حفلة
لم تحمل غير منشفة كبيرة تلتف على وسطها عند خروجها من الحمام ، أسرعت إلى غرفة نومها ، استقبلتها المرآة الكبيرة ، كان وجهها نظيفا من المساحيق ، وقع نظرها على رقبتها ، ارتفعت يدها لتتلمس بأصابعها جلد الرقبة ، كان مدعوكا بشكل فاضح ، أغمضت عينيها بينما ذهبت أصابعها إلى شعرها ، واصل الإصبع الوسط طريقه فرفع خصلات شعرها الأمامية ، ظهر الشيب لها بطريقة بشعة ، لم تكن بمقدورها النظر إليه ، سحبتْ أصابعها منه وبدأتْ تتمعن في ملامحها ، جفناها متورمتان من الأعلى ، وعيناها يشبهان إلى حد كبير عيني فأرة صغيرة محاصرة بالخوف ، اهتز رمشاها ، واصلت التأمل بدقـّة ، أنفها مبتعد عن شفتها العليا بطريقة عدائية ، خيط رفيع من الماء ينزل من أحد منخريها ، رفعتْ ذيل منشفتها ومسحتْ أنفها بقوّة ، أطالت النظر إلى عينيها ، لم تحملا ذلك البريق الذي كانت تتباهى به عندما كانت في الجامعة ، وجنتاها الضامرتان غادرتهما العافية منذ زمن بعيد ، بدأ الإحباط يأخذ طريقه إلى نفسها ، تلبد وجهها بسحب الكآبة ، صديقتها ( ندى ) تزوجت من أستاذها وأنجبت خمسة أطفال ، وهي الآن في سعادة ، أختها الصغرى ( فرح ) تزوجت من مهندس يكبرها بخمس سنين ، وتعيش معه في بيت مستقل بهناء ، جارتها ( رغد ) زفـّت العام الماضي إلى شاب وسيم وقد رزقت ببنت جميلة ، وهذا اليوم عقد قران زميلتها في المدرسة ( هيفاء ) .
كان وجهها خاليا من الحياة ، ويبدو ملتصقا كصورة ورقية أخذت للتو ، نظراتها الترابية لا توحي إلا بالفراغ القاتل ، وعندما قفزَ عمرها الذي تجاوز الأربعين أختضت شفتاها ، وطفرت دمعة أخذت مجراها دون أن يمنعها عائق ، أنفها أراد أن يشارك عينيها التعزية فأرسل دمعته وعند أسفل وجهها امتزجت الدمعتان لتعبـّران عن روح الهزيمة التي هي فيها .
كانت ترسل نظرات لا معنى لها فتقع على المرآة لتزيدها بلاهة ، وكانت بعريها تقف أمام صورتها أشبه بتمثال معروض بطريقة سيئة ، كانت غارقة في سكون موحش باستثناء الرأس الذي احترق بذكريات الماضي .
طرق بابها الكثير ، التاجر رفضه الأب لأنه لا يملك شهادة ، والموظف رفضته الأم لأنه لا يملك مالا وفيرا ، والفقير رفضه الجميع رغم استقامته لأنه سيذيق ابنتهم ألوان الفاقة والعوز ، والجميل لأنه لا يحمل نسبا يرتقي إلى نسبهم وحسبهم ، وبقيت الأم تمني نفسها بالفارس الذي يطلّ عليهم من السماء وعلى فرسه البيضاء ليختطف ابنتها ويذهب بها إلى الفردوس ، وبقيت هي تنتظر ابن الحلال الذي تعيش وإياه تحت سقف واحد ، ولكن القطارات ما عادت تتوقف عند محطتها ، وعندما بلغت الأربعين ما عاد أحد يفكر بالزواج منها .
أطلقت حسرة حارقة ، لعنت في سرّها نسبها المزيّف ولقبها المشبوه ، أرادت أن تلعن أمها فتوقفت عند هذا الهاجس الملعون .
ألقت نظرة أخيرة على وجهها ، كان في حالة كسوف ، غربتها الداخلية لم تعد تحتمل هذا الوجه الكريه ، رفعتْ كفـّها إلى الأعلى وأسقطته على جبهتها بصفعة سمعت صوتها ، وقد داهمها نشيج مّر أسرعتْ على أثره إلى دفن رأسها في فراشها وهي تنوء بكل آثار الماضي الثقيل .
وعندما أخذها النوم على أجنحة خيبتها ، كان حفل عقد قران صديقتها ( هيفاء ) قد انتهى وسط استغراب العروس لعدم حضور صديقتها .
لم تحمل غير منشفة كبيرة تلتف على وسطها عند خروجها من الحمام ، أسرعت إلى غرفة نومها ، استقبلتها المرآة الكبيرة ، كان وجهها نظيفا من المساحيق ، وقع نظرها على رقبتها ، ارتفعت يدها لتتلمس بأصابعها جلد الرقبة ، كان مدعوكا بشكل فاضح ، أغمضت عينيها بينما ذهبت أصابعها إلى شعرها ، واصل الإصبع الوسط طريقه فرفع خصلات شعرها الأمامية ، ظهر الشيب لها بطريقة بشعة ، لم تكن بمقدورها النظر إليه ، سحبتْ أصابعها منه وبدأتْ تتمعن في ملامحها ، جفناها متورمتان من الأعلى ، وعيناها يشبهان إلى حد كبير عيني فأرة صغيرة محاصرة بالخوف ، اهتز رمشاها ، واصلت التأمل بدقـّة ، أنفها مبتعد عن شفتها العليا بطريقة عدائية ، خيط رفيع من الماء ينزل من أحد منخريها ، رفعتْ ذيل منشفتها ومسحتْ أنفها بقوّة ، أطالت النظر إلى عينيها ، لم تحملا ذلك البريق الذي كانت تتباهى به عندما كانت في الجامعة ، وجنتاها الضامرتان غادرتهما العافية منذ زمن بعيد ، بدأ الإحباط يأخذ طريقه إلى نفسها ، تلبد وجهها بسحب الكآبة ، صديقتها ( ندى ) تزوجت من أستاذها وأنجبت خمسة أطفال ، وهي الآن في سعادة ، أختها الصغرى ( فرح ) تزوجت من مهندس يكبرها بخمس سنين ، وتعيش معه في بيت مستقل بهناء ، جارتها ( رغد ) زفـّت العام الماضي إلى شاب وسيم وقد رزقت ببنت جميلة ، وهذا اليوم عقد قران زميلتها في المدرسة ( هيفاء ) .
كان وجهها خاليا من الحياة ، ويبدو ملتصقا كصورة ورقية أخذت للتو ، نظراتها الترابية لا توحي إلا بالفراغ القاتل ، وعندما قفزَ عمرها الذي تجاوز الأربعين أختضت شفتاها ، وطفرت دمعة أخذت مجراها دون أن يمنعها عائق ، أنفها أراد أن يشارك عينيها التعزية فأرسل دمعته وعند أسفل وجهها امتزجت الدمعتان لتعبـّران عن روح الهزيمة التي هي فيها .
كانت ترسل نظرات لا معنى لها فتقع على المرآة لتزيدها بلاهة ، وكانت بعريها تقف أمام صورتها أشبه بتمثال معروض بطريقة سيئة ، كانت غارقة في سكون موحش باستثناء الرأس الذي احترق بذكريات الماضي .
طرق بابها الكثير ، التاجر رفضه الأب لأنه لا يملك شهادة ، والموظف رفضته الأم لأنه لا يملك مالا وفيرا ، والفقير رفضه الجميع رغم استقامته لأنه سيذيق ابنتهم ألوان الفاقة والعوز ، والجميل لأنه لا يحمل نسبا يرتقي إلى نسبهم وحسبهم ، وبقيت الأم تمني نفسها بالفارس الذي يطلّ عليهم من السماء وعلى فرسه البيضاء ليختطف ابنتها ويذهب بها إلى الفردوس ، وبقيت هي تنتظر ابن الحلال الذي تعيش وإياه تحت سقف واحد ، ولكن القطارات ما عادت تتوقف عند محطتها ، وعندما بلغت الأربعين ما عاد أحد يفكر بالزواج منها .
أطلقت حسرة حارقة ، لعنت في سرّها نسبها المزيّف ولقبها المشبوه ، أرادت أن تلعن أمها فتوقفت عند هذا الهاجس الملعون .
ألقت نظرة أخيرة على وجهها ، كان في حالة كسوف ، غربتها الداخلية لم تعد تحتمل هذا الوجه الكريه ، رفعتْ كفـّها إلى الأعلى وأسقطته على جبهتها بصفعة سمعت صوتها ، وقد داهمها نشيج مّر أسرعتْ على أثره إلى دفن رأسها في فراشها وهي تنوء بكل آثار الماضي الثقيل .
وعندما أخذها النوم على أجنحة خيبتها ، كان حفل عقد قران صديقتها ( هيفاء ) قد انتهى وسط استغراب العروس لعدم حضور صديقتها .