
صورة وادي رم
ثانيا: المواقع النبطية في أراضي المملكة العربية السعودية:
1- مدينة الحجر (مدائن صالح):
تقع الحجر شمال غرب المملكة العربية السعودية على مسافة 22 كيلو متراً شمال شرق مدينة العُلا، وعند دائرة عرض 47ـ 26 شمالاً ، وخط طول 53ـ37 شرقاً ويطلق الحجر على هذا المكان منذ اقدم العصور ويستمد الحجر شهرته التاريخية من موقعه على طريق التجارة القديم الذي يربط جنوب شبه الجزيرة العربية والشام .
والمنطقة عبارة عن سهل رملي طيني، عند ملتقى واديين هما: وادي الحمضة يأتي من الغرب ووادي المزز ( Al-Mazez) يأتي من الشرق، ويصبان في وادي الدهيس الذي يصب بدوره بوادي الجزل، ويحيط بالحجر الجبال الرملية الملونة من الجهتين الشرقية والغربية، وكانت تقع على طريق البخور الذي يربط اليمن بالبتراء، والطريق الساحلي إلي ميناء "لوكي كومي" على البحر الأحمر وطريق وادي السرحان(26). وتكتسب المنطقة أهميتها من وقوعها على خط التجارة مع منطقة الشام.
وكانت مدينة الحجر بمثابة حاضرة الأنباط الجنوبية، بل إنها كانت منافسة للبتراء في نهاية القرن الأول قبل الميلاد إلى القرن الأول الميلادي. ومن المحتمل أنها تمتعت بنوع من الاستقلال الإداري والعسكري وفق بعض الإشارات، فقد ذكر أنه وجد في الحجر قطعة عملة فريدة تحمل اسم الحجر من عهد حارثة الرابع، وأن الأنباط وجدوا فيها أقواما أخرى قبل نزوح بعضهم إليها من البتراء(27)، ومنها كذلك
جاء الحارثة الرابع وعدد كبير من أصحاب المناصب الرفيعة في الدولة (الأسـتريتجات)(28).
صورة
ضريح - قصر الفريد في مدينة الحجر النبطية
ويبدو أن الحجر كانت تمثل أقصى امتداد للأنباط جهة الجنوب، والشاهد على ذلك أن ما يقع الى جنوب تلك المنطقة يبرز فنا معماريا وعادات في الدفن ليست كالتي كانت للأنباط، حتى العلا كانت خارج التبعية السياسية وكذلك خيبر، وإن وجدت فيها نقوش نبطية، ذلك أن الحجر لا العلا كانت المركز التجاري الجنوبي لدى الأنباط، وكان دور العلا في ذلك ضئيلا، ولم يكن الأنباط في هذا الوجهة الجنوبية بحاجة الى مخافر مسورة لأنهم كانوا يستطيعون – فيما يبدو – استرضاء القبائل القاطنة في جنوبهم بطريقة أو بأخرى(29). والأرجح أنهم لم يكونوا بحاجة إلى ذلك لأنهم هم القبيلة الأكبر والأقوى وقد استطاعت أن تقيم تحالفا مع القبائل المحيطة على أساس من المصالح التي تستفيد منها القبائل جميعا.
ومن المحتمل- كما يرجح (هاموند) أن- وظيفة الحجر كانت كمحطة للبضائع التي يجب نقلها إلى ميناء "لوكي كومي" القريب من البحر الأحمر، حيث من هناك تصبح جاهزة للنقل للأسواق المصرية، خصوصا الى الإسكندرية الميناء المفضل لدى الرومان، وهي الميناء نفسه الذي سيظل مفضلا لدى العالم الغربي (الإغريقي – الروماني). وهذه المنطقة الجنوبية أيضا هي حلقة الوصل عبر البحر إلى الهند(30).
ويعزز ذلك التحليل ما ذكرته الباحثة هتون الفاسي أن منطقة الحجر كانت موطئا لقبيلة (سلمي – سلمو) وهي قبيلة كبيرة ورد اسمها في النقوش وكذلك في عدد من النصوص التاريخية بصيغ كثيرة متقاربة، وتستنتج أن هذه القبيلة هي السلف لقبيلة "بني سليم" أو "سليم" وقد عرفت القبيلة منذ العصر الجاهلي في محيط منطقة الحجر، ولا تزال منازل "بني سليم" اليوم شمالي مكة حتى المدينة (يثرب)، وعلى الأرجح أن الأنباط حينما زحفوا جنوبا أقاموا شكلا من الاتفاق مع هذه القبيلة صاحبة النفوذ القوي في المنطقة بحيث يحافظون على شخصية مستقلة لهذه المنطقة، كما يعتقد أن أقواما أخرى سكنت الحجر ومنها قبيلة ثمود(31).
وذكر القرآن الكريم قصة صالح -عليه السلام- مع قومه في 17 موضعاً من القرآن الكريم، مشيرا إلى أنهم قوم وهبهم الله النعمة والثراء، وأنهم جابوا الصخر بالواد، وأنهم كانوا يبنون قصورهم في الواد ويتخذون من الجبال بيوتا. ومع ذلك فقد كفروا بنعمة الله وعبدوا الأوثان من دون الله فأرسل إليهم عبده ورسوله صالح ليدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، فآمن منهم القليل وكذبه أغلب القوم، فحق عليهم العذاب بعد أن أظهر الله فيهم آيته:) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ* قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ(النمل 45-47) وفي سورة الحجر أيضا )وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ * وَآَتَيْنَاهُمْ آَيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آَمِنِينَ)(الحجر/80-81).
كانت الحجر مقرا لقبائل ثمود مثلما ذكر القرآن الكريم ودلت على ذلك بعض الدراسات الأثرية والتاريخية، بعدهم سيطر اللحيانيون على الحجر، ويعتقد أنهم قبائل ثمودية أيضا، ثم آلت المنطقة للأنباط الذين استطاعوا مد نفوذهم ليشمل الشمال الغربي للجزيرة العربية.
تعتبر مدائن صالح أو الحجر من الأماكن الأثرية التي يمكن أن يطلق عليها اسم المتحف المفتوح وتحتوي على آثار ثمودية ولحيانيه ونبطيه. تبلغ مساحة المنطقة الأثرية 13.39 كم2 تضم آثاراً قائمه وأخرى ينتظر اكتشافها. ويبلغ عدد المدافن في مدائن صالح 131 مدفنا وتقع في الفترة من العام الأول قبل الميلاد، حتى عام 75 ميلادي، أي الفترة النبطية (www.al-ola.com).
وقد اشتهرت قبور الحجر بالأسماء التي أطلقها السكان المحليون على هذه القبور وبمسميات (قصور) لجمالها وظنا من بعضهم أنها كانت مساكن للأقوام السابقة. ومن هذه القبور:
قصر الفريد: وهو الاسم المحلي عند أهل المنطقة وسمي بذلك لانفراده بكتله صخرية ضخمة مستقلة وكذلك لإنفراده بواجهة كبيرة ومميزة.
العجوز: يبدو انه أقل أهمية في مظهره من القبور الأخرى مما حدا بالسكان إلى إطلاق هذا الاسم عليه.
الديوان: وهو عبارة عن معبد نبطي مستطيل غير منظم الشكل نحت داخل الصخر وكان يستخدم للطقوس الدينية.
محلب الناقة: وهو حوض حجري كبير يعرف بمحلب الناقة. ظنا من الناس أنه محلب ناقة صالح التي وردت قصتها في القرآن الكريم. وأغلب الظن أن هذا الحوض الدائري كان من بقايا المعبد النبطي، وقد يكون محرقة أو مذبحاً أو حوضاً مائياً لأغراض الشرب أو التطهر.
قصر الصانع: مقابر الأسود سميت بذلك نسبة للمخلوقات المنحوتة أعلى بعضها والتي تشبه الأسود وتضم هذه المقابر 21 قبرا.
2- دومة الجندل (الجوف):
تقع دومة الجندل على حافة صحراء النفوذ الشمالي، كانت مقرا لملوك الأدوميين، وأطلق عليها الآشوريين وعلى المنطقة المجاورة مسمى "أدوماتو".
من آثار "الجوف" البارزة معقلها الحصين الذي عرف بقصر "مارد" أو "الأكيدر" الذي يعتقد أنه بني في فترة تسبق القرن الثالث قبل الميلاد، وتعاقبت عليه فترات بناء متعددة بعد ذلك، وقد عثر في منطقة الجوف على العديد من النقوش المعينية والثمودية واللحيانية والنبطية، وكان يحكم دومة الجندل إبان بعثة الرسول (صلى الله عليه وسلم) الأكيدر بن عبد الملك السكوني، وهو عربي من قبيلة كندة الجنوبية، وكانت دومة الجندل سوقاً عربية شهيرة تبدأ في أول يوم من شهر ربيع الأول وتنتهي في منتصفه من كل عام(32).
وللأسف، فإن معلومات الدراسات عن هذا الموقع وعلاقته بالأنباط شحيحة ولا تكفي لتحديد وضعها في دولة الأنباط أو حضارتها. ولكن النقوش التي وجدت فيها إلى جانب النقوش الأخرى تومئ إلى شكل ما من تلك العلاقة التي لا يستبعد أن تكون ضمن النفوذ التجاري، وربما تعدت ذلك إلى النفوذ السياسي.
3- تيماء:
ظهرت تيماء في الوثائق التاريخية القديمة على نطاق واسع إلى الحد الذي لا ترقى إليه مدينة أخرى في الجزيرة العربية، وترجع هذه المكانة دون شك إلى الدور الحيوي الذي كانت تلعبه في شبكة التجارة الواسعة الانتشار في الأزمنة الغابرة، إذ أن المدينة كانت بمثابة محور الشبكة المترابطة التي تربط جنوب وجنوب شرق الجزيرة العربية ببابل، ومصر، وسوريا.
وليس من الواضح تماما مدى امتداد النفوذ النبطي إلى تيماء، لكن من المحتمل أن مدائن صالح كانت في نطاق مدينة تيماء آنذاك(33)، وهذا يسند الفرضيات الأخرى التي تشير إلى قدر كبير من الاستقلالية التي كانت تتمتع بها الحجر عن الدولة النبطية.
2-العُلا:
تقع مدينة العلا في الجزء الشمالي الغربي من المملكة العربية السعودية بين المدينة المنورة وتبوك ، فهي تبعد عن المدينة المنورة 380كم وتقع عند دائرة عرض 37ـ26شمالاً وخط طول 52ـ37 شرقاً ، وهي من أكبر وأهم المناطق الحضارية القديمة لوقوعها على الطريق الرئيسي لتجارة البخول والتوابل بين حضارات العالم القديم وشبه الجزيرة العربية وبلاد الشام ومصر والعراق * (لمزيد من المعلومات أنظر الرابط المرفق)
شأنها شأن المواقع الأثرية في المملكة العربية السعودية، فإن مواقف الباحثين الأثريين والتاريخيين لا تزال متأرجحة وغير واضحة بخصوص مكانة العلا بالنسبة للأنباط، فالبعض يعتبرها منطقة نفوذ نبطي تابعة لمدينة الحجر، فيما يعتبرها آخرون خارج حدود الدولة النبطية مثل الدكتور إحسان عباس الذي عزز رأيه بشواهد قوية. ذاكرا أن "الحجر" كانت مركز نفوذ الأنباط فيما كان دور العلا ضئيلا، حتى أن الأنباط لم يكونوا مضطرين لتعزيز دفاعاتهم الحدودية هناك بعد أن نجحوا – فيما يبدو – في استرضاء القبائل القاطنة إلى جنوبهم بطريقة أو بأخرى.
* - (http://al-ula.com/inf/page.php?do=show&action=map )
1- مدينة الحجر (مدائن صالح):
تقع الحجر شمال غرب المملكة العربية السعودية على مسافة 22 كيلو متراً شمال شرق مدينة العُلا، وعند دائرة عرض 47ـ 26 شمالاً ، وخط طول 53ـ37 شرقاً ويطلق الحجر على هذا المكان منذ اقدم العصور ويستمد الحجر شهرته التاريخية من موقعه على طريق التجارة القديم الذي يربط جنوب شبه الجزيرة العربية والشام .
والمنطقة عبارة عن سهل رملي طيني، عند ملتقى واديين هما: وادي الحمضة يأتي من الغرب ووادي المزز ( Al-Mazez) يأتي من الشرق، ويصبان في وادي الدهيس الذي يصب بدوره بوادي الجزل، ويحيط بالحجر الجبال الرملية الملونة من الجهتين الشرقية والغربية، وكانت تقع على طريق البخور الذي يربط اليمن بالبتراء، والطريق الساحلي إلي ميناء "لوكي كومي" على البحر الأحمر وطريق وادي السرحان(26). وتكتسب المنطقة أهميتها من وقوعها على خط التجارة مع منطقة الشام.
وكانت مدينة الحجر بمثابة حاضرة الأنباط الجنوبية، بل إنها كانت منافسة للبتراء في نهاية القرن الأول قبل الميلاد إلى القرن الأول الميلادي. ومن المحتمل أنها تمتعت بنوع من الاستقلال الإداري والعسكري وفق بعض الإشارات، فقد ذكر أنه وجد في الحجر قطعة عملة فريدة تحمل اسم الحجر من عهد حارثة الرابع، وأن الأنباط وجدوا فيها أقواما أخرى قبل نزوح بعضهم إليها من البتراء(27)، ومنها كذلك
جاء الحارثة الرابع وعدد كبير من أصحاب المناصب الرفيعة في الدولة (الأسـتريتجات)(28).
صورة
ضريح - قصر الفريد في مدينة الحجر النبطية
ويبدو أن الحجر كانت تمثل أقصى امتداد للأنباط جهة الجنوب، والشاهد على ذلك أن ما يقع الى جنوب تلك المنطقة يبرز فنا معماريا وعادات في الدفن ليست كالتي كانت للأنباط، حتى العلا كانت خارج التبعية السياسية وكذلك خيبر، وإن وجدت فيها نقوش نبطية، ذلك أن الحجر لا العلا كانت المركز التجاري الجنوبي لدى الأنباط، وكان دور العلا في ذلك ضئيلا، ولم يكن الأنباط في هذا الوجهة الجنوبية بحاجة الى مخافر مسورة لأنهم كانوا يستطيعون – فيما يبدو – استرضاء القبائل القاطنة في جنوبهم بطريقة أو بأخرى(29). والأرجح أنهم لم يكونوا بحاجة إلى ذلك لأنهم هم القبيلة الأكبر والأقوى وقد استطاعت أن تقيم تحالفا مع القبائل المحيطة على أساس من المصالح التي تستفيد منها القبائل جميعا.
ومن المحتمل- كما يرجح (هاموند) أن- وظيفة الحجر كانت كمحطة للبضائع التي يجب نقلها إلى ميناء "لوكي كومي" القريب من البحر الأحمر، حيث من هناك تصبح جاهزة للنقل للأسواق المصرية، خصوصا الى الإسكندرية الميناء المفضل لدى الرومان، وهي الميناء نفسه الذي سيظل مفضلا لدى العالم الغربي (الإغريقي – الروماني). وهذه المنطقة الجنوبية أيضا هي حلقة الوصل عبر البحر إلى الهند(30).
ويعزز ذلك التحليل ما ذكرته الباحثة هتون الفاسي أن منطقة الحجر كانت موطئا لقبيلة (سلمي – سلمو) وهي قبيلة كبيرة ورد اسمها في النقوش وكذلك في عدد من النصوص التاريخية بصيغ كثيرة متقاربة، وتستنتج أن هذه القبيلة هي السلف لقبيلة "بني سليم" أو "سليم" وقد عرفت القبيلة منذ العصر الجاهلي في محيط منطقة الحجر، ولا تزال منازل "بني سليم" اليوم شمالي مكة حتى المدينة (يثرب)، وعلى الأرجح أن الأنباط حينما زحفوا جنوبا أقاموا شكلا من الاتفاق مع هذه القبيلة صاحبة النفوذ القوي في المنطقة بحيث يحافظون على شخصية مستقلة لهذه المنطقة، كما يعتقد أن أقواما أخرى سكنت الحجر ومنها قبيلة ثمود(31).
وذكر القرآن الكريم قصة صالح -عليه السلام- مع قومه في 17 موضعاً من القرآن الكريم، مشيرا إلى أنهم قوم وهبهم الله النعمة والثراء، وأنهم جابوا الصخر بالواد، وأنهم كانوا يبنون قصورهم في الواد ويتخذون من الجبال بيوتا. ومع ذلك فقد كفروا بنعمة الله وعبدوا الأوثان من دون الله فأرسل إليهم عبده ورسوله صالح ليدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، فآمن منهم القليل وكذبه أغلب القوم، فحق عليهم العذاب بعد أن أظهر الله فيهم آيته:) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ* قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ(النمل 45-47) وفي سورة الحجر أيضا )وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ * وَآَتَيْنَاهُمْ آَيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آَمِنِينَ)(الحجر/80-81).
كانت الحجر مقرا لقبائل ثمود مثلما ذكر القرآن الكريم ودلت على ذلك بعض الدراسات الأثرية والتاريخية، بعدهم سيطر اللحيانيون على الحجر، ويعتقد أنهم قبائل ثمودية أيضا، ثم آلت المنطقة للأنباط الذين استطاعوا مد نفوذهم ليشمل الشمال الغربي للجزيرة العربية.
تعتبر مدائن صالح أو الحجر من الأماكن الأثرية التي يمكن أن يطلق عليها اسم المتحف المفتوح وتحتوي على آثار ثمودية ولحيانيه ونبطيه. تبلغ مساحة المنطقة الأثرية 13.39 كم2 تضم آثاراً قائمه وأخرى ينتظر اكتشافها. ويبلغ عدد المدافن في مدائن صالح 131 مدفنا وتقع في الفترة من العام الأول قبل الميلاد، حتى عام 75 ميلادي، أي الفترة النبطية (www.al-ola.com).
وقد اشتهرت قبور الحجر بالأسماء التي أطلقها السكان المحليون على هذه القبور وبمسميات (قصور) لجمالها وظنا من بعضهم أنها كانت مساكن للأقوام السابقة. ومن هذه القبور:
قصر الفريد: وهو الاسم المحلي عند أهل المنطقة وسمي بذلك لانفراده بكتله صخرية ضخمة مستقلة وكذلك لإنفراده بواجهة كبيرة ومميزة.
العجوز: يبدو انه أقل أهمية في مظهره من القبور الأخرى مما حدا بالسكان إلى إطلاق هذا الاسم عليه.
الديوان: وهو عبارة عن معبد نبطي مستطيل غير منظم الشكل نحت داخل الصخر وكان يستخدم للطقوس الدينية.
محلب الناقة: وهو حوض حجري كبير يعرف بمحلب الناقة. ظنا من الناس أنه محلب ناقة صالح التي وردت قصتها في القرآن الكريم. وأغلب الظن أن هذا الحوض الدائري كان من بقايا المعبد النبطي، وقد يكون محرقة أو مذبحاً أو حوضاً مائياً لأغراض الشرب أو التطهر.
قصر الصانع: مقابر الأسود سميت بذلك نسبة للمخلوقات المنحوتة أعلى بعضها والتي تشبه الأسود وتضم هذه المقابر 21 قبرا.
2- دومة الجندل (الجوف):
تقع دومة الجندل على حافة صحراء النفوذ الشمالي، كانت مقرا لملوك الأدوميين، وأطلق عليها الآشوريين وعلى المنطقة المجاورة مسمى "أدوماتو".
من آثار "الجوف" البارزة معقلها الحصين الذي عرف بقصر "مارد" أو "الأكيدر" الذي يعتقد أنه بني في فترة تسبق القرن الثالث قبل الميلاد، وتعاقبت عليه فترات بناء متعددة بعد ذلك، وقد عثر في منطقة الجوف على العديد من النقوش المعينية والثمودية واللحيانية والنبطية، وكان يحكم دومة الجندل إبان بعثة الرسول (صلى الله عليه وسلم) الأكيدر بن عبد الملك السكوني، وهو عربي من قبيلة كندة الجنوبية، وكانت دومة الجندل سوقاً عربية شهيرة تبدأ في أول يوم من شهر ربيع الأول وتنتهي في منتصفه من كل عام(32).
وللأسف، فإن معلومات الدراسات عن هذا الموقع وعلاقته بالأنباط شحيحة ولا تكفي لتحديد وضعها في دولة الأنباط أو حضارتها. ولكن النقوش التي وجدت فيها إلى جانب النقوش الأخرى تومئ إلى شكل ما من تلك العلاقة التي لا يستبعد أن تكون ضمن النفوذ التجاري، وربما تعدت ذلك إلى النفوذ السياسي.
3- تيماء:
ظهرت تيماء في الوثائق التاريخية القديمة على نطاق واسع إلى الحد الذي لا ترقى إليه مدينة أخرى في الجزيرة العربية، وترجع هذه المكانة دون شك إلى الدور الحيوي الذي كانت تلعبه في شبكة التجارة الواسعة الانتشار في الأزمنة الغابرة، إذ أن المدينة كانت بمثابة محور الشبكة المترابطة التي تربط جنوب وجنوب شرق الجزيرة العربية ببابل، ومصر، وسوريا.
وليس من الواضح تماما مدى امتداد النفوذ النبطي إلى تيماء، لكن من المحتمل أن مدائن صالح كانت في نطاق مدينة تيماء آنذاك(33)، وهذا يسند الفرضيات الأخرى التي تشير إلى قدر كبير من الاستقلالية التي كانت تتمتع بها الحجر عن الدولة النبطية.
2-العُلا:
تقع مدينة العلا في الجزء الشمالي الغربي من المملكة العربية السعودية بين المدينة المنورة وتبوك ، فهي تبعد عن المدينة المنورة 380كم وتقع عند دائرة عرض 37ـ26شمالاً وخط طول 52ـ37 شرقاً ، وهي من أكبر وأهم المناطق الحضارية القديمة لوقوعها على الطريق الرئيسي لتجارة البخول والتوابل بين حضارات العالم القديم وشبه الجزيرة العربية وبلاد الشام ومصر والعراق * (لمزيد من المعلومات أنظر الرابط المرفق)
شأنها شأن المواقع الأثرية في المملكة العربية السعودية، فإن مواقف الباحثين الأثريين والتاريخيين لا تزال متأرجحة وغير واضحة بخصوص مكانة العلا بالنسبة للأنباط، فالبعض يعتبرها منطقة نفوذ نبطي تابعة لمدينة الحجر، فيما يعتبرها آخرون خارج حدود الدولة النبطية مثل الدكتور إحسان عباس الذي عزز رأيه بشواهد قوية. ذاكرا أن "الحجر" كانت مركز نفوذ الأنباط فيما كان دور العلا ضئيلا، حتى أن الأنباط لم يكونوا مضطرين لتعزيز دفاعاتهم الحدودية هناك بعد أن نجحوا – فيما يبدو – في استرضاء القبائل القاطنة إلى جنوبهم بطريقة أو بأخرى.
* - (http://al-ula.com/inf/page.php?do=show&action=map )