الأخبار
(يسرائيل هيوم): هكذا حاولت حماس اختراق قاعدة سرية إسرائيلية عبر شركة تنظيفجندي إسرائيلي ينتحر حرقاً بعد معاناته النفسية من مشاركته في حرب غزةالهدنة على الأبواب.. وتجار الحرب إلى الجحيممسؤولون أميركيون: ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء حرب غزةنتنياهو: لقائي مع ترامب قد يسهم في التوصل إلى اتفاق بغزةالاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينية
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

عشرون ليمونة بقلم:حنان محي الدين

تاريخ النشر : 2010-06-28
حنان محي الدين
عشرون ليمونة
عشرون ليمونة لكَ رائحتها، ستنمو في غيابك المفاجىء...
أبي،،
اليوم مضى على رحيلك 16 عشر يوماً. كنت أنا وأمي نرتب أدراجك، فوجدت مفكرة صغيرة وقديمة ذات لون بني كتب عليها 1967، وبدأت أقلب صفحاتها لأفاجأ بأنك كتبت مذكرات في ذلك العام على صفحات هذا الدفتر الصغير. أدهشتني لغتك، كلماتك ومشاعرك واستوقفتني إحدى الصفحات حيث كتبت فيها عن حادثة فاصلة في حياتك. فيروي أبي بأنه قبل ربع ساعة فقط من ذهابه إلى وظيفته، حيث كان شرطياً على الحدود الأردنية السورية، وقع انفجار هائل زلزل المكان وراح ضحية الإنفجار الجريمة النكراء كما وصفها، بعض زملائه ذاكراً اسم كل منهم ومسقط رأسه. أراد أن يقول بأنه كان سيموت في هذا الإنفجار لولا أنه تأخر ربع ساعة.
قرأت ما كتب لأمي فتذكرت على الفور وقالت: والله أذكر بأنه كلما همّ بالخروج كنت استحلفه أن يبقى دقائق أخرى، وفعلا حدث ذلك الإنفجار الرهيب ونجا والدي من موت محقق. ثم كتب في الصفحة التي تلي بأن والده حضر من فلسطين في اليوم الثاني للإنفجار للإطمئنان عليه.
قبل أيام ذهبت إلى المستشفى برفقة زوجة أخي لنحضر ملابسه من المستشفى حيث مات. جلسنا أمام العناية الحثيثة بانتظار ان يحضروا ملابسه وعكازه وحذائه، قلت لها هنا مات أبي: اقتربت من باب غرفة كبيرة للعناية الحثيثة حيث استقر فيها أربعة أسرة ونظرت جهة اليمين وقلت لها: لقد مات أبي على هذا السرير، قالت: كيف تعرفين وانت لم تكوني هنا، قلت لها ولكني أراه الآن على هذا السرير، في هذا الجزء من الغرفة.
بعد دقائق خرج شاب من غرفة مجاورة وهو يحمل عصا أبي التي اعتاد التعكز عليها وكيس أسود كبير. أنا تلقفت العصا شعرت بقلبي ينفطر وأنا استند عليها، ولم أجرؤ على فتح الكيس، فتحته زوجة أخي وصارت تبحث فيه عن شيء يخص أبي، وجدت حذاءه وحطته، قالت: هل هذه له: وحملتها وتنشقت رائحتها ولم أجرؤ أن أفعل، اعتقدت انها قد تكون لآخر، حيث كان هناك فعلا جاكيت وسجادة صغيرة تخص ميت آخر، أخذنا العصا والحطة والحذاء، وعادت زوجة أخي وسألت الشاب: هل تعرف على أي سرير توفي الحاج سليم محي الدين؟ أشار بيده هناك : على ذاك السرير قبالتكِ. نظرت إلي، فقلت لها: كنت متأكدة فقد رأيته للتو فوق السرير وقد توقف قلبه عن الخفقان. حملت كل ما تبقى منه بحزن وخيبة وغصة كبيرة تخنقني: لو أن الله امهله حتى نراه ونتناول الإفطار معه انا ووالدتي وأختي، نتناول الحمص الذي اشتراه يوم الأربعاء. فأختي تحب الحمص كثيراً ووالدي يحتفل بقدومها فيذهب ليشتري لها الحمص الذي تحبه من المكان الذي يتقن صنعه.
كان ابي رجلا بحق، أقصد أباً بحق، لقد رحل وهو رب أسرة لآخر لحظة في حياته، لم يتوانى عن أداء واجباته كأب حتى وهو في السابعة والسبعين من عمره. كان أباً نادر الحدوث! وانساناً لا يتكرر. لقد واظب على حبنا والإغداق علينا بحنانه واحترامه لخصوصياتنا وخياراتنا في الحياة، في الدراسة والعمل وحتى في حياتنا الإجتماعية، لم يحاول قط التدخل في هذه الخيارات حتى وإن كان غير مقتنعاً او راضياً. كان بيته مفتوحاً لكل الناس، الأقارب والأصدقاء والجيران والغرباء، كان معنا لا علينا، بل كان يؤثرنا على نفسه طيلة هذه السنين. ليتك يا أبي تعود لأوفيك حقك، بعض من عطائك، من محبتك، من تعبك، من سهرك، من قلقك وخوفك علينا، ها انني الثم حطتك واتنشق رائحتك الطيبة التي ما زالت تندي حطتك التي وضعتها امي على رأسك المتصبب عرقاً، خوفا عليك من الريح فجر ذلك الخميس، لم تكن تعي ان هذه هي سكرات الموت التي تغرق جبينك بالعرق المتصبب رغماً عن أنفاسك الي بدأت تراوح بين مد وجزر. قالت بأنها لم تكن تعرف بأنك خارج ولن تعود!! سألتني هذا الصباح، يا ألله هل ذهب إلى الأبد؟ ألن يعود؟ أمي في السبعينيات من عمرها تطرح علي هذا السؤال، وأنا لا أدري بماذا أجيب؟
أشعر بالحرج، إذ أخجل من حزنها، من دمعتها، من إحساسها الهائل بفقدها لك، فأنت شريك حياتها ورفيق دربها وانت كل اهلها في غربتها! تروي أمي لي بأن وجهك كان جميلاً قبل يوم واحد من وفاتك، بشكل لافت وكأنك عدت شاباً من جديد. قالت أمي بأن وجهك كان مضيئاً على نحو غريب !! يسألوني زملائي الحمقى في العمل: كم عمر الوالد؟ فأقول: لا تسألوني هذا السؤال الساذج: رحل باكراً، ليته بقي العمر كله. هذا أبي حتى لو كان عمره ألف عام، هذا الرجل أبي!! رحل قبل الآوان. لو أنه أمهلني صباح جمعة آخر أعدّ له فيه مناقيش الزعتر التي اعجنها واخبزها ويعشقها!! يوم مات، بقيت صحيفة الغد في الصندوق الأحمر المعلق على سور البيت تنتظر ان تمتد يدك وتخرجها ولكنك لم تفعل، في صباح اليوم التالي لموتك، اخرجتها وذهبنا لزيارة قبرك، اخذت صحيفتك معي واردت ان اتركها فوق تربتك ولكني خجلت من إخوتي فبقيت في حقيبتي. وفي طريق العودة من التربة إلى البيت، كانت ثمّة نملة مشاغبة تسير فوق ذراعي لا شك تسلقتني بينما كنا في زيارتك وأنا اجثو فوق شاهدك، امسكتها بين أصابعي، كل المسافة من المقبرة حتى بيتنا، وأطلقتها حين وصلنا البيت وكانت ما تزال حية، فوق اصيص من الزهور ولاحظت كم كانت سريعة بالهرب وسعيدة بالنجاة من الموت. قهرني موتك يا أبي وخنقني، وغصة يتيمة مثلي، تكبر في حلقي مثل ورم ليس وقته ان ينمو الآن.
أقول لك، لأول مرة ألحظ أن الحديقة جميلة وطازجة، وأن أشجارك ونباتاتك التي زرعتها وواظبت على سقايتها والعناية بها، جميعها مخضرة ونمت بسرعة وعلى عجل. حتى الدالية كم كبرت فوق ذلك المعرش الذي أصريت على وضعه. وشجرة الليمون الصغيرة التي عددت حبات الليمون التي تحملها، عشرون ليمونة، وكنت فرحاً بها كما لو أنها واحدة منّا وكنت تقول بأن الليمون يعشق الماء فكنت تغرقها بالماء.
أحلّفك بمحبتي لكَ أن تعرّج عليّ لزيارتي، ولن أنسى ذات مرة عندما كنت اسكن وحدي بينما كنت أحاول انهاء كتابة رسالتي، وقد صعدت أربعة طوابق وأنت تلهث، وانت تحمل في يدك وسادتي وفي يدك الأخرى غدائي الذي ارسلته امي معك. وسادتي التي لم اكن احسن النوم إلا فوقها، وكنت احضرتها لي لأحظى بأحلام سعيدة. أبي أحلفك بكل هذا الشوق ان تزورني ولو مرة في السنة. لا استطيع النوم فهل تحضر لي وسادتي فأحلمك ؟!
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف