الأخبار
الهدنة على الأبواب.. وتجار الحرب إلى الجحيممسؤولون أميركيون: ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء حرب غزةنتنياهو: لقائي مع ترامب قد يسهم في التوصل إلى اتفاق بغزةالاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينيةمستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية مشددة من قوات الاحتلالعائلات أسرى الاحتلال تطالب الوفد بتسريع إنجاز الصفقة خلال هذا الأسبوع
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الأرض أرضي والتاريخ تاريخي والتراث تراثي بقلم:محمد يوسف جبارين

تاريخ النشر : 2010-06-23
الأرض أرضي والتاريخ تاريخي والتراث تراثي بقلم:محمد يوسف جبارين
الأرض أرضي والتاريخ تاريخي والتراث تراثي

بقلم : محمد يوسف جبارين (أبوسامح)..أم الفحم ..فلسطين

هذه الأرض عربية اسلامية وليس أي شيء آخر ، فهذه هي هويتها وبما هي وأصحابها عبر تاريخ الزمن ، ناطقة بكل دليل على عروبتها وعلى اسلامها ، و دالة بأفصح دليل وعبارة على أن العرب والمسلمين عبر التاريخ ، قد بينوا بالدليل التاريخي ، على أنهم القادرون دوما ، على اعادة كتابة التاريخ ، ورسم مجرى الزمان وفق ارادتهم .
فاذا تهالك بهم الزمان وهانوا وساءت أحوالهم في فترة من الفترات ، فسرعان ما يتجددون بأبنائهم وينهضون ليعيدوا للتاريخ سيرته الأولى ، وعلى حال يرتضونه و يريدونه ، وكأنما دورة الأيام استحالت في قبضة يمينهم . فلقد كان زمان دار الهوان دورته في المنطقة العربية ، فكانت فرصة الوجوه التي هي أشبه ما تكون بالبطاطا المسلوقة كما قال كنفاني ، وليس بها سمرة الجبال والوديان في هذا المشرق العربي ، فجاءت بكل أحقاد التاريخ ، وأقامت كنيسة مكان مسجد قبة الصخرة ، واسطبلات للخيل في جانب من مساحة المسجد الأقصى في القدس ، ومثل هذا وغيره كثير مما يتم به طعن هوية المسلمين ، وفي ناحية أخرى من الأرض الطيبة ، مسحت المسجد الابراهيمي عن الأرض وأقامت ابراشية ، ومرة أخرى أعاد الهوان دورته وجاءوا أخرى من وراء البحار ، وأقاموا في محل هذا المسجد أماكن عبادة لهم ، ورتعوا في ظلمهم ، ، ثم بادوا بارادة عربية اسلامية ، وعاد التاريخ الى نقاوته وارتفع الآذان مرة أخرى من على المنابر ، وعاد المصلون وقرآنهم في صدورهم وبين أيديهم الى مسجدهم ، وفي أعماقهم نداء العقيدة والتاريخ ، بأنهم هم أصحاب الأرض ، وهم حملة الرسالة السماوية الى البشرية جمعاء ، وهم صناع التاريخ ، وهم حراسه ، وهم الموكلون أبدا باعادة رسم التاريخ وفق ارادتهم ، واذا ثمة عثرة أو أكثر في سير التاريخ ، فسرعان ما يليها نهوض وتوهج بالوعي والقوة واعادة الكتابة لسيره من جديد ، فالتجديد حتم سير وقانون تاريخ هذه الأرض التي هي مواطىء أقدام الأنبياء ، فهي وقف على الاسلام ، وهي أمانة يحملها العرب والمسلمون ، وليس لهم أبدا أن يفرطوا في عقيدة تجري مجرى الدم في عروقهم ، وتصدع بكلمة الله أكبر في أرجاء نفوسهم ، فهذه هي هويتهم ، ويتم التعرف اليهم بها ، وهي دالة عليهم . وليس لهم ثمة تعريف بلاها ، فاذا ثمة من يريدهم بلاها ، ويكد بكل تشويه يهجم به على الوعي ، وما يدري بأن مهمته تبغي المستحيل الذي هو بعينه المحال أن يكون عينيا ، فالذي لا يمكنه أن يكون واقعا ، لا يكون هناك واقعا يضمه يوما ، فلا يكون ممكنا من لا امكان له ، وامكان اللاممكن يفضي الى ما لا يمكنه أن يكون ، فعلى أي اتجاه فكري ، أو فلسفي ، أو لنقل عقلاني ، فلا نتاج يستوي عليه كل ما دار في دورة من غزو ثقافي أو فكري ، أو تشويه حقائق بحثا عن اعادة تركيب للوهم ، في قوالب من حقائق لا وجود لها ، لقسرها على واقع لم تعرفه يوما ، فانما هو الوهم ، فكل تركيب لجملة الوهم ، تظل وهما ، فالتراث دالة تاريخ وهوية وانتماء ، فهو جذر وجود يتغذى من روح الروح ، فهو الذي يوقدها ، ويدفع بها الى عناق وجودها في سير زمان لم تنقطع حلقاته ، فالأرض ناطقة والروح صادحة وعبارات الوعي صائحة : هذه أرضي أنا ، وهذا هو تراثي أنا ، وهذا أنا وتاريخي وديني ، كنت ولم أزل أفيض بالنماء في كل اتجاه هنا ، أنا المعنى الذي استقى مني الوجود معناه ، أنا الخلود الذي لا يلغيه عابر سبيل طافح بكل حقد ، فهو كما الصيب يصيب الشجر ، ويمر ، يعبر الى حيث يعبر كل عابر ، فلا بقاء الا للبقاء ، فاذا عابر تأخذه أوهامه الى غرور الامكان الذي لا يمكنه أن يكون ، فالذين يتخيلهم ينخلعون من دينهم ومن تراثهم ومن تاريخهم ، فانهم الذين لا وجود لهم ، وهم لا بد ويكونوا من بنات وهم من يتوهم بأنه يمكنه أن يتعرف اليهم في وجود ، فلا بد وأنه منسرح في تيه ، ويرتع في وهم ، فاذا ما التقى الواقع يفيق على ما يجعله يدرك بأن نبات الظن مرشح ليتهاوى ويتبدد كسرب دخان يذروه الريح ، فالواله بالوهم هو الدائر دوما في دورة الواهم الذي تسبيه الظنون فهكذا هو وهذا حاله وخياله ، وتلك هي أوهامه ، ولن يفهم لغة غير لغة كل عابر من الذين ناداهم شاعر فلسطين ، أيها العابرون في كلام عابر ، ...، ليفصح لهم عن سيرة الذي مروا في الوهم ، وجاءوا ومروا ، وعبروا الى سيرورة وهم ، في ذاكرة لم تزل تسدي فهما ، لمن يفهم ولمن لا يريد أن يفهم ، بأن المكان ليس لديه ما يقدمه للعابرين سوى أن يفروا .

واذا كان هناك من يقول بحق ديني وتاريخي له في هذه الأرض ، فلتتكلم الأرض بمخزونها ، من الآثار الدالة على حقيقة انتمائها ، فلتنطق الأرض ، فليس مثلها فصاحة ، بما بين أيديها من تاريخ ، فهذا القائل بما يقوله ادعاء مليء بالزيف ، وانه يطرح أيضا السؤال : لمن هذه الأرض ؟! ، ويستدعي السؤال عن مدى صلة ما يدعيه بصدق يؤيده من تاريخ ومن دين ؟ ! ، فاذن هو قد حسم أمره بافصاحه عن قناعة استقاها من معتقدات يعتقدها ، فهي التي توحي له ، وتدله على ما يفعله من التقدم الى أخذ ما يعتقده بأنه له وحده من دون غيره ، ليبسط سيطرته عليه ، ناكرا كل صلة لغيره به ، مستعدا بما بين يديه من قوة أن يوظفها في خدمة سعيه ، وقد فعل من قبل ، وليس ثمة فكرة كامنة في وعيه تردعه ، أو تحيله مترددا فيما هو مقبل عليه ، فهل هو يريد حوارا ، وهو يقرر في وعيه وفي ممارساته ملكيتة للأرض ، وأحقيته في تراث تاريخي وديني ، تستدعيه كل ظنونه بأنه تراثه ، فعلى ذلك هو ينفي كون هذا التراث لغيره ، وينفي عن هذا التراث أي صلة له بدين آخر وأمة أخرى ، فهو بالذي يفعل انما يستدعي ردا من هذا الغير الذي يعرفه ، ولا يعنيه على أي وجه جاء هذا الرد ، فهو في سردياته لسياقات مثيلة ، لم يجد ما يستوجب اهتماما بردع آت من هذا الغير أو هذا الآخر ، فذلك درس السياقات المتشابهة التي زحزحت الأرض من تحت أقدام هذا الآخر ، فلقد كان في خلالها اقتراب شديد من تراث تلو تراث ، فليس ما يوجب قلقا من كلام مرسل ، لا يجد دعامة من ردع يكون به ارتداعا ، فكذلك هو درس السياقات ، فليس ما يدعو الى التردد ، فالأولى هو الاندياح بالادعاء ، وبالترسيخ لحيثيات الادعاء ، بامتلاك الأرض وما عليها من تراث ، وبتقنين وبسرديات ، فسرعان ما تتبند في سطور الوعي العام على أنها هي حقائق التاريخ ، فليس كل تاريخ ، هو في حقيقته تاريخ ، فالبراعة ليست دوما في صناعة التاريخ وانما في كتابة تاريخ ، فكم من تفاصيل في رواية ، أو أسطورة أو ما شابه استحالت الى تاريخ ، بل الى ما لا يختلف عليه أحد حين يقال به في سرد مسطور أو منطوق ، فاذن الحال كما حال اعلان حرب دينية وتاريخية على الدين الاسلامي وعلى التاريخ العربي والاسلامي ، وذلك لأن في ذلك يكمن العزم كله على نفي كل صدق في غير جانب مدع مجرد من كل حقيقة تسنده ، فاذن هو بذلك لا يدع محلا لحوار ، ولكنا بحال من هو أحوج من يكون الى الحوار ، فالحقائق كلها بين أيدينا ، وفي جانبنا ، فلنترك مساحة للحوار ، أو للاعلان عن ماذا لدينا قوله في شأن مدع شب في الباطل ، وارتوى منه وليس له الا دلق باطله في وجوهنا ، فجوابنا جاهز ، فهو في القرآن الكريم ؛ في سورة البقرة ( انظر جامع البيان في تفسير القرآن ..محمد بن جرير الطبري ) ، وليكن أيضا تفسير الشعراوي شارحا ، فهو في جملته مستند الى الطبري ، وأيضا الجواب عند العلم ..علم الآثار ، وعلم اللغات القديمة ، وهنا نظريتان ، نظرية تقوم على علم الآثار ، ويقول بها الدكتور فراس السواح ، ويشرحها في أكثر من مقال علمي وكتاب ، ونكتقي هنا بذكر كتابه : ( آرام دمشق واسرائيل في التاريخ والتاريخ التوراتي ) ، لنأتي الى غيره لاحقا ، وأما النظرية الثانية فهي قائمة على علم باللغات القديمة ، فهذه اللغات تشكل اساسا في قراءة تفسح المجال أمام قيام هذه النظرية ، ويقول بها الدكتور الصليبي ، والدكتور أحمد داوود وله كتب عديدة قام بتأسيس سردياتها على علم منه باللغات القديمة ، ويكفي هنا أن نذكر له كتابه : ( العرب والساميون والعبرانيون وبنو اسرائيل واليهود ) ، وأيضا كتاب :( تاريخ سوريا القديم ) ، ولمن شاء وعيا متجددا وعميقا بالتاريخ ، فعليه بما أفاض به العلماء العرب من علم في هذا السياق ، فهو ليس مجرد علم بما لم نكن نعرفه ، وانما هو على حد تعبير كل منهما ، انما هو الاعادة لكتابة التاريخ ، فكلاهما يجمع على أن تحريفا مقصودا قد لحق بكتابة تاريخ هذا المنطقة ، وبأن هذا التحريف انما كان يستهدف خدمة أغراض استعمارية ، فهكذا كان قديما وهو لم يزل ممتدا الى هذه الساعة ، فالتحريف في التاريخ ، وفي الثقافة ضرورة استعمارية ، أدركها الاستعمار وعمل بوازع منها ، وكانت الكتب التي صيغت في خدمة أطماع استعمارية ، واستحالت مع مرور الأيام الى مراجع ، استندت اليها الكتب التي تلتها ، وزاد في عمومية الزيف أن أجيالا من الشرق ، حين راحت تفتش عن تاريخ هذه المنطقة ، بعلم تستقيه في دول أجنبية ، أو حتى في بلادها ، فلم تجد سوى هذه الكتب أو غيرها من كتب مليئة بكل زيف ، ما دعا ويدعو الى اعادة كتابة التاريخ .. تاريخ هذه المنطقة التي تعرضت الى زيف لم يحصل في التاريخ ، فتاريخ لم يحصل استحال الى تاريخ مأخوذ على أنه التاريخ ، وتاريخ حصل ، لم يجد في الذاكرة ولا على اللسان موضعا ، فهذا الجيل من أبناء العرب والمسلمين مطالب باعادة الكتابة لتاريخه ، بالاستناد الى العلوم .. اللغات القديمة والآثار ، والقرآن ، وليس أي سند آخر ، فكثيرا ..كثيرا ممن تصدروا الى كتابة التاريخ قد اتخدوا أو كادوا يتخذوا من التوراة كتابا للتاريخ يعودون اليه ، بل ويسردون ما ورد فيها وكأنها مرجع للتاريخ ، وهم قد فعلوا ذلك تماما ، أو بما يشبه ما قام به كتاب الغرب ، وعلى هؤلاء جميعا يعترض أحمد داوود ، وفراس السواح ، بل ومؤرخون جدد يستندون في كتاباتهم الى علم الآثار كما يقول بذلك فراس السواح ، الذي يتوصل بالاعتماد على ما تحدثت به الأرض ، وقد انكشفت كنوزها ، من آثار تنطق بكل ما يحسم جدلا في مسألة تاريخ ، فالآثار بما بها من دلالات ناطقة كافية العقل علما لاعادة سرده للتاريخ ، يقول فراس السواح ، بأن التوراة في ضوء ما تنطق به الآثار ، وعلم الآثار لم يعد يمكن النظر اليها ككتاب تاريخ ، فثمة فارق كبير بين سردياتها وبين حقائق التاريخ ، بل ان التناقض بين ما يقول به علم الآثار وبين التوراة يحيل التوراة الى كتاب على الرف ، فبدءا بالربع الأخير من القرن الماضي ، كما يقول فراس السواح ، فان علماء الآثار الجدد لم يعودوا ينظرون بتة الى كتاب التوراة على أنه كتاب تاريخ ، لقد وضعوه على الرف ، فالتاريخ بدأ ينحو في سرده وجهة أخرى ، وفق ما تنطق به الآثار التي نطقت في أفهام الباحثيين عن حقائق التاريخ في سوريا وفلسطين ، ويتوصل فراس السواح الى تلك الفجوة الهائلة بين الأسماء وبين انتماءتها ، وبين السرديات وبين حقيقتها ، ومدى ملائمتها الى الزمان والمكان ، ويقرر بأن الأرض عربية وبأن آثارها هي آثار عرب ، والتاريخ انما هو تاريخ عرب ، ويبين بالاضافة الى ذلك تناقضات كثيرة في التوراة ، يفصلها تفصيلا ، فلا يدع لشك يتسرب الى منطقه وبياناته عن وعي حقيقي بما يتناوله ، مستند الى منهج علمي واضح المرتكزات وفصيح التناول ، وبين الدلالة ، وقوي الحجة ، وهو هكذا بمنهجه هذا من السطر الأول وحتى الأخير في دراساته ، ولقد حاولت امتحان نهجه ، في محاولة كشف عن تناقضات في كتاباته ، فلم أفلح ، فأيقنت بأني بصدد مرجعية تؤسس لمرجعية في تناول لتاريخ هذه المنطقة من جديد ، وهو( فراس السواح ) ، يبدأ مقدمة كتابه ( آرام دمشق واسرائيل في التاريخ والتاريخ التوراتي ) ، بقوله : " لعل أهم ما تكشفه أمامنا المعلومات الجديدة المتوفرة خلال ربع القرن الماضي ، هو استقلال الصورة التاريخية لاسرائيل عن صورتها التوراتية استقلالا دفع بعض المؤرخين الجدد ، الى الدعوة لوضع الرواية التوراتية بكاملها على الرف ، وكتابة تاريخ فلسطين خلال الحقبة التي تغطيها أحداث التوراة ، بمعزل عن النص والخبر التوراتي الذي فقد لديهم كل مصداقية تاريخية . وبذلك يتحول كتاب التوراة من مصدر أول ورئيس لكتابة تاريخ فلسطين وتاريخ اسرائيل ، الى ناتج ثانوي من نواتج ذلك التاريخ ، والى تركة أدبية تتطلب نفسها التفسير والتعليل ، ... " ، ثم يستعرض آراء باحثين انشعلوا في نفس المجال ، ويورد للباحث غربيني ( G.Garbin.History and Ideology in Ancient Israel . London . 1988 ) ، آراء من بينها رأية بأن " تاريخ اسرائيل التوراتية في السياق العام لتاريخ فلسطين ، هو أخيولة أدبية تجد دوافعها في المناخ الاجتماعي والنفسي للفترة المتأخرة التي أنتجتها " ، ويضيف قوله : " لقد تمكن بعض الباحثين منذ العقد الآخير للقرن التاسع عشر ، من أمثال E.Meyerو H.Gunkel ، بأن المصدر الأساسي للتقاليد التوراتية هو الحكاية الشعبية والملاحم وقصص البطولة التي كانت متداولة شفاهة عند تحرير أسفار التوراة ، ابان وبعد السبي البابلي ، وجادل بشكل خاص في أن كامل سفر التكوين ، برواياته عن الآباء أسلاف بني اسرائيل ، لا علاقة له بالتاريخ ، ويجب تصنيفه في زمرة الأخيولة الأدبية " .

ويمضي فراس سواح في كتابه معتمدا منهجا علميا ، يؤسس استدلاله في الكشف عن حقائق التاريخ ، على علم الآثار ، من غير تأويل ومن غير استدعاء احتمالات لتحميلها على نص يقول به ، هو في حقيقته منطوق علم آثار ، فليس بغير الدليل العلمي يتكلم ، وليس هو بتارك القارىء حيث وهن الدليل ، من غير الاشارة الى هذا الوهن ، فكأنه بكتابه أراد أن يصل بعلم الآثار الى حقائق فقط ، ليؤسس لكتابة التاريخ الصحيح الذي هو بذاته المراد ، وهكذا حاله في كل صفحات كتابه ، واننا حيث لا يمكنا أن نستبدل المقال بكتابه ، وانما نجعله اطلالة على الكتاب ، ودربا اليه ، فلا أصح من قراءة الكتاب كله بتأن وروية ، ويكفي هنا أن نلتقي بفقرات تشكل بينة على الوجه الذي ذهب فيه فراس السواح ، فمثلا وهو يحاول أن يفتش عن تلك الممالك التي ورد ذكرها في التوراة ، ولها صلة بموسى نجد صفحة 269 من كتابه ( آرام ...) قوله : " فممالك شرقي الأردن التي قهرها موسى في آخر مراحل ملحمة الخروج ، لم تكن موجودة في ذلك الوقت ، على ما يبين المسح الأركيولوجي للمنطقة ، ومنطقة الساحل الفلسطيني الجنوبي ، التي يدعوها سفر الخروج بأرض الفلسطينيين ( الفلستنيين ) ، لم تكون قد استقبلت زمن الخروج أية موجة من موجات شعوب البحر من الفلستنيين وغيرهم "
فهذا حال تاريخ مسرود بقلم في صفحات في التوراة ، فلا صلة له بواقع ولا صلة لسردية حوادث بزمانها ، فليس لها ثمة زمان جرت فيه .
وفي صفحة 270-271 من نفس الكتاب ( آرام ...) يقول فراس السواح : " وتقدم نتائج علم الآثار صورة أكثر تخيبا للآمال في العثور على اسرائيل التوراتية ، فجميع المواقع الفلسطينية في منطقتي الهضاب المركزية ومرتفعات يهوذا ، وخارجهما ، تظهر استمرارية ثقافية محلية كنعانية ، فيما بين عصر البرونز الأخير وعصر الحديد الثاني ، ولا يوجد أي دليل أثري على حلول أقوام جديدة في هذه المنطقة جلبت اليها ثقافة مغايرة ، وقد سقطت اليوم الى غير رجعة نظرية الاقتحام العسكري لأرض كنعان من قبل القبائل الاسرائيلية الموحدة تحت قيادة يشوع بن نون ، وتدمير مدنها الرئيسية ، لأن نتائج التنقيب الأثري في هذه المواقع تنفي الرواية التوراتية نفيا تاما " .
وعن وجود مملكة داود وسليمان في الزمان والمكان يقول فراس السواح صفحة 271 من نفس الكتاب : " بل انها مستحيلة الوجود ، ناهيك عن التنقيب الأثري في موقع أورشليم ذاتها ، والذي أظهر أن مدينة أورشليم في القرن العاشر قبل الميلاد لم تكن الا بلدة صغيرة جدا ، ومن غير الممكن أن تكون هذه البلدة قد استطاعت بناء هيكل ديني يربو على مساحتها ، وبناء قصور ملكية لسليمان وزوجاته وصروحا مدنية وادارية ضخمة ، وذلك اضافة الى عدم العثور على أي شاهد أثري على أن هذه الأبنية قامت في يوم من الأيام "

ويعود فراس السواح ليؤكد مرة أخرى في كتاب آخر له ، هو ( الحدث التوراتي والشرق الأدنى القديم ) ، على ما يفيض به البحث العلمي من حقائق ، ويبدأ من أول السطر في مقدمة كتابه ليقول : " لقد غدا من نافلة القول اليوم التحدث عن صحة المرويات التوراتية من الناحية التاريخية ، أو المجادلة في امكانية اعتمادها مرجعا على هذه الدرجة من المصداقية أم تلك . ذلك أن المعلومات التاريخية وألأركيولوجية التي توفرت لدى الباحثين خلال النصف الثاني من القرن العشرين ، قد أظهرت بجلاء الطابع التاريخي لهذه المرويات ، وعدم اتساقها مع تاريخ فلسطين وبقية الشرق الأدنى القديم خلال معظم الفترة التي تغطيها الأسفار التوراتية . ولذد بدأت ملامح هذا المأزق التاريخي لكتاب التوراة تتوضح منذ العقد الأخير للقرن التاسع عشر ، عندما حاول بعض الباحثين المرموقين من أمثال E.Meyer و Gunkel ، ومنذ ذلك الوقت المبكر ، بأن الأسفار التوراتية ليست تاريخا موثقا يمكن الركون اليه ، .... " .
ويحرص فراس السواح الا أن يلفت انتباه القارىء : " الى أن التوكيد على منظقة فلسطين كمسرح للحدث التوراتي لا يتضمن الاقرار بتاريخية هذا الحدث . ذلك أن محرري التوراة الذين عكفوا على تدوين أسفاره منذ أواخر القرن السادس قبل الميلاد ، كانوا يهدفون الى التأصيل للديانة اليهودية التي أخذت ملامحها بالتوضح عقب عودة بقية سبي يهوذا من بابل ، وابتكار جذور للمعتقد التوراتي تضرب في تاريخ فلسطين القديم . وقد عمدوا في سبيل ذلك الى الاستفادة من كل ما وقع تحت أيديهم من أخبار مملكتي اسرائيل ويهوذا ، ( وهما مملكتان فلسطينيتان محليتان لم تعرفا قط الديانة اليهودية ) وفسروا هذه الأخبار بما يتلاءم والايديولوجية التوراتية .اضافة الى استخدامهم لمادة قصصية شعبية شائعة في المنطقة تروي أحداثا مغرقة في القدم ويختلط فيها التاريخ بالخرافة ، وصاغوا من كل ذلك رواية مضطربة مليئة بالفجوات والثغرات . " .

وفي ضوء هذا المشهد التاريخي الجديد الذي يطل به العلماء العرب بعلم الآثار ، وبعلم الأديان وبعلم اللغات ، على كتب التاريخ الزائفة السابقة التي ضللت الوعي العربي والعالمي بتاريخ هذه المنطقة العربية ، يأتي كثيرون من عمق الادراك للزيف الذي أبدعته القوى الاستعمارية ، ومن بين هؤلاء الدكتور أحمد داوود ، فيكتب عدة كتب في تاريخ سوريا وفلسطين ، كمساهمة منه في صناعة وعي جديد وصحيح بالتاريخ ، ويفعل ذلك هو يعي بأن هذه الكتابة الأخرى والهامة جدا ، تجري للتاريخ ، ويتصدرها أفذاذ من العرب ، ولا بد من الاندياح بها الى مداها ، وبأنها يجب أن تكون شاملة لاعادة انتاج أمة وعالما بوعي صحيح للتاريخ ، فهي مسألة الحقيقة والانسان وسير أمة عبر تاريخ الزمن ، وهي أيضا مسألة تاريخ بشرية على هذه الأرض تطل على المنطقة العربية بوعي شائه صاغه الزيف بكل زيف ، فلقد لحق بالوعي بالتاريخ زيف كبير ، وشاه هذا الوعي ، وكان التشوية في خدمة أغراض استعمارية ، التي سعت الى الوهم والزيف ليكون بدلا عن حقيقة تاريخ كان ، ونجد أحمد داوود ، في خلال اعلانه الصريح عن وعيه بكل ذلك ، يؤكد بأن سوء الفهم للغات القديمة ، قد كان له أبلغ الأثر في اتاحة الفرصة أمام الزيف والتزييف ليأخذ مجراه ، لكنه وهو يستند الى ما كشف عنه علم الآثار من حقائق تاريخ ، فانه يلجأ الى علم اللغات ويتخذ من المنهج اللغوي المقارن منهجا ، مسنودا بحقائق من خارج هذا المنهج ، من مثل حقائق أكد عليها علم الآثار ، وبذلك يستدعى التفاتة الى الدكتور الصليبي الذي اتخذ هو أيضا ، من المنهج اللغوي المقارن اساسا يتوصل به الى أن ما جاءت به التوراة من تاريخ ، انما هو الذي لا صلة له بتاريخ فلسطين ، وانما هو تاريخ مهلهل الحلقات واهي الصلات بالزمن وبالجغرافية ، وبرغم ذلك فبالنظر في السرد التوراتي وما به من ذكر لأسماء وحركات بشر ، وهمزت وصل بجغرافية وبزمن ، يمكن أن يتاح للنظر أن يصل أسماء وحوادث وردت فيه ، من مثل "مصرايم " ، و"فلسينا " و " كنعان " ، و ... ، القائمة في جغرافية في عسير والجزء الجنوبي من الحجاز ( الجزيرة العربية ) ، فلربما هي التي يمكنها أن تتفق ولو بوجه شبه معقول معه ، و هو ما ذهب اليه الصليبي ، ولم يستسغه فراس السواح ، فأفرد للرد عليه كتابا له حمل عنوان ( الحدث التوراتي والشرق الأدنى القديم ) ، وهو من أوله الى آخر ، بمثابة مناقشة الطرح الذي ذهب اليه الدكتور الصليبي ، ومع ذلك فان طرح الصليبي قد وجد من يتبناه ويصر عليه من أمثال أحمد داوود وغيره ، ذلك بأنه على كل ما ذهب اليه فراس السواح في مناقشته هذه لا ينكر ، بل يؤكد ، بأنه ليس ثمة دليلا واحدا من علم آثار ، أو تراث دال يستدل به ، على أن عشيرة أو تجمعا يهوديا (في نفس السياقات الزمنية التي يدور حولها الحوار) ، قد كان يوما ما في مكان ما في فلسطين ، ويأبى أحمد داوود بمنهجه الا اعادة ما ذهب اليه الدكتور الصليبي ، وبصورة معمقة ومفصلة مسنودة بخريطة تفصل الجغرافية ، ليؤكد في خلال بحثه ، بأن منطقة عسير بالفعل والجزء الجنوبي من الحجاز انما هي الجغرافية ، وبما بها من دلالات وشواهد ، فانها المؤهلة لتكون هي المسرح الذي كان لملامح تاريخ ورد في التوراة ، ويصر أحمد داوود على أن هذا التاريخ لا يتعدى كونه تاريخ عشيرة ، وبأنها وأفرادها لم يعرفوا مصر ولا فلسطين ، ولا صلة لهم بهما ، وانما هي مسألة اللغة التي كان الجهل بها هو فرصة التضليل ، فتشابه الأسماء ، بين هنا وهناك فسح للضلال أن يتخذ دوره بأن يكون المضلل في السرديات لمطابقة تاريخ على جغرافية لا صلة له بها . ويتجلى أحمد داوود بمنهجه كمن يعيد اكتشاف نصوص التوراة في سياقاتها الجغرافية والتاريخية ، فيكشف عن ما يلامس منها تاريخا وجغرافية ، ويبين أيان يمكنه أن يكون ذلك ، وهو في تفصيل كلامه ، لا يكاد يبدو يقسر ما يتفق له على ما لا يتفق ، وانما سلاسة التوفيق تيدو لديه موفقة ، وهو لا يكتفي بذلك ، بل يعود دوما الى السرد التوراتي ويجلي تناقضاته وعدم اتفاقه مع أية امكانية لتوفيق بين نصه وبين جغرافية اسمها فلسطين و مصر ، ولا يأل جهدا في كل بيان له في أمر ، الا أن يستجلي المعنى من داخل اللغة ويفصله ، ويمييز معاني الكلمات ويشرح صواب معناها ، ويبين ما لا يمكنه أن يكون معنى للكلمة التي يعالجها ، مبينا كيف أن مثل هكذا تلبيس لكلمة على ما لا يتفق لها من معنى ، قد تم اتخاذه دربا الى تشوية تاريخ منطقة بحالها ، ويصل في صفحة 257 من كتابه (العرب والساميون والعبرانيون وبنو اسرائيل واليهود) الى النجمة السداسية ، فنراها في الكتاب على صورة " صحن من الفخار تم اكتشافه في سامراء ويعود للألف الثالث قبل الميلاد كما يقول ، وفي الصورة " الزوبعة رمز الخصب أو الرغبة الكونية الأولى في عقيدة الخصب السورية " و يكمل قوله :
" وان ما يدعى ب ( نجمة داوود ) السداسية ، ليست الا بدعة صهيونية حديثة . والنجمة السداسية لم تكن الا أحد رموز الخصب المقدسة في ديانة الخصب ، العربية السورية اقترنت بالأنهار الستة التي تخرج من نبع السيدة في حورانينا ( كهف السيدة ) في جبل غامد ، كما مثلتها أطواق العقد الستة التي تزين جيد السيدة العذراء ( عشتار ) وخصلات شعرها الستة التي تزين عارضة وجهها من كل جانب . ثم استمرت النجمة السداسية واحدة من أركان الزخرفة في التنزيل بالخشب والتطعيم بالصدف أو بالعاج أو بالمعدن الذي امتاز به العرب السوريون منذ الزمن الموغل في القدم وحتى اليوم ... " .

ويتفق لفراس السواح القول بأن اليهود ، في ذلك الزمن ، لم يكونوا سوى عشيرة ، ويسمي المكان الذي كانوا فيه بالمقاطعة اليهودية ، وهو يفترض بأن تلك العشيرة وجدت معيشتها في فلسطين ، على خلاف ما ذهب اليه الصليبي ، ويقول هذا وهو يلفت الانتباه الى غيبة كل دليل من آثار على تراث يهودي يدل على ذلك ، فكل ما أمكنها عشيرة أن تفعله من أجل أن تستبقي ديموميتها هو العيش بمثل عيش المحيط ، فالأكل والمشرب واللباس والعادات والتقاليد واللغة ، وحتى التقويم الذي يسمونه بالتقويم العبري ، فانما هو مأخوذ من التقويم البابلي (تقويم قمري شمسي ، تتم فيه كل مدة من زمن ملائمة القمري للشمسي باضافة الفارق الزمني بينهما ) ، فكلها من هذا المحيط ، وذلك على الرغم من الانكفاء على معتقد تدين به هذه العشيرة ويشكل خصيصة لها ، ولا آثار يهودية في فلسطين ، فليس بمكنها عشيرة أن تنتج حضارة ، فتستبقي تراثا خالدا عبر الزمان ، فلا تراث ولا ما يدل على حضارة ، فهذا خارج حدود عشيرة كانت ما تكون ، وليس سواها سيرة هذا وذاك من أبناء العشيرة يتناقلها أبناء العشيرة في خلال مرويات ، فهذا يروي لهذا وتجري الرواية عبر الزمان ، من جيل الى الذي يليه ، بكل ما اتفق للراوي ، فليس ثمة زمن يمكن للرواية أن تجد فيه ما تدلل به على صحة ما تحمله سوى ما هي محملة به ، فليس من خارج النص ما يدل على صحة النص ، ولا بين أكف الواقع ما يقدمه تصديقا لصحة يزعمها متعصب لنص او رواية ، وهذه وجهة تأسست علميا وبكل دليل علمي يمكنهم علماء العرب ومن بينهم فراس السواح أن يشيروا اليه ، وهو الاتجاه الذي نحا نحوه وقال به مؤخرا الرئيس الحالي لاتحاد علماء الآثار العرب . وعند كمال الصليبي وأحمد داوود وغيرهم ، أن هذه العشيرة سكنت غامد ولم تعرف فلسطين بتاتا ، وانما هي عشيرة بدوية ، عاشت عيشة البداوة ولم تعرف حضرا ولا تحضرا ، وبالطبع يمكن التوسع ، في معرفة ما يذهب اليه كل واحد ، من هؤلاء الباحثين الذين بذلوا جهدا كبيرا في التوصل الى ما دونوه في مقالات علمية ، وفي كتب لهم ، وهي جهود بحثية استغرقتهم وقتا طويلا ، ومن المهم أنه عند قراءة ما توصل اليه الباحث منهم التعرف الى المنهج الذي اتبعه في بحثه ، فهذا وثيق الصلة بالنتائج التي توصل اليها ، والأخذ بها من عدمه قرين المنهج واستعماله في البحث ، فمنهج فراس السواح هو الذي يمكن به تحصيل اجماع علمي عالمي عليه ، ذلك بأنه لصيق علم الآثار ، فهو يتكلم بالدليل القاطع ، ويدلل في نفس الوقت بكل اشارة على شبه الدليل وما ينقصه لكي يكون دليلا قاطعا ، وهو اذ يجانب المنهج اللغوي المقارن الذي اتخذه الصليبي ، فليس لأنه ينكره أو يدحضه ، وانما لعدم كفايته في غيبة دليل من علم آثار ، فثمة ضرورة عينية من آثار يحتاجها ، لدعم قول يتم التوصل اليه ، وذلك اسناد ضروري ليعلو بما يستدل عليه بعلم لغات الى مرتبة حقيقة تاريخية تدلل على صدقها بأثر في واقع ، لكن أحمد داوود من جانبه يأخذ ما قال به الصليبي ويضيف الى منهجه اللغوي المقارن ، ما أفضى اليه علم الآثار من أدلة قاطعة لا لبس يعتورها ولا غموض .

..................................................................
لمزيد من القراءة :

كتاب : أحمد داوود ، ( العرب والساميون والعبرانيون وبنو اسرائيل واليهود ) .
http://www.4shared.com/file/67558683/5af62450/________.html?s=1


كتاب : فراس السواح ، ( آرام دمشق واسرائيل في التاريخ والتاريخ التوراتي )
http://www.4shared.com/file/40174478/653da244/_______.html?s=1
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف