الأخبار
(يسرائيل هيوم): هكذا حاولت حماس اختراق قاعدة سرية إسرائيلية عبر شركة تنظيفجندي إسرائيلي ينتحر حرقاً بعد معاناته النفسية من مشاركته في حرب غزةالهدنة على الأبواب.. وتجار الحرب إلى الجحيممسؤولون أميركيون: ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء حرب غزةنتنياهو: لقائي مع ترامب قد يسهم في التوصل إلى اتفاق بغزةالاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينية
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

رحلة إلى الأعماق - رواية من الخيال العلمي - نزار ب. الزين -الفصل الثاني

تاريخ النشر : 2010-06-29
رحلة إلى الأعماق - رواية من الخيال العلمي - نزار ب. الزين -الفصل الثاني
رحلة إلى الأعماق
رواية من الخيال العلمي
نزار ب. الزين*


الفصل الثاني
لم يطل قلقهم طويلا
" أنه مدخل كهف عملاق آخر !" صاح الدكتور مجدي فرحا!
" شيء لا يصدق يا إخوان ، المجسات تؤكد أن حرارة الكهف لا تزيد عن 40 درجة مئوية ، و الهواء فيه مليء بالأكسيجين " أضاف الدكتور عبد الله ...
فرد الدكتور مجدي : " أمر غريب نحن على عمق خمسين كيلومترا تحت سطح المحيط الأطلسي ، و الأكسيجين متوفر ؟؟!! ذلك سيقلب جميع معارفنا الإنسانية رأسا على عقب ، هذا يعني أن الكهف صالح للحياة ، دعونا نتجول قليلا فيه و نريح أقدامنا المتعبة ، و ما يدرينا فقد نعثر على مخلوقات من نوع ما ! "
فأجابه الدكتور حمود : " قد تكون تلك المخلوقات من فئة الداينصورات ، فعلينا أن نكون متيقظين و ألا نبتعد عن المركبة !"
و ما أن هبطوا من المركبة حتى لجمت ألسنتهم مفاجأة لم تخطر على بالهم ، كان الكهف مضاءاً بإنارة لم يتمكنوا من معرفة مصدرها و مزدانا بعشرات اللوحات الفسيفسائية تفصل بينها أعمدة رخامية تتصل في أعلاها بأقواس تشبه أقواس قصر الحمراء في غرناطة الأندلس ، أما أرض الكهف فقد رصفت بالحجارة المنحوتة ..
تساءل الدكتور هشام مشدوها : " هل من المعقول أن نكون أمام مدينة ما أو جزيرة ، غاصت نتيجة زلزال ، و بقيت مبانيها على حالها على هذا النحو ؟ ما رايك يا دكتور مجدي ، هل يمكن علميا أن يقع مثل هذا الأمر البعيد عن كل معارفنا ؟ أفدني يا دكتور مجدي ، هل سمعت أو قرأت عن مثل هذه المعجزة التي نراها ؟ "
أجابه الدكتور مجدي و هو لا يقل شعورا بالذهول عن زملائه : " قد يحدث أن تغوص مدن أو جزر و لكنها تبقى في قاع البحر و لكن ليس تحت خمسين كيلومترا من قاعه ؛ لقد تم اكتشاف بقايا الإسكندرية القديمة قرب سواحلها و لكنها كانت خرائب ، و ادعى روبرت سارماست و هو عالم أمريكي مؤخرا أنه اكتشف خرائب جزيرة أطلنتس التي تحدث عنها أفلاطون ، و لكنه قال أنها مجرد آثار مدينة و ليست مدينة سليمة ..."
ما أن أكمل الدكتور مجدي جملته ، حتى سمعوا جميعا صوتا أرعبهم : " أنتم الآن في أتلنتيا " ثم اضاف : " أتلننتيا و ليس أتلنتس ، و شعبها يرحب بكم ، تقدموا بمركبتكم خمسمائة متر و ستروننا في استقبالكم ! " .
نظروا إلى بعضهم بعضا و قد عقدت الدهشة ألسنتهم ، ثم قال الدكتور حمود لزملائه : " هيا مِمَّ نخاف ؟ الصوت بدا آدميا و ودودا ، و بالتأكيد نحن لا نحلم ! "
أجابه الدكتور هشام و قد ارتعش صوته لرهبة الموقف : " يا إخوان نحن نعيش الآن معجزة حقيقية ! "

هبطوا من المركبة ثانية ، عندما وجدوا أنفسهم أمام بوابة ضخمة ، ما لبثوا أن سمعوا صوتها و هي تفتح ببطء ، ثم بدؤوا يلمحون بشرا حقيقيين ، نساء و رجالا ، في غاية الجمال ؛ طول فارع يعادل 150% من الطول المتوسط للبشر ، شعر يميل إلى الحمرة ، عيون واسعة عسلية اللون ، ، الرجال منهم يرتدون ثيابا بيضاء مكونة من قطعتين ، سروال قصير و قميص ( نصف كم ) مزين بزخارف هندسية يتوسط ، بينهما حزام جلدي مزخرف ، و في أقدامهم نعالا خفيفة ترتفع إلى ما فوق الكاحل ، مزينة بزخارف شبيهة بزخارف الحزام ، أما النساء فقد ارتدين ملابس زاهية الألوان بلا أكمام ، و طويلة تكاد تلامس الأرض ، و قد زينوا صدورهن بعقود اللؤلؤ و المرجان.
تقدم منهم ما بدا أنه كبير القوم ثم ما لبث أن قال لهم من خلال جهاز بدا و كأنه جهاز للترجمة الفورية : " مرحبا بكم ، هذه هي المرة الأولى التي يشرفنا فيها بالزيارة سكان من سطح الأرض ، و لا بد أنكم تملكون تقنية عالية الكفاءة مكنتكم من الوصول إلى أطلنتيا ."
تقدم الدكتور حمود - و قد استطاع التغلب على دهشته الشديدة – تقدم منه ، ثم مد يده راغبا في مصافحته ، و بعد تردد منه مد الآخر يده ثم تشابك مع حمود بمصافحة حارة و هو يضحك ، ثم ما لبث أن شده نحوه معانقا ، و تنكرر ذلك مع بقية رفاقه ؛ ثم بدأ الدكتور حمود يعرفه بأصدقائه العلماء و بتخصصاتهم ؛ في حين كانت الحشود من حولهم تردد ما يشبه الأهازيج الترحيبية ، و قد تزينت وجوههم جميعا بابتسامات عريضة ملوحين بايديهم مرحبين.
سار بهم كبير القوم مسافة بسيطة ثم تقدمهم صاعدا درجات مايشبه أهرامات ( المايا ) و لكنها مبنية من الرخام ، ثم ولجوا جميعا إلى قاعة كبرى التف حولها مدرج جلس عليه عشرات من النساء و الرجال ممن بدوا أنهم وجهاء القوم ، عرَّف بهم مضيفهم على أنهم نواب شعب أتلنتيا ، فقوبل الدكتور حمود و صحبه بتلويح الأيادي و صيحات الترحيب .

بعد أن رحب بهم رئيس المجلس ، توجه بهم مضيفهم إلى قاعة مجاورة التف حول مائدة بيضاوية الشكل مصنوعة من من الرخام النفيس ، عشر نساء و أربعة رجال ، عرفهم مضيفهم على أنهم وزراء أتلنتيا و أنه شخصيا رئيسهم .
ما أن جلس الضيوف حتى انهالت عليهم الأسئلة ؛ كيف وصلوا و كيف تمكنوا من اختراق المحيط ، و من أي منطقة في العالم جاؤوا و ماهو هدفهم ، كان كل منهم يجيب على أحد الجوانب ، فقد أوضح لهم الدكتور مجدي أن مجموعتهم علمية بحتة ، و أنها لم تكن تفكر إطلاقا بالبحث عن حضارة أتلنتنيا أو آثارها ، و أنهم إنما بلغوها بمحض المصادفة ؛ ثم شرح لهم هدف المجموعة و هو إثبات إمكانية اختراق باطن الكرة الأرضية بسرعة قياسية إذا توفرت المركبة المناسبة ، و أنهم قدموا من البلاد العربية و تحديدا من الإمارات العربية المتحدة و من أمارة دبي تحديدا ، و يهدفون إلى بلوغ أمريكا الوسطى ، و على الأرجح بلوغ إحدى جزر الكاريبي ، و بسرعة قياسية تتجاوز سرعة أية وسيلة ابتكرها البشر حتى الآن ، فنحن قضينا حتى الآن ثلاث ساعات و عشرين دقيقة و هدفنا أن نبلغ إحدى جزر الكاريبي ، في زمن يتراوح بين أربع إلى خمس ساعات .
ثم تناول الدكتور عبد الله الحديث مبينا لهم أنهم لهذا السبب لن يتمكنوا من المكوث أكثر من بضعة دقائق أخرى و إلا فشلوا في تحقيق هدفهم .
ابتسم أحد الوزراء قبل أن يجيبه من خلال جهاز ترجمته ، الذي يستعمل كل منهم مثيله : " أنتم ضيوفنا و لن نتخلى عنكم بالسهولة التي تظنون .!.."
ثم أضافت وزيرة أخرى : " في الحقيقة ، بلدنا ينقصه الذكور ، و عدد سكاننا في تناقص ، فنحن نرحب بكل ذكر يحضر لزيارتنا ، لقد بلغت نسبة الإناث 76% من مجموع السكان ، و هذا يهدد شعبنا العظيم بالانقراض ."
ثم تصدت وزيرة أخرى للحديث ، فقالت : " علامَ عودتكم إلى السطح ؟ و شعوبه لم يتمكنوا حتى الآن من التغلب على حيوانيتهم ، شعوب لا زالت متناحرة متنافسة متحاربة ، شعوب تملك من وسائل التدمير أكثر مما تملكه من وسائل التعمير ! "
أجابهم الدكتور هشام : " لهذا السبب اتحدنا نحن الخمسة ، و هدفنا الإسهام في تطوير العلوم و المعارف البشرية ، لكي يصبح للناس جميعا مصادر رخيصة للطاقة ، مصادر جديدة للمياه العذبة ، مصادر جديدة للمعادن ، لنحقق في النهاية ما يكفي كل البشر من الغذاء و الكساء و البيوت المريحة و المواصلات السهلة ، و نعتقد أنه إذا تحقق كل ذلك فإن الصراعات سوف تنتهي و أن العدالة سوف تسود ؛ أما إن بقينا في ضيافتكم - كما تطلبون – فإن كل جهودنا ستذهب أدراج الرياح "
ثم أضاف الدكتور حمود قائلا : " لا تنسوا يا أيها المحترمون أن لدينا أهلا و أصدقاء في انتظارنا على أحر من الجمر ، فإذا بقينا في ضيافتكم – كما تقترحون - فسيظنون أننا قُتلنا ، و أن رحلتنا فشلت ؛ و سنسبب لهم خيبة أمل رهيبة و حزنا كبيرا ! "
صمت الجميع و كأن على رؤوسهم الطير ، ثم ما لبث رئيس الوزراء أن قال لهم : " لقد اقتنعت بما تقولون و بأنكم بشر طيبون و أن أهدافكم نبيلة ، و لكنني أطلب منكم أمرين ، أولهما أن تدخلوا غرفة التاريخ لتتعرفوا على حضارتنا و علومنا و مقومات وجودنا لكي تتخلصوا من كل ما لُفِّق عنا من أقاويل ملأت كتب تاريخكم ، و ثانيهما أن تتعهدوا بعدم ذكر أي شيء عن وجودنا و مكاننا لأي إنسان على سطح البسيطة ، و إلا عرضتمونا لخطر فادح ، فهناك دول قوية و عدوانية فوق السطح ، قد تتمكن من الوصول إلينا و إيذائنا و تدمير حضارتنا المعمرة ، و التي بلغت خمسة آلاف سنة ، نعم خمسة آلاف سنة بدون حروب أو أي نوع من الصراعات ، نحن لا نحتاج للشرطة أو الجيش ، و لم يسبق أن تشاجر منا اثنان ، و حكومتنا التي ترون هي حكومة علماء و حكماء ، فإذا بحتم بسرنا فربما تكونون السبب في القضاء علينا ."
أجابه الدكتور حمود : " أعاهدك باسمي و بإسم إخواني بأن نَكْتم سركم ، و بأنكم بالتأكيد لن تسمعوا عن لساننا كلمة واحدة ، و لكن ليس لدينا وقت أكثر للاطلاع على ما تحويه غرفة التاريخ ؛ رجائي – و قد اقتربنا من النجاح – أن يحدثنا أحدكم بموجز عن تاريخ أتلنتيا و نحن في طريقنا إلى مركبتنا ."

في الطريق إلى المركبة و في وسط حشود شدها الفضول لمشاهدتهم ، كانت إحدى الوزيرات التي كلفت بمرافقة الضيوف العلماء ، كانت تحدثهم عن تاريخ أتلنتيا ، فقالت : " كنا نعيش في وسط المحيط الأطلسي و أقرب إلى الأمريكتين ، و كانت لنا علاقات تجارية مع مصر الفراعنة و بلاد الإغريق في الشرق ، و مع سكان المايا بعد ذلك في الغرب ، و كنا نحن وسطاء تجاريين بين هؤلاء و اؤلئك ، و قد حاولنا إقامة علاقات ودية مع الجميع و لكنهم أخذوا يقابلوننا بالعدوان ، ففي أواخر علاقاتنا بهم ، كانوا قراصنتهم يعتدون على سفننا التجارية و ينهبون ما فيها من بضائع ، ثم قَدِم إلينا الإغريقيون فوق سفنهم الحربية هادفين غزونا ، فأحرقناها عن آخرها باستخدام الليزر الذي لم يكونوا يعرفونه ، و الذي عرفتموه أنتم حديثا.
أما سكان المايا فكانوا أكثر توحشا ، رغم كل مظاهر التقدم التي كانوا عليها ، كانت لهم أبجديتهم الهيروغليفية و كانت لهم أهراماتهم التي اقتبسوها من أهرامات المصريين مع بعض التغيير ، كان سكان المايا بعرفون الأرقام و الحساب ، و كان لديهم إلمام بعلم الفلك ، و لكنهم كانوا دمويين ، فبينما كانت أهرامات المصريين القدماء مقابرا لملوكهم ، فإن أهرامات المايا كانت تستخدم لنحر الضحايا الأدميين ، أما أهرامتنا التي اقتبسها الطرفان منا فكانت مخصصة للبحوث العلمية ، أعود إلى المايا فقد كان كهنتهم يقيمون كل فترة احتفالات ينتقون خلالها أجمل الشبان أو الفتيات ، فيذبحونهم ذبح النعاج ، ثم ينتزعون قلوبهم و يقدمونها قرابين لإرضاء آلهتهم كما كانوا يزعمون ، و كانوا يخوضون على الدوام حروبا شرسة فيما بينهم أو مع جيرانهم ، و الحقيقة كنا نتوقع انهيار حضارتهم السريع كما حدث بالفعل .
و عندما اكتشف علماؤنا ، أن هناك بوادر حدوث زلزال كبير قد يغير خارطة الكرة الأرضية ، صنعوا فوق جزيرتنا قبة هائلة الحجم من لدينة قوية ، و قد شارك جميع السكان متعاونين في تدعيم البيوت و تقوية أساسات المباني العامة و أهرامات البحث العلمي ؛ ثم جهز علماؤنا الجزيرة أيضا ، بمولدات الطاقة التي ستستفيد من حرارة الأعماق ، لغرض الإنارة و استخلاص الأكسيجين و الماء العذب و الغذاء من مياه المحيط ، إضافة إلى تعديل حرارة الجو ؛ و انتظروا - من ثم - اللحظة الحاسمة ."
ثم أضافت بعد أن التقطت أنفاسها : " و حدث الزلزال الكبير و ابتدأت جزيرتنا تغوص في ماء المحيط بهدوء و كأنها فوق مصعد أحد الأبنية ، حتى بلغت القاع ، و بدون إلحاق الأذى إلا بالقليل القليل من الأبنية التي لا زالت في قاع المحيط حتى اليوم ، أما بالنسبة للأفراد فكان هناك عدد من الجرحى فقط ؛ و حدثت هذه الضرار البسيطة عندما استقرت جزيرتنا في قاع المحيط .
ثم ما أن استقر الوضع حتى ابتدأ الحفر نحو هذا الكهف الذي كان علماؤنا قد اكتشفوه قبلا ، و الذي أصبح مدينتنا المزدهرة كما ترون ، أما القبة فقد تآكلت بالتدريج بتاثير ماء المحيط المالح ، ثم أخذت الرمال تغطي ما تركناه من مبان . "
كانوا قد وصلوا إلى مركبتهم عندما قالت لهم مرشدتهم : " لا حاجة لكم للرجوع إلى أول الكهف ، فلدينا منفذ يؤدي بكم إلى قاع المحيط مباشرة ، تستخدمه مركباتنا الفضائية التي تطلقون عليها اسم الأطباق الطائرة أو ظاهرة الأجسام المجهولة ، نعم أيها السادة إن حضارتنا كانت متقدمة منذ خمسة آلاف سنة على الأقل و لم تقف عجلة تقدمنا لحظة واحدة ، فقد تمكنا مثلا و منذ البداية ، من اكتشاف وسيلة تلغي حاذبية الكرة الأرضية أو أي الكواكب الأخرى ، مما يَسَّر تنقلنا بين النجوم و الكواكب! "
تساءل الدكتور هشام متعجبا : " إذاً أنتم الذين دوختم العالم بأطباقكم مجهولة الهوية ؟! قال بعض البحارة أنهم شاهدوها تخرج من المحيط و لكن أحدا لم يصدقهم .. ! "
ضحكت المرشدة و هي تجيبه : " نحن من كنا نجوب بلادكم مستكشفين مدى تقدمها ، و مدى اقترابها من السلام الشامل الذي سبقناكم إليه منذ قرون، و أحيانا نختطف منكم بعض ذكوركم فيقيمون بيننا ضيوفا معززين مكرمين ، فكما أفادكم رئيس وزرائنا ، نحن نعاني من نقص حاد بالذكور ، و لهذا السبب قمنا باختطاف بعض طياريكم ، أو ركاب سفنكم ، أو مزارعيكم ، دون أن نسبب لهم أي أذى ، و قد عاشوا بيننا سعداء في غاية الرضا ، و منهم من لا يزال بيننا حتى اليوم ، لأننا تمكنا أيضا من إطالة أعمار البشر !" .
سألهها الدكتور حمود : " لديكم كل هذه التقنية و لا زلتم عاجزين عن حل مشكلة النقص الحاد في عدد ذكوركم ؟ " ابتسمت مرافقتهم و هي تجيبه :" بعد بحوث علمية و تجارب كثيرة تبين استحالة التلقيح الصناعي بسبب لا زلنا نجهله ، و إن كنا نعتقد أن للجاذبية الكبيرة التي نعايشها في هذا العمق دورا في هذه المشكلة ، و هو السبب نفسه الذي جعلنا أطول من البشر فوق السطح ، أي بالإختصار فإن بعض التغييرات البيوفسيولوجية طرأت على كينونتنا منذ هبطنا هذا الكهف الذي جددنا فيه حضارتنا ."
سألها الدكتور عبد الله : " كما فهمت منك ، فإنكم جُلْتم في الفضاء الخارجي أيضا ، فهل اكتشفتم حياة في أي كوكب غير كوكبنا الأرض؟! "
أجابته واثقة مما تقول : " لقد جبنا كل مجرتنا ( درب اللبانة أو التبانة ) من أقصاها إلى أقصاها ، و هي التي تضم ما يزيد عن 200 مليار نجم , و التي يزيد قطرها على 100 ألف سنة ضوئية ؛ ذلك أن علماءنا اكتشفوا خطوطا للجاذبية تمر بين النجوم ، و تسمح بالإنطلاق بسرعات تفوق أضعاف سرعة الضوء ، و النتيجة أننا لم نعثر فيها على كوكب واحد صالح للحياة كما كنا نأمل .
سالها الدكتور رياض مستغربا : " طالما أنكم تعيشون هذه الحضارة المتقدمة و تنعمون بالسلام الشامل ، و بالاستقرار الإقتصادي و السياسي و الإجتماعي ، فما هو دافعكم لاكتشاف الفضاء؟"
أجابته بعد فترة صمت : " سؤالك في محله ، السبب أنتم ، أنتم من دفعنا لبذل هذه الجهود الجبارة و التكاليف الباهظة ؛ فبعد إلقاء قنبلتي هيروشيما و ناغازاكي النوويتين ، و ما تبعهما من تجارب نووية ، شعرنا أن الكرة الأرضية باتت تحت خطر الفناء ، فقد تنحرف عن مسارها بسبب ردات الفعل العكسية ، و قد يتلوث جوها كله بالإشعاعات النووية ؛ و لهذا السبب كثفنا بحوثنا في الفضاء على أمل العثور على كوكب ملائم نهاجر إليه ، هناك كواكب كثيرة صالحة للحياة ، و فيها مخلوقات بعضها أرقى من البشر و بعضها أقرب إلى الحيوانات ، و لكن لم نجد شبيها لكوكب الرض .
إن البشر منذ تواجدوا فوق هذا الكوكب ، و هم يتخيلون الفردوس ؛ الفردوس يا سادة بين أيديكم ، الفردوس هنا في كوكب الأرض لو أحسنتم رعايته و تعلمتم أخلاق التعايش فيه ، كوكبنا لا مثيل له في كل مجرتنا المحتوية على ملايين النجوم و الكواكب ، لا مثيل لمناخه ، لتنوع مخلوقاته من حيوان أو نبات ، لألوان أزهاره و أطياره و فراشاته و أسماكه ، لمناظر جباله و بحاره و أنهاره و بحيراته الخلابة ، لخيراته الوفيرة ؛ و لكن ناسَكم للأسف لا يدركون ذلك و لا يقدرونه ، بل يسعون لتدميره بالتلوث البيئي و الأخلاقي معا ، من تعصب عنصري إلى استعباد قويِّكم لضعيفكم ، إلى حروبكم المدمرة التي تشعلونها لأتفه الأسباب ، و التي لا تخلف إلا الخراب و اليباب و القتلى و المشوهين و المقعدين ! "
سألها الدكتور حمود : " و ماذا عن المجرات الأخرى ؟"
فأجابته:" المجرات الأخرى تبعد ألاف و بعضها ملايين السنين الضوئية و أقرب مجرة إلينا هي مجرة المرأة المتسلسلة التي تبعد عن مجرتنا مليونين و نصف المليون من السنين الضوئية ، و ليس في وسع تقنيتنا بلوغ أيا منها حتى الآن . " ثم أضافت : " سأصعد معكم لأدلكم على المنفذ ."

عندما بلغوا النهاية لاحظوا وجود عدد كبير من الأطباق الطائرة بأحجام مختلفة بعضها بقياس سيارة صغيرة و بعضها الآخر أكبر من باخرة ، عدد منها على شكل أقراص و مجموعة أخرى في أشكال كروية و مجموعة ثالثة في أشكال أسطوانية .
قالت لهم مرافقتهم : "عندما نفتح البوابة التي تقابلكم ادخلوا فيها بمركبتكم ، ثم سنغلقها من خلفكم ؛ ستمتلئ الغرفة بالماء قبل أن نفتح البوابة العلوية ، عندئذ سوف يكون بوسعكم الإندفاع إلى أعلى لمسافة تزيد قليلا عن خمسين كيلومترا و بعدها ستبلغون قاع المحيط في منطقة مثلث برمودا . "
ثم ودعتهم بحرارة و هي تذكرهم بوعدهم – بلهجة مفعمة بالرجاء - ألا يتحدثوا عن وجود أتلنتيا مع أي كان حتى مع أقرب المقربين .

شَغَّل الدكتور عبد الله جهاز الاتصال و لفرحته تجاوّبَ في الحال ، نادي الدكتور حمود قائلا : " هيا اتصل بالوالد و طمئنه أننا اقتربنا من الهدف و أننا سنكون في سواحل جزيرة كوبا خلال عشر دقائق "
- ألو .. آلو ... مرحبا ( يوبا ) أنا حمود ... أنا حمود هل تسمعني ؟
يجيبه صوت مختلط ببعض التشويش :
= هَلا ( بِولْدي الحبيب ) لقد تأخرتم أكثر من ساعتين عن موعدكم المقدر ، و بدأنا نقلق عليكم ! ..و لكن أين أنتم الآن ؟
- نحن قريبون جدا من جزيرة كوبا ( يوبا ) ، بلغ سفير الأمارات هناك ، بقرب وصولنا
( طال عمرك ) .
يصيح والد حمود :
= إحذروا من الإقتراب من (غوانتنامو) يا حمود يا ( وِلْدي )...أكرر ، إحذروا ..إحذروا...لا تقتربوا من ( غوانتنامو ) !

- عبد الله .. عبد الله .. إصحَ من نومك يا ( خوي ) ، كف عن الصراخ ، فأنت تحلم !
يلتفت نحو مجدي الجالس بجواره ، قائلا :
- يبدو أن عبد الله تعرض لكابوس اسمه ( غوانتنامو ) !!!
يفتح عبد الله عينيه بصعوبة ، يتلفت حوله ، ثم يغرق بالضحك و هو يجيبهما بكلمات قطعتها قهقهته :
= بل كنت أحلم بأتلنتيا و بمدينة أفلاطون الفاضلة !
----------------
*نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
الموقع : www.FreeArabi.com
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف