
هو الشيخ جلال الدين محيي الدين الحنفي البغدادي( 1914-2006 ) ، الفقيه العلامة ، والكاتب والصحفي والمؤرخ واللغوي النحوي ، وخبير المقام العراقي ، ومدرس علم الاصوات والتجويد ، ومبتكر نظريات جديدة في علم العروض .
كان رحمه الله من اخرالعملاقة الراحلين في بغداد ، ظل يتلفع العمامة الضامرة والجلباب لما يقرب من قرن من الزمان، ولا ادري هل بقي من امثاله من قادة الفكر ام لا ؟، فالحنفي يلقب بصدق على انه ( ذاكرة بغداد ) او ( جاحظ عصره ) فقد كان موسوعيا شامل المعارف والفنون والعلوم .
عرفته المجالس البغدادية باحثا موسوعيا في عدة مجالات منها ما يمت إلى الشريعة ككتابه (( معاني القرآن )) و (( والتشريع الإسلامي والفكر اللاهوتي في الإسلام )) ، ومنها ما يمت إلى المعاجم (( معجم اللغة العامية البغدادية )) والمغنين البغداديين والمقام العراقي، اضافة الى اسهاماته في الادب والشعر والتراث البغدادي وقد ناهزت مؤلفاته المئة كتاب!
وعاش الحنفي سنوات عدة منذ نهاية الخمسينيات وحتى منتصف الستينيات في الصين كداعية ومدرس لعلوم الدين واللغة العربية في الجامعات الصينية . وتمكن خلال وجوده في الصين من أن يفك طلاسم اللغة الصينية ويتفهمها بعد أن أبدع فيها وأتقنها.
ورغم تقدمه في السن ظل المرحوم جلال الحنفي مواظبا على امامة المصلين في جامع الخلفاء وسط بغداد فضلا عن استمرار مقالاته في الصحف والمجلات ، ولعل عموده الشهير في جريدة القادسية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي ( رؤس اقلام ) كان من اكثر الاعمدة شهرة وقراءة واقبالا لبساطته وتنوع موضوعاته التي ينقلك فيها الحنفي من الدين الى اللغة الى الغناء الى النقد الفني والى الموسيقى والتجويد ولا تنتهي الجولة بفن صناعة الطعام الصيني والبغدادي ودعوته لاستخدام حب الرمان في طبخ الطعام بدلا من الحامض الصناعي الذي يسميه العراقيون ( الليمون دوزي ) !!
ورغم أنه من علماء الدين الا انه وضع كتابا عن المغنين يعد من ابرز المراجع الفنية، ويقال أنه كان يتعلم العزف على العود ايضا ..و قام بتدريس علم التجويد والقراءات في معهد الفنون الموسيقية في بغداد وأجرى في (علم العروض) تصحيحات كثيرة و نشرها في كتاب .
وقد يستغرب البعض كيف جمع الحنفي بين ( الدين والغناء ) ولكن للشيخ رأي يسنده الى الامام الغزالي الذي كان يرى ((ان الغناء والموسيقى ما هما إلا محاكاة لعندلة العنادل وهديل الحمائم وزقزقة العصافير، وهذه من صنعة الله جل وعلا)) ، بل يرى الغزالي ان السماع من طبيعة الإنسان السوي، فمن لم يرقه السماع فهو مختل المزاج ولا يجدي معه العلاج!
غير أن الحنفي دفع ثمن رأيه هذا اقالته من جامع المرادية في الباب المعظم ، ونشوء خصومة وجفوة بينه وبين رئيس دائرة الاوقاف حينها العلامة المرحوم محمد بهجة الاثري ! تضاف الى خصوماته مع اخرين يخالفون الشيخ اجتهاداته وفتاويه وارائه الجريئة !
كان مجلس الحنفي من المجالس الفريدة في بغداد ، فتارة يقرأ آيات قرآنية أو حديثاً نبويا ثم يتحول بعد ذلك للغناء، عندما يأخذ في أداء بعض الفقرات بصوته المؤثر، ولعله أول من كتب عن المقام العراقي في جريدته(الفتح) في الثلاثينيات .
كان جريئاً في مواقفه ومنها دعوته من على منبر جامع الخلفاء الذي كان خطيبا فيه لمنع استعمال مكبرات الصوت في الجامع قائلاً: إن المكبرات تزعج غير المسلمين والأطفال والمرضى وكبار السن وليس لها داعٍ فكل الناس يمتلكون ساعات ويعرفون أوقات الصلاة من الراديو والتلفزيون!!
و قد كتب الدكتور الحقوقي أكرم عبدالرزاق المشهداني في رثاء الشيخ الحنفي عند وفاته في 5 اذار 2006 :
رزئت بغداد بفقد أحد أبرز عشاقها.. كما فقد الأدب العراقي واحدا من رموزه.. وفقد الفن أحد أعمدته الفكرية..وفقد الفولكلور واحدا من أبدع رواده.. وخسرت الصحافة أحد رواد الكتابة الصحفية، وغاب عن جامع (الخلفاء) راعيه وحارسه الهمام وخطيبه وإمامه ومؤنسه.. و خسر العراق واحدا من ألمع شخصياته الفكرية والأدبية والدينية والتراثية، إنه حبيب بغداد وعاشقها الشيخ جلال الحنفي الذي كان يصرّ إلا أن أن تقترن بغــــداد مع أسمه فسمى نفسه بالبغدادي!
كان منفتحاً على الجميع فهذا صديقه اليهودي مير بصري ، وذاك المسيحي الأب أنستاس ماري الكرملي الذي كان الحنفي من طلابه والكرملي هو اول من اضفى لقب الشيخ على الحنفي عام 1933 .
وللحنفي ايضاً علاقة متينة مع وجهاء و علماء شيعة.. مثل الشيخ النجفي عبد الزهرة العاتي والباحث هادي العلوي وغيرهم، وقد ظل التسامح الفكري سجية من سجاياه حتى وفاته، اذ اوصى ان يصلي عليه عند موته تلميذه الشيعي الشيخ عدنان الربيعي مسبلا وابدى عدم رغبته بان يشيع جثمانه ولا ان يقام له مجلس عزاء ..(( وتقبلوا تعازي كل من جاءكم الى البيت واحسنوا ضيافته )) .
. ولا يسعني إلا أن ادعو له بالرحمة والمغفرة ، وأردد قول الشاعر احمد شوقي :
ولا ينبيك عن خلق الليالي ... كمن فقد الأحبة والصحابا !!
كان رحمه الله من اخرالعملاقة الراحلين في بغداد ، ظل يتلفع العمامة الضامرة والجلباب لما يقرب من قرن من الزمان، ولا ادري هل بقي من امثاله من قادة الفكر ام لا ؟، فالحنفي يلقب بصدق على انه ( ذاكرة بغداد ) او ( جاحظ عصره ) فقد كان موسوعيا شامل المعارف والفنون والعلوم .
عرفته المجالس البغدادية باحثا موسوعيا في عدة مجالات منها ما يمت إلى الشريعة ككتابه (( معاني القرآن )) و (( والتشريع الإسلامي والفكر اللاهوتي في الإسلام )) ، ومنها ما يمت إلى المعاجم (( معجم اللغة العامية البغدادية )) والمغنين البغداديين والمقام العراقي، اضافة الى اسهاماته في الادب والشعر والتراث البغدادي وقد ناهزت مؤلفاته المئة كتاب!
وعاش الحنفي سنوات عدة منذ نهاية الخمسينيات وحتى منتصف الستينيات في الصين كداعية ومدرس لعلوم الدين واللغة العربية في الجامعات الصينية . وتمكن خلال وجوده في الصين من أن يفك طلاسم اللغة الصينية ويتفهمها بعد أن أبدع فيها وأتقنها.
ورغم تقدمه في السن ظل المرحوم جلال الحنفي مواظبا على امامة المصلين في جامع الخلفاء وسط بغداد فضلا عن استمرار مقالاته في الصحف والمجلات ، ولعل عموده الشهير في جريدة القادسية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي ( رؤس اقلام ) كان من اكثر الاعمدة شهرة وقراءة واقبالا لبساطته وتنوع موضوعاته التي ينقلك فيها الحنفي من الدين الى اللغة الى الغناء الى النقد الفني والى الموسيقى والتجويد ولا تنتهي الجولة بفن صناعة الطعام الصيني والبغدادي ودعوته لاستخدام حب الرمان في طبخ الطعام بدلا من الحامض الصناعي الذي يسميه العراقيون ( الليمون دوزي ) !!
ورغم أنه من علماء الدين الا انه وضع كتابا عن المغنين يعد من ابرز المراجع الفنية، ويقال أنه كان يتعلم العزف على العود ايضا ..و قام بتدريس علم التجويد والقراءات في معهد الفنون الموسيقية في بغداد وأجرى في (علم العروض) تصحيحات كثيرة و نشرها في كتاب .
وقد يستغرب البعض كيف جمع الحنفي بين ( الدين والغناء ) ولكن للشيخ رأي يسنده الى الامام الغزالي الذي كان يرى ((ان الغناء والموسيقى ما هما إلا محاكاة لعندلة العنادل وهديل الحمائم وزقزقة العصافير، وهذه من صنعة الله جل وعلا)) ، بل يرى الغزالي ان السماع من طبيعة الإنسان السوي، فمن لم يرقه السماع فهو مختل المزاج ولا يجدي معه العلاج!
غير أن الحنفي دفع ثمن رأيه هذا اقالته من جامع المرادية في الباب المعظم ، ونشوء خصومة وجفوة بينه وبين رئيس دائرة الاوقاف حينها العلامة المرحوم محمد بهجة الاثري ! تضاف الى خصوماته مع اخرين يخالفون الشيخ اجتهاداته وفتاويه وارائه الجريئة !
كان مجلس الحنفي من المجالس الفريدة في بغداد ، فتارة يقرأ آيات قرآنية أو حديثاً نبويا ثم يتحول بعد ذلك للغناء، عندما يأخذ في أداء بعض الفقرات بصوته المؤثر، ولعله أول من كتب عن المقام العراقي في جريدته(الفتح) في الثلاثينيات .
كان جريئاً في مواقفه ومنها دعوته من على منبر جامع الخلفاء الذي كان خطيبا فيه لمنع استعمال مكبرات الصوت في الجامع قائلاً: إن المكبرات تزعج غير المسلمين والأطفال والمرضى وكبار السن وليس لها داعٍ فكل الناس يمتلكون ساعات ويعرفون أوقات الصلاة من الراديو والتلفزيون!!
و قد كتب الدكتور الحقوقي أكرم عبدالرزاق المشهداني في رثاء الشيخ الحنفي عند وفاته في 5 اذار 2006 :
رزئت بغداد بفقد أحد أبرز عشاقها.. كما فقد الأدب العراقي واحدا من رموزه.. وفقد الفن أحد أعمدته الفكرية..وفقد الفولكلور واحدا من أبدع رواده.. وخسرت الصحافة أحد رواد الكتابة الصحفية، وغاب عن جامع (الخلفاء) راعيه وحارسه الهمام وخطيبه وإمامه ومؤنسه.. و خسر العراق واحدا من ألمع شخصياته الفكرية والأدبية والدينية والتراثية، إنه حبيب بغداد وعاشقها الشيخ جلال الحنفي الذي كان يصرّ إلا أن أن تقترن بغــــداد مع أسمه فسمى نفسه بالبغدادي!
كان منفتحاً على الجميع فهذا صديقه اليهودي مير بصري ، وذاك المسيحي الأب أنستاس ماري الكرملي الذي كان الحنفي من طلابه والكرملي هو اول من اضفى لقب الشيخ على الحنفي عام 1933 .
وللحنفي ايضاً علاقة متينة مع وجهاء و علماء شيعة.. مثل الشيخ النجفي عبد الزهرة العاتي والباحث هادي العلوي وغيرهم، وقد ظل التسامح الفكري سجية من سجاياه حتى وفاته، اذ اوصى ان يصلي عليه عند موته تلميذه الشيعي الشيخ عدنان الربيعي مسبلا وابدى عدم رغبته بان يشيع جثمانه ولا ان يقام له مجلس عزاء ..(( وتقبلوا تعازي كل من جاءكم الى البيت واحسنوا ضيافته )) .
. ولا يسعني إلا أن ادعو له بالرحمة والمغفرة ، وأردد قول الشاعر احمد شوقي :
ولا ينبيك عن خلق الليالي ... كمن فقد الأحبة والصحابا !!