبابات و المجنزرات أخذت تحتشد ، و مئات حاملات الجنود ، و مختلف أنواع الشاحنات ، بينما حلقت في الجو عشرات الحوامات و من فوقها عشرات الطائرات الحربية لحمايتها .
ثم يتحول المشهد إلى جهة لا تبعد كثيرا ، حيث انطلقت عشرات الدبابات نافثة دخانها الأسود من عوادمها ، و قد رفعت كل منها العلم العراقي و عليه عبارة الله و أكبر ، و اندفعت متجهة نحو المطار من خلال عدة طرق رئيسية و مسارب ترابية .
و فجأة تلمع فوقها كتلة هائلة من نور شديد السطوع ، تلحقها كتلة ثانية ثم ثالثة ؛ ثم يتكشف المشهد عن دمار رهيب شمل الدبابات و العربات جميعا بلا استثناء ، و ظهر فوق الطرقات ما يشبه ظلالا بشرية ، هي بقايا جنود حاولوا الفرار من مركباتهم فانصهروا مع الإسفلت صهرا ..
و يعلق جِمنا قائلا : " إنه اليورانيم المخضب ! أو ما يسمونه القنابل النووية النظيفة !!!! "
ثم ينتقل المشهد إلى داخل المدينة ، فثمت عشرات من رجال ملثمين يحملون رشيشات خفيفة و مدججين بالقنابل اليدوية ، تنطلق على شكل شراذم في شوارع بغداد ، فيفتك أفرادها بكل من يشاهدونه في طريقهم من بشر و حيوان ، ثم يهاجمون قصور المدينة و مدارسها و جامعاتها و مساجدها و مستشفياتها و مكتباتها و متاحفها ، فينهبون و يحرقون و يقتلون ، بينما كان آخرون يبحثون عن العلماء و أساتذة الجامعات ، مسترشدين بقوائم سجل عليها أسماء و عناوين هؤلاء ، فيقتحمون بيوتهم و يذبحونهم و عائلاتهم ذبح النعاج ..
===================
*نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
الموقع : www.FreeArabi.com