الأخبار
(يسرائيل هيوم): هكذا حاولت حماس اختراق قاعدة سرية إسرائيلية عبر شركة تنظيفجندي إسرائيلي ينتحر حرقاً بعد معاناته النفسية من مشاركته في حرب غزةالهدنة على الأبواب.. وتجار الحرب إلى الجحيممسؤولون أميركيون: ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء حرب غزةنتنياهو: لقائي مع ترامب قد يسهم في التوصل إلى اتفاق بغزةالاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينية
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الفصل الخامس من رواية " صرخات " بقلم:محمد نصار

تاريخ النشر : 2010-07-03
للكاتب / محمد نصار
رن الهاتف مخترقا حاجز الصمت الذي يلف المكان، فقفز متجها نحوه ، رفع السماعة ، فجاءه صوت سميحة من الجهة المقابلة : محمود . أريد أن أخبرك بأن ليلي عندي .
- ماذا ! .. وكيف وصلت إليك .
- أصيبت بجراح خفيفة وستعود معي في الغد بإذن الله .
- يا إلهي .. تركتها للحظات و
- لا عليك ، هي بخير ومن حسن الحظ أنني كنت في قسم الطوارئ لحظة وصولها، كانت في حالة هياج شديد، لكن الذي أزعجني هو ترديدها لاسمك ، كانت تهذي باسمك على نحو غريب، فخشيت أن يكون قد أصابك سوء.
- أنا بخير ، فلا تقلقي .
وضع السماعة في مكانها وجلس واجما رغم الارتياح الذي جلبه الاتصال إليه، أشعل سيجارة أخرى ، راح ينفث دخانها ورنين الكلمات يدوي من جديد في أذنيه " كانت تهذي باسمك بشكل غريب"، أخفى وجهه بين كفيه في محاولة بائسة للهروب من أمامها ، فلم يجد الأمر نفعا ، ود لو كان بقربها في هذه اللحظات ، يمسح دمعها ، يمسد بيده على شعرها ، يخفف عنها شيئا من الآلام ، فيطالعه حاجز لا يمكن تخطيه أبدا .
- لماذا تسرعت .. لماذا تعجلت في طلاقها .. لماذا جنيت عليها بهذا الشكل القاسي ؟ .، تساءل بعد فترة صمت وتأمل . فطالعه وجه سميحة من بين الركام المتناثر في داخله مشرقا .. باسما .. فاتنا كالبدر في ليل التمام .. بريئا كما الأطفال تماما ، فيجف الحلق حين يعلو السؤال من جديد: لماذا نسيتها في هذا الخضم من الأحداث والأسئلة ؟ .. كيف تجرأت على تحيدها جانبا بعد ما كل ما فعلت لأجلي .. فلم تبخل علي يوما بشيء من عواطفها أو مواقفها ، كانت منبع حب وحنا على الدوام وأنا أخونها بأحاسيسي ومشاعري جريا وراء وهم وسراب .
عاد يكتم الصرخات التي تدوي بداخله كما الرعد في ليلة عاصفة ...راح يتقلب علي جنبيه محاولا الهروب أو الهجوع، لكنها ظلت تدوي وتدوي حتى فتح عينيه وتأكد أن الطارق بالباب ,نظر إلى ساعته ،كانت تشير إلى الثامنة صباحا ..فغر فاه مذهولا...تساءل مستغربا :متى غلبني النوم .,تقدم من الباب بخطى ثقيلة و حين فتحه فاجأه الطارق بالتحية :-صباح الخير يا بني يبدو أنني أزعجتك.
- أهلا يا شيخ حسين.
تبعه الرجل إلى الصالة ,حيث أخذ مكانه على أحد المقاعد هناك و عيناه تجولان في أرجائها مرددا:ما شاء الله ...ربنا يزيد ويبارك .
- أخبرني يا شيخ :هل رفع نظام حظر التجول ؟.
- نعم يا ولدي ,لقد سمعت ذلك في المذياع .
- ياه ...يبدو أنني لم أسمع مكبر الصوت.
- لك الحق في ذلك ,فهم حين يرفعون الحظر لا ينادون سوى مرة أو اثنين وكأنهم يستكثرون ذلك علي الناس
- صدقت يا شيخ .,
عندها عادت تطالعه أحداث الليلة الماضية ,فأيقظه سؤال من شروده : أين ليلى يا محمود...؟
أصبح في حيرة من أمره وبدا عليه التردد والارتباك ,مما حدا بالشيخ لأن يعيد السؤال مرة أخرى.
- في المستشفى يا شيخ .
- ماذا !...صاح بفزع .
- لا تفزع فالموضوع ...وأخذ يسرد عليه ما حدث في مساء أمس وحتى صبيحة اليوم ...فتنفس الرجل الصعداء وهو يحمد الله علي لطفه، ثم مد يده يتناول كاس ماء أمامه وأفرغه في جوفه دفعة واحدة .
ثبتت عيناه في الباب مترقبا، دخلت المرأتان , فانصبت نظراتهما علي الضيف ، كان الخلاف واضحا بين النظرتين، إحداهما بدت خائفة متوترة و الأخرى غير مبالية مستغربة، أقبلت سميحة على الشيخ مرحبة ,فمد الرجل يده يصافحها معرفا نفسه :
الشيخ حسين خال ليلى....
فعادت ترحب به بحرارة أكثر وتنظر إلي ليلى، التي انقلب حالها على نحو غريب ,ثم اندفعت هاربة، تحتمي بسميحة لما اقترب ليطمئن على حالها ,الأمر أزعجه وحز في نفسه ....فنمتم بأسى: مما تخشين يا خالي؟..
أعاد المحاولة مرة أخري وقد اغرورقت عيناه بالدموع :أنا خالك يا ليلي وأفزعني ما حل بك.
قفزت من مكانها وانكمشت كقطة أليفة بجوار محمود ، فمسح الخال دمعة انحدرت على خده ودار ببصره في أرجاء الغرفة كتائه في صحراء قاحلة، فهمست في أذن محمود مستغلة لحظة التيه التي ألمت بخالها قائلة : لا تصدقه ولا تدعه يأخذني من هنا .
- لا تخافي يا بنتي .. لن يكون إلا ما يرضيك .
- كاذب .. ستعيدني إليه لكي يعذبني كما كان الأمر في كل مرة .
- أقسم بألا يكون ذلك .
- هل حقا ستعيدها إلى وليد ؟ . قال محاولا ضبط نفسه من الغيظ الذي تملكه حين نطق بالاسم .
- لا يمكن يا ولدي .
- لماذا ؟ .
- لأنه طلقها .
شعر بشيء من الارتياح عند ذلك ، لكن ليلي أحست بغريزة الخوف التي تملكتها من أفعالهم، بأنهم لن يصدقوا معها، كشفت عن فخدها ، فأشاح محمود بوجهه حياء ، لكنه لمح آثارا ما زالت محفورة عليه، أغمض عينية محاولا كبت شعلة الغضب التي تشع منهما، ثم التفت إلى الشيخ وقال بلهجة تقطر حدة وغيظا : لن تذهب معك .. انتهت الزيارة . ، ثم وقف قاصدا الباب .
عاد إلى مكانه وهو يتميز من الغيظ ، أشعل سيجارة وراح ينفث دخانها بصمت لا يعبأ كثيرا باللوم الذي راحت تكيله سميحة على مسامعه، وقد أدهشها تصرفه الفظ مع رجل في عمر أبيه، فلما لم تجد منه أي تعليق، انسحبت من المكان مصطحبة ليلي إلى غرفتها .
كانت تحت الحالة ذاتها ، حتى انصراف خالها بخفي حنين لم ينسها هاجس الخوف من العودة إلى وليد مرة أخرى ،فظلت تردد بتوتر وخوف : لن أعود معه ، ثم تطور الأمر، فراحت تدور في أنحاء الغرفة ، تقف عند كل ركن فيها وكأنها تبحث عن شيء تختبئ خلفه، فما كان من سميحة التي أعيتها الحالة معها، إلا أن صرخت فيها بقوة: كفى.
انكمشت في السرير واضعة رأسها فوق ركبتيها وغرقت في بحر من الدموع ، فأشعلت في سميحة أحاسيس لم تقو على درئها، فدنت منها وراحت تربت على كتفها برفق أحال نحيبها إلى بكاء مسموع، ضمتها إلى صدرها بقوة ، ثم بكت بصمت .
لحظات شعرت بعدها برتابة أنفاسها ، فمددتها على السرير وراحت تراقب خلجاتها وسكناتها ، إلى أن غلبها النعاس فنامت كطفل صغير.
علا رنين جرس الباب ، فخرجت تستوضح الأمر ، فسبقها محمود إلى هناك، أطل وجه أمها باسما مشرقا ، فقابلتها متهللة مرحبة: أهلا يا ماما . ، ثم جلست إلى جوارها محاولة مدارة الإرهاق البادي على وجهها ، بينما انشغل محمود في إعداد بعض التقارير التي أعدها في ذلك اليوم .
- حالكم لا يروق لي . ، قالت الأم بشيء من القلق والتوجس .
- أزمة بسيطة وتمر . ، قالت سميحة بتلعثم وتردد .
- اخبريني .. أنا أمك. ، ردت المرأة بصوت منخفض ودنت منها أكثر .
أطرقت سميحة لبعض الوقت ، ثم راحت تسرد على مسامعها القصة من بدايتها ،إلى اللحظة التي ضربت فيها جرس الباب، فما كان من الأم التي بدت مشدودة إلى أبعد حد، إلا أن قالت : دعيني أراها .
اقتربت من السرير وأخذت تمعن النظر فيها بتفحص وصمت، ثم التفت إلى بنتها وألقت عليها نفس النظرات تقريبا ، الأمر الذي أثار ارتباكها وجعلها تهمس بشيء من التوجس قائلة : أعلم بما تفكرين.
- إنها على قدر من الجمال.
- إنها مسكينة يا أمي .
- أنت المسكينة. ، قالت أمها بنبرة لا تخلو من ضيق.
- لا تذهبي بفكرك بعيدا يا أمي .
- كيف لا .. نسيت أنها زوجته ؟ .
- سابقا.
- ومن الممكن أن تصبح لاحقا .
- ماذا تقولين !.
- الرجال لا يؤتمن لهم جانب .
- محمود يختلف عن كل الرجال.
- في موضوع النساء لا فرق بين رجل وآخر.
- أنا أحذرك قبل أن تقع الفأس في الرأس .
غادرت أمها وأبقت خلفها سيلا من الهواجس والوساوس التي ماانفكت تهاجمها بقسوة وعنف وألهبت بداخلها خيالات مرعبة ، تعبث فيها حينا وتنهشها أحيانا أخرى وكلمات أمها وحش يزأر في أذنيها، تحاول الهروب من أمامه .. مهادنته قليلا، حتى يتسنى لها مسح تصرفات زوجها، أو إعادة النظر فيها من جديد ، لكن الأمر لم يكن هينا أو بالسهولة المتوخاة ، إلا أن نظرات خاطفة على بعض المواقف التي بدرت عنه منذ أن جلبها إلى البيت ، وعدم نسيانه تفاصيل ماضيه بكل ما فيه من مواقف وأحداث ، أثار بداخلها خوفا لم يكن في الوارد من قبل ، قصة الحب التي مازال يحفظها عن ظهر قلب وربما لازالت تتقد في داخله ..حرصه الزائد على إبقائها بقربه بدعوى الشفقة وعقدة الذنب التي مازالت تطارده، كل هذه الأشياء وغيرها جعلتها تعيش حالة من عدم الاتزان .
أمضت سحابة ذلك النهار متوترة .. حائرة .. غير قادرة حتى على مباشرة أعمال المنزل وحين خيم الليل تمددت في السرير إلى جانبه دون أن تنبس بكلمة.. أطبقت جفنيها وراحت تراقب خلجاته .. تقلباته في السرير وهي تتساءل حيرى : هل تراه يفكر فيها ؟ .. ما الذي يؤرقه ويقض مضجعه .. لقد كان يفيض حبا وحنانا قبل أن تدخل هذه المرأة في حيتنا .. أما الآن فلا أراه إلا واجما .. عابسا وكأن هموم الدنيا ترزح على منكبيه.. كم أنا غبية ، كيف سمحت له باستقبالها في بيتي؟ . ، ثم صدرت عنها تنهيدة عجزت عن كبتها ، فالتفت إليها قائلا : هل هناك ما يزعجك ؟ .
- لا شيء . ، ردت بعد تردد وصمت .
ودت أن تفاتحه بما يعتمل في صدرها ، لكنها آثرت أن ترجئ الأمر ، عسى أن يبدي آتي الأيام بما يجلي حقيقة المخاوف التي تراودها أو يدحضها مرة و إلى الأبد.
- سميحة أود أن أسألك كطبيبة .
- هل تشكو من شيء ؟.
- لا .. أنا بخير ، لكني أود أن أعرف طبيعة الحالة المرضية لليلى .. هل يمكن شفاؤها؟ .
دوى السؤال في أذنيها كعبوة ناسفة...ودت لو تصرخ ... تصيح تصم أذنيها ... تلقي نفسها من عل .,حبست دموعها مكرهة وبصعوبة بالغة قالت : نعم يمكن شفاؤها , شرط أن تبتعد عن مسببات الحالة .
- أي أنها إن بقيت هنا , كان الشفاء أسرع , رد معلقا
- أحست بأنه يريد الوصول إلي شيء ما ,يفكر في أمر لا يرغب بالإفصاح عنه ,ترى هل صدقت ظنون أمها ؟ وهل يحق لها أن تخفى الحقائق أو تزيفها , تحت وقع الغيرة وسيفها المسنون , أم ترد بما يملي ضميرها والرسالة الإنسانية التي تحملها .,فردت بعد تريث قائلة : نعم.
- لكن ما الداعي لهذه الأسئلة .؟
- مجرد سؤال مر بخاطري ., رد قائلا
....بركان تفجر في أعماقها ,تطايرت في الفضاء قطعا متناثرة , شعور غريب راح يهاجمها , لم تشعر به من قبل ..أحست أنها تجهله ..تنكره ...تساؤل صعب لا يجد جوابا : أهذا محمود الذي أحببته ؟ .
هدير محركات مقبلة كدر سكون الليل , مشاعر خوف وترقب حامت بالأفق , خفقات قلبها زادت عن المألوف , وخيم على المكان صمت ثقيل .., صوت أللاسلكي آت يشق الصمت من خلف النافذة , تجمد الدم في عروقها , وراح كل منهما ينظر إلي الآخر بخوف وفزع , وقع أقدامهم في الشارع ، دفعها لأن تضمه بقوة ولسان حالها يقول : ربما هذه أخر مرة.
لحظات مرت كأنها الدهر , لمس حالة الرعب التي تنتابها , حاول الحد منها: يبدوا أنهم جاءوا لاعتقال شخص آخر ,لست أنا المقصود بذلك , و إلا ما احتاجهم كل هذا الوقت
قشعريرة تسري فيها مع كل حركة تأتي من الشارع , و ازداد الوضع سوءا حين انسل من السرير تاركا الغرف، فسألته بصوت خافت : إلى أين ؟ .، فأجابها قائلا : أود التأكد من أن ما يحدث لم يوقظها , وإلا وقع ما لا تحمد عقباه.
ألقت بالغطاء علي وجهها . تكتم صرخات تدوي ودموع تنهمر.
استقل عربته قاصدا المكتب يداعبه شعور جميل وتشرح صدره نسمات صبح تحمل في طياتها نفحات معطرة برائحة أزهار البرتقال المنبعثة من بعض البساتين المبعثرة على جانبي الطريق، غاص في ثنايا اللحظة من دون أن يرهق نفسه في عناء البحث عن الأسباب التي ولدت بداخله هذا الشعور الجميل، حتى لا يفقد براءتها وجمالها، خصوصا أن هذه اللحظات الجميلة، باتت قليلة في هذه الأيام العصيبة.
ظل يتابع سيره مترنما بأنغام بوس لي عينيه، التي تشدو بها فيروز بصوتها الساحر الشجي، فأطل أمامه وجه سميحة واجما .. عابسا ، هرب من أمامه عازيا ما بها من ضيق وكدر إلى ما مرت به في الليلة السابقة ، وكأنه لا يريد الانجرار وراء تداعيات قد تفسد عليه حالة الانسجام التي تملكته، حتى أنه لم يعر انتباها لعربات الجند التي كانت تصادفه على الطريق ، أو بمعنى أدق لم يكترث لوجودها، لدرجة بات فيها حسه الصحفي مخدرا، أو في غفوة ربما أرادها أن تدوم لبعض الوقت .
دخل مكتبه مترنما ببعض كلمات الأغنية التي علقت في ذهنه، ألقى بجسده على المقعد ، ثم نادى :علاء.
فأقبل يحمل فنجاني قهوة ,ناوله أحدهما وأبقي الآخر لنفسه، أخذا يتجاذبان أطراف الحديث الذي تشعب في مسارات مختلفة، كانت تصب كلها في موضوع واحد ,هو ما يدور علي الساحة اليوم ,المواجهات ,الإضرابات التي زادت بشكل مضطرد ,من الأكثر تضررا ؟العمال أم التجار و الوضع التعليمي وما آل إليه , كثرة أيام الإغلاق التي تتعرض لها المدارس والجامعات، لكنه "علاء" كان متحيزا بقوة للعمال,كونه عاملا حرم من العمل في الداخل ,نتيجة اشتراكه في فعاليات الانتفاضة ,مما افقده مصدر رزق وافر فاضطر للعمل لدى محمود بنصف ما كان يتقاضاه سابقا .
رن جرس التليفون فرفعه علاء وبعد لحظة صمت , تغيرت على إثرها ملامح وجهه , ثم قال :اندلعت مواجهات في حي الزيتون ,وسقط شهيدان وعشرون جريحا ,
هب على عجل يعد آلة تصوير ,ثم قفز إلي عربته وهو يحث علاء علي البقاء قرب التليفون ,السحب السوداء تغطي السماء ,وتظهر للعيان من بعيد ,أصوات القنابل وصلي الطلقات ,أحال المكان إلي ساحة حرب ,القادم للوهلة الأولي يظن أنه اخطأ المكان وسقط من حيث لا يدري في أفغانستان أو فيتنام , لم يجرؤ علي الاقتراب أكثر, والتوغل لمسافة أبعد ,أحس برعب يسرى في أوصاله رغم الشجاعة التي تأصلت فيه , من أحداث سابقة ,علت الهتافات حتى طغت علي صوت الرصاص , فشعر بالأمان ,أقبل عليه نفر من الصبية تعلو وجوههم ابتسامة ساخرة , وتشع عيونهم ببريق التحدي ,سأله أحدهم : لماذا لا تتقدم إلي الأمام ؟ وتصور الأحداث عن قرب ..,أأنت خائف؟.
أحس بالارتباك ...راح يمسح عن جبينه العرق ...ود لو خسفت به الأرض من شدة الخجل , كل طفل استحال ما ردا يلامس رأسه السحاب ,أمسك الكاميرا ..عاودته شجاعته ...تقدم بضع خطوات ...صاح فيه صبي: اتبعني إلي دار أبو يوسف ,فهي تشرف علي ساحة القتال.
تقدم يتبعه إلي السطح قبل أن يسمع منه أي جواب، شك بآلة التصوير وهو لا يصدق ما يري , هل عطب أصابها ؟ أم أنها تزور الحقائق ؟. أشاح بوجهه جانبا وراح يفرك عينيه ,هاله ما يحدث ,قفز إلي ألته وهو يعنف نفسه علي كل دقيقة أضاعها ,لقد كان حلما أن ترى الناس يتصدون للرصاص بصدورهم , القبضة الحديدية لوتها سواعد الأطفال هنا, عربات الجند تقهقرت تحت حجارة الفتيان , صوت القنابل أصبح لحنا تطرب له الآذان , جنود مغرورون
حاولوا التقدم انقلبوا يتصارخون , جموع أقسمت على القتال , فكان الثمن باهظا , نسوة يحاصرن عددا من الجنود و يعاركنهم يصرخن بهم , يتجاذبون شيئا لم يميزه، قذفوهن بقنبلة سامة وأسرعوا يفرون بالغنيمة , تبعهم عبر عدسة التصوير , كان الصبي الذي أوصله إلي السطح يجلس في العربة وقد أحاطوا به من كل جانب ,مقيد اليدين ويعلو عينيه شريط أسود , لم يكترث بهم ولم يجفل منهم, كان كأسد تحيط به فئران
..عاد إلي المكتب والصورة ما زالت عالقة قي ذهنه ,تداعب عواطفه ,تهاجمه ,تسخر منه , لعن الأمة وحالها المخزي , وهي لا تقوى علي غير الأسف ,لم يبد اهتماما بالقائمة التي قدمها علاء ,مما أثار دهشة الأخير ,فسأله مستغربا :هل هناك ما يزعجك ؟ فرد وكأنه في حلم مزعج: لا ضعها جانبا الآن, فعجب لحاله وراح يوضح الآمر:أنها تحتوي على أسماء الشهداء والجرحى.
- أذن بلغ الجريدة ودعني الآن.
... علا رنين التليفون . فامسك السماعة لبرهة ثم قال بهدوء : يطلبونك . من البيت ..,
اعتدل في مكانه وراح يحاور من يهاتفه ، ثم قال بهدوء : أنا ؟ . ،أنت ., سأله مستفسرا فرد وهو يغادر المكان : ضيوف في انتظاري .
أحس بالدم يغلي في عروقه ., أي مفاجأة جمعتها معا , ومن هذه الوجوه الغريبة التي جلست ترتشف القهوة بصمت وماذا يبغي الشيخ حسين الآن وقد طرده بالأمس , أسئلة عديدة باغتته دفعة واحدة ,أراد طردهم للوهلة الأولى، لكنه عدل عن ذلك على مضض ، ود سحب يده حين امتدت بشكل عفوي لمصافحة وليد وقد وقف ضمن الواقفين للسلام عليه ،لكنه أحجم عن ذلك، صحيح أنها كانت مهمة عسيرة بالنسبة له ، لكنه أنجزها مكرها.
رحب بالضيوف، فاعتدل أحدهم وكان أكثرهم هيبة ووقارا، ألقى التحية من جديد عليه، ثم بدأ في الحديث نيابة عنهم ، بدأ مجاملا .. تحدث عن خلقة وطيب أصله ، عن شهامته وسيرة المعروفة للجميع ، فما كان من محمود إلا أن يرد التحية بمثلها ويشكره على إصباغه بما لا يستحق .
- لا والله يا ولدي .. أنت تستحق ذلك وأكثر .
- هذا من كرم أخلاقك يا عم .
- لي عندك حاجة وكلي أمل بان تلبيها.
- لن أخيب رجاك ما دمت أقدر على ذلك .
- ليلى .
- ما لها.
- لن نثقل عليك بعد الذي فعلته من أجلها ، نريد أن نخفف الحمل عنك ونردها إلى أهلها.
- ماذا!.
- اهدأ يا ولدي .. جحا أولى بلحم ثوره .
- ماذا تقول يا رجل!، قال بانفعال تردد صداه في المطبخ، حيث كانت سميحة ترهف السمع لهم وتنظر بين لحظة وأخرى إلى ليلى، التي جلست على مائدة الطعام ترتجف بشكل واضح .
- أقول أن مهمتك انتهت وعلى ليلي أن ترجع إلى أهلها. ، قال الرجل بنبرة حازمة,
- وأين كانوا أهلها حين كانت تجوب الشوارع على غير هدى . ، رد باستخفاف واضح.
- أتظن أنك أحرص منا عليها . ، انبرى وليد محتدا.
- أنت بالتحديد لا تنطق بكلمة ولولا وجودك في بيتي لكان لي معك شأن آخر .
- صلوا ع النبي يا جماعة . ، قال الرجل محاولا تهدئة الخواطر .
- أسمع يا أبني .
- لا شيء عندي لأعيده إليكم.
- سمعت يا شيخ .. أنه يمنعنا شرفنا وعرضنا . ، صاح وليد مرة أخرى
- أقولها للمرة الأخيرة .. أنت في بيتي فاحفظ أدبك يا صاحب الشرف.
- لكن يا أبني ، طرحك هذا لا يقبله شرع ولا دين . ، قال الرجل موجها حديثه لمحمود مرة أخرى .
- إنها زوجتي .
- كانت زوجتك .
- نعم ، لكنها أيضا قرابتي وشرفها يهمني أكثر منكم جميعا .
- لكن الدين لا يبيح لها أن تعيش معك في بيت واحد .
- لن ترجع معكم مهما كان الثمن .
- هذا لا يجوز .قال الرجل ، ثم أطرق بعدها قليلا وقال : إلا إذا قمت بردها مرة أخرى.
أحست بأنفاسها تخمد وصدرها يسحق تحت وقع الكلمات ، ظلمة تغشاها .. تسد عليها المنافذ كلها ، لحظات كأنها الدهر تمر بطيئة مثقلة ، رد تنتظره على أحر من الجمر وحين جاء كان مفجعا إلى أبعد الحدود : نعم سأردها .
- على بركة الله . ،قلها الرجل وهب واقفا ، فتبعه الجمع بصمت لا يخلو من ابتسامات وغمغمات تشي بالارتياح.
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف