ثمن الهيبة
• داود البوريني
على شاطئ البحيرة اللازوردي وتحت الأشجار الباسقة كانت أنثى الديك الرومي قد فرغت من جولتها المسائية مع صغارها على ذلك الشاطئ الساحر ، كان البدر قد بدأ بالإرتفاع قليلاً قليلاً حتى اكتمل على مرمى النظر عند الشاطئ البعيد للبحيرة عندما وصلت مع صغارها الى قنّها الواسع والدافئ. تناولت مع صغارها طعام العشاء ثم خلدوا جميعاً في نوم عميق وهادئ.
قبيل الفجر بقليل استيقظت وصغارها على صوت هرجٍ ومرج في الباب وعلى حين غرّة إندفع ذئب ضخم نحو الأم طالباً منها بصوت قوي ومزعج وقد ظهرت أنيابه الطويلة المدببة في مقدمة فكيه بأن تحضر بالحال والتو الى بيت القضاء حيث أنها مطلوبة هناك في قضية هامّة ودون أن ينتظر الرد قام بالإطباق على عنقها وجرّها الى المحكمة وصغارها يصرخون من حولها خوفاً عليها ورعباً من ذلك الذئب الشرس.
عندما وصلت الديك الرومي الى المحكمة كانت مرهقة جداً ومرعوبة من الطريقة التي جرّها بها الذئب الى المحكمة خلفه ومن نظرات باقي الطيور والحيوانات التي استيقظت على صوت عواء الذئب وصوت جر الديك الرومي على الأرض بأحجارها وأشواكها.
سلّم الذئب الديك الرومي الى القرد الذي كان غفير الحراسة في ذلك الصباح.
كانت الشمس قد بلغت كبد السماء عندما نودي بالديك الرومي الى قاعة المحكمة لتستمع الى التهم الملقاة عليها، كانت هيئة المحكمة تتألف من الدب رئيساً ومن الضبع قاضي يمين والثعلب قاضي يسار، أمّا ممثل الإدعاء فقد كان الفهد الأعور.
بدأ الفهد بتلاوة بيان الإتهام على الديك الرومي والذي تلخّص في أنه في مساء البارحة قامت الديك بإلتهام صغير نعامة عندما كان يلهو عند شاطئ البحيرة وذلك بأن سحبته الى داخل البحيرة ثم قامت بدقّ عنقه والتهامه وقد شهد تمساحان على هذه الواقعة أمام الشرطة وهما بالباب الآن لتأكيد شهادتيهما أمام المحكمة الموقرة.
نظراً لضيق ذات اليد لم تستطع أنثى الديك الرومي توكيل محامٍ للدفاع عنها فقامت المحكمة بانتداب ابن آوى للقيام بهذه المهمة الحيوانية. استمر انعقاد المحكمة لأيام ثلاثة لم يستطع فيها ابن آوى من أن ينتزع البراءة لموكلته بسبب شاهدي الزور اللذان أقسما بأغلظ الأيمان بأنهما قد شاهدا بالعين المجردّة أنثى الديك الرومي وهي تُغرق صغير النعام في مياه البحيرة ثم تقوم بالتهامه قطعة قطعة.
في نهاية اليوم الثالث رُفِعت الجلسة للقرار في صبيحة اليوم التالي حيث جاء القرار حاسماً بإعدام المتهمة شنقاً حتى الموت ويرفع القرار الى ملك الغابة للمصادقة عليه.
وصل القرار الى أبي الحارث في صباح اليوم التالي ، قرأ ملك الغابة القرار ثم بدأ يضرب كفّاً بأخرى على قساوة الحكم وغرابة التهمة فأرسل في طلب أركان دولته، حضر الفيل ثم النّمر وكذلك حضر فرس البحر والنسر ممثلاً عن الطيور.
بدأ اجتماع أركان الدولة في الوقت المحدّد ثم أمر الأسد بتلاوة التهمة وقرار الحكم على الحاضرين، بعد قراءة التهمة وقرار الحكم على الحاضرين، بعد قراءة التهمة وكذلك القرار بدأ نقاش هادئ للمسألة.
- الفيل: إنّ حجم صغير النعام هو ثلاثة أضعاف حجم الديك الرومي فكيف تمكنت من التغلب عليه وجرّه الى البحيرة؟
- النمر: الغريب أن الديك الرومي مزود بمنقار وليس له أنياب حادّه ولا أسنان قاطعة فكيف استطاع شلّ حركة صغير النعام وجرّه الى مياه البحيرة العميقة.
- الأسد: والأغرب من ذلك أن الديك الرومي لا يحسن السباحة فكيف سبح كل هذه المسافة الى المياه العميقةوهو يجرّ ضحيّته المزعومة بماذا؟بمنقاره؟
بعد نقاشٍ مستفيض إقترح النمر أن يتم نقض قرار المحكمة...
- الفيل: لكن هذا قرار محكمة غير قابل للنقض إلا من قبل الأسد أبي الحارث فقط...
- فرس البحر: إذا تمّ نقض هكذا قرار فأين سنذهب بنظر أهل الغابة الى نزاهة القضاء.
- النسر: اذا تمّ نقض القرار فسوف تضيع هيبة القضاء وسيزرع هذا الشك في عدالة المحكمة بين الحيوانات...
- الأسد: ولكن هل تقبل بإعدام مواطنة بريئة؟؟
- النمر: إنّ هذا له تأثير أقل من ضياع هيبة المحكمة.
- فرس البحر: كذلك له تأثير أقل من التشكيك في نزاهة القضاء.
- الفيل: أفهم من هذا أنكم تريدون اعدام مواطنة بريئة بتهمة زائفة ومع اقتناعكم بذلك؟وماذا سيجري لصغارها من بعدها؟ألم تفكروا بذلك؟
- النمر: صغارها لهم خالقهم هو أدرى بحالهم.
- فرس البحر: أنا أقترح أن تضع صغارها في ملجأ الأيتام أو في رعاية أحد مواطنينا المخلصين الطيبين.
- ومن تقترح لهذه المهمة؟؟ سأل النمر.
- أقترح الثعلب... أجابت فرس البحر، فهو الأقرب اليها حجماً وسكناً.
طال القاش واحتدّ بين أركان دولة أبي الحارث، فاقترح الفيل أن يجري رفع الجلسة الى مساء اليوم التالي لإتاحة الفرصة للمزيد من التفكير والتمحيص ودراسة كيفية نقض هكذا حكم ظالم احقاقاً للحق...
مرّ النهار هادئاً كالعادة...
مساءً تمّ الاجتماع مرة أخرى في عرين الأسد بحضور الجميع بما فيهم أعضاء المحكمة الموقّرة... بعد وقت قصير أُبلِغ الأسد بوجود زائر خاص له في جناحه، ترك الأسد الاجتماع بعد أن ترك مهمّة اتخاذ القرار للنمر.
تنحنح النمر وأخذ نفساً عميقاً وقال:
أنا أعلم يقيناً بأنّ أنثى الديك الرومي المسكينة والحنونة مظلومة ولكن حفاظاً على سير العدالة وايجابية نظرة الغابة الى نزاهة القضاء ودعماً لهيبة المحكمة فإنني أرى أن يتمّ تنفيذ قرار المحكمة في المتهمة بأسرع وقت ممكن منعاً للشخط واللغط...
- الفيل: وهل تقتل مواطنة ظلماً حفاظاً على ماذكرت من أسبابٍ تافهة؟
- النمر: ويحك، وهل سمعة المحكمة ونزاهة القضاء وهيبته أمور تافهة بوجهة نظرك؟
- آسف جداً سيدي النائب، أجاب الفيل... كنت أعتقد أنّ المواطن له أهمية أكبر لديكم...وانسحب.
- النسر: ماذا سيحصل اذا وصل خبر تنفيذ حكم الإعدام بالديك الرومي الى الصحافة؟
- النمر: ومن يجرؤ على البنس ببنت شفة؟ أم أنك نسيت عقوبات التشكيك في العدالة ونزاهة القضاء الحاسمة؟؟؟
• داود البوريني
على شاطئ البحيرة اللازوردي وتحت الأشجار الباسقة كانت أنثى الديك الرومي قد فرغت من جولتها المسائية مع صغارها على ذلك الشاطئ الساحر ، كان البدر قد بدأ بالإرتفاع قليلاً قليلاً حتى اكتمل على مرمى النظر عند الشاطئ البعيد للبحيرة عندما وصلت مع صغارها الى قنّها الواسع والدافئ. تناولت مع صغارها طعام العشاء ثم خلدوا جميعاً في نوم عميق وهادئ.
قبيل الفجر بقليل استيقظت وصغارها على صوت هرجٍ ومرج في الباب وعلى حين غرّة إندفع ذئب ضخم نحو الأم طالباً منها بصوت قوي ومزعج وقد ظهرت أنيابه الطويلة المدببة في مقدمة فكيه بأن تحضر بالحال والتو الى بيت القضاء حيث أنها مطلوبة هناك في قضية هامّة ودون أن ينتظر الرد قام بالإطباق على عنقها وجرّها الى المحكمة وصغارها يصرخون من حولها خوفاً عليها ورعباً من ذلك الذئب الشرس.
عندما وصلت الديك الرومي الى المحكمة كانت مرهقة جداً ومرعوبة من الطريقة التي جرّها بها الذئب الى المحكمة خلفه ومن نظرات باقي الطيور والحيوانات التي استيقظت على صوت عواء الذئب وصوت جر الديك الرومي على الأرض بأحجارها وأشواكها.
سلّم الذئب الديك الرومي الى القرد الذي كان غفير الحراسة في ذلك الصباح.
كانت الشمس قد بلغت كبد السماء عندما نودي بالديك الرومي الى قاعة المحكمة لتستمع الى التهم الملقاة عليها، كانت هيئة المحكمة تتألف من الدب رئيساً ومن الضبع قاضي يمين والثعلب قاضي يسار، أمّا ممثل الإدعاء فقد كان الفهد الأعور.
بدأ الفهد بتلاوة بيان الإتهام على الديك الرومي والذي تلخّص في أنه في مساء البارحة قامت الديك بإلتهام صغير نعامة عندما كان يلهو عند شاطئ البحيرة وذلك بأن سحبته الى داخل البحيرة ثم قامت بدقّ عنقه والتهامه وقد شهد تمساحان على هذه الواقعة أمام الشرطة وهما بالباب الآن لتأكيد شهادتيهما أمام المحكمة الموقرة.
نظراً لضيق ذات اليد لم تستطع أنثى الديك الرومي توكيل محامٍ للدفاع عنها فقامت المحكمة بانتداب ابن آوى للقيام بهذه المهمة الحيوانية. استمر انعقاد المحكمة لأيام ثلاثة لم يستطع فيها ابن آوى من أن ينتزع البراءة لموكلته بسبب شاهدي الزور اللذان أقسما بأغلظ الأيمان بأنهما قد شاهدا بالعين المجردّة أنثى الديك الرومي وهي تُغرق صغير النعام في مياه البحيرة ثم تقوم بالتهامه قطعة قطعة.
في نهاية اليوم الثالث رُفِعت الجلسة للقرار في صبيحة اليوم التالي حيث جاء القرار حاسماً بإعدام المتهمة شنقاً حتى الموت ويرفع القرار الى ملك الغابة للمصادقة عليه.
وصل القرار الى أبي الحارث في صباح اليوم التالي ، قرأ ملك الغابة القرار ثم بدأ يضرب كفّاً بأخرى على قساوة الحكم وغرابة التهمة فأرسل في طلب أركان دولته، حضر الفيل ثم النّمر وكذلك حضر فرس البحر والنسر ممثلاً عن الطيور.
بدأ اجتماع أركان الدولة في الوقت المحدّد ثم أمر الأسد بتلاوة التهمة وقرار الحكم على الحاضرين، بعد قراءة التهمة وقرار الحكم على الحاضرين، بعد قراءة التهمة وكذلك القرار بدأ نقاش هادئ للمسألة.
- الفيل: إنّ حجم صغير النعام هو ثلاثة أضعاف حجم الديك الرومي فكيف تمكنت من التغلب عليه وجرّه الى البحيرة؟
- النمر: الغريب أن الديك الرومي مزود بمنقار وليس له أنياب حادّه ولا أسنان قاطعة فكيف استطاع شلّ حركة صغير النعام وجرّه الى مياه البحيرة العميقة.
- الأسد: والأغرب من ذلك أن الديك الرومي لا يحسن السباحة فكيف سبح كل هذه المسافة الى المياه العميقةوهو يجرّ ضحيّته المزعومة بماذا؟بمنقاره؟
بعد نقاشٍ مستفيض إقترح النمر أن يتم نقض قرار المحكمة...
- الفيل: لكن هذا قرار محكمة غير قابل للنقض إلا من قبل الأسد أبي الحارث فقط...
- فرس البحر: إذا تمّ نقض هكذا قرار فأين سنذهب بنظر أهل الغابة الى نزاهة القضاء.
- النسر: اذا تمّ نقض القرار فسوف تضيع هيبة القضاء وسيزرع هذا الشك في عدالة المحكمة بين الحيوانات...
- الأسد: ولكن هل تقبل بإعدام مواطنة بريئة؟؟
- النمر: إنّ هذا له تأثير أقل من ضياع هيبة المحكمة.
- فرس البحر: كذلك له تأثير أقل من التشكيك في نزاهة القضاء.
- الفيل: أفهم من هذا أنكم تريدون اعدام مواطنة بريئة بتهمة زائفة ومع اقتناعكم بذلك؟وماذا سيجري لصغارها من بعدها؟ألم تفكروا بذلك؟
- النمر: صغارها لهم خالقهم هو أدرى بحالهم.
- فرس البحر: أنا أقترح أن تضع صغارها في ملجأ الأيتام أو في رعاية أحد مواطنينا المخلصين الطيبين.
- ومن تقترح لهذه المهمة؟؟ سأل النمر.
- أقترح الثعلب... أجابت فرس البحر، فهو الأقرب اليها حجماً وسكناً.
طال القاش واحتدّ بين أركان دولة أبي الحارث، فاقترح الفيل أن يجري رفع الجلسة الى مساء اليوم التالي لإتاحة الفرصة للمزيد من التفكير والتمحيص ودراسة كيفية نقض هكذا حكم ظالم احقاقاً للحق...
مرّ النهار هادئاً كالعادة...
مساءً تمّ الاجتماع مرة أخرى في عرين الأسد بحضور الجميع بما فيهم أعضاء المحكمة الموقّرة... بعد وقت قصير أُبلِغ الأسد بوجود زائر خاص له في جناحه، ترك الأسد الاجتماع بعد أن ترك مهمّة اتخاذ القرار للنمر.
تنحنح النمر وأخذ نفساً عميقاً وقال:
أنا أعلم يقيناً بأنّ أنثى الديك الرومي المسكينة والحنونة مظلومة ولكن حفاظاً على سير العدالة وايجابية نظرة الغابة الى نزاهة القضاء ودعماً لهيبة المحكمة فإنني أرى أن يتمّ تنفيذ قرار المحكمة في المتهمة بأسرع وقت ممكن منعاً للشخط واللغط...
- الفيل: وهل تقتل مواطنة ظلماً حفاظاً على ماذكرت من أسبابٍ تافهة؟
- النمر: ويحك، وهل سمعة المحكمة ونزاهة القضاء وهيبته أمور تافهة بوجهة نظرك؟
- آسف جداً سيدي النائب، أجاب الفيل... كنت أعتقد أنّ المواطن له أهمية أكبر لديكم...وانسحب.
- النسر: ماذا سيحصل اذا وصل خبر تنفيذ حكم الإعدام بالديك الرومي الى الصحافة؟
- النمر: ومن يجرؤ على البنس ببنت شفة؟ أم أنك نسيت عقوبات التشكيك في العدالة ونزاهة القضاء الحاسمة؟؟؟
