الأخبار
(يسرائيل هيوم): هكذا حاولت حماس اختراق قاعدة سرية إسرائيلية عبر شركة تنظيفجندي إسرائيلي ينتحر حرقاً بعد معاناته النفسية من مشاركته في حرب غزةالهدنة على الأبواب.. وتجار الحرب إلى الجحيممسؤولون أميركيون: ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء حرب غزةنتنياهو: لقائي مع ترامب قد يسهم في التوصل إلى اتفاق بغزةالاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينية
2025/7/7
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

العــرب إكسبـرس بقلم:داود البوريني

تاريخ النشر : 2010-05-23
العــرب إكسبـرس...


بقلم : داود البوريني .


" جعلها الله رحلة مباركة ، اللهم تقبل منا طاعاتنا و ارحمنا فأنت ارحم الراحمين " كان هذا دعاء الحاج محمد بو نصرة بعد أن أنهى ترتيب حقائبه و حقائب زوجته الحاجة أم قاسم في عربة النوم في القطار العربي السريع المنطلق من الدار البيضاء إلى مكة المكرمة . جلس الحاج محمد مقابل زوجته و أخرج سبحته من جيبه و بدأ بالتسبيح ناظراً من نافذة القطار إلى آلاف الحجاج مثله و المميزين بملابسهم البيضاء و الذين هم في طريقهم لأداء الفريضة .

كانت المحطة تعج بالمسافرين و الأهل و الأصدقاء الذين جاؤوا لوداعهم و الذين كانوا في معظمهم هذا اليوم من حجاج بيت الله الحرام . لم يطل الانتظار حتى بدأ القطار رحلته بطيئاً في البداية ثم ازدادت سرعته ، و حين غادر حدود الدار البيضاء انطلق بسرعة السهم مخترقاً السهول و الأنفاق في الجبال إلى محطته التالية ...


كان القطار قادماً من نواكشوط في الجنوب و هو في رحلته اليومية من هناك إلى مدينة مراكش ثم الدار البيضاء فالجزائر .... ثم تونس فصفاقص فطرابلس فطبرق إلى الاسكندرية فالقاهرة ثم القدس ، عمان ، تبوك ، المدينة المنورة ، فمكة المكرمة ، الرياض ، صنعاء ، مسقط ، أبو ظبي ، الكويت ، متجهاً إلى بغداد فدمشق ، عائداً من هناك إلى نواكشوط مروراً بالقاهرة و عدة مدن أخرى .


التفت الحاج محمد إلى زوجته التي سألته عن الوقت المتوقع للوصول إلى مكة المكرمة ، فأجابها الحاج أن المسافة هي ثمانية آلاف كم متر تقريباً و هي تحتاج فقط إلى عشرين ساعة لقطعها ، و هناك توقف عشرة دقائق لكل محطة على الطريق فبإذن الله نصل مكة المكرمة غداً صباحاً في مثل هذا الوقت أي بعد 24 ساعة ، أي يا سيدتي فإننا سوف ننام فقط ليلة واحدة في القطار .


- ألم يكن من الأسهل لو ذهبنا بالطائرة فتصل بنحو ست ساعات؟؟ سألت الحاجة.

- بلى ... أجابها زوجها ، و لكن قولي لي كيف سنرى بلادنا من هنا إلى مكة ؟؟ أليس من حقنا أن نزورها ، ثم ألم تقولي لي بأنك ترغبين في زيارة صنعاء بعد الحج و كذلك تريدين التسوق من دمشق في طريق العودة و كذلك تقديس حجتك في بيت المقدس عملاً بحديث الرسول الأعظم .


- بلى ... أجابت .


- احمدي الله إذن أن يسّر لنا أمرنا فأصبحنا نستطيع الحج بالقطار ذهاباً و إياباً مع المناسك و السياحة في نحو أسبوعين بعد أن كان هذا يتطلّب من أجدادنا شهوراً طويلة ذهاباً على الرواحل و مثلها عودة ... فسبحان الذي سخّر لنا هذا ...


- اللهم آمين ... أجابت الحاجة .


- أخبرني يا حاج ... لماذا لم يحضر ولدك قاسم لوداعنا مثل أخويه عثمان و علي..؟؟


- آآآخ يا حاجة كم تنسين ... ولدك عثمان يعيش قريباً في تونس و ابنك علي جاء من مركز الأسطول الثالث في طنجة ، أما قاسم فكما تعلمين فإنه يقود غواصة في الأسطول العربي الأول في البحر المتوسط ، و لكني قد حادثته هاتفياً بالأمس و وعدني بأن يقابلنا في القدس في طريق العودة حتى يصلي في المسجد الأقصى معنا ...


- بارك الله أولادي جميعاً ... اللهم ارض عنهم ... نطقت الحاجة ثم سكتت .


أخرجت الحاجة أم قاسم المسبحة من يدها و بدأت بالتسبيح هي الأخرى ، و تُتَمْتِم بالدعاء لأولادها و احفادها و سائر العرب و المسلمين .


مضت نحو أربع ساعات على انطلاق القطار من الدار البيضاء عندما سأل الحاج محمد زوجته إن كانت تريد تناول طعام الغداء في مقصورة الطعام أم أنها ترغب في الغداء في عربتهم ، و حيث أن الحاجة كانت ترغب في مشاهدة الكثير الكثير في هذه الرحلة ، فقد طلبت أن يكون الغداء في مقصورة الطعام في القطار . ما هي إلا دقائق حتى دخل الحاجان إلى المقصورة و اختارا مكانهما على النافذة مباشرة . بعد قليل جاءت المضيفة بابتسامتها تعلو شفتيها و سألتهما عن نوع الطعام اللذان يرغبان في تناوله .


- ماذا لديكم من الطعام ..؟؟ سألت الحاجة

- حيث أن هذا القطار يسير عبر الدولة العربية كلها تقريباً فإنك تستطيعين أن تختاري أي طعام تريدينه من الكسكس إلى الكبسة .


- بماذا تنصحين أنتِ..؟؟


- أنا أنصح بالملوخية بالأرانب للغداء هذا اليوم ، أما لغداء الغد فاعتقد أن الكبسة و المشاوي الشامية هي الأفضل .


- و للتحلية ..؟؟


- لا شيء أطيب من الكنافة النابلسية أو البوظة الشامية .


- جميل ... و هل هناك من نصيحة أخرى لغداء اليوم..؟؟


- اقترح إذن عليكِ المسخّن النابلسي و البقلاوة البيروتية للتحلية .


- جميل ... غداء لإثنين من فضلك و كنافة نابلسية للتحلية رجاءً ...


- شكراً .

- شكراً .


نظرت الحاجة إلى زوجها و بتعجب قالت ... " يا له من قطار وثير و قوي ...!!! هكذا الصناعة و إلا فلا ... طبعاً هذا القطار صناعة ألمانية على ما أعتقد ..؟


- لا يا أم قاسم ... هذا القطار صناعة عربية مائة في المائة مثل سيارتنا تماماً فمن القاطرة إلى العربات إلى الديكور و الاكسسوارات كما الخط الذي يسير عليه .


- و هل بتنا نصنع القطارات أيضاً ..؟؟


- طبعاً و في المرة القادمة سوف نسافر معاً إن شاء الله على متن الباخرة ( دلال المغربي ) التي دُشّنت حديثاً في أحواض الإسكندرية و هذه السفينة للركاب و هي أكثر وثارة من الكوين إليزابيث و خط سيرهاهو الموانيء العربية و الإسلامية من الأطلسي إلى المتوسط ثم البحر الأحمرو الخليج العربي فبحر العرب و حتى آخر ميناء أندونيسي على المحيط الهندي .


- و إذا كنت لا أريد زيارتها كلها ؟؟


- بسيطة ... اختاري خط رحتلك و مدتها و الشركة تنقلك إلى أقرب ميناء رسوّ للباخرة حسب الحال سواء كان ذهاباً أو إياباً ...


- و التأشيرات ... من يقوم بإنجازها ..؟؟ فهذا عمل مزعج و متعب كما تعلم..؟؟


- ألا زلت تذكرين نظام التأشيرات البغيض... هذا النظام الذي اخترعه الانجليز قاتلهم الله حتى يفرقوا أبناء الأمة الواحدة و الشعب الواحد ... يا سيدتي لقد تم الغاء هذا النظام القبيح يوم قيام الوحدة .


- و ديار الإسلام الأخرى ... هل ألغيت تأشيراتها أيضاً ...؟؟


- نعم يا سيدتي ... لقد تم قلع هذا النظام من أساسه ... هذا النظام الذي كان يسمح للإنجليزي و الغربي بأن يتجول في ديارنا بكل حرية بيننما كان يُمنع هذا علينا .


- قاتل الله الاستعمار فإنه لم يترك موبقة لم يقترفها على أرضنا و لم يترك إسفيناً لم يدقّه بيننا .


- يا سيدتي هذا تاريخ قبيح ... تاريخ مجازرهم و حبال مشانقهم و لصوصيّتهم و معتقلاتهم هم و عبيدهم ...


- يا إلهي ... كم عذب أجدادنا و عذبنا هذا الاستعمار اللعين ... لكن بربك قلّي كيف لدولة متوسطة مثل فرنسا لا يزيد تعدادها عن تعداد الشام و هي أقل من وادي النيل بكثير أن تستعمرنا لو لم نرض بالتجزئة و نقبل بالضعف و نجعل من العدو في خيالنا فقط صديقاً و أن نرض أن يخرج من بين ظهرانينا من يٌشّرع و يبارك هذه التجزئة و أكثر من ذلك أن يرضى أي جزء منا بحصار أخيه تحت أي ذريعة كانت.


- نعم يا حاجة للأسف... البعض منا فعلاً قد سمح لنفسه أن يطعن أمته في ظهرها و أن يتنكر لضرعها و أن يحالف عدوها ، لكن سواد الأمة و الغالبية العظمى من أبنائها قد رفضوا هذا الخنوع و هذه الخيانة و جاهدوا و قاتلوا كلما تيسّر لهم و بما تيسّر لهم ، و لم تتم هذه الوحدة للأرض و الإنسان إلا بدماء الملايين من الشهداء و لا أعتقد أن أية امة على وجه الأرض قد عانت بقدر ما عانت أمتنا و لا ضحّت بقدر ما ضحّت هذه الأمة في سبيل حريتها و وحدتها و كرامة أبنائها ...


بعد نحو نصف ساعة حضر الغداء تسبقه رائحته الشهية مما دفع بالحاجة و بحكم العادة أن تسأل المضيفة إذا كان قد جرى طبخ هذا الطعام للتوّ أم أنه مثلجاً قد جرى تسخينه..؟؟


- لا يا سيدتي ... إنه طازج جداً ، فإلى جانب عربة الطعام هذه هناك عربة مطبخ و كذلك عربة مخزن ، فلا تنسي أن هذا القطار ينقل نحو أربعة آلاف مسافر في المرة الواحدة ، و أن عدد الذين يستقلونه من محطة الانطلاق في نواكشوط إلى حين عودته إليها بعد نحو خمسين ساعة لا يقل عن ستين ألف مسافر بين محطاته المختلفة ... ثم أضافت ... إن قطار العرب السريع هو نعمة حقيقية لحياتنا و لاقتصادنا حيث أصبح الصانع أو التاجر يسافر إلى مسافة ألفي كم و يعود إلى بيته في نفس اليوم بعد أن يقضي أعماله في المدينة الأخرى ، و إلا كيف بربك تضاعف دخل الواحد منا عشرة أضعاف في السنوات القليلة الماضية ، لو لم تكن هذه الوحدة و هذه الاتصالات و الحرية التي وفرتها لنا ، فبعد أن كنا نملأ أوروبا و غيرها عمالاً و مهاجرين لم نعد نرى عربياً واحداً مهاجراً لا بل و هناك أكثر من عشرين مليون عامل من مختلف الجنسيات يعملون لدى العرب و منهم حتى من قدم من مختلف أرجاء أوروبا ... فبارك الله في الوحدة ... قالت المضيفة بعد أن تمنت لهما غداءً هنيئاً ...


- بارك الله في الوحدة ... أجاب الحاجان و همّا بتناول غدائهما الشهي ، مسخن نابلسي على متن القطار بالقرب من طرابلس الغرب و بسرعة أربعمائة كيلومتر في الساعة .


كان الطعام أشهى من أن يُترك أي شيء منه و لكنهما لم يستطيعا التردد عندما حضرت الكنافة النابلسية برائحة السمن البلقاوي و قد ساحت الجبن من حولها ...


- فعلاً ... قالت الحاجة ان هذا الطعام على مستوى فندق خمس نجوم ...


- بل و أكثر ... أجابها زوجها ... و أجمل ما في هذا الطعام أنه برفقتك و في الطريق إلى مكة و على متن قطار من صنعنا و على أرض واحدة لن تُجزأ أبداً بإذن الله ...


بعد أن احتسيا فنجاناً من الشاي البغدادي للمساعدة على الهضم انطلق الحاجان إلى عربتهما للوضوء و الصلاة و لنيل شيء من القيلولة العربية الشهيرة .


- ألن تنام قليلاً يا أبا قاسم حتى ترتاح ..؟؟


- ما أطال النوم عمراً يا حاجة ... إنها المرة الأولى التي أعبر فيها أرضنا من مغربها إلى مشرقها و أنا أريد أن أمتع نظري بمغيب الشمس في طبرق و بانبلاجها في القاهرة لكن من الممكن أن أنام قليلاً بين صلاة العشاء و صلاة الفجر ، أي أنام في عتمة الليل عندما لا أستطيع الرؤية بوضوح .


- أعطاك الله الصحة ... أجابت الحاجة و هي تغالب النعاس...


فجأة و بسرعة أربعمائة كلم في الساعة يصطدم القطار بالجدار الفولاذي المطوّق و المجوّع للأحرار في غزة و تبدأ العربات في الانقلاب إلى مسافات بعيدة و قد تطاير المسافرون و المتاع من نوافذها و أبوابها و قد بلغ صراخ الضحايا السماء... تحسس الحاج جسده ليتأكد من عدم إصابته ثم تفقد زوجته الملقاة على أرض العربة و هو يرتعد خوفاً عليها و على باقي الركاب ...


و لم ينقذه من حاله سوى رنين منبّه الساعة و زوجته تستعين و تتعوّذ بالله و هي توقظه برفق من أحلى حلم حلمه طول حياته حتى لو كانت نهايته كابوس توريث...
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف