الأخبار
(يسرائيل هيوم): هكذا حاولت حماس اختراق قاعدة سرية إسرائيلية عبر شركة تنظيفجندي إسرائيلي ينتحر حرقاً بعد معاناته النفسية من مشاركته في حرب غزةالهدنة على الأبواب.. وتجار الحرب إلى الجحيممسؤولون أميركيون: ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء حرب غزةنتنياهو: لقائي مع ترامب قد يسهم في التوصل إلى اتفاق بغزةالاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينية
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

حينما يعشق الجندي بقلم عزام أبو الحمـام

تاريخ النشر : 2010-06-28
حينما يعشق الجندي بقلم عزام أبو الحمـام
كان قد أصيب في أنحاء مختلفة مرات عديدة أثناء وجوده في الجبهة، أصيب المرة الأولى في فخذه واخترقه الرصاص لكنه مع ذلك تمكن من الوقوف بعد ثلاثة أيام فقط، وانفجرت القذيفة بجانبه وأصيب بشظاياها ولم يكلفه ذلك غير شعر رأسه وتشويها في عنقه ، لكنه لم يأبه لذلك كثيرا مادام له ساعدان قويان وقلب صلب، ظل يرفض الانتقال إلى المستشفيات خلف خطوط الجبهة، وكان يقول: المحارب في داخلي لم يصب ولم ينزف نقطة واحدة. فلماذا أتحول إلى الأسِرة كالعجزة!؟

ظل عنيدا على نفسه في رفضه التحول إلى العلاج بعيدا عن الجبهة، إلا أن حمل أخيرا على النقالات إلى المستشفى خلف خطوط القتال رغما عن إرادته ورغما عن وعيه ، هاجمته الشظايا وأدمت كل أنحاء جسده الذي كان صلبا، أصيب في ساعده ولم تعد يده قادرة على حمل بندقية ولا حتى الحركة، لم يكن أمام الأطباء غير بتر ذراعه ، لقد أصبح بذراع واحد فقط.

كان المستشفى بالنسبة له قبر كبير، وكان يعرف أن الحرب لم تضع أوزارها ولم تخمد حرائقها بعد، ما يزال يشتم رائحة البارود والدماء في ثيابه رغم ابتعاده عن الجبهة الساخنة، كان ما يزال بوسعه مشاهدة أعمدة الدخان المتصاعدة من خلف التلال البعيدة جدا، وكان يعض على جراحه وهو يجرجر قامته نحو نوافذ حجرات المستشفى ليرقب التلال البعيدة ،،،كانت رائحة الخسارة تحيط به من كل حدب وصوب وتأتيه في نكهة اليود والدماء المتخثرة.
كان شعورا قاسيا وهو يعرف أنهم تخلوا عنه لأنه لم يعد جنديا بساعدين اثنين.
كان شعورا قاسيا حينما أدرك أنه لم يصبح جنديا محاربا، وكان يدرك ان الجبهة لفظته ولم تعد تطلبه وأنه لم يعد بوسعه العودة ، فجندي بيد واحدة لا يصلح للجبهة.

بدأ يحس بنفسه عبئا كبيرا ، لقد أضنته الحرب وقطعت به السبل، لقد مات قلبه تماما وذوى كزهرة جافة ذرتها الرياح، لم يعد يحب الجبهة ولا يكرهها أيضا، كيف لمن مات قلبه أن يحب أو يكره، فلا هو من جيش المنتصرين بالمعركة ولا هو من جيش المهزومين أيضا، لقد فعلت كل ما بوسعي، لقد رميت بنفسي في النار ولم تشأ النار أكلي، لقد أعفتني من ذلك كي أموت فوق السرير فلا يأبه لموتي أحد.
في ليلة ظلماء، تسلل من سريره ورمى بثياب المستشفى وبدأ يحمل نفسه ، أراد أن لا يموت في المستشفى، أراد أن يموت بعيدا عن الأعين المشفقة، أو بعيدا عن أعين الأعداء الزاحفين، رغب أن لا يقدم جسده مختبرا لتجارب الأطباء، كم سيكون خجلا حينما يفتح الأطباء جثته فلا يجدوا قلبه الذي كان ، الموت في الصحراء سيكون أشرف من الموت في المستشفى بلا قلب.
لم يكن الأول الذي سيختار هذا المصير، كانت الصحراء أمامه تفتح فاهها الضخم فتبتلع كل عابر فيه مثلما يبتلع فم الكهوف الكبيرة النمل الصغير في طرفة عين.
يغذُ السير على رجلين متهالكتين، تلفحه رياح الصحراء المحملة بالرمل الناعم، تخز حصى الصحراء قدماه بلا انقطاع، ينسى الجبهة وما فيها من خيبات، ومن معارك خاسرة، يراوده طيفها كسراب بعيد، كان جنديا لم تعد الجبهة بحاجته، لم يعد جنديا مقاتلا، الصحراء وضواريها المفترسة أولى به من الجبهة وأولى من المستشفيات التي تذكره بأنه ليس برجل مقاتل، وأنه لا حول له ولا قوة ولا قلب له، لن يكون محط شفقة الآخرين وعطفهم ، لم يكن ولن يكون.

بدأ يحس بنفسه نملة صغيرة تدب في ظلام الصحراء اللا متناهية، بدأت أصوات المدافع تتلاشى من أذنيه وصار وقع أقدامه نبض الحياة الوحيد في هذه الصحراء ، أحس بقدميه تسيران إلى المجهول، أحس بجسده يتهالك ويسقط، أدرك أنها النهاية، فاستسلم في عراء الصحراء وظلمتها وبردها القارص،،،
في الصباح، مع خيوط الفجر، كانت أيد تقوده إلى الخيمة الوحيدة في تلك الصحراء البعيدة، وكانت الأيدي تسقيه الماء واللبن وتغذيه بالتمر وتبلسمه بالأعشاب الصحراوية.
بدأ يستنشق رائحة الحياة، وبدأ يستعيد أنفاسه، لم يمت بعد، لم تأكله ضواري الصحراء مثلما رفضت نار الجبهة أكله من قبل.

بعد بضعة أيام، كان شيخ الخيمة الوقور يعرض عليه الصفقة، أزوجك من ابنتي الكبيرة هذه، تنجبا لنا أبناء وبنات، نعيش معا على ما يقسم الله لنا، الفتاة تحبك وترغبك ، يداها هي التي بلسمت جراحك،،،وهذه هي الأغنام وهذه هي الصحراء لنا ولك. دع الجبهة لأصحابها الجنود، وهذه الصحراء لنا ولك.
يقبل العرض كأن لا حول له ولا قوة على الرفض، كيف يرفض من ليس له قلب وليس له طريق، لتكن الصحراء محطته الأخيرة. لتكن الصحراء لكل من لا يعرف محطته الأخيرة.

تغمره الفتاة بالحب، تسقيه من مائها العذب، تمسح بيدها جراحه كل ليلة، تداعب شعر صدره فينبت من جديد، تنفخ أنفاسها الساخنة في فيه، تسدل عليه بشغاف قلبها فيهتز قلبه بعد موات، ويتفتح زهورا في وجهه، يبادلها الحب عشقا، يبنيان معا خيمة صغيرة ويقضيان فيها الوقت الطويل، يشربان معا رحيقا لم يألفاه كلاهما ، تروي له حكايات الصحراء ووحشتها وقساوة رياحها، لا أنيس هنا غير عواء الذئاب، ولا طريق هنا غير طريق النسيان. يروي لها حكايات كثيرة عن الجبهة، عن المعارك الكثيرة التي ربحها أو التي خسرها، يحدثها عن الوطن البعيد، عن الجراح والدخان والأشلاء والطائرات المغيرة، يحدثها عن الحلم الكبير، نسي تماما أنه فقد ساعده، لم يعد يأبه بذلك. أصبح لديه الآن طاقة أكبر من طاقة اليد والبندقية والمدافع، اكتشف أنه قلبه لم يهزم، لم ينكسر، لم يمت، قلبه حي بالإرادة والحب والإيمان بالنصر.

في ليلة عاصفة، كان قراراهما مشتركا، التوجه إلى الجبهة معا. وكان الشيخ يودعهما بالدعاء والدموع.
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف