الأخبار
الهدنة على الأبواب.. وتجار الحرب إلى الجحيممسؤولون أميركيون: ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء حرب غزةنتنياهو: لقائي مع ترامب قد يسهم في التوصل إلى اتفاق بغزةالاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينيةمستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية مشددة من قوات الاحتلالعائلات أسرى الاحتلال تطالب الوفد بتسريع إنجاز الصفقة خلال هذا الأسبوع
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

من حكايات القرى 8- التحقيق في مسلخ طولكرم المركزي بقلم عزام أبو الحمـام

تاريخ النشر : 2010-06-10
من حكايات القرى 8- التحقيق في مسلخ طولكرم المركزي بقلم عزام أبو الحمـام
ملاحظة: مئات الآلاف من أبناء شعبنا الفلسطيني مروا بتجربة الاعتقال القاسية التي قد تتشابه وهذه الحكاية، فلهم جميعا التحية والتقدير.
..............

كان اعتقال محمد قد تم فجر ليلة الأحد، وقد اقتيد معصوب العينين مكبل اليدين خلف الظهر مشيا على الأقدام من خلال الحقول إلى أن أودع في مركبة عسكرية على مشارف القرية وجد فيها معتقلين آخرين من أبناء قريته، وقد استطاع معرفة بعضهم من خلال بعض الكلمات التي نطقوا بها تذمرا واحتجاجا على القيود التي كبلوا بها أو احتجاجا على الكيس الكتاني القميء الذي لفتْ به رؤوسهم،،،

تحركت المركبات العسكرية وراحت أصوات الديكة في القرية تغيب رويدا رويدا تحت وطأة أصوات المحركات فيما حنينا للقرية وأزقتها بدأ يشب في صدر محمد كجذوة نار تشتعل في تنور حسبه خامدا لوقت طويل، لقد بات يعرف أنه سيكون بعيدا عن قريته وعن أسرته وعن أصدقائه لوقت طويل وأنه سيكون نزيل السجن الإسرائيلي الأسوأ على الإطلاق، إنه سجن طولكرم للتحقيق المركزي الذي طالما عرف بكنيته بين الناس ب"المسلخ".
في ذهن محمد صورة واضحة عن التعذيب الذي يجري في هذا المسلخ القذر من خلال زملائه وأصدقائه الذين سبقوه.
ظلت السيارات تسير إلى أن وصلت السجن بعد أقل من ساعة من الزمان فتوقفت ليتأكد محمد أنه صار في فم المسلخ الكبير، وبدأ يشتم رائحة السجن الكريهة من تحت الكيس الكتاني الذي يغطي وجهه، ومن هناك جرى اقتياده مع طابور من المعتقلين الجدد فيما ما يزال الكيس القميء يكبت أنفاسه والقيود البلاستكية تحز معصمي يديه.

تواصلت إجراءات تسليم المعتقلين وترتيب شؤونهم في المعتقل حتى ساعات الصباح، تفتيش ملابس المعتقلين وتغييرها بملابس السجن، إجراءات التسجيل والتحقق والتوثيق وإنشاء الملفات والتصوير أمام الكاميرا،،،ثم التوزيع كلٍ إلى ما قُررَ له، وغالبيتهم على قسم الشبح ، ومنهم محمد.
في إحدى قاعات السجن جرى شبح يديه في مربط أعلى جسده، وكان السجانون قد جعلوا ظهره للحائط ، ومن هنا بدأت رحلة العذاب التي لم يكن محمد ليتفاجأ بها وقد سمع عنها الكثير، خصوصا أنه سبق وأن سجن في معتقلات الفارعة قرب نابلس وسجن رام الله أيضا لبضعة أشهر وسجن المسكوبية في القدس لبضعة أسابيع، لكن رحلة المسلخ لا بد أن تكون أكثر قسوة.
إنه فجر يوم الأحد، اليوم الأول له في هذا السجن، لقد بدأ منذ هذه اللحظات التعرف من خلال حواسه على البيئة، بدأ يسمع همس المعتقلين الآخرين من حوله وأنين بعضهم وصيحات الجنود ولكماتهم الموجهة إلى المعتقلين المشبوحين إلى الحائط، وقد عرف بعضهم، وبين الحين والآخر صار يسمع أحد المعتقلين صائحا بسجانيه:
- نازيين صهاينة مجرمين،،،،،،،ثم أصوات الركلات تتلاحق وتتداخل مع الشتائم والأنين والعويل.
في نهاية هذا اليوم الأول استطاع تخيل المشهد من خلال ما استجمعه من بعض المعلومات والأصوات التي كان يسمعها من المعتقلين المشبوحين أو من خلال حركة الجنود والمحققين وبعض محادثاتهم باللغة العبرية التي يلم بما يكفي منها للتواصل مع البيئة. لقد عرف من خلال زملائه المعتقلين أن صاحب دخان الغليون الذي يعبق المكان هو المحقق الأكثر لؤما وقسوة، إنه الكابتن تصادق، وهو محقق صهيوني من أصول إنجليزية يجد متعته الفضلى في ضرب المعتقلين المشبوحين على أعضائهم التناسلية بركلها بقدمه أو يقوم أحيانا بفركها بقبضة يده بكل وحشية، مما يؤدي إلى حالات إغماء لبعض المعتقلين أحيانا.
لقد ذكره غليون هذا المحقق بالدكتور ألبرت أغازيان الذي كان عميدا لشؤون الطلبة في جامعة بيرزيت قبل تخرج محمد من الجامعة منذ ما يقرب من عام، كان الدكتور أغازيان مواطنا فلسطينيا فذا ينحدر من اسرة أرمنية وكان يتحدث سبع لغات بطلاقة. وكان الدكتور ألبرت لا يسير في الجامعة إلا ودخان غليونه يتبعه ويشير إليه، لكنه أسف في نفسه لهذا الخاطر لأنه لا يمكن مقاربة صورة رجل متحضر وآخر وحشي جاء مع أفواج من مصاصي الدماء ليستولي على أرض شعب آخر.
كان المحقق تصادق يشق طريقه بين صفي المعتقلين المشبوحين إلى الجدران فيما دخان غليونه يُعلن عن حضوره الوحشي ، وكان بوسع محمد تخيل المشهد المريع، عشرات من الشبان وقد شبحت أيديهم إلى حائط طويل، إنهم أشبه بالذبائح المعلقة في مسلخ، لا وجوه لهم لأن رؤوسهم غطيت بالأكياس القميئة، بعضهم كان يفك قيده ثم يساق إلى غرف التحقيق فيعود بعد ساعات أو لا يعود، الحركة في السجن قد تبدأ منذ ساعات الصباح وحتى منتصف الليل. بعض المعتقلين يتوسل شربة الماء فلا يستجاب له لعدة أيام قد تصل إلى أسبوع أو أكثر قليلا،،،
مضى يومان وليلتان على محمد حتى الآن دون أن يرفع عن وجهه الكيس القميء أو دون أن يزود بشربة ماء، بدأ يحس بجسده قطعة يابسة من الخشب، لكنه بدأ يمني نفسه بأنه سيشرب الماء ويرفع الكيس عصر يوم الجمعة الذي لم يبق عليه سوى أربع ليال وثلاثة أيام. لا بأس أن نجعل من بعض الأمنيات الصغيرة معينا لآمالنا الكبيرة، حدث نفسه وزفر من فيه نفسا عميقا وهو يقول حسبي الله ونعم الوكيل.

لقد انتهى حتى الآن من ترتيب أفكاره تماما لمواجهة المحققين، لقد أخذ وقتا كافيا لذلك فقد استعان بمضغ أفكاره ولوكها على قضاء الوقت الطويل ، سيستعين أيضا على هذه الورطة بأن لا يلح في طلب الماء، أما الطعام فهو يستطيع أن يتناسى أمره إلى أيام أخرى ، والأهم أنه سيظل يستحضر صور طفليه وزوجته في مخيلته كي تساعده على الصبر والتحمل، ولكي يصبر على عذاب الجلادين فلا ينجحوا بإدانته بأي تهمة تودي به في غياهب السجون لوقت طويل، الصُور التي أعجبه تكرارها في مخيلته هي صُور أزقة القرية، كان يتخيلها ثم يرى نفسه يمشي بها على مهل، فيسلم على هذا ويجلس مع ذلك ويتبادل الطرائف المضحكة مع تلك أو ذاك من الأصدقاء والجيران والأهل،،كانت مثل هذه السيناريوهات تأخذ منه وقتا كبيرا فتعينه على التحمل ونسيان الألم الذي يسرى في ساعديه وكتفيه.
في ضحى يوم الخميس، بعد خمسة أيام من الاعتقال والشبح، جاء أحد المحققين ونادى صائحا: من محمد أبو طبق؟
ران الصمت فعاد الجندي المحقق يسأل : مين محمد أبو طبق؟
كان محمد قد عزم في نفسه على بداية معركة الإرادة من هذه اللحظة.
صاح الجندي مرة أخرى: من منكم هنا من قرية بلعا؟
ثلاثة من المعتقلين أجابوا بنعم ومنهم محمد. وبدأ بسؤال كل واحد عن اسمه.
توجه المحقق إلى محمد قائلا: ألست أنت محمد أبو طبق؟
- أنا محمد حمدان وبوسعك العودة إلى بطاقتي. قال محمد بهدوء.
وبينما راح الجندي يفك قيود محمد من الحائط، فقد راح يصيح بحنق وغضب:

- هل أتي لك بأمك وأبوك ليقولا لك أنك من دار أبو طبق؟ هل آتي لك بجدك من القبور ليقول لك أنك من دار أبو طبق؟ هل أتي لك بالله من سمائه ليقول لك أنك أبو طبق؟
- لا لست هو أنا ،،،قد يكون شخص آخر، رد محمد ببرود مرة أخرى وقد بدأت معنوياته في التحسن بعد أن نجح في إثارة الجندي من باب أولى فيما بدا أنه مقبل على مرحلة التحقيق التي كان يستعجلها في نفسه ليواجه مصيره وليتخلص من وضع الشبح القاتل هذا،،،
دفع الجندي بمحمد من خلال باب وهناك قام برفع الكيس القميء عن وجهه لأول مرة منذ خمسة أيام فأحس بأنه يولد من جديد، لكنه ظل يعزم في نفسه على مواجهة التحدي. وحينما بدأ يفرك عينيه حيث انهمر فيهما سيل جارف من الضوء فجأة بعد ليل طويل دام خمسة أيام بلياليها كانت صورة المحقق تتضح له تماما، ،،،،،،

- أنا الكابتن صادق، لا بد أنك سمعت بي ، قال المحقق.

- ومن أين سأسمع بك، لقد غطوا رؤوسنا بالأكياس ولم نكن في مقهى نتبادل الأحاديث.

- هكذا إذن. رد الكابتن تصادق وهو يهز رأسه، ثم راح يتفحص جهاز الكمبيوتر أمامه بينما عيناه تحدجان محمد بنظرات الاستعلاء والكراهية.

الجزء التالي يتبع في وقت قريب،،،،،
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف