الأخبار
الهدنة على الأبواب.. وتجار الحرب إلى الجحيممسؤولون أميركيون: ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء حرب غزةنتنياهو: لقائي مع ترامب قد يسهم في التوصل إلى اتفاق بغزةالاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينيةمستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية مشددة من قوات الاحتلالعائلات أسرى الاحتلال تطالب الوفد بتسريع إنجاز الصفقة خلال هذا الأسبوع
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الفصل السادس من رواية " صرخات " بقلم:محمد نصار

تاريخ النشر : 2010-07-08
للكاتب / محمد نصار
لم تقو على الوقوف ، انهارت تحت وقع الصدمة جسدا بلا حراك ، هرعت إليها ليلى ،راحت تهزها بقوة تزداد وتيرتها لتخرج بعد لحظة هلع وخوف، صرخة تستدعي محمود على عجل .
يومان لم تبرح خلالهما السرير، شحوب كشحوب الأموات يلفها وهزل يعم سائر جسدها، لم يجرؤ على النظر في عينيها ، لم يقدر على التفوه بكلمة أماها ،ينظر إليها من طرف خفي ولا يقدر على مفاتحتها بشيء، يضع الطعام أمامها متحاشيا النظر في وجهها ويرفعه بذات الطريقة، سكين يعمل بقسوة في جسده.. يمزقه إربا .. يبعثره أشلاء، شلل أعجزه عن ممارسة أي شيء، جو من الكآبة خيم على البيت ، صمت لا يخترقه سوى بعض الحركات التي تصدر عن ليلي وهي تحاول القيام ببعض المهام البيتية ، فتنجح حينا وتفشل أحيانا كثيرة.
سجن يطبق عليهم .. صمت يلفهم وعفريت يطارده .. يجثم على صدره ، يهرب منه نحو الشرفة .. يبحث عن الهواء يريده بقوة .. يستنشقه بنهم وهاتف يهتف من داخله قائلا : إنها لعنة الأقدار.
- لعنة الأقدار .. قد تكون محقا ، فها أنا أعاني من جريرة أفعالها في .
أطرق قليلا .. حدق في الظلام الذي يكسو الأشياء من حوله بردائه الموحش ، ثم عاد منسحبا إلى الغرفة من جديد، دنا منها ، اجتر ريقه وقال بصوت يشبه الهمس :سميحة .. أرجو أن تتفهمي موقفي .، فما كان منها إلى أن نظرت إليه بأعين تفيض بالدمع .
- أردت التهرب من ضغوطهم ليس إلا.، ثم مد يده محاولا لمس خدها ، فانكفأت على وجهها وأجهشت بالبكاء.
استيقظ على حركة خفيفة تجري إلى جواره، فتح عينيه ونظر باتجاهها، ثم قال بشيء من الاستغراب : أتنوين الخروج ؟ .
- صباح الخير . ، قالت بشيء من البرود .
- آسف .. صباح الخير .، إلى أين ؟ .
- إلى العمل طبعا.
- لازلت بحاجة إلى الراحة.
- وهل يعنيك ذلك.؟ .
آثر الصمت رغم امتعاضه من الرد الغريب والنبرة التي تخاطبه بها، لكنه أوهم نفسه بأن خروجها دلالة على انقضاء الأزمة، فأغمض عينيه محاولا النوم من جديد ، رغم الضجيج الصادر عن محرك العربة الذي بدا على غير عادته ، تقلب من جانب إلى آخر ، لكن محاولاته باءت بالفشل ، فألقى الغطاء جانبا وخرج قاصدا المطبخ .
كانت منهمكة في إعداد شيء ما وحين شعرت بوجوده إلى جوارها، صاحت بفرح وانتشاء : أنظر ماذا أعددت لك .
اقترب ليرى ما صنعت له وكله حرص على إظهار التقدير مهما كان صنيعها.
- صباح الخير . قال وربت على كتفها مشجعا .
- صباح النور . . هذا البيض المقلي الذي تحب وهذا الحليب .. أيعجبك ؟ .
- رائع .. رائع يا ليلى . ، ثم تناول لقيمات وارتشف من كوب الحليب رشفات أتبعها بابتسامة عريضة ، مدت يدها لتناوله لقمة أخرى ، فباغتهما رنين الهاتف ، تركها تتبعه بنظرات باهتة ، غاب للحظات داخل الغرفة ، ثم عاد وقد تهيا للخروج .
- سأغادر لبعض الوقت وأعود .
- سأنتظر عودتك.
- هل لديك ما يشغلك ؟ .
- أنظف بعض الأواني وأكنس الشقة.
- عظيم .. سأكون هنا قبل أن تنهي مهامك.
- مفهوم.
أغلق الباب خلفه بالمفتاح ، تقدم خطوات معدودة ، ثم راح يقيم الأمر من جديد، انتابه الخوف من أن تقدم على فعل شيء بنفسها ، خصوصا إذا اكتشفت أنها باتت حبيسة سجن جديد ، لكنه عاد واتخذ قراره بالمغادرة .
في هذه الأثناء كانت سميحة تغادر المستشفى قاصدة بيت أهلها ، تئن تحت وطأة الأفكار القاتمة ، طرقت الباب فطالعها وجه أمها بابتسامة عريضة, سرعان ما تبدلت بعدما رأت الدموع في عينيها ،ضمتها إلى صدرها مفسحة المجال لدموعها تنهمر بلا رادع أو قيود ،حتى أنهكها ذلك فخارت وحال بكاؤها نحيباً,
- هذا ما كنت أخشاه , قالت أ مها.
- صدقت يا أمي صدقت, وعادت للبكاء من جديد: اهدئي يا بنيتي وأخبريني بما حدث؟.
فتمالكت رباطة جأشها وراحت تسرد عليها ما حدث, منذ أن غادرت في ذلك اليوم وحتى اللحظة والمرأة تسمع بكل دقة واهتمام ثم سألتها قائلة: ما الذي تنوين فعله؟
- لا أدري يا أمي ... لا أدري
- عليك أن تعودي إلى زوجك, وتعامليه كما كنت سابقاً إن لم يكن أكثر.
- لا أقوى على ذلك يا أمي فلقد طعنني ..غدر بي بعدما وثقت به ثقة عمياء ومن أجل من؟ ...امرأة مخبولة.
- هذا لن يغير من الأمر شيئاً, فهذه المرأة كانت زوجته وتربطهما علاقة قوية ، مازالت عالقة في ذهنه كما تقولين، فأومأت برأسها مؤكدة ،تابعت المرأة أقوالها: هنا بيت القصيد , فأي تغيب عن البيت يفتح المجال أمام ذلك الماضي كي يصبح حاضراً ومستقبلاً أيضاً, فلا داعي للتهور.
- أرجوك يا أمي. أسعفيني بحل غير هذا.
- لا حل غير ذلك, ثم أنها في تحسن مضطرد كما تقولين .
- نعم في تحسن , قالتها بألم ثم تابعت. وكأن شفاءها مرتبط به.
- عليك أن تتداركي الوضع, ثم عجباً لك، كيف تتركين بيتك وزوجك في هذه الأيام الحالكة؟
- أخالها تختطفه مني يا أمي .... تشده إليها وينصاع بمحض إرادته.
- عجباًُ لك .. هل أعجزتك الحيلة وبت تضربين كفاً بكف, بسبب امرأة مخبولة؟
- لا يا أمي ..... هو الذي يعجزني, فما زال متمسكاً بها .
- عليك أن ترجعيه إلى عشه مرة أخرى, فربما يكون صادقاً في إدعائه.
- إلى متى يا أمي؟
- إلى أن يعجز ويعيدها إلى أهلها.

كانت لديه رغبة عارمة لمعرفة السبب في التغيير المفاجئ الذي طرأ عليها ، لكنه لجم هذه الرغبة خوفا من أن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن،ساير اللحظة محاولا الاستفادة منها ما أمكنه ذلك ، لكن هاجسا مرعبا ظل يطارده طيلة الوقت ، ماذا يفعل لو باغته أولئك النفر مطالبين بتنفيذ العهد الذي قطعه على نفسه أمامهم .
صحا مبكرا على غير عادته ، شعور جميل يغمره ونشاط جاءه على غير موعد ، دخل المطبخ يعد وجبة إفطار أراد مفاجأة المرأتين بها ، ترنم بلحن لإحدى أغنيات فيروز، فلم يلحظ وجود سميحة التي كانت تراقبه بصمت وتأمل.
- صباح الخير ..، صاح مبتهجا حين التفت ورآها تنظر إليه.
- صباح النور.، أراك قد صحوت مبكرا .
- لا أدري .. أشعر بنشاط زائد هذا الصباح.
- ليت النعم تزورنا في كل يوم.
- ربنا يسمع منك . ، وابتسم في وجهها .
لكن في لحظة مباغتة تغيرت ملامحه ، عمه توتر مفاجئ ، نظرت إليه بذهول وقالت بشيء من التوجس : لا أعتقد أن عيني تصيب ، فرد بشيء من الابتسام ، وعكة خفيفة .. ربما آثار برد أو ما شابه.
- تشعر حقا بسوء ؟ .
- مجرد وعكة بسيطة ، لا تلق بالا لها، ثم أطرق للحظة مستذكرا حلما مر به في الليلة الماضية، فنظرت إليه وقالت بشيء من التوجس والقلق : ما بك ؟ . ، لا شيء .. تذكرت حلما مر بي في الليلة الماضية .، فردت بشيء من الفزع : لا تقصه على أحد . ، لا تشغلي نفسك كثيرا .. هيا استعدي لكي أقلك معي .، فندت عنها ابتسامة خفيفة وقالت بصوت خافت : عندي إجازة اليوم.
استقل العربة قاصدا المكتب , كان يستعيد أفكاره , محاولا استرجاع الأحداث المرعبة لذلك الحلم , فلم يخرج إلا ببعض اللقطات , عجز عن تجميعها , أو فهمها , صور غريبة أفزعته...ثيران هائجة تطارده ...فتية بثياب سوداء تصدوا لها ...جذبها اللون الأسود , فراحت تصارعهم , استهجن الأمر وأفزعته الصورة ,. فالثيران تنجذب للون الأحمر , تساءل متعجبا ثم تمتم قائلا : اللهم أجعله خيرا..أدار مؤشر المذياع فالتقط نشرة الأخبار التي كانت تنبأ بحالة الطقس , أيقن أن الأمر فاته , وعاد يبحث بين المحطات , فطالعته فيروز وهي تشدو يا جارة الوادي , شعر بالأمان , لم يبق أمامه الكثير لينحرف عن الطريق الرئيسي , الذي يوصله إلي المدينة , وقع نظره على المرآة فهاله ما يرى ,. عربات بشتى الأنواع والأحجام أشعلت أنوارها وعلت صفارتها , أخذت في الاقتراب فازداد المشهد غرابة , أياد خرجت من النوافذ تلوح بأعلام سوداء , وحناجر تصرخ مكبرة , وان بدت صرخاتها , مذبوحة , مطعونة تنزف دما.
أوقف العربة بجانب الطريق وترجل يستوضح الأمر , صاح أحد الذين أنزلتهم العربات :مجزرة ....مجزرة يا ناس .....سبعة استشهدوا علي يد مجرم حقير , وراح يصرخ في محمود الذي حمل آلة التصوير: صور ...صور كي يستمتع العرب بصورنا .
انتشر الخبر بين الناس على نحو غريب , ناهيك عمن سمعوه عبر المذياع ,فاندفعت الجموع إلي الشوارع هائجة غاضبة تسحق كل من يقف في طريقها , عربات جند مرت بالمكان , لم تجرؤ على الوقوف وقد أمطرتها السماء حجارة , كل دقيقة تمر يزداد البركان هياجا واتساعا وقد تطايرت حممه في كل اتجاه ، قفز إلي عربته وهو يردد بذعر : ربنا يستر من هذا اليوم.
ظن أن الأمر خلفه , فخاب ظنه حين شاهد السرعة التي تجري عليها الأحداث وقد اتضحت الصورة للجميع ,مجزرة نفذت بدم بادر على مرأى من المارة اليهود , الذين لم يحاولوا الوقوف و الإطلاع على ما يحدث ,أو إسعاف من بقي على قيد الحياة
...الشوارع تنضج بجموع هائجة غاضبة , قلقة علي أبنائها الذين يعملون في الداخل, الأزقة تقذف ما فيها , الإطارات تشتعل والمتاريس توضع في كل مكان , ومن كل نوع , عربات قديمة ثلاجات هالكة , حاويات زبالة ,حجارة بكل حجم , تعجب كيف وضعت , رايات سوداء تعلو في كل مكان , ملثمون احتلوا المدينة ووقفوا بكل ركن فيها , فأصبحت برميل بارود يهدد بالانفجار
...دخل المكتب على عجل , فسأله علاء علي الفور : هل سمعت بما حدث ...؟
فرد وهو يمد يده في أحد الأدراج , ليخرج بعض الأفلام , حيت أدخل أحدها في الآلة , ووضع اثنين في جيبه.
- نعم سمعت .., مجزرة وربنا يستر من المجازر التي ستحدث الآن .
- أي مجازر ؟ قال مستغربا.
- ألا ترى الشوارع !. ، صاح فيه بغيظ ، ثم تابع قائلا : الناس توشك على الجنون .. ألا ترى الغضب الذي يشع من العيون .. القهر الذي يعصف بهم.. الساحات والشوارع التي تموج بهم.. الصدامات التي تدور في كل شبر ولا تبدو لها نهاية.. الله وحده من يعرف ما هو آت
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف