جدى عبد اللطيف
لم يكن جدى مباشرةً إنما كان جدا لوالدى تجاوز التسعين على أقل تقدير وكنت أنا إذ ذاك فى السادسة من عمرى كنت أنا وهو نشترك وقت ذاك فى صفة واحدة:إثنان لا يُنتبه لهما فى كلامٍ أبدا رغم التدليل وسرعة الاستجابةفى طلبات الحياة الأعتيادية إذ كنت أنا أنا الذكر الوحيد والولد الأصغر لوالدى ووالدتى وكان هو بما يمثله من تاريخ فائت حيث كان عميداً لعائلتنا وكنا الإثنين المرابطين فيما ا كنا نسميه (المندرة الكبيرة) وهى أكبر حجرة فى منزل الأسرة ذو التاريخ العريق والأصيل منذ أزمنة بعيدة فعائلتنا رغم أنها لم تكن الأغنى إلا أنها كانت تختص بفض المنازعات بين الفلاحين بل وبين العائلات الكبرى فى قريتنا والقرى المجاورة وكانت المندرة تنقسم لقسمين قسم به صالون كان والدى قد اشتراه يوما ما كلازمة للوجاهة حين كان يتولى الحملة الانتخابية لأحد المرشحين للإنتخابات وكان هذا الرجل يمت بصلة قرابة له من بعيد وكانت دائرته الانتخابية فى منطقتنا والجزء الآخر كان مفروشاً فرشاً تقليديا بما نسميه عندنا (المربوعة)وهى سجاد مفروش على الأرض وفوقه وسائد مريحة وكان معظم الداخلين يفضلون الجلوس فى منطقة المربوعة وكان لجدى عبد اللطيف ركن قد وضعوا له فيه فراش مريح وأغطية تليق به حيث كان الجميع يصر على رؤيته حين زيارتنا فنقله والدنا من حجرته الداخلية إلى هذه الحجرة ورفضت أنا أن أتركه أبداً رغم إلحاح أمى على بالنوم مع شقيقاتى الصغيرات فى حجرات النوم الداخلية للمنزل كنا شاهديَّن على كل ما يدور فى تلك الحجرة من أحداثٍ الظاهر على أبى بل والخفى عليه أيضاً فعندما كان يستضيف أبى اصحاب الشكوى وحين ينادى عليه أحد من الخارج كان الضيوف يتحررون ويتحدثون على اعتبار أن الجالسِين أحدهما مُسِّن والآخر طفل فلا حرج ولا خوفٌ منهما كنا نرى الشاكى وإخوته وهم يلفِّقون ماسوف يقولونه وما سوف يخفونه عن والدى كنا نرى كلمات الحسد التى كانوا يقولونها على والدى وعلى مكانته بين الناس وعندما يلقون والدى يمتدحونه بشدة لورعه وعدله بين الناس وكنا نرى فورة الشباب ونظرات الإعجاب المخفية بين أبناء الأعمام وبناتهم . الذى لم يكن يدريه أحد تلك اللغة ما بين جدى وبينى لم أكن أعى كل ما يحدث وأفهمه كانت نظراته معلماً لى كانت لغة ً مشتركة مابيننا وضحت لى دون كلامٍ كثيراً مما خفى . فى احد الأيام أتانا بعض أبناء عمومة واحدة طالبين من أبى أن يتوسط لدى المأمور للإسراع فى التحقيقات التى تُجرى بشأن مقتل أحد الإخوة وكان الفاعل مجهولاً نظر لى جدى نظرة تشير إلى أحدهم وكأنه يقول لى: هذا هو القاتل نظرت فى عينيه ولا أدرى لماذا شعرت بنفس الشعور وفى اليوم التالى وجدت أبى منفرداً بأحد أعمامى وكانا يتحدثان فى هذا الموضوع فصرخت باسم من ظنه جدى القاتل فنهرنى والدى وقال لى: ستخرب بيتنا مالك أنت ومال هذه المواضيع أتشير على كبير عائلتهم ايها الفَسل والله لو سمعك أحد أفراد اسرتهم لأجلسونا فى جلسة عرب وأخذوا منا كل ما نملك وليس بعيدا ً أن يخرجونا من البلد إمش بعيدا وإياك أن تتدخل فى حوارات الكبار ياحمار!!! فهرعت أجرى رعباً لأنى أعرف غضبته حين تصبح عاصفة وتوابعها وجريت إلى حضن جدى وأنا أنظر له معاتباً إذ أنه من وضعنى فى هذا الموقف ورغم ذلم ماوجت فى عينيه إلا نظرةً تؤكد ما قال من قبل عرفت بعدها أن عمى قد أشار علي أبى وطلب منه أن يتحرى فى السر عن الموضوع فقد يكون الولد (مكشوف عنه الحجاب) إتضح لوالدى ان هناك من رأى القاتل وهو يهدد القتيل قبلها بيوم ويتوعده إن لم يتوقف عن المناوشات التى يتصنعها ليضيف بعض القراريط من أرض أبناء عمه لأرضه فسوف يقتله وعندما واجه الوالد القاتل بالشاهد انهار واعترف من وقتها ولى مكانة وحظوة أكثر وأكثر عند أهلى كلهم وقد أعتبرونى أنى مبروكا ومكشوف عنى الحجاب لايدرون أن عينيه هما من كانتا ترشدانى دون كلام ,عينا جدى عبد اللطيف وحين خبت عيناه واسترد صاحب الأمانة أمانته لم تعد هناك عينان ترشدانى وذهبت (بركتى) وكبرنا وأخذتنا المدينة وكلما جئت فى إحدى المناسبات لم أنس أن أذهب لزيارته وقراءة الفاتحة على روحه ذلك المتبصر الذى كان عينَّى .رحمك الله يا جدى ورحم أيامك الجميلة
لم يكن جدى مباشرةً إنما كان جدا لوالدى تجاوز التسعين على أقل تقدير وكنت أنا إذ ذاك فى السادسة من عمرى كنت أنا وهو نشترك وقت ذاك فى صفة واحدة:إثنان لا يُنتبه لهما فى كلامٍ أبدا رغم التدليل وسرعة الاستجابةفى طلبات الحياة الأعتيادية إذ كنت أنا أنا الذكر الوحيد والولد الأصغر لوالدى ووالدتى وكان هو بما يمثله من تاريخ فائت حيث كان عميداً لعائلتنا وكنا الإثنين المرابطين فيما ا كنا نسميه (المندرة الكبيرة) وهى أكبر حجرة فى منزل الأسرة ذو التاريخ العريق والأصيل منذ أزمنة بعيدة فعائلتنا رغم أنها لم تكن الأغنى إلا أنها كانت تختص بفض المنازعات بين الفلاحين بل وبين العائلات الكبرى فى قريتنا والقرى المجاورة وكانت المندرة تنقسم لقسمين قسم به صالون كان والدى قد اشتراه يوما ما كلازمة للوجاهة حين كان يتولى الحملة الانتخابية لأحد المرشحين للإنتخابات وكان هذا الرجل يمت بصلة قرابة له من بعيد وكانت دائرته الانتخابية فى منطقتنا والجزء الآخر كان مفروشاً فرشاً تقليديا بما نسميه عندنا (المربوعة)وهى سجاد مفروش على الأرض وفوقه وسائد مريحة وكان معظم الداخلين يفضلون الجلوس فى منطقة المربوعة وكان لجدى عبد اللطيف ركن قد وضعوا له فيه فراش مريح وأغطية تليق به حيث كان الجميع يصر على رؤيته حين زيارتنا فنقله والدنا من حجرته الداخلية إلى هذه الحجرة ورفضت أنا أن أتركه أبداً رغم إلحاح أمى على بالنوم مع شقيقاتى الصغيرات فى حجرات النوم الداخلية للمنزل كنا شاهديَّن على كل ما يدور فى تلك الحجرة من أحداثٍ الظاهر على أبى بل والخفى عليه أيضاً فعندما كان يستضيف أبى اصحاب الشكوى وحين ينادى عليه أحد من الخارج كان الضيوف يتحررون ويتحدثون على اعتبار أن الجالسِين أحدهما مُسِّن والآخر طفل فلا حرج ولا خوفٌ منهما كنا نرى الشاكى وإخوته وهم يلفِّقون ماسوف يقولونه وما سوف يخفونه عن والدى كنا نرى كلمات الحسد التى كانوا يقولونها على والدى وعلى مكانته بين الناس وعندما يلقون والدى يمتدحونه بشدة لورعه وعدله بين الناس وكنا نرى فورة الشباب ونظرات الإعجاب المخفية بين أبناء الأعمام وبناتهم . الذى لم يكن يدريه أحد تلك اللغة ما بين جدى وبينى لم أكن أعى كل ما يحدث وأفهمه كانت نظراته معلماً لى كانت لغة ً مشتركة مابيننا وضحت لى دون كلامٍ كثيراً مما خفى . فى احد الأيام أتانا بعض أبناء عمومة واحدة طالبين من أبى أن يتوسط لدى المأمور للإسراع فى التحقيقات التى تُجرى بشأن مقتل أحد الإخوة وكان الفاعل مجهولاً نظر لى جدى نظرة تشير إلى أحدهم وكأنه يقول لى: هذا هو القاتل نظرت فى عينيه ولا أدرى لماذا شعرت بنفس الشعور وفى اليوم التالى وجدت أبى منفرداً بأحد أعمامى وكانا يتحدثان فى هذا الموضوع فصرخت باسم من ظنه جدى القاتل فنهرنى والدى وقال لى: ستخرب بيتنا مالك أنت ومال هذه المواضيع أتشير على كبير عائلتهم ايها الفَسل والله لو سمعك أحد أفراد اسرتهم لأجلسونا فى جلسة عرب وأخذوا منا كل ما نملك وليس بعيدا ً أن يخرجونا من البلد إمش بعيدا وإياك أن تتدخل فى حوارات الكبار ياحمار!!! فهرعت أجرى رعباً لأنى أعرف غضبته حين تصبح عاصفة وتوابعها وجريت إلى حضن جدى وأنا أنظر له معاتباً إذ أنه من وضعنى فى هذا الموقف ورغم ذلم ماوجت فى عينيه إلا نظرةً تؤكد ما قال من قبل عرفت بعدها أن عمى قد أشار علي أبى وطلب منه أن يتحرى فى السر عن الموضوع فقد يكون الولد (مكشوف عنه الحجاب) إتضح لوالدى ان هناك من رأى القاتل وهو يهدد القتيل قبلها بيوم ويتوعده إن لم يتوقف عن المناوشات التى يتصنعها ليضيف بعض القراريط من أرض أبناء عمه لأرضه فسوف يقتله وعندما واجه الوالد القاتل بالشاهد انهار واعترف من وقتها ولى مكانة وحظوة أكثر وأكثر عند أهلى كلهم وقد أعتبرونى أنى مبروكا ومكشوف عنى الحجاب لايدرون أن عينيه هما من كانتا ترشدانى دون كلام ,عينا جدى عبد اللطيف وحين خبت عيناه واسترد صاحب الأمانة أمانته لم تعد هناك عينان ترشدانى وذهبت (بركتى) وكبرنا وأخذتنا المدينة وكلما جئت فى إحدى المناسبات لم أنس أن أذهب لزيارته وقراءة الفاتحة على روحه ذلك المتبصر الذى كان عينَّى .رحمك الله يا جدى ورحم أيامك الجميلة