الأخبار
(يسرائيل هيوم): هكذا حاولت حماس اختراق قاعدة سرية إسرائيلية عبر شركة تنظيفجندي إسرائيلي ينتحر حرقاً بعد معاناته النفسية من مشاركته في حرب غزةالهدنة على الأبواب.. وتجار الحرب إلى الجحيممسؤولون أميركيون: ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء حرب غزةنتنياهو: لقائي مع ترامب قد يسهم في التوصل إلى اتفاق بغزةالاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينية
2025/7/7
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

سنويات معتقل سياسي في سجن الجنيد بقلم: سجود سميح عليوي

تاريخ النشر : 2010-07-19
سنويات معتقل سياسي في سجن الجنيد*
الحلقة قبل الأخيرة
سجود سميح عليوي

أمسكت بيديه وحدقت بعينيه مطولاً، وقلت: "جمال لا تعد إلا وبابا معك." ابتسم ومضى، وبقيت خلفه أٌشعل الدقائق والثواني واحدة تلو الأخرى، ومنذ سنتين وأنا أواصل إحراق الدقائق والثواني صبيحة يوم المحكمة، وأحترق مساء اليوم ذاته.
ربما سيبدو تسيّباً أدبياَ مني أن أطالبكم بسماع قصة أبي وعائلتي وأخي وأختي وأمي وأنا وغيرنا الكثير الكثير ، لكني وباسم حقوق الإنسان، باسم هذا المصطلح الذي أطالب من خلالكم أن يتم استخدامه لمنافع أخرى غير التنظير أن تقرأوا وتسمعوا وترووا ما سأخبركم به، فما أقوله الآن كان خلاصة حرقات أجساد ودموع وقلوب، وما أرويه ليس قصة سندريلا ولا الغيلان الثلاثة، تروونها لأطفالكم قبل النوم لعل الأحلام الغزلانية تواتيهم، هي قصة تروونها لأبنائكم كل يوم، لعل غدهم يكون أفضل....

خلف الباب الموارب في المنزل القديم ذي التسع درجات، والذي يسمونه "محكمة"، وقف جمال بسنواته السبع منصتاً ومتلصصاُ بعين واحدة على ما يجري في الداخل، "الكبار" كانوا في الداخل، وجمال الصغير بقي في الخارج، في ذاك المنزل المقسم لغرف:غرفة المدعي العالم للمحكمة العسكرية، وغرفة النيابة العامة، وغرفة المحقق، وتلك الغرفة الغبية، بمكاتبها الساذجة والمرتبة بطريقة تشبه الأفلام المصرية الرديئة، لتوحي لك بأجواء المحاكم، ولا إيحاء واقعي سوى صوت ذاك الببغاء الذي يكرر بين الحين والآخر: "محكمة..محكمة..محكمة.." ودون وقت أو موقف معين أو مناسب، في الزاوية هناك أبي والمحامية، وفي زاوية أخرى أمي، وفي الوسط يجلس آكلو لحوم العباد، القاضي والمدعي العام، يستفيضون في نقاش بيزنطي تم تكراره لأكتر من 12 مرة خلال هاتين السنتين، وفي "أروقة" محاكم أخرى وبأسماء ومسميات أخرى، وكما يقول المثل "لو مهما يقولوا عن البصل يا ترمس يا مدوب القلوب يبقى بصلاً"، ومهما كانت أسماء المحاكم من مدنية، وأمن دولة، وعسكرية، تبقى ولائم ضحايا بشرية لهذه السلطة أو تلك لا أكثر.
تدخل أمي، تخرج أخرى، يخرج أبي ..يدخل أخرى، تخرج المحامية والمدعي العام ثم يعاودون مصارعتهم الثيرانية من جديد في الداخل، وجمال ما زال فاتحاً عينيه الخضراوين على وسعهما، وما زالت أذنه ترقب الحركات والسكنات.

نطق القاضي..، بعد انتظار دام من الساعة التاسعة صباحاً حتى الثالثة مساءً نطق القاضي، وبعد انتظار دام من تاريخ 28-7-2008، حتى صباح الـ 18-7-2010، نطق القاضي بما فتح عليه الوقائي.."تؤجل المحكمة إلى التاسع عشر من أيلول"، بدأت دموع أمي انهيارها الصامت، وفي داخل أختي سندس يغلي انهيار من نوع مشابه، لكن جمال لم يغلي، جمال انفجر، ولم يدر أحد كيف انفجر على أعتاب باب شبه مغلق لمحكمة بالية الأركان، تعلن تأجيل الإفراج عن والده بكفاله، للمرة الثانية عشرة، ليمضي رمضان هذا العام تماما كما مضى الذي سبق والذي سبقه. وليمضي العيد معه كذلك...إلى رحيل.

أمام انفجار جمال أصيب القاضي بالخرس المدهش، وتحول من ناطق للحكم، إلى محاول لتهدئة ثائرة جمال، حتى الشرطة، والحرس، والمدعي العام، تحولت أنظارهم لذاك الخافق بعنف، القاضي بدأ سلسلة اعتذارات خاوية،" والله ما بإيدي، ما بيدي، لو بيدي كنت أخرجته"، "والله لو حكمت بإخراجه لكنت سجيناًُ مكانه، هناك أوامر بالإبقاء عليه"، "لو عندكم واسطة بالأجهزة الأمنية شغلوها"، أمي لم تكمل صمت انهيارها أمام انفجار جمال، وبدأت عيونها تخفق بنبضات موازية لنبضات قلبها، وسندس تعزف الإيقاع المجهش ذاته، حتى أبي أخرج حرقة قلبه دمعات عزيزات وحضناً متسعاً لاحتواء جمال بخفقاته وصرخاته "أخرجوا أبي" " لن أعود بدون أبي" "أريد رمضان مع بابا والعيد مع بابا وأروح ع المدرسة مع بابا".
..................................................................


ما من دافع، أو ربما هي كتلة متحجرة من دوافع رمتني في أحضان الكلمات لأكتب ما رأيت، فمنذ قرابة الثلاث سنين بدأت أكتب كلمات أبي بلساني أنا، وأنشرها في مدونتي، بدأت أرى أبي بعيون الماضي والحاضر، بعيون سجن الجنيد أيام الإحتلال، وسجن الجنيد أيام السلطة، بدأت أتنفس الرائحة المقيتة نفسها، وكانت خاتمة الكلمات، أن تعرض أبي لمضايقات "القلم اللاذع"، فصمت قلمي، بل كاد أن يصدأ.
الدافع الآخر، هو تهكمي على إعلامنا العربي والمحلي، فمنذ قرابة الأسبوعين، نشرت صحف محلية ومواقع الكترونية، تقريراً عن طفلة حرمتها سلطات حماس في قطاع غزة من الذهاب إلى البحر برفقة والدها، تأملوا معي لماذا، لأن هذه السلطة تقوم باعتقال والدها صبيحة كل يوم وتطلق سراحه في مساء اليوم ذاته، وبذلك تحرم هذه الطفلة من رؤية البحر، وتقول الطفلة جنين عبيد ذات السنوات التماثي: 'ما بنشوف أبونا، كل يوم بيطلع الصبح بدري بيروح على السجن وبيرجع نص الليل، بيرجع واحنا نايمين.
وأنا سجود سميح عليوي ذات ال23 سنة أقول:.. ما بنشوف أبونا بالمرة، أبونا ما طلع من الدار، كنا نايمين وإجت الإجهزة الأمنية علينا بنص الليل، وقالوا لنا عشر دقائق وبيرجع، أبي راح ومن يومها ما رجع".

هل بوسع أحدكم أن يرى جنين التي اعتقل والدها منذ 40 يوماً ليخبرها أن والدي لم يمض معنا سنة بأكملها، وأننا لم نجتمع على مائدة رمضان ولا على وليمة عيد، منذ ثلاثة أعوام، وأني خرجت إلى الدنيا بعيداً عن سمع أبي وعينيه المغمضتين في سجون الاحتلال، وأني دخلت الروضة والمدرسة بعيداً عنه أيضاً، وأني رفضت الذهاب للمدرسة في اليوم الأول لأني كنت انتظر قدومه لإيصالي، "فكل بنت معها أبوها وأنا أين أبي؟؟"، وأني أمضيت سنوات وسنوات أنا وأخوتي بعيدين عنه، حتى غدا عنا غريباً.......
وأن "جمال عبيد، أب لستة أطفال، ثلاثة أولاد وثلاث بنات، أصغرهم رهف التي وُلدت وهو معتقل لدى حماس العام الماضي." وأن أبي سميح عليوي أب لأربع بنات وأربع أولاد أكبرهم أنا، وأني ولدت أنا وبقية أخوتي وهو في غياهب السجون، وأن أبي ليس ناطقاً سياسياً مثل عبيد، ولذلك لا بواكي له، ولا قلم للسان حاله، وأن أبي قضى ما مجموعه الثمانية سنوات في سجون الإحتلال، وما سيصبح مجموعه الأربع سنوات في سجون السلطة، وأن لحية والدي قد نتفت، وأظافره قد نزعت، وجسده أصبح متحفاً للعمليات الجراحية ومخزناً للأدوية والعلاجات، وأنه ضٌرب على يديه ورأسه حتى أصبح فاقداً القدرة على تمييزنا. وأن هذا كان إكرامية الأجهزة الأمنية، والمخفي أعظم.
ماذا سأخبركم أيضاً..أن أبي وعدنا أنه سيكون هذا العيد لنا؟؟..أن جمال ينتظر بابا بفارغ الصبر ليأخذه للمدرسة كما تنتظر جنين عٌبيدها ليأخذها للبحر، أن أبي وفي كل زيارة وفي كل محاكمة يقول : "إن شاء الله هذه المرة ستفرج وننتهي."ولا جديد.. أن الأجهزة حاولت وتحاول إجبار والدي وغيره على توقيع ورقة مفعمة بتهمٍ لا أساس لها، وأن الاعتقال الأخير لوالدي مرده رفع دعوى على الأجهزة الأمنية بسبب إغلاقهم محله ومصادرة كل أمواله_إلى غير رجعة_،وأن المعتقلين السياسيين لدى الأجهزة الأمنية مسئولون عن إحضار طعامهم وشرابهم، وأنهم يشترون ما يحتاجون من "كانتين" السجن، تماما كالسجون الإسرائيلية، وأن الأجهزة الأمنية تتعاون مع الارتباط الإسرائيلي في إزهاقها البطيء لأرواح المواطنين، فتعذب بعضهم وتمنع من شوهته من السفر للعلاج، وتتناوب مع الاحتلال الإسرائيلي على اعتقال أبناء هذا الوطن والتنكيل بهم.
وأضيف إلى ما قلت، أن الأجهزة الأمنية لا تحتجز معتقليها في قصر محمود عباس، وإنما في سجن الجنيد الذي كان سابقاً سجناً إسرائيلياً، وأنها قدمت عدداً من المطاردين المحتجزين لديها قرابين لإرضاء الاحتلال الإسرائيلي كما يعلم الجميع.

لا تتوقف الحكاية هنا، فالأجهزة الامنية حرمت والدي العام الماضي من حضور حفل تخرجي في جامعة النجاح الوطنية، وقامت بنقله من قسم العناية المكثفة في مشفى الوطني إلى أقبية التحقيق في قسم الوقائي، وأن فالح عرار، الملقب بأبي أنصار، _أخزاه الله ولا نصره_ قد أمضى تلك الليلة بأكملها يحقق مع أبي في غرفة الإنعاش. وأن أبو يزن وأبو شرار وأبو أحمد قد تناوبوا على ضربه في تلك الليلة مراراً وتكراراً ومنعوا عنه نور الشمس لأشهر حتى بات جلده أصفراً مجعداً وبات غير قادر على النظر.

شكراً لكل عصابة المافيا التي حرمتني رؤية أبي يوم التخرج. وشكراً لإعلامنا الذي خفق قلبه رقة لطفلة يمضي والدها يومه لا أيامه في سجون حماس، وأبي يمضي عمره مترنحاً بين سجون الإحتلال وسجون السلطة، وشكراً لقاضي بلا قانون أعاد تكرار دوامة عمري أمام عيون أخي، وشكراً لكل رؤوس السلطة أينما كانوا في رام الله أو في غزة، شكراً لأولئك في رام الله لأنهم أقنعوني أن هناك ظلماً أحلك من ظلم اليهود، وأن هناك حقداً أشد من حقد العقيدة، وأن للخيانة درجات، وأننا إلى انحدار، شكراً لهم لأني حاولت كثيراً الموازنة بين ظلم وظلم وربحوا هم النزال وكان ظلمهم أوفى وأعم، وشكراً لأصحاب غزة، لأننا طالبناهم كثيراً بالتفاعل مع مشكلة أسراهم فاكتفوا بالصمت والتلويح بالأفعال لا أكثر، شكراً لأنهم يتقنون هز خصورهم وسيوفهم فقط إن كان الأذى موجهاً لقياداتهم، شكراً لخوفهم الذي أطعمنا المر والعلقم، وشكراً لذاك المراسل الذي هاتفته أمي مرة لتخبره أن أبي في حال خطرة بالمشفى وأن جهاز الوقائي أغلق محله بالشمع الأحمر، وصادر كل أمواله، فاكتفى بالقول أنه سيعاود الإتصال، وفر هارباً....

دافعي الأخير للكتابة هذه المرة..كان أخي..كان جمال..كان ذاك السيف الذي سيرتفع في يوم من الأيام أمام عيون الخائنين والمتخاذلين أياً كانوا، دافعي الأخير للكتابة هذه المرة كان أمي، التي رفعت يديها وقالت: اللهم احرق قلوبهم مثلما حرقوا قلوبنا، اللهم أذقهم في أحبابهم مثلما أذاقونا ..اللهم اجعل حسرتهم في أعز ما لديهم ..

اللهم آمين...
ملاحظة: كانت تلك الحلقة قبل الأخيرة والوحيدة من سلسلة سنويات معتقل سياسي في سجن الجنيد، تلك الحلقة الوحيدة، لأن العبرة في الخواتم، وهذه هي الحلقة قبل الأخيرة لأن الخاتمة لم تأت بعد، وهذه وتلك كانت سنويات معتقل، لأن السجن لا ثواني فيه، السجن سنون وسنوات لصاحبه وليس دقائق أو ثوان، ما خطه هذا القلم يتحمل مسؤوليته مالك هذا القلم والملك لله..
وإن موعدهم الصبح..أليس الصبح بقريب..


*
سجن الجنيد: هو سجن إسرائيلي مركزي أقيم على أطراف مدينة نابلس، اعتقل فيه عدد كبير من مقاومي الشعب الفلسطيني وقيادات الفصائل المختلفة، فتح وحماس والجبهة والجهاد وغيرها، بعد اتفاقية اوسلو وانسحاب الإحتلال الجزئي من الضفة، استلمت سلطة الحكم الذاتي السجن، وأصبح مقراً لقواتها وأجهزتها الأمنية، كالمخابرات والإستخبارات والنيابة العامة، والوقائي والبحرية والأمن الوطني وغيرها، أعيد استخدامه لاعتقال المقاومين والسياسيين في عهد ياسر عرفات، تم قصفه من قبل الإحتلال الإسرائيلي وتجريف أرض مطاره أثناء انتفاضة الأقصى، بعد الانتفاضة أشرفت جهات دولية مانحة على إعادة ترميمه كان من بينها USAID، أعيد استخدامه مرة أخرى في عهد محمود عباس لاعتقال النشطاء والمعارضين السياسيين والمطاردين من قبل الاحتلال. وما زالت أفواه الجنيد تبتلع المزيد من أبناء شعبنا كل يوم..
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف