الأخبار
الهدنة على الأبواب.. وتجار الحرب إلى الجحيممسؤولون أميركيون: ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء حرب غزةنتنياهو: لقائي مع ترامب قد يسهم في التوصل إلى اتفاق بغزةالاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينيةمستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية مشددة من قوات الاحتلالعائلات أسرى الاحتلال تطالب الوفد بتسريع إنجاز الصفقة خلال هذا الأسبوع
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الفصل السادس من رواية / يا من أحببت الروائية / فايزة شرف الدين

تاريخ النشر : 2010-06-13
الفصل السادس من رواية / يا من أحببت 
الروائية / فايزة شرف الدين
6 – الاعتراف :
تصاعد صوت ضحكات .. كان صداها يتردد بين جنبات المزرعة .
كان "علاء" يصحب "نها" و "ليلى" .. حتى وصلوا إلى حديقة البرتقال .. فأخذوا يمرحون خلال الأشجار 0
قام الشاب بقطف عدة برتقالات .. ثم قشرها بمدية صغيرة كانت معه .. التهموا ثلاثتهم الثمار بتلذذ 0
شعرت "نها" أن طعم البرتقال لذيذ .. رغم أنها نادرا ما تأكله ، ويكون هذا ضغط من أمها !
كانت "ليلى" تعلم أن "نها" لا تستسيغ البرتقال .. فهتفت بتعحب ، وهى ترى إقبالها على التهامه بنهم :
ـ لقد فعلت المعجزات يا بن عمى ، وجعلت "نها" تأكل البرتقال !
هتف "علاء" بحماس :
ـ سوف أقطف لها المزيد 0
لوحت "نها" بكفيها :
ـ أشكرك كثيرا .. فلقد امتلأت معدتى تماما .. فقد حصلت بالفعل على فيتامين "سى" الذى يكفينى لشهر مقبل 0
ضحك "علاء" لقولها .. بينما صاحت "ليلى" التى اختفت بين الأشجار :
ـ هيا لنواصل جولتنا 0
ما أن اقتربوا من الجسر الذى يعلو الترعة الصغيرة ، حتى رأوا حمارا مربوطا فى إحدى الأشجار .. فصاحت "ليلى" :
ـ سوف أمارس هواية الفروسية الان 0
هتف علاء بمرح :
ـ يبدو أنها ستصبح حمورية 0
ضحكت "ليلى" .. ثم هتفت فى تصميم :
ـ ولو 0
اتجهت صوب الحمار .. قامت بفك الحبل دون تردد .. ثم قفزت فوق ظهره برشاقة ، وانطلقت به 0
شيعها الاثنان بنظراتهما .. ثم هتف "علاء" مبديا إعجابه الساخر :
ـ حقا .. إنها فارسة !
ضحكت "نها" .. ثم قالت :
ـ إننى لم أضحك من قلبى منذ فترة طويلة 0
ابتسم "علاء" .. ثم تلاشت ابتسامته ، وهو ينظر إليها بإمعان .. وعيناه تريدان البوح بشئ ما يكتمه فى صدره 0
خيم الصمت لفترة من الزمن .. ثم قال أخيرا بنبرة حزن :
ـ سوف أغادر المزرعة بعد العصر إن شاء الله 0
هتفت بجزع :
ـ تغادر المزرعة ؟!
صمت قليلا ، و قد بدا عليه التفكير .. ثم قال :
ـ لقد انتهيت من إصلاح المعدات المعطوبة كلها .. لم يعد لوجودى أى ضرورة فى المزرعة بعد الآن 0
كست وجهها سحابة حزن .. انقبض قلبها لقوله .. كادت تصرخ ، و تعبر عن مكنون قلبها :
كادت تقول له .. بل تصرخ بأعلى صوتها " إننى أشعر بالفراغ فى عدم وجودك .. الحياة أصبحت جميلة .. رائعة وأنت قيها .. بل أنت الحياة كلها 0
لكن كبريائها جعلها تقول فى نبرة فيها لوم :
ـ أنت حر فى قرارك يا باشمهندس 0
نظر إليها مليا .. فتح شفتيه ليقول شيئا .. لكنه ضمهما مرة ثانية .. ليسود بينهما الصمت 0
بعد وقت قصير ظهرت "ليلى" ، وهى لا تزال ممتطية الحمار .. ما أن وصلت إلى الشجرة التى كان مربوطا بها حتى ربتت عليه 0
وقف الحمار .. قفزت من فوقه دون عناء ، ساعدها "علاء" فى ربطه ، وهو يقول بسخرية :
ـ خفت عليك من جموح هذا الحمار اليافع .. ولكنك اثبت أنك فارسة بارعة 0
مطت "ليلى" شفتيه.. ثم قالت بفخر :
ـ ألم تعرف أننى عضو فى نادى الفروسية ؟
ضحك ثلاثتهم .. ثم ما لبثوا أن عادوا أدراجهم إلى الفيلا 0
مع اقتراب العصر .. كان قلب "نها" يزداد انقباضا .. اختلست النظر إلى "علاء" ، لتملأ عينيها بملامحه ، التى تفيض بالدفء، والحنان 0
سرحت ببصرها .. مفكرة 00
فبين جوانحه .. توسدتها مشاعر كانت تنشدها يوما ..
إنها مشاعر الأمن ، والسلام ، والطمأنينة .. دون أن يتسرب الخوف إلى نفسها 00
هذا الخوف الذى كانت تشعر به دوما ، وهى بصحبة "إيهاب" 0
شيعته بعينيها ، والدمع يطفر منهما ، وهو يغادر المزرعة بسيارته .. كاد قلبها أن يتحول إلى رماد 0
رماد مازال مستعر .. أشد حرارة من اللهب .. فتحته تتأجج النيران بقوة وعنف 0
عندما لوح بيده من سيارته وهي تبتعد عن مبنى الفيلا .. شعرت أنه يودعها هى .. هى وحدها 0
حتى تلك النظرة الحزينة ، التى تألقت فى عينيه فجأة ، قبل أن يختفى بسيارته فى الطريق .. كانت بالتأكيد تعبيرا عن أحاسيسه الدفينة لفراقها 0
فى تلك الليلة شعرت أن فراشها كالأشواك تدمى جسدها .. غادرته وتسللت إلى المقعد ، الذى كان جلس فوقه بالأمس .. أخذت تتلمسه براحتيها .. تتشمم عبقه 00 كان لا يزال يفوح من حشايا المقعد 0
جلست عليه ، وطيفه يلوح أمامها .. رأت ألسنة اللهب لا تزال تتراقص بهدوء
و .. استشعرت حرارتها ، لا تزال تسرى فى أوصالها 00
بل أن النيران ، التى أشعلها بالأمس .. أحرقت قلبها بلهيبها 0

كانت المفاجأة المذهلة !!
فقد جاء الصباح التالى وهو معه .. رقص قلبها طربا 0
لقد جاء .. جاء لأنه لم يقدر على فراقها .. كما لم تقدر هى على فراقه 0
فى الأيام التالية .. حتى نهاية الأسبوع من إجازة نصف العام .. كان يأتى مع كل صباح .. متعللا الحجج لحضوره 0
لاحظ الجميع الاهتمام المتبادل بينهما .. لكنهم اكتفوا بالابتسام ، وهم يهزون رؤوسهم 0
قضت "نها" معه أسعد الأوقات فى مرح 0
ألقيا همومهما بعيدا .. نسيا العالم بأحزانه .. ارتميا بين أحضان الطبيعة .. يستمدان منها سعادتهما .. ينهلان من نهرها الفياض بالبراءة 0
تلاشت صورة "إيهاب" من مخيلتها .. عادت إليها الابتسامة التى فارقتها منذ زمن 0
لقد كان قربها من "علاء" يعيد إليها السكينة .. يشعرها دوما بجدوى الحياة 0
عندما عادت إلى منزلها .. تطلعت والدتها إليها .. ولاحظت من فورها السعادة، والبهجة اللتان كستا وجه "نها" .. فاستبشرت خيرا .. تكهنت أن ابنتها ، قد تراجعت عن موقفها من "إيهاب" ، وأن المدة التى قضتها فى الريف .. جعلتها تفكر فى أمرها مليا 0
هتفت الأم فى فرح :
ـ هناك مفاجأة رائعة فى انتظارك !
رفعت "نها" حاجبيها لأعلى معربة عن دهشتها .. غمغمت :
ـ مفاجأة !
أطلقت أمها ضحكة سعيدة .. ثم أمسكتها من معصمها .. قادتها إلى حجرة نومها 0
أشارت إلى الأكياس والعلب الأنيقة ، المتناثرة على الفراش ، بشكل غير منتظم 0
تطلعت "نها" إلى أمها .. ثم ألقت نظرة على تلك الأشياء .. ثم قالت بانفعال :
ـ لابد أن أبى هو الذى أرسل تلك الهدايا ؟
اتجهت صوب فراش والدتها ، جلست على طرفه ..وتناولت يدها كيسا كبيرا .. وجدت به معطف أنيق من الفرو .. بدا من مظهره أنه باهظ الثمن .
أخرجته من الكيس .. أخذت تتحسسه براحتيها .. ثم قرأت العلامة التجارية المرفقة به ، فوجدته صناعة فرنسية ، وأنه من تصميم أرقى بيوتات الأزياء الباريسية 0
فتحت عدة علب احتوت على أرقى العطور .. ولمحت علبة مجوهرات صغيرة بين تلك الهدايا 0
فتحتها .. وبهر عينيها خاتم ماسى دقيق ، رائع الصنع .. فتطلعت إليه بإعجاب فى بادئ الأمر .. لكنها ما لبثت أن زمت حاجبيها .. وقد بدا عليها التفكير العميق 0
فجأة .. التفتت إلى أمها بحدة .. صرخت متسائلة :
ـ من الذى أرسل هذه الأشياء يا أمى ؟
ظهر على أمها الارتباك والحيرة .. لم تنبس بكلمة .. فصرخت "نها" مرة أخرى 00
ـ "إيهاب" هو الذى أرسل تلك الأشياء .. أليس كذلك ؟
تبدلت مشاعر والدتها .. انفجرت غاضبة .. قائلة :
ـ ما العيب فى ذلك .. إن الرجل يحبك .. ولا يعيبه شئ .
ثم أضافت تلومها بعنف 00
ـ إنه أفضل منك .. كل الناس يحسدونك عليه .. كل فتاة فى الشارع تتمناه خطيبا وزوجا لها 0
صرخت "نها" بعصبية :
ـ إن هذه الهدايا من مال حرام .. حرام .. ولن أقبلها أبدا0
صرخت والدتها ، وما زال الغضب مرتسما على وجهها ويمتزج بصوتها :
ـ حرام !.. هذه حجة واهية .. ثم أنك لست المسئولة عن حسابه .. فالأمر لله وحده 0
انزلقت الدموع غزيرة .. وهى تصيح :
ـ بالطبع مسئولة .. لن أتزوج رجلا فقد ضميره 0
انطلقت خارجة إلى الصالة .. ثم إلى حجرتها ، أغلقتها وراءها .. ثم ألقت نفسها على فراشها ، وتركت لدموعها العنان 0
فمازال "إيهاب" يحاصرها بعنف .. يستخدم أسلحته التى لا تقهر .. ليسلب منها مساندة أمها وأسرتها ، حتى عطف جيرانها 0
إنها مازالت حبيسة ذلك القفص الذهبى اللعين .. الذى صنعه هو 0
ولكن .. لا.. فسوف يحطم الطائر الحبيس قيوده .. وينطلق بعيدا .. بعيدا 0
من بين دموعها .. ارتسمت صورته فى مخيلتها 0
ارتسمت صورة "علاء" .. سمعت صوته يلاطفها .. بل شعرت أنامله تربت عليها بحنو 0
هتفت بصوت جياش ، مرتجف :
ـ "علاء" .. "علاء" 0
جففت دموعها .. انطلقت مع ذكرياتها معه .. لتستعيد كل كلمة قالها .. وكل لفتة قام بها 0
كست وجهها ابتسامة حالمة 00
فحرارة اللهب مازال مستعرا بين حنياها 00
ودفء نظراته مازالت تخترق قلبها 00
انتظرت لقائه !
كانت تحلم بلقائه قريبا .. أمام مبنى كليتها ينتظرها ، والشوق قد أطل من عينيه الواسعتين الدافئتين .. ثم تسمعه يهتف باسمها .. قد أرهقه وأضناه عذاب البعد عنها .. كما أضناها عذاب البعد عنه 0 وعذبها نار الشوق إليه 0
لكن الأيام مرت .. والأسابيع توالت ..ولم يحضر لرؤياها .. فانتابتها الهواجس ، والريب المزعجة المخيفة 0
غرقت أحلامها ، وآمالها .. فى بحار اليأس ، والقنوط 0
تداعت إليها الأفكار السوداء 0
مؤكد أنه لم يحبها ، وأنها كانت واهمة ، ومعاملته لها كانت تعاطفا من رجل رقيق الطباع .. لما تعانيه وتمر به من ظروف قاسية 0
إنها لم تسمع منه كلمة حب .. أو حتى تلميح بحبه لها 0
ثم .. لماذا يحبها هى .. هى دون غيرها ؟! إنها فى حكم المتزوجة .. ولعله آثر أن يبتعد ، وينأى عن المشاكل .. أو لعله عاد إلى خطيبته 0
عندما انتابها هذا الهاجس .. داخلها الفزع .. شعرت بألم مريع يكاد يمزق قلبها 0
أخذ جسدها يذوى بشكل ملحوظ .. بينما ازداد شحوب وجهها ..وأصبحت تلوذ بالصمت .. انطوت على نفسها بعيدا عن أسرتها ، وأصدقائها وزملائها بالكلية 0
لاحظت والدتها هذا التغير الذى طرأ عليها .. ظنت أنها آلمت ابنتها .. عندما حاولت أن تجبرها على الزواج من "إيهاب" 0
قلت "لنها" بحنان :
ـ إننى قلقه عليك يا بنيتى .. فصحتك ليست على ما يرام 0
دنت منها .. وأخذت تقبلها فى جبينها ، وقد أغرورقت عيناها بالدموع .. ثم هتفت معتذرة :
ـ سامحينى يا بنيتى .. فقد كنت أريد مصلحتك .. لم أتمن أن أجبرك على شئ لا ترغبينه أبدا 0
خرجت "نها" من صمتها .. قالت بصوت مرتعش :
ـ أعرف يا أمى فلا تلومى نفسك على شئ 0
امتزجت دموعهما .. عندما لامست شفتى "نها" يدى أمها .. تناولتهما بين راحتيها ، وأخذت تقبلهما وهى تجهش بالبكاء 0
ودت لو تلقى رأسها على صدر أمها لتتوسده .. تقص عليها ما تعانيه من لوعة الحب والحيرة 0
لكنها كانت تعلم تمام العلم .. أنه بالرغم من مشاعر الأمومة الصادقة فى تلك اللحظة ، ورغم مشاعر الأمومة المتدفقة حنانا .. فإنها لن تتفهم أبدا أنها تحب 0
أن هذا هو حبها الصادق ، الوحيد طوال حياتها 0
لم تجد "نها" من تبثه مشاعرها ومخاوفها .. إلا صديقتها الوفية "هدى" 0
فى منزل الأخيرة .. جلست الصديقتان فى حجرة الاستقبال
تطلعت "هدى" إلى صديقتها بقلق .. ثم هتفت :
ـ لابد سبب تغيرك هو "إيهاب" ؟
لمعت فى عينيها عبرة متحجرة .. حاولت "نها" أن تستجمع نفسها .. ثم قالت بعد فترة بصوت مخنوق :
ـ أكاد اجن يا "هدى" 0
صاحت هدى بجزع :
ـ لقد احتدم قلقى عليك أكثر .. فأرجو أن توضحى الأمر على الفور 0
غالبت دموعها .. بعد جهد قالت "تها" ، وهى تشعر بغصة فى حلقها :
ـ إننى أحب يا "هدى" .. لكن الذى أحبه ، على ما يبدو لا يبادلنى نفس الشعور 0
تطلعت "هدى" إليها بفضول .. ثم تساءلت :
ـ وأين قابلتى سعيد الحظ هذا ؟ ومتى ؟
أخذت تقص عليها الأحداث التى مرت بها بالتفصيل 0
بعد أن انتهت "نها" من قص حكايتها .. ساد بينهما فترة من الصمت .. كان يبدو على "هدى" التفكير .. كأنما تستعيد فى ذهنها ما قالته صديقتها .. محاولة أن تستنتج بعض النتائج 0
تنفست بارتياح .. كست وجهها ابتسامة كبيرة .. ثم هتفت :
ـ أؤكد لك أنه يبادلك نفس شعورك .. وربما بقدر أكبر من حبك له 0
تساءلت "نها" بلهفة :
ـ ما الذى يجعلك متأكدة هكذا ؟
نظرت "هدى" إليها مليا .. ثم قالت بنبرة أكثر ثقة وتأكيدا:
ـ إن كل المؤشرات تؤكد ذلك .. ثم اهتمامه بك طوال فترة إقامتك بالمزرعة .. وزياراته المتكررة 0
تدفقت الدموع من عينى "نها" غزيرة ، وهى تقول :
ـ إنه لم يلمح بأى كلمة تعبيرا عن حبه لى .. ثم .. ثم إنه لم يسأل عنى طوال تلك الفترة الممتدة !
هتفت "هدى" بسرعة :
ـ لأنه رجل يحترم نفسه ، ويحترمك أيضا .. فلا تنس يا "نها" ، أنك مازالت فى عصمة رجل آخر .. مما يصعب الأمر عليه .. ليبوح بحبه لك خلال فترة وجيزة 0
صمتت قليلا .. ثم أردفت 00
ـ قد يكون عدم حضوره أيضا .. إحساسه بمدى الحرج .. الذى قد يسببه لك .. إذا تناهى هذا الخبر لأسرتك أو لهذا المدعو "إيهاب" 0
كفت "نها" عن البكاء .. وأخذت تجفف الدموع التى أغرقت وجنتيها بمناديلها الورقية .. كان الاقتناع مرتسما على وجهها لرأى "هدى" 0
00 انبثق الأمل فى قلبها مرة أخرى 0
استعادت النظرات التى كان يرمقها بها ، واللهفة التى كان يبديها عند كل لقاء بينهما .. ثم خوفه ، وجزعه الذى كان يرتسم على وجهه ، إذا شعر إنها حزينة .. أو أن هناك شئ يؤلمها 0
رغم اقتناعها بمنطق صديقتها "هدى" .. إلا إنها شعرت بحزن عميق .. هذا الشعور يتحول فى أحيان كثيرة إلى الكدر والغضب منه .. لعدم سؤاله عنها ، والاتصال بها بأى وسيلة ممكنة 0
فلو تأكدت أنه يحبها ، كما تحبه .. لحاولت المستحيل ، وهدمت السدود .. وعبرت الحواجز حتى ينجح هذا الحب.
مع كل يوم جديد كانت تنتظره 0
تنتظر اليوم الذى سوف يقبل فيه بصبر نافد .. وقد هدم السدود وعبر الحواجز .. ليلتأم شمل قلبيهما 0
و.. أصبح الحلم حقيقة !
عندما لمحته أثناء خروجها من مبنى الجامعة مع بعض زملائها ، وهم يستعدون لمغادرة الحرم الجامعى ..بعد انتهاء اليوم الدراسى 0
دق قلبها سريعا .. سريعا .. ثم أحست أنه توقف فجأة .. آمرا الزمن أن يوقف عقاربه .. ليستعذب هذه اللحظة .. التى انتظرتها طويلا 0
استأذنت من زملائها .. اللذين واصلوا سيرهم .. أما هى فقد أسرعت الخطى إليه .. وقد عاد لقلبها دقاته العنيفة .. التى زادت سرعة ، واضطرابا 0
غطت الحمرة وجهها ، وصبغته بلون وردى رائع ، وهى تهتف بصوت رقيق حالم :
ـ أهلا يا باشمهندس "علاء" 0
بدا عليه الخجل ، وقد أطرق برأسه إلى الأرض .. رفع طرفه على مهل .. وهو يقول بصوت مرتعش :
ـ أهلا يا آنسة "نها" 0
ثم أردف بصوت خافت 00
ـ إننى آسف أشد الأسف لحضورى الغير متوقع .. لقد ترددت كثيرا قبل أن أقدم على هذه الخطوة 0
لمحت "نها" الهالات السوداء تحت عينيه ، استشعرت مدى القلق ، والأرق الذى مر به .. كادت تصرخ فيه .
ـ " لماذا فعلت هذا بنفسك ؟! .. لقد تأخرت فى الإقدام على هذه الخطوة "0
لكنها آثرت الصمت .. حتى لا تفضح مشاعرها .. فمازالت حتى الآن غير متأكدة من حبه لها !
عاد يقول بتردد00
ـ هل يمكن أن نذهب إلى مكان مناسب غير الجامعة ؟
هتفت ، ونبرة سعادة تمتزج بصوتها :
ـ موافقة
مشيا عبر ممرات الحرم الجامعى .. دهشت عندما تبينت أنه لم يحضر سيارته .. كأنما قرأ أفكارها .. فقال معتذرا:
ـ لم أحضر سيارتى .. حتى لا أضايقك .. و00
بتر عبارته فجأة .. لكنها فهمت ما يرمى إليه 00
فهو لم يحضر سيارته .. حتى لا يعرضها للحرج .. عندما تركبها ويصبحا وحدهما .. بذلك تكون عرضة للأقاويل0
تطلعت إليه بإعجاب .. وهتفت :
ـ أفهم قصدك يا باشمهندس ، أشكرك كثيرا على مشاعرك النبيلة 0
ما أن غادرا الجامعة .. حتى استقلا سيارة أجرة .. انطلقت بهما خلال الشوارع .. حتى وقفت أمام احد الكازينوهات المطلة على النيل 0
كان الجو رائعا .. بينما كانت مياه النيل تنساب تحت أنظارهما ، وقد تألقت بلون الشمس الذهبى .. التى أزف ميعاد غروبها .. بينما كان هواة التجديف ينطلقون بقواربهم الطويلة الممتدة لعدة أمتار ، وكان صوت صفير يتصاعد من وقت لآخر 0
ثم بعد دقائق ابتعدت القوراب عن مرمى بصريهما .. شعرا أن النيل لهما وحدهما 0
كان المكان هادئ تماما .. فلم يكن ثمة رواد ، إلا هما فقط.
فى هذا الجو البديع تفجرت مشاعرهما 0
تطلع إليها بشغف .. ثم قال :
ـ إننى لم اكف عن التفكير فيك .. منذ أول لحظة وقعت عيناى عليك 0
رغم أنها شعرت برجفة تسرى فى بدنها .. رغم وقع اعترافه الذى أشعرها بسعادة غامرة .. إلا أنها تطلعت إليه وفى عينيها نظرة عدم التصديق .. فقد كان اعترافه هذا مفاجأة لها .. لأنها مازالت تتذكر اللحظة الأولى .. التى تقابلا فيها .. فتساءلت بدهشة :
ـ لقد أهملتنى تماما ، عند أول لقاء لنا !
ابتسم بخجل .. ثم قال بتمهل :
ـ لأن مظهرى لم يكن لائقا .. فقد كانت يدى وملابسى متسخة بالشحم .. فكنت فى أشد الحرج منك 0
ضحكت بصوت رقيق :
ـ إذن كانت عملية دفاع عن النفس 0
ـ شاركها ضحكها .. ثم أضاف :
ـ ليس .. إلا 0
ثم هتف ، وفى صوته نبرة شجن 00
ـ إن طيفك ملك فؤادى .. حتى لم أعد أستطع النوم ، أو التركيز فى أى عمل .
انتفضت بعنف .. لم تستطع أن تدارى انفعالها .. ارتعشت شفتاها وشحب لونهما .. حاولت أت تقول شيئا .. لكنها لم تستطع أن تنبس بكلمة .. غص حلقها وتداعت قوتها 0
هتف بصوت عميق ، حار .. وهو يردد اسمها :
ـ "نها" .. "نها" .. إنك تحبينى كما أحبك ؟!
أردف يقول دون أن ينتظر ردها 00
ـ إننى أرى هذا فى عينيك يا حبيبتى .. وفى ارتعاشة شفتيك .. بل وفى شحوب وجهك 0
ثم عاد يقول بصوت أكثر حرارة ، وانفعالا 00
ـ لقد أحببتك منذ اللحظة الأولى .. وأظن أن مشاعرنا قد تفجرت فى قلبينا فى آن واحد .
حاولت أن تتمالك نفسها .. وتستجمع الكلمات المتناثرة فى ذهنها .. لتعبر عن مكنون قلبها .. فقالت هامسة .. وأنفاسها تتلاحق :
ـ لقد أحببتك أكثر من نفسى .. وعذبنى .. حبى .. لك 0
صرخ بلوعة ، وأسف :
ـ عذبك حبك لى .. لا..لا ياحبيبتى .. إننى لا أستطيع أن أتحمل أن تتعذبى لحظة واحدة .حتى لو كان هذا من أجلى .
ابتلع ريقه الجاف بصعوبة .. ثم تناول كوب الماء .. رفعه إلى فمه ليتجرع منه بضع قطرات .. ثم قال :
ـ من الآن فصاعدا .. سيكون حبنا سعادة دائمة .. و سأكون دائما بجوارك أساندك .. حتى تحصلى على حريتك .. ليضمنا عش جميل آمن .
التمعت فى عينيها نظرة حزن .. هتفت بحسرة :
ـ قد يطول بنا الزمن .. فالأمر ليس بيدى 0
قال بتصميم :
ـ مهما طال الزمن .. فلابد لليل أن ينجلى 0
رغما عنها ضحكت 00 فالمقطع الثانى لعبارته كان من قصيدة الشاعر أبى القاسم الشابى 0
قالت وهى تحرك سبابتها :
ـ ممنوع الاقتباس يا باشمهندس 0
ابتسم بسعادة وهو يقول :
ـ يكفى أن هذا الاقتباس جعلك تضحكين .. بالرغم من أننى لم أقصد هذا إطلاقا .
بدأ الليل يزحف بسرعة .. وأضيئت الأنوار .. والتمع النيل بأضواء لؤلؤية .. انسابت على صفحته .. فأصبحت كالزجاج البلورى 0
سرت نسمة هواء باردة .. لفحت وجه "نها" ، وأناملها ببرودتها اللذيذة .. فهتف بجزع :
ـ لابد أنك تشعرين بالبرد 0

خلع عنه شملته الأنيقة التى تلتف حول رقبته .. ثم نهض من مقعده .. ولفها حول رقبتها بحنان دافق 0
رغما عنهما .. لم يتوقف الزمن .
‍فالوقت مر سريعا 00 سريعا .. واضطرا أن يفترقا 0
أوقف "علاء" سيارة أجرة .. ثم نقد السائق الأجرة .. شيع "نها" وهى تختفى داخلها .. وقلبه يكاد يقفز من بين ضلوعه 00 ليلحق بها 0
أما هى .. فقد خامرها مشاعر من الراحة والسعادة .. فلقد تيقنت أنه يحبها 00
وأنها سوف تحارب الدنيا من أجل هذا الحب ، الذى ملأ عليها حياتها 0
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف