الأخبار
الهدنة على الأبواب.. وتجار الحرب إلى الجحيممسؤولون أميركيون: ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء حرب غزةنتنياهو: لقائي مع ترامب قد يسهم في التوصل إلى اتفاق بغزةالاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينيةمستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية مشددة من قوات الاحتلالعائلات أسرى الاحتلال تطالب الوفد بتسريع إنجاز الصفقة خلال هذا الأسبوع
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

تركيا ماضي وحاضر ومستقبل بقلم الكاتب محسن الخزندار

تاريخ النشر : 2010-06-05
تركيا ماضي وحاضر ومستقبل بقلم الكاتب محسن الخزندار
بقلم الكاتب محسن الخزندار
تركيا ماضي وحاضر ومستقبل

تركيا لن تدير ظهرها إلى العالم العربي مرةً أخرى ولن تفرط في قضية فلسطين ولن تتخلى عن فك الحصار عن قطاع غزة فماضيها وحاضرها ومستقبلها مرتبط بالشرق الأوسط والقضية الفلسطينية .
لقد استلمت الامبراطورية العثمانية في نهاية القرن الرابع عشر علي عاتقها الخلافة الاسلامية كان في تلك الفترة بداية مجد آل عثمان التي كانت قبل ذلك عشيرة بدوية منتشرة في قلب اسيا الوسطى تتنقل مثلها مثل غيرها من العشائر المنغولية من الشرق الي الغرب في زمان جنكيز خان.
فقدت فيه جميع العشائر المنغولية والتركية شخصيتها بالتحاقها بشعوب كبيرة مجاورة لحوض البحر الابيض المتوسط بسبب مدنية هذة الشعوب والكيان السياسي والادبي لها، وهكذا فقد التتار والسلاجقة كيانهم ولغتهم واندمجوا اندماجا تاما مع الامبراطورية العباسية التي كانت مضيفه لهم بينما حافظ الاتراك العثمانيين علي كيانهم رغم الظروف السياسية والعسكرية و لأسباب غيرمعروفة احتفظ الاتراك العثمانين باللغة التركية رغم محيط الشعوب الاخرى وخصوصا الشعوب العربية التي كانت ممتزجة معهم .
استعار الشعب التركي الحروف العربية وادخل في قاموسه عدد كبير من المصطلحات العربية والفارسية لكن السلاطين الاتراك لم يتعلموا اللغة العربية ولم يعتمدوها كلغة رسمية في الامبراطورية كما فعل السلاطين السلاجقة وكان هذا من اهم اسباب ضعف وحدة الخلافة الاسلاميه العثمانية في ذلك الوقت .
ورث الاتراك العثمانيين الخلافة الاموية والعباسية وعملوا علي توسعة الامبراطورية الاسلامية ونشر الدين الاسلامي في اوروبا
ظلت تركيا مركزا للحكم العثماني حتى عام 1922م منذ تفكك الدولة السلجوقية وانهيارها وتكونت الخلافة العثمانية فيها بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر وأخذت بالتوسع حتى سيطرت على الإمبراطورية البيزنطية وبلغاريا وصربيا إلى أن توقف توسعها إثر هزيمة بايزيد الأول (يلدرم) الصاعقة عام 1402 م، تلت هذه الهزيمة فترة اضطرابات وقلائل سياسية. استعادت الدولة توازنها وتواصلت سياسة التوسع في عهد مراد الثاني، ثم محمد الفاتح، والذي استطاع أن يدخل القسطنطينية سنة 1453م، وينهي التواجد البيزنطي في المنطقة. ثم مرت الدولة العثمانية بمراحل تدهور وانحطاط تلتها بعض مراحل النمو والازدهار الذي لم يلبث سوى القليل من الزمن حتى أستمر وضع الدولة في الانحلال. وأعلنت التنظيمات سنة 1839م، وهي إصلاحات على الطريقة الأوروبية.
وأنهى السلطان عبد الحميد الثاني، هذه الإصلاحات بطريقة استبدادية، نتيجة لذلك استعدى السلطان عليه كل القوى الوطنية في تركيا. وفي سنة 1922م، تم خلع آخر السلاطين محمد السادس . وأخيرا ألغى مصطفى كمال أتاتورك الخلافة نهائيا في العام 1924 م. وشهدت تركيا بعد الحرب العالمية الأولى حركة قومية قادها مصطفى كمال أتاتورك ، وأعلن تركيا الجمهورية دولة يقع الجزء الأكبر منها في جنوب غرب آسيا وجزء آخر صغير في جنوب شرق أوروبا يقع على مضيقا البوسفور والدردنيل وبحر مرمرة التي تصل البحر الأسود ببحر إيجة وتصل آسيا بأوروبا في أراضيها مما يجعل موقعها إستراتيجيا ومؤثرا على الدول المطلة على البحر الأسود ويحدها جورجيا وإيران وأرمينيا وأذربيجان شرقا، العراق وسوريا والبحر المتوسط جنوبا مع حدود بحرية مع وقبرص، وبحر إيجة واليونان وبلغاريا غربا، البحر الأسود شمالاً وتركيا عضو في منظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود.
تولى مصطفى أتاتورك رئاستها عام 1923م، حتى وفاته عام 1938م، وقد تمكن من استبدال المبادئ الإسلامية بأعراف قومية علمانية واستبدل الكتابة في تركيا من العربية إلى اللاتينية. ثم خلفه من بعده في الحكم (عصمت انينو) حتى عام 1950م، وسيطر الحكم المدني على البلاد حتى عام 1973م، وحكم العسكر بعد هذا التاريخ فأدى ذلك إلى وضع غير مستقر فاندلعت أعمال العنف عام 1980م، وتعاني الحكومة التركية من معارضة الأكراد والأرمن حيث أن الأكراد يمثلون بين 20-25 مليون نسمة، وفي عام 1991م، سمح الرئيس التركي أوزال بلجوء الأكراد إلى الأراضي التركية إثر ثورتهم في العراق وفي عام 1993م، أصبحت (تانسو تشيلر) أول رئيسة للوزراء في تركيا.
لم تقطع تركيا عَلاقتها مع الكيان الصهيوني خاصةً أن التوجُّه الإسلامي بات واضحاً في تركيا واستمر التعاون العسكري مع الكيان الصهيوني الذي يشمل صفقات سلاح، وتدريبات مشتركة إضافةً إلى تبادل معلومات استخباراتية.
و قد نحتاج إلى العودة إلى الوراء لتحليل التاريخ، ودراسة جذور العلاقة، وفهم خلفيات هذا التعاون .
لقد كانت الخلافة العثمانية خلافة إسلامية من الدرجة الأولى، وكان لها الكثير على الأمّة الإسلامية فهي مثلت القوة الأولى في العالم لأكثر من مائتي سنة متصلة، وفي أثناء قوتها قبلت أن تستضيف في ديارها العائلات اليهودية الهاربة من أسبانيا سنة 1492م، وأكرمتهم كرمًا بالغًا، وأعطت لهم بعض الإقطاعيات في مدينة سالونيك باليونان التابعة للخلافة العثمانية، وعاش اليهود في كنف الخلافة العثمانية في غاية الأمن والاستقرار لكن مرت الأيام وبدأت الخلافة العثمانية في الضعف كدورةٍ طبيعية من دورات الزمن.
وفي نفس الوقت تظاهر عدد كبير من اليهود بالإسلام، الذين عرفوا بيهود الدونمة، أي اليهود الذين ارتدوا عن اليهودية إلى الإسلام، لكن هؤلاء ظلوا على ولائهم الكامل لليهودية وإن كانوا يحملون أسماءً إسلامية وقد وصل بعض هؤلاء اليهود إلى بعض المناصب الرفيعة في الدولة وتعاونوا في السرمع إنجلترا وفرنسا واليهود لإسقاط الخلافة العثمانية، وتعطل مشروعهم بشدة عند ظهور السلطان عبد الحميد الثاني الذي حكم الخلافة العثمانية من سنة 1876 إلى سنة 1909م، فقام هؤلاء اليهود بإنشاء جمعية تسمى "جمعية تركيا الفتاة" تدعو إلى الأفكار العلمانية والقومية، ومناهضة الفكرة الإسلامية بقوّة، ثم ما لبث أن التحق بها عدد كبير من أفراد الجيش مُكوِّنين ما عُرف بحزب الاتحاد والترقي، وهو الجناح العسكري بجمعية تركيا الفتاة. وكان الشيء الجامع لكل هؤلاء الأعضاء هو علمانيتهم الشديدة، وكراهيتهم العميقة لكل ما هو إسلامي، وولاءَهم الكامل لليهود والإنجليز والفرنسيين.
قام "حزب الاتحاد والترقي" بالانقلاب على السلطان عبد الحميد الثاني في سنة 1909م وعملوا على نشر الأفكار العلمانية في الدولة، ووضع في الخلافة أحد الخلفاء الضعفاء جدًّا، وهو محمد رشاد الملقَّب بمحمد الخامس، وحكم البلاد من وراء الستار .
كان مصطفى كمال علمانيًّا كارهًا للإسلام تمامًا، ومواليًا للإنجليز واليهود بشكل كامل، وساعده الإنجليز في قلب نظام الحكم في الخلافة العثمانية، بل وإلغاء الخلافة العثمانية تمامًا، وإنشاء الجمهورية التركية، والانفصال الكامل عن كل بلاد العالم الإسلامي، حيث قام مصطفى كمال أتاتورك بوضع دستور الدولة التركية، وفيه أكّد بوضوح وصراحة على أن دولة تركيا علمانية لا دين لها، وألغى الشريعة الإسلامية، وصاغ القانون من القانون السويسري والإيطالي، وأتبع ذلك بعدة قوانين منعت كل مظهر إسلامي في البلد؛ كإلغاء الحروف العربية من اللغة التركية، واستخدام اللاتينية بدلاً منها، وإلغاء منصب شيخ الإسلام، ومنع الأذان للصلاة باللغة العربية، ومنع الحجاب في المؤسسات الحكومية والجامعات والمدارس، وإغلاق عدد كبير من المساجد، وقتل أكثر من 150 عالمًا من علماء الإسلام، وغير ذلك من القوانين والمواقف التي رسّخت العلمانية في تركيا وبحكم أن مصطفى كمال أتاتورك كان قائدًا من قوّاد الجيش، فإنه أعطى للجيش التركي صلاحيات هائلة، ووضع في بنود الدستور ما يكفل للجيش التدخُّل السافر لحماية علمانية الدولة وأصبحت العلمانية والبُعد عن الإسلام هدفًا في حد ذاته، وكان ذلك بمباركة أفراد حزب الاتحاد والترقي الذين صاروا قوادًا للجيش التركي لهم جذور يهودية معروفة أو انتماءات ماسونية يعرفها الجميع.سيطر أتاتورك وآلته العسكرية الجبارة على الإعلام والتعليم، ومن خلالهما غيّروا أفكار الشعب التركي تمامًا، وحوّلوه إلى العلمانية المطلقة، ولعشرات من السنين ظلت علاقاته حميمة مع اليهود.
وفي 1948م قامت دولةإسرائيل"في فلسطين، وفي سنة 1949م اعترفت تركيا بدولة إسرائيل، وكانت هي الدولة الإسلامية الأولى التي تصدر هذا الاعتراف أقامت تركيا علاقات حميمة مع إسرائيل وأعلن بن جوريون قيام حلف الدائرة ليحيط بالعالم العربي، وكان هذا الحلف مكوَّنًا من تركيا وإيران وإثيوبيا، وهو بذلك يقيم علاقات مع دول لها حساسية خاصة في التعامل مع العرب، وخاصةً أن هذه الدول كانت تامة العلمانية في ذلك الوقت.ومع مرور الوقت زادت أواصر العلاقة بين اليهود والأتراك العلمانيين، وتوثقت الأواصر العسكرية بين الطرفين بشكل مبالغ فيه، وليس هذا أمرًا مستغربًا في ظل معرفة الخلفية اليهودية لقيادة الجيش التركي من أيامه الأولى ولقد حرص أتاتورك وخلفاؤه من بعده على استقلال المؤسسة العسكرية بشكل كبير، ومِن ثَمَّ فرئيس الوزراء يكوِّن وزارته من عدة وزراء منهم وزير الدفاع، ومع ذلك فلا يحق لهذا الوزير أن يغيِّر شيئًا في منظومة الجيش، بل يعودُ ذلك إلى "المجلس العسكري الأعلى"، والذي يختار رئيس الأركان بعناية شديدة، ثم يُصدِّق على هذا الاختيار رئيس الجمهورية، ومع أن الدستور ينصّ على أن رئيس الجمهورية هو الذي يختار رئيس أركان الجيش إلا أن هذا لا يتم في أرض الواقع، وبذلك يصبح الجيش مؤسسة مستقلة لها قيادتها البعيدة عن سيطرة رئيس الدولة أو رئيس الوزراء!وزاد النظام التركي من التعقيد في الأمور بإضافة ما يسمى بـ "مجلس الأمن القومي"، والذي يضم بعض العسكريين وبعض المدنيين، وذلك للتدخل بشكل رسمي في الأمور السياسية، وحرص الجيش على أن يكون عدد العسكريين أكبر، وبذلك صار تدخل الجيش في السياسة والانتخابات والأحزاب أكثر من أي مؤسسة أخرى في الدولة.
كل هذه الأمور جعلت التوجُّه العلماني في الدولة أمرًا مفروضًا بالقوة، كما جعلت العلاقة مع اليهود موثّقة بشكل يصعب الفكاك منه.
ولم يكن الجيش يتردد في أن يقوم بانقلاب عسكري على الحكومة إذا ظهرت أي بوادر احترام للإسلام، أو سماح له بالظهور و لقد قام الجيش بانقلاب دمويّ خطير سنة 1960م للإطاحة بحكومة عدنان مندريس، الذي لم يكن إسلاميًّا، إلا أنه سمح لبعض القوى الدينية الإسلامية بالحركة، فاعتبر الجيش ذلك خرقًا لعلمانية الدولة، وقاموا بانقلاب، وحكموا عليه بالإعدام و حدث انقلابان آخران في سنة 1971م وسنة 1980م، وكان الذي قام بالانقلاب الأخير هو الجنرال كنعان إيفرين، الذي وضع عدة قوانين في الدستور التركي تعطي صلاحيات أكبر للجيش للسيطرة على أي دوافع إسلامية في الدولة.لقد كانت حربًا ضروسًا شنّها قادة علمانيون كارهون للإسلام تمامًا، وزادوا في كراهيتهم للإسلام على الغرب واليهود.
وإن كانوا يحملون أسماءً إسلامية وفي ظل هذه السيطرة العسكرية العلمانية نستطيع أن نفهم أن القرار في تركيا ليس خالصًا في يد رئيس الدولة أو رئيس الوزراء، وأنه ليس بالضرورة أن تكون مقتنعًا حتى تنفذ ما تريد، بل إن الجيش يُملِي إرادته بصرف النظر عن الحُجّة والدليل، وهنا تصبح كل الرغبات الإصلاحية في مهبّ الريح إذا ما أراد الجيش العلماني أن يقف ضد الإصلاح.
ومِن ثَمَّ فعلى المحللين للأوضاع في تركيا أن يراعوا هذه الأمور عندما يتوقعون قرارًا من رئيس الوزراء أو غيره، كذلك عليهم أن يفهموا أن ارتباط الجيش التركي باليهود هو ارتباط أيدلوجي فكري، وليس فقط قائمًا على المصالح .
يصعب فصل تطورات الداخل في أي دولة عن توجهات سياستها الخارجية، ويذهب بعض المحللين إلى حد القول بأن التوجهات الخارجية لأي دولة هي في الواقع ترجمة عملية لمتطلبات سياستها الداخلية ومن هذا المنطلق فإن تحليل التغيّر الراهن في مضمون العلاقات بين تركيا وإسرائيل، يتطلب التعرف أولاً على دوافع الأطراف أصحاب العلاقة وتقييمهم لمصالحهم المتبادلة في ضوء ما يحدث من تطورات إقليمية ودولية.
تاريخياً، شكلت تركيا مع إيران الشاه وإسرائيل محوراً إقليمياً تحت القيادة الأمريكية بمسميات متعددة، وكان الهدف منها هو مناهضة حركة القومية العربية التي كانت قد شهدت تنامياً ملحوظاً في فترة الخمسينيات والستينيات من ذالقرن الماضي، واستوجب ذلك اعترافاً تركياً مبكراً بإسرائيل في عام 1949 ، والتوجه نحو دعم علاقاتها الاستراتيجية بها، ولاسيما أن تركيا كانت ترى في ذلك تأكيداً لتوجهها الغربي ، ومدخلاً مهماً لانضمام تركيا لعضوية حلف الأطلنطي، وما كان لذلك، وقتئذ، من أهمية استراتيجية في إطار سياسة احتواء "الاتحاد السوفيتي"
إتجهت تركيا بعد عام 1924 نحو العلمانية المفرطة و نظم الجيش التركي أوكل إليه وظيفتين: الاولى حراسة العلمانية الجديدة ، والثانية الدفاع عن الجمهورية الوليدة.أما عن العلاقات التركية الإسرائيلية فيمكن تمييز أربع مراحل ـ مستويات لهذه العلاقة كانت المرحلة الأولى بعد أن التحقت تركيا بالحلف الاطلسي في العام 1952 وانطلقت تركيا تنسج مع إسرائيل تحالفاً استراتيجياً عميقاً لم يعترف به علانية و لكنه مارسه واقعياً .
أما المرحلة الثانية فربما يؤرخ لها بعد طلب تركيا الانضمام إلى المجموعة الأوربية حين أخذت العلاقات التركية الإسرائيلية منحى تصاعدياً بلغت ذروته في التوقيع على اتفاق التعاون الاستراتيجي بين البلدين في المجالين العسكري والامني عام 1995 كما كانت ترى في إسرائيل ثقلاً مضاداً للعراق وسورية يمكن الاستناد إليه عند الضرورة.
ووصلت العلاقات التركية-الإسرائيلية ذروتها عام 1997، عندما تم التوقيع على اتفاق التعاون الاستراتيجي بين البلدين في المجالين العسكري والأمني، ثم اتفاق الشراكة التركية-الإسرائيلية، وتدشين مشروع شرق جنوب الأناضول المعروف باسم "الغاب" الذي لا تزال تعمل فيه أكثر من 118 شركة إسرائيلية وانعكست في ارتفاع غير مسبوق لمعدلات السياحة الإسرائيلية إلى تركيا كما وصل حجم التجارة الإسرائيلية إلى تركيا إلى ما يقارب ملياري دولار سنويا.ً
وكانت هذه العلاقات المتنامية في تقدير بعض المحللين السياسيين الأتراك وليدة استثناء مرحلي ورغبة متبادلة بين الجانبين في تحقيق منافع ذاتية لهما؛ حيث كانت إسرائيل ترغب في الحصول على دعم تركيا الدائم وغير المشروط لمواقفها وسياساتها في المنطقة،فيما كانت تركيا تسعى جاهدة وتفعل كل ما يمكن فعله لتتحول إلى دولة غربية وتنضم إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.
وكان من متطلبات ذلك فك الارتباط بمنطقة انتمائها الإقليمي وتعزيز علاقاتها بإسرائيل، التي كان ينظر إليها على أنها مفتاح بوابة الغرب.
وقد ثابرت النخب التركية الحاكمة على مواقفها تلك إلى أن اكتشفت متأخرة أنها أمام فجر كاذب، فبدأت تتطلع لإغراءات أمل جديد بالاتجاه شرقاً.
فعلى الرغم من كل ما قدمته تركيا للغرب من خدمات سياسية وعسكرية، فقد عاملها الغرب بخشونة، وانحاز لأعدائها كما فعل في القضية القبرصية، وظلت المجموعة الأوروبية تماطل لسنوات في طلب انضمام تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي على الرغم من استيفائها لغالبية متطلبات وشروط العضوية وهذه المعاملة والرفض المتكرر لانضمام أنقرة للاتحاد الأوروبي ساهما في تولد تيار شعبي يتطلع لإعادة الارتباط بمنطقة الانتماء الإقليمي.
تستبطن السياسة التركية الجديدة تحولاً جوهرياً في الأسس التي انطلقت منها السياسة الخارجية للجمهورية كما وضعها مصطفى كمال في العشرينات من القرن الماضي فلم يبرز مصطفى كمال زعيماً لتركيا الجديدة وسط فراغ ولا حتى بعد انتصاره في حرب الاستقلال. خلال العقود الأخيرة من عمرها المديد.
فقد كان مركز السلطنة العثمانية يموج بالتيارات الفكرية والسياسية وقد واجه مصطفى كمال تيارين رئيسين في لحظات الانعطافة الأولى من السلطنة إلى الجمهورية: تيار الجامعة الإسلامية الذي أراد تعزيز الخلافة وإعادة بناء الفضاء العثماني ، وتيار الجامعة التركية الذي تصور إمكانية وضرورة توحيد الشعوب التركية جميعاً من غرب الصين إلى البوسفور، ولكن مصطفى كمال رأى أن توازن القوى العالمي والإقليمي بعد هزيمة الحرب الأولى الطاحنة سيجعل أياً من المشروعين مغامرة انتحارية لتركيا الجمهورية.
قال مصطفى كمال لابد أن تكتفي بما حصلت عليه في نهاية حرب الاستقلال وأن تعمل بالتالي على إعادة بناء الذات ضمن توجه غربي عصري جديد مبتعدة ما أمكن عن مصادر القلق والتوتر والميراث التاريخي في جوارها ومنذ السبعينات على وجه الخصوص بدأت محاولات تركية بطيئة وخجولة للانفتاح على الجوار مدفوعة بالضرورات الاقتصادية وبإدراك متزايد باستحالة استمرار تجاهل التعقيدات السياسية الإقليمية ولكن سياسة حكومة العدالة والتنمية لا تمثل قفزة نوعية وحسب، بل وتستند إلى أسس نظرية واضحة.
ومن الصعب بالطبع تجاهل المواريث والأبعاد العثمانية في التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية التركية ولكن تفسير هذه الأبعاد بإرجاعها إلى الخلفية الإسلامية لقادة العدالة والتنمية يتجاهل حقيقة أن المجال العثماني ولد من اعتبارات إستراتيجية وثقافية وليس من طموحات قوة توسعية.
وقد استثمرت النخبة الحاكمة التركية الجديدة ممثلة في حزب العدالة والتنمية هذا التوجه في إعادة توجيه سياساتها نحو التركيز على جوارها الجغرافي والمنطقة العربية بصفة خاصة في إطار ما عُرف بـ"العثمانية الجديدة"، لتحقيق مصالح اقتصادية وسياسية واستراتيجية بعيدة المدى، إضافة إلى تحسين قدراتها التفاوضية على مساومة الغرب.
واستثمرت تركيا في هذا المجال متغيرين مهمين: الأول دولي ويتمثل في الضعف التي بدأت تعانيها الولايات المتحدة نتيجة أزمتها المالية المعقدة، والتي أدت إلى تراجع نفوذها في مناطق كثيرة في العالم، واضطرار واشنطن إلى اتباع سياسة "أقلمة النزاعات"، بمعنى إعطاء دور متزايد لأطراف إقليمية في حل هذه النزاعات وإيجاد تسويات إقليمية لها والعامل الثاني إقليمي، ويتمثل في حالة الضعف المتنامي للمنطقة العربية، ووجود حالة من "فراغ القوة" أو ما وصفه أحد الكتّاب بحالة المشاع السياسي العربي، الذي يغري مختلف الأطراف باختراقه، وهو الذي زاد من الطموح الإقليمي لتركيا.
فتطلعت لإقامة تحالفات جديدة في المنطقة بتقاربها مع إيران المرجح أن ذلك تم بالتنسيق مع واشنطن لاحتواء الموقف الإيراني والسوري. وضمن هذا السياق استهلت تركيا توجهاتها الجديدة بخطوات ومواقف تعبر عن تباعد محسوب مع إسرائيل، يُمهد الطريق للتوجه الجديد لتركيا عربياً وإيرانياً.وقد قد حدد أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية ومهندس السياسة الخارجية التركية الجديدة، مبادئ ما أُطلق عليه "العثمانية الجديدة" في ثلاث، الأول: مبدأ التوازن بين الحرية والأمن، والثاني: سياسة السلام الاستباقية، والثالث: المشاركة الفاعلة في مناطق المجال الحيوي لتركيا.
وانطلاقاً من هذا المبدأ الأخير على وجه الخصوص، وجدت السياسة التركية أن المنطقة العربية مرشحة أكثر من غيرها كقاعدة نفوذ لانطلاق السياسة الجديدة، وكان لابد من التمهيد لذلك بأن تحاول تركيا مسح سجلها الأسود المرتبط بتحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل من ذهن الشعوب العربية وذاكرتها.
وجاءتها الفرصة المثالية لإجراء هذا التحول المخطط، بعد العدوان الإسرائيلي واسع النطاق على قطاع غزة في يناير/كانون الثاني 2009، والذي استخدمت فيه إسرائيل أسلحة دمار شامل محرمة دولياً، فاتخذت تركيا موقفاً حازماً من هذا العدوان، وبلغ الرفض التركي له ذروته فيما حدث من صدام علني بين أردوغان والرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز خلال منتدى "دافوس الاقتصادي" في 30/1/2009؛ حيث انسحب رئيس الوزراء التركي منه متهماً إسرائيل علانية بقتل الأطفال في غزة، مما زاد من شعبية حكومة أردوغان في الأوساط العربية والإسلامية.
كما أعلن أردوغان عن دعم بلاده لتقرير جولدستون حتى النهاية، وهو ما أزعج إسرائيل وجعلها تقلق من احتمالات حدوث متغيرات جيوسياسية تهدد مقومات شراكتها الأمنية الوثيقة مع تركيا.
وفي هذا السياق جاء اندفاع تركيا الملحوظ في اتجاه تطوير علاقاتها مع سورية، وقد أمسكت سوريا بدورها بهذه اللحظة، واكتسبت حركتها السياسية قدراً غير متوقع من المرونة في مواجهة الضغوط الإقليمية والدولية، فارتقت بمستوى علاقاتها مع تركيا إلى مستوى التعاون الاستراتيجي.
ولم تكن إسرائيل راضية عن هذا التطور، ثم تلا ذلك حدوث تطور آخر له دلالته في مسار العلاقات التركية-الإسرائيلية، وهو إقدام تركيا على إلغاء مشاركة إسرائيل في واحدة من أهم المناورات العسكرية السنوية التي تجريها تركيا مع حلف الأطلنطي تحت مسمى "نسر الأناضول"، مما أثار ضجة في إسرائيل وتساؤلات عديدة حول مغزى هذه الخطوة. حيث تعود أهمية هذه المناورات بالنسبة لإسرائيل إلى أنها كانت تتيح لقواتها الجوية مجالاً جوياً واسعاً ورحباً لتدريب طياريها، مقابل المجال الجوي الإسرائيلي المحدود للغاية، كما تُمكن الطيارين الإسرائيليين من التعرف على مسارات ومداخل الممرات الجوية في هذه المنطقة.
وعلى صعيد آخر ذهب أردوغان بعيداً في مواجهة إدعاءات إسرائيل بشأن ملف إيران النووي بتصريحه لصحيفة الجارديان البريطانية بأن "المخاوف الغربية من رغبة طهران في الاستحواذ على قنبلة نووية مبنية على نميمة".
إن التساؤل المطروح الآن هو ما هي محصلة هذه المواقف التركية من إسرائيل؟ وهل تعبر عن تغيّر استراتيجي أم موقف تكتيكي مؤقت؟..


ففي هذه المرحلة وبالرغم من تقدم العلاقات التركية الـ"إسرائيلية" إلا أنها تقدمها كانت الأسرع على صعيد العلاقات العربية التركية فبعد انضمام تركيا إلى منظمة المؤتمر الإسلامي في عام 1980 تعزز الاتجاه التركي نحو العرب.
وفي عهد "حزب الوطن الأم" بقيادة تورغوت أوزال (1983) تميزت العلاقاة بالانفتاح على الطرفين - العربي والإسرائيلي معاً ولكن في عام 1987 لعبت انتفاضة الحجارة الفلسطينية المباركة دورا عاطفيا مؤثرا على الرأي العام التركي فقد شهدت هذه العلاقات العديد من المفارقات فهي وقد مرت بفتور بل شبه انقطاع إلاَّ أنها شهدت توقيع اتفاقية للتعاون في مجال التدريب العسكري بين الطرفين واستمر ذات النهج بمفارقاته مع حكومة العدالة والتنمية حين سعت للإبقاء على توازن ما في العلاقات بين تركيا والعرب من جهة وتركيا وإسرائيل من جهة ثانية.
ففي الشق الأول قدمت دعما مستمراً وكبيراً للجانب الفلسطيني حكومياً بالمعونات الاقتصادية وإنشاء مدن صناعية وشعبياً بدعم البلديات ومنظمات المجتمع المدني، وأما في الشق الثاني من المعادلة فقد اعتبرت حكومة العدالة والتنمية استمرارية علاقاتها مع "إسرائيل" ضرورية على الصعيدين الداخلي والخارجي فعلى الصعيد الداخلي تشكل هذه العلاقات عاملاً مساعداً للحزب في كسب المشروعية السياسية داخل النظام العلماني وأما على الصعيد الخارجي فإنها تساهم في تمتين العلاقات مع أمريكا وتشكل شهادة حسن سلوك لحكومة العدالة والتنمية كأحد أوراق الاعتماد اللازمة لعضوية الاتحاد الأوروبي ولكن العلاقات التركية الإسرائيلية ربما تكون قد دخلت في مرحلة رابعة منذ الحرب على غزة فالعلاقات بين تركيا و"إسرائيل" تزداد تصدع كما تشهد الهوة اتساعًا غير مسبوق.
وتتعدد الوقائع لهذا التصدع بدءاً من الموقف التركي الرسمي والشعبي القوي والشجاع من "الحرب المحرقة على غزة" وما رافقها من انتقادات حادة وجهها أردوغان لإسرائيل بوصفها بالنعوت التي تصح فيها كان منها قوله بأن "إسرائيل ترتكب الإرهاب والقتل الجماعي.
وإن دماء الأطفال وأنات الأمهات الثكالى ستسحق قادة إسرائيل" مروراً بغضبته القوية في دافوس وحتى إلغاء مشاركة "إسرائيل" في مناورات"نسر الأناضول" وليس انتهاء بأحدث هذه الوقائع المتمثلة بإعلان أردوغان في كلمته أمام "الجلسة الرابعة للجمعية البرلمانية لحوض البحر المتوسط المنعقدة بإسطنبول في 23/10/2009 بأن إرساء السلام بمنطقة حوض البحر المتوسط رهين بتجاوز الصمت ، وتجاهل المأساة المستمرة في قطاع غزة وإنه لا يمكننا البقاء غير مبالين حيال القضية الفلسطينية التي تشكل أساس المشاكل بالشرق الأوسط وأن الأمن بكل دولة من دول المنطقة مهم للجميع .
وأمن فلسطين مهم بمقدار أهمية أمن إسرائيل". وبينما تزداد المواقف التركية حدة وإدباراً نجد أن ردود الأفعال الصهيونية تتسم بالتذبذب والغموض والمراوحة بين الغضب والمداراة ومحاولة تخفيف التوتر ، ففي حين يبادر أفيجدور ليبرمان وزير الخارجية الصهيوني بسحب سفيره من تركيا نجد نائبه "داني يعالون" يصف تركيا بأنها "دولة متسامحة تنتمي الى العالم الغربي وتعتبر مثالا يقتدى به "
وبينما يرى بعض المسئولين الأمنيين بأن على "إسرائيل" وقف مسلسل الإهانات من قبل الحكومة التركية يصرح الناطق باسم الخارجية "اسحاق ليفانون"بتاريخ 16/10/2009 بأنهم "منزعجون من الموقف التركي ، ولكننا اتخذنا قراراً بعدم التصعيد وفي حين يصرح "إيهود باراك""وزير الدفاع الإسرائيلى" في بولندا بأن المناورات الجوية المشتركة لـ"إسرائيل" وتركيا لم تلغ ، وإنما تأجلت وأن تأجيلها لن يلحق الضرر بالعلاقات بين البلدين على المدى البعيد" ، فإن إذاعة الجيش الصهيوني ترى أن إلغاءها يعكس"تدهور العلاقات بين "إسرائيل" وتركيا منذ الهجوم العسكري الذي شنه الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة" في حين يهدد أخرون بضرورة "إعادة النظر في مبيعات الأسلحة لتركيا".
وبالمقابل فإن هناك اتجاها إسرائيليا يبدي انزعاجه من الإساءات الإسرائيلية لتركيا فقد نقلت" يديعوت أحرونوت" عن وزير البنى التحتية "الإسرائيلي" "بنيامين بن إليعازر" انزعاجه من موقف "إسرائيل" تجاه تركيا لأن الأمر"متعلق بوجود مصالح استراتيجية بيننا وبين تركيا وينبغي علينا التحلي بالصبر إلى أبعد حدود من أجل عدم ديمومة هذه المواقف التشاؤومية، كما نقلت مؤسسة الإذاعة الإسرائيلية عن دبلوماسيين إسرائيليين بأنهم يؤمنون بأن إعادة تأسيس علاقات جيدة مع تركيا ستكون في صالح بلادهم".
خلاصة الأمر فإن مجمل ردود الأفعال الإسرائيلية على تباينها تؤكد بأن هناك مخاوف "إسرائيلية"جدية من أن يكون التحول التركي ، تحولاً استراتيجياً لا رجعة فيه.
في الواقع لقد نجح أردوغان في استعادة الدور الحيوي للدبلوماسية التركية بهذه المواقف الأولية على الصعيدين العربي والإقليمي ويلاحظ أنه على الرغم من الضغوط الداخلية ولاسيما من جانب القوات المسلحة التركية، والخارجية المرتبطة بضرورة الحفاظ على المصالح الحيوية مع الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن مواقف الحكومة التركية أكدت في السابق قدرتها على الحفاظ على استقلالية قرارها ظهر ذلك في رفضها عبور القوات الأمريكية لأراضيها خلال الحرب على العراق 2003، ويمكن القول إن التحركات التركية الراهنة ما زالت في مرحلة استكشافية لمعرفة مدى الاستجابة العربية، وتقييم التكلفة والعائد.
فلكي تأخذ المواقف التركية المبدئية تجاه إسرائيل دورتها الكاملة لابد من توافر البعد العربي التعويضي، لدفع هذا التحول التركي إلى تحالف إقليمي استراتيجي عربي-تركي يعيد هيكلة المعادلات الإقليمية وموازين القوى في المنطقة، بدرجة تُحدث بالمقابل اختراقاً وخلخلة في علاقة التحالف الاستراتيجي التركي-الإسرائيلي.
لكن الخشية تظل قائمة من إضاعة العرب لهذه الفرصة الجديدة دون مبررات جدية. فمنطقتنا العربية ما زالت، وللأسف، منطقة الفرص الضائعة. وإذا استمر الموقف العربي السلبي فمن غير المستبعد أن يحدث تراجع تركي تدريجي عن الموقف الراهن من إسرائيل.
وعليه ففي كل الأحوال ومهما تعددت التفاسير والتحليلات فإن أي تراجع في العلاقات بين تركيا و إسرائيل هو بالضرورة في صالح القضايا العربية وفي صالح علاقات عربية - تركية متطورة فهل يلتقط النظام العربي المثخن بالتراجعات هذه اللحظة التاريخية التي طال انتظارها؟؟.
من المعلوم أن هناك في منطقة الشرق الأوسط ثلاث دول هي إسرائيل وإيران وتركيا دول غير عربية لها ‏أطماع أو أجندات متفاوتة في المنطقة. فإسرائيل بمثابة سرطان في قلب ‏العالم العربي إذا لم يتم استئصاله أو تحجيمه في حدود ضيقه سيظل مصدر ‏قلق ورأس حربه لطموحات الغرب تستخدم ضد مصالح الأمة، وهي أيضا ‏تشكل خطرا على السلم العالمي حسب قناعات الكثيرين من المحللين ‏السياسيين الغربيين، ولا بديل إلا بحل للقضية الفلسطينية لصالح ‏الفلسطينيين وليس على حسابهم من خلال استخدام كل الأوراق الإيرانية، ‏والتركية، والعربية.‏
‏ وبالنسبة لإيران فهناك النزعة القومية ‏التي لا تخدم الشعب الإيراني، ولا توحي لجيرانها، بأنها على استعداد ‏للتعايش والتعاون السلمي، بعيدا عن تطلعات الهيمنة ونزعات التهديد ‏لدول الجوار، تحت غطاء الخلاف الطائفي.
ثم إن إصرارها على اقتناء ‏السلاح النووي يشكل مصدر قلق لجوارها وللعالم بعيدا عن المزايدات مع ‏إسرائيل التي وظفت الورقة الإيرانية ضد العرب كمصدر ضغط لاستمرار ‏الدعم الغربي لكل تصرفاتها وتجاهل الرأي العام العالمي حول جرائمها ضد ‏الفلسطينيين.‏
‏ وفيما يخص تركيا فإن الأمر يختلف تماماً، ويجب التعامل معه ‏بطرق مغايرة للموقفين من إيران وإسرائيل فالمنطقة بدون شك لا تتحمل ‏هيمنة جديدة أياً كان نوعها ومصدرها، ولكن التعاون والتقارب مع دولة في ‏حجم تركيا ذات التاريخ الإسلامي العريق يجب الترحيب به والاستفادة من مكانتها ‏الدولية في ميدان العلاقات الدولية بصفتها دولة غير عربية ولها علاقات ‏ومصالح قوية مع الدول الغربية وهي أيضا امتداد قوي وفعال للعمق ‏الإسلامي مع جوارها الأوروبي والروسي.‏
ولكن تبقى المعضلة الكبرى في التفكك العربي والتنافر المخيف - الذي يبعث على ‏اليأس والقنوط وآثاره المدمرة على مستقبل المنطقة ككل، وعلى القضية ‏الفلسطينية بالذات، التي بدأ كل واحد من الدول العربية ينظر إليها من زاوية ‏مدى تأثيرها على وضعه الداخلي والمصالح التي يجنيها من استمرار ‏الصراع وكيف يرى الحل من زاويته ورؤاه المنفردة، لا كما يجب أن تكون ‏من خلال منظور عربي إسلامي موحد يعبر عن الجدية ويجبر إسرائيل وحلفاءها على ‏استشعار مدى خطورة الوضع إذا استمرت إسرائيل في صلفها وهمجيتها ‏التي وصلت إلى أقصى درجات الاستخفاف وتجاهل كل الأعراف والمواثيق ‏الدولية تحت غطاء، وبحماية ودعم من حلفائها في الغرب.‏ ‏
مع صورة قاتمة جداً للمسرح السياسي في المنطقة فالعراق بعد الاحتلال ‏والتفكيك على أيدي أمريكا وحلفائها أصبح تحت وطأة الهجمة الإيرانية، ‏واليمن تسير في منحدر التفكك الداخلي من خلال الصراعات الطائفية ‏والقبلية وما يترتب على ذلك من مصاعب لدول الجوار، والفلسطينيون ‏وانشقاقهم على أنفسهم، وباقي الدول العربية والتجاذبات السياسية، من كل ‏حدب وصوب، جعلت المنطقة فريسة لمقادير ‏خارجة عن إرادتها بسبب سوء الإدارة السياسية والأطماع التي تحيط بها.
إن التناقضات مع الدول الثلاث، وتقاطع المصالح، وأزلية الجوار الذي ‏يشمل المياه، والأجواء، ومصالح الدول الكبرى في المنطقة، كل هذه العوامل ‏تتطلب من الدول العربية إعادة النظر وبشكل سريع في خلافاتها التي طمٌَعت ‏العدو فيها وأصبح يراهن على استمرار تفككها حتى يحقق أطماعه في ‏المنطقة على حساب أمنها واستقرارها.
و من الضروري على الدول العربية أن تعزز علاقاتها مع تركيا وتعيد بناء جسور الثقة معها فتركيا والعالم العربي قوتان لا يستهان بهما ولو تم جمعهما وربطهما لكان خير علي شعوب هذه المنطقة والعالم باسره فتركيا باسلامها الوسطي هي البوابة الحقيقية للخروج من دائرة الفقر والأزمات في العالم الإسلامي.
فالتجربة الاسلامية التركية الجديدة بما فيها من روح الاسلام وفهم الواقع العالمي والسياسة المبنية علي الانفتاح علي العالم والحوار الهادئ البناء ووضع قواعد النهضة العلمية دون الافراط والتفريط في مفاهيم الاسلام تقدم نموذجاً ورؤيا جديدة معاصرة للاصلاح الاسلامي بعد أن عجر العالم الاوروبي ومدارسه الفلسفية الوضعية في وضع حلول تحقق السعادة والامن والاطمئنان العالمي ولذلك علي العالم العربي العمل علي التواصل الثقافي والعلمي والتجاري وبذل الجهود المشتركة لإقامة جسور جديدة من التواصل وترميم الجسور القديمة التي قطعت بين الدول العربية وتركيا.
فالسياسة التركية الجديدة تدعو الي الوسط المعتدل والحوار مع الاخر وضرورة التعايش والتفاهم مع الغير من اجل بناء مجتمع قادر علي مواكبة متطلبات العصر ومواجهة تحدياته و هي الطريقة المثلى للخروج من ازمات الدول الاسلامية .
فموقع تركيا الجغرافي المتميز حيث تقع علي جنوب غرب آسيا و يقع الجزء الغربي منها على خليج البسفور في اوروبا علي البحر الاسود بين بلغاريا وجورجيا وتطل علي بحر ايجه والبحرالابيض المتوسط بين اليونان وسوريا ولذلك تتحكم تركيا بموقع استرتيجي على مضيق البسفور وبحر مرمرة و تربط تركيا قارة اوروبا باسيا كما ترتبط تركيا بخطوط مواصلات مع البلقان والقوقاز و هي تطل علي منطقة الشرق الاوسط وقد تنامي الشعور الديني والاسلامي فيها رغم انفتاحها علي الغرب بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واتخاذ البلاد الاوروبية مواقف سلبية اتجاه تركيا بعد اجتياحها لقبرص.
ووصول حزب العدالة والتنمية ذو الأصول الاسلامية الذي يتمسك بالأخلاق والدين الاسلامي دون التمسك بقشوره إلى سدة الحكم في تركيا مع العلم أن هوية الشعب التركي الإسلامية وتاريخها العريق في قيادة العالم الاسلامي حيث كان فيها مقر الخلافة الاسلامية قد سمح لها بعمقها التاريخي وموقعها الجغرافي الهام الذي يربط اسيا بأوروبا والتي تطل علي دول البحر الابيض المتوسط خصوصيات تاريخية وحضارية تسمح لها ان تلعب ادواراً دولية وسياسية واقتصادية وثقافية بشكل يُعَدِّل كافة الموازين في المنطقة.
حيث بدأت التحولات الجوهرية بحيث عادت تركيا إلى المكانة التي تستحقها علي مسرح الاحداث الدولية والسياسية والعسكرية و التي انتقلت من دور الجسر الي موقع المركز حيث تركيا تتحكم في اهم الممرات العالمية لعبور وتصدير مصادر الطاقة المختلفة سواء نفطية او غازية وبذلك ستمتلك تركيا عصب الطاقة في القرن الحادي والعشرين .
يدرك العالم أهمية الموقع الجغرافي لتركيا في معادلة ادارة الطاقة ونقلها بين الشرق والغرب واهمية التكنولوجيا والبنية التحتية التركية وقد جاء توجه تركيا نحو الشرق الاوسط من واقع ومنظور مصلحتها فتركيا تحكم قبضتها علي عناصر ومقدرات الدور الاقليمي في المنطقة فهي تملك جيش قوي وعدد سكان كبير واقتصادها متين ومتنوع ومتوازن وكذلك لها الصلات التاريخية الواسعة بعمقها الاسلامي ، وهذا من ما يؤهلها الي لعب دور إقليمي فاعل معترف به وأن تكون قادرة علي اتخاذ القرارات وتفعيلها .
استطاعت تركيا بحضورها الجغرافي ودورها التاريخي وقوتها الاقتصادية أن تقود قوتها العسكرية لخدمة سياستها الخارجية في كل محاور الاجندة الدولية فلم تجعل نفسها سجينة قرارات الاتحاد الاوروبي ولم تضع بيضها كله في سلة التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة .
جاءت الايديولوجية الاسلامية التركية التي مكنت الدبلوماسية التركية لتكون اللاعب الوحيد المقبول كوسيط في محادثات السلام غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل رغم أن تركيا تتمتع بعلاقات حميمة مع حركة حماس إلا انها تحتفظ بعلاقات جيدة مع السلطة الفلسطينية فهي تفتح خطوط مع إيران وفي نفس الوقت تنسج خيوط تحالف قوي مع روسيا وكذلك تسعى تركيا مع مصر إلى زيادة التعاون الاقتصادي والاستثمارت المشتركة وإستغلال ما لدى مصر وتركيا من موقع جغرافي وقوة إقليمية لديهما .
لم تعد تركيا جسر يربط الشرق مع الغرب بحكم طبيعة جغرافيتها السياسية بل اصبحت تلعب دور مركزي من موروث سياسي وجغرافي ودبلوماسي من منطقة تمتد من البحر الادريانيكي الي سور الصين العظيم تلك الجفرافيا التي تُعرف بالحدود التاريخة للامبراطورية العثمانية فتركيا الاسلامية بعمقها الاستراتيجي والمكانة الدولية تطمح ان تكون دولة لها دور اقليمي وعالمي يعكس تاريخها وعمقها الاستراتيجي وتتبع استراتيجية الانفتاح علي الجميع والتعدد في الابعاد والخيارات واعادة صياغة سياسة تركيا من جديد في بناء علاقات جديدة متوازنة مع العالم .
استطاعت تركيا الجديدة للمرة الاولي في تاريخها ان تحقق تقارب حقيقي مع كلاً من سوريا وايران واليونان وارمينيا مقابل هذا التحسن كان هناك مراجعة في العلاقة التاريخية مع الولايات المتحدة وذلك بعد الحرب علي العراق والتصدع في العلاقة مع اسرائيل بعد الحرب علي غزة وهذا تعبير حقيقي عن الرؤية الجديدة للسياسة التركية ولذلك سعت تركيا الي سياسة السلام في الداخل والسلام في الخارج في حل مشاكل الجوار و مثالاً على ذلك العلاقات السورية التركية .
وكذلك سياسة التنافس بين القطبين الإقليمين التركي والإيراني لم تكن هي الدافع الذي وقف وراء تسابق الدولتين لإظهار تعاطفهما مع الأحداث التي جرت أخيرًا في غزة، وإنما عكست ذلك الخطوات الإقليمية التي اتخذتها كلتا الدولتين تركيا وإيران من أجل وضع حد لتدهور الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، وفي الوقت نفسه إنهاء المواجهة العسكرية بين آلة البطش الإسرائيلية وحركة المقاومة الإسلامية حماس.
وقد بدا التنافس ذاته ليس بين الدولتين من جهة أن كلا منهما لاعب إقليمي مهم على مستطيل الصراع العربي – الإسرائيلي وحسب، وإنما تأسس ذلك على طبيعة الخطاب الذي تتبناه كلتاهما، والرؤية التي سعيا إلى ترويجها، ومواقف الأطراف الإقليمية الأخرى والأطراف الدولية من طبيعة هذا الدور، ومن ثم المحصلة النهائية التي استطاعت كل دولة أن تحققها.
تحركات على بساط التناقض على الرغم من محاولة إيران إرسال سفينة مساعدات إلى قطاع غزة، منعتها إسرائيل من الوصول لمبتغاها، ومشاركة إيران في قمة الدوحة الطارئة، إلا أن تحليل التحركات العملية على أرض الأحداث يكشف أن إيران قد اكتفت بخطابات الإدانة والشجب وتوجيه الرسائل للأمة الإسلامية التي تدعوها إلى مساندة حركة المقاومة الإسلامية حماس في مواجهة إسرائيل هذا في الوقت الذي عادت فيه تركيا للأضواء كدولة لها وزنها الدبلوماسي في العالم العربي لجأ إليها وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط كي يشرح الموقف المصري من غزة، وسعى إلى حثها على سرعة التدخل لدى الإسرائيليين لإيقاف الغارات الجوية على قطاع غزة، لاسيما بعدما اتسع نطاق الضحايا والقتلى من المدنيي.كما زارها وزير خارجية كل من قطر وسوريا سعيًا إلى تحقيق الغاية ذاتها.
لم تكتف تركيا بالتحرك الداخلي لوقف ما جرى، بل خرجت إلى محيطها الإقليمي لتشمل زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان كلاً من الأردن وسوريا ومصر والمملكة العربية السعودية، كما شاركت تركيا في قمة الدوحة ومن بعدها قمة شرم الشيخ، ثم المؤتمر الاقتصادي في الكويت، لتشكل تركيا بذلك إطارًا جديدًا لحركة دبلوماسية لم تغيب عنها لقاءات مع قيادة حركة حماس.في المقابل من ذلك، فقد قام رئيس مجلس الشورى الإيراني على لاريجاني بزيارة إلى سوريا باعتبارها حليف إيران الإقليمي، وذكرت وكالة أنباء "مهر" الإيرانية شبه الرسمية أنه قد أجرى اتصالات هاتفية بنظرائه في كل من سوريا وليبيا وتركيا واليابان، كما بحث رئيس مجلس الشورى الإسلامي مع خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس ورمضان شلح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي كل على حدة في سوريا تطورات الوضع الخطير في قطاع غزة هذا فيما عقد المبعوث الإيراني الخاص سعيد جليلي محادثات مع الرئيس التركي عبد الله جول، تمحورت حول سبل التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة ورفع الحصار الإسرائيلي عن القطاع وبحث مسار الجهود المبذولة لتحقيق وقف فوري للقتال داخل غزة والسماح بدخول المساعدات ومواد الإغاثة الإنسانية دون عوائق.
و كان المبعوث الإيراني قد التقى أيضًا رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وبحث معه أيضًا قضية العدوان على غزة وأطلعه على التحركات الدبلوماسية الإيرانية على الصعيدين الإقليمي والدولي، فضلاً عن مساعيها الدبلوماسية لحمل المجتمع الدولي على التدخل لإيقاف العدوان على غزة، وذلك من خلال إيفاد الرئيس الإيراني لهذا الغرض 22 مبعوثًا إلى قادة دول أوروبية وآسيوية حاملين رسائل يحثهم فيها على الضغط من أجل وقف فوري لهذا العدوان. وقد رحبت الخارجية التركية بالتحركات الإيرانية بالتوازي مع "الجهود النشطة" التي تقوم بها تركيا في المنطقة وداخل مجلس الأمن لإيقاف المأساة الإنسانية في غزة بسبب العدوان والحصار الإسرائيلي، كما شاركت إيران في قمة الدوحة بخطاب إعلامي قوي.
وعلى الرغم من كل ذلك، فإن مقارنة التحركات الإيرانية مع نظيرتها التركية، يكشف أن الخطى التركية كانت أكثر نشاطًا وتأثيرًا شعبيًا كان ذلك أو رسميًا، ذلك أن التحركات التركية جاءت من رأس النظام السياسي التركي ذاته، وإلى عدد كبير من دول المنطقة، وفي كل مرحلة كانت رسائل الرئيس التركي تصل إلى إسرائيل محملة بعبارات الإدانة، وهو الأمر الذي جعل تركيا تبدو كالزعيم الإقليمي الثائر من أجل قضية لها تأثيرات جمة ليس فقط في محيطها الإقليمي، ولكن أيضًا على أمن دولته وسلامتها الإقليمية.قضية تدخل في منطقة نفوذه ومجاله الحيوي، وهو الأمر الذي كان المحدد الرئيسي في رفع مستوى الإدانة التركية للممارسات الإسرائيلية، إذ وصف رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في 28 ديسمبر (2008) الهجوم الإسرائيلي على سكان قطاع غزة بأنه "جريمة ضد الإنسانية" كما انسحب من مؤتمر "دافوس" بعدما حاول الرد على الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز الذي قدم تبريرات واهية للعدوان على غزة.
وقد استقبل أردوغان استقبال الأبطال في اسطنبول كما استقال جميع أعضاء لجنة الصداقة التركية – الإسرائيلية في البرلمان التركي من عضوية اللجنة على خلفية العدوان على غزة، وأنشئوا لجنة للصداقة الفلسطينية – التركية، كما أعلن عدد غير قليل من منظمات ومؤسسات رجال الأعمال التركية عن وقف تعاونها مع نظيرتها الإسرائيلية، وهي المواقف التي توافقت على نحو تام مع مشاعر الشارع التركي الذي تدفق إلى اسطنبول في مظاهرة مليونية في الرابع من يناير (2009) احتجاجًا على بدء العملية البرية الإسرائيلية ضد غزة.
أثبتت أن تركيا نجحت في تحقيق عدد من الأهداف لعل أهمها أن تركيا ليست فقط لاعبًا إقليميًا مهمًا، ولكن لاعب "صانع" للأحداث، مؤثر بها مثلما يتأثر بها.
إن الدور الإقليمي التركي أضحى يحظى بشعبية كبيرة في المنطقة العربية فهناك عددًا من الدول العربية أضحت ترى في هذا الدور مخرجًا من مأزق المواقف الصعبة يرغب البعض منها تدخله لـ"حلحلة" الأزمات "المفخخة" في هذه "البقعة الملتهبة" من العالم و إن الذهاب إلى تركيا من قبل الدبلوماسيين العرب أضحى كالذهاب إلى مصر أو المملكة العربية السعودية.
فتركيا هي الوسيط الرئيسي بين السوريين والإسرائيليين في مفاوضات السلام غير المباشرة، كما أنها لاعب إقليمي يحظى بقبول الجميع، فتركيا من جهة، دولة علمانية تحكمها نخبة سياسية ذات جذور إسلامية، تتخذ من مصلحة تركيا العليا محددًا رئيسٍيًا في سلوكها الخارجية، دون أن تغفل العوامل التي تتعلق بالبعد الإنساني والأخلاقي.
فضلاً عن رؤية وتوجهات القاعدة العريضة من الشعب التركي المتدينة، والتي كانت سبيلاً وكفيلاً بحصول حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا على "طوق نجاة" من المواقف الشائكة و"المطبات الصناعية"، والتي طالما وضعتها النخبة الأتاتوركية في سبيل تقدم حزب العادلة سواء على صعيد الانتخابات المحلية القادمة أو على صعيد استقرار الأوضاع السياسية للحزب الحاكم بعدما استطاع أن يقبض على أغلب إن لم يكن كافة المواقع المفصلية في النظام السياسي التركي.
إعتبرت إيران إن غزة مرتبطة بالأمن القومي الإيراني وحزب الله" جزءًا من هذا الأمن القومي هذا التدخل يؤكد بطريقة غير مباشرة أن إيران سعت ومازالت تسعى إلى تأكيد تمدد نفوذها حتى ضفاف البحر الأبيض المتوسط، الذي سيتم استثماره كجزء من "السلة" في أي مفاوضات مقبلة مع القوى الغربية.
هذا فيما تمثل رعاية تركيا للمفاوضات غير المباشرة بين السوريين والإسرائيليين، ومطالبتها بحقوق الفلسطينيين، استثمارًا تهدف منه تقديم نفسها كلاعب إقليمي لا يمكن لأي من دول المنطقة أو الدول الأوروبية أو حتى الولايات المتحدة الأمريكية، تجاهله حاضرًا أو مستقبلاً، لاسيما بعدما كشف تحليل مواقف الأطراف العربية، الفردية والجمعية، ومواقف القوى الإقليمية خاصة إيران قائدة محور "الممانعة"، عن تراجع واضح لكل من المحورين، المعتدل والراديكالي، والإعلان عن دور تركي جديد أكثر قدرة على التأثير بل والأكثر رغبة في ذلك.وبناء على ذلك: فثمة رؤى ذهبت إلى أن أمرين مهمين ميزا الدور التركي: أولهما: سرعة تحرك تركيا وقرارها بتعليق وساطتها في المفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل، لاسيما بعدما اعتبر المسئولون الأتراك قيام إسرائيل بعمليتها العسكرية ضد غزة قد انطوى على عدم احترام لدور تركيا، التي طالبت رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت الزائر لتركيا في 22 ديسمبر الماضي بتجديد التهدئة.
وثانيهما: تعلق بكون الدور التركي جاء بناءً على طلب مصري مباشر إثر زيارة وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط إلى تركيا مما يعني أن الدور التركي مقبول إقليميًا، وهو ما استثمرته الدبلوماسية التركية، لتغدو كـ"كابح" للدورين الإقليميين الإسرائيلي "المتوحش" والإيراني "المتربص"، ولعل هذا يثبت صحة رأي الكاتب التركي "جنكيز تشاندار" من أن "تطورات عملية التسوية العربية – الإسرائيلية نقلت مركز الثقل في المنطقة إلى تركيا، التي تكاد تكتمل لديها عناصر القوة الإقليمية الكبرى بعد إضعاف دول المشرق العربي ومصر، فضلاً عن تأثير التسوية في إبراز أهمية إيران التي تظل مركزًا إقليميًا مهمًا، لكنه أقل شأنًا من تركيا.
على الرغم من أن هناك اتجاهًا عريضًا يرى في المواجهات الفلسطينية – الإسرائيلية على مسرح العمليات في غزة ساحة للمواجهة بـ"الوكالة" بين إسرائيل وإيران، فإن هناك من يرى أن العالم العربي برمته قد أصبح "ساحة للعب"، لذا فإن المواجهة الإسرائيلية مع حركات المقاومة الفلسطينية قد كشفت عن عدد من الملاحظات المهمة، لعل أبرزها:
أولاً: ثمة من يرى أن العرب أضحوا دُمى في حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وإيران، وأدوات في مواجهة بين مشروعين لتخريب المنطقة: مشروع أمريكي ومشروع إيراني وهو الأمر الذي يسهل من مهمة اللاعبين الإقليميين غير العرب في المنطقة العربية، وعلى رأسهم كل من تركيا وإيران.
ثانيًا: أن العمليات العسكرية التي جرت في المنطقة سواء كالتي حدثت قبل عامين في بيروت أو ما حدث في غزة مؤخرًا، إنما يحدث في المنطقة العربية، لصعوبة المواجهة بين اللاعبين الأكبر أمريكا وإيران أو إسرائيل وإيران، لذا فالضربة تأتي إلى القوى الأقل شأنًا أو الأضعف في "حلبة الصراع"، على غرار ما جرى إبان فترة الحرب الباردة بين القطبين العالميين وقتذاك.
ثالثًا: على الرغم من أن هناك من تحفظ على الدور التركي في المنطقة، كونه يسعى إلى رأب الصدع بين الفرقاء العرب ، بعدما دب الانقسام بينهم إزاء تطور الأوضاع في غزة وشاع، فإن هناك من رأي أن ما من سبب يثير الريبة في الموقف التركي.
ذلك أن التحفظ على دور غير عربي يسعى إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه يمثل ترفًا، فالارتباط الذي صار إليه الانقسامان الفلسطيني والعربي قد جعل من المصالحة بين فتح وحماس متوقفة على وضع حد للفجوة التي توسعت بشدة بين سوريا ودول عربية أخرى، بأمل أن تستطيع سوريا في هذه الحالة التأثير على السياسة الإيرانية، أو أن تقوم تركيا أيضًا بتحرك آخر بين إيران ومصر.
رابعًا: إن دولة إقليمية مهمة مثل مصر سعت إلى التقرب من دولة إقليمية كبرى كتركيا باعتبارها دولة سنية، تتنافس إقليميًا مع إيران الشيعية، وقد رمت مصر من ذلك تحقيق المحافظة على دورها المهم في القضية الفلسطينية، وذلك من خلال التحرك بالتوازي مع تركيا، خصوصًا بعدما شعرت بأهمية الدور التركي.
لاسيما بعدما توترت العلاقات نسبيًا بين مصر وحركة حماس بعد رفض الثانية المشاركة في الحوار الوطني الذي سعت مصر إلى تنظيمه، ثم امتناعها عن تجديد التهدئة مع إسرائيل عقب انتهاء فترتها التي كانت محددة بستة شهور، وصولاً إلى الملابسات التي أحاطت بالعدوان الإسرائيلي وأدت إلى تعميق سوء الفهم بينهما.
خامسًا: إن الأرضية الشعبية والتأييد الواسع كان من نصيب التحركات التركية وليس من نصيب التحركات الإيرانية، التي جاءت بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة عبر حزب الله اللبناني، لاسيما وأن انتقادات الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله إلى الدول العربية، وعلى رأسها مصر، ساهم في تأجيج المشاعر المعادية لإيران في المنطقة العربية، وليس في إكسابها مزيدًا من الأرضية في المنطقة العربية.
سادسًا: تجاوز الخطاب التركي في حدته من حيث الانتقاد والإدانة لإسرائيل الخطاب الإيراني، وقد ساهم في أن تحظى الانتقادات التركية، والخطوات السياسية التركية بصدى كبير سواء في إسرائيل أو في سائر أرجاء منطقة بصدى كبير سواء في إسرائيل أو في سائر أرجاء منطقة الشرق الأوسط.
فضلاً عن القبول الذي باتت تحظى به إقليميًا، فتركيا أضحت تحتفظ بعلاقات قوية مع كل من طرفي الانقسام الفلسطيني حركتي فتح و حماس، ومع كل من طرفي الحرب على قطاع غزة إسرائيل وحماس إضافة إلى علاقات طيبة مع أطراف الانقسام في المنطقة سوريا وإيران من جانب، ومصر والمملكة العربية السعودية من جانب آخر.
ومن جملة العوامل السابقة يمكن القول، إن تركيا استطاعت أن تنفتح على كافة المحاور في منطقة الشرق الأوسط، ولم تتخندق في محور متشدد كان أو معتدل، وإنما تبنت خطابًا سياسيًا متعاطفًا مع الوضع في غزة، وسعت إلى تجاوز هذا الوضع من خلال التعاون مع دول المنطقة، وليس من خلال العمل على نحو يحرج الأنظمة الحاكمة في هذه الدول، لذا فقد تكون المحصلة النهائية مزيدًا من العزلة بالنسبة إلى إيران، ومزيدًا من الانفتاح على تركيا من قبل الدول العربية "معتدلة" كانت أو "ممانعة.
اعتمدت تركيا الانتقال الي سياسة خارجية متعددة الابعاد والاتجاهات معتمدة علي الجغرافية التركية المفتوحة علي مجموعة كبيرة من الدوائر السياسية والجغرافية وهي جغرافيا تربط بين اوروبا والشرق الاوسط و ايران و القوقاز و البلقان وآسيا الصغرى الذي يجعل من موقعها الجغرافي قيمة حضارية واقتصادية فريدة في العالم المعاصر حيث هناك زيادة في وتيرة العلاقات بين الدول في شتى المجالات وبروز دور الطاقة والمشاريع الاقليمية في بناء التكتلات الاقليمية كذلك اعتمدت السياسة التركية علي الشراكة السياسية والدبلوماسية في حل القضايا والملفات الاقليمية والدولية حيث قامت الدبلوماسية التركية خلال السنوات الاخيرة بعدة أدوار في الوساطة بين سوريا واسرائيل وعقد جولات غير مباشرة بين الجانبين و كذلك قامت الدبلوماسية التركية بدور كبير في ترتيب العلاقات بين واشنطن وبغداد وأربيل .
ومن دون أدنى شك كانت التحولات الجارية في تركيا هي تحولات تاريخية تفتح الباب امام علاقات غير محدودة الافاق مع دول تاريخية في المنطقة كسورية والعراق وايران وذلك لاسباب جغرافية وتاريخية وحضارية وسياسية واقتصادية أدى ذلك إلى بروز و تاسيس مربع تركي ايراني سوري عراقي
وهذه سياسة الانفتاح التركية الجديدة علي الدول العربية والاسلامية مع نظرة سياسية براغماتية عملية تقوم علي توظيف التحول الجاري في السياسة التركية لصالح القضايا العربية في مواجهة ما يخطط للمنطقة في الخارج فقد استطاعت تركيا بحكم الموقع الجغرافي الرابط بين آسيا وأوروبا ان تلعب دور اقليمي ودولي فتركيا تتربع علي قلب العالم فهي ممسكة بثلاث حلقات عالمية تربط علاقتها بالعالم
الحلقة الاولي تركبا العلمانية ( اوروبا والغرب )
الحلقة الثانية تركيا الاسلامية ( الشرق الاوسط والعرب )
الحلقة الثالثة تركيا الطورانية ( اسيا الوسطى والقوقاز )
وكان انهيار الاتحاد السوفيتي وظهور جمهوريات اسيا الوسطى والقوقاز الاسلامية علي انقاض الاتحاد السوفيتي أن وجدت تركيا نفسها محط انظار الشعوب الاسلامية الناطقة باللغة التركية والتي تعتنق الاسلام والتي لها مع تركيا جذور تاريخية وعرقية تجعل من تركيا المركز الرئيسي للعالم الناطق باللغة التركية لتكون تركيا الجسر بين هذه الشعوب والغرب والولايات المتحدة منافساً للنفوذ الايراني الذي لا يستطيع منافسة تركيا في هذه الجمهوريات البكر الغنية بالمواد الطبيعية .
وجاء انهيار منظومة الامن القومي العربي و انهيار النظام العربي الرسمي اثر حرب الخليج واشتراك معظم الدول العربية مع الولايات المتحدة في تدمير العراق وحصاره والعمل على تمزيق أوصاله فقد استفادت تركيا من حرب الخليج الاولي والثانية بفتح الطريق أمامها للعب دور جديد وقيادي لم نعهده طوال حقبة الانعزال الاثاتوركي التي إمتدت اكثر من اربعين عاما شهدت فيها تركيا تحولات اجتماعية وسياسية ولغوية.
اتخذت تركيا في الفترة الاخيرة مواقف تعزز موقفها في مليء الفراغ في الشرق الأوسط ودول الجمهوريات الاسلامية المستقلة حديثاً عن الاتحاد السوفييتي مستفيدة من الموقع الجغرافي لتركيا وتاثير تركيا الحضاري والثقافي والسياسي في دول اسيا الصغرى وعلاقات تركيا وامتدادها الاوروبية خاصة في دول البقان و الهجرات التركية الشرعية في الدول الاوروبية الغربية و التجربة الاقتصادية الناجحة التركية التي حدثت في ظل نظام اسلامي مما يدحض الأفكار التي كانت تروج من قبل الغرب أن الاسلام معرقل للنمو في الاتجاهات المختلفة
وجاءت اهمية التحرك التركي واهتمامه بالمشرق العربي بعد ان ظل طوال قرن كامل غافلاً عن المشرق ومتجهاً الي اوروبا الغربية مما يجعل لتركيا اهمية اضافية خاصة بعد ان اخفق الدور الامريكي في مليء الفراغ الناشئ عن تراجع الدور العربي في منطقة كثيرة الاهمية بالنسبة للعالم وخاصة أنها تحتوي على أكبر مخزون للنفط والغاز في العالم
فالسياسة العربية منذ بداية القرن الماضي وحتى الان ما زالت تقع في الأخطاء الإستراتيجية ومفادها وضع كل مفاتيح المنطقة في يد إنجلترا في الماضي واليوم في يد أمريكا.
وكانت السياسة التي اتبعتها الزعامة العربية منذ بداية القرن الماضي قد أساءت الي العلاقات العربية التركية شعوباً وحكومة ولم يجن العرب من هذه السياسة إلى الخسارة والوعودات الكاذبة من الغرب وأمريكا سواء في الحرب العالمية الأولى أو الحرب العالمية الثانية أو حرب عاصفة الصحراء وحرب تدمير العراق ولم يجن العرب نتيجة هذه الوعود لاشيئ سوى تقسيم الدول العربية وضياع فلسطين واقامة دولة اسرائيل وسلم لم يتحقق منه شيئ حتى الآن كل هذه الوعود الكاذبة من وعد بلفور إلى سايكس بيكو إلى الكتاب الابيض إلى وعود لتحقيق إستقلال الدول العربية التي لم يتحقق منها شيء .
جاء خروج ايران منتصرة من الحرب علي العراق أن جعلها قوة اقليمية كبرى في منطقة الخليج وزاد من الضغوط علي العالم العربي لملأ الفراغ وأهَّلَ تركيا لقيادة العالم العربي الاسلامي في الوقت الذي جاء انتشار الفكر الاسلامي الجديد في تركيا ممثلاً بحزب العدالة والتنمية الذي أنهى الجرح الدائم بالجدل عن الهويات والتناقضات الذي عصف بتركيا طيلة نصف قرن من الزمان وأنهى الانحياز التركي لاوروبا الذي تعامل قسرياً بقطيعة كل الجذور مع المجتعات ذات الهوية والتي تربطها مع تركيا عوامل التاريخ والجغرافيا والدين مما جعل تركيا مؤهلة ان تكون اللاعب الرئيس في المنطقة مقابل اسرائيل وايران في ظل التشرذم والضعف العربي زيادة على ذلك أن تركيا تمسك بشريان الحياة المتمثل بالمياه الذي تحتاجه كافة دول المنطقة وخاصة العراق وسوريا.
حيث يتزايد التوتر بين العراق وجيرانه تركيا وإيران حول قضية المياه، فنهري دجلة والفرات، اللذان ينبعان من تركيا، هما مصدرا المياه الرئيسيين في العراق لكن السدود التركية الجديدة التي بنيت في السنوات الأخيرة منعت تدفق المياه إلى هذا البلد. وبالمثل، عملت السدود الإيرانية إلى قطع إمدادات المياه التي كانت تتدفق على العراق مما أدى إلى فقدان وصول الكميات الأساسية اللازمة للزراعة و مياه الشرب و في هذا السياق دعت الحكومة العراقية إلى تعاون إقليمي اكبر من أجل إنهاء مشكلة النقص في المياه ومن اجل وضع حد للمنافسة حول هذا المصدر الحيوي .
ففي شهر أكتوبر من عام 2008، اجتمعت لجنة عراقية، تركية وسورية في اسطنبول لمناقشة موضوع المياه المشتركة وحصة كل شريك ولكنها لم تتمكن من التوصل إلى أية تسوية للمشكلة لغاية الآن.
وفي مؤتمر حول المياه عقد في السليمانية شدد العراق على أهمية الوصول إلى اتفاقيات إقليمية حول تقاسم المياه حيث أن العراق ليس لديه أي اتفاق موقع مع تركيا وإيران والعراق يحتاج إلى وجود مثل هذه الاتفاقيات مع هاتين الدولتين.وأن تركيا وإيران تستخدمان موضوع المياه لممارسة الضغط على العراق في مسائل أخرى.
أن "تركيا تريد الحصول على النفط مقابل المياه، في حين أن إيران لا تريد لقطاع الزراعة في العراق أن يتطور و هي كذلك لم تتعاون إلا بشكل محدود جدا في هذا الصدد.
فكمية المياه التي كانت تأتي إلى العراق من نهر الفرات في الماضي كانت تصل الى 28 مليار متر مكعب كل سنة ولكن الكمية التي تصل اليوم لا تتجاوز 13 مليار متر مكعب". وتؤثر كمية المياه أيضا على كميات الكهرباء من خلال إبطاء عمل السدود الكهربائية-المائية.
ولذلك وجب التوصل إلى حل لهذه المسألة لمنع تصاعد حدة التوترات لدرجة قد توصل إلى قيام حرب فإن نقص المياه، وفق توقعات البنك الدولي، سيؤدي إلى حتمية الصراع المائي في المستقبل والى حروب محتملة في المنطقة حيث أن العراق بحاجة ماسة لوضع خطة طويلة من أجل رفع كفاءة البلد في استخدام مواردها المائية.
وكذلك فلا تزال العلاقات العراقية - التركية تشوبها حالة من عدم الاستقرار برغم كل الزيارات المكوكية المتبادلة وعلى وجه الخصوص عند اشتداد الازمات واتساع حركة القوات المسلحة التركية على الحدود العراقية واختراقها جوا وبرا بحجة ملاحقة متمردي حزب العمال الكوردستاني الذي ما زال يشكل المعرقل الاول على طريق العلاقات العراقية عموما والكوردستانية بشكل خاص مع تركيا وانعكاسات هذه التوترات السلبية واضحة في ارباك العمل الدبلوماسي والتجاري والاقتصادي والامني ايضا مع العلم أن آخر الانباء تشير الى ارتفاع حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا الى (5) مليارات دولار هذا العام.
وهذا الرقم يشكل ثقلا اقتصاديا مهما في عموم اقتصاد الجانب التركي إذا ما علمنا بأن ارتال الشاحنات المحملة بالبضائع التركية تتجاوز (800) شاحنة يوميا مع احتمال تزايد هذه الاعداد لزيادة حجم التبادل التجاري المخطط له و برغم ارتفاع سقف الحجم التجاري نلاحظ وبشكل علني ومرصود من قبل المختصين انخفاضا حادا في مناسيب المياه المنحدرة الى الاراضي العراقية من جبال وأراضي تركيا، وهذا الانخفاض لم يأت اعتباطا او سهوا أو بتدخل من الطبيعة وإنما هناك سدود ومغالق وتحوير وتغيير لمجاري المياه المتوجهة صوب العراق مما تسبب في شحة واضحة في المياه، حتى ان التوربينات المولدة للطاقة الكهربائية قد تعطلت وسببت زيادة في القطع المبرمج للكهرباء لعموم مناطق العراق ولا سيما الشمال والوسط.
ان من يريد بناء علاقات وطيدة ومتينة وثابتة لا بد ان يسعى بأن تكون جميع الروافد تعمل بطريقة متوازنة وعدم فرض مسألة الأمر الواقع او على الاقل ضياع الوقت في تبادل الاتهامات وتشخيص مكامن الاخطاء، فهذا بطبيعة الحال سيؤثر حتما على سير العلاقات بصورة ايجابية على الدوام وتركيا من جانبها تأمل أن تربط العراق عن طريق الموصل بالبحر الابيض المتوسط،والعراق تأمل ان تزودها تركيا بمناسيب كبيرة من المياه المقبلة من اراضيها.
و بعد أن أعلنَت الحكومة العراقية في مقر الإتحاد الأوربي في بروكسل عن مشروع إنبوبي النفط والغاز إلى أوربا الغربية عن طريق تركيا فإن هذا المشروع سيغيّر طبيعة العلاقات بين العراق وتركيا ، وسيجعل تركيا تتخلى عن سياسة الإبتزاز وإستخدام منابع نهر الفرات كورقة ضغظ على العراق .
أصبحت تركيا تدرك أن السياسة الكمالية ستضرها إقتصادياً وتعزلها دولياً للسببين التاليين :
أولاً - تحاول تركيا جاهدةً ولسنوات طويلة الدخول الى الإتحاد الأوربي لكنها تجابَه بالرفض لعدة أسباب منها : مسألة حقوق الإنسان : فإذا قامت بحجز مياه الفرات عن العراق كالسابق فلن تسكت أوربا الغربية على هذا الفعل ، إذ أنها تنظر للعراق كشريك إقتصادي إستراتيجي يؤمن لها مصادر الطاقة وبالتالي لن تسمح لتركيا بمثل تلك الممارسات ضد العراق وستغلق باب الإنضمام للإتحاد الأوربي بوجهها .
ثانياً - أنّ مرور أنابيب النفط والغاز عبر الأراضي التركية يؤمّن لتركيا ما تحتاجه من نفط وغاز نتيجة ضريبة المرور.
إنّ الملتقى الإقتصادي العراقي التركي يبعث على الأمل ويزيل كل خلافات الماضي ومنها مشكلة شحة المياه خاصةً بعد أن اعلن وزير التجارة الخارجية التركي أن حجم التبادل
التجاري سيصل عام 2010 الى عشرين مليار دولار .
وما دام العراق يخطط لزيادة إنتاجه النفطي حتى يتمكن من إحتلال الصدارة في مجال التصدير فإنه يتوجب عليه زيادة طرق اماكن التصدير ويعني ذلك مَد خط مزدوج جديد عبر الأراضي السورية ، وهذا المشروع سيطور العلاقات مع سوريا ويجعلها تغيّر مواقفها و تأخذ مواقف أكثر إيجابيه نحو العراق.
تناغمت العلاقات السياسية والاقتصادية بين تركيا وقطر وسوريا حيث قامت تركيا وقطر بتوقيع إتفاقيات تعاون مشترك في مجال الزراعة وإنشاء مجموعات عمل لتدعيم التعاون في مجال الطاقة حيث بحث الطرفين مشروع مد خط أنابيب للغاز المسال الطبيعي بين قطر وتركيا عبر الأراضي السعودية والسورية ويمتد إلى لبنان ليصل إلى أوروبا عبر الأراضي التركية وقد تطابقت وجهات النظر القطرية والسورية والتركية ودخلا في تعاون إستراتيجي وذلك في دعمهم للبرنامج النووي الإيراني وجاء إلغاء تأشيرات الدخول بين تركيا وقطر وسوريا ولبنان وليبيا .
جاء تطابق المواقف التركية القطرية بعد الدور السياسي الذي لعبته قطر في مبادرات السلام في جنوب السودان والدور الفعال في قضية دارفور كذلك لما لقطرمن علاقات وطيدة بإيران وكلٍ من سوريا وليبيا ودول تحالف الممانعة مع إسرائيل .
وعلينا ألا نغفل بأن كلاً من تركيا وإيران و الدول العربية الآسيوية تُكَوِّن منطقة الشرق الاوسط وتربط كل من تركيا و إيران بجغرافية الدول العربية من الشرق و الشمال لهما مع العالم العربي تاريخ وروابط حضارية مشتركة فتركيا وايران قوتان اقليميتان يتخطى حضورهما الاقليمي الحدود السياسية لهما وفي غياب الدور العربي تتمدد الأدوار الاقليمية لكل من تركيا وإيران لملئ الفراغ حيث تقع الدول العربية في بؤرة اهتمام كلاً من تركيا وإيران وقد ساهم احتلال العراق عام 2003 في تبديل موازين القوى الاقليمية لصالح ايران وشهدت العلاقات التركية الإيرانية في مطلع الثمانينات انتعاش نسبي اثناء الحرب العراقية الايرانية بسبب اضطرار ايران تمرير صادراتها و وارداتها عبر الحدود مع تركيا .
لم تغفل تركيا الدور السوري وعلاقته الجيدة والممتازة مع إيران فإيران وتركيا بما يمثلان من ثقل إقليمي وقوة نامية متطورة في كافة المجالات المختلفة يؤهل كليهما للدخول إلى منطقة الشرق الأوسط لمليء الفراغ الناشئ عن الضعف العربي بإعتبار أن سوريا بلد عربي يحتل موقعاً جيوسياسي مهماً في المنطقة فقد شهدت العلاقات السورية التركية في السنوات الماضية تطوراً كبيراً ومهماً على أصعدةٍ عديدة، ولاسيما السياسية منها والاقتصادية، والسياحية.
انتقلت العلاقات السورية¬ التركية خلال السنتين الماضيتين من بناء الأسس وتحديد مجالات التعاون الشامل إلى البعد الاستراتيجي والرؤية الواسعة لمستقبل المنطقة وسبل تعزيز التعاون بين دولها بما يسهم في تحقيق التطور الاقتصادي وتعزيز الأمن والاستقرار الذي يشكل أساساً وركيزة لاستمرار النهوض بكافة القطاعات الاقتصادية والتنموية.
‏أصبحت العلاقات السورية¬ التركية نموذجاً للعلاقات الأخوية بين الشعوب و الدول وما حققته من نتائج في مختلف المجالات يتجلى واقعاً لا يمكن لأحد أن يتجاوزه لأنه يرتكز على القاعدة الشعبية والإرادة القوية والمشتركة التي امتلكها البلدان متطلعان لصناعة المستقبل.
‏ورغم ما حققه التعاون الثنائي السوري¬ التركي من انجازات نوعية خلال فترة قصيرة يبقى متواضعاً قياساً بالطموحات الكبيرة للبلدين على المستويين الرسمي والشعبي ما يرتب أعباء ومسؤوليات كبيرة على الدولتين لجعل هذه الطموحات واقعاً حقيقياً وملموساً.
‏وأعاد التعاون السوري¬ التركي وما نتج عنه من اتفاقيات ثنائية بين البلدين وعلى المستوى الإقليمي رسم خريطة الشرق الأوسط وكسر الحدود التي تحاول بعض القوى الدولية المحافظة عليها وأصبح هذا التعاون محركا في المنطقة حيث حذا العديد من الدول حذو خطواته وخير مثال على ذلك قيام عدد من الدول العربية بإلغاء سمات الدخول فيما بينها وبين تركيا أسوة بالخطوة السورية¬ التركية التي فتحت الباب واسعا أمام باقي الدول العربية للانضمام الى مسيرة هذا التعاون الإقليمي المضمونة نتائجه على جميع المستويات الاقتصادية والسياسية والسياحية.
كان عام 2004 بداية لتاريخ جديد بين سورية وتركيا مفعم بالتعاون والتخطيط لمستقبل واعد عنوانه التعاون البنّاء ومحطة مفصلية للانتقال بالتعاون بين سورية وتركيا إلى مرحلة استراتيجية تمثلت بتأسيس مجلس التعاون الاستراتيجي السوري¬ التركي عالي المستوى الذي أثمر خلال أقل من عام عن توقيع عدد كبير من الاتفاقيات خلال الاجتماع الأول لهذا المجلس وضعت قطار علاقات التعاون الاستراتيجي على سكته والتي أخذت تمتد إلى خارج سورية وتركيا وفقاً للرؤية السورية¬ التركية لمستقبل المنطقة ومحيطها الإقليمي.
‏و يعمل البلدان في إطار برنامج التعاون الإقليمي السوري¬ التركي على انجاز المشاريع المتعلقة بإعادة تأهيل المراكز الحدودية وإقامة مراكز لإدارة الكوارث والإطفاء والإسعاف إضافة الى التعاون بين الفعاليات الاقتصادية من الجانبين في المجالات الاقتصادية والتجارية ولاسيما في قطاع المصارف وإقامة المشاريع الصناعية والسياحية المشتركة في المناطق الحدودية وإزالة المعوقات التي تعترض تنفيذ هذه المشاريع. ‏وأعطى التطور الكبير للعلاقات السياسية بين البلدين دفعا كبيرا للتعاون الاقتصادي والاستثماري حيث تم توقيع العديد من الاتفاقيات المشتركة إضافة إلى تأسيس مجلس الشراكة السوري¬ التركي المنبثق عن اتفاقية منطقة التجارة الحرة التي دخلت حيز التطبيق مطلع عام 2007.
‏وتأتي تركيا حاليا في المراتب الأولى بين الدول المستثمرة في سورية ‏و قد لعب الموروث الثقافي المشترك والعلاقات التاريخية القديمة دورا مهما في توطيد العلاقات بين الشعبين السوري والتركي إضافة إلى وجود بعض المواقع الأثرية التي تعد موروثا ثقافيا من الماضي يتم ترميمها بمساهمة تركية بالتعاون مع الحكومة السورية.
‏وتتفق المواقف التركية والسورية حيال معظم القضايا الأساسية في المنطقة ولاسيما الصراع العربي¬ الإسرائيلي والسبيل لإيجاد حل لهذا الصراع وفق قرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام حيث يؤكد البلدان رفضهما سياسة الاستيطان واستمرار الحصار الإسرائيلي على غزة والممارسات الوحشية بحق الشعب الفلسطيني والاعتداءات على المقدسات الإسلامية والمسيحية التي تشكل خرقا للقانون الدولي وعقبة حقيقية أمام استئناف عملية السلام.
‏وبموازاة العمل السوري¬ التركي المشترك لتعزيز العلاقات الثنائية يقوم البلدان بدور فاعل ومؤثر في أحداث وقضايا المنطقة.
تشهد العلاقات التركية الأردنية تطورا ملموسا لاسيما في الملفات السياسية والاقتصادية وتفاهماً في اتجاه قضايا المنطقة ورؤيا مشتركة خصوصا في ما يتعلق بالصراع العربي الاسرائيلي وإعادة الأمن والاستقرار إلى العراق ، والرؤية المشتركة بضرورة إنهاء حالة التشرذم بين الفصائل الفلسطينية.
إن منحى التطور في العلاقات بين تركيا والأردن يتجسد في تنفيذ مشروع جر مياه الديسي الذي يعد من أهم المشاريع الحيوية بالنسبة للأردن حيث انه سيزود الأردن بحوالي 100 مليون متر مكعب من المياه سنوياً وهذا بعد إقتصادي بحت حيث تقوم الشركة التركية جاما بتنفيذ مشروع الديسي الذي يعتبر من المشاريع المائية المهمة التي يسعى الاردن لتنفيذها ،خصوصا الاتراك يمتكلون خبرة كبيرة ومهمة في موضوع جر المياه والتخزين في السدود وكذلك متوقع أن تنفذ تركيا مشروع نقل مياه البحر الاحمر إلى البحر الميت.
كلل التعاون الاقتصادي واقعيا عبر التوقيع على اتفاقية إلغاء متطلبات التأشيرة لمواطني كلا البلدين وكذلك اتفاقية الشراكة لإقامة منطقة تجارة حرة بين البلدين حملت العلاقة التركية الأردنية بأبعادها السياسية رسائل حيوية للمنطقة والعالم خصوصاً في ظل تطابق
رؤى مشتركة ازاء القضايا السياسية .
تندرج العلاقة التركية الأردنية سياسياً ضمن العلاقة الطبيعية خلال الفترة الماضية و مستوى العلاقات بين البلدين يقوم على احترام متبادل مدعوم بنهج عدم التدخل في شؤون الاخرين ". وشعار تركيا في سياستها الخارجية منذ مطلع القرن الحالي أن تركيا تريد توجيه رسائل لأوروبا بأنها تستطيع بناء علاقات قوية ومتوازنة مع الدول المحيطة حيث أن تركيا حيث ترتبط بعلاقات سياسية تمتاز بتوازن مع كافة دول الاقليم فهي على علاقة مع ايران و حماس والسلطة الفلسطينية و وسيط بين اسرائيل وسوريا .
يعود هذا إلى هندسة سياستها الخارجية المستندة على قاعدة مهمة وهي صفر الأزمات مع الجيران والحديث عن الدولة التركية بصفتها لاعبا سياسيا في الاقليم يدفع الدولة الاردنية التي تتصف بسياسة متزنة وعلاقات جيدة مع الدول العربية والعالم ، فمن شأن هذه المعطيات خلق حالة توافق سياسي أردني تركي إزاء قضايا المنطقة و تعتقد الحكومة الأردنية أن لتركيا دوراً مهماً في الضغط على اسرائيل من أجل التراجع عن سياستها حيال القدس والاستيطان كما ان كلا الدولتين تركيا و الاردن لديهما حساسية عالية تجاه القدس فإن الاردن يعتبر المساس بالقدس خطاً احمر وشرارة اشتعال وتركيا تعتبر القدس ذات خصوصية سياسية ودينية وهناك ورقة أخرى مشتركة بين البلدين هو موضوع العراق لان كلا البلدين يطمح بانتخابات عراقية من شأنها تغيير وتحقيق الأمن والاستقرار ووحدة الاراضي العراقية.
وتسعى الأردن لتركيا ليس من باب العلاقات وفتح افاق تعاون فقط وانما نظرة الاردن السياسية لتركيا تنطلق من اعتبار ان "الاردن يريد بناء محور سياسي اقليمي قادر على تحقيق الاستقرار السياسي الاقتصادي الذي تحتاجه منطقة الشرق الاوسط فالجو السياسي مهيأ لتحالف اقليمي له بعد اقتصادي وسياسي يجمع كلا من سوريا والاردن وتركيا وبناء علاقات تعاون وتنسيق ثلاثي يشمل سوريا تركيا والاردن والبوادر منها الغاء ضريبة المغادرة على الاشخاص والسيارات بين الاردن وسوريا .
والمشاركة في مشاريع حيوية بين البلدان الثلاثة خصوصا في ملفات المياه ،الطاقة والسكك الحديدية فالأردن تعتقد أن لتركيا دور كبير في المنطقة لاسيما دورها في الملف النووي الايراني في ظل حديث سياسي يدرس حول اعتمادها كموقع تخزين لتخصيب اليوارنيوم الايراني ونقله الى بلد ثالث وقد بلغت واردات الاردن من تركيا نحو6ر143 مليون دولار خلال النصف الاول من العام الحالي، فيما بلغت الصادرات الأردنية إلى تركيا نحو 8ر9 ملايين دولار للفترة ذاتها والتي تشمل الأسمدة والفوسفات وتستورد الأردن من تركيا الفولاذ والمعدات والأجهزة الالكترونية، والمواد الغذائية والأنسجة، وبلغ حجم الاستثمارات التركية في الاردن نحو90 مليون دولار .
وتحافظ تركيا على التعاون التركى السعودي فالمملكة العربية السعودية تسعى للحفاظ أمنها في شبه الجزيرة العربية والدفاع عن مصالح العالم العربي و الإسلامي ، وتعزيز التضامن بين الحكومات الإسلامية ، والحفاظ على علاقات التعاون مع سائر الدول الرئيسية المنتجة والمستهلكة للنفط .
فالمملكة العربية السعودية تسعى لتخفيف آثار حرب العراق الاقتصادية والسياسية و إعادة توزيع الأوراق في الشرق الأوسط. وهناك دلائل كثيرة على أن تحالفا جديدا بدأ يظهر من شأنه أن يغير ميزان القوى في العالم الإسلامي لفترة طويلة جداً فقد فشلت الإدارة الأمريكية في العثور على أسلحة الدمار الشامل في العراق و الذي كان في الأصل ذريعة للحرب وإذ كان الهدف من الحرب على العراق عملياً إزالة صدام حسين من الحكم في العراق إضفاء طابع الشرعية على الحرب والتبشير بعهد جديد من الديمقراطية وتعزيز مفهوم الحرية والسلام .
ولكن و بعد ست سنوات ما زال العراق منطقة حرب ، وإيران هي الأقوى وتراجع دور المملكة العربية السعودية ومصر وتوقفت محادثات السلام الاسرائيلية الفلسطينية .
لقد أعادت تركيا تنظيم نفسها للعب دور رئيسي في السياسة في الشرق الأوسط فقد قامت بسلسلة من المفاوضات غير المباشرة بين السوريين والإسرائيليين وانتقدت اسرائيل لمعاملتها سكان غزة قبل وبعد الحرب في غزة ،وكذلك توسطت حل النزاع بين سوريا والعراق في تسليم المجرمين ، وقدموا المساعدة لإيران فقد عرضوا إستضافة اول محادثات مباشرة بين ايران ومجموعة 5 +1 .
وعلاوة على ذلك عقدت تركيا اجتماعا رفيع المستوى مع القيادة السورية ، ووقعت عدد كبير من الإتفاقات الأمنية والاقتصادية والثقافية أهمها أن المواطنين الأتراك لم يعودا في حاجة الى تأشيرة دخول لزيارة سوريا ، والعكس بالعكس ، والمواطنين السوريين الذين يحملون جوازات سفر صالحة من أي نوع يمكن أن السفر إلى تركيا دون الحصول على تأشيرة دخول، و كذلك وقعت تركيا ما لا يقل عن 50 اتفاقا مع الحكومة العراقية.
ويبدو أن المنطقة على وشك التحول لخلق محور جديد للسلطة في قلب العالم الإسلامي وهذا المحور الجديد يتكون من تركيا وإيران وسوريا والعراق وربما لبنان فهذا التحالف المنطقي فيه تحتاج ايران لتركيا لتخفيف الضغوط الغربية عليها وضمان وصول إيران إلى الأسواق الأوروبية الغاز الطبيعي والنفط إلى الأسواق الأوروبية.
أما سوريا والعراق فهم بحاجة لتركيا لضمان تدفق احتياجاتهم من المياه حيث أن تركيا توجد بها منابع مياه دجلة والفرات وهناك احتياجات تركيا لسوريا والعراق وايران لتأمين حدودها وهزيمة الانفصاليين الاكراد، وعلاوة على ذلك تحتاج تركيا إلى إيران والعراق لقوة اقتصادهم الناشيء مع مصدر طاقة موثوق وغير مكلف بالنسبة لتركيا.
وهذا التحالف الجديد هو إما أن يكون بديل جيد أو خطة بديلة في حالة فشل تركيا الانضمام الى الاتحاد الاوروبي وكورقة رابحة تستخدمها تركيا لاستدراج مواقف الاوروبيين في قبول عضويتها في الاتحاد الأوروبي.
وإن كانت تركيا تسعى للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي فإن هذا التحالف يقدم لتركيا قدرة أكثر تأثير على الأعضاء الآخرين في الاتحاد الأوروبي.
فتركيا بوابة موثوقة بين أوروبا وآسيا وسوف تكون تركيا الوسيط بين الاتحاد الأوروبي والعالم الإسلامي وتركيا قناة موثوقة للطاقة من منطقة الشرق الأوسط إلى الأسواق الأوروبية التي تعاني من نقص الغاز الطبيعي وظهر ذلك حين هددت روسيا بعض دول الاتحاد الاوروبي و قطعت عنها امدادات الغاز في عام 2008 مما جعل الاتحاد الأوروبي أن يعيد للنظر في إدخال بدائل للطاقة الروسية ، فاتجه إلى ايران الذي يملك ثاني أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم و هو خيار معقول لتزويد أوروبا بالغاز الطبيعي عن طريق تركيا و بالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية من هذا المحور الناشيء فهناك فوائد إجتماعية وتقافية .
إن الإسلام في تركيا هو الإسلام السني المقبول في المملكة السعودية والعالم العربي و ليس الاسلام الشيعي الموجود في إيران فعلى إيران العمل على تخفيف حدة التوتر الطائفي من خلال تبني تجربة الإسلام المعتدل الذي تمارسه تركيا و بهذا يتحقق تحالف جديد يكون مركز الثقل في العالم الإسلامي حيث أن عدد سكان هذا التحالف يتجاوز 200 مليون شخص بما يعود بالمنافع الاقتصادية على جميع دول المنطقة.
فالمستقبل لهذا المحور هو المزيد من العلاقات الدافئة والقائمة بين ايران وتركيا القوية جداً فعلى سبيل المثال تشيرالأرقام الأخيرة إلى أن إجمالي حجم العلاقات التجارية المتبادلة بين البلدين تجاوزت 10 مليارات دولارفإيران هي ثاني أكبر مصدر للنفط والغاز الى تركيا.
إضافة أن تركيا تتمتع بأهمية قصوى كطريق عبورإيران إلى أوروبا و تستطيع تركيا استيراد المواد الخام من ايران وتصدير السلع الصناعية للبلاد إلى ايران و كذلك إيران و تركيا عضوان هامان في منظمتي التعاون الإقليمي ، ومنظمة التعاون الاقتصادي (اكو) وأيضاً في مجموعة الثماني النامية التي تتألف من ثماني دول اسلامية .
ولذلك إن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي يمكن أن يكون جسر بين الاتحاد ومنظمة التعاون الاقتصادي والتطوير وهي خطوة من شأنها أن تزيد من تعزيز مكانة تركيا بين الدول المجاورة لها بما في ذلك إيران.
و ليست هناك حاجة لتسليط الضوء على علاقة قوية ويمكن الاعتماد عليها بين ايران وسوريا نظراً إلى أن سوريا كانت الدولة العربية الوحيدة الداعمة لايران خلال حربها مع العراق والعلاقات الثنائية بين سورية وإيران هي في الواقع أقوى بالمقارنة مع العلاقات بين أي مجموعات من الدول الثلاث الأخرى.
وعلى الرغم من قرع طبول الحرب ضد ايران تحت ذريعة السلم والأمن العالميين ، والمحاضر فهذا لا يثير قلق شديد لتركيا ، فتركيا أكثر الدول استقراراً في المنطقة و تدرك كلاً من إيران والعراق وسوريا أن مصلحتها الحفاظ على علاقات جيدة مع تركيا.
وكذلك على تلك الدول أخذ نموذج التجربة التركية النابضة بالحياة الاجتماعية المعتدلة وتفاعل التجربة الايرانية المحافظة لتقديم نموذج جديد للحكم الإسلامي في المنطقة.
هذا كله سيؤثر على السوريين والعراقيين لإنتاج كتلة تعددية مستقرة وقوية يمكن أن يحتذى بها من قبل جيرانها.
ولذلك ربما إذا تكون هذا المحوربما لديه من امكانات ضخمة يمكن تسخيرها لتحقيق الاستقرار والسلام في منطقة مضطربة جداً مع تحقيق كل العناصراللازمة لتحقيق الاستقرار والنمو فإن هذا المحور يمكن الاعتماد عليه لدفع جدول اعماله السلام والاحترام المتبادل مع العالم الإسلامي.
ويبدو أن الصراع على النفوذ بالشرق الأوسط والرغبة في التمدد الإقليمي قدراً مستمراً للعلاقات التركية الإيرانية على الرغم من بعض الفترات التاريخية التي شهدت العلاقات فيها تقارباً بين البلدين، ولكن دون أن يرقى هذا التقارب أبداً إلى مستوى التحالف الثنائي بين البلدين الجارين ، حيث فاضت المعاني السياسية للبلدين الكبيرين حتى وصلت إلى قلب التوازن الإقليمي في المنطقة و يرجع ذلك أن كلا من إيران وتركيا يملك بالإضافة إلى علاقات الجوار التاريخي من المؤهلات والطموح والحضور في المنطقة ما يثبته قوة إقليمية معترفا بها.
أيدت تركيا الملف النووي الإيراني السلمي" بالتوازي مع رفض تركي لمشاركة الطيران الإسرائيلي في مناورات "نسر الأناضول" احتجاجاً على اضطهاد دولة إسرائيل للفلسطينيين.
استعجل بعض المحللين تفسير الخطوات التركية واعتبروها علامة على "تحالف جديد بين تركيا وإيران في مواجهة إسرائيل والغرب، وهو تحليل مبسط يعكس تفكير بالأمنيات ولا يلحظ المعاني العميقة للتنافس التاريخي القائم بين تركيا وإيران على لعب دور القوة الإقليمية الأعظم في المنطقة، ولا حتى التصادم الواضح في المنظومة الإقليمية للنظامين السياسيين التركي والإيراني.
أما البعض الآخر من المحللين فقد اعتبر أن "هوية تركيا السنية" تمنعها بالضرورة من التعاون مع "إيران الشيعية"، وبالتالي فالعلاقة تحمل طابعاً تجارياً ولا تتعداه، وهو أمر يجافى الصواب والمنطق لأنه يفترض احتكار البعد الطائفي لعملية رسم السياسة الإقليمية للدول، حتى مع التسليم بأهميته التاريخية والثقافية في العلاقات التركية ـ الإيرانية عبر استعراض المحطات التاريخية في العلاقات بين تركيا و إيران ، ومحددات التنافس والتعاون فيما بينهما، ويخلص إلى نتيجة وجود بعد صراعي وآخر تعاوني في علاقات البلدين الجارين، مع غلبة واضحة للبعد الصراعي في هذه العلاقات.
كانت العلاقات التركية الإيرانية منذ قرون، ومازالت، علامة أساسية على خرائط الشرق الأوسط وبحيث أنتج التجاور الجغرافي والتنافس التاريخي فضاء وهامشا للتنافس والتعاون في آن، ولذلك تتنافس تركيا مع إيران مثلما تتعاون، لكن ضمن شروط موضوعية وقواعد لعب محددة، وبحيث تمتزج أدوات التنافس مع محفزات التقارب لتنتج خليطاً فريداً من نوعه في العلاقات الدولية والإقليمية. تحيط جغرافيا تركيا وإيران بالجغرافيا العربية من الشرق والشمال، فيتداخلان معها بوشائج التاريخ وروابط الحضارة المشتركة على نحو قلما توافر في مناطق جغرافية أخري.
وتكتسب العلاقات بين تركيا وإيران أهمية مضاعفة بسبب أن تركيا وإيران ليستا دولتان اعتياديتان في الجوار الجغرافي للدول العربية، بل قوتان إقليميتان في الشرق الأوسط، يتجاوز حضورهما الإقليمي الحدود السياسية لكليهما تأسيساً على ذلك تتجاوز العلاقات التركية الإيرانية في أبعادها السياسية والإستراتيجية معاني أية علاقات ثنائية بين بلدين غير عربيين، إذ أن طبيعتها الخاصة تجعلها تؤثر مباشرة على واقع منطقة الشرق الأوسط.
تتقاطع المصالح التركية الإيرانية في مسائل متنوعة منها تصدير الغاز الإيراني إلى أوروبا عبر الأراضي التركية وهى قضية ذات معان إستراتيجية عميقة وتتجاوز مجرد تصدير سلعة من بلد إلى آخر، لأن "خط نابوكو" الذي ينقل نفط وغاز عبر بحر قزوين عبر الأراضي التركية إلى أوروبا سيعزز وضعية تركيا أكثر فأكثر على خرائط السياسة الدولية.
تشترك تركيا وإيران في العمل على تحجيم الطموحات الكردية التي ظهرت مع احتلال العراق عام 2003، ويتفقان أيضاً على لجم العربدة الإسرائيلية في المنطقة على خلفية المصالح الوطنية لتركيا وإيران قبل أية اعتبارات أخري.
إن تركيا وإيران تستطيعان سد الفراغ القائم في المنطقة"، لأن الأرضية الموضوعية لحقيقة "الفراغ" الناشئ في المنطقة تقوم على عمودين أساسيين هما أولاً الفراغ العربي الكبير في المنطقة، وثانياً نزعة الهيمنة الإقليمية الموجودة في بذرة إسرائيل.
يمكن اعتبار تركيا وإيران عمقاً حضارياً وجغرافياً للدول العربية، إلا أن هذا الاعتبار لا يجد ترجمته أوتوماتيكياً على أرض الواقع، إلا من خلال سياسات عربية فاعلة تستخرج من طاقات تركيا وإيران ما يفيد المصالح العربية وتحيد ما قد يطرأ من تناقض في المصالح بينها وبين أي من تركيا وإيران.
ولكن في حالات الغياب العربي عن الحضور والفعل، يكون طبيعياً أن تتمدد الأدوار الإقليمية لكل من تركيا وإيران لمليء الفراغات العربية أولاً ، أما ثانياً والمترتبة على أولاً يبدو معلوماً أن "سد الفراغ" لن يتأتى إلا من طريق الاصطدام في دولة إسرائيل على خلفية محاولتها المستمرة للعب دور القوة الإقليمية الأعظم في المنطقة.
بمعنى آخر تحتم المصالح الوطنية لكل من تركيا وإيران الساعيتين إلى لعب دور إقليمي اصطداماً معلوماً مع إسرائيل التواقة إلى الهيمنة الإقليمية، ولكن درجة هذا الاصطدام تتحدد وفق موازين حساسة.
تقول وقائع التاريخ أن الحدود التركية الإيرانية مازالت قائمة بدون تعديل أو مشاكل حدودية منذ "معاهدة زهاب" التي وقعتها السلطنة العثمانية وإيران عام 1639، أي قبل حوالي أربعة قرون، وهو ما يعنى وجود حد أدنى من علاقات حسن الجوار بين تركيا وإيران يسقفها سقف معقول من المصالح المتبادلة في المنطقة سواء بخصوص العراق أو سورية أو درجة الاصطدام بإسرائيل.
وبالإضافة إلى كل ذلك لا مصلحة حقيقية لتركيا في امتلاك إيران لقدرات نووية عسكرية لأن التنافس الإقليمي بينهما سيحسم لصالح إيران مثلما لا مصلحة لدى تركيا في توجيه ضربة عسكرية إلى إيران بسبب مصالحها فيها ولذلك يجرى رسم تركيا لسياستها الشرق أوسطية وبضمنها علاقاتها مع إيران وفق موازين دقيقة وعلى خلفية تحالفات أوسع.
ولذا تتصارع مجموعة من عوامل التنافس مع محفزات التقارب بين تركيا وإيران لأن التناقض في الأفكار المؤسسة لأدوار كل من النظامين السياسيين تبدو في مقدمة عوامل التنافس التي تجعل الفجوة بين النظامين السياسيين صعبة على بناء جسور قوية وصلبة وكذلك هناك عامل التنافس التاريخي للبلدين على النفوذ في المنطقة، وليس آخراً المواقع المتناقضة في التحالفات الدولية.
تشترك كل من تركيا و إيران في حقيقة أنهما يمتلكان موقعاً جيو-استراتيجياً مهماً في المنطقة، ولكنهما أيضاً تعانيان معاً من عدم وجود إطار مؤسسي يجمعهما مع الدول العربية في منظومة إقليمية وأمنية مشتركة، وإن كانت تركيا تستعيض عن ذلك بالانخراط في حلف الناتو والتحالف الدولي الذي تقوده أمريكا.
أما إيران فلم تتمكن من الانخراط في أية منظومة إقليمية أو دولية، وعلاقاتها الدولية مع روسيا والصين لا ترقى إلى مستوى علاقات تركيا بالغرب، ناهيك عن وضوح التفوق الأمريكي حتى الآن على نظيريه الروسي والصيني في حلبة السياسة الدولية.
تتنافس تركيا موضوعياً مع المشروع الإيراني في المنطقة بالرغم من كل عناصر ومحفزات التعاون، ويبدو واضحاً أن هناك فروقاً ظاهرة في النموذج والأدوات بين المشروعين، حيث ترفع إيران راية "الممانعة" ضد الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الصهيوني وتتحالف مع أحزاب وحركات سياسية تناوئ واشنطن والنظم السياسية القائمة، في حين ترفع تركيا لواء "التحديث والانفتاح" على خلفية نجاحات اقتصادية وديمقراطية، بالتحالف مع واشنطن والانفتاح على دول المنطقة بمعناها القانوني والمؤسساتي.
ومع ذلك تعي إيران حدة التنافس مع تركيا وأنها لا تريد مزيداً من النقاط الدبلوماسية لتركيا لتجعلها القوة الإقليمية العظمي. أما الموافقة على الاستضافات التركية والوساطات التركية فستعنى من المنظور الإيراني تثبيتاً لدور تركيا الجديد باعتبارها "المرجعية الإقليمية" في الشرق الأوسط، وهو ما لا تريده إيران.
كان ظهور الأحلاف العسكرية في الخمسينات من القرن الماضي مؤشراً جديداً على تقارب تركيا وإيران تحت السقف الدولي الذي بنيت تحته سياساتهما الإقليمية، وبالمقابل من الأحلاف العسكرية ظهرت وقتذاك فكرة عدم الانحياز بقيادة ثلاثية ضمت الجمهورية العربية المتحدة والهند ويوغوسلافيا.
مما أدى إلى ترسيخ صورة جديدة للمنطقة يقوم الفرز الإقليمي فيها على أساس التحالفات الدولية، وهكذا وبعد ظهور الدولة الوطنية في البلاد العربية وقيام الجمهورية التركية ومحاولات تحديث إيران تحت الحكم الملكي بدا الفرز واضحاً في المنطقة بين تحالف قادته الولايات المتحدة الأمريكية انضوت فيه كل من تركيا وإيران وشطر من الدول العربية، وآخر تحالف مع الاتحاد السوفيتي السابق وضم الشطر الآخر من الدول العربية.
تم تدشين شرق أوسط جديد بأبعاد وتوازنات مختلفة جذرياً عما ساد قبل سايكس ـ بيكو وما بعدها، إذ أن ثنائية النظام الدولي انعكست استقطاباً ثنائياً إقليمياً في المنطقة، ولكن هذا الاستقطاب الثنائي في الواجهة لم يستطع أن يحجب ظهور ثلاثة أطراف إقليمية أساسية على خلفيته وهي العرب والأتراك والإيرانيون.
تغيرت الأوزان النسبية في منطقة الشرق الأوسط بعد هزيمة العرب عام 1967 وانكسار المشروع العروبي في الإقليم، ولكن النظام الدولي ثنائي القطبية، وارتباط كل من تركيا وإيران بالمعسكر الغربي، ومصر وسوريا بالمعسكر الشرقي وقتذاك حال دون بروز الفراغ النسبي المتولد عن الهزيمة العربية تلك ، ثم عادت الأوزان لتتغير من جديد بعد خروج مصر من الصراع العربي ـ الإسرائيلي وإبرام إتفاقية كامب ديفيد وانتصار الثورة الإيرانية في العام 1979.
و تصادم النظام الإيراني الجديد مع التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن دون أن ينضوي في المعسكر الشرقي طبعاً، وتأسيساً على ذلك التصادم فقد عادت العلاقات التركية الإيرانية إلى سابق عهدها من فتور وتصارع في ظل عدم بروز الفراغ السياسي في المنطقة أيضاً بسبب النظام الدولي ثنائي القطبية ذاته.
ثم جاء الانقلاب العسكري في تركيا بكنعان إفرين رئيساً للجمهورية التركية عام 1980 ليزيد من حدة الاستقطاب في العلاقات الثنائية بين البلدين الجارين تركيا وإيران و شهدت العلاقات الثنائية في عقد الثمانينات فترة من الانتعاش النسبي أثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية، بسبب اضطرار إيران إلى تمرير صادراتها ووارداتها عبر حدودها مع تركيا، والتي تمتد من شمال غربي إيران وجنوب شرقي تركيا بطول 499 كيلومتراً. ولكن بعد نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي السابق بالترافق مع بزوغ الدول الآسيوية المستقلة عنه في منطقة آسيا الوسطى وبحر قزوين، فقد ظهر صراع إقليمي جديد بين تركيا و إيران على مناطق النفوذ هناك.
ومرد ذلك أن هذه المنطقة الجغرافية الممتدة من كازاخستان شرقاً وأذربيجان غرباً والتي تشكل الامتداد الجغرافي والثقافي لكلا البلدين، ترقد على ثروات نفطية وغازية هائلة، يعتقد أنها سوف تؤثر في معادلات التوازن بسوق الطاقة العالمية، وما يعنيه ذلك من توزيع جديد لأوراق اللعب الإستراتيجية إقليمياً وعالمياً.عرفت العلاقات الثنائية بين البلدين فترة من التفاهم الاقتصادي في عصر الرئيس التركي الراحل تورغوت أوزال، ثم أعقبتها فترة من الازدهار النسبي خلال عام 1995 ـ 1996 الذي ترأس فيه نجم الدين أربكان و"حزب الرفاه" الحكومة التركية.وفى ذلك العام وقع البلدان اتفاقية لتصدير الغاز الإيراني إلى تركيا بقيمة 23 مليار دولار، وهى الصفقة الأضخم في تاريخ العلاقات الاقتصادية بين البلدين الجارين، يمتد بمقتضاها خط أنابيب نقل الغاز من مدينة تبريز الإيرانية وحتى مدينة أرضروم لمد تركيا بالغاز لمدة ثلاثين سنة.
وبالرغم من هذا "التقارب النسبي" في العلاقات التركية الإيرانية إلاَّ أن هذه العلاقات لم تتطور بعد الإطاحة بنجم الدين أربكان من رئاسة الوزراء في تركيا بسبب التصادم في منظومة القيم لكل من النظام السياسي في تركيا و إيران ، وذلك حدود الأدوار الإقليمية المتاحة لكل منهما.
وجاء التحالف الإستراتيجي بين تركيا وإسرائيل في النصف الثاني من التسعينات متناغما إلى حد كبير ومصالح الدولة التركية كما حددتها المؤسسة العسكرية التي حركت وحدها تقريباً خيوط السياسة وقتذاك، بحيث بدا هذا التحالف بمثابة توزيع جديد للأثقال النسبية في الشرق الأوسط لغير مصلحة إيران.
كان غياب الدور العراقي وغياب مشروع الأمن العربي أن جعل الدور التركي مؤهلاً أكثر من اي وقت مضى لسد هذا الفراغ باعتبار ان تركيا بحكم موقعها الجغرافي والثقافي قادرة على ملئ الفراغ وجاء التنسيق التركي الإيراني لإعتراف كل منهما بأهمية دوره في ظل غياب دور الدول العربية وخاصة تراجع الدور المصري السعودي ليفسح المجال أمام تركيا لأخذ دور فعال ومؤثر وحيز سياسي وإقتصادي أوسع في منطقة الشرق الأوسط.
دخلت العلاقات التركية الإيرانية مفترقاً حاسماً بعد احتلال العراق عام 2003، إذ ساهم هذا الاحتلال في تبدل موازين القوى الإقليمية لصالح إيران وبشكل جعل المصالح التركية عرضة للخطر من جراء طفور الطموحات القومية الكردية ومخاطر امتدادها إلى جنوب شرق الأناضول وغالبيته السكانية الكردية ، كما أدى احتلال العراق إلى إعادة توزيع لموازين القوى الإقليمية عموماً وبين تركيا و إيران خصوصاً، إذ أن انهيار النظام العراقي السابق وهيمنة حلفاء إيران من الأحزاب السياسية الشيعية على الحكومة والبرلمان العراقيين، وكذلك طفور دور الأكراد في شمال العراق والسلطة المركزية ببغداد، أدت كلها إلى تزايد النفوذ الإيراني في بلاد الرافدين بالترافق مع نشوء تهديدات جديدة للأمن القومي التركي.
وبالرغم من ذلك فقد أدى احتلال العراق إلى نتيجة واضحة في التنافس التركي الإيراني مفادها أن الطرفين الأمريكي والإيراني صارا الأقوى على الساحة العراقية، فالأول يحتل العراق عسكرياً والثاني يحكم ويتحكم من طريق الحلفاء في مقدرات السلطة ببغداد.
كلاهما لا يستطيع إزاحة الآخر، إيران لا تملك الأدوات العسكرية لذلك، أما واشنطن وإن سيطرت عسكرياً فإنها تعانى مأزقاً مستحكماًً إذ لا يمكنها إزاحة حلفاء إيران من المشهد السياسي. ولم يكتف حلفاء إيران بتصدر واجهة المشهد السياسي في ظل الاحتلال، بل تحولت ميليشياتهم العسكرية إلى نواة للتشكيلات النظامية العراقية في وزارتي الداخلية والدفاع.
غابت القوى الإقليمية عن المشهد، فالدول العربية الرئيسية ودول جوار العراق لم تنجح في الوصول لتصور مشترك حول العراق بسبب الضغوط الأمريكية المتوالية عليها والتي همشت مصالحها الإقليمية المشروعة في بلاد الرافدين ، وبالتوازي مع ذلك لعب الأكراد دور العازل الجغرافي لتمدد تركيا الإقليمي في العراق بانتشارهم على كامل الحدود العراقية ـ التركية المشتركة وبغطاء أمريكي سياسي وعسكري.
كان الدور الإقليمي وما زال هاجساً يسكن قلوب حكام إيران منذ تأسيس دولتها الحديثة، ومحاولة مد نفوذ إيران إلى العراق مثل دوماً ترمومتراً لقياس قدراتها الإقليمية.
مددت تركيا في السنة الأخيرة علاقاتها إلى الأحزاب الشيعية العراقية ليس بهدف سحبهم من إيران، ولكن مقاسمة تركيا للأخيرة في نفوذها عليهم. وإذا أضفنا إلى هذه الصورة التحالف الكبير الذي ينمو بمرور الوقت بين تركيا وسوريا لعلمنا أن المنافس الإقليمي الأساسي لإيران على النفوذ في المنطقة هو تركيا.
وكذلك تعيش إيران من جهة أخرى تحت ظل نظام حكم إسلامي جمهوري يرتكز إلى قاعدة أيديولوجية إسلامية. وإن كان مصطفى كمال قد عمل منذ لحظة تأسيس الجمهورية على كبح كل توجه تركي توسعي فإن الجمهورية الإسلامية ورثت من البداية إيران ذات توجهات توسعية باكتساب نظام الحكم وجهه الإسلامي أصبح لهذه التوجهات حدان: حد قومي جغرافي سياسي، وحد إسلامي.
ثمة تداخل وتقاطع بين توجهات السياسة الخارجية الإيرانية الإقليمية والتوجهات التركية، ولكن الخلافات بينهما تبقى جوهرية ففي البداية وبالرغم من أن إيران تستند إلى أكثر من ربع قرن من السياسة الإسلامية النشطة وأن ثمة حلفاء أيديولوجيين لها في الجوار فإن إيران تواجه وضعاً داخلياً قلقاً، ليس فقط ذلك المتعلق بالتدافع الحاد بين ما بات يعرف بالإصلاحيين والمحافظين ولكن أيضاً وهذا هو الأخطر ذلك المتعلق بحقوق وموقع المجموعات القومية والطائفية المختلفة.
تظهر تركيا مرونة متزايدة للتعامل مع المسألتين الكردية والعلوية، بينما يبدو أن إيران لم يصل بعد إلى قناعة بفتح ملف الجماعات القومية والطائفية بل ليس من الواضح أن العقل السياسي الإيراني مؤهل لفتح هذا الملف مهما كان الأمر، فإن الفراغ الذي تركه الانسحاب العربي يفسح المجال لطموحات السياسة الخارجية التركية والإيرانية وهذا بدوره ما يؤسس لاحتمالات التنافس بين الجارتين الكبيرتين ، ولكن هذا التنافس ليس تنافساً بين دوافع وأهداف متماثلة. العراق مثلاً يعتبر ساحة تنافس رئيسية بين السياستين فالعراق لا يشترك في حدوده مع إيران وتركيا، ولا يضم أقلية كردية قومية نشطة كما تركيا و إيران ، وحسب بل إن كلا البلدين يرى في العراق مجالاً حيوياً على المستويين السياسي والاقتصادي ومنبعاً لتهديدات محتملة.
سعت إيران منذ بداية الاحتلال الأمريكي وانهيار الدولة العراقية إلى تعزيز نفوذها في العراق، ساعدها في ذلك أن القوى الشيعية الموالية لها كانت طرفاً أساسياً في التحالف الذي بنته واشنطن لإطاحة الحكم العراقي واحتلال البلاد ولكن تركيا من جهتها بدأت تحركها في العراق مدفوعة بتعقيدات الملف الكردي وبمشاعر التضامن مع الشعب العراقي. ولكن فشل المشروع الأمريكي دفع الإدارة الأمريكية لقبول دور تركي محدود ثم جاءت الإدارة الأمريكية الجديدة لتعطي الأولوية لأفغانستان على العراق، وتفسح المجال بالتالي لدور تركي أوسع في العراق وفي المنطقة ككل.
والمشكلة أن هناك تبايناً واضحاً بين التوجهات التركية و الإيرانية في العراق، وليس مجرد تدافع بين طموحين متوازيين لتعزيز النفوذ.
إيران التي يصعب حتى الآن تحرير سياستها الخارجية من البعد الطائفي تدعم مشروعاً طائفياً في العراق يستهدف بناء عراق يسيطر عليه التشيع السياسي أو عراق فيدرالي ضعيف ومنقسم على نفسه ، أما تركيا من جانب آخر تقف خلف كل توجه وطني.
لا يمكن وصف أي من سياسات الدولتين تركيا وإيران بالمثالية ونكران الذات فكلاهما بالتأكيد يسعى إلى تعزيز مصالحه ولكن عوامل التاريخ والثقافة والإستراتيجية هي التي تضع الأهداف الإيرانية في العراق في إطار يميل نحو الطائفي، والتركية في إطار يميل نحو الوطني.
ليس من الواضح ما إن كان النظام العربي الرسمي سيستعيد عافيته قريباً ويعود رقماً رئيسياً في التدافعات الإقليمية ولكن الواضح أن لا تركيا ولا إيران حتى وإن تغير النظام الحاكم في أي منهما أو كليهما سينسحب من مسرح التدافعات قريباً.
تعمل تركيا بجهد بالغ لبناء علاقات صحية بل وتحالفية مع إيران وليس ثمة شك في أن تركيا تتمتع بموقف داخلي وإقليمي ودولي يفوق الموقف الإيراني مما يؤهلها بالتأكيد لتقديم مساعدة أكبر للجارة الإسلامية.
وربما يوفر تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين نافذة دبلوماسية أوسع للتفاهم الإقليمي وتجنب اصطدام المصالح أو لتحويل التدافع إلى صفقات دبلوماسية ولكن هذا ليس الحل الأفضل والأطول مدى لاحتمالات التنافس والتدافع.
الحل أن تتحرر السياسة الإيرانية من البعد الطائفي و أن تعيد النظر في موقعها من المجال الإسلامي ككل و أن ترى نفسها جزءاً لا يتجزأ من أمة إسلامية مترامية الأطراف.
وكان بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي عام 1991 ومعه منظومة دول حلف وارسو وانتهاء الحرب الباردة بين العالمَين الإشتراكي والرأسمالي أن أصبحت جميع البلدان الأوربية تنظر إلى طبيعة العلاقات القائمة فيما بينها وتعيد تقييم تلك العلاقات من منظور المصالح الإقتصادية المرجوة منها وقد أسسَت دول المعسكر الإشتراكي بقيادة الإتحاد السوفيتي قبل تفككها مجلس التعاضد الإقتصادي ( منظمة سيف ) لتنظيم العلاقات الإقتصادية مع بعضها ، ومن خلال تلك المنظمة قام الإتحاد السوفيتي بمد ثلاث خطوط مزدوجة للنفط والغاز من حقول سيبيريا إلى تلك الدول وسُمِّيت( بخطوط الصداقة )وهي كالتالي: -
الخط الأول يمتد من روسيا - هنغاريا - بولونيا - المانيا الديمقراطية - ثُم تمّ تمديده أخيراً
إلى النمسا
الخط الثاني من روسيا - بيلوروسيا ( روسيا البيضاء ) - بولونيا - المانيا .
الخط الثالث من روسيا – أوكرانيا – شيكوسلوفاكيا – ألمانيا .
كانت تلك الدول لاتدفع عملة صعبة للإتحاد السوفيتي وإنما كانت تجري عملية مقايضة بمنتوجاتها الصناعية والزراعية أما في الظرف الراهن فإنها تدفع عن كل ما تحتاجه بالدولار واليورو، خاصة وأنّ قسماً منها أصبح عضواً في الإتحاد الأوربي وحلف الناتو .
لقد أدركَت روسيا أنها تستطيع فرض نفسها على الساحة الدولية عامة وأوروبا خاصةً ليس عن طريق ترسانتها النووية فقط ، وإنما من خلال قدرتها الإقتصادية المتمثلة بإمتلاكها مصادر الطاقة التقليدية ( النفط والغاز ) مما حفزها على الشروع بمد خط رابع للغاز ، وهو قيد الإنشاء الآن يبدأ من روسيا وتحت مياه البحر الأسود إلى بلغاريا ثم الى اليونان وإلى صربيا عن طريق مقدونيا .
جاءت نجاحات تركيا في السنوات القليلة الماضية وفى السنة الأخيرة بالتحديد في العودة إلى توازنات المنطقة ومزاحمة النفوذ الإيراني فيها تشير بأنها تسابق الزمن لبناء شبكة من التحالفات تضاهى من حيث الأهمية تلك الشبكة الكبيرة من التحالفات التي بنتها إيران على مدار الثلاثين سنة الأخيرة.
وبالرغم من التنافس الضاري على التحالفات والأدوار الإقليمية فإن قواعد اللعب الجديدة في المنطقة لم تعد المواجهات العسكرية، بل سحب الحلفاء والتأثير على خيارات الخصوم وبناء شبكات مصالح مع الأطراف المختلفة عبر قراءة دقيقة وموضوعية للتناقضات في مصالح اللاعبين المحليين والإقليميين.تأسيساً على كل ذلك لا يمكن اعتبار تقارب تركيا وإيران إعلاناً لتحالف جديد بل تدشيناً لعودة تركيا إلى حلبة الشرق الأوسط وإلى ساحة التنافس مع إيران بأدوات جديدة وفى ظروف إقليمية متغيرة.
بأية حال فقد حدث أهم تغير في سياسة تركيا للعلاقات الخارجية الى ماوراء البحر الأسود، إنها تلك العلاقة المتعددة الجوانب بين تركيا وروسيا التي تمثل أهم تغير للقوى بين مصر وسوريا مصحوبة باحتمالات تكوُن تحالف جديد.
إن مثل هذه الروابط الجديدة قد تكون مصدر قلق لدول في الغرب والشرق الأوسط أكثر ما يبدو ظاهرا بين تركيا و روسيا هو عقود العمل والتجارة بين البلدين و إن عملت أية دولة عملت بالتجارة مع روسيا فإن هذه الأعمال غالباً ما تنتهي بشراء النفط والغاز .
و تعتبر الهيدروكربونات قاعدة أساسية ايضا للتجارة التركية الروسية فقد زادت التجارة التركية مع روسيا بواسطة إستيرادها الغاز الروسي و كانت روسيا في العام 2008 ، أهم شريك تجاري لتركيا ومجهزها الرئيسي من الغاز الطبيعي وهو حوالي ثلثي إستهلاك تركيا من الغاز، 50% من إستيراد الفحم و30% من إستهلاك النفط. وتعتبر تركيا بالنسبة لروسيا كالمحور الممكن لصادرات الطاقة لديها و في عام 2009 إتفقت كل من تركيا و روسيا سوية مع إيطاليا لبدء التحضيرات لإنشاء الساوث ستريم ،وهو خط أنابيب من روسيا يعبرالبحر الأسود الى أوروبا.
وفي بداية شتاء 2008 لم تزود إيران تركيا بالغاز الطبيعي فسارعت روسيا بتقديم المساعدة لتركيا ، هنالك ايضا عوامل مشتركة بين السياسات الخارجية التركية والروسية ، فقد قدرت روسيا بشكل كبير الوقف التركي في عام 2003 والتي منعت قوات الولايات المتحدة الأمريكية من دخول العراق عبر الأراضي التركية فروسيا لاتريد وجوداً للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي في البحر الأسود وغالباً ما تتفق تركيا مع روسيا في عمل البلدان سوية للحد من وجود سفن قوات حلف شمال الأطلسي في البحر الأسود ، ونتجه شرقا حيث أقتربت تركيا وروسيا من القوقاز و تبدو جورجيا وبشكل واضح أنها هي عدو روسيا في المنطقة و لكن لتركيا أيضا خلافات مع جورجيا كذلك يوجد في تركيا مجتمع أبخازي مؤثر، لديه روابط مع الجمهورية الإنفصالية لأبخازيا.
أما في الموضوع النووي الإيراني فإن كلا تركيا و روسيا ترفضان أساليب النهج القسرية على برنامج إيران النووي فهما الدولتان المجاورتان لإيران ويقدمان المساعدة لإيران لإخراجها و تبدو فعلاً هذه العلاقات الناشطة إلى حد ما وكأنها تحالف موجه ضد دول أخرى لكن هناك مبررات لتكوين علاقات قوية بين تركيا وروسيا ، فبإمكانهما التطور بشكل كبير نحو شيئ أكبرمن مجرد علاقات حسن جوار ناشطة، ففي المقام الأول بإمكان تركيا و روسيا أن يتطورا الى حلف للغاز الطبيعي كمجهزين ومستوردين ، وبالرغم من أن تركيا تقع في منتصف بعض أهم ميادين النفط والغاز في العالم فإنها قد إئتمنت ثلثي إستهلاكها من الغاز لدى شركة كازبروم الروسية.
و تحاول روسيا أن توسع حصتها أيضا من سوق النفط التركية الى أكثر من 50% وأن تنشئ أول محطة للطاقة النووية فستكون كل طاقة تركيا من روسيا ، أما الأحتمال الثاني فهو تحالف الدول المستهان بها حيث أن العلاقات مع روسيا تبين أيضا كيفية معاملة الغرب لروسيا ، لكلا البلدين تاريخ وثقافة غنيين ويتوقعان لأن يعاملا على الأقل كدولتين مساويتين للبقية في الميدان الدولي .
تتذكر نخبة السياسة في تركيا جيدا كيف تجاهلت إدارة الولايات المتحدة السابقة تحذيراتها في التحضير للحرب العراقية في العام 2003م وكنتيجة لهذا ولرفض تركيا بالسماح لقوات الولايات المتحدة بالمرور الى العراق فقد زاد الأمر سوءا فاليوم تركيا مفرطة الحساسية تجاه الضغط الغربي القوي المسلط على إيران وغالباً ما تجد نفسها في نفس المخيم مع روسيا أيضا.
وأكثر من ذلك فإن تركيا تختبئ خلف روسيا التي لها حق النقض (الفيتو) في مجلس أمن الأمم المتحدة وقد تدفع المواجهات الخطرة مع تركيا إيران وروسيا الى تحالف ضد السياسة الغربية الموجهة ضد إيران وقد يكون المشهد الثالث تكون كتلة من الدول المبعدة. فقد إعتبرت تركيا عدواً بالطريقة التي أدت بها دول الإتحاد الأوروبي مفاوضات العضوية منذ 2005م وتتعطل هذه المحادثات بواسطة تدخلات كل الأطراف فلقد أسمت فرنسا تركيا بالبلد الآسيوي وأنهت الجدالات المستندة على المخاوف التي من شأنها أن تؤدي الى العضوية في الإتحاد الأوروبي و دعا المستشار الألماني علناً الى شراكة الإمتياز وهي الطريق الغير مباشر الى الرفض وهذا الأمر لم يُغَيِّب عن إهتمام روسيا .
وفيما يخص الإجتماعات التركية الروسية المترابطة،وقد شجع الاتحاد السوفييتي الأتراك على التخلي عن أوروبا كما فعل في التسعينات و إن كان العالم الغربي قلقا بشأن التحالف التركي – الروسي ، فهنالك ثلاثة إجراءات من المحتمل أن تجنب تطور العلاقة أبعد من ذلك . ويجب على الإتحاد الأوروبي أن يقوم بإجراء مفاوضات عادلة حول عضوية تركيا المستقبلية و يجب أن تستشير الولايات المتحدة تركيا وجيرانها من الدول العربية بشكل مقرَب اكثر عند تخطيط إستراتجيتها حول إيران وقد يكون بإمكان الدول العربية إقناع تركيا بأن فوائد كونها دولة مستقلة في المنطقة يرَجح تبعات كونها الحليف المقرب جدا لأي معسكر، سواء كان روسيا أو إيران.
وقد أثارت علاقات تركيا وإيران الجدل من جديد فلكلِ منهما دور إقليمي فما هي شروط هذا الدور وعلاقته بالمنطقة العربية، واحتمالات التنافس والتحالف بين الدولتين. أحد أسباب هذا الجدل، بالتأكيد، تراجع العمل السياسي العربي، إقليمياً ودولياً، سيما دور الدول الرئيسية،مثل مصر والسعودية والجزائر، وانكفاء هذه الدول على نفسها. السبب الآخر يتعلق بلا شك بالجدل الطائفي الكبير الذي شهدته الساحة العربية منذ غزو العراق واحتلاله، بعد أن أنتج الاحتلال نظام حكم عراقي طائفي، مؤيداً من الجمهورية الإسلامية في إيران الشعور السني بالخلل.
أدى إلى تخيل سياسة إيراني تهدد المصالح العربية والوجود الإسلامي السني. للحظة ما، وحتى على مستوى دول عربية رئيسية، نظر إلى الدور التركي بأنه مصدر توازن محتمل للجار الإيراني. ولكن هناك سبباً آخر لهذا الجدل لا يقل أهمية عن الأسباب السابقة، وهو ذلك الخاص بالتغيير النوعي في السياسة الخارجية التركية، واقترابها الحثيث من تصور العرب الجمعي لحقوقهم ومصالحهم، سواء عندما رفض البرلمان التركي السماح للقوات الأمريكية باستخدام الأراضي التركية لغزو العراق.
لعب الدور التركي في شجب الاعتداءات الاسرائيلة علي قطاع غزة وحصارها له وشجب الجرائم التي إرتكبها الجيش الإسرائيلي على السكان المدنين العزل في غزة اضافة الي تخفيض درجات التنسيق التي كانت سائدة بين تركيا وبين اسرائيل مما سمح لقبولها اكثرمن أي وقت مضى في لعب دور مهم في المنطقة فتركيا تطمح أيضاً إلى الدخول إلى إفريقيا عبر بوابة ليبيا وقد استطاعت الدبلوماسية التركية اختراق القارة الإفريقية وأن يكون لها تواجد إقتصادي واسع في السعودية والخليج العربي .
لم يعد فهم التغيير المطرد في السياسة الخارجية التركية حكراً على الأكاديميين والمتخصصين فالحديث عن سياسة تركية خارجية متعددة الأبعاد وعن علاقات تركية بالإقليم خالية كلية من التوتر، وعن تركيا ذات العمق والموقع الاستراتيجيين، وليس تركيا الجسر، بات متداولاً ومعروفاً. ومن الواضح، بالطبع، أن السياسة التركية الفعلية تتبع هذه المرجعية النظرية. ولأن تركيا تطمح إلى تحقيق مثل هذه الأهداف الكبرى لسياستها الخارجية، فإن قادة تركيا الجدد من حزب العدالة والتنمية يقودون حركة إصلاح داخلي غير مسبوقة وعلى كل المستويات فتركيا الجديدة تتسم بحيوية اقتصادية هائلة، وبمراجعة العديد من القوانين المقيدة للحريات، وتعيش تركيا مناخاً من الإبداع لم تعرفه منذ قيام الجمهورية.
وقد استطاعت حكومة العدالة والتنمية وبعد مواجهة عقبات ملموسة كادت تطيح بالحياة السياسية المدنية تقليم أجنحة المؤسسة العسكرية وإعادة التوازن السياسي في البلاد، وللمرة الأولى لصالح العملية الانتخابية وإرادة الشعب التركي.
في علاقتهم بالحكم المدني أصبح الضباط أكثر تواضعاً واهتماماً بمجال عملهم الخاص بالدفاع عن البلاد وحماية أمنها ، وبالرغم من أن الجيش لم يزل بطيئاً في قيامه بتطهير صفوفه من الضباط الانقلابيين والمعادين للحياة الديمقراطية فإن تركيا تحررت أخيراً من شبح الانقلاب العسكري. بيد أن العمل الحثيث والشجاع بلا شك الذي تعهدته الحكومة التركية للتعامل مع المسألة الكردية يشكل الدليل الأبرز على سعي العدالة والتنمية إلى التعامل الجاد مع الأزمات الداخلية في موازاة سعيه إلى تعزيز وضع تركيا الإقليمي.

وكان على أثر سقوط الاتحاد السوفيتي وظهور الدول الاسيوية المستقلة أن ظهر الصراع الإقليمي بين تركيا وإيران علي مناطق النفوذ في هذه الدول المستقلة ،فهذه المنطقة تشكل امتداد جغرافي وثقافي لكلاً من البلدين و تكمن فيها ثروات نفطية وغازية ضخمة
فقد سعت تركيا بعد استقلال دول آسيا الصغرى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي إلى عقد إتفاقيات اقتصادية وثقافية معها وقد اعتمدت دول أسيا الصغري الأبجدية اللاتينية بالصيغة التركية بدلاً من الابجدية الروسية السلافية وأُستبعدت الابجدية الفارسية العربية أدي هذا إلي غزو جغرافي تركي في الجمهوريات الذي ينتمى جزء كبير منها الي ايران رغم انها تتحدث لغات تنحدر من شجرة اللغة التركية .
وقد أدى انهيار الاتحاد السوفياتي إلى إيجاد فراغ إستراتيجي وسط آسيا مهد الطريق إلى انضمام لاعبين جدد في "اللعبة الكبرى" لبسط السيطرة والنفوذ على إمكانيات هذه المنطقة المهمة اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، وكانت تركيا وإيران والصين من أهم هؤلاء اللاعبين خصوصاً أنها تتقاسم مع آسيا الوسطى حدودا طويلة كما تتقاسم معها امتدادات عرقية متداخلة.
فقد بدت ملامح السياسة الصينية الجديدة تجاه هذه المنطقة عام 1969 حينما تحركت بكين لإيجاد إطار رسمي يربطها بالمنطقة، فجاءت فكرة منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي بالتعاون مع روسيا وكل من كزاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان والتي انضمت إليها أوزبكستان عام 2001، وكان واضحا أن الصين تستغل نفوذ روسيا للتحرك نحو آسيا الوسطى في حين كانت موسكو تبحث عن حليف قوي في آسيا لوقف الزحف الأوروبي الأميركي نحو مناطق نفوذها.
تشهد اقتصاديا الصين نمواً يفوق 10% سنوياً وفي ظل حاجتها الملحة للطاقة بشكل متزايد وارتفاع أسعار النفط والغاز، كان على الصين البحث عن بدائل رخيصة وأكثر أماناً تلبي احتياجاتها، ومن هنا برزت أمامها مصادر الطاقة في آسيا الوسطى التي هي قريبة منها ليتحقق لها هذا الحلم، غير أن الأمر يحتاج لمزيد من المقايضات مع روسيا التي تتخوف من شريكتها الإستراتيجية الجديدة أن تزاحمها في السيطرة على خطوط نقل النفط والغاز.
كما توجد اتفاقيات مبدئية مع كل من أوزبكستان وإيران حول مشاريع نقل الغاز إلى الصين أو حتى الدول الأخرى مثل مشروع نقل الغاز التركماني عبر أفغانستان إلى باكستان والهند.
ورغم هذه الدوافع الاقتصادية للتحرك الصيني نحو آسيا الوسطى، فإن الجوانب السياسية والأمنية لهذا التحرك لا يمكن إغفالها.
كما أن التغلغل الاقتصادي الصيني ساعد على تحجيم النفوذ الأميركي في آسيا الوسطى الذي تمثل في إغلاق القاعدة الأميركية في أوزبكستان عام 2006 وكذلك مراجعة عقد إيجار القاعدة الأميركية في قرغيزستان ثم الدعوة الرسمية لمنظمة شنغهاي في يونيو 2006
لإغلاق القواعد الأميركية في آسيا الوسطى.
ومن جهتها نجحت منظمة شنغهاي في استقطاب دول آسيا الوسطى بشكل كبير ضد التوجهات الغربية التي تسعى لفرض أجندتها على الأنظمة التي لا تريد الخضوع لضغوط الغرب ، فكثيرا ما يعلن زعماء آسيا الوسطى تصريحاتهم ضد الانتقادات الغربية والأميركية من العاصمة
الصينية بكين .
ومن طرفها تحاول دول آسيا الوسطى إيجاد توازن بين مختلف القوى في المنطقة للخروج من السيطرة الروسية على البنية التحتية لخطوط نقل الطاقة وإيجاد جو من التنافس بين اللاعبين الكبار تستفيد منه الزعامات المستبدة في السيطرة على مقدرات هذه المنطقة بعيداً عن ضجيج رعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان القادم من الغرب.
وحيث أن إيران تقع في قلب المنطقة الزاخرة بثروات النفط والغاز والتي تبدأ من كزاخستان شرقاً وتنتهي في العراق غرباً وتبدأ من شمال بحر قزوين شمالاً وتصل إلى دول الخليج جنوباً، لتشكل أكبر مخزون للطاقة الهيدروكربونية في العالم تعتمد عليها الاقتصادات الكبرى في العالم خصوصاً أوروبا وآسيا لا سيما اليابان والصين والهند.
فقد أوجد الانهيار السوفياتي فرصة ذهبية لإيران في الخروج عن طوق الحصار الأميركي المفروض عليها عبر التحرك نحو دول آسيا الوسطى وإيجاد أرضيات مشتركة معها على الصعيدين الاقتصادي والثقافي بعيداً عن شعارات الثورة الإسلامية التي طالما شكلت هاجساً
كبيراً لدى أصدقاء إيران قبل أعدائها.
تتقاسم إيران مع تركمانستان حدودا مشتركة وامتدادا عرقيا تركمانيا داخل إيران وتشارك كزاخستان في بحر قزوين وتشارك كذلك طاجيكستان اللغة وبشكل عام تشترك مع آسيا الوسطى في أرضية الدين الإسلامي والتاريخ المشترك رغم كون إيران شيعية على خلاف مسلمي آسيا الوسطى ذوي الأكثرية السنية.
ويبدو أن مصالح إيران الإستراتيجية تتركز حاليا في الحفاظ على العلاقات السياسية الفعالة مع دول آسيا الوسطى بما يسمح بالتوسع التجاري والاستثماري على المدى الطويل خصوصا في مجال الطاقة، وفي الوقت نفسه تساعد إيران في الخروج من العزلة الدولية
والحصار الأميركي عليها.
وتسعى إيران لتنفيذ هذه السياسة عبر العلاقات الثنائية مع كل دولة على حدة وكذلك في إطار التحالفات الإقليمية مثل منظمة التعاون الاقتصادي إيكو، ومؤخرا عبر منظمة شنغهاي للتعاون حيث تسعى إيران للانضمام إليها بدعم صيني وروسي رغم ما يعترضها حاليا من صعوبات بسبب الضغوط الأميركية.
وتحظى كل من تركمانستان وطاجيكستان باهتمام إيراني كبير نظرا للحدود المشتركة مع تركمانستان واللغة والثقافة المشتركة مع طاجيكستان، وأما بقية الدول فلم تتجاوز العلاقات معها مستوى الرسميات والتعاملات العادية.
فالعلاقات مع تركمانستان تتمثل في وجود مشاريع اقتصادية مشتركة في مجال الطاقة والغاز ونقلهما إلى الأسواق العالمية ، وشبكة من الطرق وخطوط السكك الحديدة لربط تركمانستان ببقية دول آسيا وبتركيا ومنها إلى أوروبا.
وكذلك تلعب اللغة الفارسية دور في طاجيكستان التي ما زالت تتعامل رسمياً باللغتين الروسية والطاجيكية وبالكتابة السيريليكة.
حيث تشهد طاجيكستان حضوراً قوياً للوسط الفني الإيراني حتى أولئك الممنوعين في إيران لتقديم أعمالهم الفنية بين الشعب الطاجيكي في محاولة مستمرة لربط طاجيكستان المستمر بالثقافة الفارسية الإيرانية.
لقد شكل الصراع الإيراني الأميركي دائما أحد أهم الأسباب التي تمنع دول آسيا الوسطى عن بسط علاقات وطيدة مع إيران، كما أن إيران لا تملك الإمكانيات اللازمة للعب في ملعب آسيا الوسطى مع لاعبين كبار مثل روسيا والصين والولايات المتحدة الأميركية، وربما هذا هو الذي دفع إيران للبحث عن أدوار ثانوية في المحور الصيني الروسي الجديد داخل منظمة
شنغهاي وطالبت بعضوية كاملة فيها.
ومن المتوقع في المستقبل المنظور أن لا يحدث أي طفرة في العلاقات الإيرانية بآسيا الوسطى رغم بعض المشاريع لربط إيران بأوزبكستان وطاجيكستان عن طريق شمالي أفغانستان وكذلك محاولة تصدير الغاز التركماني إلى الأسواق العالمية عبر إيران.
لم تتردد تركيا كثيراً عقب الانهيار السوفياتي عام 1991 في التحرك نحو الشرق لإحياء الحلم التركي المفقود بتشكيل حلف تركي قوي مع الجمهوريات المسلمة الواقعة في القفقاز
وآسيا الوسطى ذات العرق التركي.
وتمثل هذا التوجه بالاعتراف بهذه الدول وعقد أول مؤتمر للدول الناطقة بالتركية في إسطنبول أواخر عام 1992.
لقد كانت تركيا على يقين أن هذه الجمهوريات مقتنعة بالنموذج التركي للحكم وتعتبر تركيا حلقة وصل مع الغرب الأوروبي والأميركي وحتى مع العالم الإسلامي.
غير أن هذا الحلم لم يتحقق حيث آثرت دول آسيا الوسطى المضي قدما بطريقتها وبقي مؤتمر الدول التركية إطارا رسميا يهتم بالأمور الثقافية.
لقد كانت تركيا أكثر توفيقاً في التعامل مع أذربيجان لأسباب متعددة أولها الصراع الأرمني الأذري الذي وقفت تركيا بقوة مع أذربيجان مما أعطى لتركيا فرصة لإيجاد موطئ قدم في القفقاز والعمل المشترك مع الشركات الأميركية لنقل النفط الأذري إلى أوروبا عبر خط باكو جيهان بتكلفة ثلاثة مليارات دولار والذي بدأ يضخ النفط إلى الأسواق العاليمة في مايو/أيار 2006.
وتسعى تركيا التي وصلت نسبة النمو الاقتصادي فيها قرابة 10% سنويا إلى البحث عن مصادر جديدة للطاقة تلبي احتياجاتها الصناعية حيث تعتمد حاليا بشكل أساسي على روسيا وإيران ودول أخرى مثل الجزائر ونيجيريا.
ومن المتوقع أن تصل احتياجات تركيا للغاز إلى 1.4 مليار متر مكعب خلال السنوات الأربع القادمة وبالتالي ترى تركيا أن أرخص هذه المصادر هي الطاقة الموجودة في آسيا الوسطى وبحر قزوين ومن ثم تنصب الجهود التركية في تذليل كل المعوقات في هذا الطريق.ما تصبو إليه أنقرة حاليا هو التحرك نحو جعل تركيا ممرا لأنابيب النفط والغاز من آسيا الوسطى والشرق الأوسط إلى أوروبا وربما يشكل مشروع نابكو لمد خط أنابيب بطول 3300 كم وبقيمة 5.6 مليارات دولار من تركيا إلى أوروبا الغربية أحد أهم أدوات تحقيق هذه الإستراتيجية.
وتعتبر كزاخستان أكبر شريك تجاري لتركيا حيث يصل حجم الاستثمارات التركية في مجال البناء قرابة خمسة مليارات دولار عبر أكثر من مائتي شركة تركية تنشط هناك كما أن انضمام كزاخستان عام 2006 لخط باكو جيهان لنقل نفطها إلى الأسواق العالمية يعتبر نصرا كبيرا لتركيا. وتعمل تركيا على مشاريع مشابهة لنقل الغاز التركماني إلى أوروبا عبر تركيا ومشاريع أخرى مشتركة مع إيران لربط أوروبا بآسيا الوسطى والصين عبر شبكة سكك الحديد.
وتنشط تركيا كذلك في مجال التعليم والثقافة في آسيا الوسطى عبر سلسلة المدارس والجامعات التركية، كما أن هناك العديد من طلاب آسيا الوسطى الذين يدرسون في الجامعات التركية في إطار خطة الرئيس التركي الراحل تورغوت أوزال لدعم الهوية والثقافة التركية في جمهوريات آسيا الوسطى.
ومع كل هذه التحركات يبدو أن آسيا الوسطى لا تحظى بأولوية في الأجندة الإستراتيجية التركية بقدر ما تحظى محاولاتها الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وبقدر عنايتها بالملف العراقي.
كما أن التحرك الإستراتيجي الكبير يحتاج إلى كثير من الإمكانيات البشرية والمادية التي قد لا تكون متوفرة لتركيا حتى تتمكن من اللعب بجانب روسيا التي تسعى للحفاظ على سيطرتها التقليدية على المنطقة والصين التي تتقدم بخطى مدروسة نحو منابع الطاقة حتى حدود بحر قزوين.
ورغم كل المعوقات تبقى فرصة تركيا الذهبية في لعب دور حلقة الوصل بين الحضارتين الغربية والإسلامية والقارتين الآسيوية والأوروبية مفتوحة، وهو ما ترنو إليه عيون الأتراك في المستقبل القريب.
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف