قرار قطعي
بقلم : داود البوريني
على أكمة جميلة على شاطئ النهر كانت تعيش مجموعة صغيرة من الحيوانات. من بين هذه الحيوانات جمعت الصداقة بين أرنب وسلحفاة, كانا يغيبان عن بعضهما لبعض الوقت عندما تغطس السلحفاة في النهر او يدخل الأرنب الى دهاليز أنفاقه المنتشرة في الأكمة وبخلاف ذلك نادرآ ماكانا يفترقان في ساعات النهار. في ذات يوم وبينما هما يتسامران اذا بالأرنب يبادر قائلآ: لقد فعل أجدادي خيرآ بتملّك هذه الأكمة الجميلة وأعتقد ياصديقتي السلحفاة العزيزة أنه من العدل أن تدفعي لي أجرة مكوثك على هذه الأكمة...
- ومن قال لك أن هذه الأكمة هي ملك أجدادك؟ أجابت السلحفاة معترضة.
- أنظري الى هذه الأنفاق الممتدة على طول الأكمة وعرضها لتعلمي بأن أجدادي هم من قاموا بحفرها مما يعني بأنهم كانوا هنا أولآ...أفاد الأرنب.
- ياللسخرية..اذا كان هذا برهانك الوحيد فانظر أنت الى كل هذه الحفر الموجودة على الأكمة لتدرك بأنها لبيوض السلاحف أجدادي وأنا شخصيآ رأيت النور في تلك الحفر الموجودة هناك خلف الصخرة من قبل أن تولد أنت بزمن طويل...أجابت السلحفاة.
اشتد النقاش بين الصديقين وارتفعت الأصوات وبدا الغضب والحنق جليآ عليهما حتى وصلا الى درجة القطيعة عندما اقترحت السلحفاة بحكمة أن يعرضا موقفهما على أحد الحيوانات المجاورة لهما لتقضي بينهما.
- حسنآ...قال الأرنب,أنا أقترح أن يقضي الدب بيننا...
- يالك من أرعن...أجابت السلحفاة,هل تثق بحكم الدبّ ؟ أنظر الى الغضب الدائم في عينيه وأنيابه البارزة ووزنه الرهيب,ألا تخاف أن يطأك وأنت تقترب منه؟ ثم ألم تسمع بالمثل الّذي قيل فيه عدو عاقل خير من صديق جاهل.
- جيد لننسى الدبّ, ماذا تقترحين؟
- أنا أقول الثعلب...فإن بيني وبينه مودة. هو غالبآ مايقترب مني ثم يقوم بشمّي وتقبيلي ثم يذهب مبتعدآ...
- يالك من سلحفاة بطيئة الحركة, بطيئة الفهم, هو لا يشمك ولا يقبّلك, هو فقط يحاول الوصول رأسك الذي تخفينه مع باقي أطرافك داخل قوقعتك القويّة وإلا كنت رأيت عمق قبلات أنيابه, ثم ألم تسمعي بأنه لادين للثعلب كما قال الشاعر؟
- جيد. لنذهب الى الفيل ليقضي بيننا إن لم يكن عندك مانع...
- في الواقع لا مانع عندي...أجاب الأرنب. فإني أرى الفيل حليمآ ومع قوته الجبّارة فإنه لا يعتدي على أحد, هذا إضافة الى حنانه الظاهر على صغاره وحمايته الدائمة لهم...
- حسنآ...لنذهب إليه إذآ....
انطلق الصديقان المتخاصمان إلى الفيل وعرضا عليه الموضوع,طالبين منه القضاء بينهما, إلا أن الفيل قد رفض الموضوع بحزم قائلآ لهما أنه قد سمع بأن هناك قاضيان يدخلان النار مقابل واحد فقط يدخل الجنة وأنه لا يريد ان يغامر بآخرته .
احتار الخصمان فيما يفعلان حتى بادرالأرنب قائلا:لماذا لا نذهب إلى القرد للتقاضي؟ اعترضت السلحفاة على أهليّة القرد لهذا العمل لأنه دائم الزعيق والقفزبين الأشجارولا تبدو عليه رصانة القاضي ولا هيبة القضاء.
وهنا أجابها الأرنب بحدة :كيف لك أن تعرفي مقدار عمق ورصانة القرد إذا بقيت داخل صدفتك المظلمة أم كيف سترينه وأنتي تقضين نصف عمرك غاطسة في الماء؟!
تعالي معي غدآ ظهرآ بينما هو جالس للقيلولة تحت الشجرة وسوف ترين مدى عمق عينيه العسليتين الواسعتين وقوة تركيزه في التفكير وهو يهرش رأسه طيلة الوقت إعمالآ للفكر والتحليل والدرس والتفسير...اقتنعت السلحفاة وذهبت مع الأرنب في الظهيرة تمامآ كي تزيد من اطمئنانها فتتأكد مما قاله الأرنب بحق القرد والتقاضي عنده.
تقدّم الخصمان من القرد وطلبا منه أن يقضي في موضوع ملكية الأكمة ,فكّر القرد قليلآ ثم أجابهما أنه لا يستطيع القضاء بينهما إلا إذا قطعا كافّة العهود والمواثيق التي تضمن تنفيذهما للحكم الصادر من قبله دون أن يكون لهما أي حق في الاعتراض على قراره. بعد طول أناة وافق الأرنب والسلحفاة على طلب القرد وقام كل منهما بشرح قضيته له, استمع القرد لما قالاه وطلب منهما العودة بعد سبعة ليال حتى يكون قد وصل الى حل معقول للنزاع وانطلق الخصمان من فورهما وهما ما زلا متخاصمين.
بعد سبع ليال طوال تقلبا فيها على نار الانتظار ومواجع القلق عادا الى القرد وهما على ما أشد مايكون تعبآ ورغبة في معرفة حكمه الميمون, في الموعد تمامآ حضر القرد وقد حمل عصآ غليظة في يده ثم اعتدل في جلسته على جذع شجرة قريبة وقد أرخى كفيه على العصا وأطرق مفكّرآ لبعض الوقت ثم نظر الى الخصمين قائلآ: لا شك في أنّ قضيّتكما في غاية الصعوبة, لكن بعد تفكير طويل واستشارات من هنا وهناك في أكمتنا والأكمات المجاورة فقد وصلت الى حل سوف يرضي كليكما ويحقق العدل بينكما وأمامكما أسبوع لتنفيذ هذا القرار والفوز بالملكية وإلا فإنني سوف أجلد المتخلّف عن التنفيذ مائة جلدة متواصلة بهذه العصا,فهل توافقان؟ فأجابا بنعم..
- إليكما قراري إذن: إنني أحكم على الأرنب بقطع هذا النهر سباحة جيئة وذهابآ مائة مره, أمّا انت يا سلحفاة فإنني أحكم عليكي بتسلق شجرة السرو المرتفعة هذه مائة مرّة أيضآ, وصاحب الأكمة هو من استطاع تنفيذ هذا الحكم أولآ وفي خلال أربعة وعشرين ساعة ابتداءآ من الآن, وهبّ قائمآ..
نظر الأرنب الى السلحفاة بعد أن هاله الحكم قائلآ: يبدو أنني قد رحت في داهية فأنا لا أستطيع السباحة..أجابته السلحفاة: أعتقد أنني ذاهبة معك في نفس القارب فأنا لا أستطيع تسلّق شجيرة وليس شجرة باسقة مثل هذه...
- أنا ذاهب للسباحة..قال الأرنب...
- وكيف تفعل هذا وأنت لا تعرفها؟لماذا لا تذهب إلى الفيل لتشكو إليه حكم القرد؟
- لا ياسيدتي, أنا أفضّل الغرق على عقوبة تهمة التشكيك في نزاهة القضاء...
- وداعآ..
- وداعآ..
بقلم : داود البوريني
على أكمة جميلة على شاطئ النهر كانت تعيش مجموعة صغيرة من الحيوانات. من بين هذه الحيوانات جمعت الصداقة بين أرنب وسلحفاة, كانا يغيبان عن بعضهما لبعض الوقت عندما تغطس السلحفاة في النهر او يدخل الأرنب الى دهاليز أنفاقه المنتشرة في الأكمة وبخلاف ذلك نادرآ ماكانا يفترقان في ساعات النهار. في ذات يوم وبينما هما يتسامران اذا بالأرنب يبادر قائلآ: لقد فعل أجدادي خيرآ بتملّك هذه الأكمة الجميلة وأعتقد ياصديقتي السلحفاة العزيزة أنه من العدل أن تدفعي لي أجرة مكوثك على هذه الأكمة...
- ومن قال لك أن هذه الأكمة هي ملك أجدادك؟ أجابت السلحفاة معترضة.
- أنظري الى هذه الأنفاق الممتدة على طول الأكمة وعرضها لتعلمي بأن أجدادي هم من قاموا بحفرها مما يعني بأنهم كانوا هنا أولآ...أفاد الأرنب.
- ياللسخرية..اذا كان هذا برهانك الوحيد فانظر أنت الى كل هذه الحفر الموجودة على الأكمة لتدرك بأنها لبيوض السلاحف أجدادي وأنا شخصيآ رأيت النور في تلك الحفر الموجودة هناك خلف الصخرة من قبل أن تولد أنت بزمن طويل...أجابت السلحفاة.
اشتد النقاش بين الصديقين وارتفعت الأصوات وبدا الغضب والحنق جليآ عليهما حتى وصلا الى درجة القطيعة عندما اقترحت السلحفاة بحكمة أن يعرضا موقفهما على أحد الحيوانات المجاورة لهما لتقضي بينهما.
- حسنآ...قال الأرنب,أنا أقترح أن يقضي الدب بيننا...
- يالك من أرعن...أجابت السلحفاة,هل تثق بحكم الدبّ ؟ أنظر الى الغضب الدائم في عينيه وأنيابه البارزة ووزنه الرهيب,ألا تخاف أن يطأك وأنت تقترب منه؟ ثم ألم تسمع بالمثل الّذي قيل فيه عدو عاقل خير من صديق جاهل.
- جيد لننسى الدبّ, ماذا تقترحين؟
- أنا أقول الثعلب...فإن بيني وبينه مودة. هو غالبآ مايقترب مني ثم يقوم بشمّي وتقبيلي ثم يذهب مبتعدآ...
- يالك من سلحفاة بطيئة الحركة, بطيئة الفهم, هو لا يشمك ولا يقبّلك, هو فقط يحاول الوصول رأسك الذي تخفينه مع باقي أطرافك داخل قوقعتك القويّة وإلا كنت رأيت عمق قبلات أنيابه, ثم ألم تسمعي بأنه لادين للثعلب كما قال الشاعر؟
- جيد. لنذهب الى الفيل ليقضي بيننا إن لم يكن عندك مانع...
- في الواقع لا مانع عندي...أجاب الأرنب. فإني أرى الفيل حليمآ ومع قوته الجبّارة فإنه لا يعتدي على أحد, هذا إضافة الى حنانه الظاهر على صغاره وحمايته الدائمة لهم...
- حسنآ...لنذهب إليه إذآ....
انطلق الصديقان المتخاصمان إلى الفيل وعرضا عليه الموضوع,طالبين منه القضاء بينهما, إلا أن الفيل قد رفض الموضوع بحزم قائلآ لهما أنه قد سمع بأن هناك قاضيان يدخلان النار مقابل واحد فقط يدخل الجنة وأنه لا يريد ان يغامر بآخرته .
احتار الخصمان فيما يفعلان حتى بادرالأرنب قائلا:لماذا لا نذهب إلى القرد للتقاضي؟ اعترضت السلحفاة على أهليّة القرد لهذا العمل لأنه دائم الزعيق والقفزبين الأشجارولا تبدو عليه رصانة القاضي ولا هيبة القضاء.
وهنا أجابها الأرنب بحدة :كيف لك أن تعرفي مقدار عمق ورصانة القرد إذا بقيت داخل صدفتك المظلمة أم كيف سترينه وأنتي تقضين نصف عمرك غاطسة في الماء؟!
تعالي معي غدآ ظهرآ بينما هو جالس للقيلولة تحت الشجرة وسوف ترين مدى عمق عينيه العسليتين الواسعتين وقوة تركيزه في التفكير وهو يهرش رأسه طيلة الوقت إعمالآ للفكر والتحليل والدرس والتفسير...اقتنعت السلحفاة وذهبت مع الأرنب في الظهيرة تمامآ كي تزيد من اطمئنانها فتتأكد مما قاله الأرنب بحق القرد والتقاضي عنده.
تقدّم الخصمان من القرد وطلبا منه أن يقضي في موضوع ملكية الأكمة ,فكّر القرد قليلآ ثم أجابهما أنه لا يستطيع القضاء بينهما إلا إذا قطعا كافّة العهود والمواثيق التي تضمن تنفيذهما للحكم الصادر من قبله دون أن يكون لهما أي حق في الاعتراض على قراره. بعد طول أناة وافق الأرنب والسلحفاة على طلب القرد وقام كل منهما بشرح قضيته له, استمع القرد لما قالاه وطلب منهما العودة بعد سبعة ليال حتى يكون قد وصل الى حل معقول للنزاع وانطلق الخصمان من فورهما وهما ما زلا متخاصمين.
بعد سبع ليال طوال تقلبا فيها على نار الانتظار ومواجع القلق عادا الى القرد وهما على ما أشد مايكون تعبآ ورغبة في معرفة حكمه الميمون, في الموعد تمامآ حضر القرد وقد حمل عصآ غليظة في يده ثم اعتدل في جلسته على جذع شجرة قريبة وقد أرخى كفيه على العصا وأطرق مفكّرآ لبعض الوقت ثم نظر الى الخصمين قائلآ: لا شك في أنّ قضيّتكما في غاية الصعوبة, لكن بعد تفكير طويل واستشارات من هنا وهناك في أكمتنا والأكمات المجاورة فقد وصلت الى حل سوف يرضي كليكما ويحقق العدل بينكما وأمامكما أسبوع لتنفيذ هذا القرار والفوز بالملكية وإلا فإنني سوف أجلد المتخلّف عن التنفيذ مائة جلدة متواصلة بهذه العصا,فهل توافقان؟ فأجابا بنعم..
- إليكما قراري إذن: إنني أحكم على الأرنب بقطع هذا النهر سباحة جيئة وذهابآ مائة مره, أمّا انت يا سلحفاة فإنني أحكم عليكي بتسلق شجرة السرو المرتفعة هذه مائة مرّة أيضآ, وصاحب الأكمة هو من استطاع تنفيذ هذا الحكم أولآ وفي خلال أربعة وعشرين ساعة ابتداءآ من الآن, وهبّ قائمآ..
نظر الأرنب الى السلحفاة بعد أن هاله الحكم قائلآ: يبدو أنني قد رحت في داهية فأنا لا أستطيع السباحة..أجابته السلحفاة: أعتقد أنني ذاهبة معك في نفس القارب فأنا لا أستطيع تسلّق شجيرة وليس شجرة باسقة مثل هذه...
- أنا ذاهب للسباحة..قال الأرنب...
- وكيف تفعل هذا وأنت لا تعرفها؟لماذا لا تذهب إلى الفيل لتشكو إليه حكم القرد؟
- لا ياسيدتي, أنا أفضّل الغرق على عقوبة تهمة التشكيك في نزاهة القضاء...
- وداعآ..
- وداعآ..
