عزف على الناي
تجاوبت القبرات مع قطعان الماشية وهي تقضم الأعشاب منتشية بطعمها العذري ، كانت حارسة القطيع تقعو فوق الهضبة ، وترقب أطراف الحقل ،بتحفز لمنع أية شاة من تخطي حدود بصرها ، وترصد المكان من هجوم الذئاب .كان الراعي جلسا على حجرة يعبّ من لفافة التبغ ، تناول الناي ، وراح ينفخ في داخلها ،فتنداح الأنغام لتشنف أذني الكلبة فكفت عن النباح ، واكتفت بمط لسانها بلهاث مرير ، تذكرت جراءها ، لم تدر أين ذهب بهم الراعي ، حاولت أن تستفسر الحمار عنهم ، تذكرت أنه مربوط من رجل ولا يستطيع تحركت إلا ضمن دائرة لا يتجاوز قطرها عدد أصابع اليد سألت نفسها : " أيكون قضى عليهم الراعي "؟.
هزت ذيلها وشنفت أذنيها ، حين شعرت إنهم دون طعام وشراب ، قدحت شرارة في عينيها سرت لذاتها :" عشر سنوات أرافق القطيع في الليالي والنهارات ،وأنا في حالة عراك مع الكلاب الشاردة والذئاب ".
كانت الذئاب تتربص بالقطيع وتنتظر فرصة الانقضاض عليه ،قالت : " علام ؟. أضحي من أجل قطيع يكرهنني ، من الأولى أن أترك الذئاب تمزقه إربا ".
ارتعشت منذ عام لم تتلقي بأي كلب من فصيلتها ، ولم تعرف طعم اللحم ، أحست ببخل الراعي ، فكرت الابتعاد عن القطيع لكنها لم تستطع ، لقد أشجاها عزف الناي تجعلها تغمض عينيها تأخذها بعيدا إلى مدرات التساؤل .
أيقظتها دعوة الراعي كعادته لاصطياد الأرانب و ملاحقتها ، وحين يحس بقدوم الذئاب يلوح بمقلاعه :
- عليك بهم يا بيوضة .
تهجم على الذئاب ، فتدور بنهم معركة تنتهي بفوز بيوضة لكن لا تخلو من الجراح بأنياب الذئاب ، ذاك اليوم قتلت ذئبين ، ورغم ذلك لم تعرف طعم اللحم ،نخرت غيظا جفل لها القطيع وابتعد عنها .
قال كبش كبير :
- يبقى الكلب كلبا ولو طوق بالذهب .
سرت مع نفسها :
- كم أنت غبي ألا تعلم مقدار حاجتي للحم ، أنا لا أريد ذهبا .
انشق الليل عن وميض قمر مخبئ وراء الغيوم ، وعويل عاصفة ترنح لها ذئب يعوي من شدة الفراق ، أدركت أنه فقد قرينته ، شفقت عليه رغم أنها لم تعرف شفة الراعي :
- أستطيع أن أقتلك ، لكن لم يطاوعني قلبي لأنك تشبهين زوجي .
- حسنا ،لا بأس .
دنا منها وراح يهرشها حتى سربل قلبها ، ووعدته الكف عن حماية القطيع ، واستدرجته بعبارات معسولة ...دعاها إلى وليمة من اللحم ، تسللت معه إلى قاع الوادي :
- جئت أهلا ...
جلست تحت صخرة تحميها من ريح صرصر ،لم يغب طويلا فعاد يحمل على كتفه جديا ، وراحت تقرقش العظام حتى طلوع الفجر .
قبعت في ظل الصخرة وحيدة ،في الوقت الذي أجتمع فيه الذئب مع قطيعه ، ليرسم خطة الهجوم على القطيع وقال لهم :
- كسبت ود بيوضة .
وثبت الذئاب إلى مكان القطيع ، انقضوا على المواشي بقلوب مملوءة بحقد دفين .
قضت بيوضة وطرها مع عدد من الذئاب ، تفجر في داخلها حنين إلى القطيع ، هرولت باتجاه البيت ، فلم تجد أثر للقطيع ، دارت حول البيت أيّاما . فوجئ الراعي حين وجدها نافقه على البيادر .
بحث الذئب عن كلبة ثانية ، كانت عنيده أملت عليه شروطا قاسية . قال لها :
- أحبك .
- لا لم أسمع أن ذئبا أحب كلبة .
- ألست من فصيلتنا ؟.دعينا نعيش حياتنا وننجب أفضل الجراء .
- ما الذي يدفعك على محبتي ؟.
- سأجيب على السؤال غدا .
ذهب ولم يعد بعد أن عرف إن رغبة الذئب في مضاجعة أنثى الكلاب رغبة ذكية ليضمن السلامة .
القاص والروائي السوري نبيه اسكندر الحسن
سوريا حمص - ص - ب - 5121
[email protected]
تجاوبت القبرات مع قطعان الماشية وهي تقضم الأعشاب منتشية بطعمها العذري ، كانت حارسة القطيع تقعو فوق الهضبة ، وترقب أطراف الحقل ،بتحفز لمنع أية شاة من تخطي حدود بصرها ، وترصد المكان من هجوم الذئاب .كان الراعي جلسا على حجرة يعبّ من لفافة التبغ ، تناول الناي ، وراح ينفخ في داخلها ،فتنداح الأنغام لتشنف أذني الكلبة فكفت عن النباح ، واكتفت بمط لسانها بلهاث مرير ، تذكرت جراءها ، لم تدر أين ذهب بهم الراعي ، حاولت أن تستفسر الحمار عنهم ، تذكرت أنه مربوط من رجل ولا يستطيع تحركت إلا ضمن دائرة لا يتجاوز قطرها عدد أصابع اليد سألت نفسها : " أيكون قضى عليهم الراعي "؟.
هزت ذيلها وشنفت أذنيها ، حين شعرت إنهم دون طعام وشراب ، قدحت شرارة في عينيها سرت لذاتها :" عشر سنوات أرافق القطيع في الليالي والنهارات ،وأنا في حالة عراك مع الكلاب الشاردة والذئاب ".
كانت الذئاب تتربص بالقطيع وتنتظر فرصة الانقضاض عليه ،قالت : " علام ؟. أضحي من أجل قطيع يكرهنني ، من الأولى أن أترك الذئاب تمزقه إربا ".
ارتعشت منذ عام لم تتلقي بأي كلب من فصيلتها ، ولم تعرف طعم اللحم ، أحست ببخل الراعي ، فكرت الابتعاد عن القطيع لكنها لم تستطع ، لقد أشجاها عزف الناي تجعلها تغمض عينيها تأخذها بعيدا إلى مدرات التساؤل .
أيقظتها دعوة الراعي كعادته لاصطياد الأرانب و ملاحقتها ، وحين يحس بقدوم الذئاب يلوح بمقلاعه :
- عليك بهم يا بيوضة .
تهجم على الذئاب ، فتدور بنهم معركة تنتهي بفوز بيوضة لكن لا تخلو من الجراح بأنياب الذئاب ، ذاك اليوم قتلت ذئبين ، ورغم ذلك لم تعرف طعم اللحم ،نخرت غيظا جفل لها القطيع وابتعد عنها .
قال كبش كبير :
- يبقى الكلب كلبا ولو طوق بالذهب .
سرت مع نفسها :
- كم أنت غبي ألا تعلم مقدار حاجتي للحم ، أنا لا أريد ذهبا .
انشق الليل عن وميض قمر مخبئ وراء الغيوم ، وعويل عاصفة ترنح لها ذئب يعوي من شدة الفراق ، أدركت أنه فقد قرينته ، شفقت عليه رغم أنها لم تعرف شفة الراعي :
- أستطيع أن أقتلك ، لكن لم يطاوعني قلبي لأنك تشبهين زوجي .
- حسنا ،لا بأس .
دنا منها وراح يهرشها حتى سربل قلبها ، ووعدته الكف عن حماية القطيع ، واستدرجته بعبارات معسولة ...دعاها إلى وليمة من اللحم ، تسللت معه إلى قاع الوادي :
- جئت أهلا ...
جلست تحت صخرة تحميها من ريح صرصر ،لم يغب طويلا فعاد يحمل على كتفه جديا ، وراحت تقرقش العظام حتى طلوع الفجر .
قبعت في ظل الصخرة وحيدة ،في الوقت الذي أجتمع فيه الذئب مع قطيعه ، ليرسم خطة الهجوم على القطيع وقال لهم :
- كسبت ود بيوضة .
وثبت الذئاب إلى مكان القطيع ، انقضوا على المواشي بقلوب مملوءة بحقد دفين .
قضت بيوضة وطرها مع عدد من الذئاب ، تفجر في داخلها حنين إلى القطيع ، هرولت باتجاه البيت ، فلم تجد أثر للقطيع ، دارت حول البيت أيّاما . فوجئ الراعي حين وجدها نافقه على البيادر .
بحث الذئب عن كلبة ثانية ، كانت عنيده أملت عليه شروطا قاسية . قال لها :
- أحبك .
- لا لم أسمع أن ذئبا أحب كلبة .
- ألست من فصيلتنا ؟.دعينا نعيش حياتنا وننجب أفضل الجراء .
- ما الذي يدفعك على محبتي ؟.
- سأجيب على السؤال غدا .
ذهب ولم يعد بعد أن عرف إن رغبة الذئب في مضاجعة أنثى الكلاب رغبة ذكية ليضمن السلامة .
القاص والروائي السوري نبيه اسكندر الحسن
سوريا حمص - ص - ب - 5121
[email protected]