
ريق الحياة
بقلم: محمد يوسف جبارين( أبوسامح).. أم الفحم..فلسطين
ماذا تبقى ، بعد أن تناثر الأحبة أشلاء أشلاء ، سالت دماؤهم بكل حفر وتمزيق في أجسامهم ، وتلاشى مأوى كان يضمهم ، وتوارت الأشلاء في قبر يضيء في وعي كل حر ، بأن الأشلاء ما رست مرساها ، الا لتكون حروف نظام آت بالحرية ينشرها في عيون كل من يتنفس في ربوع الحياة ، فالقبر أمل بحياة لم تزل في المخيال تدق بكل عزم على استخلاصها من جوف حرارة الصحراء ، وانه الواقع الأليم الناطق في النفس بأنه لم يعد سواه الجفاف ، يضرب ريق الصبر بموجات من حرارة الوفاء ، وينزل بالارادة على جوع الى استيلاد الأمن والأمان للحياة .
لقد تمزق الأحبة بأسنان طائرة مرت في الأجواء توزع الفناء . كانوا للحرية أنفاس العطر ، ينهل الأمل من زنودهم بريقا يضيء به في عيون الفقراء ، فانظر الزيتون والدمعة في جفنه كيف خطه الحزن ، وجابه كل رفض وعزم يتواثب به على زعزعة القدرة التي تتيح لكذا أمر يداوم عليه الغرباء ، فكيف الارادة الحرة ترسم للغزاة فرارا من أوهامهم ، وكيف يخط اليأس دورته بهم ، فيحملهم الى رحيل من الديار . فهذه وصية الدماء ، وهذا همس المأوى ، فهذا سؤال الحلم بالحرية والعزم على تحقيقها بكل نفس ومال ، وهل يمكنه بازاء التحدي أن يكف سؤال الحرية عن دبيبه ، وهل بغير سير السؤال يعرف الحر طعما للحياة ، فيا صاح لن ترى شروقا ولا غروبا بغير حمرة بلون الدماء ، وهذه المقبرة وديعة الماضي في الحاضر ، تكتب الحياة بحروفها مستقبل الحياة ، فما ذهب الذين ذهبوا ، وانما استحالوا الى آفاق للحرية تنشدنا صناعة الضياء ، فهم الحروف نعرف بها ، ونكتب بها سيرا نحن أحوج ما نكون اليه ، الى عناقهم عند شرفات صبح نأتي به ، بارادة تهزم الليل ، وتأتي بالنور تطل به على الديار ، فلا تدع البكاء يأخذ منك كل ماء وارادة ، ولا تتركه يبعث فيك الجفاف .
فما جف ريق الحياة ، الا وفغرت الحياة فاها باحثة عن قطرة ماء ، فحيوية الريق في الحلق ترياق الحياة ، وما سكن الجفاف في لسان ، الا وأسال في الوعي معرفة بقيمة الكلام ، ولا بدا الجفاف في وجه غصن ، الا وكان حاله ينطق بما هو آيل اليه من عجز عن انتاج الثمار . فالجفاف معرفة بقيمة الماء، واذا هو احتوى لسانا فهذا اللسان لن يجد الكلمات ، وترى الأرض في تشققها ، فتعرف بأن اللاربيع يصنعه اللاشتاء ، فكذلك الارادة اذا ساورها الجفاف ، أفرغها من كل نية وهم واتجاه . تتوه حائرة ، لا تعرف كيف تحدد الجهد بالاتجاه .
ولعله الجفاف رفيق القحط ، يفترش الأرض ، ليستبقي الشوك موفور العافية ، يحقق ذاته بدمعة تتندى من عين انسان ، ويعمل على انتاج كل مناخ لكل سقوط ، وذلك كي يتخذ من السقوط باعثا على السقوط ، ومعرفة ودربا الى اغتيال الكبرياء والشموخ . فكبرياء الحياة انتظام في دورتها ، وربيع يأتي من رحم الشتاء ، وعافية كامنة في الثمار ، وأمل في المستقبل كامن في بذور تنتظر فصلا آخر من الشتاء . فدورة الحياة كبرياء ، تبعث في رسالة الجفاف حقدا يفجر الغيظ الكامن نارا في وجه ربيع الحياة ، ويود لو يجف كل نبات ، فيبسط الصحراء فوق كل عود وجبل وسهل وواد .
وهذه هي الأحزان ، تغمر كل نفوسنا وتغلي بها ، بعد أن هيأ بالخراب والدمار وسفك الدماء لها نشأتها ، ويود لو يتحكم في سير غليانها ، فيقدر على جعلها مطحنة لكل ابتسامات المحبة التي لم تزل على موعد مع اطلالتها ، بعد الاغتسال بدموع الحياة .
قد تطحن الأحزان كل قش ، وتذروه رمادا ، ولكنها حين تلامس القلوب تريحها في مصابرة وعزم وهمة وشد ركاب .
فكم من جفاف حط في الحلق ، فكان الباعث الذي يبعث على البحث عن الماء ، وكم من صيب أصاب النبات والشجر ، فكان النذير بضرورة ابداع الدواء .
وكم من ظلم أقعد الظلمات بين عيون الناس وبسط الصحراء معاشا للحياة ، فكانت بتلك قيامة الحرية في أفئدة الناس ، فهبوا من أحزانهم الى امتلاك أمنهم ، وجعل الربيع حياة الحياة .
وقد تصوح نفس بها مرض ، فتفرغ من كل نبل وحياء . تجف فتسقط فتغدو يدا للحريق الذي يوقده الغرباء في أجنحة الحرية ونبض الحياة ، مثل غصن اعتراه الجفاف فلم تعد به فاعلية حياة . غادره الانتماء ، فهوية الشجرة ليست هويته ، وانما هويته الجفاف ، وانتماؤه الى ما هو عليه ويمثله ، فالى الحطب ، وكل حطب من شجر ، وليس الشجر من الحطب . يذهب الحطب ويبقى الشجر . تبقى الأرض والبذور ودورة الأيام .
وليس هناك أكثر ضلوعا في التوهم ممن ظن بأن الحريق اذا شب في أرض ، فان نباتها لن يعود اليها . ولا أجهل ممن رأى الأرض محروثة ، ولا نبات فيها ، ظن بأن بذور الحياة غير موجودة فيها . تبقى بذور النعناع في التراب . تبقى بذور البقاء في البقاء ، الى أن تتهيأ لها ظروفها فتنفلق النوى داخل التراب ، وتبني جذورا لها ، تمدها الى حيث وقودها في حبات التراب ، تعرف كيف تحركها ، وماذا تأخذه وماذا تتركه . تفعل كل ذلك في الخفاء ، وتطور عودها ، وتمده الى أعلى ، الى حيث النور والهواء ، وتعانق الشمس ، وتنمو وتورق وتثمر ، وهذا همس الحرية قد تعالى من بين الأوجاع والأحزان وتنامى ، فكل قطرة دم وكل دمعة تركت في العقل دلالة ومعنى .
واني أسمع الآن صدى الأمل رنانا وسط هذه الأجواء المتجهمة .. أما تسمعه ؟ أما ترى الأمل يحلق بأجنحة الحرية ، ويومىء الينا بأن أحزان الأحرار ما كان لها أن تجفف ارادة لهم ، وانما تضيف اليها تماسكا ومقدرة وحدة في الاتجاه ، فالضياع الذي ظنوه نتاجا تلقائيا للاقتلاع وسفك الدماء والتشريد والشتات ، قد استحال ارادة تجعل الفشل مأوى لكل ضياع يبدعونه لنا في كل ليل ونهار .
وها هي الارادة تتعذب وتشقى وتتخضب بالدماء ، وتقوم في كل مرة ، من عذابها ومن شقائها ، وهي أكثر مقدرة على الاستمرار في الطريق الى الأمل .
وها أنا كما الأرض أتمزق شوقا الى الحياة ، الى الفرح ، ويا طالما سألتني وأنت تنظر الى الشفق الأحمر ، متى ؟ متى نفرح ؟ ، متى تغني معنا الدنيا أنشودة الفرح ، متى تبتسم لنا هذه الدنيا ؟ . والى متى تظل كشرتها تملأ حياتنا ، وكنت كما القضية ترتعش من شدة الانفعال بما تؤمن به ، وحتى صرير أسنانك كان يقر في أذني وأنت تقول : متى يا أخي ؟ متى نفك أسر أحلامنا . كيف نفك أسر هذا الحلم الذي نحياه بكل ما بنا من فكر وشعور . متى نرى الحلم الرائع المحاصر بآلة الدمار وبالأشواك يفك بيديه هذا الحصار . متى نرى ابتسامة الحلم على شفاه الأطفال . متى ؟! . وكنت تدور حول نفسك مرة واثنتين ، ثم تحضنني وتجهش في البكاء ، ثم تقول ما أقوله لك الآن ، وأنت في هذا الحال الذي يمزق القلب ، أقول اني أريد لهذه الدموع التي تجري سواقي على خدك ، أن تسقي الخطى تسارعا ، فعلى أكتافنا الرواسي الجبال .. صحيح يا أخي ، بأني لا أخشى على الأحرار اذا همت عيونهم بالدموع في يوم مثل الجمعة الحمراء ، لكني أعرف ، وكما تعلمت بين يديك ، بأن سيادتنا على أرضنا تحتاج منا أن نحمل الأرض على أكتافنا . فقم من بين هذه الأحزان ، واجعل الدموع عزيمة ، تحيل الأوزان الثقال الى خفة القطن ، حين نقله من مكان الى مكان ، وليس مثل الدموع عهدا على الوفاء لسيرة الوفاء ، في هذا الوقت الذي ينحني فيه الوفاء أمام آيات الوفاء . فهذا ألق الشهداء في الأنفاس ايذان بارتكاس عصا الظلم وراء حواجز اليأس والانطواء ، فدماء الشهداء حياة وثابة ، مثل طوفان جارف ، لا يترك حطبا ولا شوكا ، ولا سيد الشوك والحطب ، أن يظل قابضا على حبة تراب ، ذاب في حبها الشهداء .
هي صيرورة يصير بها الحاقد مائدة الحقد ، بعد أن كان الحقد يأكل من لحوم الأبرياء ، وذلك مصير كل شر ، اذا ما ظل الخير يمد الحرية بزاد الحياة .
هي سقاية الحرية من وريد كل حر . وكل ربيع يأتي على أكف شتاء ، وكل زهر يفوح عطرا بعدما ارتواء .
فاذا أعز الناس ذابوا في الضياء ، فهم في وعينا ، في هموم ارادتنا ، في شفق الصبح الذي يبشر بأن النهار وشيك الزفاف الى حدقات عيوننا .
بقلم: محمد يوسف جبارين( أبوسامح).. أم الفحم..فلسطين
ماذا تبقى ، بعد أن تناثر الأحبة أشلاء أشلاء ، سالت دماؤهم بكل حفر وتمزيق في أجسامهم ، وتلاشى مأوى كان يضمهم ، وتوارت الأشلاء في قبر يضيء في وعي كل حر ، بأن الأشلاء ما رست مرساها ، الا لتكون حروف نظام آت بالحرية ينشرها في عيون كل من يتنفس في ربوع الحياة ، فالقبر أمل بحياة لم تزل في المخيال تدق بكل عزم على استخلاصها من جوف حرارة الصحراء ، وانه الواقع الأليم الناطق في النفس بأنه لم يعد سواه الجفاف ، يضرب ريق الصبر بموجات من حرارة الوفاء ، وينزل بالارادة على جوع الى استيلاد الأمن والأمان للحياة .
لقد تمزق الأحبة بأسنان طائرة مرت في الأجواء توزع الفناء . كانوا للحرية أنفاس العطر ، ينهل الأمل من زنودهم بريقا يضيء به في عيون الفقراء ، فانظر الزيتون والدمعة في جفنه كيف خطه الحزن ، وجابه كل رفض وعزم يتواثب به على زعزعة القدرة التي تتيح لكذا أمر يداوم عليه الغرباء ، فكيف الارادة الحرة ترسم للغزاة فرارا من أوهامهم ، وكيف يخط اليأس دورته بهم ، فيحملهم الى رحيل من الديار . فهذه وصية الدماء ، وهذا همس المأوى ، فهذا سؤال الحلم بالحرية والعزم على تحقيقها بكل نفس ومال ، وهل يمكنه بازاء التحدي أن يكف سؤال الحرية عن دبيبه ، وهل بغير سير السؤال يعرف الحر طعما للحياة ، فيا صاح لن ترى شروقا ولا غروبا بغير حمرة بلون الدماء ، وهذه المقبرة وديعة الماضي في الحاضر ، تكتب الحياة بحروفها مستقبل الحياة ، فما ذهب الذين ذهبوا ، وانما استحالوا الى آفاق للحرية تنشدنا صناعة الضياء ، فهم الحروف نعرف بها ، ونكتب بها سيرا نحن أحوج ما نكون اليه ، الى عناقهم عند شرفات صبح نأتي به ، بارادة تهزم الليل ، وتأتي بالنور تطل به على الديار ، فلا تدع البكاء يأخذ منك كل ماء وارادة ، ولا تتركه يبعث فيك الجفاف .
فما جف ريق الحياة ، الا وفغرت الحياة فاها باحثة عن قطرة ماء ، فحيوية الريق في الحلق ترياق الحياة ، وما سكن الجفاف في لسان ، الا وأسال في الوعي معرفة بقيمة الكلام ، ولا بدا الجفاف في وجه غصن ، الا وكان حاله ينطق بما هو آيل اليه من عجز عن انتاج الثمار . فالجفاف معرفة بقيمة الماء، واذا هو احتوى لسانا فهذا اللسان لن يجد الكلمات ، وترى الأرض في تشققها ، فتعرف بأن اللاربيع يصنعه اللاشتاء ، فكذلك الارادة اذا ساورها الجفاف ، أفرغها من كل نية وهم واتجاه . تتوه حائرة ، لا تعرف كيف تحدد الجهد بالاتجاه .
ولعله الجفاف رفيق القحط ، يفترش الأرض ، ليستبقي الشوك موفور العافية ، يحقق ذاته بدمعة تتندى من عين انسان ، ويعمل على انتاج كل مناخ لكل سقوط ، وذلك كي يتخذ من السقوط باعثا على السقوط ، ومعرفة ودربا الى اغتيال الكبرياء والشموخ . فكبرياء الحياة انتظام في دورتها ، وربيع يأتي من رحم الشتاء ، وعافية كامنة في الثمار ، وأمل في المستقبل كامن في بذور تنتظر فصلا آخر من الشتاء . فدورة الحياة كبرياء ، تبعث في رسالة الجفاف حقدا يفجر الغيظ الكامن نارا في وجه ربيع الحياة ، ويود لو يجف كل نبات ، فيبسط الصحراء فوق كل عود وجبل وسهل وواد .
وهذه هي الأحزان ، تغمر كل نفوسنا وتغلي بها ، بعد أن هيأ بالخراب والدمار وسفك الدماء لها نشأتها ، ويود لو يتحكم في سير غليانها ، فيقدر على جعلها مطحنة لكل ابتسامات المحبة التي لم تزل على موعد مع اطلالتها ، بعد الاغتسال بدموع الحياة .
قد تطحن الأحزان كل قش ، وتذروه رمادا ، ولكنها حين تلامس القلوب تريحها في مصابرة وعزم وهمة وشد ركاب .
فكم من جفاف حط في الحلق ، فكان الباعث الذي يبعث على البحث عن الماء ، وكم من صيب أصاب النبات والشجر ، فكان النذير بضرورة ابداع الدواء .
وكم من ظلم أقعد الظلمات بين عيون الناس وبسط الصحراء معاشا للحياة ، فكانت بتلك قيامة الحرية في أفئدة الناس ، فهبوا من أحزانهم الى امتلاك أمنهم ، وجعل الربيع حياة الحياة .
وقد تصوح نفس بها مرض ، فتفرغ من كل نبل وحياء . تجف فتسقط فتغدو يدا للحريق الذي يوقده الغرباء في أجنحة الحرية ونبض الحياة ، مثل غصن اعتراه الجفاف فلم تعد به فاعلية حياة . غادره الانتماء ، فهوية الشجرة ليست هويته ، وانما هويته الجفاف ، وانتماؤه الى ما هو عليه ويمثله ، فالى الحطب ، وكل حطب من شجر ، وليس الشجر من الحطب . يذهب الحطب ويبقى الشجر . تبقى الأرض والبذور ودورة الأيام .
وليس هناك أكثر ضلوعا في التوهم ممن ظن بأن الحريق اذا شب في أرض ، فان نباتها لن يعود اليها . ولا أجهل ممن رأى الأرض محروثة ، ولا نبات فيها ، ظن بأن بذور الحياة غير موجودة فيها . تبقى بذور النعناع في التراب . تبقى بذور البقاء في البقاء ، الى أن تتهيأ لها ظروفها فتنفلق النوى داخل التراب ، وتبني جذورا لها ، تمدها الى حيث وقودها في حبات التراب ، تعرف كيف تحركها ، وماذا تأخذه وماذا تتركه . تفعل كل ذلك في الخفاء ، وتطور عودها ، وتمده الى أعلى ، الى حيث النور والهواء ، وتعانق الشمس ، وتنمو وتورق وتثمر ، وهذا همس الحرية قد تعالى من بين الأوجاع والأحزان وتنامى ، فكل قطرة دم وكل دمعة تركت في العقل دلالة ومعنى .
واني أسمع الآن صدى الأمل رنانا وسط هذه الأجواء المتجهمة .. أما تسمعه ؟ أما ترى الأمل يحلق بأجنحة الحرية ، ويومىء الينا بأن أحزان الأحرار ما كان لها أن تجفف ارادة لهم ، وانما تضيف اليها تماسكا ومقدرة وحدة في الاتجاه ، فالضياع الذي ظنوه نتاجا تلقائيا للاقتلاع وسفك الدماء والتشريد والشتات ، قد استحال ارادة تجعل الفشل مأوى لكل ضياع يبدعونه لنا في كل ليل ونهار .
وها هي الارادة تتعذب وتشقى وتتخضب بالدماء ، وتقوم في كل مرة ، من عذابها ومن شقائها ، وهي أكثر مقدرة على الاستمرار في الطريق الى الأمل .
وها أنا كما الأرض أتمزق شوقا الى الحياة ، الى الفرح ، ويا طالما سألتني وأنت تنظر الى الشفق الأحمر ، متى ؟ متى نفرح ؟ ، متى تغني معنا الدنيا أنشودة الفرح ، متى تبتسم لنا هذه الدنيا ؟ . والى متى تظل كشرتها تملأ حياتنا ، وكنت كما القضية ترتعش من شدة الانفعال بما تؤمن به ، وحتى صرير أسنانك كان يقر في أذني وأنت تقول : متى يا أخي ؟ متى نفك أسر أحلامنا . كيف نفك أسر هذا الحلم الذي نحياه بكل ما بنا من فكر وشعور . متى نرى الحلم الرائع المحاصر بآلة الدمار وبالأشواك يفك بيديه هذا الحصار . متى نرى ابتسامة الحلم على شفاه الأطفال . متى ؟! . وكنت تدور حول نفسك مرة واثنتين ، ثم تحضنني وتجهش في البكاء ، ثم تقول ما أقوله لك الآن ، وأنت في هذا الحال الذي يمزق القلب ، أقول اني أريد لهذه الدموع التي تجري سواقي على خدك ، أن تسقي الخطى تسارعا ، فعلى أكتافنا الرواسي الجبال .. صحيح يا أخي ، بأني لا أخشى على الأحرار اذا همت عيونهم بالدموع في يوم مثل الجمعة الحمراء ، لكني أعرف ، وكما تعلمت بين يديك ، بأن سيادتنا على أرضنا تحتاج منا أن نحمل الأرض على أكتافنا . فقم من بين هذه الأحزان ، واجعل الدموع عزيمة ، تحيل الأوزان الثقال الى خفة القطن ، حين نقله من مكان الى مكان ، وليس مثل الدموع عهدا على الوفاء لسيرة الوفاء ، في هذا الوقت الذي ينحني فيه الوفاء أمام آيات الوفاء . فهذا ألق الشهداء في الأنفاس ايذان بارتكاس عصا الظلم وراء حواجز اليأس والانطواء ، فدماء الشهداء حياة وثابة ، مثل طوفان جارف ، لا يترك حطبا ولا شوكا ، ولا سيد الشوك والحطب ، أن يظل قابضا على حبة تراب ، ذاب في حبها الشهداء .
هي صيرورة يصير بها الحاقد مائدة الحقد ، بعد أن كان الحقد يأكل من لحوم الأبرياء ، وذلك مصير كل شر ، اذا ما ظل الخير يمد الحرية بزاد الحياة .
هي سقاية الحرية من وريد كل حر . وكل ربيع يأتي على أكف شتاء ، وكل زهر يفوح عطرا بعدما ارتواء .
فاذا أعز الناس ذابوا في الضياء ، فهم في وعينا ، في هموم ارادتنا ، في شفق الصبح الذي يبشر بأن النهار وشيك الزفاف الى حدقات عيوننا .