
ببغاء
قصة قصيرة
بقلم : عبدالرحمن هويش
• أسرحوا بالدجاجات ... أسرحوا بالدجاجات ..أسرحوا بالدجاجات ...
صحوت وانا اصيح بأعلى صوتي ، هكذا بلا مقدمات ودون سابق انذار ، وجدت نفسي تحولت الى ببغاء ، ولما كانت زوجتي قد اعتادت كل صباح مناداة ابنائنا الصغار ليخرجوا دجاجاتنا من قنهن قبل ان تدخله هي لتسطوا على بيضها و تحوله الى وجبة فطور نلتهمها بنهم بعيدا عن اعين دجاجاتنا اللاتي أُخرجن يلتقطن فتات ما نرميه من فضلات ، ولاننا معشر الببغاوات نلتزم آخر كلمة في الجملة او اخر جملة في الكلام ونعيد ترديدها مرات ومرات مدّعين انها من كلامنا واننا نفهم معناها ونحيط بثيمتها ، لذا فانني وجدت نفسي اُردد اخر كلمتين من انشودة زوجتي الصباحية :
• هيا انهضوا ..الشمس في كبد السماء .. هيا اخرجوا واسرحوا بالدجاجات.
• اسرحوا بالدجاجات ... اسرحوا بالدجاجات ... اسرحوا بالدجاجات....
في البداية استغربت زوجتي تحولي المفاجيء هذا ، إلا انها سرعان ما اعتادته ، مع انها تتهكم على حالي بين فينة واخرى ، خصوصا بعد ان تاكدت من استحالة ان أبيْض :
• هه .. طائر ولا يبيض... والله عشنا وشفنا.
ولتبعدني عن ماتتفوه من كلام مع جارتنا صنعت لي ارجوحة من الحبال وعلقتها بباحة دارنا لتجلسني فوقها كل صباح.
ولانني ببغاء عصامي لا يقبل ان يعتاش على ما تصرفه زوجته عليه وعلى ما تجود به دجاجاتنا من بيض شهي ، وتماشيا مع ما اتميز به من قدرات قررت العمل عند الرئيس ليكون مكاني كما هو مرسوم له متناسبا مع قدراتي لاشارك في صياغة وتوجيه الحياة .
أنيطت بي مهام جسام وشاركت بمؤتمرات واجتماعات وندوات ، تعلمت كلاما جديدا وخضت مناقشات صعاب ، تحسنت قدراتي التعبيرية وازدادت ثقافتي الكلامية فبت اعرف كلمات لم ارددها سابقا ، وصرت اُحرف منقاري يمينا او شمالا حين انطق الليبرالية أوالراسمالية و العالم الجديد ، عرفت اسماء اُناس جدد ، وسمعت نظرياتهم التي اخذت وقتا طويلا في ترديدها ، صرت عارفاً بفوكوياما وصامؤئيل هنتنجتون وكيسنجر، شرحت ستراتيجية الحرب الاستباقية ووقفت مع مبدأ ان لا تكون معي فانت ضدي.
كان كلامي في مجمله اصداءا واسعة وترديد لما يقوله الرئيس ، وكان الرئيس معجبا بكفائتي ومقدرا لقدراتي ، قلدني اوسمةً ومنحني شارات ، وكنت راضيا عن ما حصل لي ، فحمدت ربي كثيرا ان جعلني ببغاء لاحضى بفرصة المشاركة في صنع التاريخ ، لم يشغلني شيء عن ترديد مقولات الرئيس ولم تلهني الحياة عن نشر كلماته باعلى صوتي حتى جاء اليوم الذي دخلت فيه على الرئيس في غرفة نومه لامر مهم ، فوجدته خلع ملبسه وظهرت اجنحته واضحة جلية لأكتشف ببغائيتة الواضحة التي جعلتني اغادره حانقا و لا اراه بعدها .
كيف لي انا الببغاء العصامي ذي الكفاءات والقدرات العالية ان اعمل عند ببغاء اخر ، حزمت ريشاتي التي اتزين بها امام عدسات الكاميرا وتركت الرئيس ، فانا لا اردد كلاما ردده احد قبلي ، تذكرت زوجتي وترديدي لانشودتها الصباحية :
• اسرحوا بالدجاجات ...اسرحوا بالدجاجات...
قررت ان لا اعود الى زوجتي فذهبت الى رئيس بلاد اخرى كان قد عرض علي ان اكون معه ، بعد ان اعجب بقدراتي مع رئيسي خلال زيارة من زياراته لبلادي .
رحب بي الرئيس وجعلني ببغاءه الشخصي ، ولا غرابة في ذلك بعد ما سمع ور أى من خدمات افنيت نفسي في تقديمها لرئيس بلادي أو ببغائها ، ابتدأت مشواري الجديد بصوت اعلى من ذي قبل ، اردد كل ما يقوله الرئيس ، اردت ان اثبت لرئيس بلادي الببغاء انني لا زلت ذلك الببغاء المطلوب من قبل الرؤساء ، وانني اعمل ببغاءا كما خلقت ولست ممن يخفون حقيقتهم .
دخلت كلمات جديدة ومصطلحات مهمة في منظومة الترديد التي اعمل عليها ، وصرت اردد بلهجة عسكريه متوعدة ما سيحل بالارهابيين والعصاة والخارجين على القانون من دمار ، اصبح جزءا كبيرا من كلمات الرئيس التي ارددها تنصب في محاربة الاعداء والحرب المقدسة والهجوم المميت ، كان جل اهتمام الرئيس ينصب في محاربة هؤلاء الافاعي .
ما أثار حفيضتي وحرك وساوس الظن عندي تجاه رئيسي الجديد ما رأيته على وجه رئيسي الاول الببغاء من ضحكات صفراء ترتسم على وجهه حين تلتقي نظراتنا خلال زيارته الى رئيسي الجديد ، كانت نظراته تقول ان رئيسك الجديد ليس كما تظنه ، اشتطت غضبا واعتقدت انه يريد كسر الصورة التي ارسمها لرئيسي في مخيلتي ، انه يوحي لي ان لا فارق بينهم ، بلغ بي الغضب حدة ، قررت ان اخبر رئيسي المحترم عن حقيقة ضيفه وانه لا يتعدى ان يكون ببغاءا بهيئة رئيس و انني افضل منه .
غادر الضيف وغضبي لم يفتر ، اردت ان اتاكد من كذبه ، تسللت الى غرفة الرئيس بينما هو في نومته وكم فاجئني منظره ، كان ذيله مرتفعا و نقاط دم لازالت تلون مكان الريش المنتوف.
هربت ملتاعا لا جهة اذهب اليها ، ايعقل هذا ، ببغاء اخر ... ولكن ماهذا الكلام الذي يردده كل حين ، الارهابيون والعصاة والحرب المقدسة وعاصفة البراري وحرب النجوم ... من ياترى مصدر هذا الكلام الذي يتردد.. من قائله الاول ، فلا قدرة للبغاء على صياغة حرف واحد ، وهم كلهم يرددون كلام غيرهم ... كلام من يا ترى يرددون .
هل اعود لزوجتي ... وكيف ساقابلها ... هل ساخبرها ... هل اعود لترديد نشيد الصباح ...اسرحوا بالدجاجات ..اس ر...ج..و..لا لا .. لأذهب الى الخصوم ... نعم اذهب الى العصاة ، الخارجين على القانون والمخربون علّي اجد بينهم من يقول كلمات هن له ، ومؤكد انهم سيفرحون بي بينهم .
الثائرين ، المكافحين ، الاحرار ،الاسود ، طالبي الحرية ، الشرفاء ، ابتدأت كلامي بترديد كلماتهم هذه و عباراتهم الثورية ، كانوا يقولون كلاما يجعلك تفخر انك معهم ، يريدون التحرر ولا يقبلون العبودية ، يريدون الاستقلال ولا يقبلون التبعية ... انهم يرفضون ان يتلقوا اوامرهم من الاغراب ... ان كل فرد منهم هو الرئيس ... يشعرونك بالرئاسة بينهم ... يخامرك احساس بانك وجدت ضالتك بعد ان تهت لسنين .
اندمجت معهم ، رددت كل شعاراتهم من حرية وثورية وثوار ومكافحين وملائكة واحرار و اسود ، نسيت نفسي بينهم ... نسيت للحظات انني ببغاء يردد ما يقال امامه ، وبالمقابل غابت عنهم حقيقة كوني ببغاء غريب بينهم ، وفي لحظة نشوة بانتصار رموا ما يلبسون فظهرت مناقيرهم وبانت ذيولهم التي غطتها الرمال والاوساخ .
همت لا الوي على رأي ... درت ودرت وما وجدت من جهة يمكنها ان تحويني ...جهةاجد فيها اول من يقول الكلمات لأرددها بعده ... تذكرت زوجتي فاتجهت نحو البيت وفي الصباح علا صوتي صادحا :
• اسرحوا بالدجاجات ...اسرحوا بالدجاجات ...اسرحوا بالدجاجا.... .
قصة قصيرة
بقلم : عبدالرحمن هويش
• أسرحوا بالدجاجات ... أسرحوا بالدجاجات ..أسرحوا بالدجاجات ...
صحوت وانا اصيح بأعلى صوتي ، هكذا بلا مقدمات ودون سابق انذار ، وجدت نفسي تحولت الى ببغاء ، ولما كانت زوجتي قد اعتادت كل صباح مناداة ابنائنا الصغار ليخرجوا دجاجاتنا من قنهن قبل ان تدخله هي لتسطوا على بيضها و تحوله الى وجبة فطور نلتهمها بنهم بعيدا عن اعين دجاجاتنا اللاتي أُخرجن يلتقطن فتات ما نرميه من فضلات ، ولاننا معشر الببغاوات نلتزم آخر كلمة في الجملة او اخر جملة في الكلام ونعيد ترديدها مرات ومرات مدّعين انها من كلامنا واننا نفهم معناها ونحيط بثيمتها ، لذا فانني وجدت نفسي اُردد اخر كلمتين من انشودة زوجتي الصباحية :
• هيا انهضوا ..الشمس في كبد السماء .. هيا اخرجوا واسرحوا بالدجاجات.
• اسرحوا بالدجاجات ... اسرحوا بالدجاجات ... اسرحوا بالدجاجات....
في البداية استغربت زوجتي تحولي المفاجيء هذا ، إلا انها سرعان ما اعتادته ، مع انها تتهكم على حالي بين فينة واخرى ، خصوصا بعد ان تاكدت من استحالة ان أبيْض :
• هه .. طائر ولا يبيض... والله عشنا وشفنا.
ولتبعدني عن ماتتفوه من كلام مع جارتنا صنعت لي ارجوحة من الحبال وعلقتها بباحة دارنا لتجلسني فوقها كل صباح.
ولانني ببغاء عصامي لا يقبل ان يعتاش على ما تصرفه زوجته عليه وعلى ما تجود به دجاجاتنا من بيض شهي ، وتماشيا مع ما اتميز به من قدرات قررت العمل عند الرئيس ليكون مكاني كما هو مرسوم له متناسبا مع قدراتي لاشارك في صياغة وتوجيه الحياة .
أنيطت بي مهام جسام وشاركت بمؤتمرات واجتماعات وندوات ، تعلمت كلاما جديدا وخضت مناقشات صعاب ، تحسنت قدراتي التعبيرية وازدادت ثقافتي الكلامية فبت اعرف كلمات لم ارددها سابقا ، وصرت اُحرف منقاري يمينا او شمالا حين انطق الليبرالية أوالراسمالية و العالم الجديد ، عرفت اسماء اُناس جدد ، وسمعت نظرياتهم التي اخذت وقتا طويلا في ترديدها ، صرت عارفاً بفوكوياما وصامؤئيل هنتنجتون وكيسنجر، شرحت ستراتيجية الحرب الاستباقية ووقفت مع مبدأ ان لا تكون معي فانت ضدي.
كان كلامي في مجمله اصداءا واسعة وترديد لما يقوله الرئيس ، وكان الرئيس معجبا بكفائتي ومقدرا لقدراتي ، قلدني اوسمةً ومنحني شارات ، وكنت راضيا عن ما حصل لي ، فحمدت ربي كثيرا ان جعلني ببغاء لاحضى بفرصة المشاركة في صنع التاريخ ، لم يشغلني شيء عن ترديد مقولات الرئيس ولم تلهني الحياة عن نشر كلماته باعلى صوتي حتى جاء اليوم الذي دخلت فيه على الرئيس في غرفة نومه لامر مهم ، فوجدته خلع ملبسه وظهرت اجنحته واضحة جلية لأكتشف ببغائيتة الواضحة التي جعلتني اغادره حانقا و لا اراه بعدها .
كيف لي انا الببغاء العصامي ذي الكفاءات والقدرات العالية ان اعمل عند ببغاء اخر ، حزمت ريشاتي التي اتزين بها امام عدسات الكاميرا وتركت الرئيس ، فانا لا اردد كلاما ردده احد قبلي ، تذكرت زوجتي وترديدي لانشودتها الصباحية :
• اسرحوا بالدجاجات ...اسرحوا بالدجاجات...
قررت ان لا اعود الى زوجتي فذهبت الى رئيس بلاد اخرى كان قد عرض علي ان اكون معه ، بعد ان اعجب بقدراتي مع رئيسي خلال زيارة من زياراته لبلادي .
رحب بي الرئيس وجعلني ببغاءه الشخصي ، ولا غرابة في ذلك بعد ما سمع ور أى من خدمات افنيت نفسي في تقديمها لرئيس بلادي أو ببغائها ، ابتدأت مشواري الجديد بصوت اعلى من ذي قبل ، اردد كل ما يقوله الرئيس ، اردت ان اثبت لرئيس بلادي الببغاء انني لا زلت ذلك الببغاء المطلوب من قبل الرؤساء ، وانني اعمل ببغاءا كما خلقت ولست ممن يخفون حقيقتهم .
دخلت كلمات جديدة ومصطلحات مهمة في منظومة الترديد التي اعمل عليها ، وصرت اردد بلهجة عسكريه متوعدة ما سيحل بالارهابيين والعصاة والخارجين على القانون من دمار ، اصبح جزءا كبيرا من كلمات الرئيس التي ارددها تنصب في محاربة الاعداء والحرب المقدسة والهجوم المميت ، كان جل اهتمام الرئيس ينصب في محاربة هؤلاء الافاعي .
ما أثار حفيضتي وحرك وساوس الظن عندي تجاه رئيسي الجديد ما رأيته على وجه رئيسي الاول الببغاء من ضحكات صفراء ترتسم على وجهه حين تلتقي نظراتنا خلال زيارته الى رئيسي الجديد ، كانت نظراته تقول ان رئيسك الجديد ليس كما تظنه ، اشتطت غضبا واعتقدت انه يريد كسر الصورة التي ارسمها لرئيسي في مخيلتي ، انه يوحي لي ان لا فارق بينهم ، بلغ بي الغضب حدة ، قررت ان اخبر رئيسي المحترم عن حقيقة ضيفه وانه لا يتعدى ان يكون ببغاءا بهيئة رئيس و انني افضل منه .
غادر الضيف وغضبي لم يفتر ، اردت ان اتاكد من كذبه ، تسللت الى غرفة الرئيس بينما هو في نومته وكم فاجئني منظره ، كان ذيله مرتفعا و نقاط دم لازالت تلون مكان الريش المنتوف.
هربت ملتاعا لا جهة اذهب اليها ، ايعقل هذا ، ببغاء اخر ... ولكن ماهذا الكلام الذي يردده كل حين ، الارهابيون والعصاة والحرب المقدسة وعاصفة البراري وحرب النجوم ... من ياترى مصدر هذا الكلام الذي يتردد.. من قائله الاول ، فلا قدرة للبغاء على صياغة حرف واحد ، وهم كلهم يرددون كلام غيرهم ... كلام من يا ترى يرددون .
هل اعود لزوجتي ... وكيف ساقابلها ... هل ساخبرها ... هل اعود لترديد نشيد الصباح ...اسرحوا بالدجاجات ..اس ر...ج..و..لا لا .. لأذهب الى الخصوم ... نعم اذهب الى العصاة ، الخارجين على القانون والمخربون علّي اجد بينهم من يقول كلمات هن له ، ومؤكد انهم سيفرحون بي بينهم .
الثائرين ، المكافحين ، الاحرار ،الاسود ، طالبي الحرية ، الشرفاء ، ابتدأت كلامي بترديد كلماتهم هذه و عباراتهم الثورية ، كانوا يقولون كلاما يجعلك تفخر انك معهم ، يريدون التحرر ولا يقبلون العبودية ، يريدون الاستقلال ولا يقبلون التبعية ... انهم يرفضون ان يتلقوا اوامرهم من الاغراب ... ان كل فرد منهم هو الرئيس ... يشعرونك بالرئاسة بينهم ... يخامرك احساس بانك وجدت ضالتك بعد ان تهت لسنين .
اندمجت معهم ، رددت كل شعاراتهم من حرية وثورية وثوار ومكافحين وملائكة واحرار و اسود ، نسيت نفسي بينهم ... نسيت للحظات انني ببغاء يردد ما يقال امامه ، وبالمقابل غابت عنهم حقيقة كوني ببغاء غريب بينهم ، وفي لحظة نشوة بانتصار رموا ما يلبسون فظهرت مناقيرهم وبانت ذيولهم التي غطتها الرمال والاوساخ .
همت لا الوي على رأي ... درت ودرت وما وجدت من جهة يمكنها ان تحويني ...جهةاجد فيها اول من يقول الكلمات لأرددها بعده ... تذكرت زوجتي فاتجهت نحو البيت وفي الصباح علا صوتي صادحا :
• اسرحوا بالدجاجات ...اسرحوا بالدجاجات ...اسرحوا بالدجاجا.... .