
من سلسلة قصص وتجارب على حلقات
مضى أسبوعان على معرفة أحمد برقم هاتف هديل دون أن يتصل بها . أو ينسى ذلك . وكان قد طلب بعد تكرار زيارته لمطعم شقيقتها أن تمهد لتعارفهما . وقد توجه إلى هناك لتناول الطعام برفقة صديقه جورج كيفن وهو أحد الكتاب والناشطين الأمريكيين الذين عاصروا فترة نضالات القِس الدكتور مارتن (ميخائيل) لوثر كنچ دفاعاً عن الحقوق المدنية المهدورة للأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية وقيادته المظاهرات المليونية ضد العنصرية البغيضة التي تمارس ضدهم . كان جورج قد فتح لأحمد نافذة ذاكرته المغلقة منذ أربعين عاماً ليتناول قصة محاولته لقاء كينغ . الرجل الذي أحبه وآمن بأفكاره التي تتوافق مع منهج وروحية مواقف المهاتما غاندي السلمية وممارسة اللاعنف لإنتزاع حقوق الشعوب من مغتصبيها وجلاديها . وذلك في مدينة ممفيس في ولاية تنيسي الأمريكية دون أن يدري بأن الرجل الذي أعجب بأفكاره الفلسفية على بعد خطوات من عملية إغتياله التي هزت العالم في الرابع من نيسان عام 1968 . وقبل وصوله إلى المكان المقصود . فوجىء بتواجد كثيف للشرطة التي أغلقت الجسر الحديدي القريب من المكان في وجه السيارات العابرة بعد إطلاق النار ومقتل الرجل الذي نادى بالمساواة في الحقوق على شرفة الفندق الذي كان فيه . وقد دفع حياته ثمناً لتحقيق المساواة في المواطنية بين البيض والسود أمام القانون . وتقديراً لجهوده العظيمة منح قبل مقتله بأربع سنوات جائزة نوبل للسلام . وتم تخصيص يوم وطني يحتفل به بذكرى رحيله تعطل فيه الدوائر الرسمية على مستوى الولايات المتحدة . تعرف أحمد على جورج في إطار البحث عن مجموعة الكتاب والأدباء الأمريكيين المقيمين في ولاية ميشيغان لعقد ندوات أدبية كل شهر وتكوين جمعية تعنى بدراسة وتعميق فهم المثقفين الأمريكيين لواقع حال الشعوب الأخرى ومكوناتها الحضارية . كي يعكسوا في كتبهم ونتاج أدبياتهم حقيقة الحاجة إلى تضامن كل المثقفين الأمريكيين مع مظالم وأحلام المستضعفين من الشعوب الفقيرة والبلدان المُضطهدة . والتي تدفع ثمن الإستغلال والجشع والهيمنة من قوت أبنائها وأجيالها دون أن يحظى الأمريكيون بفرصة حقيقية للإضطلاع عما يجري تلك البلدان وخاصة في منطقتنا العربية . حيث الشعب الأمريكي في واد . وإدارات حكوماته بعد إنتزاع أصوات تأييده في الإنتخابات في واد آخر . وغالبيته لاتقبل بما تملكه من مشاعر إنسانية واقع الظلم ضد الآخرين وبما تقوم بممارسته حكوماته المتعاقبة عبر سياسات لاتنسجم حتى مع الدستور الأمريكي . لكن التضليل المتعمد والتعمية على الحقائق وإخفائها يحولان دون معرفة الأمريكيين للحقيقة . وحيث تمارس وسائل الإعلام والمسيطرين عليها أبشع أساليب الديماغوجية وتشويه صورة الآخرين لتحقيق مصالح القائمين عليها . وفي مقدمتهم أنصار الكيان الصهيوني المجرم . كان أحمد من خلال تأسيسه جمعية ( أدباء من أجل العدالة والسلام ) . يؤمن بإمكانية تحقيق نقلة في عالم الفكر والثقافة على طريق تعزيز التناغم بين مختلف الحضارات الإنسانية على قاعدة الحوار الموضوعي لتطوير فهم حقيقة المشتركات الإيجابية بين الشعوب والأمم . وإحالة الإختلافات في جوانبها الأخرى إلى حق كل شعب في إحترام خصوصية أوضاعه وتراثه وإختياراته الفكرية والثقافية وغيرها. وكان جورج من أوائل المؤيدين لهذه الأهداف مع بقية الكتاب الذين توافقوا على إستمرارية الإجتماعات واللقاءات فيما بينهم كل أسبوعين في مطعم هنا أو مكتبة هناك . أو في بعض القاعات الخاصة يتحاورون بشؤون الساعة وتقييم آخر إنجازاتهم على كل صعيد . سألت هنادي أحمد إن كان قد إتصل بهديل . فإعتذر عن تأخره بالإتصال بها بسبب إنشغالاته ونشاطاته التي حالت دون ذلك ووعدها بالقيام بالإتصال في أقرب فرصة . وفي مساء أحد أيام شهر شباط أمسك أحمد سماعة الهاتف حيث شعر بأن وضعه الفكري وتأملاته الوجدانية وراحته النفسية تجعله مستعداً للبدء في التعرف عليها وإدارة الحوار معها ودراسة ظروفها وتكوينها النفسي ليتمكن من حل مشكلتها . وعلى الطرف الآخر جاء صوتها مدوياً في رقته . وصاخباً في أنوثة حميميته . ومحيراً في أبعاد مجاهيله وطبقته . وبسرعة وراحة متجانسة بعفويتها بين الطرفين . طلب أحمد منها إن رغبت بمنحه التكريم في تناول فنجان من القهوة معه على ضفاف ليل هادىء تحلق فيه النفس الإنسانية في فضاءات الكون كله . فتبعد شبح الضغوطات والهموم والآلام عن جسد وروح الإنسان . وتمنحه فرصة التأمل والمراجعات التاريخية لمسيرة حياته على رصيف الزمن وكثافة المشاعر المتناقضة وألوان الأحداث المتأرجحة بين الذاكرة والأحلام . ولم يتوقع منها أن تلبي النداء . وقبل تلاقي الأجساد توحدت روحها مع روحه بسرعة تتجاوز حدود الملايين الضوئية . لم يرسم في خياله صورة مسبقة عن تكوينها وملامحها وشكلها . كل ماخطر على باله في تلك اللحظة أنه يتحمل مسؤولية خاصة تجاهها كي يبعث فيها روح الأمل بإمكانية تحقيق الإستقرار والأمان والثقة بالمستقبل . ويجعل الحياة في عينيها ربيعاً دائم الخضرة . تتعملق تحت زرقه سمائه أجمل ورود الدنيا وسحر عطورها الكونية . لم يكن مكان اللقاء بعيداً عن منزلها . وسقط أحمد بالنظرة القاضية . تجنب الإعتراف بالعجز عن المقاومة . وقد تجرد عن الإنتماء الذكوري للكبرياء الكاذب رغم أنه الشخص الذي لم تستطع كل النساء أن تنال من خبرته الوقورة في تجنب إلحاح العيون على خطف البصر للجمال والإبداع والكمال في تكوين الأنثى . رغم إستحالة قدرة المرء على كبت عواطفه وإنفعالاته ورغباته الأنية وأحلامه . نظر إليها وفي ضوء عينيه رسالة إشعاع حروفها مزيج من أبجدية السماء والأرض . ومعانيها غامضة كغموض العلاقة بين الإنسان والملائكة . حاول جاهداً أن يغمض عينيه عليها كي يلملم أشلاء نفسه المبعثرة بين الواقع والحلم . لكنه خشي من أن تفهمها رغبة نرجسية . تحيل سماء المكان في ضبابية القراءة إلى غيوم تحجب البصيرة عن فهم العلاقة بين ملحمة الخلود . وحرية السباحة في مكونات غياب الإنتماء . غاص في أعماق عينيها بإصرارعجيب محاولاً التسلل إلى مملكتها الأسطورية . وقد تذكر فجأة أنه قد رآها منذ عشرين عاماً في أحلامه المستمرة . أليست هي المرأة التي تشكلت الأنهار من دموع عذاباتها . وعرفت كل أنواع الظلم في بدايات حياتها . وقد وعدها الضمير في منحها فرصة السعادة مرة . وخان الضمير عهده في إخفاء رسالة العدل إليها من السماء . شعر أحمد بنوع من الرهبة في تحمل المسؤولية . وهو المؤمن أن لكل حركة سبباً قد يكون مجهول الهوية في مقدمة السطور . لكنه يعكس في واقع الإيمان نتاج معرفة الخالق الأعلى لواقع البشر . جال بعينيه محاصراً المكان كله وهو يحلم بحمله إلى عالم جديد . عالماً طاهراً كشكل الملائكة وأصدقائها على الأرض . وفي سره سكنت كل المشاعر الكونية : ( أيتها الروح الأزلية إمنحيني دفء الشعور بالنسيان لأقدم كل ماتملكه ذاكرتي للملاك الإنسان . أعطني القدرة على أن أكون الأمل لها وبسمة الحنان . إجعلي عمري رماداً من الورد كي تقدم لحديقة قلبها بذور عطر الزمان . عذبيني ماشئت من ألوان وأشكال . لكن إنزعي منها تاريخ الظلام . وأسكينيها بين آهاتي ونور عيوني . وفي أعمق آيات الإيمان . لأتأكد من أنها لن تعرف في حياتها بعد اليوم شكل الحرمان ) . يتبع .........
مضى أسبوعان على معرفة أحمد برقم هاتف هديل دون أن يتصل بها . أو ينسى ذلك . وكان قد طلب بعد تكرار زيارته لمطعم شقيقتها أن تمهد لتعارفهما . وقد توجه إلى هناك لتناول الطعام برفقة صديقه جورج كيفن وهو أحد الكتاب والناشطين الأمريكيين الذين عاصروا فترة نضالات القِس الدكتور مارتن (ميخائيل) لوثر كنچ دفاعاً عن الحقوق المدنية المهدورة للأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية وقيادته المظاهرات المليونية ضد العنصرية البغيضة التي تمارس ضدهم . كان جورج قد فتح لأحمد نافذة ذاكرته المغلقة منذ أربعين عاماً ليتناول قصة محاولته لقاء كينغ . الرجل الذي أحبه وآمن بأفكاره التي تتوافق مع منهج وروحية مواقف المهاتما غاندي السلمية وممارسة اللاعنف لإنتزاع حقوق الشعوب من مغتصبيها وجلاديها . وذلك في مدينة ممفيس في ولاية تنيسي الأمريكية دون أن يدري بأن الرجل الذي أعجب بأفكاره الفلسفية على بعد خطوات من عملية إغتياله التي هزت العالم في الرابع من نيسان عام 1968 . وقبل وصوله إلى المكان المقصود . فوجىء بتواجد كثيف للشرطة التي أغلقت الجسر الحديدي القريب من المكان في وجه السيارات العابرة بعد إطلاق النار ومقتل الرجل الذي نادى بالمساواة في الحقوق على شرفة الفندق الذي كان فيه . وقد دفع حياته ثمناً لتحقيق المساواة في المواطنية بين البيض والسود أمام القانون . وتقديراً لجهوده العظيمة منح قبل مقتله بأربع سنوات جائزة نوبل للسلام . وتم تخصيص يوم وطني يحتفل به بذكرى رحيله تعطل فيه الدوائر الرسمية على مستوى الولايات المتحدة . تعرف أحمد على جورج في إطار البحث عن مجموعة الكتاب والأدباء الأمريكيين المقيمين في ولاية ميشيغان لعقد ندوات أدبية كل شهر وتكوين جمعية تعنى بدراسة وتعميق فهم المثقفين الأمريكيين لواقع حال الشعوب الأخرى ومكوناتها الحضارية . كي يعكسوا في كتبهم ونتاج أدبياتهم حقيقة الحاجة إلى تضامن كل المثقفين الأمريكيين مع مظالم وأحلام المستضعفين من الشعوب الفقيرة والبلدان المُضطهدة . والتي تدفع ثمن الإستغلال والجشع والهيمنة من قوت أبنائها وأجيالها دون أن يحظى الأمريكيون بفرصة حقيقية للإضطلاع عما يجري تلك البلدان وخاصة في منطقتنا العربية . حيث الشعب الأمريكي في واد . وإدارات حكوماته بعد إنتزاع أصوات تأييده في الإنتخابات في واد آخر . وغالبيته لاتقبل بما تملكه من مشاعر إنسانية واقع الظلم ضد الآخرين وبما تقوم بممارسته حكوماته المتعاقبة عبر سياسات لاتنسجم حتى مع الدستور الأمريكي . لكن التضليل المتعمد والتعمية على الحقائق وإخفائها يحولان دون معرفة الأمريكيين للحقيقة . وحيث تمارس وسائل الإعلام والمسيطرين عليها أبشع أساليب الديماغوجية وتشويه صورة الآخرين لتحقيق مصالح القائمين عليها . وفي مقدمتهم أنصار الكيان الصهيوني المجرم . كان أحمد من خلال تأسيسه جمعية ( أدباء من أجل العدالة والسلام ) . يؤمن بإمكانية تحقيق نقلة في عالم الفكر والثقافة على طريق تعزيز التناغم بين مختلف الحضارات الإنسانية على قاعدة الحوار الموضوعي لتطوير فهم حقيقة المشتركات الإيجابية بين الشعوب والأمم . وإحالة الإختلافات في جوانبها الأخرى إلى حق كل شعب في إحترام خصوصية أوضاعه وتراثه وإختياراته الفكرية والثقافية وغيرها. وكان جورج من أوائل المؤيدين لهذه الأهداف مع بقية الكتاب الذين توافقوا على إستمرارية الإجتماعات واللقاءات فيما بينهم كل أسبوعين في مطعم هنا أو مكتبة هناك . أو في بعض القاعات الخاصة يتحاورون بشؤون الساعة وتقييم آخر إنجازاتهم على كل صعيد . سألت هنادي أحمد إن كان قد إتصل بهديل . فإعتذر عن تأخره بالإتصال بها بسبب إنشغالاته ونشاطاته التي حالت دون ذلك ووعدها بالقيام بالإتصال في أقرب فرصة . وفي مساء أحد أيام شهر شباط أمسك أحمد سماعة الهاتف حيث شعر بأن وضعه الفكري وتأملاته الوجدانية وراحته النفسية تجعله مستعداً للبدء في التعرف عليها وإدارة الحوار معها ودراسة ظروفها وتكوينها النفسي ليتمكن من حل مشكلتها . وعلى الطرف الآخر جاء صوتها مدوياً في رقته . وصاخباً في أنوثة حميميته . ومحيراً في أبعاد مجاهيله وطبقته . وبسرعة وراحة متجانسة بعفويتها بين الطرفين . طلب أحمد منها إن رغبت بمنحه التكريم في تناول فنجان من القهوة معه على ضفاف ليل هادىء تحلق فيه النفس الإنسانية في فضاءات الكون كله . فتبعد شبح الضغوطات والهموم والآلام عن جسد وروح الإنسان . وتمنحه فرصة التأمل والمراجعات التاريخية لمسيرة حياته على رصيف الزمن وكثافة المشاعر المتناقضة وألوان الأحداث المتأرجحة بين الذاكرة والأحلام . ولم يتوقع منها أن تلبي النداء . وقبل تلاقي الأجساد توحدت روحها مع روحه بسرعة تتجاوز حدود الملايين الضوئية . لم يرسم في خياله صورة مسبقة عن تكوينها وملامحها وشكلها . كل ماخطر على باله في تلك اللحظة أنه يتحمل مسؤولية خاصة تجاهها كي يبعث فيها روح الأمل بإمكانية تحقيق الإستقرار والأمان والثقة بالمستقبل . ويجعل الحياة في عينيها ربيعاً دائم الخضرة . تتعملق تحت زرقه سمائه أجمل ورود الدنيا وسحر عطورها الكونية . لم يكن مكان اللقاء بعيداً عن منزلها . وسقط أحمد بالنظرة القاضية . تجنب الإعتراف بالعجز عن المقاومة . وقد تجرد عن الإنتماء الذكوري للكبرياء الكاذب رغم أنه الشخص الذي لم تستطع كل النساء أن تنال من خبرته الوقورة في تجنب إلحاح العيون على خطف البصر للجمال والإبداع والكمال في تكوين الأنثى . رغم إستحالة قدرة المرء على كبت عواطفه وإنفعالاته ورغباته الأنية وأحلامه . نظر إليها وفي ضوء عينيه رسالة إشعاع حروفها مزيج من أبجدية السماء والأرض . ومعانيها غامضة كغموض العلاقة بين الإنسان والملائكة . حاول جاهداً أن يغمض عينيه عليها كي يلملم أشلاء نفسه المبعثرة بين الواقع والحلم . لكنه خشي من أن تفهمها رغبة نرجسية . تحيل سماء المكان في ضبابية القراءة إلى غيوم تحجب البصيرة عن فهم العلاقة بين ملحمة الخلود . وحرية السباحة في مكونات غياب الإنتماء . غاص في أعماق عينيها بإصرارعجيب محاولاً التسلل إلى مملكتها الأسطورية . وقد تذكر فجأة أنه قد رآها منذ عشرين عاماً في أحلامه المستمرة . أليست هي المرأة التي تشكلت الأنهار من دموع عذاباتها . وعرفت كل أنواع الظلم في بدايات حياتها . وقد وعدها الضمير في منحها فرصة السعادة مرة . وخان الضمير عهده في إخفاء رسالة العدل إليها من السماء . شعر أحمد بنوع من الرهبة في تحمل المسؤولية . وهو المؤمن أن لكل حركة سبباً قد يكون مجهول الهوية في مقدمة السطور . لكنه يعكس في واقع الإيمان نتاج معرفة الخالق الأعلى لواقع البشر . جال بعينيه محاصراً المكان كله وهو يحلم بحمله إلى عالم جديد . عالماً طاهراً كشكل الملائكة وأصدقائها على الأرض . وفي سره سكنت كل المشاعر الكونية : ( أيتها الروح الأزلية إمنحيني دفء الشعور بالنسيان لأقدم كل ماتملكه ذاكرتي للملاك الإنسان . أعطني القدرة على أن أكون الأمل لها وبسمة الحنان . إجعلي عمري رماداً من الورد كي تقدم لحديقة قلبها بذور عطر الزمان . عذبيني ماشئت من ألوان وأشكال . لكن إنزعي منها تاريخ الظلام . وأسكينيها بين آهاتي ونور عيوني . وفي أعمق آيات الإيمان . لأتأكد من أنها لن تعرف في حياتها بعد اليوم شكل الحرمان ) . يتبع .........