الأخبار
الهدنة على الأبواب.. وتجار الحرب إلى الجحيممسؤولون أميركيون: ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء حرب غزةنتنياهو: لقائي مع ترامب قد يسهم في التوصل إلى اتفاق بغزةالاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينيةمستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية مشددة من قوات الاحتلالعائلات أسرى الاحتلال تطالب الوفد بتسريع إنجاز الصفقة خلال هذا الأسبوع
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

بين عبد الشط وفريج اقرع بقلم: عبدالرحمن هويش

تاريخ النشر : 2010-06-25
بين عبد الشط وفريج اقرع بقلم: عبدالرحمن هويش
بين عبد الشط وفريج أقرع

قصة قصيرة
بقلم عبدالرحمن هويش



قلة هم الذين يعرفون الوقت الذي فرض فيه عبد الشط سيطرته على النهر الملامس لقريتنا ، هو شرطيه المهاب ، وقوانينه واجبة الطاعة ، لكن لا احد منهم يعلم جهة تفويضه.
كنا صغارا ، لا مكان يحتوي العابنا سوى شط النهر ، نجتمع عند المضخات التي تمتص مياه الشواطيء لتسقي الاراضي وينبت المحصول ، نلعب الـ ( زعيبطر ) ، نبني قصورا وعمارات ، معامل ومصانع وفيلات ، نسحب انبوب الماء الحار من المضخات ونجعلها انهارا تسقي مدننا والساحات ، نعمل منها جداول وشلالات ، فرحين غير وجلين :
• عبد الشط يراقبكم ... العبوا...واسبحوا لكن لا تمخروا بعيدا في النهر فتدخلوا مكان تواجده وتزعجوه فيغظب منكم ...، يقول عمي صالح وهو يراقب مذب الماء المتدفق بعنفوان في ( القلة ) التي نسبح بها بعيدا عن اعين عبد الشط . .
نعشق السباحة في الشط ونتبارى في التقدم فيه ، نحكي لأهالينا ، فيوصينا الاباء والجدات : ( العبوا واسبحوا وناموا على الشطئان ...لكن اياكم واياكم ان تقتربوا النهر و عبد الشط منكم زعلان ) ، حفظنا اجابتهم لسؤال يبدر من خائف يتحاشى غضبة عبد الشط وثورة البركان:
• الشط هو يمتلكه ... هو يحميه ...قوته تسيطر على ما فيه من اسماك وكواسج وحيتان ..هو يكبح وحشيتها ويمنع همجيتها ... فاذا اغتاظ وغضب فان الشط يعلو والطوفان يعم ، فتظهر دوارج البحر وحيتانه بين البيوت والمزارع و الاطيان .
مالت الشمس الى المغيب ونصبت خيمتها الحمراء تغطي بها القرى والشواطيء والزرعان ، نهضت من نومتي النهارية الطويلة لأقف ليلي بجوار مضخة الماء فأستمع هديرها العالي واستأنس به في لجة ليل دامس وشاطيء موحش ، اسقي خزانها الملطخ ببقايا الكاز والاتربة والاوحال بما نقص من زيت ووقود ، اراقب تدفق الماء من انبوبها الطويل ، واتاكد من امتصاص الماء وصعوده ، اتحسس أي هواء ينفذ عبر نقاط تلاقي فوهات انابيبها التي يقّبل احدها الاخر قبلة حياة طويلة ، فأطلي بالطين الحري أي فراغ بين الفوهات ليمنع تسرب نسمة هواء شطية الى الانبوب فيتوقف اندفاع الماء الى الاعالي .
سرت في الطريق الى المضخة المستلقية على شاطئنا ، احمل كيس قماش يحوي خبزا وخضارا اتسلى بهما في ليلي الطويل ، مع رقية اسحلها من مزرعة قرب الشاطيء او في الطريق ، لاحت لي من بعيد شجرة التوت العملاقة ، تبدو كالغول ، تخيم على ابنية واحياء وعمارات مشيدة من رمل ( الزعيبطر ) المخلوط مع الماء ، اقترب ، هدير مضختنا يتعالى ، اسمعه ، يترائى لي سمفونية لعازف من عصور سالفة ، امشي مترنحا يلفني بقايا نعاس لا زال يحط فوق جفوني ، اصوات اناس اسمعها تملأ ما يترك هدير المضخة من فراغات ، توقفت انصت جيدا ، صياح وكلمات ، ركضت مقتربااجتاز المسافات ، تدور في ذهني افكار شتى وخرافات ، اصل وانفاسي تتلاحق ، جمع ترتسم على وجوهم من الرعب علامات ، تتهيأ نفسي لنبأ جديد ، نبأ يترك في الارض علامات ، تسائلت مرعوبا :
• ماذا ... لما تتجمعون ...
• عبد الشط أخذ صالح ...، جائتني جملة اجابات .
جفلت وخفت ، اهتز كياني وصعقت ، سئلت نفسي وتعجبت :
• عمي صالح ... يأخذه عبد الشط ... هو من كان يحذرنا ...
• عمك صالح لايقبل سيطرة الاغراب... عمك صالح يفتح للرفض الابواب.
• لكن هو من كان يوصينا ... هو من حذرنا ... هو من اراد لنا ان لا نقترب عبد الشط ونغضبه فتنفتح الابواب...، صحت بصوت عال .
• يخاف عليكم ... صغار انتم ...لا زلتم لاتتبعون الاسباب... وهو يعرف عبد الشط ..... غريمه ويعرف مكره.. خبر ضغائنه وما يضمر من احقاد .... لم يرد لكم ان تتورطوا معه دون ان تعرفوا حقيقته ... وتثبت عزيمتكم بالاوتاد....، صاح سرحان بصوت عالي ليطفوا صوته سابحا فوق هدير المضخات فيصل الينا .
• وما هي حقيقته ... أن يغرق متحديه ... أن يفرض سيطرته على ماله وما عليه ...أن يسعى الكل ليسترضيه ...وكيف لبنا ذلك .. كيف ننال رضاه ونزيل الحيف ...قل لي ...كيف ننجي عمي صالح منه ... قل لي كيف .
• لا سبيل لمحنتنا .. سوى طريق واحد قد ينجينا... لا اعلم صدقه ... قد يكون خرافة ... نقلتها العجائز والجدات ... جربها اسلافنا فعمهم خير كثير ...بعد دماء اصطبغت بها الشواطيء والطرقات... وضياع في المجهول ما بين هنا وهناك ... لكن ليس لنا غيره ... يقال ان عبد الشط يخاف السكين ... ويخاف الملح ... لا شيء غيرهما يخاف ...لنهجم بهما عليه ...نواجهه بهما في وجهه...فيعلو الصوت وينهزم الطغيان ... علينا ان نجهر بصوت واحد ...يرتفع على كل الشطئان ... سكين وملح ...سكين وملح ..عله يخاف ويهلع فيترك لنا صالح ..
• سكين وملح ...سكين وملح ، امتلأت الافواه صياحا يتعالى بين الشطئان ، فيعيد النهر صداها يتردد عبر الازمان.
اطفأنا مضخات المياه ليعلوا صوتنا فتردده جميع الشوطيء والاحراش :
• سكين وملح
• سكين وملح ..،هدير الصوت يعلو فتنهزم الاسماك والديدان .
• سكين وملح
• سكين وملح ...، كان هديرنا عاليا ومهيبا .
لم يترك عبد الشط عمي صالح ، أيام وليالي نراقب الشط ، نصيح ونبكي ، نتوسل ونرجوا وعبد الشط ينتقم لرفضه ، يريد لصالح ان يكون لغيره عبرة ، غضب الجميع ، قرروا ان يطردوا عبد الشط ، ان يهجموا عليه ، ان يسبح الجميع في كل الاماكن ، ان يستمر الصياح ، ليل نهار ( سكين وملح ...سكين وملح ) ، ايام وليالي ، لم يظهر عبد الشط ابدا لكننا وجدنا جثة عمي صالح ملقاة على شاطيء بعيد تقضم ملامحهاالاسماك .
لم يرى احد بعدها عبد الشط ... اختفى ، ردد نفر ( رايناه يقف بين الاحراش ...كانت سيقانه طويلة ... ركض بعيدا في النهر لما اقتربنا ) ، لم يكن معهم أي دليل ، ( رأته قرى اخرى في شواطئها ) ، قال اُُخُُر ، يوما بعد يوم غاب ذكره وتلاشى ، اختفى عبد الشط وبقي هاجس الخوف يراود وحدتنا على الشاطيء .
انقطعت اخباره ، لم يعد احد يذكر رؤيته ، شهور مرت ، اعتق الناس من سطوته على الشط ، توسعت مناطق صيدهم ونسوا ما كان يرعبهم ، شهور تمضي ليعود الخوف يملأ قلوبهم ، أقاويل بدأت تتردد بين الناس اخيرا :
• ان سيدا آخر للشط بدأ يظهر ، هو يقول انه هو من طرد عبد الشط .
كذبنا خبرهم هذا ، تكررت رؤيتهم له ، اناس تقسم عليها ،وانتشرت الاخبار ، اناس كلمهم هو ، واناس ساعدهم ... هو يظهر وقت الظهر ، يتاخر في نومته صباحا ، يسبح بين الاحراش عند الشاطيء ويبتعد وسط النهر اذا اقترب منه احد ، وصفه من رآه :
• شكله شكل بشر وليس على راسه شعر ،يتكلم كلامنا ويعرف لغتنا... يقول ان اسمه فرج الاقرع .
رأوه اناس كثر ، واخبرهم :
• انا من طرد عبد الشط ... كان همجيا متخلفا... شريرا لا يحترم البشر.
• ساجعل من هذا الشط ملاذ امان لكم ...و ساخرج ما في باطنه من طيبات و سمك ... وامنع عنكم وحوشه كواسجه والحيتان .
تناقل الناس كلمات فرج اقرع ، و كثر الكلام عن حسناته،وقدرته كبيرة في الاقناع ، مرونتة واسعة في التحدث للجميع ،يكلمهم كانه منهم ، تذكر حطابات القرية اللاتي يجمعن جذور الاشجارالمتدلية على الشواطيء انه انتزع جذورا من الشط ورماها لهن ، وعرض على ملايات الماء من فتيات القرية مساعدتهن في مليء اوانينهن بالماء من وسط النهر فرفضن ، واكاد اجزم اني سمعتهن يتندرن بما رأين فيما بينهن :
• كلامه جميل... واسلوبه ساحر، تقول احداهن .
• كنت ساقبل الزواج منه لولا انه اقرع ...، ترد الاخرى فيضحكن عاليابينما
يحملن اواني المياه على رؤوسهن .
دلعوا اسمه وصغروه ، صاروا ينادوه ( فريج اقرع ) ، الكل يشهد ان كلامه جميل ، سلس في تعامله وكلامه ، لايظهر شرا ضد احد ، يقول انه يريد خير هذه القرية والقرى القريبة ، ويمنع عنها كل عبد للشط يفرض سيطرته دون حق.

صار فريج اقرع جزءا من معالم قريتنا وشطها العريض ،اليوم جميعنا نشهد له بما يبذله من مجهود في محنتنا ، هو يشاركنا عملية بحثنا اليومي عن ابناء قريتنا الذين بدأ الغرق ياخذهم واحدا تلو اخر ليزداد عددهم مع كل ضهيرة يوم جديد .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف