الأخبار
الولايات المتحدة تفرض عقوبات على مقررة الأمم المتحدة الخاصة للأراضي الفلسطينية(أكسيوس) يكشف تفاصيل محادثات قطرية أميركية إسرائيلية في البيت الأبيض بشأن غزةجامعة النجاح تبدأ استقبال طلبات الالتحاق لطلبة الثانوية العامة ابتداءً من الخميسالحوثيون: استهدفنا سفينة متجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلي وغرقت بشكل كاملمقررة أممية تطالب ثلاث دول أوروبية بتفسير توفيرها مجالاً جوياً آمناً لنتنياهوالنونو: نبدي مرونة عالية في مفاوضات الدوحة والحديث الآن يدور حول قضيتين أساسيتينالقسام: حاولنا أسر جندي إسرائيلي شرق خانيونسنتنياهو يتحدث عن اتفاق غزة المرتقب وآلية توزيع المساعدات"المالية": ننتظر تحويل عائدات الضرائب خلال هذا الموعد لصرف دفعة من الراتبغزة: 105 شهداء و530 جريحاً وصلوا المستشفيات خلال 24 ساعةجيش الاحتلال: نفذنا عمليات برية بعدة مناطق في جنوب لبنانصناعة الأبطال: أزمة وعي ومأزق مجتمعالحرب المفتوحة أحدث إستراتيجياً إسرائيلية(حماس): المقاومة هي من ستفرض الشروطلبيد: نتنياهو يعرقل التوصل لاتفاق بغزة ولا فائدة من استمرار الحرب
2025/7/10
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الفصل الرابع من رواية " احلام " بقلم: محمد نصار

تاريخ النشر : 2010-05-16
للكاتب / محمد نصار

الشمس تلامس التلال المحيطة .. تداعبها .. تهمس لها بأشياء تثيرها , فتكتسي بحمرة تتوارى على آثارها خلف جنح الظلام , فيندس الخلق في المخادع , تدغدغهم همهمات الوجود , صاح العجوز و قد فاض به الأمر : اسكتوا الطفل .. بح من كثر الصراخ .
فاحتضنه إحداهن تحاول إسكاته , راحت تطوف به في ساحة البيت حتى طفح كيلها .. صرخت بلا وعي منها : كفى .. كفى .
رمقها العجوز بنظرة ثاقبة , ثم قال مستهجنا فعلها : أيش دهاك ؟ .
- طال غيابها .
- الغائب علمه معاه.. رد العجوز قائلا .
اندفع الباب و طل و جهها الشاحب .. شخصت بها العيون .. تجاهلتها .. أقبلت على طفلها الذي ازداد صراخه لمرآها و كأنما يعاقبها على فعلها , ضمته إلى صدرها , ثم أشارت إلى أمها لكي تتبعها , فاعترض العجوز مستوضحا : طمئنيني يا بنتي , حالك لا يبشر بخير .
- حالها لا يسر يا با .
- الله يلطف فيها .
- يللا يا ما قبل ما تعتم الدنيا.
- كلي لقمة معنا ؟ .
- ليس لي رغبة .
فتح الباب فأشرقت أسارير العجوز و همس قائلا : الحمد لله على السلامة .
استدارت زوجته جهة الباب ..تهلل و جهها .. استقبلته بين ذراعيها .. أنزلت أحلام طفلها ,أقبلت هي الأخرى لكي تصافحه , فعاد الطفل يصرخ من جديد , صاح يوسف ممازحا : أسكت يا ابن ..
- انتهى الأمر يا يوسف ؟ سأل العجوز مستسفرا :
- نعم يا با .
- الحمد لله .
- اقعدي يا أختي .. شايفك مستعجله .
- في عرسك إن شاءالله .
- راح تستني كثير .
- يا لطيف .. يلا يا أحلام .
- خذوني معكم .
- أهلا بك .
- يبقى أعطيني الولد أحمله عنك .
عند نهاية الزقاق الموصل إلى الشارع العام تنفسوا الصعداء وقد كفت أقدامهم عن الغوص في الحفر الصغيرة التي خلفتها مياه الأمطار والقنوات المتسربة من بيوت تقع على جانبي الشارع , نسمة برد خفيفة لسعت وجوههم , وحشة الطريق تجسدت أمامهم كثعبان طريح يتوسط السوق .
تلمسوا خطواتهم على أضواء تتسلل من بعض النوافذ المطلة على الشارع ، فتبدد الصمت حين صرخت أحلام فزعة إثر اصطدام جرذ بقدمها .. تململ الطفل .. نظر يوسف نحوها .. كتم ضحكته , ثم أشار إلى ركن منزو .
- شوفي هناك... القطط و الفيران تتقاسم الغنيمة بلا مشاحنات .
- ربنا يستر . ، ردت بصوت مرتجف , و أشارت نحو دكان الجزار حيث تحلقت مجموعة من الكلاب حول بقايا الجزارة الملقاة في أوعية القمامة .
فرد يوسف مطمئنا : لا تخافي ما راح تتعرض لنا .. عندها اللي يلهيها .
كان الخوف من أن تنشب معركة بين الكلاب والقطط الواقفة على الجانب الآخر من الشارع ، فيصبح الطريق ساحة حرب تلقي بظلالها على المارة والقاطنين في البيوت المجاورة ، لكن الأمر مر بسلام بعدما سلمت القطط بعجزها التاريخي أمام الكلاب واكتفت باجترار ريقها على أنغام العظام المتهشمة تحت أنياب خصومها .
نظر إلى زقاق على جانب الطريق ينتهي طرفه بسور هدم جزؤه الأعلى ، فظهرت من خلفه بيارة حسن بيك ،همس محدثا أمه : كم مرة نطينا عن هذا السور واليهود ورانا .
- الله لا يعيدها من أيام . ، ردت أمه بذعر .
دخلت من فورها إلى المطبخ ، فتحت البراد وأخرجت بعض ما فيه ، وضعته على البوفيه ثم اتجهت إلى الرف المقابل .. أنزلت عددا من الأطباق .. أشعلت موقد الغاز .. ظلت تعمل بصمت يشوبه توتر تجهل مصدره وتخشى أن يظهر على ملامح وجهها فيلمسه من هم حولها .
لم تلاحظ دخوله ، أو آثرت تحاشيه ، سألها عما تعد ، فأخبرته .. ابتهج صاح مهللا : كرمك حاتمي .
جلسوا إلى المائدة، فكان أسرعهم في تناول ما طالت يده ، راحتا تراقبانه من طرف خفي وحين التفت إلى ذلك ، لم يعرهما أدنى اهتمام ، بل نظر في وجهيهما وقال مبررا : الجوع كافر .
ضحكوا .. تطاير الفتات من فمه .. أخذتا ما بقي من طعام من أمامه .. حاول صدهم ، فدوى الضحك من جديد .
- نأكل في فرحتك بخروج زوجك من السجن . ، قالت أمها بحب وطيب خاطر .
انقبض صدرها .. جاهدت كي تداري انفعالها ، أو منع تساؤل دوى في أعماقها وبان أثره على وجهها : ماذا دهاها لتذكرني به الآن ؟.. هل عزعليها أن تراني سعيدة ؟ .
حبست دمعة كادت تفر من عينها وتغرق الجميع في بحرها ، فانسلت إلى غرفتها يطاردها سؤال أخيها : لوين ما قعدنا معك ؟ .
- تعبانة .
- الوقت بعده بدري .
- خليها ترتاح ..عانت كثيرا اليوم . ، تدخلت الأم مقاطعه .
استيقظت على جلبة فى المطبخ ، تذكرت أن أهلها فى البيت ، نظرت إلى الطفل فلم تجده بجوارها ، خشيت أن يكون وارء ما يحدث من ازعاج ، هبت إلى هناك فوجدت أمها تلملم بقايا الزجاج المنتاثر على الأرض ، بينما أخوها يرتب الصحون على المائد ة والطفل يراقب ما يدور بفارغ الصبر .
طرحت التحية بيد تطرد بقايا النوم عن جفونها، فتأبى عليها الجفون تحت ضغط النعاس المتشبت بأهدابها ، فيدحره تساؤل أخيها : ما تأخرتي عن الزيارة ؟ .
دست لقمة فى فمها وانصرفت على عجل .





كان يومأ مشمسا رغم أن آذار فى أوله ونسمة دفء تلوح فى الأفق أغرت الخلق بالتجول مبكرين على غير عادتهم ، فالشارع يعج بالمارة والحوانيت شراعت أبوبها لاستقبال يوم جديد ، بينما عربات الكارو والبسطات تزاحم الناس الطريق ، فشعرت بارتياح فى صحبته .. بالدف .. بالأمان الذى غادرها ولم يعد ، وأحيانا بتباهى لكثرة معارفه .
ودت لو تهمس لكل من أوقفه أنه أخى ، ابتسمت وتابعت سيرها .
أشار بيده لعربة مرت أمامه ، تجاهلته ، أعاد المحاولة مرة أخرى ، لكن العربات كانت تمر ملأى ، فالموظفون وطلاب الجامعات يتدافعون عند كل عربه تقف بجانب الطريق ، الأمر الذى دفعه الى الابتعاد عن ذلك المكان المكتظ وملاقاة العربات قبل أن تصل اليه ،تبعته أخته فمرا بدكان مصيونه ، لمحتهما .. هرعت تسأل مستفسرة : صحيح اللي سمعته ؟ .
- نعم . ، قالت بصوت خافت .
- كيف حالك يا يوسف .. العتب على النظر يا ولدى . ، ومدت يدها مصافحة .
- لاعليك ة يا حاجة .
- كيف حالها الحين ؟ .
- الحال على الله .
- سأحاول أن أزورها اليوم .
انسحبت المرأة حين رأت العربة تقف بجوارهم ، صعدا إليها وانطلقت تقطع المسافة بين البلدة والمدينة في زمن قصير نسبيا ، ربما لم يتعد العشر دقائق ، مما لايشبع رغبات البعض حين تجمعهم الصدفة فى السؤال والاستفسار وإن كانت الأسلئة تتكرر فى كل مرة ، لماذا لا نراك ؟.. أين تعمل؟ .. ما هى درجتك ؟ ..الخ من الأسئلة التى تنتهى الطريق قبل أن تجد إجابات لها .
مال نحواها وهمس قائلا : من زمان وأنا بأشعر نحوها بتعاطف ما .
بدا الاستغراب فى عينها وأطرقت للحظة سألته بعدها مسفسرة :من تقصد ؟ .
- الحاجة مصينونه .
تملكتها الحيرة وأشعلت بها رغبه لمعرفة ما يريد قوله ، فلم يدعها طويلا وتابع قائلا : اعتقد أنها لاقت من الظلم مايفوق طاقتها ، فى البداية زواجها من عجوز فى عمر أبيها وربما أكبر فحكموا عليها بالموت بين أحضانه ورغم ذلك لم يتركوها ، سلخوها بألسنتهم من دون رحمه متناسين أنها إنسانه من دم ولحم ، لها رغبات.. لها ..
لم تعد تسع الكلمات ، توارت خلف ضربات قلبها ، فما عادت ترى الأشياء كما كانت قبل لحظات ، ظلمه طمست الوجود من حولها ، سؤال يعوي فى أعماقها : بماذا يهذي ؟ .. هل يعي ما يقول؟ أم أنه يذر الرماد في العيون ، ألايرى حالى ، فأنا أحق بالشفقة منها ، أم يشعر بى ولا يعبر عن ذلك صراحة خشية أن يجرح مشاعري .. ربما ؟ .
توقفت العربة بباب المستشفى ، ترجلت خلفه يرافقها طنين كلماته .. يصم آذانها .. يمزقها .. تتكى على الجدار، فيهرع أليها مذعورا : مالك ؟ .
- أشعر بدوار . ، يناوله أحدهم أبريقا ، يصب على يديها .. تبلل وجهها ، ثم تواصل متكئة عليه .
شعرت بتحسن ما حين أصبحا داخل الممر ، ترك يدها وانشغل بمتابعة الأرقام المثبتة على الأبواب ، فلم يلاحظ تأخرها عنه إلا حين أوشك على وصول الغرفة ، نظر حوله فلم يجدها ، عاد إلى الوراء فرآها تسير بخطى مترنحة ، أربكه المنظر .. أثار مخاوفه وأعاد له ذكريات سجن المجدل حيث تجربة الاعتقال الأولى ، ليلة أن هب من نومه مذعورا إثر قدم داست على وجهه ، فظن حينها أنها ركلة من أحد الجنود ، لكنه رأى أن الفاعل سجين مثله ، فاشطاط غضبا وهم بالانقضاض عليه ، لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة ، هزه المشهد .. تراجع شفقة به وقد أحس بأنه لا يعي ما يدور حوله وازدادت مخاوفه أكثر حين رآه يقترب من الباب ، فلكز زميله الذي هب مذعورا هو الآخر ، نظر إليه باستهجان ، فأشار إلى الباب ، عندها همس زميله مستغربا : ماذا يفعل هناك ؟ .
- لا أدري .. ربما يحاول فتح الباب .
- هذا جنون ، لو أحس به الحراس فسيعاقبوننا جميعا .
- كم الساعة الآن ؟ .
- الواحدة والنصف .
- انتظر لنرى ما هو فاعل .
- لا يعقل .. إنه يحاول فتح الباب .. علينا أن نعيده قبل أن ينتبه الحراس .
استيقظ البعض على الحديث الدائر بينهم وأفاق آخرون حين شرعوا بإعادة الرجل إلى مكانه ، حملقت به العيون .. تراجعت مذعورة .. همس أحدهم مستهجنا : ألا يرانا ! . . إن عينيه مفتوحتان .
وضعوا الرجل في مكانه فغط في نومه من جديد تاركا الوجوه من حوله تنظر إليه بدهشة وجمود .
في اليوم التالي حاول البعض التقصي منه عما حدث ، فبدا الذهول على وجهه ولمعت في عينه نظرة شك أنكر بعدها أية علاقة بما سمع منهم .
- يمكن مسكون أو راكبه جن . ، همس أحدهم فأوجس البعض وأصر البعض على متابعته ، إلا أن ما حدث لم يتكرر في الليلة التالية مما وسع دائرة الشك حوله وزاد من عزلته ، إلا أن حالفه الحظ فنزل في الغرفة سجين جديد ، تبين فيما بعد أنه طبيب ، حيث لاحظ منذ يومه الأول الحصار المضروب على الرجل ، أو بمعنى أصح تم تحذيره من قبل بعضهم ، لكن الرجل تريث في حكمه وآثر أن يتيقن بنفسه ، إلى أن جاءت الفرصة في ليلة غط فيها مبكرا ، أيقظه أحد السجناء بطريقة فظة ، كاد أن يؤنبه على فعلته لولا أن رأى العيون مسلطة على الرجل الذاهب لفتح الباب .
أمسكوه قبل أن يصل الباب ، صفعه الطبيب بلطف ، فأفاق الرجل مفزوعا .. أقسم باغلظ الأيمان نافيا معرفته بالطريقة التي أوصلته إلى الباب .
- لاتخف . ، قال الطبيب وهو يربت على كتفه . ، ثم سأله مستفسرا : هل حدث هذا الأمر معك من قبل ؟ .
- لا أدري .. الشباب حكوا .... ، ثم أجهش بالبكاء .
- لاتخشى من شيء فالأمر هين .. أنت تعاني من حالة معروفة طبيا وهذا يحتاج منا جميعا أن نساعدك .
انخرط الرجل في بكاء متصل ، فشعر البعض بعقدة الذنب تجاهه وقلة ظلت تحاصره بالشبهات .
مرت بجواره دون أن يشعر بها ، أو تلمس الخوف الذي يعتريه .. اندفع خلفها .. أمسك يدها .. انتفضت فزعة .. تذكر صفعة الطبيب للسجين .. انتفض بنفس الطريقة ، إلا أنها كانت أسرع منه في التعاطي مع الحدث ، اختبأت خلف ابتسامتها ، فجاءت باهتة .. سألها بما يشبه الرجاء : تشكي من شيء .. خبريني ؟ .
- غثيان .. يمكن صابني برد . ، ردت بهدوء .
- يبدو أن الأمر أكبرمن هيك .
- لا أكبر ولا أصغر . .
- إذا أنت بحاجة لطبيب فإحنا في المستشفى .
- لا تشغل بالك .
تبعها حتى باب الغرفة وهناك كانت المفاجأة التي راح على إثرها كل منهما ينظر إلى الآخر بدهشة وذهول : هو بات الليلة هان ؟ . ، همس متسائلا ، فزمت شفتيها ولم تجب ، نظرا إلى الرجل الذي اتخذ جلسة غريبة إلى جوار زوجته ، ألقت التحية فتململ الرجل بإعياء واضح وتبسمت المرأة على السرير المقابل .
- أهلا أبو نسب . ، قال الرجل متصنعا الابتسام .
نظرت إلى عينيه فكانتا جمرتين في كور غجري مضطرم ، تساءلت في نفسها : هل كان يبكي ؟ . . ، لم لا، بعد كل هذه السنين التي أمضياها معا .. أو لعله يبكي حظه العاثر وقد خذله في هذه اللحظة الحرجة من العمر .
- كيف حالها ؟ . ،سأل أخوها وجلس معطيا ظهره للمرأة التي على السرير المجاور .
- الحال عند الله . ، رد العجوز بأسى .
دنت المرأة المجاورة منها مستغلة قرب المسافة بينهما وهمست بحرقة : مسكين عمك .
- كان الله في عونه . ، ردت عليها بنفس الطريقة . ، ثم عادت لتسألها : متى حضر ؟ .
- من الفجر .
- ليكون أزعجك حضوره المبكر ؟ .
- إلى حد ما .
- ما حضر زوجك ؟ .
- مشي قبل شوي .
أحس الرجلان بالهمس الدائر بين المرأتين فآثرا الخروج إلى الممر ، تبادلا الحديث لبعض الوقت، ثم اقترب الشاب من باب الغرفة وسأل أخته إن كانت تعوزه في شيء قبل أن يغادر .
- سلامتك .
انصرف الرجلان ، فلم تخف المرأة ارتياحها وقالت بشكل عفوي : الحين نأخذ راحتنا في الحديث . ، ثم أزاحت الغطاء عن جسدها ليكشف عن ساقين بضتين بعد إن انحسر الثوب عنهما ، ثم فكت رباط المنديل وألقته عن رأسها فانسدل الليل من تحته ، بهرها جمال المرأة وأحست بشيء من الغيرة تجاهها .. تخيلتها في كامل زينتها .. في غرفة نومها .. في السرير مع زوجها .. وتساءلت : هل تفيض أنوثة وحيوية معه أم هي جامدة بلا حياة ؟ . ، فندت عنها ابتسامة تدلل على حجم المرار الساكن فيها وهمست في نفسها : وما أهمية ذلك ما دام لها حضن تأوي إليه .
- أخوك .. ؟. ، سألتها بشيء من الغنج والدلال وقد قرأت بغريزة الأنثى ما يجول بخلدها .
- نعم .
- متزوج ؟ .
- لا .
- أول ما شفته حسبته زوجك ... على فكرة ما شفت زوجك من أول ما الحاجة دخلت المستشفى.
تهاوت تحت وقع السؤال .. أحست بها المرأة .. تملكها الحرج .. حاولت أن تبدي أسفها فردت عليها بشيء من الجمود : لا عليك .. كل ما في الأمر أنه معتقل .
ألقت الجملة الأخيرة من دون تريث أو تفكير ، بل شعرت بارتياح كبير وكأنها تتخلص من عبء يرهق كاهلها ، فلمعت في عين المرأة نظرة إشفاق قالت بعدها : راح يخرجوا بإذن الله .. هذا اللي قالته الأخبار .
- أخبار. ، قالتها بتنهد .
- نعم الأخبار .
- بس هو محبوس هان . ، قالت دون أن تنظر ناحية المرأة .
ران الصمت من جديد ولمعت عيون المرأة ببريق يشع فضولا ونهما لمعرفة المزيد : وليش محبوس ؟ .
- عشان يعذبني .
ارتبكت المرأة وبدا الذهول واضحا على وجهها ، إذ لم تتوقع هكذا إجابة ، فلمست أحلام ما يدور بخلدها ، فآثرت أن تخفف الأمر عليها حتى لا يذهب تفكيرها إلى مناحي تنفرها منها وفي نفس الوقت تبث بعضا من همومها لعلها تجد في ذلك ما يريحها أو يخفف عنها : شوفي يا ستي .. تم اعتقاله في الانتفاضة الأولى وذلك يوم أن كتب كتابي عليه ، فامضى وقتها ثلاثة أشهر في المعتقل ، ثم خرج من السجن لنتزوج بعد عام من خروجه ، ثم بعد زواجنا بأشهر تم اعتقاله مرة أخرى ، ليخرج بعد عام وعلى يدي أبنه خالد ، دفعنا ضريبة الانتماء لهذا الوطن ، ثم جاءت السلطة فتباشرنا خيرا وحلمنا بمستقبل واعد ، فلم تمض سوى بضعة أشهر حتى اعتقل على خلفية إشكال عائلي نتج عن الصراعات التي دارت من أجل الوجاهة والمخترة .
- وعشان هيك محبوس كل هالمدة ! .
- يا ريت عشان هيك .. كان زمان خرج .
- ولا من شان أيش ؟ .
- تعارك مع سجين معه وقلع عينه .
- يا لطيف ! .
- قال يا ستي اضطر لفعل هذا الشيء . ، ثم راحت تسرد عليها ما وقع حسب ما حدثها به في زيارتها الأخيرة له ، فهو لم يشأ فقأ عين الرجل حسب زعمه ولا حتى العراك معه ، لكن إصرار الرجل على دفعه لترك الفتى الذي احتمى به خشية أن يلوط به هو الذي حول الأمر إلى عراك وعراك دام .
صرخت في وجهه حينها وأنا مقهورة من فعلته : هل أنت وصي على هذا العالم ومن خولك بذلك ؟ .
- كنت مجبرا على فعل ذلك .
- ومن الذي أجبرك ؟ .
- ضميري .. ضميري لا يمكن أن يسمح لي بأن أغض الطرف عن فعل كهذا .
- وبما ينفعنا ضميرك الآن ؟ .
لم تشعر إلا ويد المرأة تمتد إلى خدها لتمسح دمعة غافلتها وانداحت رغما عنها ، فرفعتها بلطف وقالت بشيء من الابتسام : ومن يومها وأنا بين أربع حيطان ..أنا المسجونة مش هو .
- وليه ما تعملي .. تشغلي نفسك بشيء يعود عليك بالنفع .
- أعمل ! .
- ما عندك مؤهلات ؟ .
- عندي .. دبلوم لغة إنجليزية .
- راح أحكي مع زوجي .. أصله مدير مؤسسة للاستيراد والتصدير .

هل ستفى المرأة بوعدها وإن وفت فهل بمقدور زوجها فعل ذلك لربما؟ ، فموقعه يمكنه من ذلك إن أراد ولكن هل سيسمحون لي بالعمل ؟ ، هل سيوافق عمى على ذلك ؟ ، لقد سبق وطرحت الأمر لكنه رفض ، لعله يقبل الأن بحكم الظروف المحيطة به .
- لوين راح فكرك؟ .
- أبد .. طال غياب عمى .
- يمكن صادف حد من معارفه .
لم تنه جملتها حتى كان أمامها بالباب ، تريث قليلا.. نظر إلى الممر ، ثم قال مداعبا : يبدو أن العمر عمل عمايله .
جاء الصوت من خارج الغرفة مبحوحا : ربنا يحسن ختامك يا حاج .
عرفتها من صوتها ، همست بصوت خافت : فيك الخير يا حاجة .
دخلت المرأة تلهث تحت ثقل جسدها وسني عمرها التى تجاوزت الستين بقليل ، لم تساعدها سرعة أنفاسها على طرح السلام ، فاستعاضت بحركة من يدها، ثم وقفت أمام السرير تتأمل الجسد المسجى عليه , انزلقت دمعه من عينها مسحتها بظهر يدها وجلست على المقعد تحبس دموعا أخرى .
- تعبت نفسك معنا .
- الواجب يا بنتي .. يعلم الله قدر محبتها في نفسي . ، ثم أجهشت بالبكاء .
- وحدي الله يا حاجة .
- لا إله إلا الله .
جففت دموعها .. صمتت لبعض الوقت .. التقطت أنفاسها ثم تابعت : عشرة عمر يا حاج عشناها معا ، صحيح كنا فقراء نشقى من مطلعها إلى مغيبها في بيارات يافا وملبس ، لكن كان بالنا هادئ ، كنا نحب بعضنا ، كنا أهل ،أما اليوم يا حسرة علينا تطبعنا بأطباع اليهود .
- ربنا يصلح الحال .
- الله يسمع منك والله قلبي معك يا مسكينه .. كيف حالك وأيش عاملة ؟ .
- الحمد لله على كل حال .
- صحيح اللي يده في النار غير اللي يده في المية .. يمكن أنا أكثر وحدة حاسة فيكي .
أحست بنار تنهشها .. تصهرها .. تحيلها إلى رماد تذروه الرياح في جهات الأرض الأربع ، عبثا حاولت الوقوف .. أمسكت بكتف عمها وخرجت تتكيء عليه ، أسندت جسدها على الدربزين فداعبتها النسائم الآتية من جهة البحر متخطية البيوت المتراصة كعلب السردين ، سألها مذعورا : مالك يا بنتي ؟ .
- غثيان .. دوخة .
- شايفك بترجفي .. بردانة ؟ .، ثم مس جبينها بيده فرفعها مذعورا : جبينك نار .
- النار تستعر بداخلي .
- أستدعي دكتور ؟.
- لا عليك .. قرص أكامول وينتهي الأمر .
- هذا مش علاج .
- يمكن في البيت أرتاح .
- أرافقك ؟ .
- ما في داعي
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف