الدولة السامانية كانت الدولة السامانية التي حكـمت خراسان. وبلاد ما وراء النهر (نهر جيحون) في القرنين الثالث والرابع الهجريين، وعاصمتها "بخاري" من أهم المراكز الحضارية في العالم الإسلامي. إضافة إلى سمرقند وبلخ حيث كان الطلبة يفدون إلى تلك الأماكن لدراسة العلوم، ولقد اشتهرت الدولة " السامانية " بجهادها ضد الترك الوثنيين في وسط أسيا، وحملتهم على الانخراط في جيوشها عن طريق نظام تربوي إسلامي عسكري، طبقته عليهم منذ الصغر. وقد أعطانا الوزير السلجوقي " نظام الملك الطوسي (ت 485 م) " في كتابه "سياسة نامه "، وصفاً دقيقاً لهذا النظام التربوي الذي وضعه السامانيون الأتراك، ومن ذلك قوله: "إن الأتراك الـسامانيين يرقون تدريجياً بناء على خدماتهم وشجاعتهم وليس اعتماداً على المحسوبية أو الجاه ". وتمتد فترة تدريب إلى سبعة أعوام يستحق في نهايتها لقب عريف الدار حيث يرتدي قباء من الحرير، ويضع على رأسه طاقية من الجوخ الأسود ثم يأخذ في الترقي عاماً بعد عام. وتزداد حاشيته تدريجياً إلى أن يصل إلى مرتبة صاحب الخيل ثم حاجب الحجاب. ولا يأخذ لقب أمير ولا يتولى عملاً كبيراً مثل القيام على ولاية من الولايات أو فرقة من الفرق العسكرية إلا بعد أن ينضج. وسن النضوج في العادة هو سن الخامسة والثلاثين ". الدولة الغزنوية 2- الدولة الغزنوية التركيبة : وهي وليدة الدولة السامانية في منتصف القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) وكان مؤسسيها الأول مملوكاً تركياً من مماليك السامانيين في بخاري، وهو الأميرة "البتكين " الذي ولاه "السامانيون" على "غزنة، بالقرب من " كابل " في أفغانستان شمالي الهند. وهناك استطاع "البتكين " أن يقيم دولة مستقلة عن السامانيين- إلا من ناحية التبعية الاسمية- هي الدولة الغزنوية. وبعد وفاة البتكين آلت الأمور إلى مملوكه وزوج ابنته "ناصر الدين سبكتكين "، الذي حارب باسم السامانيين في بلاد الهند الشمالية، فاستولى على "بست " ويقصدار" سنة 368 هـ، وهزم جيوش "جيبال " راجا لاهور على حدود البنجاب. وجاء بعد سبكتكين ابنه "محمود الغزنوي " (388- 421 هـ- 998- 30 10 م) الذي بلغت الدولة الغزنوية في عهده ذروة ازدهارها، فألغى اسم السامانيين من الخطبة في مملكته، وخطب للخليفة العباسي القادر بالله، الذي أنعم عليه بلقب يمين الدولة وأمين الملة، وهو بمثابة تقليد رسمي من الخلافة، كما حصل أيضا على لقب "الغازي " وهو من أوائل الألقاب في الإسلام. هذا إلى جانب لقب سلطان الذي يعتبر "محمود الغزنوي " أول من تلقب به من الغزنويين بعد أن كانوا يتلقبون بلقب أمير. ويؤثر عن "السلطان محمود الغزنوي " أنه غزا بلاد الهند أكثر من اثني عشرة مرة مدفوعا، في ذلك بعامل الجهاد الديني والرغبة في نشر الإسلام بين الهنود الوثنيين. واستطاع بذلك أن يبسط نفوذه إلى ما وراء كشمير والبنجاب ويحطم أصنامهم، وأن يجعل من إقليم البنجاب ولاية إسلامية قاعدتها مدينة لاهور، ويحكمها ولاة مسلمون من قبل الغزنوية، وهكذا تعتبر الدولة الغزنوية أول دولة إسلامية في الهند. وتجدر الإشارة إلى أن المسلمين الأوائل في أواخر القرن الأول الهجري، كانوا قد فتحوا إقليم السند في شمال غرب الهند على يد"محمد بن القاسم الثقفي " . وها هو ذا " محمود الغزنوي " في أواخر القرن الرابع الهجري يضيف إلى السند أقاليم البنجاب، والملتان، والبنغال، وهي الأقاليم التي تكون في مجموعها ما يسمى الآن بدولتي باكستان وبنغلاديش الإسلاميتين. كذلك ظهرت في الهند على عهد "محمود الغزنوي " لغة الأردو (أي المعسكر) وهي مزيج من عدة لغات منها الفارسية والتركية والعربية والسنسكريتية الهندية القديمة. ولم تلبث هذه اللغة الأردية أن صارت لغة الهند وباكستان وبخط عربي. ولقد عاش في كنف الغزنويين عدد من كبار العلماء والشعراء، نذكر منهم الشاعر الإيراني المشهور " أبا القاسم الفردوسي " الذي أهدى السلطان "محمود الغزنوى" ملحمته الشعرية الفارسية "الشاهنامة" التي يعتبرها الإيرانيون من مفاخرهم الأدبية، لأنها تقص أخبار ملوك الفرس القدماء. وقد منحه السلطان "محمود الغزنوي " ستين ألف مثقال من الفضة على عدد أبياتها. كذلك نذكر المؤرخ " أبا نصر محمد بن عبد الجبار العتبى " الذي كتب تاريخا عن حياة "محمود الغزنوي " وجهاده إلى سنة 409 هـ، وسماه " تاريخ اليميني " نسبة إلى لقبه يمين الدولة. وقد ألف هذا الكتاب باللغة العربية لكي يقرأه أهل العراق. وهناك العالم المؤرخ "أبو الريحان البيروني الخوارزمي (ت 440 هـ) " الذي صحب محمود الغزنوي في بعض غزواته بالهند ثم استقر معه في غزنة متمتعاً بمكانة سامية. وقد ألف "البيروني " عدة كتب بالفارسية والعربية نذكر منها كتاب "القانون المسعودى " الذي أهداه إلى السلطان "مودود بن مسعود"، هذا إلى جانب تاريخه المشهور باسم "الآثار الباقية عن القرون الخالية"، الذي تحدث فيه بالعربية عن الجماعات والطوائف والشعوب القديمة، مع ذكر أعيادها واحتفالاتها الدينية والقومية. وقد نشر هذا الكتاب وترجمه إلى الإنجليزية "أدوار سخاو" في القرن الماضي. وأخيرا نشير إلى المؤرخ الفارسي "أبي الفضل محمد بن حسين البيهقي (ت 470 هـ) " الذي كتب بالفارسية تاريخا " للسلطان مسعود ووالده محمود الغزنوي " عرف "بتاريخ البيهقي ". وقد نقل د. يحيى الخشاب ما تبقى من هذا الكتاب إلي اللغة العربية سنة 1956. وانتهت الدولة الغزنوية في القرن السادس الهجري (12 م) على أيدي قوتين كبيرتين هما: قوة الغوريين الأفغان، وقوة السلاجقة الأتراك. الغوريون وهم الذين قضوا على ملك الغزنويين في الهند، واستولوا على قاعدتهم في لاهور، وأقاموا هناك ثاني دولة إسلامية في الهند، وهي الدولة الغورية (543- 612 هـ= 1148- 1215 م) التي سميت باسم مكان نشأتها، وهي جبال الغور بأفغانستان بين هراة وغزنة وتسمى حاليا هزارستان. غير أن سلاطين هذه الدولة الغورية لم يقيموا في الهند دائماً، وإنما كانوا يقيمون في مدينة غزنة عاصمة ملكهم، وصاروا يحكمون الهند عن طريق الأتراك. وقد أكثر السلطان "محمد الغوري " من شراء المماليك واعتنى بتربيتهم واعدادهم لمهمة الغزو والجهاد. ويؤثر عنه أنه كان كلما ناقشه أحد عن ضرورة الحاجة إلى ابن ذكر يحافظ على ملك أسرته من بعده، أجابه بأن لديه ألوفاً من الأبناء، ألا وهم الأتراك. وقد ارتفع بعض هؤلاء المماليك إلى مناصب الحكم والقيادة، نذكر منهم،" يلدز" حاكم كرمان، و " ناصر الدين قباجة " في السند، و" قطب الدين أيبك " في دلهي وهو أقوى الجميع نفوذاً، وقد زوجه السلطان إحدى بناته. وهكذا استطاع محمد الغوري بفضل جهود مماليكه وعلى رأسهم " أيبك "، أن يملك جميع الأراضي الهندية في شمال جبال فنديا vindha حتى مصبات نهر الكنج، فعم بها الإسلام، وتحولت معابدها الهندوسية إلى مساجد ويدفع راجاتها الجزية. وفي سنة 603 هـ (1206 م) اغتيل السلطان "محمد الغوري"، على ضفاف السند ، وبموته اختفت غزنة والغور من التاريخ، وظهرت مدينة دلهي كعاصمة إسلامية لدولة سلاطين الأتراك في الهند. دولة الأتراك في دلهي وكان أول سلاطينها " قطب الدين أيبك " بعد موت سيده. وقد اشتهر عنه تمسكه بتعاليم الإسلام، ويظهر ذلك بوضوح في عدائه الشديد لنظام الطبقات الذي كان سائداً في الهند، ومعاملته للناس على أساس المساواة التي ينص عليها الإسلام. وينسب لأيبك في دلهي مسجد عظيم أسماه " قوة إسلام "، ويبلغ ارتفاع مئذنته 250 قدم، وهي تعد أطول منارة في العالم، ولا تزال قائمة إلى اليوم وتعرف باسم " قطب مينار" أي منارة قطب " وتمتاز بنقوشها وزخارفها ذات الطابع العربي والهندي. وانتهى حكم أيبك على هندستان في سنة 608 هـ (1210م) وذلك على أثر سقوطه من على فرسه. أثناء لعبة الكرة أو البولو- جوكان- فتوفي على الأثر. وخلفه أحد مماليكة البارزين وزوج ابنته " شمس الدين التتم"الذي سار سيرة حسنة في رعيته، واشتد في رد المظالم وأنصاف المظلومين. فيؤثر عنه أنه أمر أن يلبس كل مظلوم ثوباً مصبوغاً. وأهل الهند جميعا يلبسون البياض، فكان إذا قعد للناس أو ركب، فرأى أحداً عليه ثوب مصبوغ نظر في قضيته وأنصفه ممن ظلمه. وبلغ فوز السلطان، " التتمش " أقصى مداه حينما اعترف به خليفة بغداد المستنصر بالله العباسي، سلطان على الهند، وبعث له بالتقليد والخلع والألوية في سنة 626 هـ (1229 م)، فأصبح (التتمش " بذلك أول ملك في الهند تسلم مثل هذا التقليد. ومنذ ذلك التاريخ ضرب "التتمش "نقودا فضية نقش عليها اسم الخليفة العباسي بجوار اسمه. ويعتبر هذا العمل شيئا جديداً على نظام العملة الهندية، إذ كان الحكام المسلمون قيل ذلك يضربون نقوداً معدنية صغيرة على غرار النقود الوطنية، تنقش عليها أشكال مألوفة لدى الهنود، "كثور سيفا" مثلاً، كما كانت أسماء الفاتحين تكتب بحروف هندية في غالب الأحيان. "فالتتمش " يعتبر إذن أول من ضرب نقودا فضية خالصة في الهند. وتوفي السلطان "التتمنثى"سنة 634 هـ (1236 م) ولم تكن هناك شخصية صالحة للملك من بعده سوى شخصية ابنته "رضية الدين " التي فضلها أبوها على أخوتها الذكور لذكائها وحسن إسلامها، وقد سماها مؤرخو الهند باسم "ملكة دوران بلقيس جهان " أي فتنة العالم. وقد بذلت هذه السلطانة جهوداً عظيمة في إدارة شئون الدولة، ولكنها اصطدمت في النهاية بمجلس أمراء المماليك الذين حقدوا عليها بسبب زواجها من فارس حبشي، فثاروا ضدها، وانتهى الأمر بقتلها سنة 638 هـ ( 1240 م) بعد حكم دام أربع سنوات، فكانت نهايتها تشبه نهاية السلطانة "شجرة الدر" التي حكمت مصر بعدها بعشر سنوات، وانتهى أمرها بالقتل أيضا سنة 648 هـ (1250 م). الأتراك السلاجقة الأتراك السلاجقة: ويمثلون القوة الإسلامية الجديدة التي حلت محل الغزنويين في خراسان والمشرق الإسلامي، والتي غذت الإسلام، بدماء فتية جديدة، ساعدته على الصمود والانتصار، والانتشار في بلاد الروم. ذلك لأن الخلافة العباسية قبل ذلك الوقت كانت عاجزة عن حماية حدودها بسبب عداوتها مع الخلافة الفاطمية في القاهرة. وقد انتهزت الدولة البيزنطية هذه الفرصة، وأخذت تغير على الحدود الإسلامية المتاخمة لها، وتتوغل في شمال الشام والجزيرة. ولكن من حسن حظ الخلافة العباسية في ذلك الوقت، أن جاءتها من المشرق تلك القوة التركية الفتية المليئة بفتوة البداوة وعنفوانها، فأنقذتها من انهيار محقق. ففي سنة 463 هـ (1071 م) استطاعت جيوش السلاجقة بقيادة سلطانها "ألب أرسلان "، وباسم الخلافة العباسية، أن تحرز انتصاراً حاسماً على الإمبراطور البيزنطي "رومانوس ديوجينيس" " ROMANOS DIOGENES وأن تأخذه أسيراً في موقعة " ملا ذكرد " أو "منزكرد " من أعمال "خلاط " على الفرات الأعلى، شمال بحيرة فانVAN عند أرمينية. لقد جاء السلاجقة في فترة انحطاط القوى الإسلامية الأخرى من عباسية وفاطمية ونجحوا في توحيد المشرق الإسلامي من جديد، فأعطوا المسلمين الحيوية والنشاط في الجهاد ضد الصليبيين، ويذكر بأن طغرل سلطان السملاجقة كتب إلى الخليفة العباسي القائم بأمر الله مظهراً ولاءه له، مؤكداً حبه لرفع راية الإسلام وإعلاء كلمة الله في نشر الإسلام غرباً، وقد أقره الخليفة العباسي سنة 432 هـ/1040 م سلطاناً على السلاجقة، مما أكسب دولة السلاجقة الفتية صفة الشرعية وأثار حميتها الدينية لمنا جزة البيزنطيين واسترداد البقاع التي كانوا قد احتلوها في أرمينية والأناضول وقد أعطت نتائج هذه الموقعة سمعة إسلامية ضخمة للسلاجقة باعتبارهم المجاهدين والمدافعين عن الإسلام، والعاملين على نشر الدعوة، وإزاء ذلك مهدت الطريق أمام السلاجقة لنشر الدعوة في آسيا الصغر- حيث وجه "ألب أرسلان " ابن عمه " سليمان قتلمش "، إلى الأناضول، وأقام هناك دولة سلاجقة الروم، نسبة إلى بلاد الروم التي قامت فيها. ومنذ ذلك الوقت، عم الإسلام بلاد آسيا الصغرى التي صارت تعرف إلى الآن باسم بلاد الأناضول الإسلامية. واستحدث السلاجقة- أيضا- بعض الأنظمة والعادات الفارسية والتركية التي جلبوها معهم من المشرق، ولم تكن معروفة من قبل أيام الأمويين والعباسيين والفاطميين. ومن أمثلة ذلك، استخدام "الجاليش " في مقدمة الجيش. و،" الجاليش " عبارة عن خصلة وشعر ذيل الحصان، كانت ترفع في أعلا سنان الراية أمام الجيش. ثم صارت تطلق مجازاً على مقدمة الجيش أو طلائعه باسم " الجاليشية " . ومن "أمثلة ذلك أيضاً حمل "الغاشية " بين يدي السلطان في الأماكن والمناسبات الحافلة كالميادين والأعياد والمواكب ونحوها كشعار للسلطنة . و "الغاشية" عبارة عن سرج من الجلد مخروزة بالذهب حتى يخالها الناظر كلها مصنوعة من الذهب. يحملها ركاب الدار بين يدي السلطان، ويلفتها يميناً وشمالاً. وقد انتقلت هذه العادة إلى مصر والشام على يد صلاح الدين الأيوبي وخلفائه، واستمرت بعد ذلك في أيام سلاطين المماليك لأتراك كرمز للطاقة والإخلاص للسلطان: "حمل الغاشية بين يديه ". كذلك استحدث السلاجقة نظام المدارس الدينية، وهي منشآت علمية هدفها بث روح الجهاد بين المسلمين والتصدي للطائفية، مثل المدرسة النظامية التي أسسها الوزير السلجوقي "نظام الملك " في بغداد. وسار على هذه السياسة "نور الدين محمود زنكي " في الشام ثم "صلاح الدين الأيوبي " في مصر. على أنه يلاحظ في هذا الصدد أن مدينة الإسكندرية عرفت نظام المدارس الدينية في أواخر أيام الفاطميين وقبل مجيء صلاح الدين الأيوبي، فأول مدرسة أنشئت فيها هي المدرسة الحافظية التي أسسها "رضوان بن ولخشي " وزير الخليفة "الحافظ الفاطمي سنة 533 هـ "، وأسند التدريس فيها إلى "الفقيه المالكي أبي الطاهر بن عـوف "، الذي سبق أن قرأ المذهب المالكي على زوج خالته أبي بكر الطرطوشي المشهور بكتابيه " سراج الملوك"، و "الحوادث والبدع ". وبعد عشر سنوات أي في سنة 544 هـ بنى "العادل بن السلار"، وزير الخليفة الظافر الفاطمي، مدرسة دينية أخري بالإسكندرية، وأسند التدريس بها إلى "الفقيه الشافي أبي الطاهر أحمد السلفي " صاحب كتاب "معجم السفر". ويمكن القول بأن به الأيوبيين هم الذين اهتموا في الواقع ببناء المدارس في أنحاء مصر والشام متأثرين في ذلك بسياسة السلاجقة. وقد سار السلاجقة- أيضا- على سنة أسلافهم هم السامانيين المتمثلة في الإكثار من الأتراك، وتربيتهم منذ الصغر تربية عسكرية إسلامية لاستخدامهم في الجيش والإدارة. وقد شرح هذا النظام وزير السلجوق "نظام الملك الطوسي " في كتابها، سياسة نامة " إرشادا للحكام السلجوقيين. وعلى هذا الأساس غلب الطابع العسكري على الدولة السلجوقية، فصار ولاتها وقادتها من هؤلاء " لأتراك كما أصبحت معظم أراضيها في فارس، والجزيرة، والشام، مقسمة إلى إقطاعيات عسكرية يحكمها القادة من هؤلاء لأتراك، في مقابل الخدمات العسكرية التي يؤدونها للدولة في وقت الحرب. وسمي هؤلاء لأتراك الكبار باسم "الأتابكة". و "الأتابك" لفظ تركي مركب معناه الأب الأمير، ومعناه المربي لابن السلطان، ثم أصبح لقبا تشريفيا يمنح للكبار من القواد بمعنى أبو الجيش أو قائد الجيش أو نائب السلطنة. وهكذا نرى مما تقدم أن السلاجقة في أيام قوتهم اتخذوا أشخاصاً من كبار أطلقوا عليهم "الأتابكة" ليكونوا مربين لأولادهم القصر، ومنحوهم إقطاعيات كبيرة مقابل قيامهم على شئون هؤلاء الأبناء، وتأديتهم الخدمة العسكرية وقت الحرب. ولكن سرعان ما صار هؤلاء "الأتابكة" أصحاب النفوذ والسلطان في تلك الولايات. ومن مشاهير الأتابكة في أوائل القرن السادس الهجري(13 م)، الأمير "عماد الدين زنكى" مؤسس أتابكية الموصل وحلب، وهو ابن قسيم الدولة اق سنقر الحاجب الذي بدأ حياته مملوكا" للسلطان "ملكشاه المسلجوقي "، وعن طريق "زنكي وابنه نور الدين محمود" كان ظهور قواده "نجم الدين أيوب " وولده"صلاح الدين " الذي تأثر بالنظم السلجوقية، واليه يرجع الفضل في انتقال تلك النظم إلى مصر والشام، حيث بقيت زمان الأيوبيين، ثم بعد ذلك دولة المماليك الأتراك، التي تبلور فيها هذا النظام التربوي العسكري الإسلامي، وصار راسخاً متيناً، ومكنها من صد الزحف المغولي شرقاً، وطرد المستعمر الصليبي من مصر والشمام غرباً. وفي ذلك يقول " القلقشندي " (صبح الأعشى ج 4 ص 6): "ود أبت سلطنة المماليك في مصر على أن تنقل عن كل مملكة سبقتها أحسن ما فيها، فسلكت سبيله، ونسجت على منواله، حتى تهذبت وترتبت أحسن ترتيب، وفاقت سائر الممالك، وفخر ملكها على سائر الممالك " . الأيوبيين والمماليك الأيوبيون والمماليك: وهؤلاء لم يقتصر دورهم، على حماية الإسلام في مصر والشام، والذود عنه ضد المعتدين من الصليبيين والمغول، بل كان لهم فضل كبير أيضاً في العمل على نشره بين أهل النوبة في السودان جنوبا، وبين مغول القفجاق حول البحر الأسود شمالاً. لقد اهتمت السياسة المصرية بوجه عام بمملكة النوبة في أعالي النيل، وكان النوبيون يدينون بالمسيحية على مذهب الكنيسة المصرية الأرثوذكسية، كما كانوا يدينون بالولاء والطاعة لسلطان مصر منذ اتفاقية البقط pactum التي عقدها معهم القائد العربي"عبد الله بن سعد بن أبي السرح " سنة 30 هـ (650 م). إلا أنهم لم يحافظوا دائماً على هذا العهد، فكثيراً ما شنوا الغارات علي بلاد الصعيد أي جنوب مصر، بالبر والبحر (النيل) وكثر إيذاؤهم. ولذلك اضطر ولاة مصر إلى توجيه الحملات إلى بلاد النوبة تمسكاً منهم بشرط هذا "البقط " أو العقد. وقد شجعت هذه الحملات بعض القبائل العربية على الهجرة إلى النوبة والاستقرار فيها، والاختلاط بأهلها، وخاصة في بمنطقة المريس " شمالي النوبة. ونذكر على سبيل المثال عرب ربيعة الذين تزوجوا بنات رؤساء النوبيين، وأصبحت لهم مصالح مادية لانتفاعهم بنظام الوراثة المعروف هناك، وهو توريث ابن البنت أو ابن الأخت، ونتيجة لذلك، صار لبني ربيعة نفوذ كبير في منطقة أسوان وما يليها جنوباً في أرض المريس . وتوطدت علاقات حسنة بين "بني ربيعة"و (الدولة الفاطمية)، في مصر، واستعان بهم الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله في القبض على الثائر المغربي أبي ركوة عندما لاذ بالفرار من مصر إلى النوبة. ونجح "أبو المكارم أمير ربيعة" في القبض عليه وتسليمه للفاطميين، وقد كافأه الفاطميون على ذلك بمنحه لقب، "كنز الدولة"، وتوارث أبناؤه هذا اللقب وعرف بنو ربيعة ببني كنز، وهم الكنوز الحاليون الذين كانوا يعيشون بين أسوان وكروسكو، قبل أن تغرق أرضهم بمياه بحيرة السد العالي. ومنذ بداية عصر صلاح الدين الأيوبي، تجددت اعتداءات النوبيين على الأراضي المصرية، واستمرت في أيام دولة المماليك الأولى أو البحرية. وكان الرد على ذلك إرسال حملات تأديبية في عهد كل من "صلاح الدين " و، " الظاهر بيبرس "، و "سيف الدين قلاووق ". وكانت النتيجة اصطباغ مملكة النوبة بالصبغة العربية الإسلامية، وفقد أنها لطابعها المسيحي تدريجياً نتيجة لاختلاطها بالعرب المهاجرين مع تلك الحملات. ولم يكد ينتصف القرن الثامن الهجري أو الرابع عشر الميلادي، حتى كان النوبيون قد اعتنقوا الإسلام، وانتقل الملك إلى بني كنز، فسقطت عنهم الجزية، لأن بني كنز عرب مسلمون من ربيعة. المغول مغول القفجاق أو القبشاق في شمال البحر الأسود "الأوزبك "، فكانوا أيضا موضع اهتمام وعناية سلاطين دولة المماليك البحرية الذين كان معظمهم في الأصل من بلاد القفجاني من الأتراك. وكان يحكم هذه البلاد الممتدة من تركستان شرقاً إلى شمال البحر الأسود غرباً، دولة مغولية إسلامية حديثة تعرف باسم، القبيلة الذهبية" Golden Horde (نسبة إلى لون مخيماتها) أو " مغول القبشاق ". وقد سماها القلقشندي "مملكة توران خوارزم والقبشاق ". وكان اسم زعيمها "بركة خان "، وهو أول من اعتنق الإسلام من أولاد جنكيز خان. وكانت عاصمته مدينة "صراي " أو "سراي " في شمال غرب بحر قزوين، وهي فرضة عظيمة للتجار الترك،.وكانت مقصد العلماء والأدباء أمثال، " قطب الدين محمد الرازي "، و " سعد الدين التفتازاني " وغيرهما فيما بعد. ولقد حرض سلطان مصر الظاهر بيبرس على محالفة هذه الدولة الإسلامية المغولية، فتبادل مع عاهلها "بركة خان" البعوث والهدايا (0 66 هـ/ 26 أم- 662 هـ/1263 م)، كما تزوج ابنته، وأمر بالدعاء له على منابر القاهرة والقدس ومكة والمدينة. ولا شك أن هذا الحلف كان موجهاً بطبيعة الحال ضد عدوهما المشترك الممثل في " دولة ايلخانات المغولية" التي كان يحكمها "هولاكو" وأولاده، وكانت تشمل فارس والعراق، وعاصمتها " تبريز" أو "مرا غة" أو"بغداد ". فيروي المقريزي أن " بيبرس " أخذ يحرض "بركة خان، على قتال قريبه "هولاكو" ويرغبه في ذلك. يضاف إلى ذلك أن السلطان بيبرس استفاد من هذا التحالف في تقوية جيشه، إذ أنه أكثر من شراء المماليك من بنى جنسه القفجاق إذ مالت الجنسية إلى الجنسية، على قول القلقشندي، ووقعت الرغبة في الاستكثار من "القفجاق " على عهد" بيبرس "، حتى أصبحت مصر بهم أهلة المعالم، محمية الجوانب، منهم زعماء جيوشها، وعظماء أرضها، وحمد الإسلام مواقفهم في حماية الدين حتى أنهم جاهدوا قي الله أهليهم ". وهكذا نرى أن انتشار الإسلام في دولة مغول القفجاق في القرن السابع الهجري (13م)، قد أدى إلى اتساع رقعة الإسلام في أواسط أسيا (جنوب روسيا والقوقاز) من جهة، وإلى تطعيم الجيوش الإسلامية في مصر والشام بدماء فتية من شعوب تلك المنطقة من جهة أخرى. على أن موضع الأهمية هنا، هو أن هذا التعاون العسكري بين هاتين الدولتين الإسلاميتين (مصر والقبيلة الذهبية)، ضد دولة مغول فارس والعراق، قد أدى في النهاية إلى غلبة الإسلام على تلك الدولة الوثنية أيضاً، وإلى انتشاره بين أفرادها، ومن ثم أخذت العلاقات تتحسن بين الجانبين منذ أوائل القرن الثامن الهجري (14 م). وانتهت المشكلة بأن عقد سلطان مصر والشام والناصر محمد بن قلاوون " صلحا مع " ايلخان " مغول فارس والعراق أبي سعيد، وانضم إلى هذا الصلح أيضاً زعيم القبيلة الذهبية أو مغول القفجاق الذي كان يدعى في ذلك الوقت "أوزبك خان ".
all informations from islam on line
Diyar Al hormizy
all informations from islam on line
Diyar Al hormizy