الأخبار
الهدنة على الأبواب.. وتجار الحرب إلى الجحيممسؤولون أميركيون: ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء حرب غزةنتنياهو: لقائي مع ترامب قد يسهم في التوصل إلى اتفاق بغزةالاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينيةمستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية مشددة من قوات الاحتلالعائلات أسرى الاحتلال تطالب الوفد بتسريع إنجاز الصفقة خلال هذا الأسبوع
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

بين الحب واللاحب بقلم : محمد يوسف جبارين

تاريخ النشر : 2010-06-05
بين الحب واللاحب بقلم : محمد يوسف جبارين
بين الحب واللاحب

بقلم : محمد يوسف جبارين (أبوسامح)..أم الفحم..فلسطين

لو أن اللاحب فنجان قهوة لشربته وأراحت نفسها وأهلها من الحب الذي يملكها ، ولا تملك له الا أن تكونه حياة تحياها ، لكنه اللاحب هو ما لا يمكنها أن تكونه ولا أن يكونها ، فهو يعني أن تخرج نفسها من ذاتها ، فلا تكون هي ، فاذا كانته فهذا يعني أنها حين تنظر في المرآة ، فلن تعرف من تكون هذه التي تراها أمامها ، وتقول بأنها هي ، فاذا ظاهر المظهر يوحي بأنها هي ، فلن تعرف هي من هي ، فمن هي ؟ فلن تعرف كيف تجيب ، واذا هو اللاحب كانها ، وبدا بأنه هي ، فهي بما هو لا تعرفه ، فما هو ، وكيف هو هي ، فهي الحب فكيف هو يكونها ، فأن يكون اللاحب حبا ، يعني أنه صار الى حب لا يحمل معنى الحب ، وانما هو حب اللاحب بأن يكون ما هو ، فأن يكونها برغمها ، فلا تكونه بما هو ، ولا كما هو ، فهي بكذا حال مختزلة في كينونة موجوديتها ، وهذا قسر حياة عليها ، فأين تكون بحبها ، بما هي ، أفي ذاكرتها ، في خيالها ، في فكرها ، في كتاباتها ، فمادتها التي تطل على الفضاء من حولها بكل فتنة تخلب الأنظار معمورة بالحب ، فبهاؤها من روائع حروفه ، فها هي كما هي ، فأن تحيا حياة اللاحب ، يعني أن نورها في داخلها ينطفىء ، وهو ما لا يمكنها أن تفعله بحجب وقوده عن فتيل مصباحه ، فهذا النور هو الحب الذي يمدها بمبرر وجودها ، فما حياتها من دونه ، فهو ما لا يدركه من هم عندها في رتبة وجودها ، فاذا هم أو هي تختارهم هم ، فهم أهلها والداها واخوتها ، فهم جميعا على رأي واحد ، بأن تترك ما هي فيه الى ما هم ينصحونها به ، بل ويصرون عليه ، فالحياة لها ظروفها ، وضروراتها ، والحب الذي تقول به لا يعطيها حياة تتقدم اليها راجية موافقتها على أن تحياها ، فهنا العريس يكبرها بسنوات بعدد أصابع اليد وأكثر وسامة ، وأغزر علما ، ولدى والديه من الثراء ما يوفر لها امكانيات حياة في جنائن غناء ، فلا يطالها نقص في حاجة من مادة طيلة عمرها ، وهو بعيد عن السياسة ، بل يعتبر مسائل الوطن خارج دائرة عقله ، فهو برأية مخلوق لعيش لا ليطحنه الوطن ، وأما الذي يسلبها قلبها وعقلها ، وتهيم في حبه ، فهو يكبرها سنا ، ويكاد يكون كهلا ، وقد تزوج من قبل ، وهو على جليل قدره من الناحية العلمية ، وبأنه كان استاذا لها تعلقت به كثيرا ، فهو متطرف ، ولا يحسب للموت قيمة ، فالوطن عنده هو الدنيا وما فيها ، فاعتقاله أو اغتياله مسألة لا تنزل من باله ، فلربما يتم الزج به في السجن في ليله زفافها ، فلا تعود تراه ، ولربما يتبين بأنه وراء عمليات فدائية كثيرة ، فيتحول الى مطارد ، فلا يستوي لها على أي وجه يدور عليه ، ولا تعرف في أي مكان هو موجود ، ولربما ينتقمون منه باعتقالها والزج بها في السجن ، بتهمة يلفقونها لها ، فتلك حسابات أهلها ، فحبهم لها يعني أن تقال من حبها ، ليضمها اللاحب ، في وقت يكون فيه الحب في داخلها رافضا هذه الأحضان ،
وانها لكذلك يتقلب لها مصيرها بين طيات تعقلاتها ، وقد حارت في دربها الى اقناع أهلها بصوابية حقها ، بأن تكون هي من تختار مصيرها ، وبأن الصواب بأن يتركوها تحمل أعباء اختيارها ، ولا يدعونها بحال من تتمزق بارادة أهلها خشية أن تشقى بحياة مشتقة من معطيات ، هي في ظاهرها ليست بالضرورة تدل على ما يصل بهم التحليل اليه ، وحتى وان يكن ذلك صوابا ، فهذا يسعدها ، بل حب الوطن هذا وما يمليه من بذل ، هو بعينه الذي كان البوابة التي دخلت منها على غير ميعاد الى حبها ، فعرفت الحب ، وأحست ماذا يعني في حياتها ، فباختيارها هي يتكامل لها حسها الانساني ، فالحب كلي ، وليس تجزئيا ، فحب الوطن يتكامل لها بحبها ، فأما أن تختار اللاحب على اطلاقه ، فكيف يكون حالها ، فغامت بها بلابلها وغم عليها بالها ، بينا جفونها تعتصر دمعة قفزت بحسرة جابتها فرجفت لها مشاعرها ، فثمة حل تفر به من مأرقها ، لكنها ليست هي التي تجازف بفرار ،
فتضع أهلها في حيرة وارتباك ، تحيل وضعهم الاجتماعي الى سقوط من مرتبة الاحترام التي هم عليها بين الناس ، فهذا مجتمع تحكمه جملة معايير وعلى أساسها يقيس ، فالمقبول والمرفوض ، وهو قانون العيب ، فعيبا هو الخروج على نسق المعايير ، ويبدو أن تغييرا في هذه المعايير ، لن يحصل من دون تطور علمي وتحولات اقتصادية ، وحتى ذلك الوقت فليست هي التي بمكنها أن تخرم المعايير ، فقانون المعايير بأن لا مفر من كونها العروس التي يأخذ بيدها أبوها وخالها الى بيت العريس ، وسط حضور لا يسأل أحد منهم عن قلب يرفرف بعيدا عنهم ، باحثا عن جوع يأخذ به بعيدا ، فهم في فرح عروس ، لا يمس الفرح منها نبضة قلب لها .
وبينا هي تتماثل مأساة تتشكل لها أمام عينيها بغير ارادتها ، وتدور بها صور من علاقة ارادة بفكرة تدور بها فتنجيها من مأساة تنتظر بغير عدل ، جاءتها رسالة منه يحكي فيها ما تركته في حسه وفي ذهنه صورة لها في شوارع القدس القديمة ، وكانت أرسلتها له ، وكتبت تحتها : ( مريت بالشوارع .. شوراع القدس العتيقة ) ، وجاء في الرسالة :( الآن .. الآن أكرمت نفسي ، وأرويت عيوني من صورتك ، وأنت تتعطرين بأصداء التاريخ في القدس ، فلقد افترشت الصورة شاشة الحاسوب لمدة تزيد عن النصف ساعة ، وأنا أتملى الصورة وما تبعثه من سياحة للفكر في متون الأيام ، وأحسست وأنا أتفرسها وأنسرح بفكري في جملة الزمان ، بأن سردية توشك أن تلملم نفسها في حكاية أو مقال عن شروق والقدس والآمال والأحلام والنور والظلام ، تذكرت أيامي مع القدس ، ولا أدري كيف الوقت جرى ، فاذا هي نصف ساعة ، لا تزيح عيوني عن الصورة ، وشكرت لك كثيرا ) ، فطابت نفسها لهمسات الألفاظ ، وليس مثل الحب تطيب به جوارح الانسان ، فلقد أيقنت بأنها بحبها تجذرت في تكوينه ، وانه الحب الحقيقي ، الذي لا سواه منشأ الالهام ، وباعث العقل ليجنح في المخيال ليستولد مقالا من ربط بين كلمات ، عميقة الدلالة ، فشروق الحرية ، والقدس واسطة العقد في جغراقية هوية عربية واسلامية ، وما يتصل بكل ذلك من آمال في سير أمة بحالها ، وهذا كله نطقت به الصورة في وعيه ، وهو ما قصدته حين عرفت بأنه وهو يتملى منها وهي تتهادى في شارع من شوارع التاريخ ، فانه الحب سوف يتكامل به في سيرة حب يكتبها ، وعندها مرت في خاطرها كلماته : ( مأخوذ أنا بسحر عينيك وحلاوة رسمك ، أحبك و قلبي ونبضه يخفق بحروف أسمك ، عيوني كيفما دارت ترى الأشياء بلون حبك ، كلما رف صوت هفا بي الشوق الى صوتك ، وما احتلني مثل عطر معطر بحلاوة ثغرك ، شفتاك شهوة تسلبني عقلي فأظل أهذي أحبك ، سناء ضياء يأسرني وأهيم الى منابته في خدك ، أنفاسي مبللة بمرءاك بهمسات عينيك وعطرك ، وأكتافي وما عليها من ذكريات كتبتها بشعرك ، وكلماتي وما فيها من رحيق شربته من قدك ، فاتنتي عمري حياة حياتي يا حياتي أحبك ، أنا ظمآن وقد سبيتني بخطفة برق من عينك ، فأنا ما عرفت الحب يا حبيبتي قبلك ولا بعدك ، ولا رفت أجنحة روحي ولا قلبي طربا بغيرك ، فدعيني أبوس الأرض التي أنبتت زهرة مثلك ، أصبح لي وطن أنت سناه من ساعة ما عرفتك ، في قلبي أنت وأبحث عن عز يضنمي ويضمك ، ... ) ، وامتد بصرها الى الحائط أمامها ، فعلية قد علقت كلمات له من مثل كلامه الحلو هذا ، تقول : ( الوطن أنت ، شروق حرية ونهار ينطق أحبك ، شروق الحرية نهار تقول الشفاه فيه أنا مجدك ، الحب ماء الوجود جوهرة الحرية تسكن وطنك ) ، وكانت قد خطتها بخط يدها ، وقامت بتصويرها ، وأدخلت الصورة الى حاسوبها وأرسلتها له عبر بريدها الألكتروني ، وأرفقتها بقولها : ( هذه الكلمات معلقة على جدران غرفتي وعلى جدران قلبي ، أراها كل صباح ، أقراها ، تعطيني الأمل والقوة ، أراها كل مساء ، أقرأها ، تعطيني الطمأنينة والأمان ، فهل تذكرها ؟ ) ، ومن فوره ، لم ينتظر لحظة ، فقد كانت مشاعره هي التي تحركه ، وتستنطقه ، فعقله ملك مشاعره ، فلا يملك سوى أن يغترف من حسه ما يفيض به ، فكتب اليها : ( كيف لا أذكرها وهي شروق الحب في أنفاسي ، أنا أحبك يا حبيبتي فأنت نبض حياة حياتي ) ، ومع ذلك لم ينزل له تساؤله ، عن جفاء لم يعرف له وجها من معنى ، قد امتد وقتا طال فأمضه ، فماذا دعاها اليه ، فثمة ما لا يعرف له سببا ، فأضاف قوله لها : ( أيها الورد الذي من عطره شرب القلب وغنى ودنا ، عافت النفس جفوة لا تطاق ، ليس للحب فيها غير الجوى ) ، لقد كان يريدها كما الحب يملي له ، بأن تكون دوما على تواصل ، تماما كما وعت هي من رسالته ، فكلاهما يمتلكهما الحب وينطق بهما ، ولم يمض يوم أو يومان حتى كتبت تقول له : ( لقد رأيتك البارحة في منامي ، كنت أمشي تحت المطر ، واذ بك تتقدم باتجاهي وكان معك مظلة ، ركضت اليك لأحتمي من البرد والمطر ، لكنك قسوت علي ، وأكملت الدرب كأنك لم ترني ، وكأني غريبة ، ... ، بي حزن كبير ، وألم من ذلك الموقف ، لم يفارقني طوال النهار ، أعلم انه مجرد حلم ، وأن ما حدث ليس حقيقي ، لكن ألمي حقيقي ، و كلما تذكرت الحلم ، أشعر بضيق في صدري ) ، ولم يتأخر رده على الرسالة ، فقد جاء رده عبر بريدها الألكتروني سريعا يقول: ( دنيا عجيبة ، وأنا البارحة رأيتك في المنام ترفعين رأسك من وراء سور بطيئا تحاولين أن تختلسي النظر الي ، ولمحت في وجهك تجهم فنهضت من فوري وسارعت اليك ، كانت بي خيفة عليك ، خشيت من أن شيئا تضيقين به ، أو أن ثمة ما أزعلك ، وكان نهوضي سريعا ومربكا لمن كانوا حولي ، وعندها أفقت من حلمي ، وبي قلق ، وعدت في يومي أسائل نفسي هل ثمة ما تضيق به ، وخطر على بالي ، بأنه اذا ثمة من أزعل شروق فلا بد أن يكون تخلف أو متخلف ، ورن في خاطري كتاب موجود عندي أسمه ( التخلف الاجتماعي ) وهو كتاب رائع ، وقلت أرسله لها فلعله يساعدها على وعيها بالتخلف الذي يشقينا ، فأما عن حلمك فهو دلالة المعنى على ضده ، فلا أدق من تعريف للشيء بضده ، فتلك البلاغة وحقا هو الحب يجمعنا ، وحقا هي أنت التي لا غيرها ، فلا مثيل لمكانتك عندي ، فأنت التي لا سواها واذا ثمة دلالة لحلمك على مكنون في صدرك ، فهو لربما حس يراودك بأن تقصيرا من جانبي حيالك، فاطلبي مني ، قولي لي ، وأن تحت أمرك أشرح لك ، أفسر .. أقول لك ، أكتب اليك ) .
سبحت كلماته في مشاعرها ، فتناهت بها الى أن الحب بينهما قد اغرق نفسيهما ، ومزج بينهما ، فنبض النفس الواحدة من الأخرى ، وهو نبض الحب ، فسواء عليهما كانا في نومهما أم كانا في صحوهما ، فهما يحسان بعضهما البعض ، على المسافة بينهما التي ترسمها جملة القيم والمعايير البائرة ، فأحلامهما تحدث بعضها بعضا ، كما التخاطر الذي اتضح لها بأكثر من دليل بأنه قائم بينهما ، فما أن تريد أن تقول له شيئا حتى تجده يحدثها بشيء مثله ، كأنما به حس بما تحسه أو قلق من قلق تقلقه ، فثمة عمق في النفس لا يملك سواه الحب أن يبلغه ، ولقد جال في خاطرها أن تعالجه برسالة ، أو تهاتفه ، أو تفتش لها عن فرصة تطير في خلالها اليه ، بتدبير يتم لها به تحييد المعايير التي لا تجيز لحب أن يكلم نفسه ، فلديها الكثير مما لم تقله له حتى الآن خشية على نفسها وعليه ، فضغط من تخلف اجتماعي يطوقها ويكاد يسيرها برغباته ، فآثرت أن تنظر في الكتاب الذي أشار اليه فعساها تجد لغة تسهل لها الى تفهيم والديها ، بما يحلو لها ، وعندها تعود اليه ، وقد بلغت وضعا لا بد وأن توقفه عليه .
ومرت الأيام وما من جديد ، فكل شيء راسب في مكانه ، استنقاع في المفاهيم والأفهام ، وليس سواها التي لا يمكنها أن تفهم ما يفهمه الذين من حولها ويتوهمون بفهمهم أنهم يفهمون ما هم بفهمهم بالغون بها .
فاذا هي وبما آل حالها اليه ، يخطر على بالها من احتمالات تذهب بها بعيدا فتستبعدها ، وتقول في نفسها والحسرة تشقها نصفين ، فليبق هو ساكنا وجدانها ، وخيالها ويشاغل منها كل الوقت فكرها ، وليفعل أهلها بجسدها ما يريدون ، فهم الذين أنتجوه في مصنعهم وهو فيما يتجلى وعيهم عليه ، فانه ملكية خاصة بهم ، وما يدرون بأنهم أعجز من أن يسيطروا على الروح ، وأعجز من أن يقعدوا لها على دروب الخيال ، فلا أقل من أن يبتعد من الآن عن قناعته بأن حبهما سوف يرسو بهما على بيت يجمعهما ، وليبحث عن دربه في الحياة ، لكنها وهي تقول في نفسها كل هذا الكلام ، كانت تتأسى وتجوبها الحسرة ، وتكاد تتقطع أشلاء ممزقة مبعثرة ، فلقد تثاقلت بعقل أمسك بناصية عقلها ، فلم تقوى على ما يقوله لها ، ولم تتماسك ، أحست بعتمة تقعد لها بين عينيها ، فكأنها ترى الدنيا من نظارة سوداء قاتمة ، وثمة مرارة تجتاح أحاسيسها ، فلا تكاد تحس بغير المر في حلقها ، فهو الفراق الذي يتماثل لها كما الموت ، بل هو الموت بعينه ، ولا يمكنها الا أن تعيش معيشة خلوا مما تعتاش عليه الروح ، وفيما ترى لم يعد يمكنها الا أن تموت وهي في الحياة ، وبأن تموت كل لحظة ، فهذا اختيار غيرها ، وهي لا تدري كيف تختار الحياة ، واذا اختارت فلا درب الى حياة تريدها ، فهي السدود التي يعني تجاوزها أن تحيا في وقت تختار هي فيه الموت لمن أنجباها والدها ، فهي بحال من تدفن والديها أحياء ، وذلك من أجل أن تحيا حبها ، فالمجتمع به قسوة ولن يرحمهما ، فماذا تفعل ؟ مالت بعقلها الى قلبها وقامت الى الهاتف ، ولم يكن أحد في البيت وهاتفته ، ورفع هو سماعة الهاتف ، وعرفها من صمتها الذي اعتاده منها ، في كل مكالمة معها ، وقالت له ، بأنها تؤثر أن تترك له أن يقول ما يشاء قبل أن تنطق بكلمة ، واذا به والجوى قد نال منه ، وضيقه بما يبدو وكأنه الجفاء الذي لا يجد له ما يبرره ، يقول لها : ( أذوب في أشواق تعذبني ، وأسرح في عطر الورد في خيالي ، أنا يا وردتي قد ضاع مني دليلي الى قلمي وأوراقي ، خذيني الى دفء الجمال ، فلطفه يضيف في صلتي بأقلامي ، كيف الكلمات أكتبها وجفوة الورد تمزق أعصابي ، جف الحبر في الأقلام وتبخر الماء منها ، وما عدت أرى غير الصفرة في الأوراق ، صحراء حطت على الأوراق ، وغام الفكر .. تاه الحس ، جفاني الورد ولا غير دبيب الحيرة على حسي ، في خيالي ، فأنا الذي يفتش عن أشلائي ..كيف ألقاها ، والجفاء يعني بأني بلا ذات .. بلاك ..كيف الذات تعرف ذاتها وعقلها وحسها أخذته حين غادرت معاك ، ماذا أبقيت غير أن أرجوك أن تعودي ، فأن لا تعودي يعني أن لا تعرفني ذاتي ولا أراها ولا تراني ، فاللامكان أن أكون بلا كينونة مكونة بماء هواك ..كيف يحيا مثلي بلاك .. مزفتني ، بعثرتني ، شتات يجوب الفكر ، فلا مرساة ترسو بي في عيون تمدني بمائي ونبض حياتي ، باعدتها عني ، فمن لي بها ، وأنت التي تباعدت ، تاركة لي حيرتي وحرارة تتصاعد في زفراتي ، شوتني الآهات ، حتى بت لا أملك سوى أطير اليك ، فأين أنت وكيف ألقاك ، تعالي يا روح الحياة ، فالشوق يجرفني من أخمص قدمي حتى أعلى طبقة في رأسي ، أرعش ليلي في التيه حائرا ونهاري .. فلا تسأليني عنه ، فهو ظلامي الذي لا ييق مني غير شتاتي .. فجراحي يمزق مني الغناء ، وأنت في عيني دموع الوفاء .. شفائي منك ضياع الشفاء يا عيون قلبي ، حبي غدا بكاء . )
وكان آخر ما تصورته أن الأمل بزواج منها ، لم يتساقط له بعد ، على الرغم من كل كلام قر في أذنيه عن معارضة والديها ، وعن أنها لا يمكنها أن تتجاوز مرادهما حتى وان كان في ذلك ضياعها بضياع حبها ، وقد بدا لها ذلك في قوله الذي قال ، وقر في وعيها ، فاستنهض منها الدموع تتدافع الى مآقيها ، وهي ذاهلة عن نفسها لا تعرف فكاكا من تناقضات تكبس على نفسها وتفقدها اتزانها ، فماذا تقول له ، ولنفسها ، فما أن رن صوته في خلجات نفسها حتى دوت مشاعرها تردد في أرجاء نفسها أحبك ..أنا أحبك ، وانت تعرف ذلك ، وما نطق كلمة الا وكانت تسرى في بدنها تحسها ، وهي مرتبكة حائرة ، وظلت تسمعه لا تنبس بكلمة ، وانما هي أنفاسها التي لا تخفى عليه حرارتها ولهفتها البادية من موجاتها المتلاحقة على أذنه ، كانت لغة نفسها الى نفسه وهو يردد قوله في أذنها ، فما أن أنهى كلامه وانتظر قولا لها يبرد حرارة شوقة ويقلل من تيهه وحيرته ، حتى فوجىء بها تقول له : لكن نصيب حبنا أن يبقى يرتع في خيالنا ، نلجأ اليه ونحياه خيالا ، فأنت تكتبه وأنا أبكيه وأنت تدمع لحالك وحالي ، فهذا ما يريده والداي ، وأنا لا أملك الا أن أحافظ على وضعهم الاجتماعي ، فلا يمكني الا أن أكون خروفا يذبحونه في يوم فرحهم بزفافي الى غربتي وتعاستي وضياعي ، فماذا أفعل غير أن أكون ما يريدون ولو فيما أملك أن أفعله .. الضحية ، فهذا هو أنا التي بين يديها سعادتها ولا تملك أن تضمها الى نفسها ، فتدعها تفارقها ، وهي عاجزة ، فكيف أنجو بنفسي ونكون لبعضنا هو هذا الذي لا أعرف له جوابا ، فقال : بل أنت لي وأنا لك ، وقد أدمت قلبه كلماتها ، وفر لوهلة عقل والديها من عقلها ، وراحت تردد على مسامعه وهي دامعة : ( أنا أحبك ، أحبك ولن أحب غيرك فأنت حبيبي ) ، ثم صمتت ، بينا أناملها تمسح دمعتها ، وبها حس بأنها يجب أن تقول له الحقيقة كلها ، فالحب هو الحب الذي يستقي منه الصدق كلماته ، والصدق في حال مثل هذا عبارات باكية ، ومن جانبه فالفراق لم يدع وعيه يسلم أمره لواقع يكاد يراه ، وأما هي فما عرفت كيف تتماسك ، ولا كيف فلت منها قولها : هو البكاء ، لم يبق لنا سواه البكاء ، فباشرها ذهلا : (حب وفراق فماذا عنك وعني وأين نحن مما يجري لنا ، فلا ارادة لك ولا لي ولا نفس فيك ولا في ذاتي ترحمك وترحمني ، فمن أنا ومن أنت ، ألسنا من الخلق ، هل نحن قشا تذروه الريح وتلاعبه على أكفها كما تشاء ، فما الانسان ؟ . ليس عدلا هذا الجفاء ، فلا القلب يصوم عن نبضه ، ولا عن خفق الدم في العروق ، ولا صام عصفور عن شدوه ، ولا كف جناح عن سباحة في الهواء .. أنفاس الحياة تظل خافقة ، فكيف يقول هذا أو ذاك بكف حياة عن غناء ، انظري الورود كيف هي باسمة ، لا تصوم عن نشر العطور ، فكل الذي يريد لها كفا ، فانما يدعو الجفاف الى العروق ) ، فما كان منها وهي تشرب بعض صلابة موقف من مشاعره وقد سكبها في كلماته ، الا أن طافت بفكرها الى أحوال قيس وليلى وقيس بن ذريح ولبنى وهالة ومحمد ، وقالت وقد كادت تضحك من داخل لوعتها ، فبدا ذلك في صوتها فهو مزيج من دمع وضحك ولوعة حرى وقالت : ( ذبيحة أنا ، وأنت تكتبني ، ألا يكتب حب ذبحه في كتب ) ، فقال : ( أنتركهم ينتزعون حياتنا منا ، لنبحث عن خلود في حياة من لم يدبوا بعد على الأرض ) ، فقالت : ( نبقى في ذاكرة الحياة شهادة شهيدة وشهيد حب لم يجدا لهما في الحياة مساحة لحبهما فحطا في الخيال اصرارا على البقاء وفرارا من ظلم الحياة ) ، فقال : ( لم يظلم الحب أحدا ، بل الحب هو النفي من كل امكان وامكانية لظلم ، وهنا مصدر قوته ومع ذلك فهو في سرديته يؤثر في من عرف الحب وأحسه وأراده حياة تتكامل له به ، فأما الذين أفرغتهم الأيام أو أفرغوا هم أنفسهم من الحب فكل أثر لسردية للحب فيهم ، فكما حالنا لدى والديك ،) ، فقالت : ( بي جوع الى الخلود ، فكلما لاحت لي مأساتي بكامل حالها أتماثلك وحروفك وأنا واياك في الخيال نفرح الفرح الذي حرمونا منه ، فساعتها أحس الحروف كيف تتعانق في سردية حبرها أنا وقلمها أنت ، وأوراقها الخيال الذي سرعان ما يهبط بنا الى الدنيا في زفاف من خلود ، فنحن على كل لسان وفي كل زمان ) ، فأتبعها قوله : ( أبيتا كنا نحلم بأن نأوي اليه معا ، قد أصبح مرشحا ليكون من لبنات من خيال ، فيا له الخيال ما أرحمه ، فكل معذب يطير اليه ليجد فيه خلاصه ، فماذا نفعل في بيت لا نشرب فيه قهوتنا معا ، ولا نغفو معا ، ولا نصحو معا ) ، فقالت : ( بل ونأكل معا ونربي أطفالنا معا ، ونحيا أحلى حياة ) ، ثم ارتفع صوتها بآه وآه وآه دلت على نفس شواها عذاب حيرة ، تناهى في قولها له فكأنه البكاء يبكي بكاءه ، فثمة كلمات تتساقط على أذنه ، فهي نفسها بما هي به ملوعة تحدث نفسه ، فالتاع ودمعت عيناه ، فجاء صوتها : ( لا تبكي في أذني ، فكفاني أني أبكي ، فليس لجهل الآباء ما يقدمونه للأبناء سوى الضياع والبكاء ) ، ثم أردفت قولها : ( اننا سوف نبقى بلوعة حبنا حكاية تكتبها أنت وأنا بالدموع ، تحكي للمعذبات والمعذبين الذين لم يخلقوا بعد حكاية الحب والقيود التي ينتجها المجتمع ، بلا أدنى وعي بقيمة الانسان ) ، فقال : ( خلود الورد بعطره ، فلماذا أرادوه خلودا باليبس يحط على أوراقه ) ، فقالت : ( لا يعرف ابر النحل الا من انزرعت له الابر في لحمه ) ، وكان يسمعها وهو يستهجن استسلاما يبدو من جانبها ، فهي تحدثه وكأن الفراق بات حقيقة قائمة تنتظر ظهورها في مشهدها الذي سوف تظهر عليه في وقت يدنو ويقترب ، فعافت نفسه حالا لا تملك هي فيه أن تجد نافذة الى وعي أبيها وأمها فتطل منها ، من داخل حبهما لها ، فلربما تتبدل مأساة توشك أن تحل بفرحة تفرض نفسها ، فقال لها : ( أنت تصرين على أن لا تتركي حبنا يرسم لنا مصيرنا ، أنت تريدين مصيرنا يصير من داخل ارادة من لا يريدونه ان يصير الى ما يجب أن يصير اليه ، فكأن الحب عندك ليست مسألة حياة ومصير ، وكأنك ليست هي التي أحبها ، فأو الحب أو اللاحب ، لا يمكن لحب أن يختار اللاحب ، كيف لحب أن يختار مجلسه على رفوف اللاحياة ، لتتولاه حياة ما قال بها الحب ولا أجاز لها دربا ) ، فقالت : ( أن لا أكون خير لهم من أن أكون ، فأن أكون كما أحب أن أكون هو ما لا أراه سوف يكون ) ، فقال : ( أن تكوني يعني أن تكوني ، فأنت تختاري غير ما تسمينه الحب يعني أنك تتوهمين الحب ولا تعرفينه ، فالحب ما اختار غير نفسه ) ، فقالت : ( أفكل الحب الذي أحب وتقول لي تتوهمينه ، فما هو الحب ، ان لم يكن هو الذي أعرفه ، وهل تشك في حبي ) ، قال : ( أن تختاري اللاحب ، يعني بأنك ترتضين غياب الحب ، والحياة بدونه ، فأنت بالحب وبدونه يمكنك أن تعيشين الحياة التي تحبين ، وكلمة الشك لا محل لها من الاعراب هنا ، فهنا أنت تختارين غيري ، يعني أن الحب الذي أسمعه منك وأعنيه ، تضعينه في رتبة احتمال ، وأنت تقررين مصيرك ، فاذا الحب خارج المصير ، فهل ثمة ما يدل عليه ) ، فقالت : ( أنا مقهوره ، كمن رسفت القيود في يديها ولا يمكنها فكاكا منها ، يسوقونها الى سجن ، وقلبها يرفرف بعيدا ، مع من تحب ) ، فقال : ( ولماذا يجب أن نخرج من الحياة لكي نكونها كما تريدننا ، فهي لم تردنا كما نريدها ، ولا هي تريد أن تكوننا كما نريد ، وانما هي بما هي عليه تريد أن تستخلصنا من حياتنا لكي نحياها حياة لم تخطر على بالنا ، فأي حياة هذه التي تستحيل بالجهل والقهر الى ما لا نطيق ) ، وهنا ضاقت عليه نفسه ، أحس بضيق يطوق روحه ، فلم يعد في مقدوره أن يسمع أكثر مما سمعه ،عن مبررات الحب الذي يختار اللاحب ، فلقد أحس بأن الحب يطرده من الجنة ، فكأنه كمن خرج من كل آماله وأحلامه ، أو من خرج من الحياة ووقف على حافة فراغ مذهل ، فلا هو بقادر على الخطو الى داخل الفراع ، ولا بمكنته أن يظل على عتبات حياتة تودعه ، وانه لكذلك راح يهذي : ( حين اللاعقل يصبح عقلا واللافهم يصبح فهما واللاممكنا أن يكون واقعا يغدو واقعا ، فأنت لا تدري هل أنت في صحوك أم في منامك ، تتوه الفوارق بين الحلم وبين العلم ، فهل أنت بعقل أم بغير عقل ، وبعينين أم بلا عينين ، وهل الماء سرابا أم السراب ماء ، تنتابك حالة من الخروج من الذات بحثا عن عقل يدلك على ذاتك ، فلا تدري كيف يمكنك بلا ذات أن تغدو ذاتا مفكرة تعرف أن تمييز بين الأشياء ، غمام يحلق لك فوق رأسك ، فهل الوهم باب خلاص من واقع أنت فيه ، أم خلاص الواقع منك هو بعينه الخلاص ) .

..................................................................
5/6/2010
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف