
الزرقاء .. مدينة تسكنني .. بألف طيف .. تجوبني قسرا دون الاختيار .. فأرقب الضمائر أكثر حركة وحيوية .. فأشتعل فيها سؤال .. بحدود الـ هنا .. فأنطقها .. تجيبني .. حركة تغتال سكوني .. فأروم خيالاتها .. صور وإيقاع عفويتها يرغبني الحديث والكلام .. هناك .. تتحطم الأبواب بلا سابق إنذار .. كانت أيام .. واغتيالات البراءة عنوان همجي لافتعال النصح والتحذير .. يداخلون قوانينهم ألف تبرير وتبرير .. هو تاريخ يخالط القضية بلا تسويغ ضروري .. أيجب اختلاط الأدب بلغة السياسة حتى .. نقول الحقيقة .. ونصيغ من الدم الساخن عنوانا يتحركنا كل الجهات .. هناك .. أذكر جيدا تلك الليلة السوداء .. سواد القلوب التي .. أدمت شوارع المدينة .. والبيوت .. وأصوات زحف تحبو على الأجساد من بعيد .. أدركت أمي الوحيدة في ليلها .. أطفالها في زاوية قلبها .. تَسمع أصوات الصراخ بعيدة .. وأب يتخفى في غير مكان .. مستهدف هو .. تقترب الأصوات أكثر .. تغيب خلف الجدران .. يحتوينا المكان كرحم حميمي .. والخارج مدمي الجراح .. فجأة يعج المكان بأفراد مثلنا .. وخوف يملأ القلوب .. صغيرة وكبيرة .. ترقب آلة الفرم تهرس الأبدان بلا رحمة .. ها هو صوت دبابة يقترب .. يواقعه صوت رصاص المقاومة يخرج مخنوقا هنا وهناك .. تتمزق أوصال الروح أشلاء متناثرة .. كنت طفلة أكثر جرأة .. تختارني الجمعة لأذهب باحثة عن طعام لو أمكن من المحل القريب .. في حالة الهدنة .. من المستطاع أن تمارس طقس الحمام بشئ من الراحة .. لقد نفذت المونة .. لا طعام يكفي .. لا أمن هنا .. لا مجال لممكن الحياة .. بلا تسليم .. تخرج الأم مستغيثة .. تغيب .. لتعود بمن يقلها وأطفال ثلاثة شبه عراه .. تسير العربة العسكرية .. أراني أنظر عن جنبي قطع المسافة وباب المنزل يتراءى لي مودعا .. باكيا .. رغم صلابته يلين مستوحشا فراقنا .. كان الهواء ساخنا .. يلفح الوجوه وأم تسرد الحكايا .. توثق الأحداث كحدث شيطاني .. وصلت العربة لمنطقة شبه خاوية .. ولربما الخو هو من الخواء صفة ورمزا واسما وعنوانا .. كان لشكل العشب الأصفر حضورا مختلفا .. بشوكه المميز .. كان يكفيني أن أنظر إليه .. ومذاق الريح معبق برائحة المراعي والدواجن .. كان الطعام أول ما يمكن الحنين إليه .. وكان الصنوبر يتناثر الصواني تشتم رائحته عن بعد .. بعد غسل الإثم الذي حملناه قسرا .. يكون لطعم الراحة تميزا يفوق رائحة الدم والحرب .. تغيب تلك الصور لتبقى في حالة تأهب حتى نلم ما تبعثر منا .. يأتي والدي .. ببذلته العسكرية .. يلقانا مطمئن الضمير .. هي أقدار أكبر منا .. ها هو يبدو مترب الوجه ورائحة تفوح بارود وتحدي .. يعرف وجهته مقدما .. يتحسسنا بعينين أدماها وجع الرفاق وألم الجحود .. نخرج بعد حالة استرخاء .. وصمت مذبوح يسبق الخطى نحو شاحنة يهب صهد سخونتها يلفح الوجوه .. أواهون التيه والحذر من مصير غير مأمون الرحى ..