الأخبار
الولايات المتحدة تفرض عقوبات على مقررة الأمم المتحدة الخاصة للأراضي الفلسطينية(أكسيوس) يكشف تفاصيل محادثات قطرية أميركية إسرائيلية في البيت الأبيض بشأن غزةجامعة النجاح تبدأ استقبال طلبات الالتحاق لطلبة الثانوية العامة ابتداءً من الخميسالحوثيون: استهدفنا سفينة متجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلي وغرقت بشكل كاملمقررة أممية تطالب ثلاث دول أوروبية بتفسير توفيرها مجالاً جوياً آمناً لنتنياهوالنونو: نبدي مرونة عالية في مفاوضات الدوحة والحديث الآن يدور حول قضيتين أساسيتينالقسام: حاولنا أسر جندي إسرائيلي شرق خانيونسنتنياهو يتحدث عن اتفاق غزة المرتقب وآلية توزيع المساعدات"المالية": ننتظر تحويل عائدات الضرائب خلال هذا الموعد لصرف دفعة من الراتبغزة: 105 شهداء و530 جريحاً وصلوا المستشفيات خلال 24 ساعةجيش الاحتلال: نفذنا عمليات برية بعدة مناطق في جنوب لبنانصناعة الأبطال: أزمة وعي ومأزق مجتمعالحرب المفتوحة أحدث إستراتيجياً إسرائيلية(حماس): المقاومة هي من ستفرض الشروطلبيد: نتنياهو يعرقل التوصل لاتفاق بغزة ولا فائدة من استمرار الحرب
2025/7/10
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

أم راشد بقلم:نصير احمد الريماوي

تاريخ النشر : 2010-05-19
أم راشد بقلم:نصير احمد الريماوي
قصة قصيرة
"أم راشد"
بقلم
الكاتب والصحفي
نصير أحمد الريماوي
سئمت الفأرة " أم راشد" بيضاء اللون حياة التشرد التي تعيشها في العراء تحت أشعة الشمس الحارقة والبرد القارص وبين أعدائها المفترسين، وهطول الأمطار في فصل الشتاء الذي يقضي على الكثير من الفئران في جحورها، والمكافحة بالمبيدات، مضافاً إلى ذلك قلة مصادر الغذاء، وفكرت بوضع حدٍ لهذا التشرد والشقاء، وتجنباً لأعدائها والظروف الطبيعية القاسية..
كانت "أم راشد" تعيش قرب أحد السجون المليئة بالمعتقلين المناضلين لأجل حرية وطنهم وشعبهم من الغرباء.. ودائما تنام وتستيقظ في جحرها على أنينهم وصراخهم أثناء التعذيب.. كان السجن مليئاً بالخيام المزدحمة بالمعتقلين وتفصلها عن بعضها البعض الأسلاك الشائكة، والحواجز الإسمنتية أو الترابية، والحراسة العسكرية المشددة بحيث تمنعهم من الاتصال فيما بينهم لمعرفة أخبار بعضهم البعض..
أدركت" أم راشد" القاسم المشترك معهم، وهو الظلم والمعاناة، ولكن الفرق فيما بينهم هو أن "أم راشد" تعيش طليقة، حرة، وتتنقل أينما شاءت أثناء الليل والنهار.. وكانت تأكل ما لذ لها وطاب أحيانا من مخلفات عوائل المعتقلين التي تتركها أثناء زياراتها للسجن.. كما تشاهد اللقاء الحميم بين المعتقلين وفلذات أكبادهم الأطفال، ودموع الحنين والشوق التي تنهمر من عيونهم.. فتتأثر عندما تتذكر صغارها التي افترسها الأعداء دون رحمه، وأغرقهم هطول المطر.. وتبدأ هي الأخرى بالبكاء عليهم، وكأنها تقاسم المعتقلين وأطفالهم نفس الشعور بالمرارة..
هذه المشاهد دفعت "أم راشد" للتخلص من مخاوفها ودخلت إلى السجن من خلال أنفاق حفرتها تحت الأرض، ولجأت للعيش في خيام المعتقلين معتقدة بأنها ستنعم ببعض الحماية والغذاء بدون عناء بعيداً عن عيون أعدائها والخوف المعشش بداخلها، وهي لا تدرك مخاطر السجن، وأنه وجد لموت الأحياء!!!
لكن كيف ستقنع الفأرة البيضاء المعتقلين بوجودها ؟ والمعروف عن الفئران بأنها: مفسدة، ومدمرة، ومخربة؟؟.. ربما إحساسها بالمعاناة، وذكاؤها، وإمكانية جعلها أليفة، وتدريبها لأداء أدوار، تُسعف موقفها وخطتها بالعيش مع المعتقلين، خاصة وأن هذا النوع من الفئران يعتبر من الحيوانات التي يمكن أن تصادق الإنسان، وتحب اللعب وتعلم الخدع.. وقد تركت الزمن يحكم على تصرف الطرفين..
حفرت "أم راشد" لها عدداً من الجُحور بين الخيام حتى إذا داهمها خطر في بعض الخيام تهرب للاختباء فيها، وكانت تنشط في الصباح والمساء بحثاً عن الطعام بين الخيام وفراش المعتقلين ولا تقترب منهم خوفاً على حياتها، كما تعرّفت على حياة السجن والمعتقلين القاسية، والأماكن الآمنة لها للتواري فيها عن الأنظار.. صارت" أم راشد" تعيش حياة السجن كباقي المعتقلين وتبحث عن سبل التكيف معهم.. لكنها تختلف عنهم في شيء، وهو أنها تخرج من السجن وقت ما تشاء من خلال أنفاقها الأرضية..
في ليلة ظلماء لاحظ بعض المعتقلين حركة " أم راشد"، وسمع نميمها وهي تبحث عن الغذاء.. ثم سرعان ما اختبأت في جُحرها داخل الخيمة.. هذا الأسير شعر بوجود حيوان زائر لهم داخل السجن.. اهتم بأمره.. اقترب من باب الجُحر ووضع كسرة من الخبز أمامه، وابتعد قليلاً.. خرجت " أم راشد".. توجست من الاقتراب في بادئ الأمر.. بدأت تنظر إلى السجين لتعرف ما ردة فعله وهو ينظر إليها أيضاً.. فهما بعضيهما من لغة العيون والوجوه التي ترتسم عليها إمارات الألم.. السجين ناداها باسمها المحبب" أم راشد".. وطلب منها أخذ كسرة الخبز.. هجمت بسرعة على الأكل.. خطفت كسرة الخبز ولاذت بالفرار.. عاود السجين الكرة ثانية وثالثة ورابعة، وفي كل مرة كان يناديها باسمها تخرج من الجُحر وتأخذ طعامها حتى استطاع أن يبني علاقة صداقة معها.
شيئاً فشيئاً صارت "أم راشد" تطمئن لمعاملة السجين الحسنة، وزال حاجز الخوف بينهما، وأصبحت كواحد من السجناء بعدما أطلع هذا السجين باقي السجناء بالأمر، وأنه كيف يقضي وقته ويتسلى معها ويروضها.. انتشر اسمها بين السجناء في الخيام المجاورة.. ولم يبخل عليها المعتقلون بشيء يتوفر لديهم من فتات الأغذية المختلفة حتى أصبحت حياتها هانئة، وتحسنت صحتها، وكبر حجمها مع مرور الوقت.. وكلما كان أحد المعتقلين ينادي"أم راشد" تخرج مسرعة لأنها تعرف أن الغذاء بانتظارها..
فكر هذا السجين الذي اكتشف أمرها بطريقة يستغل فيها " أم راشد" لأداء بعض الأدوار الصعبة داخل السجن لمساعدتهم بالتواصل مع أقرانهم السجناء في الخيام الأخرى، وكسر حاجز التعتيم الإعلامي عنهم عن طريق نقل الأخبار والمعلومات فيما بينهم من خلال "أم راشد"..
في بادئ الأمر شك هذا السجين الذكي في إمكانية نجاح هذه الطريقة، لكنه كان حريصاً على تنفيذها مهما كانت النتائج..
ذات يوم، كتب هذا السجين رسالة على ورقة صغيرة الحجم يطلب فيها من السجناء المجاورين له معرفة أوضاع السجناء صغار السن والمرضى واحتياجاتهم، وكتب عليها: أطلبوا من السجناء المجاورين لكم مناداة "أم راشد" لقراءة الرسالة بعد أن تنتهوا منها.. ثم وضع غذاء أمام جُحر " أم راشد" وناداها باسمها، فخرجت على الفور.. بدأت تأكل الطعام وهو يُمسّد بيده على ظهرها.. وضع الورقة على ظهرها وأوثقها ببقايا خيط.. ثم طلب من السجناء في الخيمة المجاورة مناداتها.. ففعلوا كذلك.. وخرجت إليهم.. قرأوا الرسالة.. وهكذا فعلوا مع الخيمة التالية لهم.. وردوا على الرسالة.. وعادت بها إلى السجين الذي حياها بقوله: عاشت أم راشد. لقد حققنا شيئاً كنا نطمح إليه سابقاً.. الآن سنناضل معاً يا أم راشد.. لقد نجحت التجربة يا إخوة بفضل "أم راشد"..
اعتُمِدت "أم راشد" فيما بعد كالمخبر السري بين السجناء!! تحمل على ظهرها أخبار وهموم المعتقلين وتتنقل بها بينهم من خلال الجحور والأنفاق.. صارت وسيلة اتصال متحركة.. وكساعي البريد.. من خيمة إلى أخرى.. تطمئن الملهوف.. وتخرج السجين من وحدته وغربته القسرية.. وتفضح أساليب التعذيب البشعة.. لقد ذللت بعض المصاعب التي كانت تواجه السجناء..
لقد جُن جنون السجانين الغرباء الذين لم يعرفوا كيف تصل الأخبار والمعلومات وتنتشر بين السجناء بهذه السرعة رغم التعتيم المفروض.. وعندما كان السجناء يتعرضون للقصف بالقنابل المسيلة للدموع.. كانت أم راشد تختبئ في أحد جُحورها وتغلق بإحكام فوهة الجُحر بالتراب وأية فتحات أخرى حتى لا تختنق من رائحة الغاز المسيل للدموع.. لكن في المرة الأخيرة من حياتها تعرضت خيام السجناء لقصف كثيف بالغاز السام، في الوقت الذي كانت فيه أم راشد بين أصدقائها خارج جحرها سعيدة معهم وتستعد لأداء مهمة جديدة، ولم تتمكن من الفرار بسرعة والاختباء من شدة تأثير الغاز.. تعثرت ووقعت على الأرض، ولفظت أنفاسها الأخيرة بين الخيام.. كما أصيب العديد من السجناء بحالات اختناق..
بعد هدوء العدوان على السجن وزوال رائحة الغاز.. تفقد السجناء بعضهم بعضا.. كما نادوا على "أم راشد" ليرسلوا أخبارهم معها إلى الخارج، فليس من مجيب.. انقطع نميمها الذي اعتاد السجناء على سماعه، والاستئناس به!! بحثوا عنها فوجدوها ميتة بين الخيام، وعلى ظهرها بقايا من رسائلهم.. خيم الحزن عليها وعم السكوت داخل السجن.
ــــــــــــــــــــــــ
[email protected]
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف