
قصة قصيرة
الانتصار على الوهم
بقلم
الكاتب والصحفي
نصير أحمد الريماوي
16/6/2010م
يستيقظ من نومه شاحب اللون.. وجهه يتصبب عرقاً.. يتلعثم ويبعثر كلمات غير مترابطة لعجز جسمه عن السيطرة على أجهزة نطقه.. يطلب شرب الماء لترطيب حلقه الجاف باستمرار.. يركض إلى الحمام للتبول.. صار يتبول لا إرادياً.. ويصاب بحالة من الضعف في التركيز والتفكير والتردد.. تهتز ثقته بنفسه.. دائماً يخاف من نسيان ما تم حفظه، وتنتابه حالة من الشعور بالوهم والارتجاف، علماً أنه طالب ذكي....
جو المنزل يصبح مشحوناً.. الوالدان يسارعان إلى تهدئته.. ويلازمانه في هذه الفترة.. تحضر له والدته طعام الفطور على وجه السرعة وتضعه على طاولة السفرة.. تطلب من نجلها أن يتناول طعامه والجلوس معهم على المائدة عله يخفف من وطأة خوفه.. نفسه تطلب الأكل ولكنه لا يأكل.. يجلس معهم يتفرج على المائدة.. يمد يده اليمنى ببطء إلى رغيف الطابون ويقطع كسرة منه.. يغمسها في صحن الحمص المخلوط بزيت الزيتون، ثم يتركها.. ترفض نفسه الطعام.. لا توجد لديه شهية..
الأم: كُل يا أماه.. كُل.. إذا لم يعجبك الحمص فخذ من العسل الطبيعي والبيض أو الجبن البلدي.. يا أماه لقد ضعفت صحتك من قلة الأكل والنوم.. الله يرضى عليك أن تأكل..
الوالدان ينظران إليه بحزن ولا يأكلان.. فبالرغم من تشجيعهما له على الأكل، إلا أنه يأبى أن يأكل إلا النزر القليل..
الوالد يجهز سيارته على الفور.. وينقل نجله المذكور إلى اقرب طبيب في البلدة.. يفحصه الطبيب ويطمئن على وضعه الصحي، ويعطيه أدوية مهدئة.. أو أحياناً، كان أهله يلجأون إلى تراثنا الطبي الشعبي ويسقونه الماء من "طاسة الرجفة" بعد البسملة والصلاة على الماء بهدف تخليصه من الرعب والخوف الذي يعتريه..
وطاسة الرجفة هذه هي عبارة عن آنية نحاسية صغيرة الحجم مكتوب على جدرانها الداخلية والخارجية آيات قرآنية مثل: آية الكرسي، والمعوذات، ورموز، وأرقام، وحروف، وكلمات تشمل: بعضاً من أسماء الله الحسنى، وأسماء عائلة الرسول، وأسماء الملائكة.. وكان الناس يُحضرونها معهم من بلاد الحجاز أثناء أدائهم لمناسك الحج أو العمرة...
وقد استخدمها الناس عندنا في طبهم الشعبي سابقاً لعلاج الأفراد المصابين بحالات الرعب والخوف، فكان المُعالج يضع الماء داخل الطاسة، ثم يتركها تبيت تحت السماء والنجوم، وفي اليوم التالي يسقي المرعوب من الماء بعد البسملة والصلاة، كما يدور المُعالج أو الحاجة المُعالجة بالطاسة على رأس الشخص الخائف عدة مرات مع قراءة الآيات القرآنية والأدعية.. فتطمئن وتهدأ نفسية الشخص عقب الانتهاء..
ثم يعودان إلى المنزل.. يدخل الطالب إلى غرفته بنشاط وحماس جديدين، ويَنكبّ على دراسته تحضيراً لامتحانات الثانوية العامة ثانية.. وكلما اقترب موعد الامتحان يبدأ يتخيل، ويتصور أنه اخفق في الامتحان.. والناس تضحك عليه.. زملاؤه نجحوا ودخلوا الجامعات وهو لم يتمكن!!.. شكوكه الوهمية تعيده إلى وضعه السابق من جديد.. صار لا يستطيع دخول المرحاض إلا بمساعده أهله!! ساقاه لا تحملانه من الخوف الذي اعتراه.. ويصاب بإسهال..
فكان والده ينقله من منزلهم إلى قاعة الامتحانات بسيارته، وينتظره حتى الانتهاء، ثم يعيده إلى المنزل علماً بأن القاعة في نفس البلدة..
في إحدى الليالي رأى هذا الطالب في منامه الخوف على هيئة شخص، ذُعر في منامه..
وسأله: من أنت ؟
:أنا اسمي "الخوف" !!
:إذاً لماذا تطاردني حتى في أحلامي؟..
الخوف: اسمع يا بني.. أنا جئتك ناصحاً.. لا تخف مني.. أنا لست عدوك!! أنا الخوف بنفسه.. وأقول لك ذلك ولا يوجد شيء اسمه الخوف.. الخوف نابع من شكوكك بنفسك.. وخوفك من نسيان ما تحفظه.. وضعف ثقتك بنفسك.. ويمكن ضغط الأهل عليك.. أنا حالة من الشعور لديك بالوهم.. لا استطيع التسلل إليك طالما أنت طالب ذكي ومجتهد.. يجب أن تثق بنفسك وقدراتك الذهنية.. وهل تعرف من هو أكبر عدو لي؟ هو ثقتك بنفسك، والتخلص من أوهامك.. الخوف يا بني يُستثار بسبب وجود خطر خارجي والتوقع بالمجهول، وهذا يوقعك فريسة للخيال والشك وهما ظرفان ملائمان لنمو الخوف في نفسك.. وطالما أن علاماتك ممتازة بالرغم من الحالات التي تصيبك فأنت في أمان.. و يجب أن لا أكون عامل هزيمة وفشل لك.. أنت تظلمني وتظلم نفسك..لا تعيرني اهتمامك.. أنا وهم.. أنا وهم.. أنا لست جسماً غريباً أدخل إلى النفوس كالفيروسات الفتاكة..اعتبرني كائناً لم يكن.. كن شجاعاً وانتصر على أوهامك.. وسِر في طريقك نحو المستقبل بدون وَجَل..
استيقظ الطالب على وقع هذا الحوار الذي جعله في صراع مع نفسه وشد من أزره حتى أنهى جميع امتحاناته.. ومع ذلك، قبل إعلان النتائج بيوم، عاد وأصيب بالإسهال، وتملكه الخوف من جديد، علماً أن نتيجته ظهرت في اليوم التالي جيدة جداً.. لكن فرحته والأهل بالنتيجة والانتصار على الوهم أبعدت عنه هذه الشكوك والخوف..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[email protected]
الانتصار على الوهم
بقلم
الكاتب والصحفي
نصير أحمد الريماوي
16/6/2010م
يستيقظ من نومه شاحب اللون.. وجهه يتصبب عرقاً.. يتلعثم ويبعثر كلمات غير مترابطة لعجز جسمه عن السيطرة على أجهزة نطقه.. يطلب شرب الماء لترطيب حلقه الجاف باستمرار.. يركض إلى الحمام للتبول.. صار يتبول لا إرادياً.. ويصاب بحالة من الضعف في التركيز والتفكير والتردد.. تهتز ثقته بنفسه.. دائماً يخاف من نسيان ما تم حفظه، وتنتابه حالة من الشعور بالوهم والارتجاف، علماً أنه طالب ذكي....
جو المنزل يصبح مشحوناً.. الوالدان يسارعان إلى تهدئته.. ويلازمانه في هذه الفترة.. تحضر له والدته طعام الفطور على وجه السرعة وتضعه على طاولة السفرة.. تطلب من نجلها أن يتناول طعامه والجلوس معهم على المائدة عله يخفف من وطأة خوفه.. نفسه تطلب الأكل ولكنه لا يأكل.. يجلس معهم يتفرج على المائدة.. يمد يده اليمنى ببطء إلى رغيف الطابون ويقطع كسرة منه.. يغمسها في صحن الحمص المخلوط بزيت الزيتون، ثم يتركها.. ترفض نفسه الطعام.. لا توجد لديه شهية..
الأم: كُل يا أماه.. كُل.. إذا لم يعجبك الحمص فخذ من العسل الطبيعي والبيض أو الجبن البلدي.. يا أماه لقد ضعفت صحتك من قلة الأكل والنوم.. الله يرضى عليك أن تأكل..
الوالدان ينظران إليه بحزن ولا يأكلان.. فبالرغم من تشجيعهما له على الأكل، إلا أنه يأبى أن يأكل إلا النزر القليل..
الوالد يجهز سيارته على الفور.. وينقل نجله المذكور إلى اقرب طبيب في البلدة.. يفحصه الطبيب ويطمئن على وضعه الصحي، ويعطيه أدوية مهدئة.. أو أحياناً، كان أهله يلجأون إلى تراثنا الطبي الشعبي ويسقونه الماء من "طاسة الرجفة" بعد البسملة والصلاة على الماء بهدف تخليصه من الرعب والخوف الذي يعتريه..
وطاسة الرجفة هذه هي عبارة عن آنية نحاسية صغيرة الحجم مكتوب على جدرانها الداخلية والخارجية آيات قرآنية مثل: آية الكرسي، والمعوذات، ورموز، وأرقام، وحروف، وكلمات تشمل: بعضاً من أسماء الله الحسنى، وأسماء عائلة الرسول، وأسماء الملائكة.. وكان الناس يُحضرونها معهم من بلاد الحجاز أثناء أدائهم لمناسك الحج أو العمرة...
وقد استخدمها الناس عندنا في طبهم الشعبي سابقاً لعلاج الأفراد المصابين بحالات الرعب والخوف، فكان المُعالج يضع الماء داخل الطاسة، ثم يتركها تبيت تحت السماء والنجوم، وفي اليوم التالي يسقي المرعوب من الماء بعد البسملة والصلاة، كما يدور المُعالج أو الحاجة المُعالجة بالطاسة على رأس الشخص الخائف عدة مرات مع قراءة الآيات القرآنية والأدعية.. فتطمئن وتهدأ نفسية الشخص عقب الانتهاء..
ثم يعودان إلى المنزل.. يدخل الطالب إلى غرفته بنشاط وحماس جديدين، ويَنكبّ على دراسته تحضيراً لامتحانات الثانوية العامة ثانية.. وكلما اقترب موعد الامتحان يبدأ يتخيل، ويتصور أنه اخفق في الامتحان.. والناس تضحك عليه.. زملاؤه نجحوا ودخلوا الجامعات وهو لم يتمكن!!.. شكوكه الوهمية تعيده إلى وضعه السابق من جديد.. صار لا يستطيع دخول المرحاض إلا بمساعده أهله!! ساقاه لا تحملانه من الخوف الذي اعتراه.. ويصاب بإسهال..
فكان والده ينقله من منزلهم إلى قاعة الامتحانات بسيارته، وينتظره حتى الانتهاء، ثم يعيده إلى المنزل علماً بأن القاعة في نفس البلدة..
في إحدى الليالي رأى هذا الطالب في منامه الخوف على هيئة شخص، ذُعر في منامه..
وسأله: من أنت ؟
:أنا اسمي "الخوف" !!
:إذاً لماذا تطاردني حتى في أحلامي؟..
الخوف: اسمع يا بني.. أنا جئتك ناصحاً.. لا تخف مني.. أنا لست عدوك!! أنا الخوف بنفسه.. وأقول لك ذلك ولا يوجد شيء اسمه الخوف.. الخوف نابع من شكوكك بنفسك.. وخوفك من نسيان ما تحفظه.. وضعف ثقتك بنفسك.. ويمكن ضغط الأهل عليك.. أنا حالة من الشعور لديك بالوهم.. لا استطيع التسلل إليك طالما أنت طالب ذكي ومجتهد.. يجب أن تثق بنفسك وقدراتك الذهنية.. وهل تعرف من هو أكبر عدو لي؟ هو ثقتك بنفسك، والتخلص من أوهامك.. الخوف يا بني يُستثار بسبب وجود خطر خارجي والتوقع بالمجهول، وهذا يوقعك فريسة للخيال والشك وهما ظرفان ملائمان لنمو الخوف في نفسك.. وطالما أن علاماتك ممتازة بالرغم من الحالات التي تصيبك فأنت في أمان.. و يجب أن لا أكون عامل هزيمة وفشل لك.. أنت تظلمني وتظلم نفسك..لا تعيرني اهتمامك.. أنا وهم.. أنا وهم.. أنا لست جسماً غريباً أدخل إلى النفوس كالفيروسات الفتاكة..اعتبرني كائناً لم يكن.. كن شجاعاً وانتصر على أوهامك.. وسِر في طريقك نحو المستقبل بدون وَجَل..
استيقظ الطالب على وقع هذا الحوار الذي جعله في صراع مع نفسه وشد من أزره حتى أنهى جميع امتحاناته.. ومع ذلك، قبل إعلان النتائج بيوم، عاد وأصيب بالإسهال، وتملكه الخوف من جديد، علماً أن نتيجته ظهرت في اليوم التالي جيدة جداً.. لكن فرحته والأهل بالنتيجة والانتصار على الوهم أبعدت عنه هذه الشكوك والخوف..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[email protected]