
إنّه لا ينتظرأحدا
أحببت المطالعة منذ تمكنت من قراءة الكلمة ، للكتاب عوالم ممتعة أحلق بخيالي معه ،وتخبو حولي معالم الحياة عندما أكون في حضرته، كان إقبالي على الدراسة يفرح أمي ولكن عندما أضحت القراءة إدمان وعادة أخذتني منها لم يرضيها ذلك ،فكانت تؤنبني أحيانا وتتوعدني بالعقاب الصارم، فألوذ بالفرار مع كتابي تحت الطاولة أو في العليّة وتلاحقني عباراتها الغاضبة : هذه الروايات قد تغير أخلاقك وتعكّر نقاءك، اهتمي بدراستك، أردّ مدافعة عن ميولي: لن تؤثر المطالعة على دراستي أو أخلاقي وأستاذي يؤكد أن لديّ موهبة أدبية ،وأمنيتي أن أكون كاتبة.
عندما يشتد بيننا الخلاف، تصرّ أنّ لاضرورة للدراسة وأن بيت الزوجية هو مطافي الأخير ،لكنّي قاومت رغبتها حتى وصلت إلى الجامعة وبمساندة قويّة من والدي ،ثمّ اخترت شريك العمر وجرفني تيار الاغتراب وتكوين الحياة الأسرية والعمليّة بعيدا عنها ، لكن الحلم لم يبارح مخيلتي فكثيرا ما كنت أختلي مع أوراقي لأكتب أو لأقرأ، أحيانا تذكّرني وهي ضاحكة : أما زلت تقرأين وتتمنين أن تكوني كاتبة ، أجيب بإصرار: ما زلت وسيكون لي كتاب وأعدك أن يكون الإهداء لشخصك الحبيب يا أميّ الغالية ولروح والدي ،فكات تبتسم بفخر: إني انتظر،وعملت بجدّ لاصدار مجموعتي القصصية الأولى" حكايا النافذة"وقبل انتهاء الإصدار بأسبوع هاتفتها: إني قادمة إليك ومعي مفاجأة لك ثم سألتها عن صحتها أجابت بصوت ضعيف : تعالي بسرعة أريد أن أراك ثمّ رددت عبارتها الأليمة: قد لا تجدينني، صعقتني كلماتها ، كانت مريضة جدا ،أكملت إجراءات الطباعة وحملت كتابي إليها وانطلقت السيارة من عمان إلى بيروت، لحظتها شعرت بقسوة الاغتراب وخلت أني أسابق الزمن، وعند الحدود السورية هاتفني أخي: نقلوها إلى غرفة العناية الحثيثة ، دعوت الله أن يمّن عليها بالشفاء العاجل، وصلت متلهفة لأعانقها ولأقول لها أعذريني تأخرت وكليّ شوق إليك ولأطمئن على صحتك، وهاهو كتابي ونسختي الأولى أهديها لك لتشاركيني فرحتي، ولكنّه الموت لاينتظر أحد كانت قد فارقت الحياة قبل ساعات قليلة من وصولي، لقد هزمني الموت وقهرني وألقيت كتابي الذي انطفأت فرحتي على غلافه، رغم إيماني القوي بأن الموت حقّ وأنه علينا التسليم بقدر الله والرضى بما كتب، لكنّ الموت صدمني وانتحبت عند رأسها ورحت أناديها: يا أمي وصلت متأخرة أريد أن أقبل يديك وأرتمي في حضنك، لم ترد عليّ فالموت بجلاله احتواها،وتبعثرت فرحة الوعد واللقاء مع ريح الحزن العاتية، وكأن بيني وبين الحزن ميثاق وجود وتواجد، وبيني وبين الفرح ميثاق تغافل، وخلت حياتي خاوية لا معنى لها وأنّ مدد الحبّ قد انقطع بفقدها، فالوالدان بحبهما وعطائهما الزاخر لا يمكن تعويضهما .
شكر وتقدير:
أتقدم بالشكر لجميع الأخوة الأدباء في منتدى"دنيا الرأي" الذين قدموا التهنئة بالإصدار الجديد "حكايا النافذة" والذين قدموا التعزّية والمواساة بوفاة والدتي رحمها الله ،وخاصة الأديبة ميسون كحيل التي قدمت التعزية على هاتفي ومن خلال بريدي، فأنا لم استطع الرد للظروف القاسية التي مررت بها ، وشكر الله سعيكم وجزاكم الله عنّا كل خير .
لبنان في 1/7/2010
أحببت المطالعة منذ تمكنت من قراءة الكلمة ، للكتاب عوالم ممتعة أحلق بخيالي معه ،وتخبو حولي معالم الحياة عندما أكون في حضرته، كان إقبالي على الدراسة يفرح أمي ولكن عندما أضحت القراءة إدمان وعادة أخذتني منها لم يرضيها ذلك ،فكانت تؤنبني أحيانا وتتوعدني بالعقاب الصارم، فألوذ بالفرار مع كتابي تحت الطاولة أو في العليّة وتلاحقني عباراتها الغاضبة : هذه الروايات قد تغير أخلاقك وتعكّر نقاءك، اهتمي بدراستك، أردّ مدافعة عن ميولي: لن تؤثر المطالعة على دراستي أو أخلاقي وأستاذي يؤكد أن لديّ موهبة أدبية ،وأمنيتي أن أكون كاتبة.
عندما يشتد بيننا الخلاف، تصرّ أنّ لاضرورة للدراسة وأن بيت الزوجية هو مطافي الأخير ،لكنّي قاومت رغبتها حتى وصلت إلى الجامعة وبمساندة قويّة من والدي ،ثمّ اخترت شريك العمر وجرفني تيار الاغتراب وتكوين الحياة الأسرية والعمليّة بعيدا عنها ، لكن الحلم لم يبارح مخيلتي فكثيرا ما كنت أختلي مع أوراقي لأكتب أو لأقرأ، أحيانا تذكّرني وهي ضاحكة : أما زلت تقرأين وتتمنين أن تكوني كاتبة ، أجيب بإصرار: ما زلت وسيكون لي كتاب وأعدك أن يكون الإهداء لشخصك الحبيب يا أميّ الغالية ولروح والدي ،فكات تبتسم بفخر: إني انتظر،وعملت بجدّ لاصدار مجموعتي القصصية الأولى" حكايا النافذة"وقبل انتهاء الإصدار بأسبوع هاتفتها: إني قادمة إليك ومعي مفاجأة لك ثم سألتها عن صحتها أجابت بصوت ضعيف : تعالي بسرعة أريد أن أراك ثمّ رددت عبارتها الأليمة: قد لا تجدينني، صعقتني كلماتها ، كانت مريضة جدا ،أكملت إجراءات الطباعة وحملت كتابي إليها وانطلقت السيارة من عمان إلى بيروت، لحظتها شعرت بقسوة الاغتراب وخلت أني أسابق الزمن، وعند الحدود السورية هاتفني أخي: نقلوها إلى غرفة العناية الحثيثة ، دعوت الله أن يمّن عليها بالشفاء العاجل، وصلت متلهفة لأعانقها ولأقول لها أعذريني تأخرت وكليّ شوق إليك ولأطمئن على صحتك، وهاهو كتابي ونسختي الأولى أهديها لك لتشاركيني فرحتي، ولكنّه الموت لاينتظر أحد كانت قد فارقت الحياة قبل ساعات قليلة من وصولي، لقد هزمني الموت وقهرني وألقيت كتابي الذي انطفأت فرحتي على غلافه، رغم إيماني القوي بأن الموت حقّ وأنه علينا التسليم بقدر الله والرضى بما كتب، لكنّ الموت صدمني وانتحبت عند رأسها ورحت أناديها: يا أمي وصلت متأخرة أريد أن أقبل يديك وأرتمي في حضنك، لم ترد عليّ فالموت بجلاله احتواها،وتبعثرت فرحة الوعد واللقاء مع ريح الحزن العاتية، وكأن بيني وبين الحزن ميثاق وجود وتواجد، وبيني وبين الفرح ميثاق تغافل، وخلت حياتي خاوية لا معنى لها وأنّ مدد الحبّ قد انقطع بفقدها، فالوالدان بحبهما وعطائهما الزاخر لا يمكن تعويضهما .
شكر وتقدير:
أتقدم بالشكر لجميع الأخوة الأدباء في منتدى"دنيا الرأي" الذين قدموا التهنئة بالإصدار الجديد "حكايا النافذة" والذين قدموا التعزّية والمواساة بوفاة والدتي رحمها الله ،وخاصة الأديبة ميسون كحيل التي قدمت التعزية على هاتفي ومن خلال بريدي، فأنا لم استطع الرد للظروف القاسية التي مررت بها ، وشكر الله سعيكم وجزاكم الله عنّا كل خير .
لبنان في 1/7/2010