الأخبار
(يسرائيل هيوم): هكذا حاولت حماس اختراق قاعدة سرية إسرائيلية عبر شركة تنظيفجندي إسرائيلي ينتحر حرقاً بعد معاناته النفسية من مشاركته في حرب غزةالهدنة على الأبواب.. وتجار الحرب إلى الجحيممسؤولون أميركيون: ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء حرب غزةنتنياهو: لقائي مع ترامب قد يسهم في التوصل إلى اتفاق بغزةالاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينية
2025/7/7
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الفصل السابع ز الأخير من رواية " صرخات " بقلم:محمد نصار

تاريخ النشر : 2010-07-17
للكاتب / محمد نصار

أدار محرك العربة وبداخله عزم على بلوغ أشد بؤر الاشتباك ضراوة، فكانت مهمة بالغة الصعوبة، الشوارع تعج بالناس .. بالحجارة .. بالإطارات المشتعلة ، دخان يحجب الرؤيا .. مكبرات تنعق معلنة حظر التجوال ولكن من دون جدوى ، تشتعل النفوس بالغضب المتأجج بداخلها ، نعيق المكبرات يزيد من هياجها واستفزازها، مما حدا به لأن يترك العربة على حالها ويشق طريقه سيرا على الأقدام .
قادته الأحداث من شارع على شارع ومن ركن إلى ركن حتى استقر به الحال أمام أحد البيوت ، حيث اجتمع نفر من الناس بشكل ملفت ، سأل أحدهم مستفسرا ، فرد الرجل قائلا : استشهد ابنهم للتو .
دارت الكاميرا في المكان ، تابعت الوجوه .. لاحقت تعابيرها المضطربة ، العيون التي تنزف دما بدل الدموع ، لمح جيبات قادمة ، أراد تحذير الشباب من الخطر القادم ، لكن حاستهم كانت أسبق إلى ذلك، اندفعوا كإعصار هادر ، يموج مقتلعا كل شيء في طريقه، لم يبدوا ترددا أو خوفا وكأنهم في انتظار اللحظة التي تمكنهم من تفجير الغضب الذي يعتمل في نفوسهم ، فأمطرت الدنيا رصاص وموت ، صراخ وهتاف وفتية يتساقطون ، شهيد .. جريح .. إسعاف ورصاص يئز فوق الرؤوس ، صرخات تهتف وأخرى تكبر وواحدة انفجرت في وجهه كالزلزال: صور : لكي يرونا قادة الأمة وشيوخها .. صور لعل هذه الصور تنفخ فيهم روحا ، أو تحرك بهم ساكنا .

... هزته الكلمات التي أتت صادقة معبرة بدون سابق إنذار, فلم يشعر بالخطر الذي يحوم على مقربة منه, وحين تنبه له كان قد فات الأوان, سحق وجهه تحت عقب البندقية, وسقطت ألنه محطمة على الأرض, هوى منكباً على وجهه تلاحقه الضربات بأعقاب البنادق والأقدام, لم تسعفه الهتافات ولا الحجارة التي بعضها أصابه ،شعر بخدل يسري في جسده وغشاوة تغشي عينيه وكلمة كانت آخر ما سمع (إسعاف)

امتدت الأحداث بسرعة وقوة لم يعهدها أحد من قبل, فأمسى القطاع كرة لهب فرت من الجحيم، نداءات منع التجول التي تكررت بقوة لم تألفها، جعلتها تهرع إلى المذياع، فأدركت السبب في ذلك, راحت تجوب البيت على غير هدى ازداد الأمر سوءاً حين طال ليلى, عصفت فيها نوبة ما رأت مثلها من قبل، كانت تتشنج تارة وتصحو تارة أخرى, تتمتم بعبارات غير مفهومة كلما علا صوت المكبرات أو دوي الرصاص، انتابها العجز وهي لا تدري ما الذي تفعله وقد أصبحت بين نارين, زوجها وما قد يحدث له و ليلى التي لا تكف عن التشنج والصراخ, طالبتها مرات عدة بالهدوء, فلم تنصع لها وازدادت حالتها سوءاً حين سمعتها تهمس باسم محمود، فأخذت تصرخ مذعورة: ضربوه ....أخذوه...سجنوه,
راحت تكرر بلا وعي أو إدراك لمردود كلامها على سميحة التي صاحت فيها بجنون: اخرسي ، ثم أخذت تهزها بعنف وقسوة, غير أنها لم تستجب, صفعتها بقوة على وجهها, فاندفعت على أثرها تجوب الصالة وقد عمها الهياج, حتى أرهقها الإعياء فجلست في الركن تنتحب حتى خارت قواها وهدأت أنفاسها ، استغلت الهدوء الذي طرأ عليها, فناولتها كوب عصير أذابت بداخله حبة منوم, رغبة في مصالحتها ومنعاً لإزعاجها وما يحمله من مخاطر.

جلست حائرة لا تلوي على شيء، يراودها شعور بالارتياح وقد أزاحت عن كاهلها عبئاً كبيراً ،أخذت تراقبها وهي تغط في سبات عميق, علت شفتيها ابتسامة, خطفها دوي القنابل وصوت الرصاص ،راحت ترقب الساعة والباب بنفس الاهتمام, طالت المعركة والمكبرات لا تكف عن النداء ولا تلقي أذاناً صاغية ، كل لحظة تمر يزداد الوضع تأزما وسوءاً، لم تجرؤ على فتح النافذة والاطلاع على ما يحدث تحتها،خشية دخول الهواء المسموم من أثر القنابل السامة.
..طال الترقب والانتظار ولكن بلا جدوى, أمسكت سماعة التليفون ترفعها, طلبت المكتب لعلها تجد ما يخفف عنها أو يحد من مخاوفها, فباءت محاولتها بالفشل, شعرت بالاختناق رأت الجدران تطبق عليها, تكتم أنفاسها, تسحقها، خرت على المقعد عاجزة عن فعل أي شيء.
تجاوزت ساعتها الخامسة مساء ولم يعد ولا كفت مكبرات الصوت عن النداء, دوي ما زال يسمع وإن خفت حدته، حيرة قائلة تلفها, عجز يمزقها . تساءلت باضطراب: كيف أجده وأين؟
هبت واقفة يعلو وجهها التوترٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍ, أدارت قرص التليفون تطلب المستشفى ، ألو يوسف هل وصل لطرفكم هذا الاسم, محمود عبد الرحمن؟.، أطرقت للحظة تنتظر الجواب, تغيرت ملامح وجهها وبلهجة متوترة عادت تسأله: متى وصل... قبل ساعتين ...وكيف هو الآن ؟ .. آه..إذن أعطني قسم العظام..
وبعد لحظة صمت صاحت: دكتور فوزي ، أنا سميحة ... محمود عبد الرحمن موجود لديكم....نعم زوجي أيمكن أن أكلمه ... محمود صاحت بلهفة وكأنها تود الغوص عبر أسلاك التليفون والوصول إليه:
- كيف أنت يا محمود؟
- اطمئني يا سميحة, أنا بخير وسأعود في أول عربة إسعاف تمر في ..
- وأصابتك؟ سألته مستفسرة.
- ليست إصابتي ولكن علقتي , قال مازحاً مدارياً نبرة الألم في صوته.
- وكيف حدث ذلك؟
- كما يحدث للجميع من أبناء هذا الشعب المنكوب.
- هل أجروا لك صور أشعة؟
- نعم والحمد لله لم يجدوا كسوراً وكل ما هناك بعض الرضوض التي يؤلمني بعضها بشكل حاد.
- يومان وتنتهي كل الآلام ... , اطمئن.
- لا تبلغي ليلى بالأمر قال منبهاً .
- لا تذكرني بها يا محمود.
- خيرا هل أزعجتك بشيء؟.
- لا, مجرد حالة عصبية انتابتها بفعل ما تلا المجزرة من أحداث.
- وكيف هي الآن؟ .
- غارقة في النوم ، اضطررت أن أضع لها منوماً في العصير.، فعلت خيرا.
- لا أود أن أطيل عليك فأنت بحاجة إلى الراحة...إلى اللقاء,
.....لقد صدقت ظنوني، همست قائلة ثم تابعت: الحمد لله الذي أتم الأمر على هذا النحو وألقت بسماعة التليفون تعبة منهكة رغم الارتياح الذي أحست به، حاولت إغماض عينيها ، فلم تفلح إثر هاتف يلومها على تغيبها عن العمل, مما زادها حسرة و ألم وهي تقف عاجزة لا تقدر على شيء، نظرت إلى الساعة فظنت أن عقاربها لا تدور، فتحت التلفاز كملجأ أخير هرباً من الهواجس والظنون ، فانكفأت على المقعد وقد غلبها النوم.
هبت مذعورة، نظرت حولها بذهول, علا الرنين مجدداً ألقت نظرة على ساعتها, فكانت الحادية عشرة والنصف , صاحت بتوتر : من بالباب؟ فجاء الرد مفرحا :محمود ...افتحي يا سميحة.
قفزت حتى كادت تسقط على الأرض ، تعثرت بأحد المقاعد، فتحت الباب واحتضنته بقوة دفعته إلى التأوه بألم, فتراجعت مذهولة من هول ما رأت ..كدمات تصبغ وجهه.....وأثار دم ما زالت عالقة في مواضع عدة منه, وضع ذراعه على كتفها متكئاً حتى دخلا غرفة النوم ، فأجلسته على السرير ببطء وحذر وسط تأوهات لم تنقطع, ثم جلست بقربه تهون عليه.
فتحت جفونها بضيق, بعد ليلة مضيئة, لم تذق فيها طعم النوم، إثر التأوهات التي كانت تصدر عنه كلما استدار من جنب إلى آخر ، تميزت من الغيظ حين أدركت السبب، فها هو ينادي بتشفي وتلذذ قاصداً إزعاج الناس وتذكيرهم بحالهم البائس، ينثرً الملح على الجراح ، يكرر ويكرر بشكل غريب(ممنوع التجول) يتغنى بها بوقاحة واستهتار, عقارب الساعة تقترب من الخامسة صباحاً, نظرت إليه فرأته مستيقظاً, ابتسمت في وجهه وسألته إن كان يشعر بتحسن فرد بلهجة يعتريها الضيق.
- ألن نستريح من هذا البلاء وقد أصبحنا كخراف تنتظر مصيرها, دون أن يعبأ بها أحد أو يهمه أمرها، فما بقي شخص في هذا الشعب إلا و طالته عاهة ، أو حلت به مصيبة، أين العرب والمسلمون، أين الرجال، ماذا دهى نساءنا؟ هل عجزن عن إنجاب الرجال؟ أم لعنة حلت بنا!.
استوقفته وقد أذهلها اندفاعه :على رسلك, على رسلك، ما الداعي لكل هذا؟ يكفيك ما بك ودع الأمة في سباتها.
- هي في سبات غلب في سبات أهل الكهف.....

الضجيج الصادر عن مكبرات الصوت أيقظ ليلى, فخرجت من الغرفة يشوبها القلق والتوتر ،جالت بنظرها في المكان, تتساءل عما حدث لها وكيف, عاودها الخوف مع اقتراب الصوت وعلوه, أخذت تبحث عن ملجأ، تذكرت سميحة فأسرعت إليها تطلب الأمان, توقفت بباب الغرفة مصعوقة, ثم اندفعت صائحة: محمود..محمود .
انكبت عليه تقبله بلا وعي ، ثم قفزت واقفة وقد تغيرت معالمها واحتد صوتها ، صاحت فيه بقوة : لماذا لم تقاتلهم؟ تقتلهم الجبناء ....لماذا رضيت أن يضربوك؟
ثم انحنت فوقه تسأله برفق وحنان: ضربوك؟ أعرف أنهم ضربوك, ومدت يدها تمسح دمعة سالت على خدها كجمرة مشتعلة، فعادت تصرخ مهددة: لا ...لن أنسى لهم فعلهم..ألا يكفيهم ما فعلوا بي؟ يريدون قتلك أيضاً ....سأدفعهم الثمن غالياً ...غالياً .
نظر إليها بابتسامة دون أن يعقب بشيء ولسان حاله يقول: كم أنت محظوظة بهذا المستوى من التفكير وقد عجز قادة الأمة عن الوصول إليه ،سألته من جديد: هل تشكو من شيء؟ فرد مطمئناً : لا شيء يؤلمني الآن، عادت تسأل مرة أخرى: هل تناولت الإفطار؟ .
- لا رغبة لي بذلك, رد قائلاً
- إذن فنجان قهوة...وأسرعت تقصد المطبخ.
.....أرسلت الشمس شعاعها يتسلل عبر النافذة على هون واستحياء، جالباً معه الدفء والأمان, دون أن يعبأ بحظر التجول المفروض, أشار لها بيده كي تزيح الستائر طلباً للمزيد, فأقبلت تنفذ ما أراد, لكنها تراجعت مذعورة وهي تهمس بصوت منخفض: كأنهم كالجراد في الشارع,.
ارتجفت يدها بالفنجان وكادت تسقطه, فتدارك الموقف وتدخل قائلاً: لا داعي للقلق فهذا أمر متبع في مثل هذه الظروف .
اقتربت من النافذة مرة أخرى وراحت تراقب الشارع بحذر شديد, فعمها الارتياح وهمست قائلة: لقد انصرفوا فلا أثر لهم في الشارع, ثم أقبلت على ليلى تطلب مساعدتها في إعداد الطعام.
....لم يمض على ذلك سوى لحظات معدودة ،عاد بعدها التوتر يخيم على المكان من جديد, جلبة دبت في الشارع, صاح أحدهم )تعال هون) تلا ذلك دوي طلقات, أرهفوا السمع وقد تجمد الدم في عروقهم، الأحداث تدور على مقربة من البيت, لم تجرؤ أي منهما على ترك المطبخ, ثوان مرت كأنها الدهر, وقع أقدامهم يسمع على مقربة من الباب, اقتربت أكثر وقد تأكدت وجهتها, ضربات اهتز تحتها الباب وحناجر تصرخ دفعة واحدة: افتح الباب, ردت وقد فارقها الخوف : لحظة .....لحظة.
أراد أن يترك السرير، لكنها منعته وأقبلت على الباب تفتحه, نوبة عاصفة حلت بليلى, راحت تحوم في المطبخ كثور مذبوح اندفعوا كالمجانين, صاح أحدهم : أين ذهب؟
ردت سميحة: لم نر أحداً
دفعها بقوة كادت تسقط على أثرها, ثم انتشروا في البيت يفتشونه، وقف أحدهم يراقبها باهتمام، مما زاد وضعها تأزماً، تدخلت سميحة موضحة حتى تأكدوا مما تقول، فأقبلوا على محمود وقد شكوا بحاله، سأله أحدهم بشكل مهين عن سبب الكدمات التي في وجهه, فرد متذرعاً بالسقوط عن السلم ،لم يكتفوا بهذا الحد وراحوا يلكزونه بالعصي التي يحملونها وهم يصيحون: كاذب كاذب, دون أن يلاحظ أي منهم ما يدور بخلدها وقد عقدت النية على الوفاء بعهدها, بعدما استشاطت غضبا مما يفعلون؟, فشرعت سكيناً وأقبلت تصرخ بملء فيها: اتركوه يا كلاب...اتركوه يا كلاب.
وفي لحظة وجه أحدهم بندقيته إلى صدرها ضاغطاً على الزناد فانطلقت من محمود صرخة مدوية(لا.....لا ) , فاق دويها دوي الرصاص.


انتهت
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف