
قصة قصيرة
الرجل الكريم واللصوص الثلاثة
بقلم
الكاتب والصحفي
نصير أحمد الريماوي
7/12/2009م
كان رجل كريم يعيش وحده في كوخ صغير متواضع الحال يتكون من غرفتين صغيرتين.. بعد وفاة زوجته.. حياته هادئة.. ويجمع من تعبه وعرق جبينه المال الوفير حتى أصبح ميسور الحال، وكل ما يزيد من مواد غذائية عن حاجته اليومية يبيعه مقابل قطع ذهبية يحفظها داخل كيس في كوخه.. وطيلة حياته لا يرد يداً تمتد إليه لطلب المعونة وسد العوز.. فأحبه الناس، الغني قبل الفقير، وذاع صيته.
ذات يوم، قرر ثلاثة لصوص شبان أن يتنكروا بثياب الفقراء والمحتاجين الرثة وأن يجعلوا من صورهم مناظر تثير الشفقة، والذهاب إلى كوخ الرجل الكريم بحجة طلب المساعدة وبهدف كشف مخبأ القطع الذهبية التي يجمعها هذا الرجل لسرقتها فيما بعد!!.
اقترب اللصوص الثلاثة من الكوخ المذكور وكمنوا في أطرافه.. وعندما أرخى الليل سدوله، وسكنت حركة الناس بعدما لاذوا إلى مهاجعهم.. تقدم اللصوص.. طرق بعضهم باب الكوخ بيده.
الرجل الكريم: من الطارق؟
اللصوص: نحن بعض الفقراء، جئناك لتساعدنا.. ساعدك الله في الدنيا والآخرة!!.
نهض الرجل من فراشه مبسملاً ومستعيذاً بالله من الشيطان الرجيم.. لفّ على رأسه وشاحه ثم تقدم وبيده سراجه الزيتي.. فتح الباب مرحباً.. نظر في وجوههم المنخفضة إلى أسفل، وكانوا يمثلون دور البائسين، والمحرومين، والأذلاء في الحياة؟؟
قال لهم: تفضلوا أدخلوا يا أبنائي.. وماذا وراءكم؟
دخل اللصوص الثلاثة متتابعين إلى داخل الكوخ، وجلسوا على الحصير.. أحضر الرجل لهم ثلاثة أكواب من الشاي الساخن بعد أن جهزها.. جلس بجوارهم.. سألهم إن كانوا جياعاً ليقدم لهم ما تيسر من زاده الحلال؟
اللصوص: لقد ضاق بنا الحال، ولا يوجد من يعيلنا ويساعدنا سواك!! وقد عرفنا عنك مثال الرجل الكريم الذي لا يرد السائل؟؟ نطلب منك بعضاً من المال لكي نستغله في التجارة، وحالما تربح تجارتنا سوف نرده إليك مع زيادة عليه!!
الرجل الكريم: اسمعوا يا أولادي، أولاً أنا لا آخذ الربا من أحد عندما اقرضه مالاً. فهذا حرام ثم حرام عند الله سبحانه وتعالى، وأما الأمر الثاني فأنا أشفق على حالكم وإن شاء الله يعينني على مساعدتكم قدر ما أستطيع حتى تستقيم حياتكم المعيشية.. و كوخي مفتوح لكم كلما شعرتم بحاجة ماسة للمساعدة لأتقاسم معكم ما في داخله...
الرجل الكريم استقبلهم أحسن استقبال، وخالقهم بخلق حسن في كوخه الذي يؤمّه الفقراء والمحتاجون، وهو لا يدري ما تخفيه أنفسهم الأمارة بالسوء!
ومن شدة حرصه على ماله، هذا الرجل الكريم كان يضع في كوخه عدة أكياس مشابهة لكيس القطع الذهبية الحقيقية ويضع في داخلها قطعاً ذهبية مزيفة؟؟، وكلما جاءه أحد طالباً مساعدته تراه يسارع إلى فتح الأكياس كلها ويتظاهر بأنه يأخذ القطع الذهبية الحقيقية منها!! ثم يعطي السائل قطعة ذهبية حقيقية لتدبير شؤون حاله وأسرته.. ويريد بهذه الطريقة أن لا يعرف السائل من أي كيس اخرج له قطعة الذهب الحقيقية، فقد كان هذا الرجل شديد الحذر من إمكانية السطو على كوخه يوماً ما.
نهض الرجل الكريم وتوجه نحو الأكياس وتحسسها كلها.. أخرج ثلاث قطع ذهبية حقيقية وعاد إلى اللصوص الثلاثة ومنح كل واحد منهم قطعة.. طبعاً اللصوص الثلاثة راقبوا الرجل بأعينهم وهو يعبث في الأكياس ليعرفوا مخبأ قِطَعه الذهبية ونُقوده؟؟ وعندما شاهدوا وجود عدد من الأكياس في الكوخ سرّوا سروراً عظيماً، وظنوا أن غنيمتهم ستكون كبيرة جداً، خاصة بعدما سمعوا رنين القطع المعدنية في الأكياس مما زاد من شراهتهم للفريسة..
شكروا الرجل على كرمه ثم نهضوا من مجالسهم وهم يضمرون الشر في نفوسهم لهذا الرجل الذي أكرمهم!!.. خرجوا من الكوخ وهم يتهامسون فيما بينهم ويفكرون بكيفية سرقة هذه الأكياس، واختفوا في ظلام الليل؟..
أطفأ الرجل الكريم نور سراجه بعد ملاحظته شيئاً غريباً بينهم- خاصة أنهم شبان- وليسوا كعادة البؤساء مما دفعه للحاق بهم خلسة ليسترق السمع.. فتناهى إلى مسامعه أنهم يخططون لسرقة الأكياس!!
فهم هذا الرجل ما يجري بينهم، وقفل عائداً مسرعاً إلى كوخه.. أخرج كيس القطع الذهبية الحقيقية من بين الأكياس.. حفر حفرة في أرضية الكوخ وأخفى الكيس بداخله تحت التراب حتى لا يراه أحد، فيما أبقى الأكياس الأخرى الشبيهة في أماكنها.. ثم وضع الحصير و فرشته ووسادته فوق الحفرة ونام تلك الليلة وعيناه يقظتان خوفا على حياته وعلى ذهبه.
طبعاً اللصوص الثلاثة لم يبتعدوا كثيراً عن الكوخ بل اختبأوا بين الأشجار الواقعة في محيط الكوخ، وانتظروا حتى منتصف الليل ليتأكدوا بأن الرجل الكريم دخل في سبات عميق.. ثم تقدموا نحو الكوخ الواحد تلو الآخر.. نظروا من نافذة الكوخ فشاهدوا الرجل نائما على فراشه، وشخيره يملأ الكوخ.. اطمأنوا لذلك.. فتحوا الباب بهدوء ثم دلفوا داخله.. توجهوا نحو الأكياس المصطفة بجانب بعضها البعض.. حمل كل منهم جزءاً من الأكياس وتركوا واحدا منها للرجل؟؟...
الرجل كان يتظاهر بأنه نائم!.. وعندما همّوا بالخروج هاربين.. استيقظ الرجل الكريم.. وقف أمامهم، وسألهم: لماذا تحاولون الهرب وتتركون هذا الكيس خلفكم؟؟ خذوه معكم إن كنتم بحاجة إليه.. وإذا كنتم لا تستطيعون حمل الأكياس كلها فأنا سأساعدكم في حملها وإيصالها إلى المكان الذي تريدونه!!
دهش اللصوص من هذا الموقف.. احمرّت وجوههم من فعلتهم المشينة.. طأطأوا رؤوسهم خجلاً ولم يعرفوا كيف يخرجون من هذه الورطة.. تركوا الأكياس على الأرض وهم يبكون.. ثم عاهدوا هذا الرجل الكريم بألا يسرقوا أحداً بعد اليوم.. كما أعادوا له القطع الذهبية الثلاث اللاتي منحها لهم.. اعتذروا منه، واعترفوا له بذنبهم وخطتهم التي أفشلها كَرَم هذا الرجل.
ــــــــــــ
[email protected]
الرجل الكريم واللصوص الثلاثة
بقلم
الكاتب والصحفي
نصير أحمد الريماوي
7/12/2009م
كان رجل كريم يعيش وحده في كوخ صغير متواضع الحال يتكون من غرفتين صغيرتين.. بعد وفاة زوجته.. حياته هادئة.. ويجمع من تعبه وعرق جبينه المال الوفير حتى أصبح ميسور الحال، وكل ما يزيد من مواد غذائية عن حاجته اليومية يبيعه مقابل قطع ذهبية يحفظها داخل كيس في كوخه.. وطيلة حياته لا يرد يداً تمتد إليه لطلب المعونة وسد العوز.. فأحبه الناس، الغني قبل الفقير، وذاع صيته.
ذات يوم، قرر ثلاثة لصوص شبان أن يتنكروا بثياب الفقراء والمحتاجين الرثة وأن يجعلوا من صورهم مناظر تثير الشفقة، والذهاب إلى كوخ الرجل الكريم بحجة طلب المساعدة وبهدف كشف مخبأ القطع الذهبية التي يجمعها هذا الرجل لسرقتها فيما بعد!!.
اقترب اللصوص الثلاثة من الكوخ المذكور وكمنوا في أطرافه.. وعندما أرخى الليل سدوله، وسكنت حركة الناس بعدما لاذوا إلى مهاجعهم.. تقدم اللصوص.. طرق بعضهم باب الكوخ بيده.
الرجل الكريم: من الطارق؟
اللصوص: نحن بعض الفقراء، جئناك لتساعدنا.. ساعدك الله في الدنيا والآخرة!!.
نهض الرجل من فراشه مبسملاً ومستعيذاً بالله من الشيطان الرجيم.. لفّ على رأسه وشاحه ثم تقدم وبيده سراجه الزيتي.. فتح الباب مرحباً.. نظر في وجوههم المنخفضة إلى أسفل، وكانوا يمثلون دور البائسين، والمحرومين، والأذلاء في الحياة؟؟
قال لهم: تفضلوا أدخلوا يا أبنائي.. وماذا وراءكم؟
دخل اللصوص الثلاثة متتابعين إلى داخل الكوخ، وجلسوا على الحصير.. أحضر الرجل لهم ثلاثة أكواب من الشاي الساخن بعد أن جهزها.. جلس بجوارهم.. سألهم إن كانوا جياعاً ليقدم لهم ما تيسر من زاده الحلال؟
اللصوص: لقد ضاق بنا الحال، ولا يوجد من يعيلنا ويساعدنا سواك!! وقد عرفنا عنك مثال الرجل الكريم الذي لا يرد السائل؟؟ نطلب منك بعضاً من المال لكي نستغله في التجارة، وحالما تربح تجارتنا سوف نرده إليك مع زيادة عليه!!
الرجل الكريم: اسمعوا يا أولادي، أولاً أنا لا آخذ الربا من أحد عندما اقرضه مالاً. فهذا حرام ثم حرام عند الله سبحانه وتعالى، وأما الأمر الثاني فأنا أشفق على حالكم وإن شاء الله يعينني على مساعدتكم قدر ما أستطيع حتى تستقيم حياتكم المعيشية.. و كوخي مفتوح لكم كلما شعرتم بحاجة ماسة للمساعدة لأتقاسم معكم ما في داخله...
الرجل الكريم استقبلهم أحسن استقبال، وخالقهم بخلق حسن في كوخه الذي يؤمّه الفقراء والمحتاجون، وهو لا يدري ما تخفيه أنفسهم الأمارة بالسوء!
ومن شدة حرصه على ماله، هذا الرجل الكريم كان يضع في كوخه عدة أكياس مشابهة لكيس القطع الذهبية الحقيقية ويضع في داخلها قطعاً ذهبية مزيفة؟؟، وكلما جاءه أحد طالباً مساعدته تراه يسارع إلى فتح الأكياس كلها ويتظاهر بأنه يأخذ القطع الذهبية الحقيقية منها!! ثم يعطي السائل قطعة ذهبية حقيقية لتدبير شؤون حاله وأسرته.. ويريد بهذه الطريقة أن لا يعرف السائل من أي كيس اخرج له قطعة الذهب الحقيقية، فقد كان هذا الرجل شديد الحذر من إمكانية السطو على كوخه يوماً ما.
نهض الرجل الكريم وتوجه نحو الأكياس وتحسسها كلها.. أخرج ثلاث قطع ذهبية حقيقية وعاد إلى اللصوص الثلاثة ومنح كل واحد منهم قطعة.. طبعاً اللصوص الثلاثة راقبوا الرجل بأعينهم وهو يعبث في الأكياس ليعرفوا مخبأ قِطَعه الذهبية ونُقوده؟؟ وعندما شاهدوا وجود عدد من الأكياس في الكوخ سرّوا سروراً عظيماً، وظنوا أن غنيمتهم ستكون كبيرة جداً، خاصة بعدما سمعوا رنين القطع المعدنية في الأكياس مما زاد من شراهتهم للفريسة..
شكروا الرجل على كرمه ثم نهضوا من مجالسهم وهم يضمرون الشر في نفوسهم لهذا الرجل الذي أكرمهم!!.. خرجوا من الكوخ وهم يتهامسون فيما بينهم ويفكرون بكيفية سرقة هذه الأكياس، واختفوا في ظلام الليل؟..
أطفأ الرجل الكريم نور سراجه بعد ملاحظته شيئاً غريباً بينهم- خاصة أنهم شبان- وليسوا كعادة البؤساء مما دفعه للحاق بهم خلسة ليسترق السمع.. فتناهى إلى مسامعه أنهم يخططون لسرقة الأكياس!!
فهم هذا الرجل ما يجري بينهم، وقفل عائداً مسرعاً إلى كوخه.. أخرج كيس القطع الذهبية الحقيقية من بين الأكياس.. حفر حفرة في أرضية الكوخ وأخفى الكيس بداخله تحت التراب حتى لا يراه أحد، فيما أبقى الأكياس الأخرى الشبيهة في أماكنها.. ثم وضع الحصير و فرشته ووسادته فوق الحفرة ونام تلك الليلة وعيناه يقظتان خوفا على حياته وعلى ذهبه.
طبعاً اللصوص الثلاثة لم يبتعدوا كثيراً عن الكوخ بل اختبأوا بين الأشجار الواقعة في محيط الكوخ، وانتظروا حتى منتصف الليل ليتأكدوا بأن الرجل الكريم دخل في سبات عميق.. ثم تقدموا نحو الكوخ الواحد تلو الآخر.. نظروا من نافذة الكوخ فشاهدوا الرجل نائما على فراشه، وشخيره يملأ الكوخ.. اطمأنوا لذلك.. فتحوا الباب بهدوء ثم دلفوا داخله.. توجهوا نحو الأكياس المصطفة بجانب بعضها البعض.. حمل كل منهم جزءاً من الأكياس وتركوا واحدا منها للرجل؟؟...
الرجل كان يتظاهر بأنه نائم!.. وعندما همّوا بالخروج هاربين.. استيقظ الرجل الكريم.. وقف أمامهم، وسألهم: لماذا تحاولون الهرب وتتركون هذا الكيس خلفكم؟؟ خذوه معكم إن كنتم بحاجة إليه.. وإذا كنتم لا تستطيعون حمل الأكياس كلها فأنا سأساعدكم في حملها وإيصالها إلى المكان الذي تريدونه!!
دهش اللصوص من هذا الموقف.. احمرّت وجوههم من فعلتهم المشينة.. طأطأوا رؤوسهم خجلاً ولم يعرفوا كيف يخرجون من هذه الورطة.. تركوا الأكياس على الأرض وهم يبكون.. ثم عاهدوا هذا الرجل الكريم بألا يسرقوا أحداً بعد اليوم.. كما أعادوا له القطع الذهبية الثلاث اللاتي منحها لهم.. اعتذروا منه، واعترفوا له بذنبهم وخطتهم التي أفشلها كَرَم هذا الرجل.
ــــــــــــ
[email protected]