الأخبار
غالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّاتإعلام الاحتلال: نتنياهو أرجأ موعداً كان محدداً لاجتياح رفحإصابة مطار عسكري إسرائيلي بالهجوم الصاروخي الإيرانيالجيش الإسرائيلي: صفارات الانذار دوت 720 مرة جراء الهجوم الإيرانيالحرس الثوري الإيراني يحذر الولايات المتحدةإسرائيل: سنرد بقوة على الهجوم الإيرانيطهران: العمل العسكري كان ردا على استهداف بعثتنا في دمشقإيران تشن هجوماً جوياً على إسرائيل بمئات المسيرات والصواريخالاحتلال يعثر على المستوطن المفقود مقتولاً.. والمستوطنون يكثفون عدوانهم على قرى فلسطينيةبايدن يحذر طهران من مهاجمة إسرائيل
2024/4/16
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

نظرية الفرجة الشعبية عند المبدع المسرحي الجزائري عبد القادر علولة بقلم:د.جميل حمداوي

تاريخ النشر : 2010-05-14
نظرية الفرجة الشعبية عند المبدع المسرحي الجزائري عبد القادر علولة بقلم:د.جميل حمداوي
نظرية الفرجة الشعبية عند المبدع المسرحي الجزائري عبد القادر علولة

الدكتور جميل حمداوي
[email protected]
توطئـــة:

يعد عبد القادر علولة من أهم المبدعين والمخرجين الجزائريين الذين حاولوا تجديد المسرح العربي وتأصيله وتأسيسه على أسس تراثية . ومن هذه الأسس الفنية والجمالية والدرامية نستحضر: فن السيرة والحلقة والگوال وفن السرد كتابة وتمثيلا وإخراجا وتنظيرا. ومن المعروف أن المبدع الدرامي عبد القادر علولة من مواليد الغزوات بتلمسان سنة 1939م، وقد تلقى تدريبا مسرحيا بفرنسا، وساهم منذ وقت مبكر في إنشاء المسرح الوطني الجزائري ، فتولى إدارة فرقة مسرحية بمدينة وهران، بيد أنه اغتيل بشكل مفاجئ سنة 1994م .
وما يميز عبد القادر علولة في ساحة المسرح المغاربي بصفة خاصة والعالم العربي والإسلامي بصفة عامة أنه كان يدعو إلى قالب مسرحي يتضاد مع القالب المسرحي الغربي الأرسطي. ويتمثل ذلك القالب في توظيف التراث الشعبي ، ولاسيما فن السيرة والگوال وفن الحلقة، وكل ذلك من أجل تأسيس المسرح العربي على أساس الموروث الشعبي، وتأصيله على مقومات محلية قريبة من الشعب. ومن هنا، يمكن القول بأن المسرح الذي كان يتبناه عبد القادر علولة هو المسرح الشعبي أو الفرجة التراثية الشعبية . ويمكن استيقاء تنظيراته المسرحية من تصريحاته ومن أعماله المسرحية تأليفا وإخراجا. إذاً، ماهي التصورات النظرية عند عبد القادر علولة فيما يخص المسرح العربي؟ وماهو موقفه من التراث؟ وماهي الآليات التي كان يشتغل بها أثناء التعامل مع الذاكرة والتاريخ والموروث؟

1- التصــور النظــري عنــد عبد القــادر علولــة:

ينبني تصور عبد القادر علولة على رفض المسرح الغربي رفضا جذريا، بعد أن تعامل معه مدة ليست بالطويلة، ليقرر الثورة على القالب الأرسطي الكلاسيكي ، والتمرد عن العلبة الإيطالية التي تذكر الجمهور بفضاء درامي غريب عنه، وهو الذي تعود أن يرى الفرجة الشعبية في الأسواق والفضاءات الشعبية في الريف والمدينة على حد سواء. ومن هنا، اقترح عبد القادر علولة أن يوظف فن الحلقة ومسرح الگوال وفن السيرة للاقتراب أكثر من الفلاحين والعمال والتلاميذ والطلبة، أي التواصل مع الشعب الجزائري أيما تواصل ، بعيدا عن المسرح الغربي القائم على التغريب والاستلاب والتدجين. ويقول عبد القادر علولة في هذا السياق موضحا طبيعة مسرحه الجديد:" وفي خضم هذا الحماس، وهذا التوجه العارم نحو الجماهير الكادحة، والفئات الشعبية، أظهر نشاطنا المسرحي ذو النسق الأرسطي محدوديته، فقد كانت للجماهير الجديدة الريفية، أو ذات الجذور الريفية، تصرفات ثقافية خاصة بها تجاه العرض المسرحي، فكان المتفرجون يجلسون على الأرض، ويكونون حلقة حول الترتيب المسرحي (La disposition scénique)، وفي هذه الحالة كان فضاء الأداء يتغير، وحتى الإخراج المسرحي الخاص بالقاعات المغلقة ومتفرجيها الجالسين إزاء الخشبة، كان من الواجب تحويره. كان يجب إعادة النظر في كل العرض المسرحي جملة وتفصيلا» .
ويتبين لنا من هذه القولة أن عبد القادر علولة كان يفضل استخدام فن الحلقة لخلق تواصل حميمي مع الجمهور، وذلك باستعمال فضاء دائري ، واستخدام سينوغرافيا بسيطة تذكرنا بتقنيات المسرح الفقير. ومن هنا، كان الإخراج المسرحي العلولي المرتبط بفن الحلقة إخراجا شعبيا تراثيا يتميز تماما عن الإخراج المسرحي الذي تتطلبه قاعات المسرح ذي العلبة الإيطالية.
وعليه، فقد شغل علولة في إشراك الجمهور المحتفل كل الوسائل السمعية والبصرية، وذلك بقصد إمتاعه وإفادته ذهنيا ، و جذبه وجدانيا، والتأثير عليه حركيا. وطبق علولة أيضا المنهجية البريختية بما فيها نظرية التباعد ، والتغريب، والاندماج ، وتكسير الجدار الرابع، وذلك من أجل مساعدة الجمهور على التفكير والنقد والإدلاء بآرائه بكل صراحة في القضية المسرحية المطروحة أمامهم. وفي هذا الصدد يقول عبد القادر علولة:«عن طريق هذه التجربة التي استدرجتنا إلى مراجعة تصورنا للفن المسرحي، اكتشفنا من جديد ـ حتى وإن بدا هذا ضربا من المفارقة ـ الرموز العريقة للعرض الشعبي، المتمثل في الحلقة، إذ لم يبق أي معنى لدخول الممثلين وخروجهم، كل شيء كان يجري بالضرورة داخل الدائرة المغلقة، ولم تبق هناك كواليس، وكان يجري تغيير الملابس على مرأى من المتفرجين، وغالبا ما كان الممثل يجلس وسط المتفرجين بين فترتي أداء لتدخين سيكارة، دون أن يعجب من ذلك أحد» .
هذا، ولقد تعلم علولة الكثير الكثير من جمهوره المتفرج والمتحلق حول حلقته الدائرية الشعبية الممتعة، وذلك حينما اختار على مستوى التعبير والكتابة والأداء فن الحلقة والقالب المسرحي الاحتفالي وفن الگوال والمحكي السردي. وقد أثبت علولة مثل : التونسي عز الدين المدني والمغربي الطيب الصديقي والعراقي عمر الطالب وجود المسرح في تراثنا العربي ، وأنه ليس بفن مستحدث ومستورد بدأ مع مسرحية" البخيل" لخليل القباني سنة 1847م كما يقول الكثير من المستشرقين والدارسين العرب، بل له جذور فنية ودرامية قديمة ، تتمثل في الكتابات السردية والقصصية التي تحمل في طياتها ملامح درامية ومسرحية واضحة وجلية. ومن هنا، فالجمهور لا يريد من المسرح حسب علولة إلا الجانب المسموع منه، بدلا من الجانب البصري. ويعني هذا أن الجمهور يفضل سماع القصص والحكايات والسرود، بدلا من التفرج على العروض المسرحية . والدليل على ذلك أن علولة وجد بعض المتفرجين يجلسون بطريقة خلفية لاينظرون مباشرة إلى المشاهد المسرحية، بل يكتفون بالسماع والحفظ والتقاط الحوارات والسرود، وتشغيل الذاكرة إلى درجة أن البعض منهم كان يعيد بعض الحورات المشهدية كلها مرات عديدة. وفي هذا النطاق يقول علولة موضحا تصوره النظري الذي يقوم على مسرحة التراث، والدعوة إلى المسرح الشعبي المبني على فن الحلقة والگوال وفن الحكي: «إن النقطة التي ننطلق منها لتحقيق المسرح المحكي ليست ماثلة في أن لنا تراثاً قصصياً يمكن إعادة تشكيله مسرحياً، وإنما القضية هي أن لدينا تراثاً قصصياً ذا طبيعة مسرحية، يصدر عن خيال مسرحي، وفهم متميز لمطالب المشهد، والموقف، والشخصية، وسائر عناصر البناء المسرحي، غير أنه كتب بأسلوب الحكاية (وليس الحوار)، لأن أسلوب الحكي كان الأسلوب المستقر والممكن، ولأن الأذن العربية هي الطريق المدرب لالتقاط الجمال (وليس العين)، ولأن التمثيل لم يكن نشاطاً فنياً اجتماعياً يتعامل مع المستويات الأدبية الكتابية... وأخيراً، ليكن منطلقنا في رعاية هذه الظاهرة الفنية في تراثنا الحكائي ما ندعو إليه من تأصيل لفنون الإبداع العربية (المعاصرة والقادمة) بتحريرها من شروط أنتجتها حضارات أخرى» .
وهكذا، فمسرح عبد القادر علولة مسرح تجريبي حداثي متنوع وثري، يقوم على التثوير والتغيير والتجديد ، والانفتاح على التراث الشعبي، وذلك بالاعتماد على مجموعة من الفنيات المسرحية كالحلقة والسيرة والحكي والگوال. وهذه السمة التجريبية فكرا وجمالا هي التي جعلته يكرم في الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للمسرح التجريبي سنة 1992م، والذي يقام بالقاهرة في شهر شتنبر من كل عام، وفي هذا المهرجان تعرض أنجح المسرحيات التجريبية في العالم قاطبة.
ومن المعلوم أن عبد القادر علولة يعتمد في مسرحه على التراث العربي الإسلامي، والتراث الشعبي، والتراث الكوني والإنساني، والتراث المسرحي البريختي. أما عن مصادره المسرحية، فيمكن الإشارة إلى البريختية، ومسرح جان فيلار، والحركة الاحتفالية، والمسرح الثالث المغربي الذي اهتم بفن الحلقة اهتماما أنتروبولوجيا ودراميا، دون أن ننسى تأثر عبد القادر علولة بعبد الرحمن كاكي (فن الحلقة)، والطيب الصديقي( المسرح المحكي)، وعز الدين المدني( المسرح التراثي)...
ومن الأشكال التي ركز عليها علولة لبناء مسرحياته ولو كانت عالمية هو قالب الگوال الذي ساعد المتفرج على الإبداع، وتكملة العرض المسرحي الشعبي، والذي يذكرنا بقالب السامر عند توفيق الحكيم وغيره. وفي هذا الصدد يقول علولة:" ليست قضيتنا نقل التراث من فضائه الطبيعي إلى علبة، ولكن هي بنية العروض بالطريقة التي يعمل بها الگوال مع أخذ ما يناسبنا من التراث العالمي، والذي لا يمثل خدعة ولا يجعل المتفرج شوافا أو مستهلكا سجينا. فنحن نحاول أن نقيم علاقات ذكية مع المتفرج حتى يصبح مبدعا.فعرضنا هو شيء مقترح وليس نهائيا أو كاملا ولو أنه دقيق. فهو حافز أو منشط للطاقات الإبداعية والثقافية للمتفرج، وهذا موجود في المسرح الذي نقدمه، وموجود في قلب الأداء المسرحي الشعبي العربي" .
وعليه، يبني عبد القادر علولة تنظيره المسرحي على الممارسة الميزانسينية والتصريحات الحوارية، وذلك من خلال التركيز على الفرجة الشعبية القائمة على السرد والحلقة وفن الگوال.
2- إنتاجــات عبد القــادر علولــة المسرحيــة:

يتميز عبد القادر علولة بمجموعة من الإنتاجات المسرحية المتنوعة والثرية من حيث الأداء والقالب، ونستحضر منها: مسرحية" المائدة" (1972م)، و" حمق سليم"(1972م)، و"الگوال» ( 1980م) و«اللثام» (1989م) و«الأجواد» (1985م)، و«التفاح» (1992م) و«أرلوكان خادم السيدين» (1993م)، إلى جانب مسرحيات أخرى مثل: "العلق"، و"حمام ربي"، و"الخبزة". أما مسرحيته «العملاق" فلم ينته منها كتابة وإعدادا وتأليفا؛ وذلك بسبب اغتياله المفاجئ سنة 1994م.
ومن المواضيع التي تناولتها مسرحيات عبد القادر علولة المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية كمعاناة البسطاء والفلاحين والعمال والمثقفين في حياتهم اليومية، والإشارة إلى تدهور القدرة الشرائية عند المواطنين الجزائريين، والتعريض بالمحسوبية وفساد الإدارة والبيروقراطية ، والتنديد بالصراع الطبقي والتفاوت الاجتماعي، وتناول مشاكل الطلبة، ورصد علاقة الشعب بالسلطة الحاكمة، دون أن ينسى علولة الهموم القومية والقضايا المصيرية الكبرى كقضية فلسطين، وقضية لبنان، والتبعية الاقتصادية للغرب، وغيرها من القضايا العربية والإنسانية الحساسة....

2- موقــف عبـد القــادر علـولـة من التــراث:

اهتم عبد القادر علولة بالتراث الشعبي اهتماما كبيرا ، وذلك بعد قراره التخلي عن الاشتغال ضمن القالب المسرحي الأرسطي . فارتكن إلى فن الحلقة ومسرح الگوال والحكي السردي والسيرة الشعبية. وكل هذا بغية التجريب الحداثي لتأسيس مسرح عربي أصيل. ويقول الباحث المغربي مصطفى رمضاني في هذا السياق:" لقد اتجه عبد القادر علولة إلى التراث مدفوعا بدافع التجريب ، وبحثا عن الخطاب الـتأصيلي الحق ومشدودا إلى الحداثة في أنقى مظاهرها. فإذا كان خطاب الحداثة في المسرح العربي يتوسل بالتجريب...، فإن عبد القادر علولة كان من أوائل المبدعين المسرحيين العرب الذين استطاعوا أن ينتبهوا إلى هذه المسألة ، إذ راح يؤسس عروضه المسرحية بعيدا عن الأفضية المغلقة ، فاتصل بالفلاحين والفئات الشعبية السفلى، وحاول أن يشركهم في الفعل المسرحي عن طريق الاقتراب من مشاغلهم اليومية فيما يخص الجانب التيماتي،ومن أساليب الفرجة الشعبية فيما يخص الجانب الفني."
هذا، ويرتكز التراث عند عبد القادر علولة على مسرح الگوال وفن الحلقة وفن السرد. ومن ثم، يعد هذا المبدع من المسرحيين القلائل الذين وظفوا فن السيرة والحلقة في المغرب العربي، وفي هذا الإطار يقول الباحث المغربي المسكيني الصغير:"واعتقد شخصيا أن الذين تعاملوا مع مسرح الحلقة والسيرة ، بشكل من الأشكال في المغرب العربي، باستثناء الكاتب الشهيد عبد القادر علولة، الذي حاول اختراق فضاء الحلقة بذكاء مبدع في أعماله المشهورة (الأجواد، اللثام) كانوا بعيدين من روح الحلقة، لأن نصا دراميا يلبس مثل هذا الشكل/ الحلقة، حيث يفترض توظيف عناصر التمثيل والغناء والرقص، إلى جانب الرواية والحكي والقص العجائبي- لا يمكن أن يخضع كليا للقالب المسرحي الغربي، و لا يمكن أن يكون إلا نصا فريدا له خاصيته الوطنية الشعبية المؤثرة، يفجر مكامن ومظان المتلقي الغربي والعربي في الشكل والمضمون... الذي هو ليس متفرجا تراجيديا؟ وليس متفرجا كوميديا أو تراجيكوميديا؟ الخ... فهو جامع لكل هذه الحالات والمواقف الدرامية في آن واحد... في المشهد الواحد."
وعلاوة على ذلك، فقد وظف علولة فن الحكي والسرد إلى جانب الحلقة وفن الگوال ، بدلا من استخدام الحوار المشهدي والتمثيلي. لأن الجمهور حسب علولة يحبذ حاسة السمع ، ويفضلها على حاسة البصر. والمقصود من هذا أن المتفرج في مسرح علولة يقبل كثيرا على القصة المحكية ، بدلا من رؤية الفرجة التمثيلية المعروضة. يقول مصطفى رمضاني:" أما فيما يخص الجانب الفني، فنجده يستعين بلغة التراث الشعبي، ويوظف أسلوب الگوال المعروف في المجتمع الجزائري، ويتجاوز التقسيمات المألوفة في الحوار الدرامي. فلا وجود للحوار المسرحي في مسرحياته؛ لأن الحكي هو الذي يقوم مقامه. فالحكي عنده هو التقنية القادرة على خلق تواصل شعبي مع المتلقي، لأنه ينحدر أصلا من فضاء شعبي مألوف لديه ومخزون في الذاكرة الشعبية هو فضاء الحلقة. وهذا الفضاء يمثل مصدرا أساسيا في تكوين الذوق الجمالي عند المتفرج. وهو فضاء يتميز بانفتاحه ومرونته في ضبط مكان المتفرجين والممثلين أو تحديد وضعيتهم. ويتيح للممثل قدرة أكبر على التخييل ، ومحاورة الجمهور من كل الزوايا ، على غرار ماكان يفعل المداح التقليدي أو الحكواتي أو الكوال.
ومن المؤكد أن عبد القادر علولة حين استغنى عن الحوار ، وعوضه بالحكي، كان يستحضر ما تحفظه ذاكرة المواطن الجزائري من ألوان التعبير الشعبي. وهو يرى أن الغاية من استغلال عناصر التراث الشعبي الجمالية تكمن في مخاطبة المواطن بالأسلوب القريب من ذاكرته، باعتبار أن هذا الأسلوب هو الذي يحدد ذوقه كما رأينا. لذلك، غالبا مانجده يتحدث عن المواطن في المسرح بدلا من الجمهور أو المتلقي. فإذا كان هناك مواطن، فهناك متفرج."
ومن أهم النماذج الممثلة لمنحاه التراثي الشعبي ثلاثيته المسرحية( الگوال، والأجواد، واللثام)، وقد " صارت تجربته مثالا يحتذى في كافة القطر الجزائري كما هو الشأن مع تجربة الشريف عياد التي لا تختلف كثيرا في أسلوبها عن تجربة علولة."
ولكن يلاحظ أن علولة قد تأثر كثيرا بتجربة عبد الرحمن كاكي فيما يخص توظيف الحلقة والگوال والمحكي السردي. ويقول خالد أمين في هذا الشأن:" تعتبر تجربة الجزائري عبد الرحمن كاكي(1934-1995م) رائدة في توظيف شكل الحلقة الدائري وتقنيات القوال الشعبي في الستينيات من القرن الماضي. والملاحظ في تجربة عبد الرحمن كاكي( الذي اشتغل جنبا إلى جنب مع عبد القادر علولة في البدايات الأولى) هو تشبعه بالمسرح البريختي التعليمي والملحمي قبل عودته للحلقة الشعبية، ومحاولة استنباتها كشكل مسرحي قائم بذاته. ولعل أبرز مسرحيات كاكي التي استلهمت تقنيات الگوال الشعبي هي:" القراب والصالحين"، والتي توجت في مهرجان صفاقس سنة 1966م.كما أن جل مسرحيات كاكي المقتبسة تتشكل في فضاء بيني مثل: مسرحية" القراقوز" (1964م) المقتبسة عن الكاتب الإيطالي كارلو غوردوني، ولكنها ممزوجة بعوالم ألف ليلة وليلة وملحونيات الغرب الجزائري."
ومن الناحية الفنية، فقد استعمل علولة الأفضية المفتوحة، والخطوط الدائرية، والفرجة الشعبية القائمة على الحكي والحلقة والگوال والسيرة ، واستعان ببساطة الديكور، وتقنيات المسرح الفقير، وملامح المسرح البريختي، وبعض خصائص المسرح الاحتفالي فيما يخص الجمع بين الملقي والمتلقي في احتفال جماعي مباشر.
وعلى الرغم من كون مسرح عبد القادر علولة سرديا بامتياز، " إلا أنه مكثف من حيث الكتابة البصرية، وذلك بالاعتماد على جسد الممثل المحتفل أكثر من أي شيء آخر كالأكسيسوار أو الإضاءة.هكذا، يتشكل مسرح علولة من خلال تكثيف الجستوس الاجتماعي الذي يعكس وجهات النظر التي تتبناها الشخصيات المسرحية من خلال التعبير الفيزيقي، ونبرة الصوت، وملامح الوجه. وأحيانا تكون تجليات الجستوس في غاية التعقيد والتعارض حيث لا تسعف الكلمة المنطوقة وحدها إبراز هذه التعقيدات برمتها. لذلك، فالممثل العلولي مطالب بمنح دوره التركيز اللازم حتى لا يخفق في تبليغ الصورة بكل أبعادها.فمن خلال تغريب السيميوزيس المسرحي وانزياحه عن البناء الدرامي التقليدي، يهدف عبد القادر علولة ليس فقط تجديد إدراك الذات المتلقية للموضوعات المقدمة فوق الخشبة، وإنما يتجاوز القيمة الإدراكية بهدف إدراج إرادة باطنية وعميقة لبناء ماتم تفكيكه سلفا انطلاقا من وجهة نظر اجتماعية نافذة.اعتبارا لهذا، فإن تقنيات علولة المسرحية مسيسة جدا ، وهي بهذا الصنيع بريختية بامتياز."
ويحضر الگوال في مسرحيات عبد القادر علولة باعتباره راويا شعبيا وساردا ينسق بين الشخصيات ، ويمهد للأحداث، إنه بمثابة المداح والحكواتي، أو بمثابة ممثل شامل، ويحضر في المسرحية العلولية:" بعصاه ولباسه المزركش، ليروي الأحداث، ويتغنى بخصال الشخصيات المتجذرة في الوجدان الشعبي، بالإضافة إلى تجسيد بعض المشاهد من خلال تقمص الأدوار."
ويعني هذا أن الگوال يجمع بين التمثيل المشهدي والحكي المسرد، أويتأرجح بين الراوي المنسق وتمثيل الشخصيات المحورية، مع التعريف بالشخصيات المسرحية المقدمة، والتعليق عليها تحبيكا وتمطيطا. ومن هنا، فالگوال:" يحتل في مسرح عبد القادر علولة مكانا مركزيا. فهو الذي يضع، وبشكل جوهري، شخصه تحت الأضواء، يتكلم ليقول كل شيء ببساطة. يأخذ دور الشخصية التي يتحدث عنها، ثم يعود ليأخذ دور الراوي. وهذا اللعب بين الحكاية والتمثيل المسرحي يعطي ولادة جديدة لشكلين من الجمهور: الجمهور الداخلي والجمهور الخارجي. يشترك الجمهور الداخلي في التمثيل المسرحي.ففي اللحظة التي يتحدث فيها الگوال يصبح الممثلون الآخرون متفرجين، ثم يستعيدون أدوارهم حين تعاد إليهم الكلمة، وإذ يمرر الگوال إليهم فعل الكلام فذاك يوحي بخلود الحركة في القول..."
ونورد إليكم طريقة تقديم الگوال لشخصياته المسرحية بطريقة حكائية سردية كتقديمه لشخصية علال الزبال كما في مسرحية:" الأجواد:

"علال: علال الزبال ناشط ماهر في المكناس
حين يصلح قسمته ويرفد وسخ الناس
يمر على الشارع الكبير زاهي حواس
باش يمزح بعد الشقاء يهرب شوى للوسواس
يرشف قارو مبروم تحت الشاشية
ينسف صدره كاللي معلق الحاشية
وراء الظهر يتنى الذراع ويثقل المشية
كأنه وزير جايل في جرته حاشية
يخطوى فخور للرصيف ماعليه تخشة
ويطل من بعيد في الحوانيت للسلعة المفرشة
كأنه يراقب في المليحة والمغشوشة
معجب بالخيرات خدمة قراينه في الورشة."
ويقدم الگوال شخصية الحبيب الربوحي الحداد عبر فنيات الوصف ، والتشخيص، وسرد الحدث، وتحبيكه دراميا. ويلاحظ أن الحكي سمة أساسية وخاصية مفضلة عند علولة في تناول شخصيته المحورية:
"الربوحي: ...في ختام الدراسة خاد الربوحي الحبيب الحداد موقف ودبر على حل للنجدة. نظم حلقة تضامنية ودخل معاه شبان الحي في العملية. عادو كل يوم وقت المغرب يلموا كل مايحصلو عليه من مأكولات : لحم، دجاج، عظام، قمح، نخالة، خبز، حشيش، خضرة، وفاكية، وحين مايطيح الليل يدخل الربوحي سريا للحديقة يتشبط ويتلبد المغبون باش يفرج على مسجونين الحديقة وراه تابعينوا قطط وكلاب الحومة. أكثر من شهر وهو يجيبلهم في الماكلة.في المهمة داخل الجنان يلتزم عليه يجري ويتخبا من وراء الشجر خوفا.إذا العساس اللي يبات يحضي عادوا كل مايوصلهم يفرحو به ويرحبو به أحسن رحاب. الطاووس تفتح كعالتها وترسم بريشها الملون لوحات عجيبة. الببغاء ينطق بأهلا...أهلا مدوي الجو، القرد يشطح زاهي ينقز ويدير" كامبعرايس" في السماء والبط...البط يوقوق كأنه قايم بتصفيقة حارة."
ويلاحظ أن الگوال يستخدم في أقواله الشعبية العامية الجزائرية ، ومسرح الشخصية، وكل ذلك من أجل التقرب من الجمهور الحاضر ، بغرض خلق مشاركة وجدانية احتفالية. ويقول الباحث المغربي حسن يوسفي عن مسرحية:" الأجواد" التي شغلت تقنية الگوال:" تريد أن تكون (هذه المسرحية) نموذجا للمسرح الشعبي ذي النزعة الواقعية الذي يميل إليه علولة، فقد جعل من وضعية الگوال إلى جانب اللهجة العامية وسيلتين فنيتين لترجمة هذا الاختيار.وقد نجحت هذه التجربة ، وتركت أصداء قوية سواء داخل المشهد المسرحي الجزائري أو خارجه، كما في المغرب، مثلا، عندما عرضت مسرحية" الأجواد"، وتعرف عليها الجمهور المسرحي المغربي."
ومن هنا، يرتبط عبد القادر علولة جزائريا وعربيا بمسرح الگوال تجريبا وتحديثا وتأسيسا وتأصيلا، من خلال ربطه بفن الحلقة والسيرة والمسرح المسرد أو المحكي.

3- آليــات التعامــل مـع التــراث:

شغل عبد القادر علولة في تعامله مع التراث مجموعة من الآليات الميزانسينية كآلية الاحتفال المسرحي على غرار الحركة الاحتفالية كما عند عبد الكريم برشيد أو عند أصحاب المسرح الثالث بالمغرب كالمسكيني الصغير، وذلك من خلال إشراك الجمهور في بناء العرض المسرحي خارج العلبة الإيطالية. ونذكر كذلك آلية الارتجال أثناء تقديم المسرحية بشكل ميتامسرحي مرتجل، وآلية التباعد والتغريب وآلية اللااندماج، وآلية تكسير الجدار الرابع، وآلية السرد والحكي . وهذه الآليات المسرحية معروفة عند برتولد بريخت.
هذا، وتحضر هذه التقنيات المسرحية البريختية أيضا عند ولد عبد الرحمن كاكي، وحاج عمر،وهاشمي نور الدين... ويعني هذا أن عبد القادر علولة كان معجبا ببريخت كمعظم المخرجين العرب كسعد الله ونوس، ومحمد مسكين، وعبد القادر عبابو، والطيب الصديقي، والمسكيني الصغير، ومصطفى رمضاني، ولحسن قناني، ومحمد الكغاط، وغيرهم كثير...
ولكن من أهم الآليات العامة التي شغلها عبد القادر علولة في التعامل مع التراث آلية الحلقة وآلية الگوال وآلية السيرة ...

خاتمـــة:

وهكذا، يتبين لنا بأن مسرح عبد القادر علولة يقوم على تصور نظري يتجلى بكل وضوح في مجموعة من تصريحاته وحواراته وممارساته المسرحية المتنوعة والمتعددة والثرية. ويرتبط تنظيره المسرحي بالفرجة الشعبية التي تستند إلى فن الحلقة والسيرة والگوال ، والجمع بين التمثيل المشهدي و السرد المحكي، وتوظيف الاحتفالية، واستخدام الواقعية الملحمية والجدلية، والميل في مسرحه إلى النزعة الشعبية. ومن هنا، فعبد القادر علولة من المسرحيين العرب الذين دافعوا عن وجود الخطاب الدرامي في التراث العربي الإسلامي وفي موروثنا الشعبي، بشرط أن نحسن التعامل مع التراث تعاملا واعيا وإيجابيا، فنقربه من الجماهير عبر فنيات وآليات وجماليات شعبية كالارتجال، والسرد، والتباعد، والتغريب، وتكسير الجدار الرابع ، والاحتفال ، والتمسرح، وغيرها من التقنيات المسرحية الأخرى الممتعة والهادفة.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف