
قصة قصيرة
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة )
غزة الصمود والمحبة
===================
" عشرة مليون دولار "
تنويه لا بد منه :
تحذير ..
لا تقرأوا هذا النص .. ولا تستمعوا لهذه العبارة ؟؟!!
--------------------------------
" عشرة مليون دولار " .. كم ترددت هذه العبارة على مسامع الجميع هنا .. فبمجرد أن يرفع المرء السماعة ويضعها فوق أذنه .. يتردد الصوت الغريب في أذنه ...
" عشرة مليون دولار "
ويكمل المتحدث عبارته البغيضة ..
طوال أعوام أربعة .. ومثل هذه العبارة الغريبة الكريهة تتكرر على مسامع الجميع بلا كلل أو ملل .. وتتكرر بشكل مستمر .
هذه هي القيمة الحقيقة والثمن الحقيقي للجندي الإسرائيلي .. لا أعني " شاليط " بالذات .. ولكني أعني الجندي الإسرائيلي بشكل عام .
على أرض الواقع ، فإن قيمته لا تساوي أكثر من ذلك .. بل هي أقل من ذلك بكثير .
وحقيقة الأمر فإن هذا هو المنطق في مفهوم العسكرية والعقلية الإسرائيلية .. مجرد تقييم مادي بحت .
من يقوم بالإشراف على هذه المادة الدعائية ؛ هو في منتهى الذكاء .. وفي منتهى الغباء في نفس الوقت ؟؟!! .
هو في منتهى الذكاء لأنه عرف حاجة الجميع المُلِحة للنقود .. خاصة في مثل هذه الظروف الاقتصادية والمعيشية العصيبة التي يمر بها الجميع هنا .
هو أيضاً عرف بأن " عشرة مليون دولار " مبلغ يسيل له اللعاب .. مبلغ مغري .. بل هو مغري بشكل كبير .
وأيضاً هو عرف بأن الجميع هنا بحاجة ليس إلى " عشرة مليون دولار " .. بل هم بحاجة إلى مليون .. ألف .. مئة .. عشرة دولارات .. وذلك من أجل شراء الأشياء الضرورية لمستلزمات استمرارية الحياة .
هو عرف كل هذا .. لأنه كان في منتهى الذكاء ..
ولكنه لم يعرف .. ولم يدرك أشياء أخرى كثيرة .. لأنه كان في منتهى الغباء .
هو لم يعرف ولم يدرك المعدن الأصيل لأبناء هذا الشعب الصامد .. لم يعرف ذلك لأنه غبيّ .
هو لم يعرف معنى الانتماء الوطني القوي الحقيقي .. بعيد الجذور .. لمن يهاتفهم ويعرض عليهم عرضه السخي .. السخيف .
لم يعرف ذلك .. ولم يدركه .. لأنه غبيّ .
هو لم يعرف قوة الإيمان والعقيدة الراسخة في الأذهان والنفوس والقلوب .. والتمسك بأهداب الدين وحب الوطن .. وقبل هذا وذاك .. حب الله .. والعمل على إرضاء الله وعدم مخالفة أوامره .
لم يعرف ذلك ولم يدركه .. لأنه غٍبيّ .
لم يعرف بأن أي إنسان من هذا الشعب الصامد .. رجل .. شاب .. امرأة .. عجوز .. طفل .. لا ولم ولن يبيع ضميره .. وطنه .. دينه .. ولو بكنوز العالم قاطبة .
لم يعرف ذلك ولم يدركه .. لأنه غبيّ .
" عشرة مليون دولار " .. عبارة غبية كصاحبها الذي كان يرددها .. ليس المهم أنه كان يرددها شخصياً .. أو أنه كان يرددها عبر جهاز تسجيل غبيّ كصاحبه .. المهم .. أنه كان ترديد أجوف .. أحمق .. غبيّ .. كصاحبه .
العديد والعديد كانوا يحدثونني عن هذا الأمر بكثير من السخرية .. كانوا يهزأون من قائلها .. يسخرون منه .. يمدون له ألسنتهم هزءاً وسخرية وتهكماً .
بعضهم كان يغلق الخط .. يقفل السماعة بمجرد سماعه بدء المتحدث بالفحيح :
" عشرة مليون دولار " .. ولا يدعه يكمل الحديث ..
البعض كانوا يشتمون ويسبون ويلعنون المتحدث الأحمق .. والبعض كانوا يبصقون في وجه المتحدث بمجرد بدئه الحديث .. ويغلقون الخط ويضعون السماعة في مكانها بنزق وعصبية .
" عشرة مليون دولار " .. هي محاولات يائسة .. رددها صاحبها الغبيّ .. مباشرة أو بتسجيل .. آلاف المرات .. ملايين المرات .. طوال أربع سنوات بدون فائدة أو جدوى .. حتى لو كررها مليارات المرات .. لآلاف السنين .
في النهاية .. استقر رأي الجميع على أن يقوموا بإغلاق الخط .. ووضع السماعة في مكانها بمجرد البدء في سماع العبارة المكررة الممجوجة عبر الاسطوانة المشروخة .
اتفق الجميع .. وبدون اتفاق مسبق .. على أن لا يستمعوا للمتحدث الغبيّ .. سيان كان حديثه مباشر أو عبر جهاز التسجيل .. حتى لا يعطوه فرصة الاستماع له .. أو الاهتمام به .. فهو لا يستحق هذا ولا ذاك بالمطلق .
بدوري .. كنت أستمع لحديث الجميع حول هذا الأمر .. فأعجب .. وأعجب .
عجبت لأمر ذلك الغبيّ الذي ما فتئ يكرر عبارته الممجوجة الكريهة .. الغبية مثله .. يكررها آلاف المرات .. ملايين المرات .. على مدار الوقت .. وعلى مدار الساعة .. لدرجة أن كل مواطن قد تلقى مثل هذه المكالمة السخيفة عشرات المرات .
عجبت لأمر هكذا شعب .. وهكذا قوم .. كلهم إباء وشمم .. عزة وكرامة .. ديناً وخلقاً .. لا يولون مثل هذا الأمر أدنى انتباه .. ولا يسيل لعابهم – كما ظن الغبيّ – لمجرد سماعهم قيمة المبلغ التافه .. رغم ما بهم من فاقة وعوز .. وضيق ذات اليد .
عجبت لأمري .. لأن الجميع قد تلقوا مثل تلك المكالمة ولعشرات وعشرات المرات .. بينما أنا لم أتلقَ أية مكالمة بهذا الخصوص .
أرجو أن لا يظن البعض بأنني لا أملك جهاز ( النديء ) .. بل .. إنه يوجد لديّ مثل هذا الجهاز .. وأتلقى من خلاله يومياً عشرات المكالمات الهاتفية المختلفة .
ولكن يبدو بأن الغبيّ يعرف بأنني سوف أسخر منه كثيراً .. سوف أهزأ به كثيراً .. فيما لو هو فكر بالاتصال بي ومحادثتي بمثل هذا الأمر السخيف .. يبدو أنه يعرف بأن مثل هذه الحيلة السخيفة لا تنطلي على أمثالي .
عفواً أيها السادة .. أرجو أن تأذنوا لي ببعض الوقت قبل الاسترسال في هذا النص .. فإني أسمع صوت " النديء " يستدعيني .. يطارد أسماعي بإلحاح غريب .. لا بد أنها مكالمة هامة .. بل لعلها هامة جداً .. لعلها من بعض الأهل .. الأصدقاء .. الأبناء .
أرجو أن تأذنوا لي ببضع لحظات .. أرد فيها على المتحدث .. وأعود لكم بسرعة .. لكي أكمل النص .. فلا تذهبوا بعيداً .
وضعت القلم جانباً .. ونحيت الأوراق بعض الشيء .. نهضت من مكاني .. ما زال رنين " النديء " المدوي يلاحقني ويطاردني بقوة .. وإلحاح غريب .
رفعت سماعة " النديء " .. وضعتها فوق أذني .. وقبل أن أتفوه بحرف .. كان الصوت يأتيني من الجانب الآخر ...
" عشرة مليون دولار " ؟؟؟!!!
وما زال الرنين مستمراً ..
ـــــــــــــــــــــــ
النديء : التليفون أو الهاتف
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة )
غزة الصمود والمحبة
===================
" عشرة مليون دولار "
تنويه لا بد منه :
تحذير ..
لا تقرأوا هذا النص .. ولا تستمعوا لهذه العبارة ؟؟!!
--------------------------------
" عشرة مليون دولار " .. كم ترددت هذه العبارة على مسامع الجميع هنا .. فبمجرد أن يرفع المرء السماعة ويضعها فوق أذنه .. يتردد الصوت الغريب في أذنه ...
" عشرة مليون دولار "
ويكمل المتحدث عبارته البغيضة ..
طوال أعوام أربعة .. ومثل هذه العبارة الغريبة الكريهة تتكرر على مسامع الجميع بلا كلل أو ملل .. وتتكرر بشكل مستمر .
هذه هي القيمة الحقيقة والثمن الحقيقي للجندي الإسرائيلي .. لا أعني " شاليط " بالذات .. ولكني أعني الجندي الإسرائيلي بشكل عام .
على أرض الواقع ، فإن قيمته لا تساوي أكثر من ذلك .. بل هي أقل من ذلك بكثير .
وحقيقة الأمر فإن هذا هو المنطق في مفهوم العسكرية والعقلية الإسرائيلية .. مجرد تقييم مادي بحت .
من يقوم بالإشراف على هذه المادة الدعائية ؛ هو في منتهى الذكاء .. وفي منتهى الغباء في نفس الوقت ؟؟!! .
هو في منتهى الذكاء لأنه عرف حاجة الجميع المُلِحة للنقود .. خاصة في مثل هذه الظروف الاقتصادية والمعيشية العصيبة التي يمر بها الجميع هنا .
هو أيضاً عرف بأن " عشرة مليون دولار " مبلغ يسيل له اللعاب .. مبلغ مغري .. بل هو مغري بشكل كبير .
وأيضاً هو عرف بأن الجميع هنا بحاجة ليس إلى " عشرة مليون دولار " .. بل هم بحاجة إلى مليون .. ألف .. مئة .. عشرة دولارات .. وذلك من أجل شراء الأشياء الضرورية لمستلزمات استمرارية الحياة .
هو عرف كل هذا .. لأنه كان في منتهى الذكاء ..
ولكنه لم يعرف .. ولم يدرك أشياء أخرى كثيرة .. لأنه كان في منتهى الغباء .
هو لم يعرف ولم يدرك المعدن الأصيل لأبناء هذا الشعب الصامد .. لم يعرف ذلك لأنه غبيّ .
هو لم يعرف معنى الانتماء الوطني القوي الحقيقي .. بعيد الجذور .. لمن يهاتفهم ويعرض عليهم عرضه السخي .. السخيف .
لم يعرف ذلك .. ولم يدركه .. لأنه غبيّ .
هو لم يعرف قوة الإيمان والعقيدة الراسخة في الأذهان والنفوس والقلوب .. والتمسك بأهداب الدين وحب الوطن .. وقبل هذا وذاك .. حب الله .. والعمل على إرضاء الله وعدم مخالفة أوامره .
لم يعرف ذلك ولم يدركه .. لأنه غٍبيّ .
لم يعرف بأن أي إنسان من هذا الشعب الصامد .. رجل .. شاب .. امرأة .. عجوز .. طفل .. لا ولم ولن يبيع ضميره .. وطنه .. دينه .. ولو بكنوز العالم قاطبة .
لم يعرف ذلك ولم يدركه .. لأنه غبيّ .
" عشرة مليون دولار " .. عبارة غبية كصاحبها الذي كان يرددها .. ليس المهم أنه كان يرددها شخصياً .. أو أنه كان يرددها عبر جهاز تسجيل غبيّ كصاحبه .. المهم .. أنه كان ترديد أجوف .. أحمق .. غبيّ .. كصاحبه .
العديد والعديد كانوا يحدثونني عن هذا الأمر بكثير من السخرية .. كانوا يهزأون من قائلها .. يسخرون منه .. يمدون له ألسنتهم هزءاً وسخرية وتهكماً .
بعضهم كان يغلق الخط .. يقفل السماعة بمجرد سماعه بدء المتحدث بالفحيح :
" عشرة مليون دولار " .. ولا يدعه يكمل الحديث ..
البعض كانوا يشتمون ويسبون ويلعنون المتحدث الأحمق .. والبعض كانوا يبصقون في وجه المتحدث بمجرد بدئه الحديث .. ويغلقون الخط ويضعون السماعة في مكانها بنزق وعصبية .
" عشرة مليون دولار " .. هي محاولات يائسة .. رددها صاحبها الغبيّ .. مباشرة أو بتسجيل .. آلاف المرات .. ملايين المرات .. طوال أربع سنوات بدون فائدة أو جدوى .. حتى لو كررها مليارات المرات .. لآلاف السنين .
في النهاية .. استقر رأي الجميع على أن يقوموا بإغلاق الخط .. ووضع السماعة في مكانها بمجرد البدء في سماع العبارة المكررة الممجوجة عبر الاسطوانة المشروخة .
اتفق الجميع .. وبدون اتفاق مسبق .. على أن لا يستمعوا للمتحدث الغبيّ .. سيان كان حديثه مباشر أو عبر جهاز التسجيل .. حتى لا يعطوه فرصة الاستماع له .. أو الاهتمام به .. فهو لا يستحق هذا ولا ذاك بالمطلق .
بدوري .. كنت أستمع لحديث الجميع حول هذا الأمر .. فأعجب .. وأعجب .
عجبت لأمر ذلك الغبيّ الذي ما فتئ يكرر عبارته الممجوجة الكريهة .. الغبية مثله .. يكررها آلاف المرات .. ملايين المرات .. على مدار الوقت .. وعلى مدار الساعة .. لدرجة أن كل مواطن قد تلقى مثل هذه المكالمة السخيفة عشرات المرات .
عجبت لأمر هكذا شعب .. وهكذا قوم .. كلهم إباء وشمم .. عزة وكرامة .. ديناً وخلقاً .. لا يولون مثل هذا الأمر أدنى انتباه .. ولا يسيل لعابهم – كما ظن الغبيّ – لمجرد سماعهم قيمة المبلغ التافه .. رغم ما بهم من فاقة وعوز .. وضيق ذات اليد .
عجبت لأمري .. لأن الجميع قد تلقوا مثل تلك المكالمة ولعشرات وعشرات المرات .. بينما أنا لم أتلقَ أية مكالمة بهذا الخصوص .
أرجو أن لا يظن البعض بأنني لا أملك جهاز ( النديء ) .. بل .. إنه يوجد لديّ مثل هذا الجهاز .. وأتلقى من خلاله يومياً عشرات المكالمات الهاتفية المختلفة .
ولكن يبدو بأن الغبيّ يعرف بأنني سوف أسخر منه كثيراً .. سوف أهزأ به كثيراً .. فيما لو هو فكر بالاتصال بي ومحادثتي بمثل هذا الأمر السخيف .. يبدو أنه يعرف بأن مثل هذه الحيلة السخيفة لا تنطلي على أمثالي .
عفواً أيها السادة .. أرجو أن تأذنوا لي ببعض الوقت قبل الاسترسال في هذا النص .. فإني أسمع صوت " النديء " يستدعيني .. يطارد أسماعي بإلحاح غريب .. لا بد أنها مكالمة هامة .. بل لعلها هامة جداً .. لعلها من بعض الأهل .. الأصدقاء .. الأبناء .
أرجو أن تأذنوا لي ببضع لحظات .. أرد فيها على المتحدث .. وأعود لكم بسرعة .. لكي أكمل النص .. فلا تذهبوا بعيداً .
وضعت القلم جانباً .. ونحيت الأوراق بعض الشيء .. نهضت من مكاني .. ما زال رنين " النديء " المدوي يلاحقني ويطاردني بقوة .. وإلحاح غريب .
رفعت سماعة " النديء " .. وضعتها فوق أذني .. وقبل أن أتفوه بحرف .. كان الصوت يأتيني من الجانب الآخر ...
" عشرة مليون دولار " ؟؟؟!!!
وما زال الرنين مستمراً ..
ـــــــــــــــــــــــ
النديء : التليفون أو الهاتف