
- أنا الكابتن صادق، لا بد أنك سمعت بي ، قال المحقق باقتضاب.
- ومن أين سأسمع بك!!!، لقد غطوا رؤوسنا بالأكياس ولم نكن في مقهى نتبادل الأحاديث. قال محمد بانفعال بينما شرار الغضب بتطاير من عينيه.
- هكذا إذن. رد الكابتن "تصادق" وهو يهز رأسه، ثم راح يتفحص جهاز الكمبيوتر أمامه بينما عيناه تحدجان محمد بنظرات الاستعلاء والكراهية.
* * *
كانت فرصة لمحمد أن يتفحص شكل المحقق "تصادق" الذي طالما سمع عن قسوته ووحشيته ثم ترائى له الفرق الشاسع بين صورة المحقق القصير القامة القميء الوجه وبين صورة الدكتور ألبرت أغازريان الذي كان يعطر أجواء الجامعة برائحة تبغه الطيبة وبسماته الواثقة الحانية ووميض عينيه الأبوي:
-أنت اعتقلت قبل هذه المرة في معتقل الفارعة، ثم في سجن رام الله، وسجن المسكوبية في القدس، لكن أريد أن أنبهك أننا هنا غير تلك الأماكن والمعتقلات،،في تلك المعتقلات أن تخرج بدون اعتراف فذلك شيء مألوف،،،عادي جدا،،،هناك الأمر يعتبر نزهة،،،لكن هنا الأمر مختلف،،أظنك سمعت عن المسلخ؟!!. قال ذلك الكابتن تصادق وأشاح بنظره عن جهاز الكمبيوتر وراح يرمق محمد باستخفاف واستعلاء.
كان محمد يصيخ السمع ويهز رأسه بإيماءات خفيفة لكنها تعطي دلالات متعددة، فلا هي بالقبول ولا هي بالرفض ، ولكنها لا تزيد عن معنى :أنني اسمع ما تقول.
مرة أخرى، تترائى له صورة الدكتور ألبرت أغازريان حينما قابله بعد أن أفرج عنه في أول مرة يعتقل فيها: قال له الدكتور ألبرت، المعتقل أيضا امتحان يا محمد، البعض ينجح فيه والبعض يرسب، فانتبه وأحب لك أن تظل من الناجحين مثلما عرفتك دوما.
- يبدو أنك سرحت بعيدا يا محمد. دق المحقق تصادق بقاع غليونه على طرف الطاولة حينما لاحظ السرحان في عيني محمد، ثم واصل قائلا:
- هل سمعت بحكاية الحرامي والسلطان؟ سأرويها لك ولكن أرجو أن لا أضطر لتكرارها عليك .
- هز محمد رأسه دون أن ينبس ببنت شفة. فشرع المحقق تصادق يسرد حكايته:
لقد قبض حرس السلطان على الحرامي وهو يسرق السمك من بركته القريبة من القصر، فاقتيد إلى السلطان. فحكم عليه السلطان بالسجن ألف يوم عقابا له لتجرئه على سرقة أسماك السلطان،،،غير أن اللص راح يتوسله أن يعفيه من هذه العقوبة وينظر في غيرها.
توقف الكابتن عن الحديث قليلا وراح يحشو غليونه ويشعله قبل أن يعاود استكمال قصته:
قال له السلطان، أوافق أن أعفيك من هذه العقوبة بل سأخيرك بين ثلاثة : إما أن تدفع ألف دينار من الذهب. أو أن تسبح ألف يوم في البركة، أو أن تجلد ألف جلدة.
اختار الحرامي أن يسبح في البركة ، فقد تهيأ له أنه الخيار الأسهل والأقل كلفة، لكنه بعد ساعات لم يتمكن من مواصلة السباحة وراح يرجو السلطان أن يغير العقوبة، وراح يطالب بعقوبة الجلد بديلا، فوافق السلطان، لكن الحرامي لم يستطع احتمال أكثر من عشرين جلدة ، فشرع يصيح ويتوسل السلطان مرة أخرى أن يعفيه وأن يختار عقابا أخر ، فوافق السلطان على عقوبة الألف دينار كخيار أخير، ولهذا الغرض أخرجه مع الحراس ليجمع المبلغ، لكنه فشل في جمع شيء منه فأعيد إلى السلطان وبدأ هناك يتوسل إليه العودة إلى العقاب الأصلي بأن يسجن الألف يوم.
صمت المحقق تصادق قليلا، ثم واصل:
وأنت يا مخمد، أخشى عليك أنك لم تفهم القصة ولم تعتبر منها فتعود إلى بداية المشوار. قال المحقق تصادق معلنا نهاية الحكاية.
-اسمع يا خواجة تصادق، الحرامي قبض عليه متلبسا بسرقة سمك السلطان، أما أنا فقد جاء رجالك واعتقلوني من بين أبنائي ومن منزلي وليس من بركة السلطان. أنتم من جاء إلى بركة السلطان وليس أنا.
- مخمد أنت فيلسوف زمانك، أنت متهم بأنك تحرض على دولة إسرائيل وأنك مشترك بأعمال تخريبية ، وأنت متهم على التحريض على مراقبة وتتبع الكابتن "ألون" قبل نقله من المنطقة، وعليك اعترافات، وهناك مسائل أخرى سنكشفها لاحقا. قال ذلك الكابتن تصادق وكأنه يقرأ من شاشة الكمبيوتر أمامه.
- هذا كله غير صحيح، وأنا أتحدى أن تأتي لي بأي شخص يعترف بذلك،، حتى لو اعترف بعضهم تحت التعذيب فأنا لا أعترف بذلك،،أنا رجل منهمك في أعمالي وليس لي شأن بما تقول. قال محمد ذلك ببعض العصبية ولكنه عاود جزر لسانه فأوقفه ليسمع ما الذي في جعبة المحقق.
- اسمع يا مخمد، أنت شاب جامعي وعقلك كبير، نريد لك ولنا أن نختصر الطريق لأنك تعرف أننا نملك الوسائل لنثبت عليك ذلك ولنحكمك بأحكام عالية، لكن يمكن أن نخفف عنك قليلا إذا أبديت تعاونا في التحقيق،،،. قال المحقق تصادق، ثم راح يصلح من وضع غليونه ويشعله على مهل. ثم واصل:
أنت تتعدى على القانون لدولة إسرائيل، ودولة إسرائيل دولة ديموقراطية لا تقبل تجاوز القانون ولا تقبل الإرهاب، وأنت تعرف نحن لدينا القوة لتعترف ولنصل أهدافنا، هل نسيت أننا كسرنا كل الدول العربية في ستة أيام!؟؟ هل أنت زعيما أكثر من الزعماء العرب؟ جمال عبد الناصر نفسه كان ينصاع لأوامرنا ونحن من يسمح لأمريكا بمساعدة العرب، وإن رغبنا منعنا عنهم المساعدة، هل تعتقد أن ياسر عرفات يحلم بك، أنت لا تعلم أنه يعيش الآن في أحسن الفنادق وهو يعاقر الخمر وهو عميل للاتحاد السوفييتي، أما أنت فمسكين أنت، أنت مغرر بك ولكن يجب عليك أن تعترف...
- ليس لدي ما أعترف به وأنت متأكد أنهم اعتقلوني من منزلي وليس من ميدان حرب وليس لي شأن لا بعبد الناصر ولا بعرفات ولا غيره.
- إذن أنت اخترت الطريق الطويل ، وأنت تجني على نفسك،،،
- وماذا ستفعلون أكثر مما تفعلون بنا،،،هل تهددوننا بالقتل، فليكن ذلك، ألم تقتلوا مئات الآلاف من الشعب الفلسطيني؟ هل حل ذلك مشكلتكم؟ إن حل مشكلتكم ليس على حسابنا وليس على أرضنا، عودوا إلى حيث جئتم من أوروبا وغيرها ومن،،
- اخرس يا كلب ،،أنت تعمل فلسفة كثير،،لا تنسى أنت سجين وأنا هنا المحقق.
- أنا لا أنسى ذلك،،لكن الحقائق مرة على أسماعكم،،أم تريدني أن أظل صامتا،،حسنا.
قال محمد ذلك وكأنه يوجه تهديدا مبطنا بالصمت، ثم أشاح بوجهه إلى ركن الحجرة التي طليت جدرانها بالرمادي المقيت.
0 أنت تجيب على أسئلتي فقط. قال الكابتن صادق بحزم مفتعل.
- وهل أنت الذي يحدد الإجابات؟ إذا كان الأمر كذلك، فاكتب لديك ما تريد على لساني، وهذه ليست غريبة عليكم..
- شتير ،، شتير(جندي – حارس) ، تعال خذ هذا الكلب إلى الشبح مرة أخرى. ولا تعطوه شيئا غير الماء.
يتبع في الجزء التالي...
- ومن أين سأسمع بك!!!، لقد غطوا رؤوسنا بالأكياس ولم نكن في مقهى نتبادل الأحاديث. قال محمد بانفعال بينما شرار الغضب بتطاير من عينيه.
- هكذا إذن. رد الكابتن "تصادق" وهو يهز رأسه، ثم راح يتفحص جهاز الكمبيوتر أمامه بينما عيناه تحدجان محمد بنظرات الاستعلاء والكراهية.
* * *
كانت فرصة لمحمد أن يتفحص شكل المحقق "تصادق" الذي طالما سمع عن قسوته ووحشيته ثم ترائى له الفرق الشاسع بين صورة المحقق القصير القامة القميء الوجه وبين صورة الدكتور ألبرت أغازريان الذي كان يعطر أجواء الجامعة برائحة تبغه الطيبة وبسماته الواثقة الحانية ووميض عينيه الأبوي:
-أنت اعتقلت قبل هذه المرة في معتقل الفارعة، ثم في سجن رام الله، وسجن المسكوبية في القدس، لكن أريد أن أنبهك أننا هنا غير تلك الأماكن والمعتقلات،،في تلك المعتقلات أن تخرج بدون اعتراف فذلك شيء مألوف،،،عادي جدا،،،هناك الأمر يعتبر نزهة،،،لكن هنا الأمر مختلف،،أظنك سمعت عن المسلخ؟!!. قال ذلك الكابتن تصادق وأشاح بنظره عن جهاز الكمبيوتر وراح يرمق محمد باستخفاف واستعلاء.
كان محمد يصيخ السمع ويهز رأسه بإيماءات خفيفة لكنها تعطي دلالات متعددة، فلا هي بالقبول ولا هي بالرفض ، ولكنها لا تزيد عن معنى :أنني اسمع ما تقول.
مرة أخرى، تترائى له صورة الدكتور ألبرت أغازريان حينما قابله بعد أن أفرج عنه في أول مرة يعتقل فيها: قال له الدكتور ألبرت، المعتقل أيضا امتحان يا محمد، البعض ينجح فيه والبعض يرسب، فانتبه وأحب لك أن تظل من الناجحين مثلما عرفتك دوما.
- يبدو أنك سرحت بعيدا يا محمد. دق المحقق تصادق بقاع غليونه على طرف الطاولة حينما لاحظ السرحان في عيني محمد، ثم واصل قائلا:
- هل سمعت بحكاية الحرامي والسلطان؟ سأرويها لك ولكن أرجو أن لا أضطر لتكرارها عليك .
- هز محمد رأسه دون أن ينبس ببنت شفة. فشرع المحقق تصادق يسرد حكايته:
لقد قبض حرس السلطان على الحرامي وهو يسرق السمك من بركته القريبة من القصر، فاقتيد إلى السلطان. فحكم عليه السلطان بالسجن ألف يوم عقابا له لتجرئه على سرقة أسماك السلطان،،،غير أن اللص راح يتوسله أن يعفيه من هذه العقوبة وينظر في غيرها.
توقف الكابتن عن الحديث قليلا وراح يحشو غليونه ويشعله قبل أن يعاود استكمال قصته:
قال له السلطان، أوافق أن أعفيك من هذه العقوبة بل سأخيرك بين ثلاثة : إما أن تدفع ألف دينار من الذهب. أو أن تسبح ألف يوم في البركة، أو أن تجلد ألف جلدة.
اختار الحرامي أن يسبح في البركة ، فقد تهيأ له أنه الخيار الأسهل والأقل كلفة، لكنه بعد ساعات لم يتمكن من مواصلة السباحة وراح يرجو السلطان أن يغير العقوبة، وراح يطالب بعقوبة الجلد بديلا، فوافق السلطان، لكن الحرامي لم يستطع احتمال أكثر من عشرين جلدة ، فشرع يصيح ويتوسل السلطان مرة أخرى أن يعفيه وأن يختار عقابا أخر ، فوافق السلطان على عقوبة الألف دينار كخيار أخير، ولهذا الغرض أخرجه مع الحراس ليجمع المبلغ، لكنه فشل في جمع شيء منه فأعيد إلى السلطان وبدأ هناك يتوسل إليه العودة إلى العقاب الأصلي بأن يسجن الألف يوم.
صمت المحقق تصادق قليلا، ثم واصل:
وأنت يا مخمد، أخشى عليك أنك لم تفهم القصة ولم تعتبر منها فتعود إلى بداية المشوار. قال المحقق تصادق معلنا نهاية الحكاية.
-اسمع يا خواجة تصادق، الحرامي قبض عليه متلبسا بسرقة سمك السلطان، أما أنا فقد جاء رجالك واعتقلوني من بين أبنائي ومن منزلي وليس من بركة السلطان. أنتم من جاء إلى بركة السلطان وليس أنا.
- مخمد أنت فيلسوف زمانك، أنت متهم بأنك تحرض على دولة إسرائيل وأنك مشترك بأعمال تخريبية ، وأنت متهم على التحريض على مراقبة وتتبع الكابتن "ألون" قبل نقله من المنطقة، وعليك اعترافات، وهناك مسائل أخرى سنكشفها لاحقا. قال ذلك الكابتن تصادق وكأنه يقرأ من شاشة الكمبيوتر أمامه.
- هذا كله غير صحيح، وأنا أتحدى أن تأتي لي بأي شخص يعترف بذلك،، حتى لو اعترف بعضهم تحت التعذيب فأنا لا أعترف بذلك،،أنا رجل منهمك في أعمالي وليس لي شأن بما تقول. قال محمد ذلك ببعض العصبية ولكنه عاود جزر لسانه فأوقفه ليسمع ما الذي في جعبة المحقق.
- اسمع يا مخمد، أنت شاب جامعي وعقلك كبير، نريد لك ولنا أن نختصر الطريق لأنك تعرف أننا نملك الوسائل لنثبت عليك ذلك ولنحكمك بأحكام عالية، لكن يمكن أن نخفف عنك قليلا إذا أبديت تعاونا في التحقيق،،،. قال المحقق تصادق، ثم راح يصلح من وضع غليونه ويشعله على مهل. ثم واصل:
أنت تتعدى على القانون لدولة إسرائيل، ودولة إسرائيل دولة ديموقراطية لا تقبل تجاوز القانون ولا تقبل الإرهاب، وأنت تعرف نحن لدينا القوة لتعترف ولنصل أهدافنا، هل نسيت أننا كسرنا كل الدول العربية في ستة أيام!؟؟ هل أنت زعيما أكثر من الزعماء العرب؟ جمال عبد الناصر نفسه كان ينصاع لأوامرنا ونحن من يسمح لأمريكا بمساعدة العرب، وإن رغبنا منعنا عنهم المساعدة، هل تعتقد أن ياسر عرفات يحلم بك، أنت لا تعلم أنه يعيش الآن في أحسن الفنادق وهو يعاقر الخمر وهو عميل للاتحاد السوفييتي، أما أنت فمسكين أنت، أنت مغرر بك ولكن يجب عليك أن تعترف...
- ليس لدي ما أعترف به وأنت متأكد أنهم اعتقلوني من منزلي وليس من ميدان حرب وليس لي شأن لا بعبد الناصر ولا بعرفات ولا غيره.
- إذن أنت اخترت الطريق الطويل ، وأنت تجني على نفسك،،،
- وماذا ستفعلون أكثر مما تفعلون بنا،،،هل تهددوننا بالقتل، فليكن ذلك، ألم تقتلوا مئات الآلاف من الشعب الفلسطيني؟ هل حل ذلك مشكلتكم؟ إن حل مشكلتكم ليس على حسابنا وليس على أرضنا، عودوا إلى حيث جئتم من أوروبا وغيرها ومن،،
- اخرس يا كلب ،،أنت تعمل فلسفة كثير،،لا تنسى أنت سجين وأنا هنا المحقق.
- أنا لا أنسى ذلك،،لكن الحقائق مرة على أسماعكم،،أم تريدني أن أظل صامتا،،حسنا.
قال محمد ذلك وكأنه يوجه تهديدا مبطنا بالصمت، ثم أشاح بوجهه إلى ركن الحجرة التي طليت جدرانها بالرمادي المقيت.
0 أنت تجيب على أسئلتي فقط. قال الكابتن صادق بحزم مفتعل.
- وهل أنت الذي يحدد الإجابات؟ إذا كان الأمر كذلك، فاكتب لديك ما تريد على لساني، وهذه ليست غريبة عليكم..
- شتير ،، شتير(جندي – حارس) ، تعال خذ هذا الكلب إلى الشبح مرة أخرى. ولا تعطوه شيئا غير الماء.
يتبع في الجزء التالي...