الأخبار
الهدنة على الأبواب.. وتجار الحرب إلى الجحيممسؤولون أميركيون: ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء حرب غزةنتنياهو: لقائي مع ترامب قد يسهم في التوصل إلى اتفاق بغزةالاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينيةمستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية مشددة من قوات الاحتلالعائلات أسرى الاحتلال تطالب الوفد بتسريع إنجاز الصفقة خلال هذا الأسبوع
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

نافذة من بغداد حدث في" فندق السعادة " ذات يوم !!بقلم:د. كامل خورشيد

تاريخ النشر : 2010-06-24
نافذة من بغداد حدث في
الدكتور كامل خورشيد: جامعة الشرق الاوسط- عمان

فندق السعادة ... اسم طريف أطلقه زميلي (صباح كاظم ) على الدار الصحفية التي كنا نعمل بها، وكانت عبارة عن ( مقر ) لإصدار مطبوعات مكتب صحافة الشباب التابع للاتحاد العام لشباب العراق ، و هي ( مجلة المسيرة ) الشهرية للطلائع وجريدة ( 7 نيسان ) الأسبوعية للفتوة ومجلة الشباب الشهرية للشباب ، وكان ذلك من عام 1975 ولغاية 1978 تاريخ انتقالي إلى عمل آخر .
كان المبنى ، الذي عرف باسم بناية ( المسيرة ) ، عبارة عن ( فيلا ) كبيرة تقع في حي (الوزيرية) في رصافة بغداد ، مقابل السفارة التركية ، ومجاور أكاديمية الفنون الجميلة ، وعلى مقربة من مجلة الأطفال الأولى في العراق ( مجلة مجلتي ) ، وعلى بعد كيلومتر واحد من الباب المعظم حيث تقع كليات : الآداب والتربية والصيدلة والهندسة والإدارة التابعة لجامعة بغداد . ولا بد ان أشير الى ان اسم ( الوزيرية ) كان قد اطلق على هذا الحي منذ العهد الملكي ، بعد أن خصص لسكن الوزراء وعلية القوم ، فصار اسم الحي مشتقا من هوية ساكنيه الوزراء !
أما لماذا أطلق زميلي صباح على مبنى مجلة المسيرة اسم ( فندق السعادة ) فلأن اغلبنا كان يبيت في هذا المكان ، لأننا كنا نتأخر ساعات طوال في الليل لانجاز المطبوعات ، وكانت إدارة المكتب توفر لنا غرف النوم ومستلزماتها ، ثم ان اغلبنا كان عازبا حرا طليقا مما كان يثير غيرة الزملاء الآخرين المرتبطين (أو المرتهنين لوزارات داخلياتهم ) كما كنا نسميهم !!
وكان الشارع الذي تقع فيه دار المسيرة مشهورا في الوزيرية باسم شارع العشاق ، لرومانسيته وهدوئه العجيب وأشجاره الباسقة وجمال أبنية منازله وسعتها ، وقد اعتاد طلبة الجامعات التجوال في شوارع الحي في المساءات الصيفية ، وحيث سكن الأقسام الداخلية لطلبة جامعة بغداد ووجود الاتحادات والروابط الطلابية العربية ، إضافة إلى كثرة المطاعم العربية التي تقدم أصنافا متعددة من الطعام على مدار اليوم والليلة.
كان ( محمود عبد اللطيف) هو المشرف العام على مكتب صحافة الشباب ، ويرأس تحرير المطبوعات ، وكان إنسانا راقيا في أدبه وأخلاقه العالية و يمتاز بهدوء عجيب واتزان مدهش . أما المسؤول الأول مهنيا فقد كان مدير التحرير الصحفي (محمد السبعاوي ) الذي تربطني به علاقات وذكريات عميقة اجملها كانت سفرتنا المشتركة سويا إلى مدينة مندلي الحدودية في محافظة ديالى عام 1996( أي بعد عشرين عاما من عملنا الاول ) وكنا قاصدين حمامات مياه صحية شعبية في احدى القرى هناك وذلك لان /أبو بان/ أراد معالجة آلآم بسيطة في المفاصل من خلال الاستحمام بتلك البحيرة الطبيعية ، فكان له ما أراد !.
كان السبعاوي يحمل في ذاته قلب طفل بريء ، ولكن هذا الطفل البريء كثيرا ما كان يتحول إلى مارد جبار عندما يتعلق الأمر بتأخير موضوع أو خلل في العمل ، فكان حازما حد السيف ، بقدر ما كان رقيقا كمنديل حرير ، وهذا التبدل يعتمد على طبيعة الموقف ولكنك بالنهاية لا تستطيع الا ان تحب السبعاوي وتحترم طريقة عمله !
اما مدير الإدارة فقد كان ( مهدي اسد حيدر) المنحدر من سوق الشيوخ في الناصرية ، وكان مظهره الجاد لا يوحي ابدا بان هذا الإنسان يمتلك قلبا كبيرا وحنية قل نظيرها ، وهذا الأسد الحيدر جلب لنا من سوق الشيوخ صحفيا خجولا نحيفا جدا هو ( حميد عبد الله - الدكتور حاليا ) وكنا نتصور ان حميد تعين بالواسطة الا ان واسطة حميد كانت استعداده الفطري للعمل بالصحافة وامتلاكه أدواتها وهي اللغة السليمة وسعة المعلومات والثقة بالنفس !
وفي القسم الفني كان ( ميسر القاضلي ) احد مدرسي اكاديمية الفنون الجميلة، ومعه الرسامون ( رضا حسن وفاضل طعمة وشقيقته سهيلة ومحيي خليفة وقاسم ولي وعلي رضا ومصدق الحبيب ومنى وسالم ناصيف صاحب اشهر صلعة في الوسط الصحفي ! ) والتحق بالقسم الفني لاحقا المصور ( احسان سعيد العبدلي) ، الذي كان يسمي نفسه احسان البيرقدار وهو ليس بيرقدارا طبعا ! و ( صفاء قادر ومحمد جلنك ) وكلاهما تركمانيان من كركوك ، ولا ننسى ( غارو او كارو) الارمني اللطيف المكلف بالمتابعات الميدانية بين الإدارة والمطبعة ، وكان طالبا في الاكاديمية ايضا ، و يبدو اكبر من سنه لبدانته ، وكان مولعا بثلاثة اشياء ، الحلويات و حفظ النكات ، وصنع المقالب بالزملاء ، و كانت عبارته الشهيرة بعد كل طعام دسم ( هسه لعبتها شاي ) !! .
في قسم التحرير كانت الصحفية اللامعة (وما زالت) انعام كجه جي ( الدكتورة حاليا والمقيمة في باريس ) وهي صاحبة الفضل في مجيئي للمسيرة مع زميلي ( حارث فرج ) ، كانت تدير القسم بمهارة وخفة ، ونائبها كان الصحفي ( شامل عبد القادر ) ذو النظارات السميكة ، وكنت اتساءل أول الأيام وأنا أراه منهمكا بالكتابة ترى ماذا يكتب طيلة ساعات العمل ؟. اتضح لاحقا ان شامل من كتاب الرواية ، وهو غزير الإنتاج ومقل بالنشر وتلك معادلة لم استطع فهما حتى الآن !!
ومعنا في القسم كان عاشق بغداد (حارث فرج ) المولع بالتحقيقات التي فيها مجازفة ومخاطرة ، وكنت اصحبه اغلب ليالي الخميس الى بيته في الطوبجي حيث كانت الحاجة المرحومة ام الحارث تهيء لنا ما لذ وطاب من مأكولات أبرزها الدولمة والتشريب والبرياني !
وفي قسم التحقيقات كانت معنا السيدة (الشابة سابقا وحاليا ) الدكتورة (عايدة حسين) و كانت تدرس التصميم نهارا بالأكاديمية . اما ابن سوق الشيوخ (حميد عبد الله ) فقد كانت مهمته اليومية مناكفة (فتوح احمد سعيد) وغالبا ما تنتهي جولاتهما بتعادل الطرفين دون خسائر تذكر !!
وكان بالقسم ( صباح كاظم ) ذو النظرات الغارقة في المجهول ، و(علي شاكر) المهموم بصفحات التراث والعلوم ، ثم هبط علينا لاحقا ( صلاح محمد علي ) بمظلة الصحافة قادما من عالم الفيزياء ، و ( فاضل محسن) ، و (حسام الساموك)، و ( غازي لعيبي ) و ( اركان العبادي ) الذي حل محل محمود عبد اللطيف بإدارة مكتب صحافة الشباب منذ عام 1977 . و ( خليل حداد ) المصمم المصري الذي يجيد طبخ الرز والفاصولياء اليابسة على الطريقة العراقية !!
ولابد ان اذكر ايضا سائقي الجريدة وهما ( الحاج ابو علي ) الذي أفطرت معه ، وتحت الحاحه ، فجر احد الأيام ونحن بطريقنا من بغداد الى الاسكندرية بمهمة تغطية اول هبوط بالمظلات لمظليات عراقيات عام 1976 وكانت الساعة السادسة صباحا اذ تناولنا باحد المطاعم الشعبية بالمحمودية الفطور الصباحي الذي كان عبارة عن التشريب الاحمر باللحم والبصل ، واعترف انها كانت المرة الأولى بحياتي التي اتناول فيها طعاما دسما كهذا بهذا الوقت !! ومع الحاج ابو علي كان ( جاسب ضيدان ) الذي رافقنا في معظم جولاتنا الصحفية بمحافظات العراق .
ونعرج على عمال الخدمة اذ تعاقب على كافتيريا المجلة ( الحاج ابو نجم ) وقد تقاعد بسبب السن وخلفه في مهتمه ( كاكه عثمان ) الذي ان وضعته مع الفنان العالمي تشارلي تشابلن في مكان واحد فلن تفرق بينهما من شدة الشبه حتى يبدو ان وكأنهما توأمان ، على الرغم من ان تشابلن اميركي وعثمان كردي عراقي ويصر كاكة عثمان على القول انه عاش في بغداد خمسين عاما دون ان يعرف احد انه كردي !!
وهناك موظف اخر لم نكن نعرف اسمه الا ان كنيته كانت ( ابو نادية ) الذي لم نكن نعرف ماذا يعمل الا وظيفة واحدة تهمنا جميعا وهي توزيع الرواتب التي ننتظرها على أحر من الجمر نهاية كل شهر!
وفي ظهيرات صيف بغداد القائظ كانت وجبة الغذاء المفضلة لنا هي البطيخ الاحمر ( الرقي ) البارد ناكله مع جبن العرب الابيض المالح الذي نشتريه من اسواق حي الكسرة الشعبي ومعه الخبز الحار ، وهذه الاكلة تسجل براءة اختراع لمدير التحرير محمد السبعاوي الذي عودنا عليها !! اما في الليل فكنا نغزو مطعم فؤاد اللبناني ونقضي على ما فيه من فلافل وحمص وفول ، وكانت هذه الاكلات حديثة العهد بنا في السبعينيات ، او نحن كنا حديثي العهد بها !
واختم الذكريات بواقعة طريفة حيث في احد الايام كان المحرر صباح كاظم مسافرا الى مدينته مندلي باجازة طويلة ، فبعث لي من هناك رسالة طريفة عبر البريد ولكنه كعادته عندما ( يقلب الجد الى هزل ) كتب على غلاف الرسالة ما يأتي بالنص :
بغداد – الوزيرية- شارع العشاق – مبنى رقم كذا - فندق السعادة لصاحبه محمد السبعاوي وشركائه ، مجاور مطعم فؤاد اللبناني ، مقابل السفارة التركية ، تصل الرسالة الى كامل خورشيد او فاضل محسن او تلقى في قارعة الطريق اذا تعذر الوصول اليهما ، وشكرا لساعي البريد الذي ( بقشيشه ) يؤخذ من (ابو نادية) نقدا وفورا والا .. !!
والعجيب ان الرسالة وصلتني من الادارة ، دون ان اعرف هل اخذ ساعي البريد (بقشيشا ) ؟ ام تلقى من ابو نادية ( تطنيشا ) كالعادة ؟ ... والله اعلم !!
تنشر هذه الكلمة بالتزامن في موقعي مشرقيات http://www.mashriqyat.com/ ودنيا الرأي http://pulpit.alwatanvoice.com/category-56.html
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف