الخروج عن الصمت
أسدل الليل ستائره وظل الحمام يبعث بهديله المتراجع من بين أغصان السرو الداكن، انسجاما مع قدوم السكون وتراجع الحياة على شواطئ الخلود، مثل موجة تتراجع مسرعة من على الشاطئ عندما اكتشفت أن مهمتها قذف الشاطئ بالصدف وقليل من الرمل.
ملايين السنين والشاطئ لا يمل والموجة تروح وتجيء بانتظام يراعي تقلب الفصول.
- كنا هنا
ومنذ تلك اللحظة ظل القلب يخفق دموعا عندما تعن على البال الذكريات وعندما يجتاح الجسد ظل الياسمين، والآن أنت هناك تسكن غياهب الحنين ترنو بعيونك إلى هنا، وهناك، بحيرة رمل متحركة تلتهم قدميك، فجسدك، ف...، تغيب ثم تحاول أن تنهض فتكتشف أن كل ما حولك بحيرات من الرمال المتحركة وتردد بإلحاح لوحدك وأمام الناس
- أعطوني بقعة ارض صلبة..
- سأحول لكم كل بحيرات الرمل المتحركة، تلك البحيرات اللعينة إلى ارض صلبة متماسكة
- تتماهى متواصلة حتى تطل على البحر،
- وتستقبل الصدف والرمل
- تحتضن بساتين النخيل وبيارات البرتقال وكروم العنب وغصن الزيتون
- وكل أكواخ الفقر ودروب المشردين
- وعلى الشاطئ، على الشاطئ تماما يحط الباعة والمتجولون وصيادو السمك
- وقطيع القوارب الذي يتمرجح بخيوط عزف النوارس وصدى صوت الموج المتكسر على الصخور المتناثرة المتواصلة مع رحم الأرض وغروب الشمس
حمل سنارته وسلته فارغة إلا من شوق لغد تتراقص سمكة في أرضيتها، سمكة يافعة فتية تبعث الحياة، سمكة لم تفكر أن تكتب مذكرات حياتها لأن البحر واسع والخير كثير، ونتوءات الصخر وتجاويفه ملاذ آمن للضعفاء، بينما عند الشاطئ تنتهي الحياة حين تكون لقمة العيش معلقة ومتدلية من على رأس سنارة، حينها تتمثل النتوءات والتجاويف كالحلم بوطن.
لا بد أن يكون في هذه الحياة ضحية ولكن لماذا أكون أنا؟ سؤال فجره حب البقاء والرغبة دائما أن تكون هنا، أجابتها الموجة التي كانت تحمل آخر حمل لها من الصدف والرمل وتتركه يلهث تحت سنا الشمس الراحل
-هذا قدرك وعلينا أن نتهيأ كل يوم لبداية ونهاية جديدة
أدارت وجهها كأنها تتذكر
- حياة البحر وحياة جيرانه متلازمين
تابعت
- انه لمن الروعة أن تنتهي تحت أشعة الشمس خيرٌ لكِ من أن تموتي وحيدة في قيعان البحر، أن تخرجي حية افضل لك بكثير من أن اضطر أن أقذفك على الشاطئ جيفة
توقفت على رؤوس الأصابع مفكرة
- فوق اليابسة تبعثين حياة أناس فقدوا البحر، لكنهم ما زالوا يحتفظون بالسنارة، يلقونها في كل مكان، للاحتفاظ بالمهارة وإيجادها عند الضرورة، والآخرون من حولهم يضحكون ضحكا ماكرا ناكرا ويقولون
- إنها مجرد رمال متحركة خالية من السمك، تأكل ولا تطعم
ويصرخ في تكرار شابه تكرار الموج
- أعطوني أرضا يابسة متماسكة أعطِكم أمل
والأمل عالم واسع تبدأ ناصيته من عند كوخه الفقير، زرع من حوله صنوف من الفلفل والباذنجان والبندورة وحوض من النعناع وجورية يتيمة، ورفع على السطح خشبة طويلة بدت كسارية سفينة، وعندما سأله أحد الأصدقاء عن هذه السارية قال
- لا فرق بين البحر واليابسة في هذا الزمن، سفينة يقابلها بيت، وبحر يقابله رمل
صمت قليلا ونوه
- فكرت أن ألوذ إلى الجبل، ربما يكون الجبل أكثر أمنا من الشاطئ وهو اقرب إلى النجوم... وبعيدٌ عن الماء والرمل
رد عليه وقد بدا على وجهه شيء من الاستغراب والرفض
- أنت دائما تقع ضحية خيالك، مرة تعشق البحر ومرة تخافه، أراك تركض على الشط ترفع يديك محاولا حضن النسمات بين راحتيك، ومرة تقول انه بحيرات رمل متحركة، هلا هدأت، امسح على عينيك التي لم تعرف الدموع، وامسك زمام سنارتك واقذف بها عاليا تتهاوى على سطح الماء، فتنساب بهدوء نحو فم سمكة تغير مجرى حياتك
رد بثقة المجرب
- لقد فعلت يا اعز صديق، اقدر انفعالك، اقدر ردة فعلك، اقدر استغرابك، أنت محق ولقد نجحت مرات، لكن ما أن تخرج السمكة حتى اضطر إلى أن القيها في فيه تنين الرمال المتحركة لأفدي نفسي، أنا مثل الفأر والقرعة علي أن ادخل صغيراً واخرج صغيراً
نظر برهة وواصل وهو يتأمل ملامح صديقه الواضحة
- نحن نتوهم بتلك الفتحات الصغيرة التي نطرقها في الحياة، والحقيقة أن ما نحتاجه بوابة الحرية نصطاد منها السمك وتصلب الأرض من تحت أقدامنا، بوابة أمل تضيء جوانبها سناً مازالت تصده الغيوم السوداء، ألا ترى تلك الغيوم؟ عندما يأتي السنا سيكفيني ما ازرع حول كوخي وما اصطاد وان كان القليل، سأستظل تحت جوريتي التي ستصير بحجم شجرة سنديان ضخمة أسطورية
نفض الصديق يديه من بقايا أمل يقنعه بتغيير موقفه، واغمض عينيه اغماضة عبثية وقال
- ربما أنت على حق، على حق
وتابع بعد أن أدار وجهه نحو الأفق وصاح من جديد
- أعطوني بقعة ارض صلبة.....
لا إجابة عدا تنهيدة موجة متراقصة تُقبل الشاطئ وتتلاشى مثلَ ظلِ تشرين
أسدل الليل ستائره وظل الحمام يبعث بهديله المتراجع من بين أغصان السرو الداكن، انسجاما مع قدوم السكون وتراجع الحياة على شواطئ الخلود، مثل موجة تتراجع مسرعة من على الشاطئ عندما اكتشفت أن مهمتها قذف الشاطئ بالصدف وقليل من الرمل.
ملايين السنين والشاطئ لا يمل والموجة تروح وتجيء بانتظام يراعي تقلب الفصول.
- كنا هنا
ومنذ تلك اللحظة ظل القلب يخفق دموعا عندما تعن على البال الذكريات وعندما يجتاح الجسد ظل الياسمين، والآن أنت هناك تسكن غياهب الحنين ترنو بعيونك إلى هنا، وهناك، بحيرة رمل متحركة تلتهم قدميك، فجسدك، ف...، تغيب ثم تحاول أن تنهض فتكتشف أن كل ما حولك بحيرات من الرمال المتحركة وتردد بإلحاح لوحدك وأمام الناس
- أعطوني بقعة ارض صلبة..
- سأحول لكم كل بحيرات الرمل المتحركة، تلك البحيرات اللعينة إلى ارض صلبة متماسكة
- تتماهى متواصلة حتى تطل على البحر،
- وتستقبل الصدف والرمل
- تحتضن بساتين النخيل وبيارات البرتقال وكروم العنب وغصن الزيتون
- وكل أكواخ الفقر ودروب المشردين
- وعلى الشاطئ، على الشاطئ تماما يحط الباعة والمتجولون وصيادو السمك
- وقطيع القوارب الذي يتمرجح بخيوط عزف النوارس وصدى صوت الموج المتكسر على الصخور المتناثرة المتواصلة مع رحم الأرض وغروب الشمس
حمل سنارته وسلته فارغة إلا من شوق لغد تتراقص سمكة في أرضيتها، سمكة يافعة فتية تبعث الحياة، سمكة لم تفكر أن تكتب مذكرات حياتها لأن البحر واسع والخير كثير، ونتوءات الصخر وتجاويفه ملاذ آمن للضعفاء، بينما عند الشاطئ تنتهي الحياة حين تكون لقمة العيش معلقة ومتدلية من على رأس سنارة، حينها تتمثل النتوءات والتجاويف كالحلم بوطن.
لا بد أن يكون في هذه الحياة ضحية ولكن لماذا أكون أنا؟ سؤال فجره حب البقاء والرغبة دائما أن تكون هنا، أجابتها الموجة التي كانت تحمل آخر حمل لها من الصدف والرمل وتتركه يلهث تحت سنا الشمس الراحل
-هذا قدرك وعلينا أن نتهيأ كل يوم لبداية ونهاية جديدة
أدارت وجهها كأنها تتذكر
- حياة البحر وحياة جيرانه متلازمين
تابعت
- انه لمن الروعة أن تنتهي تحت أشعة الشمس خيرٌ لكِ من أن تموتي وحيدة في قيعان البحر، أن تخرجي حية افضل لك بكثير من أن اضطر أن أقذفك على الشاطئ جيفة
توقفت على رؤوس الأصابع مفكرة
- فوق اليابسة تبعثين حياة أناس فقدوا البحر، لكنهم ما زالوا يحتفظون بالسنارة، يلقونها في كل مكان، للاحتفاظ بالمهارة وإيجادها عند الضرورة، والآخرون من حولهم يضحكون ضحكا ماكرا ناكرا ويقولون
- إنها مجرد رمال متحركة خالية من السمك، تأكل ولا تطعم
ويصرخ في تكرار شابه تكرار الموج
- أعطوني أرضا يابسة متماسكة أعطِكم أمل
والأمل عالم واسع تبدأ ناصيته من عند كوخه الفقير، زرع من حوله صنوف من الفلفل والباذنجان والبندورة وحوض من النعناع وجورية يتيمة، ورفع على السطح خشبة طويلة بدت كسارية سفينة، وعندما سأله أحد الأصدقاء عن هذه السارية قال
- لا فرق بين البحر واليابسة في هذا الزمن، سفينة يقابلها بيت، وبحر يقابله رمل
صمت قليلا ونوه
- فكرت أن ألوذ إلى الجبل، ربما يكون الجبل أكثر أمنا من الشاطئ وهو اقرب إلى النجوم... وبعيدٌ عن الماء والرمل
رد عليه وقد بدا على وجهه شيء من الاستغراب والرفض
- أنت دائما تقع ضحية خيالك، مرة تعشق البحر ومرة تخافه، أراك تركض على الشط ترفع يديك محاولا حضن النسمات بين راحتيك، ومرة تقول انه بحيرات رمل متحركة، هلا هدأت، امسح على عينيك التي لم تعرف الدموع، وامسك زمام سنارتك واقذف بها عاليا تتهاوى على سطح الماء، فتنساب بهدوء نحو فم سمكة تغير مجرى حياتك
رد بثقة المجرب
- لقد فعلت يا اعز صديق، اقدر انفعالك، اقدر ردة فعلك، اقدر استغرابك، أنت محق ولقد نجحت مرات، لكن ما أن تخرج السمكة حتى اضطر إلى أن القيها في فيه تنين الرمال المتحركة لأفدي نفسي، أنا مثل الفأر والقرعة علي أن ادخل صغيراً واخرج صغيراً
نظر برهة وواصل وهو يتأمل ملامح صديقه الواضحة
- نحن نتوهم بتلك الفتحات الصغيرة التي نطرقها في الحياة، والحقيقة أن ما نحتاجه بوابة الحرية نصطاد منها السمك وتصلب الأرض من تحت أقدامنا، بوابة أمل تضيء جوانبها سناً مازالت تصده الغيوم السوداء، ألا ترى تلك الغيوم؟ عندما يأتي السنا سيكفيني ما ازرع حول كوخي وما اصطاد وان كان القليل، سأستظل تحت جوريتي التي ستصير بحجم شجرة سنديان ضخمة أسطورية
نفض الصديق يديه من بقايا أمل يقنعه بتغيير موقفه، واغمض عينيه اغماضة عبثية وقال
- ربما أنت على حق، على حق
وتابع بعد أن أدار وجهه نحو الأفق وصاح من جديد
- أعطوني بقعة ارض صلبة.....
لا إجابة عدا تنهيدة موجة متراقصة تُقبل الشاطئ وتتلاشى مثلَ ظلِ تشرين