الأخبار
علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيلإسرائيل ترفض طلباً لتركيا وقطر لتنفيذ إنزالات جوية للمساعدات بغزةشاهد: المقاومة اللبنانية تقصف مستوطنتي (شتولا) و(كريات شمونة)الصحة: حصيلة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 32 ألفا و490 شهيداًبن غافير يهاجم بايدن ويتهمه بـ"الاصطفاف مع أعداء إسرائيل"الصحة: خمسة شهداء بمدن الضفة الغربيةخالد مشعل: ندير معركة شرسة في الميدان وفي المفاوضاتمفوض عام (أونروا): أموالنا تكفي لشهرين فقطأبو ردينة: الدعم العسكري والسياسي الأمريكي لإسرائيل لا يقودان لوقف الحرب على غزة
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الأدب العربي في العصر العباسي والأندلسي وعصر الانحطاط والعصر الحديث بقلم:حسين علي الهنداوي

تاريخ النشر : 2010-04-10
الباب الأول
الأدب العباسي
الفصل الأول
العصر العباسي
أ‌- زمانية العصر العباسي :
يمتد العصر العباسي من عام 132هـ وينتهي عام 656هـ وقد قسمه المؤرخون إلى أربعة عصور، تميز بعضها بالقوة ،وتميز البعض الآخر بالضعيف بحيث لم يستطع الخلفاء في نهاية الأمر أن يمحوا أنفسهم ، فكان سقوط بغداد واشتياحها من قبل هولاكو ، وانتهاء هذه الخلافة.
ب- مكانية العصر العباسي:
بسط العباسيون نفوذهم على مساحة شاسعة من الكرة الأرضية، تضم أجزاء من قارة أسيا وقارة إفريقيا، وتشتمل بلاد فارس والجزيرة العربية وبلاد الشام ، ووادي النيل، وشمال افريقيا.
وأقاليم الخلافة العباسية بعضها حار،وبعضها معتدل تضم الساحل والجبل والسهل والصحراء بحيث أحتجت متكاملة اقتصادياً.
جـ - المعطى السياسي للخلافة العباسية:
ينتسب العباسيون إلى العباس عم الرسول محمد عليه السلام ذي المكانة العالية، والذي كان يستسقى به عمر بن الخطاب بعد موت الرسول الكريم إذا شحّ المطر، وقد كان هؤلاء العباسيون يؤازرون علي بن أبي طالب- رضي الله عنه – في طلب الخلافة أو إلاّ أنّهم ما لبثوا أن تنبهوا إلى قيادة الصراع .
جند الأمويين ، ووثقوا العلاقة مع أبي هاشم بن محمد ابن الحنيفة إمّام الشيعة الكسانية من خلال محمد ابن عبد الله بن العباس والذي تولى الإمامة لهذه الفرقة بعد موت أبي هاشم، ثم تبع محمداً بن العباس بعد موته أخوه إبراهيم بن عبد الله بن العباس الذي انتصر العباسيون في زمنه على الأمويين بقيادة أبي مسلم الخراساني في معركة الزاب شمال العراق عام 132هـ- 750هـ .
د- حكم العباسيين ومعارضوهم:
بعد انتصار العباسيين على الأمويين ، نقلوا مركز الخلافة من دمشق إلى العراق ،وبرز منهم خلفاء أقوياء : ((أبو العباس السّفاح- أبو جعفر المنصور- المهدي- الرشيد – المأمون- المعتصم)) وقويتْ شوكة العناصر الفارسية والتركية في أيامهم وبرزت معارضة لهم من العلويين في الداخل ومن البيزنطيين في الخارج، واحد العنصر العربي يضمحل ، وتفقد الثقة به كرجل دولة ،، وكثر الاعتماد على العناصر الأعجمية ، ودبّ الضعف في الخلفاء الذين كان منهم (الواثق – المتوكل) ثم ضعف مركز الدولة في بغداد لتنفصل بعض من الإمارات عن الدولة : (الحمدانية في حلب – العقيلية في الموصل – الإمارات العلوية في طرستان 0 الطولونية – الأخشيدية – الفاطمية في مصر والشام – البويهية في فارس).
وتنتهي الخلافة العباسية بخلع هولاكو الخليفة العباسي وشنقه عام 656هـ - 1258م.
هـ- اجتماعية الإنسان العباسي:
نظراً لاتساع الدولة العباسية ، وكثرة الفتوح متدفق أموال الخراج والفتح، نشأت مجموعة من الطبقات في العصر العباسي تتمثل في طبقة السادة، وطبقة التجار، وطبقة الموالي، وطبقة العامة ، وطبقة الرقيق والجواري.
و-مذاهب العيش في العصر العباسي:
تنوعت مذاهب العيش في هذا العصر بسبب اتساع رقعة الدولة ، وانتشار العلم والأخذ عن الشعوب الأخرى علومها وعاداتها ، فكان مذهب الزهد بزعامة أبي العتاهية ، ومذهب الزندقة بزعامة ابن المقفع والمحبون بزعامة أبي نواس ، والتصوف بزعامة السهر وردي.
ز- فكر العصر العباسي:
أدى التبدل السياسي في الحكم، والاعتماد على العناصر غير العربية إلى التطلع إلى حياة أكثر جدة وأعمق فكراً، خاصة وأن الخلفاء شجعوا أصحاب الثقافة على النقل والترجمة عن الهندية، والفارسية ، و السريانية ، كما أنه نقلت العلوم من مكانها ونقلت الآداب والفنون وطرق الجيش.
ح- خصائص أدب البيئة العباسية:
يعد الأدب العباسي صورة حقيقية عن البيئة العباسية وقد امتاز هذا الأدب بمجموعة من الخصائص تمثلت في:
1- العلمية والسماح بحرية الفكر : وقد مثل ذلك المعتزلة وأخوان الصفا .
2- الواقعية والاجتماعية: وذلك من خلال ما صوره لنا ابن المقفع والجاحظ في كتابيهما (الأدب الكبير والأدب الصغير – النجلاء ) . وكذلك الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي.
3- النزعة القومية والشعوبية: واحتدام الصراع بين العرب والفرس فقومية العرب يمثلها الأصمعي والجاحظ وابن قتيبة والمتنبي وأبو فراس .... وغيرهم أما قومية الشعوبية يمثلها بشار بن برد ومسلم بن الوليد وأبو نواس .... وغيرهم .
4- التجديد والمحافظة: وذلك بانقسام الأدباء إلى قسمين ، قسم مقلد يحافظ على السلوك الأدبي الموروث (كالأصمعي – البحتري – أبي فراس ) . وقسم يمثل التجديد : (ابن المقفع – الجاحظ – أبي نواس – أبي تمام ) .
5- الالتزام السياسي والمذهبي والمعاناة الفردية : وقد تمثل ذلك في صراع العباسيين مع العلويين ، وانقسام الشعراء إلى موالٍ للعباسيين كمروان بن أبي حفصة والبحتري، وموالٍ للعلويين كدعبل الخزاعي وابن الرومي والسيد الحميري وكذلك وجود صراعات سياسية قومية عبّر عنها المتنبي وأبو فراس.
6- الحسية والغنائية : وقد تمثلت بتصوير الشعراء للمحسوسات والمرئيات كالغزل الحسي عند بشار ، وتصوير ابن الرومي للخبّار وصاحب الزلابيا والحمال الأعمى ، وتمثل الاندفاع نحو الغنائية باستلهام الوجدان الفردي ، والعزوبي .
7- الإقليمية والإنسانية: وذلك من خلال تصوير البخلاء من أهل مرو، ومن خلال تأملات أبي العلاء المعري لإنسانية الإنسان .
8- الصناعة اللفظية والعمل الذهني :وقد تمثل ذلك بالاهتمام بالشكل تأثراً بالثقافة الفارسية واعتماد الصنعة الزخرفية في الكلام ، ومثل ذلك مسلم بن الوليد ، والاهتمام بالمعنى تأثراً بالثقافة اليونانية كما عند أبي تمام ، والمعادلة بين الشكل والمعنى كما هو عند ابن المقفع والمتنبي .
9- الاتباع والابتداع في الشكل والوزن بين قديم وحديث وظهور أوزان جديدة وأشكال جديدة للشعر.
الأغراض الجديدة في أدب العصر الجاهلي وقد تمثلت في :
الشعر التعليمي كالذي وصفه أبان بن عبد الحميد اللاحقي بكليلة ودمنة ،والشعر الفلسفي وعلاقته بأبي تمام وقضية الجدل والديالكتيك ،وشعر اللهو والمجون والخمر كما هو عند أبي نواس –شعر الزهد كما هو عند أبي العتاهية – شعر التصوف كما هو عند القشيري والغزالي والسهروردي – شعر تحليل الصفات الخلقية .
(الصفات الكريمة والصفات الذميمة).كما هو عند ابن المعتز – شعر الشكوى من الزمان ونوازله وتضم الشكوى الفردية يمثلها ابن المعتز،والمعاناة العامة ويمثلها المعري – شعر النوادر والفكاهات كالذي وصفه ابن الرومي وأبو دلامة – شعر التهكم والعبث كما حسنه الشاعر صريع الولاء بمعارضته لمقصورة ابن دريد شعر التهاني والهدايا كالذي حسنه البحتري وابن الرومي .
الوظيفة :
1- عد إلى أي كتاب في التاريخ ، ولحض أهم ميزات حركة أخوان الصفا.
أخوان الصفا هي جماعة سترية باطنية مزجت الفلسفة اليونانية والعقيدة الباطنية بالعقيدة الإسلامية في خليط متضارب وبالتالي فهي أول ثمار الحركة الباطنية التي استغلت والتصوف الفلسفي ستاراً لنشر رسائلهم وأفكارهم وكان أول ظهورها في البصرة في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري.
وقد ألفوا ما يقارب الخمسين رسالة في جميع أجزاء الفلسفة عملياً وعلمياً ، وأفردوا لها فهرساً وسموهما رسائل إخوان الصفا التي تعتبر برنامج العمل السري الذي يستهدين القضاء على الإسلام ودولته لتأسيس دولتهم التي تضم شتى العقائد الوثنية والمجوسية والإباحية وكان للمذهب الأفلاطوني الجديد تأثيره البالغ في هذه الرسائل فقالوا بوحدة الوجود على قول أفلاطون وقالوا إن الإمام إلهي الذات وإنه معصوم بينما لا يرى الإسلام معصوماً سوى الرسول عليه السلام بما عصمه الله تعالى فيه، وأيضاً دعوا إلى وحدة الأديان وإلغاء التعصب الديني على أنه لا حاجة للخاصة للشرائع وإلى التملل من الفرائض إلا في حق العامة وقالوا إن العلم له باطن وغير ذلك مما يدل على انحرافهم ، وخروجهم على مفهوم الإسلام الأصيل هدماً للمفاهيم الأساسية للإسلام ، وهدماً للنبوة وحرباً للإسلام ، وطعناً في الصحابة.
ومن أهم أحلام هذه الحركة: محمد بن شيرا البستي وأبو الحسن علي بن هارون الزنجاني، ومحمد بن أحمد النهر جودي والعوضي،وزبير بن رفاعة .
2- تحدث عن الشعوبية كظاهرة عباسية ، وبيّن أثرها في إقصاء العنصر العربي عن قيادة الدولة العباسية.
الشعوبية إحدى حلقات مسلسل المؤامرة والكيد للإسلام وأهله متستر أحياناً بحب آل البيت والتشيع لهم، وأحياناً بستار الأدب والفنون، وقد انتظمت في طياتها عدة دعوات هدّامة من بينها الباطنية والقرامطة والزندقة والجهنية . وتهدف في مجموعها إلى إذاعة موجة الإلحاد التي ترمي إلى إنكار الأديان كلها ومن بينها الإسلام، وكان منهاج عملها يقوم على أساس الزندقة الفكرية والانحلال الاجتماعي ومهاجمة القيم الأخلاقي والسخرية بأصول الدين والنظم الاجتماعية ، وإثارة الجدل والشك في تحريم الخمر وغيرها من المحرمات ، وتارة بالهجوم على الثقافة العربية واللغة والأدب والتاريخ والانتقاص من شأن العرب بهدف التشكيك في السواعد التي حملت الإسلام ، ومحاولة إسقاطها ، وإسقاط قواعد الفكر الإسلامي معها ، وتارة أخرى بإعلاء الشخصيات غير العربية في التاريخ الإسلامي سواء من الصحابة أو من غيرهم، واتخاذ حركة الترجمة والنشر وسيلة لإحياء المجوسية ، ونشر كتب المانوية ، والمزدكية ، والزنادقة وكذلك إعلاء شأن الفلسفة اليونانية والعقل الإنساني على الروح الرباني مما أوجد في المجتمع الإسلامي طبقة من المترفين والدعاة لإحياء المجوسية ، وساوت ظاهرة النفاق مما دعا أئمة السلف الصالح مثل الحسن البصيري وتلميذه محمد بن يسرين إلى مواجهة هؤلاء بقوة، وظهر خالدا وبرنامجه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطلب الإصلاح ، وأيضاً سهل بن سلاقة الأنصاري كما قامت فرق من الحنابلة لنفس الأمر ذلك وكان للمعتزلة كذلك دور كبير في التصدي لفتنة الشعوبية فألفوا في ذلك الكتب وأقاموا المناظرات معهم، وكانت هذه الفتنة أحد العوامل الرئيسية لنشأت علم الكلام لاستخدام هذا العلم في مواجهة الزنادقة. ومن أبرز دعاة الشعوبية : لقد حمل لواء هذه الدعوة كثيرون في مختلف الميادين ومن أبرزهم: أبو النواس حيث دعا الناس إلى الخمر وحث الناس عليها مستتراً بالظرف وبشار بن برد حامل لواء نشر الفساد الخلقي وإشاعة الفسوق بالنساء ، وحماد عجرد، وأخوان الصفا، حيث عارضوا الشويعة الإسلامية بنظام جديد نظموه من خليط من الأفكار القديمة ، مما حدا بهم إلى إنكار البعث وفسروا الآخرة وأحوالها تفسيراً باطنياً ، وابن الراوندي ومحمد بن زكريا الرازي حيث أثاروا الشكوك حول مفهوم الإسلام ، وإنكار الوحي ، وعبيد الله بن ميمون القداح حيث استخدم الباطن كوسيلة لضرب الدين وإنكار المفاهيم الأساسية للإسلام ، وذلك من خلال تفسير القرآن الكريم تفسيراً باطنياً فلسفياً .
ومن ابرز سمات الأدب الشعوبي : الإباحية ونشر الانحلال في مجال الشعر – انحراف الشعراء في أشعارهم إلى التغزل والمنادمة والإغراء بالخمر والحسان ، وكلها عوامل دخيلة على الأدب الإسلامي ، بل هي من مخلفات المجوسية الفارسية بمذاهبها ، والمزدكية والمنانوية، وما زال للشعوبية امتداد في الساحة العربية بين مدعي الثقافة من أدباء ومفكرين يعلون من شأنها ومن شأن دعائمها بالإضافة إلى إحياء تراثها.
3- ارجع إلى كتب التاريخ وفصل بما لا يزيد عن صفحة واحدة تقسيم العصور الأدبية ابتداءً من العصر الجاهلي وحتى العصر الحديث، مع ذكر تاريخ ابتداء العصر وانتهاءه بالتاريخين الهجري والميلادي.
ذهب بعض مؤرخي الأدب إلى تقسيم العصور الأدبية إلى حقبٍ زمنية ، وقد اعتمدوا في تقسيمهم على التغيرات الدينية والسياسية والتاريخية وهي كما يلي :
1- العصر الجاهلي قبل الإسلام.
2- العصر الإسلامي : من ظهور الإسلام إلى آخر دولة الخلفاء الراشدين وقيام الدولة الأموية (40هـ - 660م)
3- العصر الأموي: (41هـ - 661م) إلى (132هـ - 750م) وهناك من يعد العصر الإسلامي من ظهور الإسلام إلى أواخر الدولة الأموية ثم يقسم ذلك من ظهور الإسلام إلى أواخر دولة الخلفاء الراشدين ويطلق عليه عصر صدر الإسلام ثم يسمى العصر الذي يليه العصر الأموي .
4- العصر العباسي : هناك من يقسمه إلى قسمين :
أ‌- العصر العباسي الأول :يمتد من 132هـ - 247هـ وحتى 750م – 861م . أي من وفاة الخليفة العباسي العاشر المتوكل على الله (جعفر بن محمد المعتصم) الذي حاول نقل عاصمته إلى دمشق غير أنه عاد إلى سامراء حيث اغتاله القادة الأتراك بالاشتراك مع ابنه الأكبر المنتصر، وكان موته انحطاط الدولة العباسية .
ب‌- العصر العباسي الثاني : يمتد من سنة 247هـ - 861م – 656هـ - 1258م أي من وفاة الخليفة العباسي السابع والثلاثين المصتعصم (عبد الله بن منصور المستنصر) وهو آخر الخلفاء العباسيين في بغداد الذي عجز عن صد الزحف المغولي بقيادة هولاكو الذي قتله بعد أن احتل بغداد وأعمل السيف برقاب أهلها وقضى على مكتبتها .
وهناك من يقسم هذا العصر إلى ثلاثة أقسام هي :
- العصر العباسي الأول 132هـ - 750م – 247هـ -861م
- العصر العباسي الثاني : 247هـ - 861م – 334هـ - 945م
وذلك بعد أن دخل البويهيون بغداد في هذا العام في خلافة المطيع لله (الفضل بن المقتدر)
وهو الخليفة الثالث والعشرون الذي غدا ألعوبة في أيديهم .
- العصر العباسي الثالث : 334هـ / 945م – 656هـ /1258م
ومن المؤرخين من يقسم هذا العصر إلى قسمين :
1- العصر البويهي 334هـ /945م – 447هـ /1055م
2- العصر السلجوقي: 447هـ/1055م – 656هـ/ 1258م
5- العصر المغولي أو العصر التتري : يبدأ من سنة 656هـ /1258م – 1213هـ /1798م أي إلى بداية الحملة الفرنسية على مصر .
6- العصر الحديث : يبدأ من 1223هـ /1798م إلى يومنا هذا ، وهناك من المؤرخين من يلجأ إلى تقسيم العصور الأدبية إلى ثلاثة حقب هي :
1- الأدب القديم : يبدأ من أقدم العصور الجاهلية إلى آخر العصر الأموي أي إلى سنة : 132هـ / 750م .
2- الأدب المحدث : ويبدأ م مطلع القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا .
ويذهب بعض المؤرخين إلى تقسيم هذه العصور إلى أقسام نظراً لطول فترة العصر وهي :
1- العصر الجاهلي .
2- عصر المخضرمين أو صدر الإسلام وذلك من أول الإسلام إلى آخر دولة الخلفاء الراشدين وقيام الدولة الأموية 40هـ / 660م.
3- العصر الأموي: 41هـ /661م – 132هـ /750م
4- العصر العباسي : 132هـ / 750م – 656هـ /1258م
ويقسم إلى الحقب التالية :
1- الحقبة الأولى: حقبة بغداد 132هـ /750م – 334هـ /945م
2- الحقبة الثانية: حقبة الدويلات 334هـ/945م – 447هـ/ 1055م
3- الحقبة الثالثة : حقبة السلاجقة 447هـ/1055م – 656هـ /1258م وهناك من يقسم هذا العصر إلى عصرين :
1- العصر العباسي الأول : يبدأ بقيام الدولة العباسية سنة 132هـ - 334م
2- العصر العباسي الثاني: يبدأ بقيام الدولة البويهية سنة 334هـ - 2945م/ 656هـ - 1258م أي بدخول التتار بغداد
7- العصر الأندلسي: يقسم إلى الحقب التالية :
1- حقبة الولاة : تبدأ بدخول المسلمين الأندلس سنة 98هـ - 716م إلى 138هـ- 755م أي إلى قيام دولة الأمويين هناك.
2- حقبة ملوك بني أمية وملوك الطوائف: تبدأ سنة 138هـ/755م حتى 484هـ/1091م إلى عصر المرابطين والموحدين .
3- حقبة المرابطين والموحدين : تبدأ سنة 484هـ/ 1091م حتى 630هـ/1232م أي إلى قيام دولة بني الأحمر .
4- حقبة دولة بني الأحمر : تبدأ سنة 630هـ /1232م – 897هـ /1491م حين طرد المسلمون من الأندلس .
8- العصر التركي :يبدأ سنة 656هـ/ 1258م- 1213هـ 1798م أي إلى بداية الحملة الفرنسية على مصر .
9- العصر الحديث : يبدأ من سنة 1213هـ - 1798م إلى اليوم .

5- ارجع إلى أي كتاب أدب أو تاريخ، ولخص أهم ميزات حركة إخوان الصفا.
قامت هذه الحركة في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري والعاشر الميلادي، وقد كانت عبارة عن جمعية سرية اتخذت من البصرة مقراً لها، وجاءت تسمية هذه الجمعية من العشرة الصاغية، والصداقة النقية منهم الأصدقاء الأوفياء توادوا وتحابوا وأقبلوا على العلم وتعاونوا فيه.
وصلنا من أخوان الصفا اثنين وخمسين رسالة من أهم مؤلفيها زيد بن رفاعة ومحمد بن نصر المقدسي وقد جمعت هذه الرسائل شتات العلم وتقسم هذه المسائل من الناحية العلمية إلى أربعة أقسام:
الرسائل التعليمية الرياضية وتبعث في العدد والهندسة والنجوم والموسيقا- الرسائل النفسانية العقلية وتبعث في مبادئ الموجودات العقلية والعقل والمعقول والبعث والقيامة – الرسائل الجسمانية الطبيعية وتبحث في الحركة والزمان والمكان والعالم والسماء والكون – الرسائل الشرعية والدينية وتبحث في الآراء والديانات والطريق إلى الله عز وجل – وأخوان الصفا لا يعادون علماً ولا مذهباً ولا يتعصبون لمذهب من المذاهب بل استوعبت فلسفتهم المذاهب جميعاً ، فالإنسان العاقل حسب رأيهم حرية اختيار المذهب والرأي الذي يراه ولكنهم لا يسيرون في هذا الرأي بلا حدود بل يذكرون رأي الدهرية التي تقول بقدم العالم وبأنه لا صانع له ، وقد دعوا إلى تفهم جديد للدين أي تفسيره بالفلسفة والعلوم الطبيعية، ووسائل أخوان الصفا تشبيه موسوعة علمية تنتهج في كتابها منهج التعليم ونادوا بها من التعمق ومنهج البحث العلمي فخلطوا العلم بالسحر والفلك بالتنجيم، ولكنهم كانوا أول من وضع كتاباً بالعربية يحوي بين دفتيه آراء فلسفية في الفيزياء وما وراء الطبيعة وبقية فروع الفلسفة،وهم يعدون من الأوائل الذين فتحوا باب حرية الفكر على مصرعيه في الإسلام.

الفصل الثاني
الأعراض الجديدة
في الشعر العباسي
1- الشعر التعليمي :
وهو الشعر الذي نظم فيه العلماء مختلف العلوم المعاصرة لهم، وقد غلب على هذا النوع من الشعر العقل والمنطق وخلال من العاطفة واعتمد على إظهار الحقائق ، وقد نظم فيه العلماء علوم الفرائض . علم الواريث – العبادات – السلوك – الأخلاق واليسير والتاريخ والنمو .كما صنع أبان ابن عبد الحميد اللاحقي في نظمه (ككليلة ودمنة ) وابن مالك في (ألفيته) وابن المعتز في أرجوزته (مسيرة الخليفة العباسي المعتضد).
- يقول أبان اللاحقي :
هذا كتاب أدبٍ ومحنةٍ وهو الذي يدعي ككليلة ودمنة
فيه دلالات وفيه رشد وهو كتابُ وضعته الهندُ
- ويقول ابن المعتز واصفاً تسلط الأتراك على أموال الخلافة
كذلك حتى أفقروا الخلافةْ وعوّدوها الرعب والمخافةْ
2- الشعر الفلسفي:
وقد بدأ الشعراء العباسيون التأثر بأفكار الفلسفية من خلال الترجمات البيزنطية للفكر،ومن خلال صراع الأفكار والمذاهب الدينية التي تبنَّت بعض الأفكار الفلسفية ،كما هو عند المعتزلة ،ومن خلال اطلاع أبي تمام على فلسفات البيزنطيين،ومزاوجنة بين الشعر، والفلسفة ، وإدخاله قضية الديالكتيك "الجدلية" في شعره ، كذلك ما بثّه المتنبي من حكم يونانية في شعره ، وما صنعَه المعري في تأملاته في الكون والقدر ، والنجوم، والحديث عن العقل والروح ،والبعث والنشور ، وما صنعه ابن سينا في حديثه عن النفس واتصالها بالبعث .
قال أبو النواس في وصف الخمرة مستعملاً كلمات فلسفية :
رقّت عن الماء حتى ما يلائمها لطافة وجفا عن شكلها الماء
ويقول أبو تمام :
شرست بل لنت بل قانيت ذاك بذا
فأنت لا شك فيك السهل والجيل
ويقول المتنبي :
لأتركن وجوه الخيل ساحمةً والحرب أقوم من ساق على قدم
بكل منصلت مازال منتظري حتى أدلت له من دولة الخـدم
شيخ يرى الصلوات الخمس نافلة
ويستهل دم الحجاج في الحرم
ويقول المعري :
غير مجد في ملتي واعتقادي نوح باك ولا ترنم شادِ
ويقول ابن سينا في وصف النفس :
هبطت إليك من المحلِّ الأرفع ورقاءَ ذاتُ تعزز وتمنّع
وصلت على كرهٍ إليك وربّما كرهت فراقك وهي ذات توجّع

3ً- اللهو والمجون ووصف الخمرة :
نظراً لكثرة تدفق الأموال وانتشار اللهو والمجون فقد أكب قسمٌ من الشعراء على وصف أماكن الخمرة ومجالسها كمنطقة الكرخ في بغداد، ومنطقة قطر بّل ، وفن الشعراء الذين وصفوا الخمرة وأكثروا من الخمر والمجون في شعرهم : مطيع بن إياس بن عجرد، والشاعر بشار بن برد ، مسلم بن الوليد وغيرهم ....
ويقول بشار بعد أن أصدر الخليفة أمراً بمنعه من الغزل المخجل :
نهاني الخليفة عن ذكرها وكنت بما سرَّه أكدحُ
فأعرضتُ عن حاجتي عندها وللموتُ من تركها أروحُ
ويقول أبو نواس بعد أن سجنه الأمين لشربه الخمر :
ألا فاسقني خمراً وقل لي حي الخمرُ ولا تسقني سراً إذا أمكن الجهرُ
وقد أعجب طه حسين بجدةِ معاني أبيات أبي نواس حيث يقول :
تفتير عينيكَ دليلٌ على أنك تشكو تنتهر البارحة
عليكَ وجهٌ سيئ حاله من ليلةٍ بتَّ بها صالحه
2ً- شعر الزهد:
وقد جاء هذا العرض رداً على اللهو والمجون ووصف الخمرة وفي الوقت الذي كانت فيه حانات بغداد مملوءة بأصحاب الخمرة ، كانت مساجد بغداد مملوءة بالعباد والنساك والعابدين، وقد عرف العباسيون لونين من الزهد .
1ً- زهد إسلامي في مستقى من القرآن الكريم والسنة الشريفة معتمدة على قوله تعالى ((وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ، ولاتنسى نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك)).
وكذلك من قوله عليه السلام : ((من بات آمناً في سريه، معافاً في بدنه ، عنده قوت يومه ، فكأنما ملك الدنيا كذا فيرها)).
2ً- زهدٌ ما نوي نسبة إلى زعيم فارسي اسمه ((ماني)).
وهذا الزهد مرتبط بالديانة الزردتشية والبوذية والنصرانية وقد كان من زعماء هذا اللون : صالح بن عبد القدوس، أما الديانة الزردتشية فتؤمن بعقيدتي النور والظلمة ، وإباحة زواج الأباء من بناتهم وأخواتهم، أما البوذية فتؤمن بقضية تناسخ الأرواح ، وتحريم ذبح الحيوان والطيور وأما النصرانية فتؤمن بالنسك والزهد، وليست الرهبانية إلا جزءً من ذلك . مثال عن الزهد الإسلامي قول أبو العتاهية:
لدو للموت وابنوا للخراب فلكم يصيرُ إلى ذهابٍ
ويقول أبو نواس :
معهوت ونحر في أملي وقد قصّرت في عملي
فأيامي تقربني وتدنيني إلى أجلي
ويقول المعري:
أغنى الأنام تقيُّ في ذرا جبلٍ يرضى القليل ويأبى لوشي والتاجا
وأفقر الناس في دنياهم ملكٌ يضحى إلى اللجب الجرار محتاجا
وقد علمت المنايا غير تاركة ليثاً بخفان أو طبياً بفرتاجا
ويقول عبد الله بن المبارك الذي جمع بين الزهد والجهاد في رسالةٍ إلى الفضيل بن عياض الناسك الذي كان مجاوراً مكة:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنّك في العبادة تلعب
من كان يخضبُ جيده بدموعهِ فنحورنا بدمائنا تتخضبُ
ويقول ابن المبارك يخاطب أحد أصحابه وهو اسماعيل بن عليَّه وكان قدولي الصدقات بالبصرة:
يا جاعل الدين له بازياً يصطاد أموال المساكين
احتلت للدنيا ولذّاتها بحيلةٍ تذهبُ بالدين
ويقول ابن الرومي في أجمل صورة للزهد والورع:
بات يدعو الواحد الصمدا في ظلام الليل منفرداً
كلما مر الوعيد به سح دمع العين فاطّردا
قائلاً يا منتهى أملي نجني مما أخاف غدا
5ً- التصوف:
شهد العباسيون نوعاً من الزهد أفضل من التصوف القائم على ارضاء الخالق ودم التعلق بالدنيا: (( الأموال – الأبناء – النساء)) ولكن هذا التصوف بفعل الترجمات اليونانية والهندية غاغواً سريعاً واعتمد على مجموعة من ركائز أولها: فكرة المحبة الإلهية ، وثانيها فكرة انكار الذات وثالثها الاعتماد على القلب والكشف ونظرية التوحد ((وحدة الوجود ، ووحدة الخالق والمخلوق)).
يقول الحلاح :
مزجت روحك في روحي كما تمزج الخمرة بالماء الزلال
فإذا امسَّك شيءٌ مسني فإذا أنت أنا في كل حالِ
ويقول عبد الكريم القشيري متمثلاً :
يا من تقاصر شكري عن أياديه وكلَّ كلُّ لسانٍ عن معاليه
لا دهر يخلقُه لا قهر يلحقُه لا كشفَ يظهره لا ستر يخفيه
ويقول السهروردي من عشقه الالهي :
أبداً يحن إليكم الأرواح ووصالكم ريحانها والسرّاح
وا رحمت للعاشقين تكلّفوا ستر المحبة والهوى فضّاحُ
6ً- شعر تحليل الصفات الخلقية :
رسم الشعراء العباسيون الصفات العظيمة عند ممدوحيهم كما رسموا الصفات الذميمة عند مهجويهم ، ولم يقتصروا في معانيهم الشعرية على الكرم والحلم والحياء والعفة وإنما تجاوزوا ذلك إلى واجبات الأخوة والصداقة واختيار الأصدقاء والصبر على أخطائهم ، وقد صوّر ذلك ابن المعتز قائلاً :
يا من يناجي ضغنه في نفسه ويدبُّ تحتي بالأفاعي اللذَّغ
وبيت تنهض زفرةً في صدره حسداً وإن دميت جراحي يولغِ
ويصف ابن الرومي الصبر والجزع محللاً عمق هاتين الصفتين :
وقد يظن الناس أن أساهم وصبرهم فيهم طباعٌ مركَّب
وليسا كما ظنوهما بل كلاهما لكل لبيب مستطاع مسبّب
7ً- شعر الشكوى من الزمان ونوازله:
وقد كثر ذلك في العصر العباسي بسبب المفارقات السياسية والاجتماعية والثقافية وبرز نوعان من الشكوى .
- نوع فردي بثّ فيه الشعراء همومهم الشخصية .
- نوعٌ عام جاء بسبب فساد الأحوال السياسية وتولي المناصب من قبل الأكفاء .
يقول ابن المعتز في الشكوى العامة:
لم يبق في العيش غيرُ البؤس والنكد فاهرب إلى الموت من همِّ ومن نكد
ملأت يا دهرُ عيني من مكارهها يا دهرُ حسك قد أسرفت فافتصد
ويقول المتنبي في الشكوى الفردية :
عيد يأية حالٌ عدت يا عيد بما مضى أم لأمرٍ فيه تجديد
أصخرة أنا مالي لا تحركني هذى المدام ولا هذي الأغاريد
ويقول الطغراني في لا ميته العجمية شاكياً من الدهر والزمن :
والدهر يعكس آمالي ويقنعني من الغنيمة بعد الكدِّ بالقفل
أهبت بالحظ لو ناديت مستمعاً والخظ عني بالجهال في شغلٍ
8ً- شعر النوادر والفكاهات:
وهو غرض استجد في العصر العباسي كرد فعلٍ على صعوبة العيش وانقسام الناس إلى مذاهب يحاول بعضها هدم البيض الآخر ، وقد برز من شعراء وهذا الغرض أبو دلامة وقد تندر الشعراء على البخلاء والأكلة والجشعين ، وأصحاب اللحى الطويلة ، ولا بن الرومي باع طويل في وصف العيوب الخلقية والخلقية كوصف الأعمى والأحدب والأصلع ، وطويل الأنف وغيرهم...
يقول بشار بن برد واصفاً قصة جبٍّ عذري أجراها على لسان حمارٍ له مات عشقاً وقد رآه بشار في اليوم فقص عليه قصته:
سيدي ملْ بعناني نحو باب الأصبهاني
إن بالباب أتانا فضلت كلَّ أتان
تيمتني يوم رحنا بثناياها الحسان
ولها خدٌّ اسيلٌ مثل خدِّ الشيفران
فيها كتُّ ولو عشـ ـت إذاَ طال هواني
9ً- التهكم والعبث :
وقد اعتمد فيه أصحابه على محش القول وهجر الكلام وقد ساهم في إبرازه شعراء من أمثال: ((ابن سكرة – ابن حجاج – صريع الدلاء الذي عارض مقصورة ابن دريد)).
يقول صريع الدلاء يعارض مقصورة ابن دريد:
من لم يرد أن تنتقب نعاله يحملهُ في لفِّه إذا مشى
ومن أراد أن يصون رجلهُ فلبسه خيرُ له من الحفا
ومن طبخ الديك ولا يذبحه طار من القدر إلى حيث يشاء
10ً- شعر التهاني والهدايا:
وقد برز هذا العرض في المناسبات والأعياد والتهنئة بقدوم المواليد الجدد، كما صنع البحتري في وصف موكب المتوكل في عيد الفطر. ويقول ابن الرومي في وصف قدحٍ أهداه إلى علي بن يحيى المنجم:
وبديع من البدائع يسبي كل عقلٍ ويطبي كلَّ طرفِ
كفم الحبّ في الملاحة بل أشهى وإن كان لا يناجي بحرف
الوظيفة:
1- ارجع إلى ديوان ابن الرومي واستخلص فيه شعر النوادر والفكاهات ووصف العيوب الخلقية مستشهداً على كل قضية بثلاثة أبيات تستكمل المعنى، وتوضح مقدرة هذا الشاعر على التصوير ، بحيث استطاع أن يفوق بأوصافه الكاميرا الخفية.
عاش ابن الرومي في عصر ساد فيه الشقاء والتفرقة والظلم وسوء العيش ، فلم يجد سوى الشعر منفذاً يفرغ فيه جام غضبه، ويسلى نفسه ، ويخفف من آلامها ، فراح يهجو ويذم مستخدماً ألفاظاً ساخرة وأساليب وضيعة، ويركز على الجوانب الخلقية الشاذة نوعاً ما ، فأبرزها بصورة ساخرة تدعو إلى الضحك وصورها بأسلوب جميل ينطقها ويجعلها تتحرك كلوحة فنية كلها حياء تبعث السرور في النفس لتنطق الضحكات ، فصور لنا كثير من الشخصيات والجوانب الخلقية كوصفه لصاحب الأنف الطويل فيقول :
حملت أنفاً يـراه النـاس كلـه من ألف ميل عيانـاً لا بمقياسـي
لو شئت كسباً به صادفت مكتسباً أو انتصاراً مضى كالسيف والفاس
وكذلك وصفه للحمّال الأعمى:
رأيت حمّالا بين العمى يعثر في الأكم كما يعثر في الوهدِ
بين مجالاتٍ وأشباهها من بشـرٍ نامـوا عـن المجـد
والبائس المسكين مستلمٌ وكلُّ يصدمه عامداً أو بغير عمدِ
ووصفه اللحية الطويلة قائلاً :
إن تطلْ لحية عليك، وتعرضُ
فالمخالي معروفةٌ للحمير
علّق الله في عذاريك مخلاة
ولكنها بغير شعير
لو غدا حكمها إليّ لطارت
في مهب الرياح كلَّ مطير
لحية أهملت فسالت وفاضت
فإليها يشير كلُّ مشير
ما رأتها عين امرئٍ ، وما رآها
قطّ، إلا أهلَّ بالتكبير
لو رأى مثلها النبي لأجرى
في لحى الناس سنة التقصير
واستحبَّ الإخفاء فيهنَّ والحلق
فكان الإعفاء والتوفير
وكذلك قوله في وصف وجع عمرو:
وجهك يا عمرو فيه طول
وفي وجه الكلاب طول
مقابحُ الكلب فيك ظرّاً
يزول منها ولا تزول
وفيه أشياء صالحات
حماكها الله والرسول
فالكلب وافٍ ، وفيك غدرُ
نفيك عن قدره سفول
وما تحامي ولا تصول
2- انسخ بعض الأبيات من شعر البحتري في وصف موكب المتوكل يوم عيد الفطر.
بالبر سمتً وأنت أفضل صائم
وبسنة الله الرضية تُفطرُ
فانعم بيوم الفطر عيناً إنّه
يوم أغرّ من الزمان مشهرُ
أظهرت عزّ الملك فيه بجفلٍ
لجبٍ يُحاط الدِّين فيه وينصرُ
خلنا الجبال تسيرُ فيه وقد غدت
عدداً يسير بها العديدُ الأكثر
فالخيل تصهل والفوارس تدّعي
والبيض تلمع والأسنة تزهر

الفصل الثالث
الأغراض التقليدية
في الشعر العباسي
1ً- المدح:
وقد ازدهر هذا العرض بسبب تشجيع الخلفاء للشعراء ومحاولتهم ابراز عظمة الملك لديهم، بينما المعن الشعراء بالمدح استدراجاً للأعطيات ، وقد زاد الشعراء ثروة المدح معانياً جديدة أضفت على المعاني القديمة أشكالاً أخرى فمدحوا الخلفاء إضافة إلى الكرم والشجاعة والقوة بالتقوى وحسن الإدارة و القيادة السياسية والذبّ عن الدين داخلياً وخارجياً وقد أشار أبو تمام إلى مهمة الشعر :
ولولا خلال سنّها الشعر ما درى
بغاة الندى من أين تؤتى المكارمُ
وغدت المدائح وثاق تاريخية تقوم برسم مسيرة الخلفاء كما تضع الصحافة ، فهذا البحتري يصوّر دور يوسف ابن محمد الثغري الطائي الذي هزم بابل الخرمي و صلبه في سامراء:
ما زلت تقرع باب – بابك – بالقنا
وتزوره في غارة شعواء
حتى أخذت بنصل سيفك عنوة
منه الذي أعيا على الخلفاء
ويقول البحتري أيضاً مادحاً المتوكل بأنه قيم الدنيا وقيم الدين :
خلق الله جعفراً قيّم الدنيا سداداً وقيمّ الدين رشدا
أطهر العدل ما ستنارت به الأرض رغمّ البلاد غوراً أو نجدا
ويقول أبو تمام في فتح غمورية مادحاً المعتصم
تدبير معتصم لله منتقم في الله مرتغبٍ لله مرتقب
ويقول علي بن الجهم في مدح المتوكل
له المنة العظمى على كلِّ مسلمٍ
وطاعته فرض من الله منزلُ
ولما تمزقت الدولة إلى الإمارات ، أصبحت كلّ إمارة تسابق الأخرى في استجلاب الشعراء وتبني أحد هؤلاء كشاعرٍ للأمير كما صنع الحمدانيون مع أبي الطيب المتنبي الذي يقول في مدح سيف الدولة :
ليس إلاك يا علي همام سيفه دون عرضه مسلول
أنت طول الحياة للروم غار فمتى الوعد أن يكون القفول
وها هو الشاعر علي بن المغرب العيوني يرحل من جزيرة العرب إلى الملك الأشرف موسى بن العادل الأيوبي ويشير إلى بلائه في جرب الصلبيين عام 615هـ.
وقد جاءت الإفرنج من كلِّ وجهة كأن تداعيها السيول الدوافق
فما كان إلاّ أن أحسوا قدومه تحفّ به تلك البنود الخوافق

2- الهجاء :
وقد بقي هذا الفن نشيطاً في هذا العصر، ولكنه لم يعد قائماً على العبيات القبلية كما كان في شعر النقائض وقد تنافس الشعراء في رسم صورة الهجاء من خلال القيم الجديدة فهذا نشوان الحميري يرد على الهجاء الذي ورد من قبل عبد الله بن القاسم الزبيدي فيقول بعد أن يسمه عبد الله بن القاسم بفساد الأصل :
أمّا الصحيح فإن أصلك فاسدٌ
وجزاك منا ذابلٌ ومهندُ
فيجيبه نشوان:
من أين يأتيني الفساد وليس لي نسبٌ خبيث في الأعاجم يوجد
لا في علوج الروم جدٌّ أزرق
أبداً ولا في السود خالٌ أسود
وقد استخدم الشعراء في هجوم مختلفَ العيوب النفسية والخلقية ولم يتورعوا عن هجاء الخلفاء والوزراء إذا رأوهم منحرفين من الصواب:
يقول بشار في هجائه لرجل شديد البخل:
إذا جئته للعرف أغلق بابه
فلم تلقه إلاّ وأنت كمين
وهذا حمّاد عجرد يستخف ببشار بن برد ويحفره قائلاً
وأعمى يشبه القردا إذا ما عمي القردُ
دنيء لم يرح يوما إلى مجدٍ ولم يغدوُ
وقد يتهم المهجو بالزندقة التي تنتهي بالحكم بالموت كما حصل مع بشار لقوله:
تفاخر يا بن راعية وراع بني الأحرار حسبك من خسار
وكنت إذا ظمئت إلى قراح شركت الكلب في ولغ الإطار
وقد يكون الهجاء سياسياً كما حصل عند موت المعتصم حيث هجاه دعبل الخزاعي :
خليفة مات لم يخرب له أحدٌ وآخر قام لم يفرح به أحد
واستمر الهجاء في عصر الدول والإمارات يتخذه الشعراء غرضاً إذا تأخرت الأعطيات كما صنع أبو العلاء الأسدي في هجاء الصاحب بن عباد وزير البويهيين:
إذا رأيت مسجَّى في مرقعةٍ يأوي المساجد حراً ضرَّه باد
فاعلم بأن الفتى المسكين قد قذفت
به الخطوب إلى لؤم ابن عبادٍ
3ً- الرثاء :
بقي الرثاء نشيطاً في العصر العباسي، وإن اتجه بمعاينة إلى صفاتٍ جديدة يصفها الشاعر على صفات من يقوم برثائه من القادة والأمراء والخلفاء إضافة إلى التأمل بحقائق الكون والوجود والموت والحياة وانتشر رثاء المدن والحيوانات المستأنسة والأصدقاء والزوجات.
يقول أبو العلاء المعري في رثاء أحد أصدقائه معرضاً لحقائق الموت :
ربّ لحدٍ قد صار لحداً مرارا صاحك من تزاحم الأضداد
ضجعة الموت رقدةً يستريح الجسم فيها، والعيش مثل السهادِ
ويقول أبو تمام الطائي في رثاء بن حميد الطوسي :
فتىً مات بين الضرب والطعن ميتةً
تقوم مقام النصر إذ فاته النصرُ
تردّى ثياب الموت حمراً فما دجا
لها الليل إلاّ وهي من سندس حضرُ
ويقول محمد بن عبد الملك الزيات في رثاء زوجه:
ألا من رأى الطفل المفارق أمه
بعيد الكرى عيناه تبذران
رأى كلَّ أمٍّ وابنها غير أنه
يبيتان تحت الليل ينتجيان
وهذا الشاعر الخريمي يرثي بغداد في أيام الخلاف بين الأمين والمأمون:
حلت ببغداد وهي آمنةٌ داهيةٌ لم تكن تحاذرها
يحرّقها ذا وذاك يهدمها ويشتفي بالنهاب شاطرها
ويقول ابن العلاف النهرواني قطاً (هراً) :
يا هرُّ فارقتنا ولم تعد وكنت منا بمنزل الولد
صادوك غيظاً عليك وانتقموا منك وزادوا ومن يصْد يصد
4ً- الفخر :
يتمحور الفخر عند الشعراء العباسيين في ثلاثة مجالاتٍ أولها ما يخص نفس الشاعر ، والثاني ما يخص نسبه و قبيلته، والثالث ما يخص عبيته وهواه السياسي .
يقول المتنبي مفتخراً بنفسه:
لا بقومي شرفت بل شرفوا بي
وبنفسي فخرت لا بحدودي
ويقول بشار مفتخراً بأصوله الفارسية:
هل من رسول مخبر عني جميع العرب
بأنني ذو نسب عالٍ على ذي الحسب
جدي الذي اسمو به كسرى وساسان أبي
5ً- الغزل:
نظراً لاختلاط العرب بالأعاجم، وانتشار الفتوح والغزو وتدفق الأموال، وكثرة الجواري والقيان، توسعت أبواب الشعر الغزلي ، فبعد أن كانت في العصر الجاهلي وعصر صدر الإسلام والعصر الأموي لا تعدو من أن تكون معانياً سامية وصفات لمفاتن جسدية عند المرأة فتح الشعراء العباسيون بابين جديدين الأول هو باب الغزل الإباحي الذي تجرأ فيه العباسيون على وصف خلواتهم بجرأة وفحش ، والثاني غزل الغلمان الذي لا عهد للعرب به .
يقول بشار بن برد : في الغزل الجريء .
يا ليلتي تزداد نكرا من حب من أحببت بكرا
حوراء أن نظرت إليك سقتك بالعينين فخرا
ومع ذلك فقد تعفف قسم من الشعراء بغزلهم كما عند العباس بن الأحنف الذي وصف ما يجول بخاطره باتجاه محبوبته فور
أتأذنون لصبٍ في زيارتكم فعندكم شهوات السمع والبصر
لا يضحر السوء إن طال الجلوس به
عفا الضمير ولكن فاسق النظر
وقد انصرف قسم من الشعراء إلى غزل الأعرابيات معرضاً عن غزل النساء المتحضرات بسبب كثرة اللهو والمجون .
قال المتنبي :
هام الفؤاد بأعرابية سكنت بيت من القلب لم تمدد له طنبا
وقد أشار هذا الشاعر بجمال الأعرابيات قائلاً:
حسن الحضارة مجلوبٌ بتخلية وفي البداوة حسن غير مجلوب
أفدي ظباء فلاة ما عزفن بها مضغ الكلام ولا صبغ الجواجيب
وبرز من الشعراء العفيفين الشريف الرضي في (حجازياته) التي فرج بها حنينه للحجاز والنساء اللواتي قصد أداء فريضة الحج :
من معيد لي أيامي بجزع السحراتِ
وليالي بجمعٍ ومنى والجمرات
وظباءً حاليات كظباء عاطلات
راميات بالعيون النجل قبل الحصيات
ومن الشعراء الذين تغنوا بالحب الصافي مهياد الديلمي
قل لجيران الغضا آهٍ على طيب عيش بالغضا لو كان داما
وقد استفاد المتصوفة من الغزل البدوي فخرجوه بالغزل الصوفي كما في قول عيسى بن سنجر الحاجري:
أأحبابنا بنتم عن الخيف فاشتكت لبعدكم آصالها وضحاها
كأنكم يومَ الرحيلِ رحلتمُ بنومي فعيني لا تصيب تراها
رعى الله ليلاتٍ بطيب حديثكم تقضّت وحيّاها الحيا وسقاها
6ً- الوصف:
إنّ امتداد الحياة العباسية وتوسعً هذه الحياة، ورخاءَ العيش جعل الوصف غرضاً مهماً، اتّسع مداه بين الأشياء المادية ، والمعنوية فوصف الشعراء في هذا العصر آثار الحضارات القديمة ، وقصور الخلفاء وحدائقهم وملاهي الناس والصيد، كما وصفوا في الجانب الآخر البؤس الاجماعي والأمراض ، الطباع ، والغرائز والأزهار والرياض ، والأطعمة، فوصف البحتري إيوان كسرى ، ووصف ناصح الدين الأرجاني رحلة صيدٍ لكسرى، ووصف ابن الرومي الخبار والحمّال الأعمى والنرد والشطرنج ، ووصف نطاح الكباش وصياح الديكة.
يقول ناصح الدين الأرجاني في وصف حصان كسرى وقد بان حتى عره تحت جلده:
وقد بان حتى عرقه تحت جلده وإن لم تبنْ في صفحتيه ندوب
ويقول المعري في وصف ديكٍ أحبَّ له الحياة، فكان هذا الديك طعاماً لأحد الصائمين :
أياديك: عدت من أياديك صيحة بعثت بها ميتَ الكرى وهو نائم
ولو كنت لي ما أرهفت لك مدية ولا رام افطاراً بأكلك صائم
ويقول البحتري في وصف القصر الكامل للمتوكل:
لبست من الذهب الصقيل سقوفه نوراً يضيء على الظلام الحافل
وكأنّ حيطان الزجاج بجوّه بحجٌ يمجن على جنوب سواحل
ويقول علي بن الجهم يصف لعبة الشطرنج وما يدور على رقعتها من معارك :
أرض مربعة حمراء من أدم ما بين إلفين موصوفين بالكرم
هذا يغير هذا وذاك على هذا يغير، وعين الحرب لم تنم
فانظر إلى الخيل قد حاشت بمعركةٍ
في عسكرين بلا خيلٍ ولا علم
ويقول أبو نواس واصفاً كلب صيد له اسمه (سرياح):
ما البرق في ذي عارض لمّاح ولا انفضاض الكوكب المتضاحِ
ولا انبتاتُ الدّلو بالمتّاح ولا انسياب الحوت بالمنداح
حين دنا من راحة السبّاح أجدَّ في السرعة من سرياح
يطير في الجو بلا جناح يفترُّ عن مثل شبا الرماح
ويقول الشاعر أبو فرعون الساسي في وصف منزله المتواضع الخالي من الحضارة والحياة:
منزل أوطنه: الفقر فلو دخل السارقُ فيه سرقا
يصور الشاعر أبو الشمقمق واصفاً حاجة عياله للخبز والإدام
وقد دنا الفطر وحبياننا ليسوا بذي تمرٍ ولا أرز
فلو رأوا على شاهق لأسرعوا للخبر بالجمز
الوظيفة:
1- قارن بين معاني المدح عند شعراء العصر العباسي والأموي والجاهلي من خلال ثلاثة شعراء.
2- تحدث بما لا يزيد عن صفحة عن ظاهرة الهجاء السياسي في العصر العباسي.
3- قارن بين معاني الرثاء عند أبي العلاء المعري وأبي الطيب المتنبي من خلال نصين لأبي العلاء ورثاء المتنبي لخولة أخت سيف الدولة.
4- قارن بين قصيدتي المتنبي في وصف الحدث الحمراء و أبي تمام في وصف عمورية مختاراً ابيات الوصف والتصوير فيهما.
حل الوظيفة:
1- قارن بين معاني المدح عند شعراء العصر العباسي والأموي والعصر الجاهلي من خلال ثلاثة شعراء .
إنّ المدح يعتبر جزءاً مهماً من حياة الإنسان، وكان يكون مخلوقاً معه، والإنسان بطبعه إذا أحبّ شخصاً فإنّ لسانه ينطلق لمدحه وهذا كان حال الشعراء في مختلف العصور فامتلاءت دواوينهم بهذا الغرض وهو المديح ولكنهم يختلفون بطريقة تناولهم له فمنهم من اعتمده وسيلة لنيل المكاسب أو لنيل منصب أو مكانة مرموقة لدى الممدوح، كما أن كلّ عصر كان يملي على شعرائه معانٍ خاصة في المدح تتناسب و العصر الذي وجدت فيه، ففي العصر الجاهلي كان الشاعر يمدح بصفاتٍ حقيقية وصادقة في ممدوحيهم، فيصف بالشجاعة و الرأي السديد والكرم والعفة وغيرها، وهي صفات تنبع من البيئة الجاهلية كما هي ظاهرة في قول حسان ابن ثابت في مدح الغساسنة فيقول :
لله در عصابة نادمتهم يوماً بجلق في الزمان الأول
بيض الوجوه كريمة أحسابهم شمُّ الأنوف من الطراز الأول
بينما في العصر الإسلامي فقد توجه المدح إلى الرسول الكريم والدين الجديد للمدافعة عه ضد خصومه من الكفار فيمدح الرسول بالصدق والهدايا والتقى كما في قول كعب بن زهير في مدح الرسول:
إن الرسول لنور يستضاء به وصارمٌ من سيوف الله مسلولُ
أماني العصر الأموي فقد اتجه المدح إلى الخلفاء والولاة والأمراء وأضفى الشعراء على ممدوحيهم صفات التقى والورع وحماية المسلمين والذب عن الحرمات كما في قول الأخطل مادحاً بني أمية:
حشدٌ على الحقّ عيافو الخنا أنف إذا ألمت بهم مكروهة صبروا
أعطاهم الله جدّاً ينصرون به لا جدَّ إلا صغير بعد ومحتقرُ
وفي العصر العباسي فقد ازدهر هذا الغرض ازدهاراً ملموساً بسبب تشجيع الخلفاء للشعراء بالإضافة إلى طمع الشعراء أنفسهم في الأعطيات والمناصب وتوجه المدح إلى الخلفاء والأمراء والولاة، وأضفوا على ممدوحيهم بالإضافة إلى الكرم والشجاعة والقوة صفات التقى والورع وسحن الإدارة والقيادة السياسية ، والذب عن الدين داخلياً وخارجياً كما في قول المتنبي مادحاً سيف الدولة :
ليس إلاك يا علي همام سيفك دون عرضه مسلول
أنت طول الحياة للروم غازٍ فمتى الوعد أن يكون القفول
وقد بقي فمن المديح ببلاد العرب يشيد بالحسن ، ويرفع من شأن الخامل، ويثبت الصفات السامية والثمائل العالية، بدافع الإعجاب أو الطمع ولكنه يطل تجسيداً للقيم العربية الأصيلة.
2- تحدث بما لا يزيد عن صفحة واحدة عن ظاهرة الهجاء السياسي في العصر العباسي:
في أواخر العصر الأموي كانت أحزاب الشيعة والخوارج والزبيريين والأمويين تصطرع ويجاهد بعضها بعضاً وكان كل حزب يرى أن الخلافة أحق لأتباعه ، فحزب الشيعة كان يرى أن تكون الخلافة في أبناء علي من بني هاشم ، وحزب الخوارج يرى أن ترد الخلافة إلى الأمة لتولي المصالح من أعلامها، أما الزبيريين يرون أن أبناء الصحابة الأولين أحق بالخلافة بينما الأمويين كانوا يدعون لأنفسهم بأنهم الأكفاء لتلك الخلافة ، ومضت هذه الأحزاب تختصم ويجاهد بعضها بعضاً، ووراء كل هذه الأحزاب كان هناك شعراء كثيرون ينافحون عن سياسة أحزابهم ويظاهرونها على أعدائها، ويناضلون نضالاً عنيفاً مما هيّأ لازدهار الشعر السياسي ، ولكن في العصر العباسي أخذ هذا الشعر يضعف بسبب مهم وهو ضعف هذه الأحزاب وقد سقط حزب الزبيريين باكراً، بينما استمر الخوارج لبعض الوقت، ولكن الحزب الشيعي هو الذي دام وناضل العباسيين حيث يرى أن العباسيين اغتصبوا الخلافة اغتصاباً، وطالبوهم بالتنازل ع الحكم ، غير أن استلام العباسيين للحكم وتركز الأموال بأيديهم فقد دان معظم الشعراء لهم ودافعوا عنهم طمعاً في رضاهم مع أن الخلافة في منشئها كانت تقوم على استشارة الأمة في تولية المصالح من زعمائها فهي ليست لقمة تستأثر بها أسرة خاصة ، بل هي نظام يقوم على الشورى .
وما أن استلم العباسيون الخلافة وتناقلوها بين أبناءها حتى أحس زعماء العلويين أن الخلافة أفلتت من أيديهم، فثاروا في المدينة وطالبوا بحقهم في الخلافة وبدؤوا ينافحون عن دعوتهم جند العباسيين، وظهرت مجموعة من الشعراء المدافعين عن العلويين جند العباسيين منهم : السيد الحميري – منصور النحري – دعبل الخزاعي الذي هجا الرشيد وكثيراً من الخلفاء العباسيين كما يقول مهدداً الرشيد الذي كان يضحك من هجائه:
إني من القوم الذين سيوفهم قتلت أخاك، وشرّفتك بمقعد
وكذلك في هجائه للمعتصم الذي قال فيه هجاءً لم يقل مثله في أحد قبله :
ملوك بني العباس في الكتب سبعة
ولم تأتنا عن ثامنٍ لصم الكتبُ
وكذلك أهل الكهف في الكهف سبعة
كرامٌ إذا عدُّوا وثامنهم كلبُ
وفي هجاء المتوكل قال فيه بيتاً مقذعاً:
ولست بقائلٍ قذعاً ولكن لأمرٍ مّا تعبَّدك العبيدُ
3-قارن بين معاني الرثاء عند أبي العلاء المعري وأبي الطيب المتنبي من خلال نصين: دالية أبي العلاء المعري ،ورثاء المتنبي لأخت سيف الدولة :
دالية أبي العلاء المعري:
غير مجد في ملتي واعتقادي نوح باك ولا ترنم شاد
وشبيه صوت النعي اذا قد
س بصوت البشر في كل ناد
أبكت تلكم الحمامة أم غنت على فرع غصنها المياد
صاح هذي قبورنا تملأالرح ب فأين القبور من عهدعاد
حفف الوطء ماأظن أديم الأر ض إلا من هذه الأحساد
سر إن اسطعت في الهواء رويدا لا اختيالا على رفات العباد
رب لحد قد صار لحدا مرارا ضاحك من تزاحم الأضاد
تعب كلها الحياة فما أعجب إلا من راغب في ازدياد
حنجعت الموت رقدة يستريح الجسم فيها والعيش مثل السهاد.
رثاء المتنبي لأخت سيف الدولة:
ياأخت خير أخ يابنت خير أب كناية بهما عن أشرف النسب
أجل قدرك أن تسمي مؤنبة ومن يصفك فقد سماك للعرب
يظن أن فؤادي غير ملتهب وأن دمع جفوني غير منسكب
بلى وحرمة من كانت مراعية لحرمة المجد و القصاد و الأدب
ومن مضت غير موروث خلائفها
وإن مضت يدها موروثة النسب
يعلمن حين تحيا حسن مبسمها وليس يعلم إلا الله بالشنب
ولا ذكرت جميلا من صنائعها إلا بكيت ولا ود بلا سبب
جزاك ربك بالأحزان مغفرة فحزن كل أخ حزن أخو الغضب
فلا تنلك الليالي إن أيديها إذا ضربت كسرت النبع بالعرب
وربما احتسب الإنسان غايتها
وفاجأته بأمر غير محتسب
تخالف الناس حتى لا اتفاق لهم
إلا على شجب والخلف في الشجب
ومن تفكر في الدنيا ومهجتها
أفاقه الفكر بين العجز والتعب
التعليق:
تعد دالية المعري في رثاء أبي حمزة من روائع الشعر العربي حيث جمع فيها صدق اللوعة وعمق الفكرة ،فكانت قصيدته مزيجا من عاطفة خفاقة تتغلغل إلى أعماق النفس ،وحكمة عميقة تتجلى خلالها قيمة الحياة إزاء الموت في صورة رائعة حسنة الاختيار ،فكأن الشاعر يرثي الإنسانية جمعاء حيث يقول:
حنجعة الموت رقدة يستريح الجسم فيها والعيش مثل السهاد
وهو بين لنا أن البكاء والفرح لا يجديان لأنهما وجها الحياة المختلفان ،فإنسان يبكي ،واخر يفرح هكذا هي الحياة......
غير مجد في ملتي واعتقادي نوح باك ولا ترنم شاد
وما يهم بعدئذ أن تغني الحمامة فرحا أو حزنا ، فالحياة هي الحياة ، ولا سبيل إلى تغيرها أبكت الحمامة أم لا:
وشبيه صوت النعي إذا قي س بصوت البشر في كل ناد
أبكت تلكم الحمامة أم غنت على فرع غصنها المياد
ولم الحزن في حالة الموت إذا كانت القبور تنتشر في كل مكان :
صاح هذي قبورنا تملأ الرح ب فأين القبور من عهد عاد.
ثم يدعو إلى احترام الإنسانية في أشخاص المرثى فالتراب الذي تدوس أقدام المتعالي فيه عظام أجداده وأسلافه :
حفف الوطء ما أظن أديم الأر ض إلا من هذه الأجساد
سر إن اسطعت في الهواء رويدا لا اختيالا على زمان العباد
أما المتنبي :فنجده قد خص الرثاء في قصيدته ، ونلمح في قصيدته شيئا مما ارتكز عليه الشعراء في جاهليتهم من الندب والتأبين ، ولكنه لم يتقيد بالترتيب لهذه الأمور .فنجده في قصيدته على عكس المعري تماما يبين حزنه على المرثية فيقول :
يظن أن فؤادي غير ملتهب وأن دمع جفوني غير منسكب
بلى وحرمة من كانت مراعية لحرمت المجد والقصاد والأدب
ونجد أن المتنبي أيضا يذكر صفات المرثية وحسن أخلاقها وصفاتها ، وذلك من خلال قوله :
ومن مضت غير موروث خلائقها وإن مضت يدها موروثة النشب
يعلمن حين تحيا حسن مبسمها وليس يعلم إلا الله بالشنب
ولا ذكرت جميلا من صنائعها إلا بكيت ولا ود بلا سبب
ثم يدعو لمرثيته بالمغفرة ، وحسن الجزاء من الله حيث يقول :
جزاك ربك بالأحزان مغفرة فحزن كل أخي حزن أخو الغضب
ولكن المتنبي يتفق مع المعري في الحكمة التي سقاها من خلال أبياتهما حيث يقول :
تخالف الناس حتى لا اتفاق لهم
إلا على شجب والخلف في الشجب
ومن تفكر في الدنيا ومهجتها أفاقه الفكر بين العجز و التعب
ونلمح الصدق عند المعري أكثر مما نلمحه عند المتنبي ، فنراه يعمد ليسد عجزه عن إظهار العاطفة الصادقة إلى ضرب الحكم ، ومدح أهل الفقيد و المرثي .
4-قارن بين قصيدتي المتنبي في وصف الحدث الحمراء وأبي تمام في وصف عمورية مختارا أبيات الوصف والتصوير فيها .
قال أبو تمام في وصف معركة عمورية :
السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهن جلاء الشك والريب
والعلم في شهب الأرماح لامعة بين الخميسين لا في السبعة الشهب
أين الرواية بل أين النجوم وما صاغوه من زخرف فيها ومن كذب
فتح تفتح أبواب السماء له وتبرز الأرض في أبوابها القشب
يا يوم وقعة عمورية انصرفت
عنك المنى حفلا معسولة الحلب
كم بين حيطانها من فارس بطل
قاني الذوائب من آني دم شرب
لقد تركت أمير المؤمنين بها
للنار يوما ذليل الصخر و الخشب
غادرت فيها بهيم الليل وهو ضحى
يشله وسطها صبيح من اللهب
حتى كأن جلابيب الدجى رغبت عن لونها أو كأن الشمس لم تغب
ضوء من النار والظلماء عاكفة وظلمة من دخان في ضحى شجن
فالشمس طالعة من ذا وقد أفلت والشمس واجبة من ذا ولم تجب
تدبير معتصم بالله منتقم لله مرتغب في الله مرتقب
لم يغز يوما ولم يزهد إلى بلد إلا تقدمه خيش من الرعبِ.
وقال المتنبي في وصف الحدث الحمراء:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم و تأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
يكلف سيف الدولة الجيش همه وقد عجزت عنه الجيوش الخضارم
ويطلب عند الناس ما عند نفسه وذلك مالا تدعيه الضراغم
هل الحدث الحمراء تعرف لونها ؟!؟ وتعلم أي الساقيين الغمائم؟!
سقاها الغمام الغر قبل نزوله فلما دنا منها سقتها الجماجم
بناها فأعلى والقنا تقرع القنا وموج المنايا حولها متلاطم
وكان بها مثل الجنون فأصبحت ومن جثث القتلى عليها تمائم
خميس بشرق الأرض والغرب زحفه
وفي أذن الجوزاء منه زمازم
تجمع فيه كل لسن وأمة فما تفهم الحداث إلا التراجم
فلله وقت ذوب الغش ناره فلم يبق إلا صارم أو ضبارم
وقفت وما في الموت شك لواقف
كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ووجهك وضاح وثغرك باسم
ضممت جناحيهم على القلب ضمة
كموت الخوافي تحتها والقوادم
ومن طلب الفتح الجليل فإنما مفاتيحه البيض الخفاف الصوارم .
التعليق :
بالرغم من انشغال العرب في هذا العصر باللهو والمجون ، ولكن لم يكن هذا انشغالا تاما بل كانوا يتحركون بين الحين والآخر ضد العدو وهو الروم وتمثل ذلك من خلال معركتين كانت الكلمة الأخيرة فيها للعرب المسلمين وقد كان الأثر الأكبر من إبراز الصورة الواقعية لتلك المعركتين للشاعرين المتنبي وأبي تمام.
وقد وصف لنا أبو تمام معركة عمورية وما وقع فيها من أحداث وصفاً بارعاً بحيث استطاع أن يصوّر واقع المعركة تصويراً يمكن للقارئ أن يشكل لوحة فنية فأطراف البساتين يتكدس حولها الأبطال الشجعان الذين مازالت جراحهم تنزف دماً ، يقول أبو تمام:
كم بين حيطانها من فارس بطلٍ قاني الذوائب من آني دمٍ سرب
ولم يكتف أبو تمام بوصف الأبطال وإنما صوّر المعركة في الليل المظلم فبدا ظلام الليل مشرقاً كالضحى لهول الحرائق والنيران التي أشعلت هناك حتى إنه بالغ في وصف ذلك فجعل الدجى والظلام يعزف عن لونه ويختار لوناً آخر أو كأنّ حركة الكون قد توقفت وبقي النهار مشرقاً منيرة فيقول:
غادرت فيها بهيم الليل وهو ضحىً يشلّه وسطها صبحٌ من اللهبِ
حتى كأنّ جلابيب الدجى رغبت عن لونها أو كأنّ الشمس لم تجبِ
أما أبو الطيب المتنبي فقد صوّر قلعة الحدث الحمراء تصويراً بارعاً، ولوّن لوحته بدماء الشهداء الذين سقطوا على أسوار تلك القلعة يقول المتنبي:
هل الحدث الحمراء تعرف لونها وتعلم أيّ الساقيين الغمائم
سقتها الغمام الغرّ قبل نزوله فلمّا دنا منها الجماجم
وقد أضاف المتنبي في وصفه لواقع المعركة صور الجيش البيزنطي الذي تسربلت جياده بالحديد كأنها مدرعات أو مصفحات ، وبيّن أن هذا الجيش مجموع من مختلف أهل الأرض فلكل قومٍ لغة يقع أزيز صوتها في أعالي السماء:
أتوك يجرون الحديدُ كأنها سروا بجيادٍ مالهنّ قوائم
خميسٌ بشرقِ الأرض والغرب زحفه
وفي أذن الجوزاء منه زمازم
وقد تعدى الشاعران في وصف المعركة إلى وصف القادة الذين ساهموا في صنع هاتين المعركتين، فوصف أبو تمام المعتصم "بالشجاعة العظيمة وبالتدبير المحكم وبالجهاد في سبيل الله فكانت صورة المعتصم ماثلة أمامنا وهو يقف مدافعاً عن المسلمين في وسط المعركة:
تدبير معتصمِ، بالله منتقم لله مرتغبٍ في الله مرتقبِ
وقد وصف أبو تمام المعتصم بأنّه يتقدم جيشاً مخيفاً إذا مشى إلى منطقةٍ دب الرعب في تلك المنطقة قبل أن يصل إليها وبالغٍ في وصف المعتصم على أنه بنفسه بشكل جيشاً مخيفاً:
لو لم يقد جحفلاً الوغى لغدا من نفسه وحدها في محفلٍ لجبار
أما المتنبي فقد شكل لوحة رائعة في وصف سيف الدولة بحيث جعل هذا القائد في جفن الردى لا ينته الموت إليه :
وقفت وما في الموت شكٌ لواقفٍ كأنّك في جفنٍ الردى وهو نائم
إنها صورة البطل الذي يهزأ بالموت ويسخر منه بل هي صورة القائد الذي تحطمت جيوش الأعداء من عن جنوبه ومن على عن شماله:
ضممت جناحيهم على القلب حنةً تموت الخوافي تحتها والقوادمُ
ولو فارنا بين دقة الوصف عند الشاعرين لوجدنا أن أبا تمام قد رسم صورة المعركة بشكل مفصّل أكثر ممّا رسمه المتنبي فأطواف البساتين يضجع على جانبها الشهداء وأرض المعركة ملتهبة بالنار حتى كأنّ الظلام من شدة النيران قد تحوّل إلى صبحٍ أو ضحىً مضيء أو كأن حركة الكون قد تغيرت.
بينما ركز المتنبي على وصف ضخامة جيش العدو، ولم يصور لنا إلاّ جدران القلعة وقد ملأت بالدماء ولكن دقة الوصف في رسم صورة القائد كانت عند المتنبي أدق تفصيلاً ، وأرفع نفساً فسيف الدولة يقف ضاحكاً في أجفان الموت والموت غفا عنه، وليس في ذلك مبالغةً كالمبالغة التي رسمها أبو تمام لصورة المعتصم فجعله جيشاً مستقلاً بنفسه، وإذا كان أبو تمام قد قال قصيدته قبل المتنبي فإنّ المتنبي قد استفاد من تصوير أبي تمام، ولكنه كان أكثر خيالاً وأعمق تصويراً منه.

الفصل الرابع
التحولات التي طرأت على الشعر السياسي
1ً- في بناء القصيدة :
لم يلتزم العباسيون التزاماً كاملاً تهج القصيدة العربية التي رسم أسمها الجاهليون ، وكان بعضهم قد حاول ترسم خطا الجاهليين، على الأطلال وه يعيش أمام قصور بغدادٍ، وبقي يصف الخلفاء بالصفات التي تتلائم مع البداوة وقد أعرض بعض الشعراء عن ذلك، ونددوا بطريقة الوقوف على الأطلال كما قال أبو النواس:
عاج الشقي على رسمٍ ليسائله وعجت أسأل عن خمارة البلد
ولكن شاعراً كأبي تمام والبحتري وابن المعتز حاولوا تغيير مطالع قصائدهم ، فهذا أبو تمام صنع لقصيدته في مدح المعتصم مقدمة في وصف الطبيعة فقال:
رقت حواشي الدهر فهي تمرمر وغد الثرى في حلية يتكسَّر
يا صاحبيَّ تقصّيا نظريكما تريا وجوه الأرض كيف تصوَّر
تريا نهاراً قد شابه وجه الضحى فكأنما هو فقصر
كما وبدأ قصيدته في فتح عمورية بالحكمة:
السيف أصدقُ أبناءً من الكتب في حدّه الحدُّ بين الجدّ واللّعب
وهذا ابن المعتز يخاطب الخليفة المعتضد الذي نفاه وأبعده عن مجالسه قائلاً:
أتسمع ما قال الحمام السوامع وصائح بين في ذرا الأيك واقع
منعنا سلام وهو محلل سوى لمحات أو تشير الأصابع
أما المتنبي فقد سلك في بناء قصائده مسلكا مغايرا بحيث جعل لكل قصيدة مطلعا يتناسب مع مضمون القصيدة كقوله :
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
وقوله :
إذا كان مدحا فالنسيب المقدم أكل فصيحا قال شعرا مقيم
3- الزخارف اللفظية والمحسنات البديعية :
نظرا لتغير مظاهر الحياة العباسية عن سابقتها وازدياد الاهتمام بالشكل عند الإنسان أكثر من المضمون ، فقد انعكس ذلك الشعر فأخذ الشعراء يهتمون بشكل الشعر لديهم أكثر من المضمون ، ونشأ فن البديع القائم على المحسنات والزخارف اللفظية والمعنوية كالجناس والطباق والمقابلة والإرصاد وتحول الشعر من مطبوع إلى مصنوع .كما عند أبي تمام في قوله :
بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهن جلاء الشك والريب
وقد تحول الاهتمام بالزخارف اللفظية والمحسنات البديعية من كونها وسيلة إلى كونها غاية وأصبحت في العصور التالية عبئا ثقيلا على الشعر العربي .
4- الأوزان والقوافي :
لم يتجاوز شعراء العصر الجاهلي والإسلام والأموي الأوزان الخليلية ، لكن شعراء العصر العباسي بسبب انتشار الموسيقى والغناء حاولوا أولا أن يوجدوا أوزان البحور الست عشرة وزنا ،وأضافوا أوزان جديدة ( المواليا )
وكان أبو العتاهية يقول : أنا أكبر من الوزن الخليلي ونوع الشعراء بالقوافي فظهرت أوزان
كالمزدوج – المسحطات – المربعة – المخمسة
واهتم الشعراء بالأوزان المجزوءة التي تتناسب مع الغناء والموسيقا . يقول بشار :
ربابة ربة البيت تصب الخل في الزيت
لها عشر دجاجات وديك حسن الصوت
وقوله :
سلاف دن كشمس دجن
كدمع جفن كخمر عدن
5- التصوير الفني :
6- لم يرتض العباسيون الطريقة العربية الجاهلية والإسلامية القائمة على الإيضاح والاقتراب من الحقيقية ، وملاحظة التناسب في وجه الشبه بين المشبه و المشبه به والحرص على الدقة في الوصف في التصوير الفني في شعرهم ، بل حالوا أن ينهجوا نهجاً جديداً في هذا التصوير كما صنع بشار حينما حاول أن يجعل العلاقة مضطربة بين المشبه والمشبه به، وأن يمازح بين الحواس و يعتمد الإبهام كأن يشبّه (المسموع بالمنظور) و(المنظور بالمذاق) يقول بشار في وصف جارية:
حوراء إن نظرت إليك سقتك بالعينين خمرا
وكأن رجع حديثها قطع الرياض كيسين زهرا
فكأنّ الحديث المختص بحاسة السمع مشبّه بقطع الرياض الخاصة بحاسة النظر، وقد بلغ التصوير الفني منتهى الابداع الذي غدا ركناً أساسياً عند أبي تمام في تجديده حيث اختفت الصور المستوحاة من البادية واعتمدت الصور المستوحاة من حياة الترف. يقول ابن المعتز واصفاً الهلال:
انظر إلى حسن هلالٍ بدا يهتك من أنواره الحندسا
كمنجلٍ قد صيغ من فضة يحصد من زهر الربا نرجسا
5- التحولات التي دخلت على المعاني الشعرية:
كما أن العباسيين لم يقبلوا بشكل القصيدة الجاهلية ، كذلك رفضوا معانيهم، وحاولوا تجديدها وقد أسرهم في تغير المعاني في ثلاثةِ أشياء:
أ‌- قضية الفكر الإسلامي الذي تمثل بالقرآن الكريم والسنة النبوية وما فتحه هذان الكتابان من آفاق جديدة للعقل في ذلك كمناقشة وسائل الكون والحياة والعقل والخالق والمخلوق والروح والجسد، وما نتج ع ذلك من علمٍ سمّي في ما بعد الكلام الذي تبناه أصحاب المذاهب بالإضافة إلى المعتزلة.
ب- الثقافة الفلسفية: التي ترجمت من كتب الأمم التي مازجها العرب المسلمون والتي تمحورت حول ديانات تلك الشعوب كالمانوية والمزدكية والزيد ثنية وأثر ذلك على بعض الشعراء كما حصل مع المعري حينما حرّم على نفسه أكل اللحوم.
جـ- تغيرات الحياة الجديدة : التي فرضت نفسها من خلال امتزاج الحضارات الأخرى وحياة الشعوب الأخرى وما ابتدعه المفكرون من طرائق جديدة للفكر ، فقد نقل العرب حكمه الفرس ووصاياهم وآدابهم وأساليبهم في الحياة السياسية والصداقة والمشورة . قال بشار:
إذا بلغ الرأيُ المشورة فاستعن برأي نصيح أو نصيحة حازم
ولا تجعل الشورى عليل غضاضة فريشُ الخوافي قوةٌ للقوادمَ
ونقل العرب أيضاً حكمة الهند وعلومها في الحساب والفلك والطبيعة ، فقد زعم علماء الهند أن الشيء إذا أفرط في البروده عاد حاراً، وقد أخذ هذا المعنى أبو نواس :
قل لزهير إذا حدا وشدا أقلك أو أكثر فأنت مهذارُ
سخنت من شدة البرودة حتى صرت عندي كأنك النارُ
ويقول المعري:
فلا تأكلن ما أخرج الماء ظالماً ولا تبغ قوتاً من غريض الذبائح
ونقل العرب الثقافة اليونانية وفلسفتها المعتمدة على المنطق والأقيسة والأدلة واستخدام الشعراء مصطلحات فلسفية، كفكرة الجوهر، والكل والتعليل والتضاد يقول أبو العتاهية في سكون الحركة:
يا عليُّ بن ثابت بان مني صاحبٌ حلَّ فقده يوم بنتا
قد لعمري لي غصص المو ت وحرَّكتني لها وسكنتا
ويقول أبو نواس في فكرة الجزء الذي لا ينفكك :
يا عاقد القلب مني هلا تذكرت حلا
تركت مني قليلاً من القليل أقلاّ
يكاد لا يتجزّأ أقلّ في اللفظ من (ك1
ويقول أبو تمام في التضاد فصوّر جمال إحدى صواحبه :
بيضاء تسري في الظلام ميكتسي
نوراً وتسرب في الضياء فيظلم


أبرز أعلام الشعر في العصر العباسي
1- بشار بن برد:
حياته وشأنه:
ولد بشار بن برد عام (96هـ ) وتوفي (168هـ)
أبوه مولى وأمه عقيلية عربية، ولداً أعمى من أول لحظة واختلط بحلقات العلم والأدب في البصرة، وتردد على الأعراب ، وتنقل بين الكوفة والبصرة وحرّان ، وقد انقسمت حياته بين المسجد في الصغر، ومجالس الزندقة في الكبر، حيث كانت نهايته بسبب الزندقة.
وقد كان مغالياً في هجائه وفسقه وعجونه على الرغم من أنه كان أحد مؤسسي حلقات المعتزلة مع واصل بن عطاء وعمر بن عباد.
شخصيته:
آ- الصفات الجسدية: الضخامة – العمى – قبح المنظر – الإصابة بالجذري .
ب- الصفات الاجتماعية: الانتساب إلى الموالي – النشوء في أسرة فقيرة – الأحاطة لمجتمع متخلف.
ج- الصفات النفسية: الشعور بالإحباط والمرارة- النقمة على الحياة – السخرية عن حوله – اعتماده الإباحية والمجون كثرة الاعتداء بالنفس.
ملاحظة :
أهم ما يميز بشار توقد الذكاء – الجواب الحاضر – مقدرته على صناعة التشبيه التمثيلي كما في قوله :
كأنّ مثارُ النقع فوق رؤوسنا وأسيا فنا ليلٌ تهاوى كواكبه
شعره ومعانيه وأغراضه:
1- يعد شعر بشار بن برد انعكاساً لصفاته النفسية، وترجمةً لبيئته التي تراوحت بين القديم والجديد ، وبين التقليد والتجديد .
2- وقد كتب بشار في أغراض المدح والهجاء والفخر والرثاء والغزل.
3- صفات المدح عند بشار:
أ‌- اعتماده على المعاني التقليدية .
ب- البناء على البحور الطويلة (المديدة التفعيلات)
ج- الوقوف على الأطلال.
د- تردد المعاني البدوية.
هـ- عدم
و- الاعتماد على المعاني الواقعية.
ز- المبالغة في المدح.
ح- اقتباس المعاني الأموية.
إذا الملك الجبّار صغَّر خده مشينا إليه بالسيوف نعاتبه
ويقول في المعاني البدوية يمدح عقبة بن مسلم والي البصرة :
أريحي له يدٌ تمطر النيل وأخزى سمٌّ على الأعداء.
4- خصائص هجاء بشار:
آ- النيل من الأغراض والكلام البذيء
ب- الشتم والسب.
ج- استخدام الهجاء وسيلة للثراء والكسب.
د- جعل الهجاء فناً جديداً مستقلاً.
5- خصائص الغزل عند بشار :
آ- المعاني البدوية في بعض القصائد تعتمد الجزالة اللفظية و الاشراق واستخدام البحور الطويلة والمديدة كقوله في وصف عبده:
كقارورة العطار أو زاد نعتها تلين إذا ما بنتها وتطيب
ب- المعاني الحضرية وهي سهلة ميسورة تعتمد البحور القصيرة والأوزان الخفيفة كقوله:
حوراء إن نظرت إليك سقتك بالعينين خمرا
وكأنّ تحت لسانها حاورت ينفث فيه سحرا
6- خصائص الوصف عند بشار:
آ- لم يخرج بشار عن المعاني البدوية في الوصف سواءً كان هذا الوصف للصحراء أو للنساء.
ب- حاول بشار في مطالع قصائده استبدال وصف الناقة بوصف السفينة والبحر.
ج- لم يجد
د-الحكم على سلوك بشار وشاعريته وتجديده :
1- الحكم على سلوك بشار: سلك بشار ملوك المتهتكيل بأعراض الآخرين وقد كان شعوبياً يفاخر بشعوبيته زنديقاً، وثنوياً، أسهم العمى والرق لديه في اذكاء شعوره بالنقص، وقد دفعه ذلك إلى الفسق في القول كقوله:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته وفاز بالطيبات الفاتك اللهج
وقد أخذ بشار هذا المعنى عن الشاعر سلم الخاسر:
من راقب الناس مات همّا وفاز بالطيبات الجسور
كما أن سلوكه دفعه إلى إظهار الحكمة تعويضاً عن النقص كقوله:
إذا بلغ الرأي المشورة ما ستعن برأي نصيخٍ أو نصيحة حازم
2- الحكم على شاعرية بشار:
ليست شاعرية بشار إلاّ تعويضاً عن نقصٍ (العمى وسوء المنظر) كما أن أخويه كانا جزارين ، ونحن نعرف أن الموهبة قد تلازم العاهة، وأن معظم بشاعرية بشار هي استجابة لمطلب (نبذ الإشباع الغريزي في الخيال). وقد اسهمت الشعوبية في هذه الشاعرية مرة، والولاء للعرب مرة أخرى، فهو يمدح الفرس ، ويمدح ولاة العرب ، وهذا فيه تناقض .
3- الحكم على تحديد بشار:
لا شك أن بشاراً شاعرٌ موهوب، ولكن بعض النقاد رفع من فكان بشار في ثلاث قضايا نسبت إلى بسار وهي قضايا غير دقيقة وغير صحيحة جعلت هؤلاء النقاد يعتبرونه أو المجذوبين هي:
1- المبالغة في نسبة كل جديد لبشار.
2- النسب الملوكي إلى بشار لأن بشار رقيق ومن أسرة فقيرة .
3- أن بشار كتب ثلاث عشر ألف قصيدة وأنّه يفخر بثلاثة عشر ألف بيتاً من عيون الشعر العربي وهذا غير صحيح.
الوظيفة:
ادرس معاني الهجاء في هذا النص مبيناً أثر نفسية لبشار بن برد في انطباع هذا الهجاء بطوابع واقعية ، ومثيراً إلى أن الهجاء ظاهرة غير إنسانية تعبر عن تعويض لنقص ما .
قال بشار بن برد يهجو العباس بن محمد علي بن عبد الله بن عباس استمنحه فلم يمنحه:
ظلّ اليسار على العباس ممدود وقلبه أبداً في البخل معقودٌ
إنّ الكرم ليخفي عنك عسرته حتى تراه غنياً وهو مجهودُ
وللبخيل على أمواله عللٌ رزق العيون عليها أوجه سودُ
إذا تكرّهت أن تعطي القليل ولم تقدر على تسعة لم يظهر الجور
أورق بخير ترجي النوال فما ترجى الثمار إذا لم يورق العود
بثَّ النوال ولا يمنعك قلته فكلَّ قاسد فقراً فهو محمودُ
2- ادرس نفسية بشار بن برد وحدد سماتها من خلال الأبيات التالية:
هل من رسول مخبرٍ عني جميع العرب
من كان حيّاً منهم ومن ثوى في الترب
بأنني ذو حسب عالٍ على ذي الحسب
جدّي الذي أسحوبه كسرى وساسان أبي
وقيصر خالي إذا عددت يوماً نسبي
لم يبق أقطاب ميتماً يشربها في القلب
ولا حدا قطّ أبي خلف بعيراً أجرب
ولا أني حنظلة يثقها من سغب
ولا أتى عرفطة يخبطها بالحشب
ولا شوينا وراً منطنفاً بالذنب
ولا تقصعت ولا أكلت حبّاً الحزب
ولا اصطلى قط أبي مفحماً للهب

أبو العتاهية
نشأته وحياته :
هو أبو اسماعيل بن القاسم بن سويد ، كان أبوه حجاما ، وهو نبطي من موالي بني عنزة وأمه من من موالي بني زهرة ، وأبو العتاهية كنية غلبت عليه.
ولد الشاعر في عين تمر بالقرب من الأنبار عام (130هـ) وتوفي عام (211هـ) اختلط في بداية حياتة بالمخنثين من الرجال الذين يتقلدون بالنساء لبسا وقد عمل خزافا صانعا للجرار ، ثم عاد وانتظم في حلقات الخلفاء في المساجد وشيوخ الأدب واتفق مع ابراهيم الموصلي أكبر مغني العصر العباسي , وانتقلا إلى بغداد فنجح الموصلي وفشل أبو العتاهيه , ولكنه عاد إلى بغداد وتقرب من المهدي بعد أن مهد له الطريق صاحبه ابراهيم . تعلق بجريه اسمها "عتبه " ولكنها كانت تضجر منه وتحول أخيرا إلى حياة الزهد .
شخصيته :
أثر في شخصية أبي العتاهية عوامل ساعدت في توجه هذا الشاعر إلى الزهد وهي:
1- استعداده الفطري .
2- تهتك المعاصرين له وإسرافهم في المجون بحيث انقلب إلى عكس ما يصنعون.
3- إخفاقه في حب عتبه .
4- المعاناة التي عاشها في الأيام الأولى متمثلة في الفقر .
وقد عاش أبو العتاهية حياته متأثرا بالأفكار المانوية وقد أشار إلى ذلك (منصور بن عمار ) أحد الوعاض في عصره واستدل على زندقته بكثرة ذكره الموت دون أن يذكر الجنة والنار .
كما وأن فقر أبي العتاهيه كان سببا في نجله الشديد.
جوانب شعره :
كتب أبو العتاهيه في أبواب الشعر وفنونه، وجدد في معانيه وأغراضه وموسيقاه ، وهجر الحديث عن الأطلال وأكثر ما برع فيه الزهد .
يقول أبو العتاهية في مدح المهدي :
أتته الخلافة منقادة إليه تجرر أذيالها
ولم تك تصلح إلا له ولم يك يصلح إلا لها.
ويقول في حبه لعتبة واصفا إياها بالدرة الثمينة:
كأنها من حسنها درة أخرجها اليم إلى الساحل
ويقول واصفا فلسفته للموت والحياة:
لدوا للموت وابنوا للخراب فكلكم يصير إلى تباب
ألا يا موت لم أر منك بدا أتيت وما تحيف وما تحابي.
ويقول في الحكمة والموت:
أجلل قوم حين صرت إلى الغنى وكل غني في العيون جميل
إذا مالت الدنيا إلى المرء رغبت إليه ومال الناس حيث تميل
ويقول باكيا على أيام شبابه :
ألا ليت الشباب يعود يوما فأخبره بما فعل المشيب
الحكم على شعر أبي العتاهية :
اقترب أبو العتاهية في شعره من العامة ، وهجر جزالة الألفاظ ، وترك الوقوف على الأطلال ، فكان شاعرا مطبوعا غزير الشعر يتناول المعاني القريبة من العامة بألفاظ سهلة واضحة متجنبا الغرابة والتعقيد والتكلف وقد اعتبره صاحب الأغاني متقدما في الشعر.
























أبو نواس
نشأته وحياته :
ولد الشاعر الحسن بن هانئ في إحدى قرى خوزستان من بلاد فارس . توفي الأب حين بلغ الابن السادسة فانتقلت الأم بابنها إلى البصرة ودفعت ابنها لحفظ القرآن فحفظه ، ثم عمل الشاعر خادما عند عطار وتعرف على الشاعر الخليع وابلة بن الحباب الدمشقي الأصل والمنشأ توفي فأثر على أبي نواس تأثرا كبيرا ، حيث انتقل مع والبة إلى الكوفة يعاقر الخمرة ويجالس المجان ، ولكنه عاد إلى البصرة ليجالس شيوخ الأدب والفكر في ذلك العصر ، ثم انتقل إلى بغداد وأصبح شاعرا الرشيد والأمين عاش 59 عاما امتدت بين عامي : (140هـ) و(199هـ) وتروي كتب الأدب أن أمه كانت من ذوات البيوت صاحبات الرايات استرابة وشكا بحيث أثر ذلك على أبي نواس .
شخصيته :
الصفات النفسية : حاد المزاج بحيث تتغير مواقفه بحسب الظروف، محبا للهو ، ومجالس الخمر والنساء .
الصفات الثقافية : استقى الشاعر ثقافته من البيئة العباسية المحيطة به ، ومما تعلمه من الثقافة الفارسية بالإضافة إلى القرآن والحديث .
الصفات الاجتماعية : تأثر أبو نواس بالواقع الاجتماعي المحيط به والمنحرف عن جادة الصواب ، وساهم في انحرافه مادية المجتمع العباسي وانحراف أمه ، وقد جعله ذلك يدعو بشعره إلى الانحلال من الأخلاق والابتعاد عن القيم الإيجابية .
جوانب شعره :
عايش أبو نواس حالة التغير والتبدل الاجتماعي والفكري والأدبي ،وحاول كغيره أن يجدد من مضامين القصيدة العربية ، وسخر من وقوف العرب على الأطلال ، ولكنه بقي تقليدا في قصائد المدح التي كانت يمتدح بها الخلفاء .يقول أبو نواس واصفا الخمرة :
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء وداوني بالتي كانت هي الداء
ويقول من الوقوف على الأطلال :
عاج الشقي على رسم يسائله وعجت أسأل عن خمارة البلد
ويقول في رثائه للخليفة الأمين :
طوى الموت ما بيني وبين محمد وليس لما تطوي المنية ناشر
وكنت عليه أحذر الموت وحده فلم يبق لي شيء عليه أحاذر
ويقول معاتبا جارية الرشيد ( خالصة ) :
ضاع شعري على بابكم كما ضاع عقد على خالصة.
ويقول مادحا الرشيد:
وأخفت أهل الشرك حتى إنه لتخافك النطف التي لم تخلق.
الحكم على شعره :
لقد كان شعر أبي نواس صورة واقعية لحياة اللهو والمجون ومعاقرة الخمرة ، وغزل النساء والغلمان ، إذ إن الحياة العباسية أثرت في حياته فأخرجته من فتى يحفظ القرآن إلى شاب خليع لا يراعي الواقع الخلقي والاجتماعي.
الوظيفة :
ارجع إلى رائية أبي نواس في رثاء الأمين ، وبين المعاني الجديدة فيها .

4- ابن الرومي
حياته وشخصيته:
ولد ابن الرومي علي بن العباس عام (221هـ) وتوفي (283هـ) لأبوين رومي وفارسية، وكان له أخ اسمه محمد وأخت توفيت قبل أمها، وقد اطلع على علوم العربية والفلسفة وعلم الكلام التي استمرت طيلة حياته لخوفه من الأسفار، ولم يسافر من بغداد إلا مرة واحدة والمسافة قصيرة جداً إذ لم يتجاوز مدينة سامراء، وقد بقي متعلقاً بوطنه وارضه وبيته:
ولي وطنً آليتُ ألا أبيه وألاّ أرى غيري له الدهر مالكا
شخصيته ابن الرومي وعناصر تكوينها:
1- العناصر الشكلية لشخصية الشاعر: تميز ابن الرومي بدمامة الوجه وقبح المنظر، وخولة في الجسم، وصلع كبير بحيث امتنع عليه خلع الكوفية.
2- العناصر الداخلية (الطبع والجبلّة): وقد امتلك ابن الرومي رهافة في الإحساس والمشاعر ودقة في الأعصاب بحيث جعل ذلك خياله آلة تصوير ناطقة تلتقط الصور الواقعية بدقة، وتعكسها بدقة، وقد أورث له هذا الإحساس الرقيق عقدة التطير.
3- العناصر الاجتماعية: وقد تعرض ابن الرومي لنكبات متعددة إذ توفي والده صغيراً، وتوفيت أمه بعد ذلك ثم توفيت زوجه وأخوه الذي كان يعينه على الحياة، وتوفي معظم أولاده مما جعله يشعر بالخيبة والمرارة واليأس ، كما أنه عانى من سوء المخالطة للناس، فاصبح مغروراً يعبر عن ذلك بالهجاء والمقذع والسخرية اللاذعة.
ج- شعر ابن الرومي:
يعد ابن الرومي من الشعراء المطبوعين الذين يجري شعرهم على السليقة والفطرة، فهو بعيد عن التكلف يركز على المعاني أكثر من الألفاظ وتميز بتوليدها وقد كتب في معظم فنون الشعر وتفوق في الرثاء والوصف والهجاء.
1ً- رثاء ابن الرومي:
تميز بالصدق والعاطفة المتأججة والعبقرية الفنية:
توخّى حمامُ الموت أوسط حبيبتي فللّه كيف اختار واسطة العقد
وأولادنا مثل الجوارح أيَّها فقدناه كان الفاجع البنين العقد
2ً- هجاء ابن الرومي:
وقد تميز بدقة الوصف والتحليل للشخصيات التي هجاها بحيث يبدو رساماً كاركتوري في شعره يقول في هجاء بخيل يقتر على نفسه:
يقتّر عيسى على نفسه وليس بباقٍ ولا خالدِ
فلّو يستطيع لتقتيره تنفَّس من منخرٍ واحدٍ
ويقول في وصف معلم صبيان يدعى أبا سليمان:
أبو سليمان لا تُجدي طريقته لا في الغناء ولا تعليم صبيانٍ
3ً- الوصف عند ابن الرومي:
أجاد ابن الرومي في وصف الطبيعة وكان ميالاً إلى التشخيص كما أجاد في وصف الحمَّال الأعمى ووصف المغنية وحيد.
يقول في وصف بستان عنب للمنصور الخليفة:
ورازقي مخطف الخضور كأنّه مخازن البلّور
قد ضمِّنت مسكاً إلى الشطور وفي الأعالي ماء وردٍ جوري
لو أنّه يبقى على الدهور قرّط آذان الحسان الحور
ويقول في وصف وحيد المغنية:
غادة زانها من الغصن قدٌّ ومن الظبي مقلتان وجيدُ
تتغنّى كأنّها لا تُغني من سكون الأوصال وهي تجيد
خلقت فتنةً ، غناءً وحسناً
مالها فيهما جميعاً نديدُ
الوظيفة :
ارجع إلى قصيدة ابن الرومي (الحمال الأعمى) وادرس المعاني الإنسانية فيها وأثرها على نفس الشاعر .

5- أبو الطيب المتنبي
حياته ونشأته:
ولد أبو الطيب المتنبي أحمد بن الحسين الجعفي سنة (303هـ) وتوفي سنة (354هـ) في حي من أحياء الكوفة "بني كندة" وقد إدّعى النبوة في بادية السماوة وسجن في حمص وتنقّل بينس القبائل والبادية فاطلع على اللغة والأدب وفنون القول، كان والده سقّاء سفي مساجد الكوفة التقى في انطاكية بأبي العشائر وعرّفه على سيف الدولة الذي أعجب به وقرّبه إليه. مما جعل الحساد من الشعراء يوقعون بينه وبين سيف الدولة مما جعله يهاجر إلى مصر ويلتقي بكافور الاخشدي الذي ماطله في تعينيه والياً في مصر ، فهرب ليلة عيد الأضحى هاجياً كافور ثم توجخ إلى الكوفة ثم تردد إلى بغداد والتقى بابن العميد في منطقة أرّجان، وبعضد الدولة في منطقة شيراز.
شخصيته:
1- الصفات الجسمية: لم يرد ذكرٌ لصفات قبيحة في شخصية المتنبي، ويرجع البعض نسبه إلى بني هاشم .
2- الصفات النفسية: يعد المتنبي من الشعراء الطموحين المغرورين والمعتدين بنفسهم، والمتطلعين إلى المجد والسيادة وكان يؤمن بالقوة والجلد، أمضى حياته باحثاً عن طموحه ولكنه فشل في مبتغاه.
3- الصفات الخلقية: يتنيز المتنبي بالصدق مع نفسه والوفاء مع غيره، وهو رجل ودود لم ينس فضائل سيف الدولة عليه.
شعر المتنبي:
يعد المتنبي عند الدارسين العرب، وغير العرب، الشاعر الأول من حيث القدرة والعطاء، فقد كان شاعراً بارعاً في تناوله لموضوعاته، كتب في معظم أغراض الشعر كالفخر – المديح – الهجاء – الوصف – الحكمة .
1ً- الفخر:
القارئ لشعر المتنبي يجد أن هذا الشاعر قد بثَّ فخره الفردي في معظم قصائده بحيث قاده هذا الفخر إلى الغرور من ذلك:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صممُ
وقوله
أيّ محلٍ أرتقي وأيّ عظيمٍ أتقي
وكل ما خلق الله وما لم يخلق
متقرٌ في همتي كشعرة في مفرقي
2ً- المديح:
وهو الغرض الأهم المشتمل على معظم قصائده ، فقد أكثر المتنبي من المديح، وبرع به وتوجه به إلى صديقه أبي العشائر وسيف الدولة الحمداني وكافور الإخشيدي ومن قصائده المميزة قوله في أبي العشائر:
لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إنْ لم تسعد الحالُ
ويقول في ميحيته والتي مدح فيها سيف الدولة:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارمُ
ويقول مادحاً سيف الدولة بأبيات بارعة:
وقفت وما في الموت شك لواقف
كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة
ووجهك وضاحٌ وثغرك باسمُ
3ً- الهجاء :
وهو الفن الذي يقضي على المتنبي ، وقضى عليه بالنهاية على يد فاتك الأسدي بسبب قصيدته التي مطلعها :
ما أنصف القوم ظبة وأمه الطرطبة .
وفي قوله لكافور :
لا تشتري العبد إلا والعصا معه
إن العبيد لأنجاسٌ مناكيدُ
4ً- الرثاء :
وقد تميز الرثاء بالسمو في المعاني ، أكثر ما ظهر ذلك في رثائه لجدته التي احتضنته بعد وفاة أمّه، وقد كان أثناء رثائه صغيرا فغلب على قصيدته الفخر :
يقولون لي : ما أنت في كلِّ بلدةٍ وما تبتغي؟ ما ابتغي جلَّ أن يُسمى
وإني لمن قومٍ كأنّ نفوسهم بها أنفٌ أن تسكن اللحم والعظما
والثانية لرثائه لخولة أخت سيف الدولة والظاهر أنه كان يودها ، ولكنه لم يجرؤ أن يخطبها :
فليت طالعة الشمس غائبة وليت غائبة الشمسين لم تغبِ
5ً- الحكمة :
استقى المتنبي حكمته من تجاربه الشخصية وثقافته الدينية واطلعاته على فلسفة ارسطو وحكم اليونان . إذ كان هذا الرجل ثاقب النظرة ، قوي التأمل ، جمّل معظم قصائده بحكمٍ لا تزال سائرة على ألسنة الناس إلى يومنا هذا . ومن ذلك قوله :
ما كل ما يتمناه المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
وقوله :
كلما أنبت الزمان قناة ركب المرء في القناة سناناً
وقوله:
إذا غامرت في شرف روم فلا تقنع بما دون النجوم
وقوله :
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارمُ
6ً-الوصف:
وقد كان المتنبي بارعاً في تصويره لكثير من القضايا والمشاهد التي رآها في عصره، والمتصفح لديوان المتنبي يجد عجباًُ لمقدرة هذا الشاعر على رصد الصور الجميلة من ذلك قوله في وصف منطقة "شعب بوان".
ملاعبُ جنّة لو سار فيها سليمان لسار بترجمان
طبت فرسننا والخيل حتى خشيت وإن كرمن في الحران
كذلك وصفه للجيش في الحدث الحمراء:
خميس بشرق الأرض والغرب زحفه
وفي أذان الجوزاء منه زمام
وكذلك وصفه للحمّى التي أصابته :
وزائرتي كأنّ بها حياء فليس تزور إلاّ في الظلام
بذلت لها المطارف والحشايا فخافتها وباتت في عظامي
7ً- الغزل:
كان الطموح الذي تحمله نفسية المتنبي والذي تمثّل ببحثه عن المجد والزعامة والسيادة ألا يجعل المتنبي شاعراً يبحث عن المرأة ، ولكنه مع ذلك يصف لواعج الشوق وتبارع الحنين وصفاً بارعاً من ذلك قوله:
القلب أعلم يا عذول بدائه وأحقُ منك بجفنه وبحائه
ومن أحبّه لأعصينك في الهوى قسماً به وبحسنه وبهائه
ويقول أيضاً في وصف أثر الحب في نفسه متخيلاً امرأة :
أمن ازديارك في الدجى الرقباء إذ حيث كنت من الظلام ضياءُ
قلق المليحة وهي مسك هتكها ومسيرها بالليل وهي خفاءُ
أسفي على أسفي الذي دلهني عن علمه فبه عليَّ خفاء
ومن ذلك قوله:
أثرها لكثرة العشاق تحسب الدمع خلقت في المآقي

ادرس نفسية المتنبي من خلال شعره وبيّن الآثار الاجتماعية والسياسية والفكرية والفلسفية في تكوين شخصية المتنبي على هذه الشاكلة .




















6-أبو فراس الحمداني
1- حياته ونشأته:
ولد الحارث بن سعيد بن حمدان عام (320هـ) في الموصل وتوفي بحمص (357هـ) وكان أبوه قد توفي وهو طفل مكفله ابن عمه سيف الدولة. حيث تلقى الشاعر علومه وخالط العلماء والأدباء وصاحب سيف الدولة في غزواته و تقلد ولاية منبج وحرّان وهو في السادسة عشرة من عمره أسر مرتين في حصن خرشنة والقسطنطينية وكتب وهو في الأسر الروميات ، وقد ثار أبو فراس على أبي المعالي، ابن سيف الدولة.
شخصية أبي فراس الحمداني:
1- الصفات الجسمية: يعد أبو فراس من الشعراء ذوي الطلعة البهية، والقوام المعتدل، ولم تذكر كتب الأدب صفات منفردة إذ أن زوجة امبراطور الروم أصرت على رؤية الشاعر وأعجبت به ايما إعجاب.
2- الصفات النفسية: امتلك أبو فراس رقة في الإحساس وصدقاً في العاطفة، وطموحاً نحو المجد، وزهوراً في النفس، وقد كان فارساً مقداماً، عانى من الأسر ما عانى، فانعكس ذلك على نفسه التي أصبحت متألمة لما يحس به.
ج- شعره:
كتب أبو فراس في أعراض الشعر العربي معظمها من غزلٍ ورثاء ووصف ومدحٍ، ولكنه برع في الغزل والفخر .
1ً- الفخر عند أبي فراس:
اتخذ الفخر عند هذا الشاعر منحيين ، منحىً يتجه فيه إلى النفس وفيه يقول:
سيذكرني قومي إذا جدّ جدّهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدرُ
ومنحىً يتجه فيه إلى قبليته وبذلك يقول:
لنا الحبل المطلُ على نزارٍ حللْنا النجد فيه والهضابا
تفضّلها الأنامُ ولا غاشى ونوصف بالجميل ولا غاتى
2ً- الغزل عند أبي فراس:
نظراً لاعتداد الشاعر بنفسه وما يمتكله من أنفة وكبرياء وعزة نفس ، فقد توجه بغزله إلى الصفات المعنوية عند المرأة ولا يتطرق إلى المفاتن الجسدية ، لذلك بدا غزله مشوباً بالحنين والشوق. من ذلك قوله:
إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى وأذللت دمعاً من خلائقه الكبر
معللتي بالوصل والموت دونه إذا مت ظمآناً فلا نزل القطرُ
3ً- العتاب عند أبي فراس:
وهو مجموعة من القصائد التي قالها معاتباً سيف الدولة على تقصيره بافتدائه من الأسر ، وخاصة وأنه أسر مرتين، لاقى خلالهما العنت والعذاب والحزن على فراقه أمه ومحبوبته .
وحبحبته:
أمن بعدل بعد بذل النفس فيما تريده أثاب بمر العتب حين أثاب
مليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضابُ
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
د- والحكم على شعر أبي فراس:
تميز شعر أبي فراس بميزتين أساسيتين . الأولى : دقة التعبير العفوي لدى الشاعر ، والثانية : الثقافة العصرية المتنوعة التي عكست شخصية الشاعر.
ويعد أبو فراس من شعراء الطبقة الأولى في العصر الحمداني فالعاطفة لديه متوقدة صادقة متوقدة صادقة حارة لا يشوبها أي تزوير أو كذب والمعاني عربية خالصة ، والجملة الشعرية أقرب إلى التعبير إلى التصوير .

ارجع إلى ديوان أبي فراس وادرس ظاهرة العتاب مبيناً أثر السجن في نفسية الشاعر .

7- أبو العلاء المعري :
آ- حياته ونشأته:
ولد أبو العلاء المعري أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي في معرة النعمان سنة (363هـ) وتوفي سنة (449هـ) وقد كفَّ بصره في الثالثة من عمره بعد أن أصيب بمرض الجذري ولا يتذكر من الألوان إلا اللون الأحمر .
وقد نشأ في بيت علم ووجاهة ، حيث توارثت أسرته القضاء ، نهل المعري من الثقافة الإسلامية والفلسفية والاغريقية، واطلع على المذاهب والفرق الدينية عند الهنود ، وتبحر في معرفة الديانة النصرانية واليهودية وحاول التكسب بشعره في أول الأمر ، وسافر إلى بغداد ثم رجع بعد وفاة أبيه وعاود الكرة في السفر إلى بغداد ليجد أمه توفيت ، فاعتزل الناس وألزم نفسه الإقامة في بيته حتى توفي .
وقد التقى بكثير من الأدباء والشعراء وتتلمذ على يديه نفر كبير من أهل الأدب ، أعجب كثيراً بشعر المتنبي وكان ذلك سبباً في خلافه مع الشريف الرضي .
ب- شخصيته:
1- الصفات الجسدية : يتسم المعري باستثناء عاهة العمى بصورة مقبولة ومعهودة بين الناس، ولم تذكر كتب الأدب أي صفات تبين قبحاً ما فيه باستثناء العمى.
2- الصفات النفسية والفكرية : امتلك المعري ذكاءً شديداً وحافظة قوية مكنته من الاطلاع على ثقافة عصره ولكن قراءته المنوعة ، ونظرة الناس إليه كصاحب عاهة بالإضافة إلى ما عاناه من معاملة متميزة جعله ميالاً إلى التشاؤم .
3- الصفات الثقافية : نظراً لاتساع ثقافة الشاعر واطلاعه على مذاهب الفكر والفلسفة والدين، فقد وقف من الحياة موقفاً نافراً وصريحاً يعتمد على أن وجود الإنسان "خطيئة" يجب عليه ألا يكررها على غيره وأن الفساد والشر مطبوعٌ في نفس الإنسان ، وأنه لا يمكن أن يعاش في هذه الحياة بالأخلاق الحميدة ضمن النظرة الواقعية ولذلك نراه يقول:
"هذا ما جناه أبي عليَّ ، وما جنيت على أحد" ومن هنا حرم على نفسه اللحوم والزواج، واحتبس نفسه مدة تزيد على أربعين سنة لزم فيها بيته، ولم يخرج إلا إلى قبره، ومع ذلك فقد امتلك نفساً إنسانية تحبّ الخير للناس جميعاً.وهو بذلك يناقض موقف أبي فراس من خلال قوله :
ولو أني حبيت بالخلد فرداً لما أحببت بالخلد انفرادا
فلا هطلت عليّ ولا بأرضي سحائب ليست تنتظم البلادا
بينما أبو فراس يقول:
معللتي بالوصل والموت دونه إذا متُّ ظمآن فلا نزل القطر
ج- شعره:
لم يظهر في الشعر العربي شاعر فيلسوف استطاع أن يمتلك زمام الحكمة ، وأن يقف من الحياة والكون وحوادث الإنسان مثل المعري ، فقد كان هذا الشاعر من الشعراء الذين أسسوا لخدمة الفلسفة للشعر ، إذ تميز شعره باعتماده على الفكر والفلسفة أكثر من العاطفة والوجدان وقد ترك لنا المعري حوالي مئتين من المؤلفات في الشعر والنثر ضاع أكثرها وبقي منها :
(سقط الزند- اللزوميات- الدرعيات- رسالة الغفران- رسالة الملائكة- الفصول والغابات- شرح دواوين المتنبي والبحتري وأبي تمام).
1- يمثل ديوان سقط الزند بداية حياة الشاعر ،حتى رجوعه إلى بغداد ، ويكشف عن خصائص شعره في تلك المرحلة .
2- الدرعيات: ديوان شعر في وصف الدروع.
3- اللزوميات: وهي الممثل الحقيقي لشخصيته الفكرية والفلسفية وتأملاته في الحياة ، والموت, وقد ألزم نفسه في هذه القصائد بحرفين قبل القافية، وسلسل القوافي وفق حروف المعجم.
4- رسالة الغفران : وهي أعظم مؤلف نثري كتبه المعري على شكل رحلة مصورة خيالية إلى الجحيم والجنة والتقى فيهما بالشعراء كلٌّ بحسب موقعه ، ساق ذلك بجو نقدي ساخر، وقد تأثر بهذا المؤلف الشاعر الإيطالي ((دانتى)) في الملهاة أو الكوميديا الإلهية.
د- أغراض الشعر عند المعري :
كتب المعري في الفخر والوصف والرثاء والحكمة والمديح يقول المعري في الفخر مبيناً سجاياه النفسية والخلقية وهمته العالية في سعيه إلى المجد ومكانته المرموقة:
ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل عفافٌ وإقدامٌ وسيبٌ ونائلٌ
وإني- وإن كنت الأخير زمانهُ لأتِ بما لم تستطعه الأوائلُ
وهو بذلك يحاكي المتنبي الذي كان معجباً به اعجاباُ كبيراً في قوله:
إذا غامرت بشرف المروم فلا تقنع بما دون النجوم.
ويقول المعري في الوصف:
ليلتي هذه عروس من الزن ج عليها قلائد من جمان
هرب النوم عن جفوني فيها هرب الأمن عن فؤادي الجبان.
وكأن الهلال يهوى الثريا فهما للوداع معتنقان.
وسهيل كوجنة الحبِّ في اللون وقلب المحب في الخفقان.
يقول أيضاً في الرثاء الفلسفي :
صاح هذه قبورنا تملأ الرح ب فأين القبور من عهد عاد.
ويقول في الحكمة :
قالوا: فلانٌ جيدٌ لصديقه لا تكذبوا ما في البرية جيدُ
ومما ينسب له قوله :
زعموا أني سأبعث حياً بعد طول المقام في الأرماس
وأجوز الجنان ارتع فيها بين حور ولدة أكياس
أي شيءٍ أصاب عقلك يا مسكين حتى رميت بالوسواس.
وقال أيضاً في وصف منتقدي العميان :
قالوا: العمى منظرٌ قبيحٌ قلت: بفقدانكم يهون
والله ما في الوجود شيءٌ تأسى على فقده العيون
ويقول أيضاً واصفاً المعاصي:
زعم الجهول ومن يقول بقوله إنّ المعاصي من قضاء الخالق
إن كان حقاً ما يقال فلم قضى حد الزناد أو قطع يد السارق
ويقول أيضاً وهو مما ينسب إليه:
في القدس قامت ضجة ما بين أحمد والمسيح
هذا بنا قوسٍ يدق وذا بأذنٍ يصيح
وكل مسند دينه يا ليت شعري ما الصحيح



الوظيفة :
يعد المعري شاعراً بارعاً في انتقاد العادات والتقاليد والأديان والظلم الاجتماعي والإنساني. ارتجل مقالة تتحدث فيها عن ثلاثة جوانب مهمة انتقدها المعري وبيّن مدى واقعية هذا النقد وأهميته في حياتنا المعاصرة.
شاهد النقد الاجتماعي:
يغدو الفقير وكلُّ شيءٍ جندّه والأرض تغلق دونه أبوابها
فتراه مجفواً وليس بمذنبٍ ويرى العداوة لا يرى أسبابها
حتى الكلاب إذا رأيت ذابرةٍ هشت إليه وحرّكت أذنابها
وإذا رأت يوماً فقيراً بائساً نبحت عليه وكشرت أنيابها
ويقول في انتقاده الديانات الوضعية والسماوية:
عجبت لكسرى وأشياعه وغسل الوجوه ببول البقر
وقول اليهود إلهٌ يحب وسيس الدماء وريح القتر
إذا ما ذكرنا آدماً وفعاله وتزويج بنته لابنيه في الدنا
علمنا بأن الخلق من أصل ريبة وأن جميع الناس من عنصر الزنا
الحل:
المعري رجل شديد التشاؤم، محبّاً للعزلة ، كارهاً للدنيا، أوت به الظلمة السالكة التي كان يعيش فيها إلى نظرته المتشائمة والساخطة على الدنيا فنجده مولع بالانتقاد يرى الشر يتطاير من كل ما حوله. فانتقد المجتمع وصوّره فاشداً يسوده الشر والغرور فيصور حياة الفقير ومعاناته في مجتمع أصحاب والنقود، فإذا بالفقير قد حرمت عليه الحياة وحذرت عليه السعادة وحكم عليه القضاء بالحرمان من كل ما في الوجود.
يرى سهام العداء موجهة من كل صوبٍ ونار الجفاء تتأجج من كل القلوب ، فهو عدو مقيت، منبوذ محتقر من غير ذنب عرفه أو جريحه اقترافها، غير أنه ولد في أحضان الفقر الموجع. فيراه عابساً في دنياه، بائساً في حياته يحمل الهموم ويتبرم بالحياة حتى أن أبواب الروق قد أوصدت بإحكام فهو حيث سار يرى أسداً ربضاً في طريقه يحول بينه وبين مساعيه. فالحظّ يفر من حيث لا يدري والرزق يهرب من حيث لا يعلم يجده غريباً بين أهله، مطروداً من مجتمعه، وكأنه نشازاً في نغمات الطبيعة المنسمة، فهو لا يرى الجمال و لا يحس به ، في حين أن المغني مقدس بذاته، محبوبٌ بماله، الكلُّ يحبونه و يتمنون لقاءه، فيرى الرزق ينثال عليه انثبالاً ولا كأن أبواب السماء تمطر عليه ذهباً.
ونقده هذا ينطبق على شيءٍ من الواقع، ولكنّه لا يلازمه كلياً فليست الحياة كما صورها تماماً لحن جميل إذا أحسن عزفه ملأ الدنيا بهجة وسعادة، ملأها أنغاماً عذبة وألحاناً آخاذة، ولكن جمال هذا اللحن لا يكون بالثوب الجميل الذي نرتديه ولا بالمال الوفير الذي نكنزه، وإنما يكون في طيبة القلب والخير الذي يمكن أن يعم قلوب جميع الناس فتطرب لهذه الألحان، كما أن بذرة الخير ما زالت مزروعة في نفوس الناس تفدي قلوبهم ومازالت الألفة تربط بين قلوبهم بأوثق علاقات المحبة والرزق من عند الله يؤتيه من يشاء وليس للحظ لأخيه فكله له ومقدر من عنده.
ونجده ينتقد جانباً آخر وهو الدين، فالدين عنده مشكوك فيه مضطرب في أصله والناس يدينون بعقلهم بل بهواهم ولو أنهم حكمّوا العقل فيما يدينون لما غسل كسرى وجهه ببول البقر ولا قدّم اليهود الدماء لألهتهم. فالديانات عنده متساوية في الضلالة بعيدة عن الهداية فلا وجود للدين الصحيح فالأديان جميعها غواية حتى إن الإسلام وصل عنده إلى أعلى درجات الضلالة فاصلنا مشكوك في صحته وإلا فكيف لأدم أن يزوج بنيه لابنته وذلك غاية الضلالة فكلّ البشر من أصل ريبة وشكك. ولا وجود عنده لدين صحيح قويم على الرغم من أنه كان يؤدي الفرائض على أتم وجه، وفي ذلك، وفي ذلك هجوم حقيقي على الدين واضح المعالم، من نفسية مضطربة قلقة ربما كان أثر العزلة شديدٌ عليها. فطول الوحدة يولد القلق وطول الصمت يبعث شيء من الاضطراب فلا ريب أن تكون أفكاره متضاربة وهجومه على الدين بعيد كل البعد عن الواقع وينافيه تماماً.
فالحياة طريقان لا ثالث لهما في جميع الديانات سواء.

8- أبو تمام الطائي الجاسمي:
حياته ونشأته:
ولد جيب بن أوس الطائي في قرية جاسم على خلافٍ في مكان بين جاسم القرية التابعة لمدينة منبج وجاسم الواقعة بين طبرية ودمشق (188هـ) وتوفي عام (232هـ).
ويروى أن اسم والده (قدوس) فحرفه إلى أوس، كان والده يبيع الخمر، انتقل أبو تمام إلى دمشق في ريعان الصبا وعمل عند (حائل) (قزاز) ثم انتقل إلى مصر وبدأ يبيع الماء في المساجد، ولكنه مالبث أن رجع إلى دمشق ثم يسافر إلى العراق واستقر في بغداد ولمع نجمه في أيام المعتصم، وخاصة في وقعة عمورية ، وثورة بابك الخرمي_ ومقتل الأفشين.
تميز أبو تمام بالذكاء والبديهة السريعة والإطلاع الواسع وانفرد بمذهب البديع والجدل، ومن أشهر مؤلفاته: (الجماسة – نقائض جرير والأخطل – ديوانه).
أغراض أبي تمام الشعرية:
كتب أبو تمام في المدح والرثاء والوصف والهجاء والغزل.
1- المدح والرثاء: نظراً لكثرة مدائح ومراثي الشاعر أطلق عليه البعض (مدّاحه – نوّاحه) وقد بلغ عدد ممدوحيه نحو ستين شخصاً، وبقي في مدحه منهج منهج القدماء يوطيء لمدحه بالحكم أحياناً، وبالوصف أحياناً أخرى، وبالمدح دون توطئة مباشرة أحياناً، فهو مولع بالوقوف على الأطلال والبكاء على الديار وتميز مدحه بما يلي :
آ- الجزالة ب- طول النفس
ج- شدة الجرس د- الفخامة في الألفاظ
هـ- المعاني العربية و- جعل الممدوح متميزاً بالنبل
ز- إدخال البديع إلى شعره ر- العظمة
يقول أبو تمام مادحاً المأمون :
الله أكبر جاء أكبر من جرت فتعثرت في كهنه الأوهام
من شرّد الإعدام عن أركانه بالبذل حتى أستطرف الإعدام
ويقول في مدح المعتصم:
ولو لم يكن في كفه غير روحه لجا بها فليتق الله سائله
ويقول في مدح المعتصم:
لقد تركت أمير المؤمنين بها للنار يوماً ذليل الصخر والخشبِ
أما رثاؤه وإن كان أقل من مدحه فقد أجاد به أبو تمام إجادة كبيرة ويقسم إلى قسمين:
رثاء المشهورين من القادة ، كرثاء محمد بن حميد الطوسي الذي وجهه المأمون لقتال بابك الخرمي فقتله عام (214هـ)
كذا فليجلّ الخطب وليفدح الأمر فليس لعين لم يفض ماؤها عذرُ
فتى مات بين الطعن والضرب ميتةٌ تقوم مقام النصر إذ فاته النصرُ
وما مات حتى مات مضرب سيفه من الضرب واعتّلت عليه القنا السمر
ورثاء ذوي قرباه ويتميز بالأسف والأسى واللوعة والمبالغة في الإطراء ، يقول في رثاء أخيه :
لم يبق من بدني جزءٌ علمت به إلا وقد حلّه جزءٌ من الحزن
2ً- الوصف:
امتلك أبو تمام خيالاً ثاقباً ساعده في إبراز مقدرته في وصف ما كان يقع تحت ناظريه، وقد كان وصفه مستقلاً أحياناً وموزعاً بين فنون الشعر أحياناً أخرى والوصف عنده نوعان:
1- وصف الطبيعة: وقد شمل ذلك القسم الأكبر من وصفه بسبب نشأته في منطقة خضراء وبسبب كثرة اسفاره وتميز وصفه بما يلي :
1- دقة الملاحظة 2- استقراء أخفى دقائق الموضوعات
3- التأمل الفكري 4- استخراج خفايا معاني غامضة
5- الاتكاء على الصور والمعاني القديمة 6- التوغل في المجاز
7- شدة الانفعال النفسي 8- الإكثار من المحسنات
9- قوة الخيال المبدع 10- بث الحياة والحركة والدفء في الموصوف
يقول في وصف الربيع:
يا صاحبي تقصيا نظريكما تريا وجوه الأرض كيف تصّورُ
تريا نهاراً مشمساً قد شابه زهر الرّبى فكأنما هو مقمرُ
ويقول في وصف سحابة ممطرة:
ديمةٌ سمحةٌ القياد، سكوب مستغيث بها الثرى المكروبُ
2- وصف المعارك: وقد أبرز فيه أبو تمام شعراء عصره لإجادته فيه أيما إجادة ويتميز وصف المعارك عنده:
1- النفس الملحمي 2- التصوير الواسع والمخيف للأحداث الخطيرة
3- الخيال الرحب 4- الاعتماد على الوقائع التاريخية
5- الانفعال النفساني 6- الأسلوب الجزلي
7- الألفاظ الفخمة
يقول أبو تمام في وصف عمورية:
تسعون ألفاً كأساد الشرى نضحت جلودهم قبل نضج التين والعنب
بصرتَ بالراحة الكبرى فلم ترها تنال إلاّ على جسر من التعب
3ً- الغزل عند أبي تمام:
لا يعد وأن يكون غزل الشاعر غزلاً تقليدياً، يمثل ظاهرة الوقوف على الأطلال وباستثناء بعض المقطعات الشعرية التي بدا فيها الغزل وجدانياً بقي أبو تمام يعتمد الوقوف على الأطلال يقول في غزله الطلبي:
سعدت غربة النوى بسعاد فهي طوع الاتهام والانجاد
ويقول في غزله الوجداني:
كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبداً لأول منزلِ


الخصائص الفنية لشعر أبي تمام
يمتاز شعر أبي تمام الخصائص التالية:
1- الغوص على المعاني البعيدة والصعبة التي لا تدرك إلاّ بكد الذهن :
ضوءٌ من النار والظلماء عاكفة وظلمة من دخان في ضحى شحب
2- الاعتماد على الفلسفة والبراهين المنطقية في عرض الأفكار:
السيف أصدق أنباءً من الكتب في حدّه الحدَّ بين الجدّ واللعبِ
3- إلباس المعاني صوراً من التشبيهات والاستعارات والكنايات المنسوجة في خياله:
لقد تركت أمير المؤمنين بها للنار يوماً دليل الصخر والخشبِ
4- إتكاؤه على بعض صور الآخرين:
يا يوم وقعة عمورية انصرفت عنك المنى حفلاً معسولة الحلب
5- الإسراف في المحسنات البديعية كقوله مرصعاً:
تبدير معتصم بالله منتقم لله تقب في الله مرتغب
6- التعقيد والإغراب بحثاً عن الجديد من خلال استعمال الألفاظ الأبدة :
فاسلم سلمت من الآفات ما سلمت
سلام سلمى ومهما أورق السلم

الوظيفة :
ارجع إلى قصيدة أبي تمام في وصف معركة عمورية وادرس ظاهرة وصف المعارك عند الشاعر مبيناً ميزات وصف المعارك لديه ومعرجاً على الخصائص الفنية المتوفرة في القصيدة لشعر أبي تمام.

9- البحتري:
نشأته وحياته:
ولد البحتري عبيد الله بن بحتر الطائي القحطاني في منبج سنة /206/وتوفي سنة /284/ وتلقى تعليمه الأول في منبج ثم انتقل إلى حمص، والتقى هناك بأبي تمام وعرض عليه شعره، فأعجب به وأوصاه بالسير ضمن منهج شعري مختلف عن منهجه، ويتمثل هذا المنهج بالمجانسة بين اللفظ والمعنى، وإظهار المعنى، واتباع نظرية عمود الشعر المتمثل بشرف المعنى وصحته، وجزالة اللفظ واستقامته، والمقاربة في التشبيه، وقد اتبّع البحتري وصية أستاذه أبي تمام حيث قال:
"إنني لم آكل الخبز إلاّ بأبي تمام" وقد رحل البحتري إلى بغداد واتصل برؤساء الدولة وعلى رأسهم المتوكل وبقي شاعر الخلافة مدة تزيد على أربعين عاماً، نال خلالهما العطايا والأموال الكثيرة.
شخصيته:
امتلك البحتري شخصية تعتمد على موهبة شعرية مبكرة حيث كان لهذا الشاعر مخزون كبير من أشعار العرب، وقد اتصف بصفتين ذميمتين أثرتا في شخصيته كإنسان ولم يؤثرا في شعره كشاعر وهما:
البخل وسوء الملبس، فقد وصفه الأصفهاني بأنه رث الثياب سيء المنظر وسجع الإنشاد، على الرغم من جمال الشعر لديه.
كما وأن البحتري كان يتعلق تعلقاً شديداً بالغلمان وكان يكثر من الأشعار منهم، ومع ذلك فقد بقيت الشخصية الشعرية لديه تحمل طابع الابتكار لأنها تواكب الحوادث التي جرت في عصره.
الأغراض الشعرية:
كتب البحتري في معظم الأغراض الشعرية من وصف ومدح ورثاء وفخر واعتذار:
الوصف:
وصف البحتري في معظم قصائده كل ما وقع تحت ناظريه، وأكثر ما أجاد في وصف الآثار والحضارات والعمران والأبنية ولقصور والحدائق، وكان وصفه دقيقاً واقعياً يصوّر فيه المشهد الموصوف تصويراً يمازج الرسم أحياناً وكأنه بدقته قد أسهم في صنع ذلك الموصوف، وأهم مشهدين وصفهما البحتري هما. ايوان كسرى – بركة قصر المتوكل .
يقول البحتري في وصف معركة أنطاكية اللوحة الباقية في إيوان كسرى على مر العصور:
وإذا ما رأيت صورة أنطا كيّة ارتعت بين رومٍ وفرس
والمنايا مواثل وأوشر وإن يزجي الصفوف تحت الأرض
في اخضرار من اللباس على أحد فريختال في صبيغة ورسِ
المدح:
سخّر البحتري معظم شعره في مدح الخليفة المتوكل والخلفاء في عصره والقادة وكان المدح لديه يتميز بالجزالة والقوة وسمو المعاني وقد مدح البحتري شخصيات كثيرة كان فيها المعتز بالله وفيه يقول:
رأينا الأمجاد في كلِّ معشر فكانوا لعد الله في الجود أعبدا
عليه من المعتز بالله بهجةً أضاءت فلو يسري بها المراكب لاهتدا
طلوبٌ لأقصى غاية بعد إذا قلت يوماً قد تناهى تزيدا
الرثاء:
كتب البحتري في الرثاء أيضاً فأجاد في ذلك وكان رثاؤه للمتوكل الذي قتله جند الأتراك بعد عزله لابنه المنتصر من ولدية العهد رثاءً بارعاً:
صريعٌ تقاضاه السيوف حشاشة يجود بها والموت حمرٌ أظافره
حرامٌ علىَّ الراح بعدك أو أرى دماً بدم يجري على الأرض حائره
أكان وليُّ العهد أضمر غدرةً؟ فمن عجبٍ أن وليِّ العهد غادره
الفخر:
بقي البحتري يفخر بقومه وبطولاتهم وأمجادهم، على اعتبار أنه ينتسب إلى العرب الأقحاح، فكان يضفي على افتخاره بقومه صفات السؤدد والعز والمجد والحلم:
إنَّ قومي قوم الشريف قديماً وحديثاً، مأبوةً وجدوداً
نحن أبناء يعرب- أعرب النا س لساناً وأنضر الناس عودا
ملكو الأرض قبل أن تملك الأر ض وقادوا في حافتيها الجنودا
وكان يفتخر بنفسه وبمكانته التي تؤهله لمجالسة الخلفاء والقادة:
إن أبق أو أهلك فقد نلت التي ملأت صدور أقاربي وعدأتي
وشفعت في الأمر الجليل إليهم بعد الجليل، فأنجموا طلباتي
الاعتذار :
دفع البحتري إلى كتابة الاعتذاري في شعره ما حصل بينه وبين الفتح بين خاقان وزير المتوكل بسبب وشاة وقعت بينهما فكيف البحتري معاتباً ومعتذراً:
أقرُّ عالم أجنه، متذخِّلاً إليك، على أني إخالك ألوما
لي الذنب معروفاً وإن كنت جاهلاً به، ولك العتبى عليَّ، وأنعما
ولم يجد البحتري في اعتذاره كما أجاد المتنبي من قبله ، وذلك أن علاقة هذا الشاعر بالملوك والقادة لم تكن علاقة مودة وصداقة بقدر ما كانت علاقة تكسب واقتناص للحال .
الوظيفة :
ارجع إلى دالية البحتري في مدح المتوكل، وادرس المعاني فيها دراسة مستفيضة.

مقارنة بين مذهب أبي تمام
ومذهب البحتري
أبو تمام البحتري
1- يمزح بين الفكر والشعر . - لا يمزح بين الفكر والشعر
2- يعتمد على الغموض في شعره - يعتمد الوضوح
3- وجود تعقيد في شعره - لا يوجد تعقيد
4- يزاوج بين العقل والحس - يعتمد على العاطفة والمعاني المألوفة
5- يستند إلى ثقافة واسعة - يستند إلى ثقافة واسعة في الشعر وقليلة في الفلسفة والبديع
6- يظهر التكلف في شعره - يظهر الطبع في شعره
7- يعتمد على مذهب البديع - يعتمد على عمود الشعر العربي

نظرة عامة في شعر البحتري:
1ً- موضوعاته:كتب البحتري في معظم أغراض الشعر كالمديح والرثاء والوصف والعتاب، ولكنه أجاد في غرضي المديح والرثاء ، على أنه بارعاً في وصفه وقد اعتبر الدكتور "طه حسين" أن أجود شعر البحتري ما قيل في المتوكل إذ بقي الشاعر يعتمد في مدائحه على المطالع الغزلية كذكر البعد عن الحبيب والألم والشوق الذي يعاني منه.
كما أنه كتب في الرثاء مدة أربعين عاماً وكان أجمل رثائه في المتوكل.
2ً- ثقافته: تشمل الوعاء الأدبي والفكري الذي اعتمد عليه البحتري ما يلي :
1- حفظ القرآن الكريم. 2- تعليم أحكام الدين الإسلامي
3- تعلم علوم اللغة العربية. 4- الاطلاع على اختبار الفتوح.
5- حفظ عدد كبير من دواوين الشعراء. والمعازي وأيام العرب وأنسابهم.
ولم يؤثر عنه الثقافة الفلسفية.
3ً- صفات ديباجته:
1- عدم الغوص إلى المعاني الدقيقة.
2- عدم الاتكاد على الأدلة المنطقية والبراهين العقلية.
3- الابتعاد عن المعاني الفلسفية.
4- الابتعاد عن الغموض والتعقيد.
5- اعتماد الطبع وقلة التكلف.
6- وضوح الديباجة وحسن الانسجام.
4ً- عناصر الجمال في شعره:
برزت عناصر الجمال في شعره من خلال :
آ- اختبار الألفاظ الشعرية: وجعلها محور الفصاحة والبلاغة إذ أنه كان كما يقول الباقلاني:
"يلتقط ألفاظه، ينتقيها ليؤلف منها جملة عذبة رقيقة".
ب- المشاكلة بين اللفظ والمعنى: بحيث تبدو الألفاظ أردية للمعاني تلبسها لبوساً تاماً، تجعلنا نشعر بالغياء المتماسك لهذه الألفاظ، من خلال الحروف المناسبة للموضوع المطروح:
تغيّر حسن الجعفري وأنسه وقوض بادي الجعفري وحاضره
تحمّل عنه ساكنوه فجاءةً فصادت سواءً دورُه ومقابره
ج- الموسيقا الشعرية العربية : والتي اعتمدت صدى الصوت أساساً لها في ايصال المعاني وفي استعمال القوافي الداخلية "الترصيع".
صنت نفسي عما يدنّس نفسي وترفعت عن جد الحل جبس
وتماسكت حين زعزي الدّهر التماساً منه لتمسي ونكسي
وقد بدا هذا التجانس اللفظي في القافيتين (تعسى ونكسي) من حيث عدد الحروف والحركات والسكنات .
وهكذا بدا البحتري شاعراً بارعاً من شعراء الطبقة الأولى في العصر العباسي .

النثر في العصر العباسي
المقدمة:
طرأت تطورات جديدة على النثر في الجاهلية وعصر صدر الإسلام والعصر الأموي بفعل امتزاج الثقافات الفارسية واليونانية والهندية، عن طريق النقل والترجمة والاقتباس ونظراً إلى أن العباسيين أقاموا دولتهم معتمدين على العنصر الفارسي فقد حاولوا أن يبينوا هذه الدولة بالطريقة الفارسية من حيث إنشاء الدواوين والوزارات التي أخذ الكتاب يتنافسون في تقلد مناحبها ، إذ إنه كان يشترط فيمن يستوزر أن يكون صاحب قدرة وثقافة واسعة وقد أظهر النثر العربي في هذا العصر مرونة جعلته يستوعب ينابيع الثقافات المختلفة إذ لم يعد يقتصر هذا النثر على الجانب الخطابي ، ولم يعد يكتف بالحكمة الفطرية بل اعتمد على الفلسفة والعلوم والمعارف المختلفة والتاريخ وأصبح يحمل مضامين تلك العلوم ، وظهر النثر العلمي والنثر الفلسفي والنثر التاريخي – النثر اللغوي – النثر الشعري والنثر الجدلي…
وكان المعتزلة والمتكلمون قد جعلوا صناعة الكلام لديهم تقوم على:
1- إحسان من الكلام .
2- ربط المناظرة بالمسائل الدينية و العقيدية .
3- الاعتماد على بعض المعاني الفلسفية .
4- اتخاذ أسلوب البراعة في القول.
وقد بلغ النثر العباسي ذروته على يد أبي العلاء المعري في رسالة الغفران التي قلّدها الايطالي (دانتي) في (الملهاة الإلهية).
فنون النثر:
نظراً لتغير الحياة السياسية، والاجماعية والفكرية في هذا العصر، فقد ظهرت فنون جديدة تعبر عن حاجات المجتمع العباسي. الوعظ- القصص الديني – المناظرات .
إضافة إلى الفنون التي قلّدها العباسيون: الخطب والرسائل. وأهم هذه الفنون:
1ً- الخطب:
اهتم العباسيون كأسلافهم الأمويين بالخطابة كحظ دفاع أول يسهم في دعوتهم أولاً، وتثبيت ملكهم ثانياً.
وقد اتضح ذلك في خطبة أبي العباس السفاح حين بويع بالخلافة في مدينة الكوفة، ولفت الانتباه إلى صلته بالرسول الكريم عليه السلام. يقول أبو العباس السفاح:
"وزعم السبئية الضلاَّل أنّ غيرنا أحقُّ بالرياسة و الخلافة منا، فشاهت وجوههم، بم ولم أيها الناس، وبنا هدى الله الناس بعد ضلالتهم ... وبصّرهم بعد جهالتهم... وأنقذهم بعد هلكتهم...".
وخطبة عمه داوود بن علي في أهل الكوفة حين كان والياً عليها لأبي العباس السفاح.يقول داوود بن علي :
"شكراً شكراً، أما والله ما خرجنا لنحتفى فيكم زهىً ولا لنبتني قصرا، أظنَّ عدوُّ الله أن لن نظفر به إذ أرخي له في زمامه حتى عثر في فضل خطابه، فالآن عاد الأمر في نصابه، وطلعت الشمس من مطلعها، والآن أخذ القوس باريها، وعادت النبل إلى النزعة ، ورجع الحق إلى مستقره في أهل بين بينكم : أهل بيت الرأفة والرحمة".
وإذا كانت الخطابة في هذا العصر قد برزت سياسياً مع استلام العباسيين لمقاليد السلطة فإنها ضعفت بعد القضاء على الثورات التي قامت جمد العباسيين، وخاصة أن العباسيين كموا الأفواه. وأخذوا الناس بالشدة، فضعفت الأحزاب، وصودرت الحريات السياسية كذلك سرى الضعف إلى الخطابة الحفلية إذ وضع الأغنياء حاجزاً بينهم وبين الوفود التي كانت تأتي إلى بني أمية واقتصرت على مناسبات زواج أو موت أحد أقاربه أو موت الخليفة نفسه.
يقول الخطيب ابن عتبة المهدي يهنئه بالخلافة ويعزيه بأبيه المنصور:
"أجر الله أمير المؤمنين على أمير المؤمنين قبله، وبارك لأمير المؤمنين فيما خلفه له أمير المؤمنين بعده، فلا مصيبة أعظم من فقد أمير المؤمنين ، ولا عقبى أفعل من وراثة مقام أمير المؤمنين".
أما الخطابة الدينية في المساجد فقد بقيت مزدهرة يشارك فيها الخلفاء والولاة، ولم تضعف إلاّ عندما طلب الرشيد من الأصمعي أن يعد خطبة لابنه الأمين، وعندما طلب الرشيد نفسه إلى إسماعيل الرشيدي أن يُعد خطبة للمأمون ليخطبا بهما.
2ً- الوعظ:
رداً على ظهور تيار المجون والفسق في العصر العباسي، ازدهر في المساجد فن الوعظ وتبنّاه مجموعة من الوعاظ و السناك والزهاد والفقهاء والمتحدثين والمتكلمين ، وكان هؤلاء الوعاظ يجلسون في مجالس الخلفاء يذكرونهم بمخافة الله وعدم ظلم الرعية، وعدم افتراق المعاصي. كما كانوا يحدثون عامة الناس بدروس الإرشاد ، ومن زعماء الوعاظ:
(عمرو بن عبيد المعتزلي – صالح بن عبد الجليل (واعظ المهدي)- ابن السمّاك (واعظ الرشيد)) .
وقد كان ابن عبد الجليل يطيل في وعظ المهدي حتى يبكيه ومن ذلك قوله:
((... كان أصحاب رسول الله يقولون: من حجب الله عنه العلم عذّبه على الجهل، وأشدُّ منه عذاباً من أقبل إليه العلم فأدبر عنه. فاقبل ما أهدى إليك الله من ألسنتنا)).
ويقول ابن السحّاك واعظاً الرشيد :
"يا أمير المؤمنين ، اتق الله وحده.....واعلم أنك واقف غدا مبين يدي الله ، مصروف إلى إحدى المنزلتين".
3ً- القصص :
اعتمد الوعاظ في محاولاتهم الوعظية على ركائز أسهمت في ايصال الوعظ إلى المتلقين ، وذلك باستخدام أشياء متعددة تحمل في طياتها العبرة للمتعظين كالقصص الديني ، والقصص الواقعي المستمد ممن تجارب المعاصرين للوعاظ أو تجارب العصور السابقة لهم ، وقد كثر هؤلاء القصاص ، وعقد لهم الجاحظ فصلا في كتابه :"البيان والتبين".
ومن هؤلاء القصاص : موسى بن سيار الإسواري ، وكان يقص باللغتين العربية والفارسية ، وصالح المريّ الذي يقول في إحدى مواعظه معزيا عبيد الله بن الحسن قاضي البصرة في موت ابنه:
".....إن كانت مصيبتك في ابنك أحدثت لك عظة في نفسك فنعم المصيبة مصيبتك ،وإن لم تكن أحدثت لك عظة في نفسك ، فمصيبتك في نفسك أعظم من مصيبتك في ابنك".
وقد ارتقى هؤلاء الوعاظ بصناعة النثر وطوروها من حيث المعاني وأضافوا لها معاني جديدة معتمدين لتحسين أساليبهم على :
1- الدقة في اختيار اللفظ.
2- الاحساس المرهف بجمال السبك و الصياغة.
4ً- المناظرات :
وهي المحاجبات التي وقعت بين أصحاب الكلام والعلم والفلسفة والدين ، ولقد أسهمت هذه المناظرات التي كانت تعقد بين العلماء والمحدثين والفقهاء والفلاسفة في إغناء وتطور الثقافة الإسلامية تطوراً كبيراً من حيث الطريقة والأسلوب ومن حيث المعنى والفهم.
وتعد فرقة المعتزلة من الفرق التي أسهمت في تنشيط هذه الحركة الثقافية وعلى رأس هؤلاء المعتزلة "واصل بن عطاء – عمرو بن عبيد".
ونهض النثر العباسي من خلالهما نهضة رائعة حتى إنّ المتكلم كما يقول الجاحظ لا يعد جامعاً لأقطاب الكلام إن لم يحسن كلام الدين والفلسفة والعلوم الأخرى.وقد عقدت هذه المناظرات في العصر العباسي رداً على الملحدين والزنادقة من جهة ، وتفنيداً لدور العقل في الدين وإرساء لمبدأ أحقية الخلافة ، وكانت هناك نظريات كلامية في الروح والنفس والحواس والجسم والخير والشر والاستطاعة ، والقدر ثم انتقلت هذه المناظرات بل الجانب الديني إلى الجانب النحوي كما حدث بين الكسائي الكوفي وبين البصري .
وقد شجع الخلفاء أصحاب العلم في المناظرات فكانوا يعقدون لهم المجالس ، كما صنع البرامكة وعلى رأسهم يحيى بن خالد البرامكي ، وكما صنع المأمون ، وكما حصل في عصر المعتصم من جدال حول مسألة خلق القرآن .
وقد تحدث المسعودي عن هذه المناظرات وذكر من أصحابها:
أبا هذيل العلاف – أبا اسحق ابراهيم بن سيّار النظام.
وكانت الخلافة تجري عليهم الرواتب الشهرية ، وكانت معظم المناظرات تدور بين المعتزلة ومن يعتنقون التشيع الغالي وأرباب الملك السماوية ، والنحل غير السماوية من الدهرية والمنانوية.
يقول أبو هذيل العلاف في مناظرته لأحد اليهود:
"أسألك أم تسألني ؟ فقال له اليهودي : بل أسألك فقال اليهودي : أتعترف بأن موسى بنيٌ صادق أم تنكر ذلك ، فقال له أبو هذيل : إن كان موسى الذي تسألني عنه هو الذي بشر بنبيي عليه السلام ، وشهد بنبوته وصدقه فهو بني صادق ، وإن كان غير من وصفت فذلك شيطان لا أعترف بنبوته".
وقد عقد أهل المناظرات مناظرة بين الكلب والديك فذكروا مساوئ الديك ومحاسنه ، ومحاسن (منافع) الكلب ومساؤه.
5ً- الرسائل : وهي نوعان :
أ‌- الرسائل الديوانية : وتعد هذه الرسائل من أهم ما كتب في العصر العباسي لأنها مرتبطة بسياسة الخليفة وما يحتاجه من مراسلات مع الولاة والقادة ، ويشترط فيمن يكون قيما أن تكون لديه خبرة واسعة في الكلمة وفي فهم التاريخ والدين والواقع ، إذ إن من كان يستوزر برئيس للديوان كان يحظى بمنزلة رفيعة ، ومن هنا كان معظم الوزراء من المقتدرين علمياً وثقافياً وأدبياً ولغوياً ، وقد تناولت الرسائل الديوانية النقاط التالية:
1- أعمال الدولة . 2- البيعة للخلفاء .
3- الفتوح والجهاد. 4- تولية الولاة .
5- تعين ولاة العهود . 6- مواسم الحج والأعياد.
7- أمور الرعية المنقولة إلى الخلفاء.
وأبرز من كتبوا في هذا الفن :
عمارة بن حمزة – اسماعيل بن صبيح – محمد بن الليث.
وقد بلغت الرسالة الديوانية في عصر المأمون الذروة مركزة على :
1- العناية بالجمال الفني .
2- التدقيق في المعاني بشكل كبير .
يقول اسماعيل بن صبيح في رسالة باسم الخليفة الرشيد إلى الولاة بما الأمين والمأمون من العهد بعده وتعليق هذا العهد في بيت الله الحرام :
"وقد كان من نعمة الله عز وجل عند أمير المؤمنين وعندك وعند عوامِّ المسلمين ما تولى الله من محمد وعبد الله ابنيّ أمير المؤمنين من تبليغه بهما أحسن ما أملت الأمة ومدت إليه أعناقها،
وقذف الله لهما في قلوب العامة من المحبة لقوام أمورهم ، وصلاح دهمائهم حتى ألقوا إليهما أزمتهم وأعطوهما بيعتهم بالعهود و وكيد الأيمان المغلظة عليهم أراد الله فلم يكن له مردٌّ ، وأقضاه فلم يقدر أحد من العباد على نقضه ولا إزالته ".
ب-الرسائل الإخوانية :
وهي الرسائل التي تصور عواطف الأفراد ، وما يفعل في نفوسهم من رغبة ورهبة ومديح وهجاء وعتاب واعتذار كما في رسائل ابن المقفع " الأدب الكبير والأدب الصغير" . وما جاء بهما من تصوير للأخوة والصداقة ، كما في مناسبات الزواج والظفر على الأعداء وغير ذلك من الأمور ، وقد تميزت هذه الرسائل بدقة التصوير للمعاني والتعبير عنها بأساليب جديدة.
يقول ابراهيم بن الهدي في رسالة يهنئ فيها المعتصم في انتصار في عمورية:
"الحمد لله الذي تم لأمير المؤمنين غزوته ، فأذل بها رقاب المشركين وشفى بها صدور قوم مؤمنين ، ثم سهل الله له الأوبة سالماً غانماً ".
ويضاف إلى هذه الأنواع :
ج- الرسائل الأدبية:
وهي فرع نما دوحة الرسائل الإخوانية ، يتناول النفس الإنسانية ، ويصور أهوائها وأخلاقها، ويوضح طريقها كي لا تسقط هذه النفس في مهاوي الشر .
وقد برز من كتّاب هذا النوع : يحيى بن زياد – غسان بن عبد الحميد.
يقول يحيى بن زياد راداً على رسالةٍ لابن المقفع في انعقاده الأخوة:
"فنسبنا الإخاء فوجدناه في نسبته لا يستحق اسم الإخاء إلا بالوفاء ، فلما انتقلنا عنا إلى الوفاء فنسبناه انتسب لنا إلى البر ، فوجدناه محتوياً على الكرم والنجدة والصدق والحياء والنجابة ".





























الفصل السابع
أساليب النثر وخصائصه
في العصر العباسي
أ‌- أساليب النثر في العصر العباسي:
نظراً لتطور فن النثر في هذا العصر انطلاقاً من الحاجة لبعض فنونه ( الرسائل الديوانية ) أو إظهار القدرة والتفنن في ذلك من خلال الرسائل الديوانية والأخوانية فإن الكتاب اهتموا بهذا الفن وصنعوا له طرقاً مختلفة ولكنها تلتقي في نقطتين أساسيتين تظهران أسلوب النثر في ذلك العصر :
1- ايصال المعنى الدقيق والطريف إلى القارئ .
2- إثارة الجمال في نفس القارئ والسامع .
وبذلك يكون أسلوب النثر قد انتهج طريقاً واضحاً لايصال المعنى ، وقد أوضح الجاحظ في مقدمة كتابه " البيان والتبين " هذا الطريق من خلال اعتماد النقاط التالية:
1- فصاحة الألفاظ. 2-عدم تنافر الحروف.
3- أداء الألفاظ للمعاني الدقيقة .
4- اعتماد أسلوب البلاغة العربية في توصيل المعاني.
ب‌- خصائص النثر :
بما أن كتاب النثر في العصر العباسي اطلعوا على ما كتب في النثر في المصادر العربية كالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، والمصادر الهندية واليونانية من خلال ما ترجم من كتب فلسفية ، فإن كتاب النثر اعتمدوا في كتابة منثوراتهم على خلط الطريقتين العربية والأعجمية مما جعل النثر يتميز بخصائص مختلفة بين الكتاب ويمكن حصرها بـ:
1- استعمال الألفاظ المتوسطة التي تنفي الألفاظ المتوعرة والألفاظ السوقية الساقطة.
2- ايجاد ضرب من التلاؤم الموسيقي الذي يكسو الكلام كسوة الازدواج والترادف الصوتي وكلام البديع.
3- اعتماد مذهب السجع.
4- التركيز على تصنيع العبارة وترصيعها وزخرفتها .
5- اللجوء إلى المبالغات والتهويلات والاعتذار بكثرة العبارات المنمقة.
ملاحظة:
وقد وصل النثر في هذا العصر إلى درجة الاهتمام بالشكل أكثر من المضمون بحيث تبدو القطعة النثرية المكتوبة مقصودة لذاتها ، يريد الكاتب أن يعبر عن مقدرته وموهبته فيها أكثر مما يريد أن يعبر عن معنى من المعاني التي يحتاجها الإنسان .
ج- أهم كتاب النثر في العصر العباسي:
برز من كتاب النثر في هذا العصر الجاحظ وابن المقفع وسهل بن هارون وأبو بكر الخوارزمي وبديع الزمان الهمذاني و الحريري.
وقد اهتم ابن المقفع وسهل بن هارون بمذهب الصنعة في العصر العباسي ، وترجع أهمية بن المقفع في النثر العربي إلى أنه يعد أفضل من نقل الثقافة الفارسية إلى العربية ، وما نقل إلى الفارسية من ثقافات يونانية أو هندية ، وقد ترجم كتاب "كليلة ودمنة " إلى أكثر من ثلاثين لغة كبرى لما لهذا الكتاب من أهمية كبيرة وقد كان (جوته) وكثيراً ما يذكران أن طفولتيهما عامرة بما ترجم عن العربية ( كليلة ودمنة – ألف ليلة وليلة)
يقول ابن المقفع ناصحاً كتاب النثر :
"إياك والتتبع لحواشي الكلام طمعاً في البلاغة ، فإن ذلك دليل على العي".
ويقول أيضاً
" عليك بما سهل من الألفاظ ، مع التجنب لألفاظ السفلة (العامة)".
وقد سئل ابن المقفع والبلاغة ؟ فقال:
" التي إذا سمعها الجاهل ظنّ أنه يحسن مثلها".
وتأتي أهمية الجاحظ من كونه رئيساً من رؤوساء المعتزلة وظاهرة فريدة من ظواهر العصر العباسي وقد قال ابن العميد فيه:
"الناس عيال عليه في البلاغة والفصاحة".
ويقول ابن العميد:" كتب الجاحظ تعلّم النقل أولاً والأدب ثانياً".
ويظهر تمييز الجاحظ من خلال اهتمامه بألفاظه ومعانيه ودقة آرائه ، والأدلة والبراهين التي يسوقها لإثبات القضية التي يتحدث عنها، إضافة إلى مقدماته ونتائجه المتأثرة بالمنطق والفلسفة والجدل والحوار.
يقول الجاحظ في مقدمة كتاب الحيوان :
"جنبك الله الشبهة ، وعصمك من الحية وجعل بينك وبين المعرفة نسباً، وبين الصدق سبباً، وحبّب عليك التثبيت وزيّن في عينيك الإنصاف، وأذاقك حلاوة التقوى".
فالألفاظ هاهنا منتخبة كقوله (جنّبك – الإنصاف- الحلاوة)
والعبارات مقطعة تقطيعاً صوتياً:
أما أبو بكر الخوارزمي فقد تحول النثر معه ومع نظيريه بديع الزمان والحريري إلى تصنيع معتمدين على السجع والترصيع والبديع.
يقول أبو بكر الخوارزمي في كتابٍ أرسله إلى أبي محمد العلوي
"قرأت الفضل المسجّع فشغلني الاقتباس منه عن الجواب عنه".
أما بديع الزمان فقد تميز بإنشائه لفن جديد في الأدب العربي وهو فن المقامات وأهم خصائص هذه المقامات:
القصص القصيرة – الحركة التمثيلية – الاعتماد على شخصيتين وهميتين هما أبو الفتح الاسكندري وعيسى بن هشام .

الفصل الثامن
أبرز أعلام النثر في العصر العباسي
آ- عبد الله بن المقفع :
1- حياته ونشأته: ولد أبو محمد عبد الله روزبة بن داذويه عام (106هـ) وتوفي في (142هـ) وهو فارسي الأصل رحل إلى البصرة موطن العلم والأدب، ثم نشأ مولى لأل الأهتم الفصحاء، وخالط الأعراب.قتله سفيان ابن معاوية والي البصرة بعد تشدده في كتابة صيغة الأمان بين أبي جعفر المنصور وعبد الله بن علي ويقال إنه قطع جسمه عضواً عضواً أو رمي في تنور مسجور.
2- شخصيته: قيل عن ابن المقفع إن عقله أكبر من علمه وأنه يستطيع أن يستوعب الثقافات المتعددة بزمن قصيراً لذلك برزت أهمية هذا الكتاب ، فقد نقل إلى العربية ثقافة الفرس المستقاة من الثقافة الهندية، واستوعب العربية بعلومها.
وقد كان ابن المقفع فارسي النزعة، نجوسي الديانة زرتشي المذهب، زندقي السلوك.
3- آثاره: ترك ابن المقفع آثاراً متميزة في التاريخ والأدب والاجتماع والأخوانيات وأهم كتبه: كليلة ودمنة : منقولة عن الفارسية .
الأدب الكبير والأدب الصغير – رسالة الصحابة .
ب- سهل بن هارون:
1- حياته ونشأته: ولد أبو محمد سهل بن هارون الأهوازي في منطقة ميسان بين واسط والبصرة، وانتقل إلى البصرة مع أهله ثم إلى بغداد واتصل بالرشيد وعين صاحب ديوانه ثم أصبح في عهد المأمون خازن بيت الحكمة، وقد كانت ولادته (140هـ) ونهايته عام (215هـ) .
2- شخصيته: يعد سهل بن هارون من الشخصيات البارزة في العصر العباسي التي تميزت بالحلم والحكمة والعلم، وحسن المعشر، فقد كان مترسلاً بليغاً وخطيباً فصيحاً ومصنفاً بارعاً، اعتمد الخرفات على لسان الناس والبهائم في صنع قصصه، وقد كان الجاحظ قبل شهرته يكتب الكتب وينسبها إلى سهل بن هارون حتى تلقى رواجاً عند الناس.
ويعد سهل بن هارون من الكتاب المشهورين بالبخل شأن البحتري وأبي العتاهية، وقد كان لذلك شأن سلبي في شخصيته.
3- آثاره: كتب سهل بن هارون مؤلفات عديدة على رأسها :
"كتاب النمر والثعلب وهو تقليد لكتاب كليلة ودمنة كتاب الأخوان – كتاب المخزومي والهذلية- كتاب الموافق والعذراء – كتاب المسائل – كتاب تدبير الملك والسياسة وأهم كتبه رسالة البخل وتبرير مسلك البخلاء".
تميز سهل بن هارون بذوبة الألفاظ وبصاعة التعبير والبعد عن التكلف والإهتمام بالحكمة، وطرق مواضيعه بأسلوب قصصي سرداً ومواراً.
القاسم بن الحريري: 1- ولادته ونشأته:
ولد أبو محمد القاسم بن علي الحريري في مشان وتتلمذيها لغة وأدباً وحديثاً ثم أصبح الخبر في ديوان الخلافة واستمرت الوظيفة في أولاده وقد كانت ولادته (446هـ - 516هـ) .
2- شخصيته:
تميز أبو محمد الحريري بقبح المنظر ودمامة الخلقة وعدم الاهتمام بلبسه وهيئته، ولكنه كان رجلاً لامع الذكاء متوقد الذهن، نال بذكائه وشهرته سمعة مدوية في عصره و العصور اللاحقة.
3- أهم آثاره: درة الغواص في أوهام الخواص وهو نقد لأغلاط الكتاب في النحو سماها (ملحمة الإعراب في النحو). (مقامات الحريري) .
4- أهمية مقامات الحريري: تميزت مقامات الحريري التي بلغت الخمسين بكونها قصصاً تفيض بالحركة التمثيلية وتعتمد على الصراع الدرامي كتبها لتعليم الناشئة أساليب الأدب تتخذ أشكالاً مختلفة (دينية – خلقية – فكاهية مجونية )، أكثر فيها من السجع والتعقيد والأحاجي والمسائل الفقهية والفتاوى اللغوية.
وأهم هذه المقامات (المقامة الحرامية) اهتم فيها المؤلف بمذهب التصنيع:
ولديه أيضاً الرسالة السينية التي احتوت كل كلمة من كلماتها على حرف السين.
د- ابن العميد:
1- نشأته وحياته: ولد أبو الفضل محمد بن الحسين في قمم في إيران، ونشأ في بيت أدبٍ وعلم، والده كاتب ديوان الرسائل للملك نوح بن نصر، وقد عاش ابن العميد في منطقة الري وفارس، ثم أصبح في الذروة في وزارة ركن الدولة وابنه وفاته (360هـ) وقدعمل فيها لركن الدولة وابنه عضد الدولة، يقود الجيوش بنفسه، وينشر نفوذ عضد الدولة على بغداد والعراق.
2- شخصيته:
3- استوعب ابن العميد ثقافة عصره فحفظ القرآن و مشكلة ومتشابهة، ودواوين الشعراء الجاهليين والإسلاميين وعلم النحو والعروض والمنطق والفلسفة والإلهيات، ولقب بالجاحظ الثاني، والتق المتنبي وقال فيه المتنبي مادحاً:
عربي لسانه ، فلسفي رأيه ، فارسية أعياده
خلق الله أفصح الناس طراً في بلادٍ أعرابه أكراده
3- أسلوبه:
يعد ابن العميد استاذ مذهب البديع إذ أنه يعتمد السجع في كتابته ، ويهتم بألوان البديع كالطباق و الجناس، كما وإنه يهتم اهتماماً كبيراً بفن التصوير اتضح ذلك في رسالته إلى أحد القادة المسمى ابن ملكا الذي استعصى على ركن الدولة .

الفصل التاسع
الجاحظ (أبو عثمان عمرو بن بحر)
آ- حياته وشخصيته:
1- بيئة الجاحظ السامة: عاش الجاحظ في بيئة جديدة ومختلفة ودخلت في شخصيته عوامل متعددة داخلية وخارجية أسهمت في جعله من أبرز علماء النثر في الأدب العربي والغربي (العالمي).
2- الحياة السياسية في البيئة العباسية:
كانت معركة الزاب الأعلى أحد روافد دجلة الذي ينصب قرب الموصل نهاية العصر الأموي وبداية عصر جديد، فقد تحطم ملك مروان بن محمد عام (132هـ) وطورد الأمويون في كل مكان، ولم ينج منهم سوى نفر قليل على رأسهم صقر قريش عبد الرحمن الداخل الذي أسس ملكاً جديداً لبني أمية في الأندلس .
وجاء عهد جديد انتقلت فيه عاصمة الخلافة إلى العراق وجعل أبو العباس الهاشمية (مدينة قرب الكوفة) قاعدة انطلاق له حيث أتم تأسيس الدولة وأخضع الثائرين، وفكر في تأسيس عاصمة جديدة كانت محط أنظار المهندسين هي بغداد، وبناها الخليفة أبو جعفر على شكل مستدير قصره في وسطها وقصور الحاشية والوزراء حوله، وقد تميزت هذه الدولة سياسياً بحقبتين :
أولاً- الحقبة الأولى (العراقية).
ثانياً- الحقبة الثانية (المصرية).
أولاً- الحقبة العراقية في بغداد:
امتدت هذه الحقبة 132هـ - 656هـ أي حتى سقوط بغداد بيد التتار وقد قسمها المؤرخون إلى:
آ- فترة القوة والعمل ومدتها 100عام (132هـ - 232هـ) .
ب- فترة استبداد المماليك الأتراك ومدتها 102عام (232هـ- 334هـ) .
ج- فترة استبداد الملوك البويهيين ومدتها 113عام (334هـ - 447هـ) .
د- فترة استبداد الملوك السلاجقة وتمتد حوالي 85عاماً .
هـ- فترة استعادة الخلفاء العباسيين بعض نفوذهم السياسي مع غلبة القادة العسكريين وتمتد (120عاماً)
ثانياً - الحقبة المصرية:
وقد امتد منذ سقوط بغداد (656هـ) حتى عام (922هـ) وذلك بسقوط الحكم المملوكي بيد العثمانيين عام /1516/ في معركة مرج دابق حيث بدأت فترة جديدة، وقد بنيت في الحقبة المصرية مدينة القاهرة وكانت السلطة في هذه الحقبة اسمية للخلفاء وفعلية للمماليك:
3- الحياة الاجتماعية في البيئة العباسية:
نظراً لامتداد العباسيين في فترة القوة واقتدارهم وسيطرتهم على مقاليد الخلافة، توسعت الحياة وتدفقت الأموال وتوافدت إلى العاصمة عناصر أعجمية طبعت الحياة الاجتماعية بمنهاج تفكير جديد حيث اختلطت العادات و الأعراف الأعجمية مع الأعراف العربية، وقويت شوكة الحركة الشعوبية واهتمت الدولة بالزراعة وشق الأمنية للري وعززت الصناعة، ومال الناس إلى اللهو وشاع الفراغ فتفننوا في المأكل والملبس والمشرب وراحت أسواق الغناء والرقص وشاع التسري، وانتشرت تجارة الرقيق ومال الناس إلى ممارسة هويات مختلفة كالصيد والشطرنج وسباق الخيل، وزاد الاهتمام بالعلماء والأدباء والشعراء والمغنين والموسيقيين فأصبحت مجالس هؤلاء تعج بها بلاطات الخلفاء والأمراء.
4- الحياة الفكرية والأدبية:
حاول الخلفاء العباسيون بناء دولتهم على غرار بناء الدولة الفارسية فاهتموا بالأدباء والشعراء لما لهم من أثر كبير في بناء الدولة وتقدم سيرها وفتحوا أمام أرباب العقول والمذاهب ورجال الفكر حرياتٍ واسعة وكثر الباحثون والدارسون وأئمة المذاهب الدينية وتم تدوين الحديث وتسجيل اللغة والشعر، وكثر المترجمون عن اليونانية والسريانية، ونشأت فلسفات حياتية ودينية وزهدية انطلقت من مزج الدين بالفلسفة أحياناً، وتسلح العلماء والأدباء بالجدل والمنطق، وقدكان الفكر الاعتزالي من أهم التيارات الجارفة في العصر العباسي حتى إن المأمون اعتنق هذا المذهب رسيماً وشايعه على ذلك المعتصم والواثق، وتفرعت المعتزلة إلى فرق أهمها (البشرية) نسبة إلى بشر بن المعتر الهلالي، و(الثمامية) نسبة إلى ثمامة بن أشرس، والهذبية نسبة إلى أبي الهذيل العلاّف و(النطاعية) نسبة إلى أبي اسحق النظّام، و(الجاحظية) نسبة إلى أبي عثمان عمرو الجاحظ.
وكانت البصرة المرتع الخصيب للاتجاه الاعتزالي والتي كانت قد احتضنت الجاحظ فكراً وأدباً وشخصيته إذ أنها مركز حساس يصل إيران بالعراق والجزيرة العربية بالشام أيضاً، وقد وصف الجاحظ عصره وبيئته قائلاً:
"وقد أمكن القول، وصلح الدهر، وهبت ريح العلماء وكسد الحيّ والجهل، وقامت سوق البيان والعلم".











الجاحظ "اسمه – لقبه – كنيته"
1ً- اسمه:
وهو أبو عثمان عمرو بن بحر الكناني بالولاء الشهير بالجاحظ أو الحدقي غلبة كلمة الجاحظ عليه، وقد قيل إن الجاحظ لم يرض عن لقبيه، وقد ألف رسالة في اسمه.
(فيمن سمّي من الشعراء عمرو)
وكان يرى أن اسمه (عمرو) مظلوم لالصاق الواو به ويرى أن هذا الاسم ما أطلق في الجاهلية ولا في الاسلام إلى على رجل متميز، كعمرو بن الشريد والد الخنساء، وعمرو بن مناف أحد أجداد النبي عليه السلام الملقب بها هشم، وعمرو بن معد يكرب الفارسي اليمني، والشاعر المعروف، وعمرو بن العاص فاتح مصر وأحد دهاة العرب.
ولم يكن الجاحظ يدري أن كبار الأدباء من بعده قد تباروا للخطوة بهذا اللقب كأبي زيد البلخي الملقب بجاحظ خورسان وابن العميد الملقب بالجاحظ الثاني.
2ً- نسبه:
ذكر المؤرخون آراء متباينة في نسب الجاحظ، واختلفوا بين كونه عربي كناني، وبين كونه افريقي فكتب التراجم تذكر أن نسبه كما يلي :
"أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب" وأضاف بعضهم اسم جده وهو فزارة، وأن فزارة كان أسود اللون جمّالاً لرجل يدعى عمرو بن قلع الكناني النساء ونسبه بعض المؤرخون إلى بني ليث أو فقيم، على أنه عربي كناني صليبة، وأكد على ذلك المؤرخون المحدثون أمثال:
محمد كرد علي – السدوبي، والمرجح أن يكون الجاحظ من عنصر افريقي للأسباب التالية:
1- ما ورد من خبر عن جدّ الجاحظ، وسوده وأنه كان مولى جمّالاً لأبي القلمس.
2- أن العرب كانت تختار الجمالين من الموالي الموجودين في النوبة والبربر والروم.
3- أن اسم جده محبوب لا تتسمى بها العرب، فهي تختار لابنائها أشد الأسماء وأقساها كحرب- صخر، بينما تختار للموالي أسماء ظريفة كمحبوب ومسعود وبركة.
4- أن الجاحظ نفسه كان شديد السمرة، وهذا ما يرجح رجوعه إلى فزارة.
ومعنى أنه مولى عدم كونه عبداً ومن هنا تستنتج أن الجاحظ كان يبغض العصبيات ذلك أن له من الشخصيات القوية، ومن روح الاعتزال ما يرتفع به عنها.
أما أسرته الأولى فتنتهي إلى فزارة وهي أسرة متوضعة في منبتها الاجتماعي استنتاجاً من مهنة جده الجمّال وأن هذه الأسرة بعد أن أبطلت مأثره النسيء، فتراجعت عن مكانتها وأقامت في البصرة تعاني من شظف العيش وتسعى في سبيل الحصول على أقل حاجات الحياة.
3- ولادته:
اختلف المؤلفون في سنة ولادته بين الأرقام التالية : 155هـ - 159هـ - 160هـ - 164هـ - 165هـ - بسبب بساطة أسرته وبيئته المغمورة واتفق المؤرخون على سنة وفاته عام 255هـ ويكون قد تجاوز 90عاماً ولم يكن لأبيه أو أمه أي مكانة مشرفة فقد توفي والده وهو صغير فتولت أمه العناية به وهناك جهل في صفاته الجسدية والخلقية وأحواله الاجتماعية وقد كانت أمه تعاني من الحاجة في سبيل تقديم الرزق لابنها حتى إنها قدمت له مرة بدل الطعام طبقاً من الكراريس لحثه على العمل، لكن أحد أصدقائه واسمه مويسس بن عمران قدم له عشرين ديناراً فاشترى الدقيق وجاء به إلى أمه ليؤكد لها أن للعلم ثمرة.
4- عائلته:
ذكر الجاحظ رداً على ميمون بن هارون عندما سأله عن مصدر رزقه أنه يعيل جارية يتسرى بها، وأخرى تخدمها، وخادماً له وحماراً يركبه، فهو ليس له زوج ولا أبناء ولا بنات وجاريته كانت مملوكة ، وقد اختلف المؤلفون في سبب عدم زواجه بين مدع أن النساء والحرائر أعرضن عنه لشدة سمرته وتشوه خلقته، وبين مشير إلى أن الجاحظ نفسه أعرض عن الانجاب إما بسبب بنيوي (العقم) أو بسبب إرادي رغبة منه بعدم الزواج والعلماء والمؤرخون يؤكدون على أن العباقرة وكثير من القادة والحكماء وانصرفوا عن الزواج خدمة ترجالاته والجاحظ بطبعه لا يحب القيود، فقد تسلم ديوان الرسائل ثلاثة ايام ثم تركه لأن ذلك قيد عليه.
5- صفاته الجسدية:
ذكر أن الجاحظ كان ذميماً، قصير القامة جاحظ العينين صغير الرأس ، دقيق العنق، صغير الأذنين، وشديد السمرة، وقد أسهم الأدب الشعبي في استثمار هذا القبح في وضع القصص الساخرة والتطرف المليحة حوله والذي كان هو نفسه محبّا لها.
قال الجاحظ متندراً على نفسه:
"ذكرت للمتوكل لتأديب بعض ولده، فلمّا رآني استبشع منظري، فأمر لي بعشرة آلاف درهم وصرفني ...".
وقال أيضاٌُ:
"ما أخجلني إلاّ امرأتان: رأيت إحداهما في المعسكر وكانت طويلة القامة، وكنت على طعام ، فأردت أن أمازحها، فقلت لها: انزلي علي معنا! فقالت : اصعد حتى ترى الدنيا!
وأمّا الأخرى فإنها أتتني وأنا على باب داري فقالت: لي إليك حاجة وأريد أن تمشي معي! فقمت معها إلى أن أتت بي إلى صائغ يهودي وقال له مثل هذا !
وانصرفت فسألت الصائغ عن قولها، فقال: إنها أتت إلي بفص (خاتم) وأمرتني أن أنقش عليه صورة شيطان، فقلت لها: ما رأيت الشيطان!
فأتت بل وقال : ما سمعت".
6- نشأته _طفولته ومرحلة الكتاتيب):
ولد الجاحظ في مدينة البصرة أكبر حواضر الأدب والعلم، حيث كانت تحفل بالأدب والكتاتيب التي كانت تعلم الكتابة والقراءة والحساب وكانت تحفل بالأدباء والفقهاء والفلاسفة والفرق الدينية والفكرية والسياسية والتي كانت مساجدها تشبه جامعات حرة لكلّ راغبٍ في العلم.
وكان الجاحظ يجالس المسجديين من أهل العلم والأدب فقد اختلف إلى كتّاب حي بني كنانة مع الصبية يحفظون القرآن الكريم والشعر والحساب والنحو ثم إنه لمّا شبّ كان يعمل بائعاً للخبز والسمك في منطقة سيمان.
وكان يتردد إلى مجالس العلم حيث شحذ طبعه من لقائه مع أبي الوزير وأبي عدنان اللّذين أسهما في توجه الجاحظ إلى العلم، وبدأ الجاحظ يشعر أن العلم يمكن أن يوصله إلى مكانة عالية فازداد طموحه ومضى إلى محاضرات العلماء والأدباء في سوف (المربد) وشغف بالمطالعة، وأخذ يكتري دكاكين الوراقين وينام فيها ليلاً، ويقرأ بها الكتب، وقد وجد صعوبة في الجمع بين الدرس والعمل. فترك العمل واتجه نحو العلم، وكانت لديه رغبة جامحة في ذلك.
فامتد تكوينه الفكري والثقافي أكثر من ربع قرن تعرف خلالها على الثقافة اليونانية، وقد كان مشاركاً في حلقات المساجد يبحث ويناقش من خلال ثقافته التي جمعت من مختلف العلوم.
7- حياته وشبابه:
يبدو أن الجاحظ هذا الشاب الفقير المدقع قد شبت معه أحلام الطموح تخلصاً من الفقر والجوع وطموحاً في الوصول إلى مركز مهم في المجتمع أخرى، فأخذ يتردد إلى الأمكنة التي توفّر له الوصول إلى طموحه وأخذ يلتهم ما يقع تحت سمعه من فقه وعلوم شرعية وحديث ونحو ولغة من خلال محاورات ومناقشات العلماء في سوق (المربد) أو في المساجد أو دكاكين الوراقين.
وقد شهد له نظراؤه بذلك ساعده على ذلك صعوبة انتظامه في عمل من الأعمال ،وما كان يلقاه من معونة أصدقائه لمواصلة العلم ، وقد كانت هذه المرحلة مرحلة انعطاف حقيقي نحو العلوم والتأليف فكانت المرتكز الأساسي في تكوينه العقلي والثقافي واللغوي ، وإن كنا نجد صعوبة في تحديد المدة الزمنية لهذا التكوين أوالاختصاص الذي حصلّه الجاحظ في هذه الفترة أو متى بدأ انتاجه وكيف بدأه وأغلب الظن أن تكوينه الفكري والثقافي امتد أكثر من ربع قرن بعد مرحلة الكتاب ، حصل على الثقافة اليونانية بعد ملازمةٍ كبيرة لحلقات المساجد ، وحضورٍ كثيف للدروس ومشاركة في مناقشات العلماء والمسجديين ومن خلال مباحثات متعددة في (المربد) .
ومن هنا سميت ثقافة الجاحظ التي تجمع مختلف العلوم والفنون بالثقافة الجاحظية لأنها استقت عناصرها من أماكن متعددة .







العوامل المساعدة في تكوين ثقافة الجاحظ
المكونات الفكرية التي ساعدت في تكوين
ثقافة الجاحظ
أسهم في تكوين ثقافة الجاحظ الثقافية عوامل متعددة أهمها:
1- التكوين الجسدي الذي جعل الجاحظ ينفر من العمل لاقتناعه أنه لا يتلاءم مع العمل بسبب قبح المنظر ، ومن هنا كانت نظرية التعويض دافعاً من دوافع الجاحظ إلى الثقافة.
2- المنبت الأسري : فالجاحظ من أسرة فقيرة تعاب بتدني مستواها الاجتماعي فهي أسرة زنجية من جهة ومن الموالي من جهة أخرى، وكلّ ذلك قد يدفع بالفرد إلى الثقافة لنيل مكانة اجتماعية أرقى من مكانته.
3- الميول والرغبات: فالجاحظ ينفرمن العمل، ويكره أن ينتظم في صنعة وعليه أن يسلك مسلكاً آخر ليضع لنفسه مكانة اجتماعية، وما روي عنه من أخبار تفيد بيعه للسمك والخبز إنما هي محاولات منه لاقناع نفسه بالعمل وبالتالي كان اندفاعه بفعل ميوله ورغباته إلى الثقافية والعلم لا إلى العمل.
4- الموهبة الذاتية: وقد ظهرت هذه المنخة الإلهية منذ طفولته ودفعته للاتجاه نحو الثقافة، وساعده على ذلك مجالس العلم.

العوامل المؤثرة والموجهة لشخصية الجاحظ
إذا كان الجاحط قد اتجه بفعل مكوناته الفطرية إلى منهج ثقافي علمي فإنّ هناك مؤثرات أسهمت في تكريس هذا التوجه وأهم هذه المؤثرات :
1- الكتاتيب والمعلمون: فقد أثر كما ذكر الجاحظ نفسه – بثقافته شخصيات كثيرة كشخصيات أبي الوزير وأبي عدنان.
2- المسجد: وهو من وجهة نظر الثقافة المعاصرة للصدر الثقافي الرئيس فقد كان يتحلق في هذا المسجد القراء والمحدثون واللغويون والزهاد وأصحاب الملك والنحل والمتكلمون والشعراء وهؤلاء جميعاً مؤثر فعال في تكريس شخصية الجاحظ.
3- مساجد الأحياء: التي كان فيها أبناء القبائل وتحمل هذه الأحياء قصص الوعاظ.
4- مربد البصرة: ذلك السوق التجاري الأدبي الذي أخذ ينازع عكاظ وذي المجاز وذي المجنة، وقد كان العلماء والأدباء والشعراء يتناقلون أخبار بعضهم البعض في هذا السوف.
5- دكاكين الوراقين: التي كان يستأجرها الجاحظ وينام فيها ليقرأ ما تحويه من كتب.
6- الأساتذة: فقد أوتي الجاحظ حظاً كبيراً في لقاء مجموعة بين الأدباء والعلماء والنحاة والمتكلمين كالأصمعي وأبي زيد الأنصاري، وأبي عبيدة معمر بن المثنى والأخفش، وأبي يوسف القاضي، ويزيد بن هارون والسري بن عبد ربه.
7- النظّام: الذي تعرف عليه الجاحظ عن طريق (مويس بن عمران) الذي كان يقيم في داره منتدىً فكرياً يلتقي فيه العلماء والأدباء وقد توثقت العلاقة بين الجاحظ والنظّام منذ السنة الخامسة والثلاثين من عمر الجاحظ وأصبح من أخص شيوخه .
8- المنتديات والمجالس العامة: التي تقام في المجالس والأفنية والمجالس الخاصة في دور الأشراف كمويس بن عمران ومنتدى (تل نوبخت)، ومنتدى (آل سليمان بن علي) عم السفاح، ومنتديات أسرة أبي جعفر المنصور وأسر أخرى غيرها.
9- الحياة العامة: التي أخذت تنمو بتوسع الدولة وتوجه الناس إلى العلم والتنافس في دعابته.
10- الروح العامة لمدينة البصرة: فقد كانت هذه المدينة مكانة خطيرة من حيث الموقع الجغرافي والسياسي بحيث أصبحت مركز جذب لكلِّ المثقفين وأصحاب الفرق والباحثين عن المجد والمنزلة.
11- الأسفار: وقد عرف عن الجاحظ أنه رجل لطلب العلم إلى بلاد العرب والروم والأتراك والشام والجزيرة العربية مما زاد في ثقافته وعمّق شخصيته.
12- الثقافات الأخرى: التي تلقاها الجاحظ من الكتب أو من مجالسته أهل الفكر أو من الأسفار كالثقافة اليونانية اليونانية والسريانية وقد مال الجاحظ إلى امتلاكهما ميلاً عظيماً.

طور التأليف عند الجاحظ
لم يستطع دارسو الأدب أن يحددوا الزمن الذي كتب فيه الجاحظ كل كتاب تركه للمكتبة العربية، ولذلك نجد خلطاً في الأزمان التي حددت كتابة كتبه، والملقب للانتباه أن بدايات الجاحظ في التأليف إذا صحت كان ينسبها المؤلفين قد ماء كابن المقفع، وذلك لأن الناس قد جلبوا على تقدير القديم وإهمال الحديث كما أشار إلى ذلك ابن قتيبة في (الشعر والشعراء) ويقال إن الجاحظ افتتح مرحلة التأليف الأولى بكتب (الإمامة) ككتاب (العثمانية) وكتاب (إمامة معاوية) وكتاب (إمامة بني العباس) وكتاب (وجوب الإمامة) وكتاب (الإمامة عند الشيعة) وقد قادته هذه الكتب إلى بلاط المأمون لما تحمله من نصاعة الأفكار ومهارة الجدل إذ أن المأمون قد كلّف أحد مؤدبيه (ياليزيدي) لفحص كتب الإمامة للجاحظ، وقد نقلت هذه الكتب بعد تلقيها بالقبول مع الجاحظ من البصرة إلى بغداد.
الجاحظ في بغداد:
لما لقي الجاحظ قبولاً عند المأمون وليّ ديوان الرسائل في بغداد، ولكنه لم يصير أكثر من ثلاثة أيام فأعفي من منصبه، وهذا يشير إلى عدم احتمال الجاحظ للقيود والمنافسين وحسدهم.
وفي هذه الفترة التي استغرقت عند الجاحظ خمسين عاماً، كتب هذا المؤلف البارع معظم ما وصل إلينا من كتب، وقد قُسمت المرحلة البغدادية إلى قسمين فصل بينهما مقتل الوزير محمد بن عبد الله الزيات وزير المعتصم والواثق.
1- الحقبة الأولى من المرحلة البغدادية:
وتمتد منذ وصوله بغداد حوالي (200هـ) وتنتهي عام (233هـ) توثقت خلالها صلات الجاحظ بثحامة بن أشرز ذي المكانة الكبيرة لدى المأمون، وقد اقترح على الجاحظ أن يجعله وزيراً فاستعفاه.
ألف الجاحظ خلال هذه المرحلة كتابه (الثابتة) وهو كتاب يتحدث عن أهل الحديث وكتاب (أخلاق الكتاب ) وكتاب (القحطانية والعدنانية) وكتاب (الموالي والعرب) وكتاب (الصرحاء والهجناء) وكتاب (فخر السودان على البيضان) وكتاب (طبقات المغنين) ورسالة القيان ....
المرحلة الزياتية وتأليف الجاحظ:
لم تتغير سياسة الدولة ولا اتجاهها الديني المعتمد على الاعتزال بعد وفاة المأمون وتولي المعتصم والواثق ومحاربة المعتصم للثائرين على الدولة كالحزمية التي تدعو إلى الإباحية، وقد بدت حياة الجاحظ هادئة ترك فيها بغداد إلى سامراء وجاور منزل، الزيات وأهداه كتاب الحيوان، وأجازه الوزير بخمسة آلاف دينار وكان ثحامة بن أشرز قد توفي وفترت العلاقة بين الجاحظ والنظام وتحولت صداقة الجاحظ لابن الزيات إلى فتورٍ كبير علّله بحدة مزاج ابن الزيات وكتب الجاحظ في هذه الفترة أهم رسائله مثل رسالة (التربيع والتدوير) ذاماً بها أحمد بن عبد الوهاب الذي وكان يطاول ابن الزيات ويحاسنه، وكتب رسالة (في مدح التجار وذم عمل السلطات) وكتاباً في (فضل هاشم على عبد شمس) وكتاب (الشعوبية ) .
2- الحقبة الثانية من المرحلة البغدادية:
وتمتد بين عام 233هـ وعام 247هـ وبمساحة حكم المتوكل حيث اتصل الجاحظ بالقاضي أحمد بن أبي دواد وبالوزير (الفتح بن خاقان) وفي هذه الفترة استطاع ابن أبي دؤاد أن يوغر صدر المتوكل على ابن الزيات الذي عارض خلافة المتوكل وأراد تولية ابن الواثق حيث صودرت أمواله ووضع في تنور فيه مسامير، وكان ابن الزيات نفسه أعدّه لتعذيب أعدائه وقد هرب الجاحظ بعد إلقاء القبض على ابن الزيات نفسه، وقبض عليه ولمّا سئل عن سبب هربه قال: (خشيت أن أكون ثاني اثنين إذ هما في التنور)
ثم مثل بين يدي ابن أبي دؤاد وقال له مما قال:
((فو الله لأن يكن لك الأمر عليّ خيرٌ من أن يكون لي عليك، ولئن أسء وتحسن أحسن عندك من أن أحسن وتسيء، وأن تعفو عني في حال قدرتك أجمل من الانتقام مني ...))
فأعجب القاضي لقوله وكافأه بخمسة آلاف دينار بعد أن قدّم له كتابه (البيان والتبين)، وبقي الجاحظ ملتزماً مع الوليد بن أبي دؤاد وألف له كتاب (الفيتا) وكتاب (حج النبوة) وكتاب (نظم القرآن) وكتاب (أبي القرآن) وكتاب (مسائل القرآن) وكتاب رسالة (المعاد والمعاش) وكتاب (خلق القرآن) وكتاب (الرّدَ على المشبهة).
وقد تعرّف الجاحظ بالفتىح بن خاقان الذي قرّبه وجمّل صورته عند المتوكل وأجرى له راتباً ورشحه ليكون مأدباً لولده، وجعله في حاشيته حين سافر الخليفة للشام في رحلة استغرقت (سبعة و تسعين يوماً).
وقد ألف كتاب (الردّ على النصارى) وكتاب (الردّ على اليهود) وكتاب (مناقب الترك وعامة جند الخلافة) وكتاب (فصل ما بين العداوة والحسد).
وفي هذه المرحلة أجيب الجاحظ بالفالج ثم سافر إلى بلده البصرة ولزم داره.
ب- العودة إلى البصرة:
شعر الجاحظ بنقل المرض وهو في سامراء ورأى بأم عينيه مقتل المتوكل بتحريض من ابنه (المنتصر) وعاد إلى مسقط رأسه في البصرة ثم أصيب بداء (النقرس) فتضافرت عليه العلل وأكب على المطالعة والتأليف وقد وصف المبّرد حالة الجاحظ عندما سأله: كيف أنت؟
فقال الجاحظ:
((كيف يكون من نصفه مفلوج لوجزّ بالمناشر ما شعر به، ونصفه الآخر منقرس لو طار الذباب بقربه لألمه وأشدّ من ذلك ست وتسعون أنا فيها)) .
وهذه الحقبة شهدت أوج نشاطه فكتب كتاب (الحيوان) وكتاب (البيان والتبين) وكتاب (البلدان) وكتاب (النساء).
ج- مذهبه وأخلاقه وآثاره:
اعتنق الجاحظ مذهب المعتزلة وبرع فيه وانفرد بأراء خاصة تداولها بعض الناس، وشكل مرقة سميت (الفرق الجاحظية) وقد جعل صفة الإرادة جنساً من الأعراض واعتبر هذه الأعراض متبدلة، واعتبر القدر خيره وشره من العبد، ورأى أن الجواهر لا يستحيل إلى فناء في مقابل ذلك عرف الجاحظ بدماثة المعشر والميل إلى الدعابة وحبّ النادرة و البحث الدؤوب ودقة الملاحظة،وقوة الإحساس ونفاذ البصيرة واستثمار الأوقات، والتملك من القيود والاستمتاع بأطايب الحياة، والبعد عن مواطن الشبهة مع أنانية يستأثر بها، وعدم قضاء لحاجات الناس وقد ترك من الآثار (ثلاثة مئة وخمسين) كتاباً ضاع الكثير منها وأهم هذه الكتب:
1- في مباحث السياسة: كتب الإمامة – كتب الاستبداد.
2- في مباحث الاقتصاد: رسالة في الخراج – كتاب فضول الصناعات.
3- في الدين والاعتزال والفلسفة: الاستطاعة وكتاب خلق الأفعال.
4- في الأدب والعلوم الإنسانية: البيان والتبين.
5- في الاجتماع والأخلاق: إثم العسكر – أخلاق الشطار
6- في الطبيعيات: كتاب الحيوان – رسالة في الكيمياء .
7- في العصبية: القحطانية والعدنانية.
8- في النساء: الجواري – رسالة في العشق و النساء.
9- في موضوعات شتى: رسالة التربيع والتدوير.



رسالة التربيع والتدوير
آ- موضوع الرسالة:
هي رسالة هزلية ساخرة كتبها الجاحظ في هجاء أحمد ابن عبد الوهاب وهو من أخوان الجاح ومن طبقة الكتاب (كتاب الأمراء لا كتاب الديوان) كان صديقاً للزيات متمذهباً بمذهب الشيعة المتطرفة (الرافضة) المشبهة، وهم أعداء المعتزلة وقد كان ابن عبد الوهاب نديماً لجعفر بن دينار الخياط أحد قواد الإمنشين وقد ولاه المعتصم اليمن.
وكتب هذه الرسالة أيام وزارة الزيات وقد بارت حول الشمائل التي تتناول ادعاء الجمال وتكلفه، واصطناع العلم والزهو به، تنعت المهجو بالعرض والضخامة دون الطول أي مربع مدوّر حيث تبدو صورة أحمد بن عبد الوهاب ذميمة الخلق قبيحة الهيئة فارغة من العلم لأنه طرح على مهجوه مئة مسألة تشكل معظم معارف عصره، فلم يجب عنها.
ب- قيحة الرسالة الفكرية:
تجلى في هذه الرسالة اطلاع الجاحظ الواسع ومعلوماته الواسعة، وعمق معرفته بالواقع، وما يحمله من الخرافات والقصص والمعتقدات القديمة والمعاصرة وقد تناول المؤلف في رسالة الكثير من القضايا التاريخية والفلسفية والعلمية مستفيداً من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والتاريخ العالمي و العربي، وتعرض في رسالته إلى قضايا متعددة كالألوان والأصوات والمد والجزر، وللمرآة والصورة التي تمسكها ولبعض التقاليد والطبائع وعلم الفراسة وأسرار بعض المخلوقات وخرفات أخرى (لعنقاء مغّرب).
ج- قيمة الرسالة الفنية والأدبية:
لم يستطع الجاحظ أن يبلغ من مهجوه مبلغاً للاستفاء إلاّ حينما استعمل أدواتٍ فنية أسهمت في رسم صورة هذا المهجو بشكل متناقض، فبدأ بتناقضة مضحكاً.وأهم هذه السمات الفنية لهذه الرسالة:
1- الإكثار من الدعاء الذي يسوقه للسخرية.
2- إبراز صورة السخرية عن طريق المفارقات والتناقضات المعتمدة على الجدل والاحتجاج والحوار والمغالطات .
(أنا لم نر مقدوداً واسع الجفرة غيرك، ولا رشيقاً مستفيض الخاصرة سواك..)
وقوله: "وما عليّ أن رآني الناس عريضاً وأكون في حكمهم عليظاً، وأنا عند الله طويل جميل، وفي الحقيقة مقدود رشيق..."
3- جعل الجاحظ مهجوه موضع اختلاف لجأ فيه إلى مقاييس الجمال أحياناً ومقاييس القماءة أحياناً أخرى .
4- انقلب أحمد بن عبد الوهاب تحت صرير قلم الجاحظ إلى مسألة اعتزالية، ومعضلة علمية، ومشكلة فلسفية وكأن ابن عبد الوهاب خلاف بين الرافضة والمعتزلة وبين المرجئة والخوارج.
5- الاستفادة بالإيماء واستخدام للألفاظ من خلالها:
"فأنت المديد، وأنت البسيط، وأنت الطويل وأنت المتقارب، فيا شعراً جمع الأعاريض، ويا شخصاُ جمع الاستدارة والطول".
6- تحويل الجد إلى هزل وسخرية:
"إنك لا تحسد على شيءٍ حسدك على حسن القامة وضخم الهامة وعلى حور العين، وجودة القد، وعلى طيب الأحدوية".
7- إظهار عجز المهجو الثقافي بالقاء الأسئلة عليه.
د- أسلوب الرسالة:
الألفاظ: اتصفت بالرشاقة والدقة واللين والوضوح والإيماء والسخرية والتهكم واللاذع.
الجمل: بدت حادة وهادة، تشهر بالمهجو وتحقر منه، تطول أحياناً، وتقصر أحياناً أخرى، وتتزاوج وتترادف تحفل بالطباق والمقابلة دون إساءةٍ إلى المعنى ولا تكلفٍ في الأداء.

البيان والتبين
اختلف الدارسون في تسمية الكتاب وزمن تأليفه فذكر أنّه سمّي بالتبين فقد، وأنه سمّي بالبيان والتبين أيضاً وكتب على نسختين الثانية أصح وأجود من الأولى، وأنّ الكاتب ما ألف هذا الكتاب إلاَ بعد رجوعه من البصرة و إحساسه بثقل المرض، وقد اتبع فيه الكاتب طريقة المتكلمين والمتناظرين في الجدل والمنازعة، فالكتاب بيان من جهة اختيار الجاحظ للنصوص والأخبار والأحاديث والوصايا والخطب والأدعية، وتبين لما يحمله من نظرات نقدية لحقائق الشعوبية وحقائق العرب وهو من أفضل كتب الجاحظ لأنه يوسّع المدارك، ويعلم الأدب والعقل وينبه الخاطر ويصقل الذوق ويهذّب الفكر.
آ- مادة الكتاب:
البيان والتبين كتاب عام في الخطابة وأصولها عند العرب والعجم، لا يتبع طريقة واضحة، ولا يلتزم تبويباً ولا ترتيباً حيث تشيع فيه الفوضى التأليفية يمزج علوم البلاغة والأدب والتاريخ والحكمة والزهد ويستطرد ضمن الموضوع الواحد.
ب- أهم موصفات الكتاب:
1- في مجال الألفاظ: تناول الحروف استمالاً ونطقاً ومخرجاً وعجز العرب عن نطق الحروف العربية.
2- في مجال البديع وأصحابه: تناول البلاغة وقيمتها وما هيتها ومواقف الكتاب منها.
3- في مجال البيان: تناول قيمته وما قيل فيه، وأثر البيئة والصنعة فيه، ووضح كيف يمكن أن يكون.
4- في مجال الخطابة: تناول مقوماتها وأنواعها والعيوب الخلقية في الخطب، ومزايا الأعراب والأنبياء وخطباء المدن والقبائل.
5- في مجال الشعر: تحدث عن شروطه ومقوماته وألوانه وتأثر الناس به وأثره في القبائل والأفراد.
6- في مجال البيوت النطقية: تحدث عن اللثغة والفأفأة واللحن الوفصاحة.
7- في مجال نظم العرب: تناول النُظم الاجتماعية والسياسية والمالية والخلقية والتعليمية.
وقد توزعت جميع موضوعات الكتاب في أجزاء انبرى فيها الجاحظ في الدفاع عن العرب أمام مطاعن الشعوبية وبيّن فيه ما عابه هؤلاء الشعوبيون على العرب و خطبائهم من استعمال العصا.

منزلة الجاحظ وخصائص فنه
آ- خصائص فن الجاحظ:
نظراً لكون الجاحظ صاحب مدرسة أدبية متميزة ، بنى أسسها من ثقافته الخصبة الواسعة وأسفاره واختلاطه بأصحاب القول والعلم فإن لهذا الكاتب خصائص متميزة تتمثل في:
1- وضوح شخصية الجاحظ نحن كلِّ ما يكتب لأن له بصمات تفكيرية وتعبيرية متميزة وأسلوباً وطرازاً خاصاً من التفكير يعتمد على الحجة والسخرية والتهكم.
2- لا يقبل الجاحظ كلَّ ما ينقله لنا دون أن يمحصه و يناقشه ويحقق الأمور الكونية والأدبية فيه.
3- ظهور صفة الاعتزال في كل ما يكتب من خلال العقل والجدل والبحث عن الحقيقة بعيداً عن الخيال والعاطفة .
4- اعتماده على الخفة والدعامة والمرح والسخرية.
5- الألمام بجوانب الموضوع الذي يتحدث عنه دون وضع خطةٍ منظمة "الاستطراد".
6- الواقعية من حيث تناول شؤون الحياة بالوصف والنقد والعليق.
7- القدرة المدهشة على تناول الشيء وضده، مادحاً أو قادحاً.
8- طول التأليف التي كتبها، إذ يعد الجاحظ أول من ألف الكتب المطولة.
9- مرونة الأسلوب من حيث القدرة العجيبة على صياغة الألفاظ واستخدامها في أمكنتها وسبك الجمل والتصرف باللغة تصرفاً يدل على سعة ثروته اللغوية.
10- تكوين الأسلوب وفقاً لأغراضه ، فتارة يستعمل أسلوباً علمياً، وتارة يستخدم أسلوباً أدبياً .
11- تخير الألفاظ وإنزالها في مواصفها من الجمل مع مجانبة التكلف من خلال الدقة والموسيقا.
وبالنتيجة: الجاحظ نحات، بنّاء للغة، حسن التأليف ذو قدرة على الشاكلة بين الألفاظ والمعاني، يعتمد التوازن في الجمل والترادف والتناغم الوسيقي فيطيل الجمل، ويقصّرها بحسب الموقف، وتبدو جمله واضحة رشيقة جيدة التصوير، غير معتمد على السجع والتكلف.
ب- منزلة الجاحظ:
اختل الجاحظ في الأدب العربي مكانة مروقة لدى المثقفين والمتأدبين نظراً لما تحمله آثاره الكثيرة من النظرات العلمية والكلامية والآراء الأدبية، وقد وضعه معظم النقاد والمفكرين على رأس الطبقة الأولى من الكتاب العرب وغير العرب، ومع ذلك فإن للجاحظ خصوصاً التقطوا مثالبه، وأذاعوا عيوبه، ومن خصومه:
1- ابن قتيبة الدينوري 2- أبو العباس ثعلب
3- السعودي 4- الأزهري
5- الهمذاني 6- البغدادي
7- القاضي الباقلاني (نظم القرآن)
ومن التهم التي رمي بها الجاحظ:
1- أنه غير ثقة في ما يروي وهو غير مجلٍ في الأدب (الهمذاني) .
2- أنه يستعين بكلام غيره أمّا كلامه فليس له ميزة (الباقلاني).
3- فساد العقيدة ونصرة الباطل، ووضع الحديث النبوي وتشكيك الناس في عقائدهم (المسعودي) .
ومن الذين شهدوا للجاحظ بطول الباع وبالأدب وعلم الكلام "ثابت بن قرّة" الذي يقول:
"ما أحسد هذه الأمة إلا على ثلاثة أنفس : أولهم : عمر بن الخطاب في سياسته ويقظته وحذره، والثاني : الحسن البصري في علمه وتقواه وزهده، والثالث الجاحظ في خطابته وأدبه وجده وهزله" .


الوظيفة :
ادرس النص التالي من خلال المعاني والألفاظ والتراكيب مبيّناً خصائص الجاحظ في فنه وأثر ذلك في نفسك:
لو خرجت من جلدك لم أعرفك.
ومن أعاجيب أهل مرو، ما سمعناه من مشيختنا على وجه الدهر وذلك أن رجلاً من أهل مرو كان لا يزال يحج ويتّجمر، وينزل على رجلٍ من أهل العراق فيكرمه ويكفيه مؤنته، ثم كان كثيراً ما يقول لذلك العراقي ليت أنّي قد رأيتك بمرو حتى أكافئك لقديم إحسانك وما تجدد لي في كلّ قدمةٍ، فأمّا ها هنا ، فقد أغناك الله عني.
قال: فعرضت لذلك العراقي بعد دهرٍ طويل حاجة في تلك الناحية فكان مما هوّن عليه مكابدة السفر ووحشة الاغتراب مكان المروزي هناك، فلمّا قدم مضى نحوه في ثياب سفره، وفي عمامته وقلنوية وكسائه ليحطّ رحله عنده، كما يصنع الرجل بثقته وموضع أنسه، فلمّا وجده قاعداً في أصحابه: أكبَّ عيه وعانقه فلم يره أثبته ولا سأل به سؤال من رآه قط، قال العراقي في نفسه ، لعلّ إنكاره إيّاي لمكان القناع مرمى بقناعه وابتدأ مساءلته فكان له أنكر.
فقال: لعلَّه أن يكون إنما أوتي من قبل العمامة فنزعها ثم انتسب وحدد مساءلته فوجده أشد ما كان إنكاراً.
فقال: لعلّه إنما أوتي من قبل القلنوة وعلم المروزي أنه لم يبق شيء يتعلق به المتغافل والمتجاهل فقال: لو خرجت من جلدك لم أعرفك.....

الباب الثاني
الأدب الأندلسي
الفصل الأول
سماته وأغراضه
دخول العرب إلى الأندلس:
يا أهل اندلس لله دركم ماءٌ وظلٌ وأنهارٌ وأشجار
ما جنة الخلد إلاّ في دياركم ولو تخيرتُ هذا كنت أختار
ما إن انتهى موسى بن نصير من فتح بلاد المغرب العربي حتى كلّف أحد قادة الجيوش طارق بن زياد بالعبور إلى مضيق الجبل المسمى باسمه والانطلاق إلى بلادٍ جديدة تتميز بالسحر والجمال والخير الوفير.
ذلك أن ملوك القوط وعلى رأسهم الملك (لذريق) كانوا قد سيطروا على البلاد سيطرة ظلم وحاولوا إجبار اليهود المقيميين في تلك البلاد على التنصر، فما جعل هؤلاء اليهود يتعاونون مع الفاتح الجديد ويقدمون له الخدمات ويقودون الجيوش الجديدة إلى مدن الأندلس إضافة إلى أن (يوليان) أحد ملوك مدن المغرب الساحلية قد اراد الانتقام لابنته التي كانت تعمل وصيفة في بلاط الملك (لذريق) والذي انتزع هذا الملك عفتها بحيث جعل (يوليان) يقدم السفن للعرب الفاتحيين ناهيك عن أنّ العرب أنفسهم كانوا يحملون رسالة القرآن إلى البلاد الجديدة التي يريدون فتحها ولم يمض عام (592هـ) حتى أصبح الأندلس إمارةً عربية كرّست بناء الدولة إذ أنه أعاد الخلافة الأموية إلى الأرض الأندلسية بعد غيابها من الأندلس.
وهكذا استقر العرب المسلمون في تلك البلاد وسموا مدنها باسم مدن المشرن، ونهضوا بعمرانها نهضة قوية وحاولوا مطاولة الخلفاء العباسيين من حيث مقاومة الافرنج والوصول إلى مشارف مدينة (باريس) في معركة (بلاط الشهداء) .
ومن حيث بناء المدن والقصور التي ما تزال شامخة إلى يومها هذا كقصر الحمراء.
ومن حيث الاتقاء الثقافي المعرفي والأدبي حيث تشكلت نهضة كبيرة في الأدب والدين والفلسفة والغناء والموسيقا.
العوامل المؤثرة في تكوين الأدب الأندلسي:
1- اتكاء العرب في الأندلس على الأصول الموروثة لديهم بحيث اقتدى أدباء الأندلس بأدباء المشرق بكل كبيرة وصغيرة.
2- تأثير الطبيعة الأندلسية والعقلية في هؤلاء الفاتحين بحيث جعلت عروقهم تجري دماءً جديدة .
سمات الشعر العربي في الأندلس:
باعتبار أن أعراب الأندلس قد حاولوا مجاراة المشارقة في أدبهم العربي، فقد استم شعرهم بسمات قريبة من سمات الأدب العربي في العصر العباسي وعلى رأس هذه السمات:
1- الغنائية العربية البعيدة عن الشعر التمثيلي والملحمي وما نجده م نزعات قصصية أو حوارية أو تعليمية في هذا الأدب على يد ابن حمديس وابن عبد ربه، ليست إلاّ محاولات عارضة غير مبنية على أسس فنية.
2- الكتابة في أغراض المديح والرثاء والهجاء والوصوف والحكمة والغزل واللهو والمجون والزهد والتصوف على غرار الأدب العباسي.
3- تقليد المشارقة في المعاني والأساليب حتى أوائل القرن الخامس الهجري كما في شعر ابن عبد ربه وابن شهيد وابن درّاج القسطلي.
4- تمثل البيئة الجديدة، والأخذ التجديد منذ أوائل القرن الخامس الهجري حيث أخذ الشعر يصور الحياة الجديدة كما عند ابن زيدون والمعتمد بن عباد وابن حمديس و ابن خفاجة ولسان الدين بن الخطيب.
5- تطرف الأندلسيين في وصف الرياض والأزهار ومجالس المجون وقصور الخلفاء وفي شعر الزهد والتصوف والعزوف عن الدنيا.
6- ظهور فنون جديدة كرثاء الممالك والمدن الزائلة .. والشكوى والموشحات.
7- جاءت المعاني عندهم بسيطة، بعيدة عن الإغراب في الفكر أو معالج الفلسفة والكلام.
8- اتسمت الصورة الفنية باللطف والاتكاء على الثقافة العربية والشعر الجاهلي والإسلامي.
9- اتخاذ نهج القصيدة العربية أسلوباً له مع استبدال المقدمة الطلبة بوصف الطبيعة.
10- بقي للبيت عندهم وحدة مستقلة بمعناه.
11- أكثر الشعراء من الصنعة والزخرف وفنون البديع و البيان.
12- اتسمت اللغة بالرشاقة والسهولة ، وبقيت أضعف من لغة المشارقة وأكثر دقة ورقة منها.
13- أثرت الموسيقا والغناء في الشعر الأندلسي، وأكثر الشعراء من النظم على البحور القصيرة والمجزوءة والصالحة للغناء والرقص ونظموا (المزدوج – المخمس – الموشحات- الأزجال).
ملاحظة:
كثرت الشاعرات في هذا العصر بسبب الحياة الناعمة والحرية والانطلاق، فبرزت شواعر مثل (ولادة بنت المستكفي- عائشة القرطبية- نزهون الغرناطية – هند جارية الشاطي و... الشاعرة الشلبية .

د- أغراض الشعر الأندلسي:
كتب الأندلسيون في موضوعات شتى نقلوا بعضها معهم من المشرق واستحدثوا بعضها الآخر في الأندلس، فكان بعضها تقليداً وكان الآخر مستجداً، وأهم هذه الأغراض:
1- المديح:
نظراً لمطاولة الشعراء الأندلسيين للشعراء المشارقة، فقد وفدوا على ملوكهم وأمرائهم يمدحون طالبين الكسب و باعتبار أن الصفات التي يمتدح بها الملوك انتقلت معهم من المشرق فقدحافظ شعراء المدح على الأسلوب القديم وعني هؤلاء.
وربما بدأوا بالغزل أو وصف الطبيعة أو وصف الخمرة ومن أشهر شعراء المديح – ابن زيدون – ابن شهيد – لسان الدين بن الخطيب – ابن هانئ الأندلسي.
الذي كان يقلد المتنبي، ويغالي في مدحه للخلفاء كما في قوله مخاطباً المعز لدين الله الفاطمي:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأن الواحد القهار
هذا الذي ترجى النجاة بحبه وبه يحطّ الاصر والأوزارُ
فكأنما أنت النبي محمدً وكأنما أنصارك الأنصارُ
2- الفخر والحماسة:
بقي شعر الفخر والحماسة قليلاً في الأدب الأندلسي بسبب ظروف الحياة الجديدة والتي لا يتناسب معها وجود الفرسان والبطولة، إذ أن رخاء العيش قد دفع الشعراء إلى اتجاهات أخرى، ولا نعثر على الفخر والحماسة إلا ما كانت في قصائد مدح الملوك ووصف المعادل، وقد يفتخر الشاعر بشعره، أو قد يفتخر بصبره على نوائب الأيام.
يقول ابن حمديس مفتخراً بشعره:
إني امرؤ ابني القريض ولا أرى زمناً يحاول هدم ما أنا باني
ويقول ابن زيدون مفتخراً بصبره:
فإن يجدب من الدنيا جنابٌ طالما أمرع
فما إن غاض لي صبر وما إن فاض لي دمع
3- الرثاء:
وقد رثى الشعراء الأندلسيون الملوك والأمراء والقادة و أمهات الملوك وزوجاتهم وبناتهم وأصدقائهم مترسمين خطى المشارقة في طريقة الرثاء مع الإكثار من الحديث عن الأمم البائدة واستهلال المراثي بالحكم والتفجع على الموتى.
يقول ابن زيدون راثياً ابن المعتضد:
عمرت حيناً وماء المزن شكلين سواء
ثم ولت فوجدنا أوج المسك ثناء
جمعت تقوى إحساناً وفضلاً وزعاء
وتميز الأندلسيون برثاء الممالك الزائلة، فقد كانت بلدانهم تتساقط في أيدي الأعداء واحدة واحدة، وقد بكى أبو البقاء الرندي الأندلسي بأسرها.
يقول ابن اللبانة في سقوط اشبيلة:
نسيتِ إلا غداة التهز كونهم في المنسآت كأموات بألحاد
ساءت سفائنهم والنّوح يصحبها كأنّها إبل يحدو بها الحادي
ويقول أبو البقاء الرندي:
وهي الجزيرة أمرٌ لا عزاء له هوى له أحد وانهد ثهلان
فاسأل بلنسية ما شأن مرسية وأين شاطبةٌ أم أين جيّان
ثم يدعو إلى القتال لاستعادة الأندلس:
يا راكبين عتاق الخيل ضامرة كأنّها في مجال السبّ عقبان
أعندكم نبأ من أهل أندلسٍ فقد سرى بحديث القوم ركبان
ثم يستنجد الشاعر ابن الأباء القضاعي بصاحب تونس لحماية تونس:
أدرك بخيلك خيل الله أندلساً إن السبيل إلى منجاتها درسا
واضرب لها موعداً بالفتح ترقبه لعلّ يوم الأعادي قد أتى وعسى
وقد تميز هذا اللون من الرثاء بالسمات التالية:
1- صدق العاطفة 3- الابتعاد عن التكلف
2- مرارة الوجدان 4- الواقعية في الوصف
4- الهجاء :
لم ينقطع الشعراء الأندلسيون عن كتابة الشعر الهجائي بصورة عامة ، ولكن الهجاء يوجهه السياسي لم يكن رائجاً في الأندلس نظراً لقلة الأحزاب السياسية ، ولم يسجل المؤرخون هجاءً مصرياً أو يمنياً والسبب في ذلك مواجهة العرب الأندلسيين للفرنجة ، كما وأن الشعر الهجائي قد تحول إلى مواجهة الأعداء وبقي متجهاً إلى التكسب والتندر كما صنع ابن حزمون في هجاء نفسه عندما نظر إلى صورة وجهه في المرآة :
تأمّلت في المرآة وجهي فخلته كوجه عجوز قد أشارت إلى اللهو.
إذا شئت أن تهجو تأمل خليقتي فإن بها ما قد أردت من الهجو .
5- الحكمة :
لم تكن الحكمة في الشعر الأندلسي تعتمد على التأمل ، بسبب عدم وجود ثقافات أخرى كالهندية والفارسية والسريانية عند الشعراء الأندلسيين وخاصة في القرون الأربعة الأولى إذ كانت الحكمة في شعرهم ساذجة وسطحية ومقلدة للحكمة المشرقية ، وأكثر الشعراء اهتماماً بالحكمة في الأندلس : ابن هانئ الذي قلّد المتنبي وقصر عنه ، وبقيت حكمته تدور حول الشكوى من الدهر والتحذير من الدنيا والاتسام بالابتذال والبعد عن النضج . يقول ابن هانئ :
إنّا وفي آمال أنفسنا طول وفي أعمارنا قصرُ
لنرى بأعيننا مصارعنا لو كانت الألباب تعتبرّ
6- الغزل واللهو والمجون:
انتشر شعر الغزل واللهو والمجون في الحياة الأندلسية بسبب وجود أموال كثيرة، وطبيعة رائعة ومجالس خمر وغناء وقيان وقد كتب الشعراء الأندلسيون في ذلك ولكنهم ظلوا مقلدين للشعراء المشارقة ، يحنون إلى الأسلوب البدوي ، كما صنع ابن شهيد مقلداً لعمر بن أبي ربيعة:
وأخرى اعتلقنا دونهنّ ودونها قصورٌ وحُجّابٌ ووالٍ ومعشرً
يزينّها ماءُ النعيم ، وحقّها من العيش فينان الأراكة أخضرُ
وقد اعتمد شعراء الأندلس في وصفهم للمرأة على الأوصاف الجسدية (سهام الألحاظ – نرجس العيون – وصف الخد والجبين والقامة وأغرقوا في وصف أحلامهم وذكرياتهم واشتكوا من لوعة الشوق وعذاب الفراق ، وذموا العواذل ، واقتبسوا صورهم الشعرية من الطبيعة بحيث اتحدت الطبيعة مع المرأة في الوصف . يقول ابن زيدون واصفاً محبوبته بأنها راحته وعذابه
متى أبثك ما بي ؟ يا راحتي وعذابي
الله يعلم أنّي أصبحت فيك لما بي
فلا يطيب منامي ولا يسوغ شرابي.
وقد يخرج الغزل الأندلسي عن حدود الحياء أحياناً وينأى عن الوقار والحشمة كما في شعر ابن حمديس ، يقول ابن حمديس داعياً هند جارية الشاطبي إلى مجلس خمر وعزف عود:
يا هند هل لك في زيارة فتية نبذوا المحارم غير شرب السلسل
سمعوا البلابل قد شدوا فتذكروا نغمات عودك في الثقيل الأول.
ويقول ابن خفاجة في وصف مجلس خمر:
وجاء بها حمراء أما زجاجها فنور ، وأما موجها فكثيب
وغازلنا جفن هناك كنرجس ومبتسم كالأقحوان مشنبُ
7- الزهد – التصوف:
كردِّ فعلٍ على ظهور شعر المجون والترف اندفع بعض الشعراء الأندلسيين إلى توجيه الناس إلى الزهد بدافع ديني ينطلق من وجود تيار الفقهاء في الأندلس، وبدافع تقليدي لتصوف وزهد المشارقة إضافة إلى ماوقع لأهل الأندلس من مصائب في بلدانهم جعلتهم يميلون إلى الطعن بغدر الأيام وذم الدنيا والابتعاد عن المعاصي، وترك زخارف هذه الدنيا وكبح جماح النفس.
يقول ابن عبد ربه ذاماً الدنيا:
هي الدار ما الآمال إلا فجائعٌ عليها ولا اللذات إلاّ مصائب
فلا تكتمل عيناك منها بعبرةٍ على ذاهب منها فإنك ذاهب
ويقول ابن حمديس ناصحاً نفسه في الكف من المعاصي:
وعظت للمتك الشائبة وفقد شبيبتك الذاهبة
وسبعين عاماً ترى شمسها بعينيك طالعة غاربة
فويحك هل عبرت ساعة ونفسك عن زلةٍ راغبة
ويقول محي الدين بن عربي متحدثاً عن الحب الإلهي:
سرائر الأعيان، لاحت علي الأكوان – للناظرين
والعاشق الغيران، من ذاك في حرّان ، بيدي الأنين.
8- الوصف:
لم يخصص الشعراء الأندلسيون الوصف بقصائد مستقلة، وإنّما ظهر هذا الوصف في الأغراض الشعرية الأخرى، وأكثر ما وصف الأندلسيون الطبيعة المحيطة بهم ، ومظاهر العمران وقصور الخلفاء والجيوش والأسلحة والسفن يقول ابن هانئ في وصفه لأسطول المعز لدين الله :
أقاد الجواري المنشآت التي جرت لقد ظاهرتها عدّةٌ وعديد
قبابٌ كما تزجي القباب على المها ولكنّ من ضمَّت عليه أسودُ
عليها غمام مكفهرٌ صبره له بارقاتٌ جمةٌ ورعودُ
9- الطبيعة:
انبهر العرب بجمال الطبيعة الأندلسية، ووقفوا مشدوهين أمام سحرها الذين بدا كأنه قطعة من الجنة، فوصفوها قائلين: (ابن خفاجه).
يا أهل أندلسٍ لله درّكم ماءٌ وظلٌّ وأنهارٌ وأشجارُ
ما جنة الخلد إلاّ في دياركم ولو تيخيَّرت هذا كنت أختارُ
لا تختشوا بعدها أن تدخلوا سقراً فليس تدخل بعد الجنّة النارُ
كما بوصف الأندلسيون الطبيعة المصطنعة من قبل الملوك والزعماء كقصر المنّصور، وحديقة القصر والأسود التي أقعت على أدبارها. (ابن حمديس)
وضراغم سكنت عرين رئاسةٍ تركت خرير الماء فيه زئيراً
وتخالها والشمس يجلو لونها ناراً وألسنها اللواحس نورا
فكأنما سلَّت سيوف جداولٍ ذابت بلا نار فعدن غديرا
ومن ذلك وصف الغروب لابن سهل الأندلسي الذي يذكرنا بوصف الغروب عند ابن الرومي:
انظر إلى لون الأصيل كأنه لا شك كون مودّع الفراق
والشمس تنظر فوه مصفرة قد خمَّشت خداً من الإشفاق
لا قت بخمرتها الخليج فألّفا خجل الصبا ومدامع العشاق
سقطت أوان غروبها محمره كالخمر خرّت من أنامل ساقٍ
ومن ذلك ما صنعه ابن زيدون في مزج الطبيعة بالغزل قائلاً:
يا نسيم الصبا بلّغ تحيتنا من لو على القرب حياً كان يحيينا
10- الشكوى والاستعطاف :
وهو الشعر الذي زفر به أصحاب المحن من الملوك والوزراء ممن أنزلهم الدهر على حكمه، وجعلهم في المكانة الحضيضة كما حصل مع المعتمد بن عبّاد الذي خلعه يوسف بن تاشفين واقتاده إلى سجن أعماق فقال شاكياً:
فيما مضى كنت بالأعياد مسروراً فساءك العيد في أغمات مأسوراً
كرى بناتك في الأطمار جائعة يغزلن للناس لا يمكن قطميراً
يطأن في الطين والأقدام حامية كأنها لم تطأ مسكاً وكافوراً
11- الشعر التعليمي:
وقد كتب هذا الشعر لتعليم العلوم وتسهيل حفظها ومن ذلك أرجوزات من العروض والتاريخ لابن عبد ربه، والرائية للشاطبي في القرآن ورسم المصاحف.
12- شعر الحنين والشوق:
وقد استغرق هذا النوع كثيراً من طاقات الأندلسيين وخاصة في الرحلة الأولى لهم، فهذا عبد الرحمن الداخل يحن إلى المشرق قائلاً:
يا أيّها الراكب الميمم أرضي أقر من بعضي السلام لبعضي
إنّ جسمي ومالكيه بأرضٍ وفؤادي وساكنيه بأرض
قدّر البين بيننا فافترقنا وطوئ البين عن جفوني فمضي
كما وأنّ الأندلسيين حنوا إلى أطفالهم كما صنع ابن حمديس حاناً إلى أطفاله في المغرب:
وفرحٍ صغيرك لا نهوض كمثله يراطن أشكالاً ملاقطها صفرُ
يظنّ أباه واقعاً ماذا أبى وقوعاً عليه شبَّ في قلبه جمرٌ
من ذلك الحنين على الديار، وكما في قول لسان الدين بن الخطيب متذكراً زمان الأحبة في الأندلس بعد أن نفي إلى المغرب :
جادك الغيث إذا الغيث همي يا زمان الوصـل بالأندلـس
لم ينكن بوصـلك إلاّ حلمـا في الكرى أو خلسة المختلس
ومن ذلكما كتبه ابن زمرك حاناً إلى غرناطة:
الله حسبي لكم أقاسي من وحشة الصّحب والبنين

هـ- شواعر الأندلس :
نظراً لازدهار الحياة الاقتصادية والاجتماعية فقد نالت المرأة في الأندلس مكانة مرموقة حيث برزت جملة من نساء الأندلس كنَّ ينافسن الرجال ، ومن هؤلاء النسوة و الشواعر الشاعرة الشلبية التي كتبت إلى السلطان يعقوب المنصور تتظلم من ولاة بلده :
نادِ الأمير إذا وقفت ببابه يا راعياً إنّ الرعية فانية
أرسلتَها هملاً ولا مرعى لها نهبَ الشِّباع العادية
وهي تذكرنا بشكوى أبي العتاهية والراعي النخيري.
ومن الشواعر أيضاً حفصة الركوتية وهي من ذوات الحسب والجمال والأدب والشعر، كانت منافسة لولادة بنت المستكفي ولها من الشعر اللطيف والرقيق ما يذهل ، ومن الشعر الفاحش ما يخجل من ذلك قولها:
أزوركَ أم تزورُ فإنّ قلبي إلى ما تشتهي أبداً يميل
معجّل بالجواب فما جميلٌ إباؤك عن بثينة يا جميل
ومن الشاعرات الأندلسيات مريم الأنصارية وهي اشبيلية محتشمة تعتز بدينها وفضلها وتعلم الناس الأدب ، ومن شعرها تشكو الشيخوخة :
وما يرتجى من بنت سبعين حجةً وسبع كنسج العنكبوت المهلهل
تدبُّ دبيب الطفل تسعى إلى العصا وتمشي بها مشي الأسير المكبَّلِ







الفصل الثاني
سمات النثر وأعراضه
في العصر الأندلسي
أ‌- مقدمة:
إذا كان الأندلسيون قد ترسموا خطا المشارقة في حياتهم الاجتماعية والأدبية ، فمن الطبيعي أن يكون النثر الأندلسي محاكياً لنثر المشارقة من حيث الفنون والأغراض.
إذا أن هؤلاء الأندلسيين لم يكتبوا نثراً ارتقى إلى مستوى النثر العباسي قبل القرن الرابع الهجري , كما أنهم لم يستحدثوا لأنفسهم مذهباً جديداً في الكتابة معتمدين على عدم الإكثار من المحسنات البديعية إلا في عهد ملوك الطوائف , وبقيت الأنواع الأدبية والأغراض الأدبية أسيرة لمنهج المشارقة من حيث استخدام الأمثال والاقتباس من القراءن الكريم , والعناية بالسجع .
ب‌- ومن الأنواع الأدبية التي كتب بها الأندلسيون :

1-الخطابة الأندلسية :
وقد احتل هذا الفن من اللحظة الأولى التي دخل فيها العرب الأندلس مكانة مرموقة، والغرض عند الأندلسين من الخطبة كما هو عند المشارقة يتمثل في إيقاظ نار الحماسة وبث روح الجهاد ، ونشر الدين وإخضاع الأقاليم حيث تمثل الأمراء والحلفاء فصاحة اللغة وعمق البيان واتسمت هذه الخطبة بالسمات التالية:
آ- سهولة العبارة . ب- البعد عن السجع.
ج- الجريان مع الطبع. د- القدرة على التأثير.
هـ- الايجاز والبلاغة. و- وضوح المعاني.
"الوليد بن عبد الرحمن بن غانم- عبد الله الفخّار- القاضي أبو الحسن منذر بن سعيد البلوطي".
2-فن الترسل الأندلسي:
كما ترسم الأندلسيون خطا المشارقة في الخطابة، حذوا حذوهم في فن الترسل فكتبوا رسائلهم تبعاً للأحوال السياسية والاجتماعية والأدبية وقد برز لديهم نوعان من الرسائل:
الأول: الرسائل الديوانية: وتختص بمكاتبات الملوك والأمراء وما يتعلق بشؤون الخلافة من عزل أو تعيين حاكم أو إصدار مرسوم.
الثاني: الرسائل الأدبية: وقد برع فيها الأندلسيون واحتوت على المناظرات والمناقشات والقصص الخيالية ، ورسائل الاستعطاف والهجاء الساخر ابن زيدون في رسالته (الجدية والهزلية).
وكتب في المناظرات بين السيف والقلم (ابن برد الأصلع، وكتب رسالة (التوابع والزوابع) لابن شهيد.
وأهم ما كتب في الفلسفة (حي ابن يقظان) لابن طفيل.
3- التأليف والتصحيف الأندلسي:
وقد اتسعت أبوابه عندما توفقت ينابيع العلم والثقافة عندما بدأ الأندلسيون يؤطرون للعلوم الطبيعة والفلسفة.
فكتب ابن سيده كتاب (المخصص) في معاني الألفاظ، وكتب الزهراوي في الطب والصيدلة (التنضيف) وصنف ابن حزم (طوق الحمامة) في فلسفة الحب، وكتب لسان الدين بن الخطيب (الإحاطة في تاريخ غرناطة) وكتب الأدريسي في الجغرافيا (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) وابن بسام الأندلسي (الذخيرة في محاسن الجزيرة) وكتب ابن عبد ربه في الأدب (العقد الفريد). وكتب ابن عصفور في فن الصرف.


الفصل الثالث
أبرز أعلام الأدب الأندلسي
إذا كان الأدب الأندلسي فم يعدُ أن يكون امتداداً لأدب المشارقة فإنه قد برز فيه مجموعة من الشعراء والأدباء تركوا أثراً بارزاً في الحياة الثقافية الأندلسية والعربية وبقيت أسماؤهم أعلاماً متميزة كابن هانئ وابن شهيد وابن خفاجة والمعتمد بن عباد ولسان الدين الخطيب.
آ- ابن هانئ:
علمٌ من أعلاف الأدب الأندلسي، ولد في اشبيلية عام (326هـ) وتوفي في مخموراً مقتولاً في المغرب العربي عام (362هـ) ولم يتجاوز السادسة والثلاثين .
كان ميالاً إلى اللهو والمجون والزندقة والتمذهب بمذهب الفلاسفة، التقى بحاكم اشبيلية فأكرمه، ولكن أهلها سخطوا عليه فأشار عليه أميرها بالنزوح لينسى خبره فهاجر إلى المغرب واتصل بجوهر الصقلي قائد المنصور الفاطمي وقرّبه المعز بن المنصور وطلب منه جوهر أن يلتحق بمصر، فوجد مقتولاً في اليوم التالي.
ويعد من شعراء الطبقة الأولى، ترسم خطا المتنبي وأكثر من وصف الجيوش والمعارك واعتمد على تغليب اللفظ على المعنى مشبهه المعري(برحىً تطحن القرون) ألفاظه فيها قعقعة، تكلّف الصنعة البديعية والتوشية في شعره واستعمل الجناس، ولم يصور البيئة الأندلسية بل لجأ إلى تقليد شعراء الجزيرة من ذلك قوله:
أما والجواري المنشآت التي سرت لقد ظهرتها عدّةٌ وعديد
قبابٌ كما تزجى القباب على المها ولكنّ من ضمّت عليه اسود
ومن ذلك قوله في المعز لدين الله الفاطمي:
ما شئت لا ما شاءت الأقدارُ فاحكم فأنت الواحد القهار
فكأنّما أنت النبي محمد وكأنّما أنصارك الأنصار
ومن رثائه قوله:
إنا وفي آمال أنفسنا طولٌ وفي أعمارنا قصرُ
لنرى بأعيننا مصارعنا لو كانت الألبابُ تعتبرُ
ب- ابن شهيد الولادة (382هـ):
ولد أحمد بن أبي مروان بن شهيد في أسرة شريفة في مدينة قرطبة، وقد كان كاتباً وشاعراً،طريف المعشر، يهوى النكتة والدعابة، ويحب مجالس الأنس قرّبه إليه حاكم قرطبة المؤتمن، كتب في المدح والوصف والغزل، له باع طويل في النثر فقد كتب رسائل عدة في الحلواء ورسالة في وصف البرد والنار وأهم رسائله (التوابع والزوابع) كتبتها على غرار رسالة الغفران للمعري وقد امتاز شعره ونثره ببراعة الأسلوب وسعة الاطلاع والميل إلى القصص والفكاهة و شاكل في شعره الجاحظ وابن المقفع، واتسم نثره بالسجع توفي عام (426هـ).
ج- المعتمد بن عباد:
أشهر ملوك الطوائف، والده المعتضد بالله ولد عام (431هـ) وتولى ملك اشبيلية عام (461هـ) استوزر ابن عماد الشاعر وأكرم الأدباء والعلماء وبلغ مكله إلى مرسية.
استنجد بيوسف بن تاشفين بعد أن هدده ألفونس السادس فدخل ابن عاشفين الأندلس وطرد القشتاليين وضم الأندلس إلى ملكه، وسجن المعتمد في سجن (أغمات) قرب مراكش.
توفي المعتمد في السجن عام (488هـ).
اتخذ الشعر أداة للتعبير عن مشاعره، فوصف الطبيعة والخمر والملاهي، وكتب في الغزل، وأحبّ المعتمد (اعتماد الرميكية) وتزوجها وعاش أيامه الأخيرة شجيناً في أغمات كما عاش أبو فراس سجيناً في (خرشنة).
كانت أشفاره زافرات متقطعة من ذلك قوله:
غريبٌ بأرض المغربين أسير سيبكي عليه منبر وسرير
مضى زمنٌ والملك مستأنس به وأصبح منه اليوم وهو نفوز
د- ابن خفاجة:
ولد ابراهيم في جزيرة (شُقر) البلنسية عام 454هـ.
وعاش في أيام ملوك الطوائف يمكن على اللهو وكتب شعراً ونثراً في المدح والرثاء والشكوى والوصف وأولع بجمال الطبيعة الأندلسية وقد شخّص هذه الطبيعة فأحالها إلى نفوس ذات إحساس تنطق وتشكو. من ذلك قولي في وصف الجبل:
وأرعن طماح الذوابة باذخ يطاول أعنان السماء بغارب
وقورٌ على ظهر الفلاة كأنّه طوال الليالي مفكر في العواقب
أسخط إليه وهو أخرس صامتٌ ليل السرى العجائب
وقد قلّد ابن خفاجة في نثره ابن العميد وبديع الزمان الهمذاني والتزم السجع والمحسنات اللفظية:
هـ- لسان الدين الخطيب:
ولد محمد بن عبد الله بن سعيد السلماني في غرناطة (713هـ) وأكبّ على العلم وصاحب العلماء والأدباء فدرس اللغة والأدب والفلسفة والطب وعمل وزيراً لأبي الحجاج يوسف ملك غرناطة ثم لابنه.
اتهمه حسّاده بالزندقة، وقتل في سجن فاس ومن مؤلفاته (الاحاطة في تاريخ غرناطة) وفي (الحلل المرموقة) وكتاب الأعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام، (اللمحة البدرية في الدولة النصرية) وكتاب (ريحانة الكتاب وبخعة المنتاب). وقد كتب في التصوف والموسيقا والطب وشغف بأسلوب المجاز والبديع ومال الزخرف في كلامه له ديوان إن شعر يحتوي موشحات منها:
جادك الغيث إذا الغيث هما يا زمان الوصل في الأندلس
لم يكن وصلم إلا حلماً في الكرى أو خلسة المختلس

الفصل الرابع
الموشحات الأندلسية
اختلف الدارسون في فن الموشحات، فاعتبره البعض رديفاً الترابتور، وعزاه البعض الآخر إلى أصول عربية تنطلق من النشيد الذي استقبل به أهل المدينة المنورة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في ثنية الوداع ونسبة البعض الآخر لابن المعتز العباسي.
آ- معنى الموشح:
لغة: الوشاح: الثوب أو القلادة التي تتشح به الفتاة ويكون مرصعاً بالجواهر ويشد من بين العاتق والخصر .
اصطلاحاً: كلام منظوم على أوزان مخصوصة مخالفة لبحور الخليل، وقد جمع ابن سناء الملك في كتابه (دار الطراز) حوالي مئة وثمانين وزناً.
نشوء الموشحات:
ب- نشوء الموشحات:
نظراً لوجود الطبيعة الجميلة وانتشار اللهو والغناء فقد نشأ على ألسنة العامة لون جديد من الشعر الغريب المنوع القوافي والقريب من الزجل، وقد بقي هذا الفن مسموماً لا مكتوباً حتى جاء الدارسون فأطروه في الكتب وقد اختلف الأقدمون في نسبة هذا اللون من الشعر إلى محمد بن محمود القبري الضرير، ومقدم بن معافى، ولم يذكر لهذين الرجلين شأن حتى جاء عبادة بن ماء السماء فجعل الموشحة فناً قائماً بداية له أسسه وتقاليده.
ج- البنية الفنية للموشحات:
اعتمد الموشح على مجموعة أوزان وأقفال وأغصان وأدوار وخرجه، وأوزان الموشحات إمّا على أوزان العرب و إمّا على أوزان جديدة واعتبر الدارسون أن الموشحات التي ليست على أوزان العرب هي الأفضل مثال على ذلك .
صبرت والصبر شحية العاني ........ ولم أقل للمطيل حجراني
ررررر معدّ بي كفاني .
ومما جاء على أوزان العرب قول ابن سناء الملك:
كلِّلي
يا سحب يتجان الرُّبا
بالحلي
واجعلي
سوارها منعطف
الجدول
ويمكن تقسيم الموشحات إلى خمسة أقسام:
القسم الأول: الموشح الموزون على طريقة الشعر التقليدي.
القسم الثاني: الموشح الخارج عن الوزن الخليلي بكلمة أو حركة.
القسم الثالث: الموشح المشترك في اكثر من وزن
القسم الرابع: وزن على عبر الأوزان الخليلية.
القسم الخامس: ما ليس له وزن ويدرك وزنه بالتلحين .
أما القفل فهو اللازمة التي تتكرر في المقطع ، وأما الفطين فهو الوحدة الثانية في الموشح وتتكرر عدة مرات وأما الدور فيأتي متألفاً من القفل والعضن، وأما الخرجة فهي القسم الأخير في الموشح.
هـ- أغراض الموشحات وقيمتها:
استوعب فن الموشحات قسماً من أغراض الشعر العربي كالغزل والرثاء والفخر والمجون والزهد والوصف والخمرة وتأتي قيمة هذه الموشحات من كونها ثورة على الشعر العربي تبحث عن التجديد في النقاط التالية:
1- التحرر من رتابة الأوزان إلى تنويعها.
2- استعمال اللغة العذبة والعبارات الغنائية.
3- الاحتفاء بالزخارف والهندسة البيانية والبديعية .
4- التجديد في الشكل والمضمون.

الفصل الخامس
ابن زيدون (394هـ- 463هـ)
آ- معالم شخصيته:
ولد ابن زيدون في قرطبة لوالد هو أحمد وجوه الفقهاء، فتثقف ثقافة جعلت ملكته الشعرية تستحكم .وهو في العشرين.
انحاز إلى ابن جهور في الفتنة التي دارت ضد الأمويين وأصبح وزيراً في قرطبة، ثم يقي سفيراً بينه وبين ملوك الأمويين حتى وفاته.
تردد في مقتبل شبابه على منتدى ولادة بنت المستكفي فأعجب بها وأعجبت به، وجرت بينه وبين ابن عبدوس منافسات حول ولادة فكاد له ابن عبدوس عند ابن جهور فاتهم بالخيانة وتدبير المؤامرات ونزع السلطة عنه وسجن ابن زيدون ثم فرّ من السجن، وبقي متوارياً إلى أن توفي ابن جهور، وخلفه ابنه الوليد فاستوزره ولكنه خشي انقلابه عيه فتركه وطاف في الجزيرة الأندلسية ، فاستوزره المعتضد بن عباد، ثم ابنه المعتمد، وتوفي في فتنة ثورة اشبيلية على اليهود، بعد أن مرض أثناء سفارية لإخماد هذه الثورة ودفن في اشبيلية.
ب- الأغراض الشعرية:
كتب ابن زيدون معظم شعره في المديح والرثاء والغزل والشكوى
1ً- الغزل:
كتب معظم شعره الغزلي ولادة بنت المستكفي ذلك أنه أحبها وتعلق بها تعلقاً شديداً، وأمضى أيامه مسترضياً إياها وهي التي كانت تقول:
أنا والله أصلحُ للمعالي وأمشي مشيتي وأتيه تيهاً
وقد تلّون غزله بها بألوان الإشراق حيناً و البهجة والسرور حيناً آخر والحزن واليأس تارة ثالثة وأكثر ما أّر في نفسه القطيعة . المرة عنها والتي أورثته حزناً بليغاً، فكان يظهر الحزن في قصائده التي يرسلها لها:
أضحى التنائي بديلاً من تدانينا وناب عن طيب لقيانا تجافينا
يا ساري البرق غاد القصر واسق به من كان صرف الهوى والودِّ يسقينا
ويا نسيم الصَّبا بلّغ تحيتنا من لو على البعد حيّاً كان يحيينا
فهي المنبع لغزل ابن زيدون، فمعظم ما قاله الشاعر في هذه الدائرة، ولم يعهد من الشاعر أنه كتب غزلاًَ في غيرها .
2ً- الوصف:
فياأتي هذا الغرض عند ابن زيدون من خلال حديثه عن ولادة إذ نجد الشاعر يصور لنا صداقته مع الطبيعة، وصداقة الطبيعة له وابتهاجها لحبه أحياناً، وحزنها على فراقه لولادة أحياناً أخرى, والطبيعة الأندلسية مواتية لذلك فهي تملك عناصر الرقة والجمال والافتتان. يقول ابن زيدون متغنياً بأيام الحبّ التي قضاها مع ولادة في حدائق الزهراء الساحرة:
إني ذكرتك بالزهراء مشتاقاً والأفق طلق ووجه الأرض قد راقا
وللنسيم اعتلالٌ في أصائله كأنّه رقّ لي فاعتلَّ إشفاقا
نلهو بما يستحيل العين من زهر جال الندى فيه حتى مال أعناقا
وردٌ تألق في ضاحي منابته فازداد منه الصخر في العين إشراقا
3ً- المديح:
وقد كتب ابن زيدون المديح كغيره من شعراء الأندلس استعطافاً وإبرازاً لعظمة ملوك الأندلس، ومن ذلك مديحه لابن بهور عندما كان سجيناً لديه:
إن طال في السجن إيداعي فلا عجبٌ قد يودع الجفن حدُّ الصارم الذّكر
وإن يثبِّط أبا أتحزم الرِّضا قدر عن كشف ضري فلا عتب على القدر
من لم أزل تأنّيه على ثقة ولم أبت من تجنبه على حذر
وزير سلم كفاه يمن طائرة شؤم الحروب وأريٌ محصد المرر
4ً- الشكوى:
هو عرض كتب فيه ابن زيدون متذمراً مما حلَّ به بالسجن واقصائه عن الوزارة وتحول قلوب الملوك عنه، وقدكان الشعر متنفساً له.
من ذلك سيتيه العروفه
ما على ظني بأس يجرم الدهر ويأسو
ج- نظرة عامة في شعر ابن زيدون:
ظهر ابن زيدون كشاعرٍ من أهم شعراء الأندلس، ولقب بـ (بحتري المغرب) ساعده على ذلك نشأته في بيت علم إذ اعتنى والده بتربيته اعتناءً كبيراً، فكانت شخصية ابن زيدون السياسية والفكرية والأدبية متألقة.
استمد شاعرنا أفكاره من موردين أساسيين.
الأول: اطلاعه على الثقافة المعاصرة له.
الثاني: التجارب المستمدة من أحداث عصره.
وقد تلونت أفكار الشاعر بألوان شخصيته فجاء شعره متصفاً بالصفات التالية:
1- عذوبة الأسلوب 2- حلاوة التعبير
3- حلاوة الموسيقا 4- رشاقة الصورة
5- التنسيق في فنون البديع (الترصيع – المقابلة)
6- ترتيب الألفاظ وتنسيق الجمل في بوح واحدة.
7- التمهيد.

الوظيفة:
ادرس نصاً من نصوص ابن زيدون مطبقاً عليه الصفات التي تميز بها ومحاولاً التفرع على الصفات نفسها عند البحتري (مع الشواهد المناسبة).




























الباب الثالث
أدب عصر الانحدار(عصر الدول المتتابعة)
الفصل الأول
أولاً: الأحوال السياسية والاجتماعية والثقافية :
بدأت الخلافة العباسية بالتقهقر والتراجع بعد أن استحكمت سيطرة الموالي والمحاليك الذين تربوا على أيدي الخلفاء وأخذوا يتسللون إلى مناصب الدولة العليا إلى أن أصبحوا يتصرفون بمقدرات الأمة حيث استقلت بعض الأقطار عن جسم الخلافة واشتعلت نعرات كانت معاول هدم لهذه الخلافة ، وزاد على ذلك الزحف الصليبي المملوء بالحقد والبغضاء والذي اشتاح المدن وأزهق الأرواح بالإضافة إلى ما صنعه المغول والتتار والقادمون من هضبة التيبت والذين زحفوا على أرض العراق والشام كجموع الجراد فالتهموا كل ما اعترض طريقهم بعد أن اجتاح هولاكو مدينة بغداد أربعين يوماً نهب فيها المدينة وانتهكت الأعراض وألقيت ثمرات الفكر والثقافة والحضارة والعلم في دجلة الذي جرى ماءه ثلاثة أيام مصبوغاً بالمداد الأسود ، وقد كان عام (656هـ) إذاناً بسقوط الخلافة العباسية ثم تقدمت جموع التيار واستولت على حلب بالقوة ثم على حمص وحماة وعلى دمشق صلحاً حين هزم التيار بعد معركة طاحنة ، وأسس قطز في مصر والشام دولة قوية وصمد أمام غارات الفرنجة وهزم التتار مرتين أخريين عام(671هـ) وعام(675هـ)واستقدم أحمد بن الظاهر العباسي الذي كان والده آخر الخلفاء العباسيين ، وبايعه بالخلافة، وبقي المماليك يحكمون مصر والشام حتى عام(923هـ) إلى أن استولى العثمانيون على مصر وقتلوا ملكها ثم قام السلطان سليم الأول بخلع المتوكل على الله الخليفة العباسي ثم أخذ منه راية الجهاد وبردة الخليفة ثم امتد سلطان العثمانيين إلى العراق والحجاز واليمن وتونس والجزائر وبقي العثمانيون يحكمون البلاد العربية منذ عام(1517م) إلى عام(1916م) إلى أن تقاسم الأوروبيون الوطن العربي في معاهدة سايكس بيكو وقد اتسم المجتمع العربي في عصور الدول المتتابعة التي تزعمها المغول والمماليك والبربر والعثمانيون بسمات القلق وعدم الاستقرار وانتشار الطوائف والملك والنحل، والاستكانة لظلم الحاكم الذي أصبح أمره لايخالف مطلقاً.
سمات المجتمع العربي في العصر المملوكي:
1- اعتزال العرب الأمور السياسية والحربية.
2- انصرفوا إلى الزراعة والصناعة والعلم والأدب.
أما المماليك فقد تميزوا بالصفات التالية:
1- السيطرة على البلاد بالقوة ونشر الدسائس .
2- الاعتماد على الكتاب والعلماء في تنظيم أمور الدولة.
3- أبقوا اللغة العربية لغة الدولة الرسمية.
4- بناء المدارس والمساجد والمكتبات.
5- ساعدوا على ازدهار الحركة التأليفية.
وقد كان الذوق العام لهذا العصر أدبياً يعتمد على الصنعة البيانية والبديعية.
سمات المجتمع العربي العثماني : بقي العرب في هذا الدور :
1- بعيدين عن الحياة السياسية والحربية .
2- التوجه نحو الأعمال الزراعية والصناعية.
أما العثمانيون فقد تميزوا بما يلي:
1- حرمان مصر والشام من الاستقلال .
2- قضاء العثمانيين على حضارة مصر.
3- نقلوا إلى عاصمتهم القسطنطينية العلماء والصناع والمهندسين وخزائن الكتب.
4- ألغى العثمانيون في نهاية دورهم اللغة العربية وأحلّوا محلها اللغة التركية.
أما في الجانب الأدبي فقد ضعف ذوق الأدباء وازداد اهتمامهم بالصنعة البديعية والبيانية وتفشت ألفاظ دخيلة على اللسان العربي في نظم الإدارة والجيش.




























الفصل الثاني
الشعر في عصر الانحدار
1ً- أبرز الشعراء:
رسم الشعراء في هذه العصور الواقع الاجتماعي والسياسي الذي عاشه الناس إبّان ذلك ،ولكن اهتمام المماليك بالجيش وانصرافهم عن إكرام الشعراء جعل الكثير منهم يشكو الفقر ويتحول إلى مهن وحرف يقتات منها طعامه فكان منهم الدهّان والجزّار والكمّال والحماميّ، والنزر اليسير منهم من يعيش من الكتابة . وقد أسرف الشعراء في استخدام العامية والألفاظ الصريحة ، وكتبوا في الفنون الشعبية ، ومع ذلك فقد برز منهم شعراء أفذاذ منهم:
1-شرف الدين الأنصاري (عبد العزيز بن محمد الدمشقي )
الذي ولد في دمشق سنة (586هـ) وسكن مدينة حماة إلى أن توفي فيها سنة (662هـ) توثقت صلته بالأسرة الأيوبية ، وتقلد بعض المناصب ووحد الصلات بين ملوك مصر وملوك الشام . كان شاعراً وفقيهاً، كتب في المديح والغزل والزهد ومناسبات التهنئة، يمتلك طبعاً سليماً، يبتعد عن التعقيد، اهتم بالتورية ووصفه الصفدي بالجزالة والفصاحة والبلاعة.
مدح المنصور الثاني ملك حماه الذي اشترك مع قطز في قتال التتار:
دعت العدا فضمنت ثلَّ عروشها ولقيتها فأخذت فلَّ جيوشها
2- الشاب الظريف: (شمس الدين بن عضيف الدين التلمساني)
الذسي ولد في القاهرة عام (611هـ) ونشأ في دمشق ومات فيها شاباً.كان أبوه شاعراً أورثه مرض الشعر وكان الشاب الظريف معروفاً بالعبث والمجون والغزل والاهتمام بالبديع ومناظر الطبيعة من خلال إقامته بمنزل يقع على سفح قاسيون.ارتقي قمة المجد الأدبي ولقي شعره رواجاً لسهولته وعذوبته، كتب في المدح والغزل والخمريات.كان غزله تقليد للشعراء السابقين له، من ذلك قوله في منزله:
يا قطر عمّ دمشق واخصص منزلاً في قاسيون وحله بنبات
وتريخي يا ورق فيه ويا صبا مرِّي عليه بأطيب النفحات
3- الشهاب محمود:
ولد الشهاب محمود بن سلمان الحنبلي في حلب عام (644هـ) وعكف منذ طفولته على طلب العلم ولقي مشاهير العلماء فهم ابن مالك، وبرع في الأدب وتضلّع في الفقه وفاق أقرانه، كان هادئ الطبع، جمّ التواضع، ولّي ديوان الإنشاء في دمسق، وكتب لدواوين مصر له تصانيف كثيرة، يعد شعره سجلاً لانتصارات المسلمين على الفرنجة والتتار من ذلك مدحه للسلطان الممولكي المنصور قلوون:
الله أكبر هذا النصر والظفر هذا هو الفتح لا ما تزعم السِّير
غر العدا منك حلمٌ تحته همم لأشقر البرق من نجميلها غرر
توفي الشهاب عام (725هـ) .
4- صفي الدين الجلّي:
ولد الشاعر عبد العزيز بن سرايا في مدينة الجلَّة بالعراق وهاجر إلى ماردين بعد أن تأدّب في الجلّة، فنظم الشعر فيها وأصبح شاعراً للدولة الأرتقية، ثم انتقل إلى مصر والتقى بالسلطان الناصر محمد بن قلوون وحدحه بقصيدته التي مطلعها:
أسلبن من فوق النهود ذوائباً فتركن حبّات القلوب ذوائبا
وهي معارضة لقصيدة المتنبي التي مطلعها:
بأبي الشموس الجانحات غورابا اللابسات من الحرير جلاببا
ثم عاد إلى ماردين وتوفي في بغداد، وله ديوان شعر مقسم حسب فنون الكلام في أحد عشر باباً من ذلك قوله واصفاً الربيع:
خلع الربيع على غصون البان حُللاً فواضلها على الكثبان
وتنّوعت بسط الرياض فزهرها متباين الأشكال والألوان
وكأنّما الأغصانُ سوق رواقص قدقيِّدت بسلاسل الرّيحان
5- ابن نباتة المصري:
ولد جمال الدين محمد بن محمد المصري عام (686هـ) في القاهرة وتوفي فيها عام (768هـ) وتمرّس بالكتابة على أيدي رؤساء الدواوين في القاهرة، ثم رحل إلى الشام واتصل بالملك المؤيّد صاحب حماه، وله قصائد في المدح والرثاء والغزل والوصف والهجاء والتهنئة و التعزية، وكان متبرماً من الفقر الذي حلّ به أغرم بالصناعة البديعية، وعدّ أمير الأدباء فيها من ذلك قوله في الملك المؤيّد:
وقد أمنتنا دولة ذويّة فما نختشي اللأواوك نتخسَّعُ
رعى الله أيّام المؤيّد إننا وجدنا بها أهل المقاصد قد رعوا
2ً- أبرز أغراض الشعر في عصر الانحدار:
كتب الشعراء في هذا العصر في معظم أغراض الشعر العربي وأضافوا ما استجد في عصرهم من قضايا أخرى، وأهم هذه الأغراض:
1- الممارسة والنضال:
وهو غرض كان له من الأهمية المنزلة العظيمة بسبب صراع العرب المسلمين مع الفرنجة والتتار إذ أن الشعراء حملوا على عاتقهم مهمة تحميس الجند من أجل الجهاد والنضال، وكانت المعارك التي وقعت بين المسلمين من جهة والتتار والصليبين من جهة ثانية مادة حية لهذه الأشعار والتصفح لشعر الجهاد والنضال في هذا العصر يجد كماً كبيراً من الأشعار بعضها يبكي سقوط الخلافة، وبعضها يدعو إلى الجهاد من أجل استعادتها من ذلك قول تقي الدين اسماعيل التنوخي:

لسائل الدمع عن بغداد أخبارُ
فما وقوفك والأحباب قد ساروا
تاج الخلافة والربع الذي سرُفت
به المعالم قد عفّاه إقفارُ
ومن ذلك أيضاً قول شهاب الدين محمود الكوفي:
إن لم تقرح أدمعي أجفاني من بعد بعدكم فما أجفاني
إنسان عيني مذ تناءت داركم ما راقه نظر إلى إنسان
وإذا كان الزنكيون والأيوبيون قد تولوا عبء الصراع مع الفرنجة ، فإن المماليك قد تولوا عبء الدفاع ومنزلة المغول ، وقد استطاع الملك المملوكي قطز أن يقضي على المغول ويردّ زحفهم بعد أن احتلوا حلب وحماة ودمشق ، وقد قام قطز بقتل رسل المغول الذين جاؤوا يدعونه إلى الاستسلام ، وكانت عين جالوت المعركة الحاسمة إذا اعتبرت من أهم معارك المسلمين ، ووصنعت في مصاف معركة اليرموك و القادسية والزلاقة، ومن الشعراء الذين قللوا في تلك الفترة الشاعر شرف الدين الأنصاري في مدح المنصور الثاني:
جرّدت يوم الأربعاء عزيمة خفيت عواقبها عن الإدراك
وأقمت في يوم الخميس مبالغاً في الجمع بين طوائف الأتراك
قعّدت أبطال التتار بصولةٍ تركهم كالصّيد في الأشراك
وهذا ايضاً على الفرنجة و المغول، وقد قضى في إحدى المعارك على ثلاثة آلاف منهم وذلك في الجزيرة (671هـ) :
سر حيث شئت لم المهيمن جار واحكم فطوع مرادك الأقدار
حملتك أمواج الفرات ومن رأى بحراً سواك تقله الأنهار
وقد فتح المماليك بعد الظاهر بيبرس بزعامة المنصور قلاوون طرابلس الشام، وبناها من جديد بعد أن خربها التتار وفتحت عكة من قبل الأشرف خليل ابن منصور قلاوون.
ولمّا هاجم الفرنجة الاسكندرية عام (767هـ) وأسروا ونهبوا وقتلوا قسماً كبيراً منها، رثى لشهاب الدين ابن مجلة هذا الثغر قائلاً:
أتاها من الإفرنج سيون مركباً وضاقت بها العربان في البرّ والبحر
أتوا نخوها هجماً على حين غفلة وباعهم في الحرب يصر عن فتر
وقد صور شعر الحماسة الأحداث العامة في ذلك العصر وعبّر عن الآلام والآمال واتجه نحو التصنع والتلاعب اللفظي، وقد كان شعراء ذلك العصر يشعرون بالغربة عن أوطانهم بينما الحكام يعيشون بازدواجية، مع أن العواطف في شعر ذلك العصر كانت صادقة بسبب الأحداث الجسام.
وأهم الصفات المشتركة بين قصائد ذلك العصر:
1- الإشادة بالفتح والفاتحين.
2- جعل عمل الفاتح خالصاً لله.
3- التهنئة بالنصر.
4- وصف فرح الناس بالنصر.
5- تصوير المدن المفتوحة.
6- وصف المعارك حول القلاع.
7- التأكد والتأكيد على إبادة الأعداء.
8- التفاؤل بانتصارات جديدة.
9- قفل القصيدة بالدعاء والثناء.
2- المديح:
ويتضمن هذا الغرض أنواع عدة:
آ- المدائح النبوية: وهي قصائد قيلت في مدح الرسول محمد عليه السلام وآل بيته، وقد ساعد على ظهورها العوامل التالية:
1- اضطراب الأحوال السياسية
2- سوء الأحوال الاجتماعية
3- قلة الموارد الاقتصادية
4- تكالب الطامعين بالأمة وخيراتها.
وقد دفعت هذه العوامل الناس إلى الالتصاق بالدين والاستشفاع بالرسول لتفريج الكرب، وقد غذّي المماليك اتجاه الاحتفالات الدينية مما جعل هذا اللون من أنشط الألوان الأدبية.
وقد ذكر الشعراء معاني لهذه المدائح منها: أخبار الرسول – صفاته ومعجزاته- الحديث عن المدينة المنورة- ذكر آل البيت – ذكر الخلفاء الراشدين . من ذلك ما قاله البوصيري:
أمن تذكر جيران بذي سلم فرجت دمعاً جرى من مقلة بدم
أم هبّت الريحُ من تلقاء كاظمةٍ وأومض البرق في الظلماء ومن إضم
وقد حذّر الشاعر في نهج بردته من هوى النفس وقال:
النفس كالطفل إن تهمله شبّ على
حبّ الرضاع وإن تفطمه ينفطم
فاصرف هواها وحاذر أن توليه
إنّ الهوى ما تولّ يصم أو يصم
ب- مدح الحكام والعظماء:
وقد سار هذا المدح على طريقة الأقدمين طلباً للعطاء والنوال ولبلوغ المراتب الوظيفية عند السلاطين ولن تقعد معانيه الشجاعة والكرم والحكم والعلم، وقد أغار شعراء هذا العصر على معاني غيرهم واستباحوا ورجعوا إلى ظاهرة الوقوف على الأطلال أو الغزل أو وصف الطبيعة.
يقول ابن نباته مادحاً الشهاب محمود الشاعر الذي كان من كبار الإنشاء وكاتب السر للملك :
إمامٌ إذا هزّ اليراع مفاخراً به الدّهر قال الدهر لست هناكا
علوت فأدركت النجوم فصفتها كلاماً ففقت القائلين بذاكا
ج- مدح الأصدقاء والأقرباء:
وغالباً ما يكون أقرب إلى الصدق وإن كانت المبالغات تغزو معانيه، وتسيطر عليه الصنعة البديعية، من ذلك ما مدح به ابن نباته صفي الدين الجلّي:
3- الرثاء:
نظراً للأحداث الجسام التي مرت على الأمة الإسلامية وما حصل من معارك نتج عنها الموت والقتل والتخريب فقد واصل شعراء هذا الغرض فن الرثاء، فقد برز في هذا الغرض ثلاثة أنواع:
1- المراثي الخاصة: التي قيلت في أناس أعزاء على قلب الشاعر كما في رثاء يحيى شرف الدين لزوجه فاطمة بنت عبد الله الموصوفة بالفضل والكرم .فيقول:
وما فاطمٌ إلاّ الحور أخرجت
لنعرف قدر الحور قمّت ردّت
وكما في رثاء صفي الدين الجلّي لعبدٍ مملوك له، ربّاه من صغره حتى صار كاتباً فطناً:
هدّ قلبي من كان يؤنس قلبي إذ نبذناه بالعراء سقيماً
ونأى يوسفي فقد هذبت عبد مناي من حزنه وكنت كظيماً
2- المراثي العامة: وهي كثيرة تقوم على الإشادة بصفات المرثي وكريم مزاياه
من خلال المبالغة والصنعة من ذلك قول ابن نباته في رثاء الملك المؤيّد:
ليت الجمام حبا الأيام موهبة فكان يفني بني الدنيا ويبقيه
لهفي على الخيل قد وقت صواهلها حقَّ العزا فهو يشبجيها وتشجيه
3- رثاء الممالك والمدن: كما في رثاء بغداد التي سقطت بيد المغول:
إن لم تقرح أدمعي أجفاني من بعد بعدكم فما أجفاني
إنسان عيني مذ تناءت داركم فما راقه نظرٌ إلى إنسان
ومن ذلك أيضاً قول تقي الدين:
ناديت والسبي مهنوك يجرههم إلى السّفّاح من الأعداء وعّار
يا للرجال لأحداث تحدثونها بما غدا فيه إعذارٌ وإنذارٌ
وأيضاً قول بهاء الدين الهائي يرثي دمشق:
لهفي على تلك البروج وحسنها حفّت بهن طوارق الحدثاني
كانت معاصم نهرها فضية والآن صرنا كذائب العقيان
4- الغزل:
وهو غرض أكثر منه الشعراء في العصر المملوكي فأفردوه حيناً بقصائد مستقلة وجعلوه أحياناً في مطالع مدائحهم وقد كان هذا الغزل يطل برأسه من خلال العتاب والرضى والافتتان والشكوى تعبيراً عن المشاعر يحمل في طياته التقليد حيناً والتجديد أحياناً أخرى، وقد انطلق شعراء هذا العصر بغزلهم من مفاهيم جمالية تقليدية غالباً وتحدث الغزل عندهم عن:
آ- وصف محاسن الحبيب: حيث شبّهوا وجهه بالبدر والشمس وشعره بالليل، ورحيق الثغر بالخمر، ونظرات العيون بالسهام والحواجب بالقسي، وقدّه بالرماح وصدغه بالعقربة. ومن ذلك ما قاله التلعفري:
لو تنعق الشمس قالت وهي صادقة ما فيَّ فيها، وما فيَّ الذي فيها
هبني أماثلها نوراً وفرط سناً من أين أملك معنى من معانيها
ب- وصف أموال المحبين: حيث جعلوا المحبّ يحزن وشوق وصبابة، وجعلو المحبوبة قاسية ظالمة لا تلين، وجعلوا وصله أبعد من الثريا .
ج- الحديث عن الوشاة والرقباء: ومتاعب وعثرات الحب حيث اتهموا العذال بالبلادة، وجعلوا أعين الرقباء مخيفة نظارتها حاقدة وحاسدة، وذلك لينتهزوا الفرص و لينهلوا مما يطيب لهم.
د- الحديث التركي والمغولي والهندي والفارسي والإفرنجي والكردي والزنجي: وتغيرت معايير الجمال من العيون النجلاء الحوراء إلى العيون الضيقة.
يقول ابن نباتة:
وحبيب إليّ يفعل فعال الأعداء بالأجداء
ضيق العين إن رنا واستمعنا وعناء تسمّع النجلاء
وأيضاً :
بهت العذول وقدر رأي ألحاظها تركية تدع الحلم سفيهاً
فثنى الملام وقال دونك والأسى
هذي مضايق لست أدخل فيها
وكذلك وصفوا العيون الزرقاء كما في قول ابن نباته:
وأزرق العين يمضي حدّ مقلته مثل السنان بقلب العاشق الحذر
قالت صبابة مشغوف بزرقتها دعها سماويّة تمضي على قدر
هـ- الإعراض عن ذكر الأسماء كزينب ورباب وسعدى وهند وأسماء إلى أسماء جديدة هي واقع الحال يقول ابن نباته:
على ضيّق العينين تسفح مقلتي ويطربني لا زينب ورباب
فيارشأ الأتراك لاسرب عامر فؤادي من سكني السكون خراب
و- الحديث عن زيارة طيف المحبوب وخياله في المنام واليقظة وفي ذلك يقول الحلّي:
ما بين طيفك والجفون تواعد
فيفي إذا خُيّرت أني راقد
إني لأطمع في الرُّقاد لأنه
شرده يصار به الغزال الشاردُ
3ً- أغراض شعرية مختلفة:
كتب شعراء هذا العصر في أغراض شعرية مختلفة وهي:
1ً- الوصف :
وقد تناول هذا الغرض الأحاسيس المرئية والباطنية حيث وصفوا المعارك وما يتعلق بها ، والطبيعة وما تحتوي عليه والمظاهر المدنية كالأسواق والولائم والشوق والألم وآلام الجوع وتقلبات الزمان.
يقول النواجي القاهري في وصف مخدة:
هي نفع ولذة للنفوس وحياة و راحة للجليس
كم نديم أراحته باتكاء وتواضعت عند رفع الرؤوس
ومن ذلك قول أحدهم:
عجبٌ عجيبٌ عجبٌ بقرة تمشي ولها ذنب
ويقول ابن نباته واصفاً الفقر :
أشكو إلى الله ما أقاسي من شدة الفقر والهوان
أصبحت من ذلةٍ وعُريٍ ما فيّ وافٍ سوى لساني
2ً- الهجاء :
وقد برز بصورته الفردية واختفى بصورته القلبية وركّز على العيون والمثالب ومزج السخرية بذلك.
3ً- الخمريات والمجون:
وهو من تواصل ذكره في هذا العصر بعد أن انتشر شرب الخمور وأصبح نوعاً من التحضر والرقي ، ساعد على ذلك انتشار فلسفة انهزامية تدعوا إلى الاستمتاع بالحياة قبل زوالها بسبب ما حلَّ بإنسان ذلك العصر من تشريد وقتل وتدمير وخراب، وانتشرت مجالس الخمرة في الطبيعة وزال الحياء بحيث تقام هذه المجالس مصحوبة بالرقص والغناء في المنازل أو على برك الأنهار.
يقول الشاب الظريف:
ناوليني الكأس في الصّبح ثمّ غنّي لي على قدحي
واشغلي كفّيك في وترٍ لاتهدّيها إلى السّبح
4ً- الحنين والشكوى :
وقد كثر الحديث عن هذا الغرض بسبب انتشار الفقر والحرمان وتنكر الأصدقاء وغدر الزمان، يقول ابن نباته:
أشكو لأنعمك التي هي للعفاة سحائب
حالي التي يرثي العدوّ لها فكيف الصاحب
5ً- المطارحات والشتويّات والتهاني:
وقد كثرت هذه المناسبات فتبادل الشعراء قصائد الأخوّة والمحبة، من ذلك ما قاله شهاب الدين لابن نباته:
البرق في كانونه قد نفخ والثلج في جيب الغوادي نفخ
قد زمجر الرعد بآفاقه كأنه مما دهاه صرخ
فأجابه :
ما البرق في كانونه قد مدح والغيم في كفّ الثريا قدح
أضوأ من ذهنك ناراً ولا أرق من لفظك كأساً طفح
6ً- الطرديّات:
وهي قصائد كتبها الشعراء في الصيد و وصف الخيول والفهود والكلاب المدربة. يقول صفي الدين الحلّي في وصف صقر:
والطير في لجّ المياه تسري كأنها سفائن في بحر
حتى إذا لاذت بشاطئ النهر دعوت عبدي فأتى بصقري
من الغطاريف الثقال الحمر مستبعد الوحشة حجمّ الصّبر
7ً- الألغاز والآحاجي :
وهي أبيات تحمل لغزاً من الألغاز أو أحجية من الأحاجي من ذلك ما قاله ابن نباته للغز في (علي):
أمولاي ما أسمٌ جليٌّ إذا تعوّض عن حرفه الأول
لك الوصف من شخصه سالماً فإن قلعت عينه فهو لي
8ً- الشعر التعليمي :
وهو من المنظومات التي قالها العلماء في علوم الصرف والنحو والبلاغة والعروض والمنطق والحديث والصرف مثل ألفية ابن مالك في النحو والصرف:
كلامنا لفظٌ مفيدٌ كاستقم اسم ، وفعل ثم حرف الكليم
4ً- ألوان شعرية مستحدثة :
وهو ما كتب على طريقة غير العرب أو ما اخترعوه العرب في العصور اللاحقة وأهم هذه الألوان:
1- الموشحات: بصرف النظر عن كون الموشح فناً عربياً أندلسياً أو مستوحى من الشعوب الأخرى فإنه كان قريباً من الأغاني الشعبية استلطفه أهل الأندلس وكتبوا على منواله وتبعهم شعراء عصر الانحدار ، وقد كان ابن سناء الملك أول من درس هذا الفن في ( دار الطراز ) . وممن نظم في الموشحات ابن نباته وابن دانيال والتلعفري والعزازي وابن سودون وابن عربي ، وعائشة الباعونية.
وقد كتب الشعراء هذا العصر جميع موضوعاتهم على طريقة الموشحة يقول التلعفري في موشحته الدينية يرد بها على العزازي الذي يعمل بزازاً في القاهرة :
ليس يروي ما بقلبي من ظما غير برقٍ لائحٍ من أضم
إن تبدّى لك بان الأجرع
و أثيلات النقا من لعلع
يا خليلي قف على الدار معي
وتأمل كم بها من مصرع
واحترز و احذر فأحداق الدمى كم أراقت في رباها من دم
2- الزجل :
وهو فن شعبي أكثر قرباً للغناء من الموشح يعتمد على اللهجة الدارجة ، وقد نشأ في أواخر القرن الرابع الهجري في الأندلس ثم طار إلى المشرق في القرن السابع، وشاع في حفلات الأعراس وتميز بالصنعة واشتهر به الأمشاطي وصفي الدين الحلّي ومقاتل .
3- الرباعيات :
وقد برز هذا الفن خلال الحروب الصليبية وإن كانت جذوره أقدم من ذلك وهو مأخوذ عن الفرس من وزن (الدوبيت ) وله أوزان أشهرها:
فعلن – متفاعلن – فعولن – فعلن.
ومن ذلك قول الشاب الظريف:
قاسيت بك الغرام والهجر سنين ما بين بكى وأنين وحنينٍ
أرضيك ولا تزداد إلا غضباً الله-كما أبلى بك القلب-يعين
4- المواليات الشعبية:
وقد كان هذا اللون معروفاً عند العمال العبيد في بساتين مدينة واسط بالعراق،ووزنه من البحر البسيط ، يتألف من بيتين وأربع قوافي على روي واحد ، و الأشطر الأربعة تسمى صوتاً، ثم انتقل إلى بغداد بعد نكبة البرامكة مضافاً إليه كلمة (دامواليا) من ذلك قول الطيب ابن السويدي :
البدر والسعد : ذا شبهك وذا نجمك والقد والحسن : ذا رمحك وذا سهمك
والبغض والحب : ذا قسمي ، وذا قسمك والمسك والحسن : ذا خالك وذا عمك
5ً- أبرز خصائص الشعر في عصر الانحدار:
حاول شعراء هذا العصر أن يجدوا في أساليبهم وموضوعاتهم فانخرطت أساليبهم في مذهبين:
1- المذهب اللفظي: وقد اعتمد على التكلف والصنعة في محاولة فهم لإبراز موضوعاتهم في ثياب جديدة ماهتموا بالزخرفة اللفظية، وحاولوا أن يجعلوا البلاغة عنواناً لهم ولكنهم وصلوا في النهاية إلى طريق مغلق تحولت الصنعة البلاغية إلى هدف بعد أن كانت مسيلة.
2- المذهب السهل: وقد اعتنى هذا المذهب بالمعاني البسيطة والألفاظ المألوفة، وأكثر أيضاً من الصنعة فانتهى إلى الإسفاف والركاكة، وقد شاع هذا اللون بمختلف طبقات المجتمع ولقد تناول الشعر العربي في هذا العصر كل الموضوعات وبدأ الشعراء يهجرون عمود الشعر العربي، ونهج القصيدة العربية، ويسلكون إحدى طريقتين، طريق يطرق الوضوح مباشرة دون أن يقف على الأطلال، وآخر يمهد فيه الشعراء لأغراضهم، وقد اهتموا بعلوم البلاغة والبيان والبديع وأكثروا من التشابيه والاستعارات والمجازات والكنايات من ذلك قول بحير الدين بن تميم بشخص وردة:
سبقت إليك من الحدائق وردةٌ وأتتك فقيل أونها تطفيلاً
طمعت بلثجك إذ رأتك فجمّعت فمها إليك يطالب التقبيلا
ومن التشبيهات أيضاً قول صفي الدين الجلّي :
سوا بغنا والنفع والسمر والطبا
وأحسابنا والحلم والبأس والبرُّ
هبوت الصّبا والليل والبرق واتصفا
وشمس الضحى والطور والنارُ والبحرُ.
وقد كتب صفي الدين الحلي قصيدة جمع فيها فنون البديع كاملة فبلغت من الحسن البديعي بحيث حوت على مئة وخمسة وأربعين بيتاً وفي كل بيت لون بديعي، مطلعها:
إذا جئت سلماً عن جيرة العلم
واقي السلام على عرب بذي سلم
وأهم المحسنات البديعية التي استخدمها الشعراء:
1- النورية: وقد أكثر شعراء هذا العصر من التورية وهي التي تعتمد على إيراد لفظ له معنيات أحدهما قريب ظاهر غير مقصود والآخر خفي وبعيد وهو المطلوب. من ذلك قول الشاب الظريف على لسان الكأس:
أدور لتقبيل الثنايا ولم أزل أجود بنفسي للنّدا في وأنفاسي
وأكسو أكف الشرب ثوباً مذهباً فمن أجل هذا لقبوني بالكاس
2- الطباق: وهو جمع بين متضادين في المعنى ، وقد اقترنت به المقابلة. يقول ابن الوردي:
أأقتل بين جدِّك والمزاح بنبل جفونك المرضى الصحاح
فما لصباح وجهك من مساءٍ وما لمساء شعرك من صباح
3- حسن التعليل: ويعتمد على إنكار الأديب علّه شيءٍ من الأشياء صراحة أو ضمناً، ثم يأتي بعلة أدبية طريفة تناسب الغرض من ذلك قول ابن نباته:
لم يزل جوده يجوز على الما ل إلى أن كسا النّضار اصفرارا
4- مراعاة النظير: وتقوم على الجمع بين أمر وما يناسبه في الكلام بالتقارب لا بالتضاد ، من ذلك قول مجير الدين بن تميم:
لو كنت تشهدني وقد حمي الوغى في موقفٍ ما الموت فيه بمعزل
لترى أنابيب القناة على يدي تجري دما من تحت ظلِّ القسطل
ومن المحسنات البديعية اللفظية:
5- الجناس : القائم على تشابه كلمتين لفظاً واختلفهما معنى يقول الشاب الظريف:
مثل الغزال نظرة ولفتةً من ذا رآه مقبلاً ولا فتتن؟
أعذب خلق الله ثغرا وفما إن لم يكن أحق بالحسن فمن؟
6- الاقتباس : ويقوم على تضمين شيء من القرآن أو الحديث من ذلك قول ابن نباته:
وأغيد جارت في القلوب فعاله وأسهرت الأجفان أجفانه الوسنى
أجل نظراً في حاجبيه ولحظة تر السحر منه قاب قوسين أو أدنى
7- التلاعب اللفظي : وقد أكثر الشعراء من التلاعب اللفظي في هذا العصر كالتزام لفظ معين في بداية كل بيت أو سطر أوفي نهايته، أو أن تكتب أبياتاً نقرأ بيتاً من الشمال إلى اليمين أو من اليمين إلى الشمال دون أن يتغير معناها ، أو كأن نقرأ بيتاً من الشمال إلى اليمين مدحاً أومن اليمين إلى الشمال ذماً، أو كأن نقرأ الأبيات أفقياً وشاقولياً ، أوكأن نكتب أبيات منقوطة ، وأبيات غير منقوطة ، أو أن ينظم بيت يجمع حروف الهجاء ، أو كأن يستخدم الشعر للتأريخ على طريقة حساب الجمل.






















الفصل الثالث
النثر في عصر الانحدار
قراءة ومطالعة
نظراً لاتساع رقعة الدولة وانتشار العلوم والمعارف المختلفة فقد ازداد الاهتمام بالكتابة النثرية، وأصبحت الحاجة ملحة سواء أكان ذلك في دواوين الدولة ومراسلاتها ومكاتباتها أم كانت من خلال انتشار التأليف والكتابة الوعظية والخطابة الدينية والاجتماعية ، وهذا ما جعل الاهتمام بهذا الفن يأخذ منحىً جديداً.
أبرز النثار في هذا العصر:
اشتهر في هذا العصر مجموعة كبيرة من الذين اهتموا بالنثر وتنافسوا في تجويده للوصول إلى المناصب العليا في الدولة وقد كان هؤلاء الأعلام يجمعون بين صناعتين : صناعة الشعر وصناعة النثر على اعتبار أن البلاغة لا تنهل إلا بهما ، ومن هؤلاء النثّار:
1- محي الدين بن عبد الله بن عبد الظاهر:
المولد عام(620هـ) والمتوفى عام(672هـ) وتولى رئاسة ديوان الإنشاء في عصر الظاهر بيبرس وكتابة سر المنصور قلوون ، وابنه الأشرف خليل ، وقد كان كاتباً وشاعراً اهتم بالمحسنات البديعية ، وبرع في
وألف كتاباً في سيرة الملك المنصور ، وكتاباً آخر سماه ( النجوم الدرية في الشعراء المصرية) وله ديوان شعر معظمه في المناسبات والأخوانيات.
2- شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب:
المولود سنة (677هـ) والمتوفى عام(733) وقد كان بحاثة غزيرة الإطلاع ، اتصل بالملك الناصر ووكل في بعض أموره وتولى نظر الجيش في طرابلس الشام،
ومن أشهر كتبه ( نهاية الأدب في معرفة فنون العرب) ويقع في ثلاثين مجلداً قسمه في أربعة فنون تتعلق بالسماء والإنسان والحيوان والنبات والتاريخ.
وأسلوب كتابه يحرص على الجمال الفني والصنعة من جهة وعلى الإبانة عن المعنى دون تكلف من جهة ثانية.
3- أحمد بن علي القلقشندي:
المولود عام(756هـ) والمتوفى(821) وقد ولد في قرية قلقشندة قرب القاهرة ، وطلب العلم في الاسكندرية ثم توفي في القاهرة ، وأهم مؤلفات هذا المؤرخ الأديب:
( صبح الأعشى في صناعة الإنشا)
وقد كتب في الإنسان والفقه ، وقد رتب المؤلف كتابه الذي يقع في أربعة عشر جزءاً على مقدمة وخاتمة وتناول فيه كل ما يتعلق بالكتابه وفضلها وأدواتها مبتعداً عن التكلف وإن لم يسلم من الصنعة البديعية.
4- عبد الرحمن بن محمد بن خلدون:
المولود عام( 732هـ) والمتوفى عام(808هـ) ولد في تونس بعد هجرة أسرته إلى اشبيلية، وتتلمذ على يد أبيه ، وتوفي في القاهرة ويعد المؤسس الأول لعلم الاجتماع إضافة إلى كونه فيلسوفاً مؤرخاً بحاثة ، تميز بسموا أخلاقه ، وقوة شخصيته ، وأهم كتبه ( كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر) وهو في سبعة مجلدات وأهم ما فيه المقدمة وقد تميز أسلوبه بالسهولة وعدم التكلف والصنعة.
5- أبناء الأثير:
أسرة تميزت بالكتابة مؤسسها شمس الدين سعيد بن محمد الكاتب أحد أعيان دمشق ، انتقل إلى القاهرة وأنجب أبناءً عملوا في ديوان الإنشاء منهم شرف الدين محمد بن سعيد ، وتاج الدين أحمد بن سعيد، وعلاء الدين كاتب سر السلطان محمد الناصر.
6- أسرة آل فضل الله العمري:
مؤسسها محي الدين بن فضل الله العمري كاتب السلطان الناصر في القاهرة ، وقد أنجب علاء الدين كاتب السر وشهاب الدين الكاتب الفقيه ، وبدر الدين كاتب السر بعد علاء الدين . وقد كانت هذه الأسرة تنافس أسرة أبناء الأثير في الوصول إلى أعلى مناصب الدولة .
الوظيفة :
ادرس المستوى البلاغي لعلوم المعاني والبيان والبديع في هذه الأبيات ، وبين أثر عصر الانحدار بالاهتمام بالصنعة البديعية معرجاً برأيك في صنعة الشاعر للأبيات
قال الشاب الظريف :
لي من هواك بعيده وقريبه ولك الجمال بديعه وغريبه
يا من أعيذ جماله بجلاله حذراً عليه من العيون تصيبه
إن لم تكن عيني فإنك نورها أو لم تكن قلبي فأنت حبيبه
هل رحمة أو حرمة لمتيم قل قل فيك نصيره ونصيبه
لم يبق لي سرٌ أقول تذيعه عني ولا قلبٌ أقول تذيبه
ب-أبرز فنون النثر:
تناول الأدب المملوكي موضوعات من صميم الحياة ، فهاجم العادات الشاذة، ونقد موظفي الدولة المتهاونين ونقد المكوس، ودعا إلى الكفاح وطرد المغتصبين، وتبدى ذلك في الرسائل والخطابة والقصص والمقامات :
1-الكتابة والرسائل الرسمية:
استحدث المماليك منصب (كاتب السر) رئيس الديوان السلطاني ، وهو أعلى من صاحب ديوان الإنشاء تنافس في توليه كبار الكتاب كابن عبد الظاهر وابن فضل الله العمري ، وعلاء الدين بن الأثير.
وتنوعت رسائل الديوان بموضوعاتها بين رسائل تدور بين الملوك والسلاطين، وما بين رسائل تهديد ووعيد وتهاني.
وأشهرها رسالة قلوون إلى السلطان أحمد غازان سلطان التتار ، وقد كتبها ابن عبد الظاهر ردا على رسالة من سلطان التتار طلب فيها الهدنة بعد اعتناقه الإسلام.
وقد كثرت فيها المحسنات البديعية والصنعة .
2- الرسائل الذاتية:
وهي رسائل الأخوانيات بين الأدباء والكتاب ، تنوعت موضوعاتها ، وترك فيها العنان لخيال وعواطف الكاتب ، وشاركت في عرض مبكيات ومضحكات الحياة، فكانت رسائل في وصف الطبيعة ووصف مجالس الخمرة ، ووصف الشمعة والديك والببغاء والرسائل المجانية، إضافة إلى رسائل الشكوى والعتاب والمفاكهة وتبادل الرأي ، ومن أمثلتها رسالة من الأديب عيسى بن حجاج إلى الوزير الكاتب فخر الدين بن مكانس إضافة إلى رسائل في الرثاء والمفاضلات بين البلاد أو بين السيف والقلم.
3- الخطابة :
وقد تنوعت الخطابة بين الدين والحرب والسياسة والمناظرة والمواعظ والقصص الديني ، وقد كانت لهذه الخطابة مقاييس وشروط ، ومن أقصر هذه الخطب وأبلغها خطبة قطز في أمراء الجيوش في مصر حين خرج لحرب المغول في(عين جالوت)
ونقتطف منها:
" يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون أموال بيت المال ، وأنتم للغزاة كارهون ، وأنا متوجّهٌ ، فمن اختار الجهاد يصحبني ، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته . فإن الله مطلع عليه، وخطيئه حريم المسلمين في رقاب المتأخرين".
4- المقامات:
التي بدأها الهمذاني وثنّى بها الحريري ، والتي أخذت تستغل للوعظ الديني في عصر الانحدار بحيث ركز على التنميق في أسلوبها وحفلت بألوان البديع ومن زعمائها صلاح الدين الصفدي وابن الوردي والشاب الظريف، وقد بقيت محافظة على طريق الأوائل باستخدام راوية وحدث وأقصوصة.
ومن أهم هذه المقامات : المقامة الساسانية لشهاب الدين الخفاجي.
5- النثر الوصفي:
وهو كلّ ما كتب في التراجم والرحلات ووصف الرياضيات والطرديات والخواطر التأملية ، وبعضها يميل إلى البساطة والآخر إلى الصنعة.
6- القصص الوعظية:
وهي قصص رمزية أو متخيلة غايتها تنبيه الناس أو حثهم على النضال أو دعوتهم للتخلص من ذنوبهم وانحرافاتهم ككتاب ( كشف الأسرار عن حكم الطيور والأزهار) لعز الدين عبد السلام المقدسي ، وقد وفق الكاتب في ايجاد تسلسل واضح بين الحوادث وإقامة الحوار الشيق والعبرة لبني الإنسان.
7- النثر العلمي :
وهو ما كتب في العلوم الطبيعية والطبية والرياضية بأسلوب واضح ، سهل بعيد عن التكلف كما في كتاب: (حياة الحيوان) للدميري
8-السير الشعبية :
وهي قصص شعبية تدور أحداثها حول مفاجآت وبطولات ومآزق ترسم صورة من صور المجتمع تعتمد في أسلوبها على السجع والترادف وتكرار الألفاظ والعبارات مع وصف حي للمدن والأرياف والجبال والأنهار ، وتصوير واقعي للأسواق التجارية .
9- المسرح:
وقد ظهرت بدايته في خيال الظل من خلال مسرحيات ابن دانيال ( طيف الخيال- عجيب وغريب- المتيم).
وقد تنوعت قوالب المسرحيات بين الشعر والنثر والزجل.
جـ- أهم المؤلفات في هذه العصور: للقراءة والمطالعة
استأنف العلماء والأدباء نشاطهم العلمي في مصر والشام بعد تخريب بغداد ، ويعد عصر الانحدار عصر الموسوعات إذ بدأ المتأدبون في تجميع العلوم في موسوعات مستقلة من أهمها:
1- المؤلفات الدينية : في علوم القرآن والحديث والتفسير والفقه مثل : فتاوى ابن تيمية (38) مجلداً.
الاتقان في علوم القرآن للسيوطي.
2- كتب اللغة : لسان العرب لابن منظور – القاموس المحيط للفيروز آبادي – مغني اللبيب لابن هشام – قطر الندى و شذور الذهب لابن هشام – ألفية ابن مالك- كتاب المزهر في اللغة والأشباه والنظائر في النحو وكلها للسيوطي.
3- كتب الأدب : المستطرف في كل فنّ مستظرف للأبشهي – نسيم الصبا لابن حبيب الحلبيّ – خزانة الأدب وغاية الأرب لابن حجة الحمويّ. 4-كتب البلاغة: تلخيص المفتاح للقزويني.
5-كتب التاريخ: كتاب المختصر في أخبار البشر لأبي الفداء البداية والنهاية لابن كثير – النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي.
6- كتب الجغرافيا والرحلات:
المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار للمقزيزي – تقويم البلدان لأبي الفداء – تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار لابن بطوطة.
7- الكتب الموسوعية : مسالك الأبصار في ممالك الأمصار لشهاب الدين العمري- نهاية الأرب للنويري – وصبح الأعشى للقلقشندي.
وقد قلّ الانتاج العلمي والفكري في العهد العثماني لأن قسماً من العلماء انتقل إلى القسطنطينية ، ومن المؤلفين في العصر العثماني :
- ابن إياس : بدائع الزهور في وقائع الدهور.
- طاش كبري زاده : مفتاح السعادة ومصباح السيادة.
- المقِّري : نفح الطبيب في غصن الأندلس الرطيب.
- حاجي خليفة : كشف الظنون في أسامي الكتب والفنون .
- يوسف البديعي: الصبح المبني عن حثيثة المتنبي .
- عبد القادر البغدادي : خزانة الأدب ولبّ لباب لسان العرب.
- شهاب الدين الخفاجي.
- المحّبي: خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر.
- السيد المرتضى الزبيدي: تاج العروس.
د- كلمة في النثر:
انقسم النثر في هذا العصر إلى نثر علمي ونثر فني ، فالنثر اعتمد الصنعة البيانية والبديعية واستخدم فيه السجع و الاقتباس والتضمين والجناس.
والنثر العلمي غلب عليه التحرر من الصنعة والاهتمام بوضوح المعاني وسهولة الأداء، وقد ظهر إلى جانب ذلك أدب شعبي قارب العامية وابتعد عن لغة القصور ، والغاية عند الكتاب في هذا العصر إبراز مقدرتهم الفنية واللغوية وإن أودى بهم الأمر إلى القيود في الصنعة حولت الأدب من مساره الحقيقي.

الباب الرابع
الفصل الأول
الأدب في العصر الحديث
آ- بين يدي العصر :
عاش العرب تحت سيطرة العثمانيين فترة قرون ثلاثة عانوا في نهايتها أقسى أنواع الظلم والاستغلال و الابتزاز وتحوّل الوالي العثماني إلى جابي ضرائب ليحكم مجموعة كبيرة من الفقراء والجهلاء والبائسين، وقد وصف أحد الرحالة الفرنسيين المشرق العربي في هذه الفترة بأنه (جهل مطبق) وبالتالي فقد أثر ذلك على النواحي الأدبية، ثم مع مجيء الحملة الفرنسية بدأ النيام من العرب يستيقظون على حياة جديدة، ومعارف مختلفة من خلال ما جاء به نابليون من مراصد فلكية ومعامل للورق ومجلات وجرائد ومكتبات ومدارس حديثة، وساعد أيضاً على نهضة البلاد العربية تفتح الوعي السياسي والاجتماعي من خلال الاتصال بالثقافات الأجنبية وبسبب إدخال المطابع إلى هذه البلاد وافتتاح المدارس الحديثة كمدرسة الألسن وتعلم اللغات وتعاون العرب مع الأوربيين للتخلص من الظلم التركي فوجد أنفسهم قد أصبحوا فريسة جديدة لاستعمار جديد من خلال اتفاقية (سايكس بيكو) التي قسمت العرب إلى دويلات بلغ تعدادها اثنين وعشرين دولة.
ب- سمات الشعر في هذه العصر:
نظراً لزيادة الوعي الثقافي الجماهيري (الإذاعة – الصحف – الكتب – المجلات...)
وبعد قيام ثورات التحرر السياسي والاجتماعي و القومي اتسم الأدب بسمات جديدة أهمها:
1- الارتباط بالقاعدة الجماهيرية وقول الشاعر من القصر إلى الشعب ، ومن المثالية إلى الممارسة الفعلية.
2- ظهور الخصوبة الثقافية والفكرية بحيث لم يعد يقبل الشعر دون أن صاحبه مثقفاً واعياً لثقافات الأمم.
3- انتماء الأدب والأدباء إلى مدارس فنية ومذاهب أدبية (كالرومانسية ...).
4- تسرب الثقافات الأجنبية والأفكار الحديثة إلى البلاد العربية واصطدام مع الثقافة العربية، بحيث جعل البعض يرى أن العودة والتراث أصبح من الانغماس بالثقافة الأجنبية وإن ظهر تيار يدعو إلى الموازنة بين القديم والحديث.
5- تغير طبيعة الحياة المعاصرة طمس أغراضاً شعرية كالفخر والهجاء وأبرز أغراضاً جديدة كالقومية والاجتماعية .

الفصل الثاني
الأغراض الشعرية في العصر الحديث
آ- الاتجاه القومي:
لم يظهر الاتجاه القومي أو الوطني في الشعر كغرضٍ مستقل إلاّ بمطلع القرن العشرين بعد نشوء الرابطة القومية ومحاملة الدول تبني النظرة القومية ذلك أن هذه الرابطة كانت متداخلة مع الرابطة الدينية من خلال ارتباط مصلحة العرب بمصلحة العثمانيين، وقد عبر عن ذلك شوقي قائلاًُ:
الله أكبر كم في الفتح من عجب يا خالد الترك جدّد خالد العرب
وفي قول مصطفى كامل في إحدى خطبه بباريس:
(حقاً سياسة التقرب من الدولة العلية لأحكم السياسات وأرشدها)
ومع ذلك فقد ارتفعت أصواتٌ لشعراء في العصر العثماني تهاجم هذه الدولة كما صنع اليازجي والزهراوي والرصافي :
حتّام نبقى لعبةً لحكومةً دامت تجرّعنا نقيع الحنظل
تنحو بنا طرق البوار تحيّفاً وتسومنا سوء العذاب الأهول
وما إن أطل القرن العشرون حتى ارتفعت أصوات الشعراء بشكل كبير، وانفجرت الثورة العربية ورفعت راية الحرية ولكن المستعمر الغربي وأد هذا النصر واقتسم البلاد باتفاقية (سايكس بيكو) تحت تسمية الانتداب والوصايا ويقول الشاعر اسكندر الخوري مندداً بالانكليز والفرنسيين:
أتوا باسم الصليب وهم براءٌ من اسمٍ لطّخوه مجرمينا
هي الأطماع يا قومي دعتهم إلى عمل أباه المرسلونا
وقد عزّ على الشعراء أن يكون الوطن العربي فريسة بين مخالب أولئك الذئاب، فحثوا الشعوب على طرد الناجين ، يقول خير الدين الزركلي:
فيم الونى وديار الشام تقتسم أين العهود التي لم ترع والذّمم
ما بال بغداد لم تنبس بها شفة وما لبيروت لم يخفق بها علم
كما وأن الأدباء صوّروا جرائم المستعمرين، يقول حافظ إبراهيم مشيراً إلى جريمة (دانشواي):
قتيل الشمس أورثنا حياة وأيقظ هاجع القوم الرُّقود
كما وأنّ شوقي صوّر ما صنع الفرنسيون في دمشق عام 1945
دم الثوّار تعرفه فرنسا وتعلم أنه نورٌ وحقُ
بلادٌ مات فتيتها لتحيا وزالوا دون قومهم ليبقوا
ثم صور الأدباء تضحيات الشعوب وفرح جلاء الأجنبي عن البلاد العربية وما حدث بعد ذلك من معارك حاسمة متمثلة في معركة (بور سعيد) والثورة الجزائرية وحرب تشرين التحريرية التي أعادت للعربي كرامته المهدورة ، يقول سليمان العيسى:
تشرين .............. أمطارك الخضر التي كتبت
أعمارنا ............. لم يكن بالأمس لي عمر
دم الشهيد أعاد اللون لون دمي
وارتدَّ ملء جفوني الضوء والبصرُ
ثم تابع الأدباء الدعوة إلى الوحدة العربية وأكدوا على مقوماتها ووقفوا يحاربون الدعوات الاقليمية المنحرفة كما صنع علي الجازم:
تذوب حشاشات العواصم حسرة إذا دميت من كفّ بغداد إصبع
ولو صدّ عن في سفح لبنان صخرة لدكّ الأهرام هذا التصدُّع
ولو بردى أنّت لخطب مياهه لسالت بوادي النيل للنيل أدمع
وقد برز في الاتجاه القومي أدب تمثل مهمة هي قضية فلسطين واتخذ منحىً خاصاً وسمي : أدب الأرض المحتلّة .
الأدب القومي أدب الأرض المحتلة.
وهو الأدب الذي صور فيه الأدباء العرب احتلال اليهود لفلسطين صوراً فيه الواقع العربي قبل النكبة وبعد النكبة.
أدب ما قبل النكبة :
وهو الأدب الذي تحدث عن اغتصاب فلسطين وإعطاء وعد بلفور، ودعا الأدباء فيه الشعوب العربية لمساعدة الفلسطيني لما يقدمه من تضحيات كبيرة يقول أبو سلمى في رثاء شيخ من شيوخ المقاومة الفلسطينية:
ونحن الذين نثور على الظلم والجهل في كلِّ حين.
ونحن الذين أنرنا الطريق وكنا مشاعل حقٍّ ودين.
ونحن الذين حملنا الرسالة للأولين ولللآخرين.
أدب ما بعد النكبة :
وقد ظهر فيه تيار يدعو إلى اليأس وعدم توقع رجوع اللاجئين :
يا صاح لا تحلم بأنك عائدٌ للربع فالأحلام قد لا تصدق
وتيار يدعو إلى التفاؤل وبالتمسك بالأرض والإيمان بقدرة الإنسان على التحرر كقول محمود درويش :
وطني!
يعلّمني حديد سلاسلي
عنف النسور
ورقّة المتفائل
ما كنت أعرف أنّ تحت جلودنا
ميلاد عاصفةٍ
وعرسُ جداول........
وقد رسم لنا توفيق زياد صورة التشبث بالأرض قائلاً :
هنا على صدوركم باقون كالجدار
وفي حلوقكم
كقطعة الزجاج كالصبار
وفي عيونكم ....زوبعة من نار
إنا هنا باقون.
وقد ندد الأدباء بمذابح اليهود التي قاموا بها في داخل فلسطين ضد الفلسطينيين ، كمذبحة كفر قاسم التي يقول محمود درويش في وصفها :
آه ! يا خمسين لحناً دمويّاً
كيف صارت بركة الدم نجوماً وشجر ؟
الذي مات هو القاتل يا قيثارتي
ومغنّيك انتصر
وقد أكد الأدباء على بطاقة العروبية كهوية قومية حيث حاول اليهود واقتلاع السكان من الأرض .
يقول محمود درويش:
سجِّل أنا عربي
أنا اسمٌ بلا لقب
صبورٌ في بلادٍ كلّ ما فيها
يعيش بفورة الغضب
ب- الاتجاه الاجتماعي:
لمس العرب مظاهر التخلف الحضاري والاجتماعي الذي مُورس عليهم في نهاية الحكم العثماني بالمقارنة مع ما رأوه من تحضر اجتماعي وتفتح إنساني ، وأدركوا أن العلم والمعرفة هما السبيل الأمثل لإزالة هذا التخلف فهذا هو الصافي في تنبيه الشباب العربي إلى ضرورة بالعلم والمعرفة:
ألم تروا الأقوام بالسعي خلّدت مآثر يستقصي الزمان خلودها
وساروا كراماً رافلين إلى العلا بأثواب عزّ ليس يبلى جديدها
ودعا بعضهم إلى الاقتداء بالغرب للوصول إلى ما بلغوه يقول الشاعر عبد الرحمن البنّاء :
فاقتدوا بالغرب كيما تدركوا ما مضى واجنوا من العلم ثمارا
وحارب الأدباء أمراضاً اجتماعية تسربت إلينا من المجتمعات الغربية كالمسكرات والمخدرات ودور اللهو والقمار
يقول الشاعر رضا الشببي:
تظنون هذا العصر عصر هداية وأجدر لو تدعو عصر ضلالات
كما وأن الأدباء عالجوا مشاكل اجتماعية تفاقمت بعد الحرب العالمية والاستغلال فعالجوا التشرد والتسول والجوع يقول علي الجارم مستنجدا بالأغنياء لمساعدة الفقراء:
أيها الأغنياء أين نداكم بلغ السيل عاليات القلال
هم عيال الرحمن،ماذا رأيتم أو صنعتم لهؤلاء العيال
وهذا هو حافظ إبراهيم يدعو المصلحين للمساهمة في القضاء على الفقر :
أيها المصلحون حناق بنا العيش و لم تحسنوا عليه القياما
و أغيثوا من الغلاء نفوساً قد تمنت مع الغلاء الحماما
وطفت على السطح مشكلة المرأة من حيث التعلم والوظيفة ودعا الأدباء للاهتمام بها. يقول حافظ إبراهيم :
من لي بتربية النساء فإنها في الشرق علًه ذلك الإخفاق
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
وأخذت جماهير الأمة ترفض الحنوع ، فصور الأدباء خروج هذه الجماهير للثورة ضد الملوك يقول عبد الوهاب البياتي:
صيحات الفقراء ...... فقراء بلادي
في باب القصر ...... في الفجر الأحمر
كالصخرة.....كالقطرة.....في بحر الثورة.......
وقوله : يا بذرة في ظلمة الجليد والرماد
تدوسها الأرجل في بلادنا.
جـ- الاتجاه الوصفي :
اهتم الأدباء بالوصف منذ القديم وتابع الشعراء في العصر الحديث هذا الباب، فوصفوا الطبيعة والريف والبحار والأنهار ووصفوا تأملاتهم في الكون والحياة والإنسان والموت والشقاء والسعادة. يقول الرحمن شكري أحد أعضاء مدرسة الديوان واصفاً الأمل في الحياة:
والشقيُّ المحروم من لا يرى في العيش فرضاً ينأى به عن شقاء
ذاك من مات قلبه وهو حيٌّ وغدت نفسه كقفرٍ خلاء
وقد عبر إيليا أبو ماض زعيم المهاجرين في قصيدته الطلاسم
عن تأملاته في الكون وأسرار الموت والحياة:
أتراني كنت يوماً نغماً في وتر؟
أم تراني كنت قبلاً موجةً في نهر؟
أم تراني كنت في إحدى النجوم الزّهر؟
أم أريجاً ، أم حفيفاً ، أم نسيماً؟
لست أدري
كما وصف الشعراء المخترعات الحديثة ، ووصفوا المدن بعد هجرتهم من القرى . يقول أحمد عبد المعطي حجازي:
الناس حولي ساهمون.....
لا يعرفون بعضهم .....هذا الكئيب
لعله مثله غريب
أليس يعرف الكلام؟
ويقول صلاح عبد الصبور واصفاً زحمة المدينة:
في زحمة المدينة المنهمرة
أموت لا يعرفني أحد
أموت لا يبكي أحد
د- الاتجاه الغزلي :
استمر تطرق الشعراء للغزل والحديث عن المرأة والحب، وكتب معظم الشعراء في هذا الاتجاه، وكان أكثرهم إجادةً الشاعر نزار قباني ، فقد تحدث عن الغزل بمعظم أشكاله وأبرز تأثير المرأة بجوانبها المعنوية والمادية ومن ذلك قصيدة نهر الأحزان:
1- عيناك كنهري أحزان
2- نهري موسيفا، حملاني 3- لوراء وراء الأزمان
4- نهري موسيفا قد ضاعا 5- سيّدتي ...ثمَّ أضاعاني
6- الدمع الأسود فوقهما 7- يتساقط أنغام بيان
8- وأنا في المقعد محترقٌ 9- نيراني تأكل نيراني
وقد تداخلت المرأة والأرض والوطن عند شعراء الأرض المحتلة فأبرزوا تمردهم ، وتعانقوا مع الأرض وعجنوا ترابها بالدماء ..... ومن ذلك مناجاة الحب لمحمود درويش واختلاط هذا الحب بالمرأة والأرض :
عيونك ، شوكة في القلب
توجعني.....وأعبدها!
وأغمدها وراء الليل والأوجاع ..... أغمدها!
فيشعل جرحها ضوء المصابيح
ويجعل حاضري غدها
أعزّ علي من روحي
وأنى ، بعد حين ..... في لقاء العين بالعين
بأنا مرّة كنا، وراء الباب.....اثنين!!.....




















الفصل الثالث
المذاهب الأدبية
آ- تعريف المذاهب: المذهب جملة من الاتجاهات التعبيرية المبنية على أسس ومبادئ أخلاقية وفلسفية وجمالية متلاحقة ، ولّدتها حوادث التاريخ ووجهتها حالات نفسية وشعورية ، وهذا المذهب هو جهود جيلٍ من الأدباء والمبدعين والنقاد.
ب‌- المذاهب التي انتشرت في الوطن العربي:
1- المذهب الاتباعي:
نشأت الاتباعية كتيار أدبي عربي في مرحلة استيقاظ الشعور القومي وأفول الاستعمار ومن خلال الثورة على اللغة التركية التي أصبحت لغة رسمية بديلة عن العربية وقد حاكت الاتباعية العربية نظيرتها الغربية القدماء واعتمدت على الثقة بالعقل البشري والتزمت القواعد ومبادئ منتظمة، وقد كان البارودي زعيم هذه المدرسة اعتمد في معظم شعره على محاكاة القدماء من ذلك قوله :
فيا قوم هبّوا إنّما العمر فرصةٌ وفي الدهر طرقٌ جمّةٌ ومنافعُ
أصبراً على مسِّ الهوان وأنتم عديد الحصى: إني إلى الله راجعُ
وقد اعتمد الاتباعيون كحافظ إبراهيم وأحمد شوقي واسماعيل صبري ومحمد عبد المطلب وخليل مطران في بناء قصائدهم على الجزالة في الألفاظ والمتانة في التركيب والإشراق في الديباجة والعودة إلى المعاني القديمة والأساليب السابقة.
2- المذهب الإبداعي :
وهو مذهب جاء كرد فعل على الاتباعية في الإحساس والتفكير والتعبير وقد رفع الإبداعيون عيون شعار تمجيد الفرد والألم والطبيعة واعتبروا أن الأدب هو خلق جديد للحياة وإبداع لها ، أداة الأدب القلب والإحساس والخيال، وقد انتقل هذا الأدب إلى أدبنا عن طريق الترجمات والبعثات الفكرية، وساهم عبد الرحمن شكري المازني والعقاد في إبراز الثقافة الألمانية والفرنسية والانكليزية ، وقد أدرك أصحاب مدرسة (أبولو) جوهر الإبداعية وعلى رأسهم أحمد زكي وأبو شادي .
وأسهم أيضاً في إظهار هذه الإبداعية أصحاب الرابطة القلمية جبران خليل جبران ، وقد مجدّت الرابطة القلمية ظاهرة العودة إلى الطبيعة وامتلأت بالكآبة والألم والنفور من حياة المدينة والثورة على العادات والتقاليد وقدست شرعية الحب.
وثارت على الشكل واهتمت بالمضمون ، وحطمت القوالب اللغوية الصلبة ، وبرز من شعراء المرحلة الشابي إياس أبو شبكة وأنور العطار ونازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي ولبذا الحيدري.
يقول إيليا أبو ماضي موضحاً سمات هذا المذهب:
السحب تركض في الفضاء الرحب ركض الخائفين
والشمس تبدو خلفها صفراء عاصبة الجبين
والبحر ساجٍ صامتٌ فيه خشوع الزاهدين
لكنّما عيناك باهتتان في الأفق البعيد
سلمى بماذا تفكرين ؟
سلمى بماذا تحلمين؟
3- المذهب الرمزي:
وقد نشأ هذا المذهب معتمداً على فلسفة مثالية تعتقد أن العلم لا يرى إلاّ الظواهر الخارجية والمحسوسة من الأشياء بينما الفلسفة تدرك حقيقتها ، وإن حقيقة الإنسان تكمن في منطقة اللاشعور التي ترى أنها المحرك الأساسي للسلوك والأفعال ، ومن هنا كان همُّ الأدباء والغوص في أعماق الطبيعة البشرية والاندفاع وراء الجمال الغيبي ، وقد اعتبر أصحاب هذا المذهب أن الشعر ايحاء وليس تعبيراً ، وأن الإبهام هو مفتاح الأعماق والأحلام ، وأن هذه اللغة لابّد أن تمنح حيوية جديدة باعطاء كلماتها معان جديدة كالانطلاق من الدمع الطاهر إلى الدمع الأسود وقد استعمل أدباؤنا هذا الرمز على نطاق واسع ومن هؤلاء خليل حاوي- أدونيس- صلاح عبد الصبور- محمود درويش- بدر شاكر السياب- أحمد عبد المعطي حجازي.
يقول خليل حاوي في قصيدة الناي والريح وهما رمز الاستقرار والعنف:
بيني وبين الباب أقلامٌ ومحبرةٌ
صدى متأفف
(كوم) من الورق العتيق
هم العبور
وخطوة أو خطوتان
إلى يقين الباب
ثم إلى الطريق
4-المدرسة الواقعية:
وقد نشأت هذه المدرسة على أعقاب انتشار الآلة واستبداد أصحاب الصانع بالعمال ورأت أن مهمة هذا الأدب هي خلق الواقع بصورة ممكنة التحقق بحيث يكون الأديب مؤثراً في عصره ، لا مراقب ثورياً في تفكيره وقد اهتمت هذه المدرسة بالجماهير الفاعلة . وبنت رؤيتها على الاشتراكية ويعد مكسيم غوركي مؤسس هذه المدرسة وقد تأثر بها أدباؤنا كالبياتي والعياب وسميع القاسم ومحمود درويش وسليمان العيسى . يقول وصفي القرنفلي في وصف ثورة الجماهير:
فقراؤنا قد حطموا حكم القناعة واستفاقوا
الجوع ليس من السماء فمن إذاً؟
وهنا أفاقوا......ومضوا فمن متسوّلين
على الرصيف ، لثائرين
الجوع.....صنع الناهبين الشعب، صنع الأثرياء.......




























الفصل الرابع
أبرز أعلام الشعر في العصر الحديث:
1- حافظ إبراهيم
1- نشأته وحياته:
ولد الشاعر النيل في محافظة أسيوط وتوفي
كان والده مهندساً تركه في الرابعة من عمره فقيراً ، انتقلت به أمه إلى القاهرة وكفله خاله الذي أدخله إلى المدرسة ثم انتقل به إلى محافظة طنطة . عاش شاباً يائساً إلاّ أن الفرص أسعفته لدخول الكلية الحربية حيث عمل في السودان، اتهم بثورة السودان فأقيل من منصبه فعاد إلى القاهرة ليعيّن أميناً لمكتبة دار الكتب المصرية .
2- شخصيته:
اتصفت شخصية حافظ بصفتين:
الأولى : اليأس والحرمان والفاقة.
والثانية : خفة الروح والقدرة على إظهار الضحك
وقد جعله الحرمان يتعاطف مع المصائب العالمية كزلزال مسين، وحريق (ميت غمر) في القاهرة.
3- شعره :
كتب حافظ إبراهيم في أغراض الشعر مقلداً المعاني السابقة والأغراض السالفة ودعا إلى التجديد:
آن يا شعر أن تفكّ قيوداً قيدتنا بها دعاة المحال
فارفعوا هذه الكمائم عنا ودعونا نشمُّ ريح الشمال
وقد دارت أغراضه الشعرية في فلك المراثي والأهاجي والأخوانيات والاجتماعية والسياسيات والشكوى:
إذا تصفحت ديواني لتقرأني وجدت شعر المراثي نصف ديواني
ويقول في رثاء مسّين الذي دهاها الزلزال سنة1908 م :
نبئآني ، إن كنتما تعلمان مادهى الكون أيّها الفرقدان ؟
غليان في الأرض نفّس عنه ثوران في البحر والبركان
ما لمسّين؟ عوجلت في صباها ودعاها من الردى داعيان
خسفت،ثم أغرقت،ثم بادت قضى الأمر كلُّه في ثوان
وقد وصف الشاعر مجزرة (دنشواي)التي ارتكبها الانكيز بحق فلاحي القرية:
بنات الشعر بالنفحات جودي فهذا يوم شاعرك المجيد
قتيل الشمس أورثنا حياةً وأيقظ هاجع القوم الرقود
وقد كان حافظ يدعو إلى الثورة ويعلق ذلك على عزائم الشباب من ذلك قوله:
فتعلموا فالعلم مفتاح العلا لم يبق باباً للسعادة مغلقا
وتحينوا فرص الحياة كثيرةً وتعجلوا بالعزائم والرُّقى
ودعا إلى إصلاح المجتمع من خلال تعليم البنات:
الأمُّ مدرسةٌ إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
الأمُّ أستاذ الأساتذة الأُلى شغلت مآثرهم مدى الآفاق
وقد دعا حافظ أيضاً على لسان اللغة العربية الفصيحة بعد أن حاول الانكيز نشر العامية المصرية:
وسعت كتاب الله لفظاً وغاية وما ضقت عن آىٍ به وعظات
أنا البحر في أحشائه الدرّ كامنٌ فهل سألوا الغواص عن صدفاتي.


2- المعروف الرصافي:
1- نشأته وحياته:
ولد الرصافي في بغداد (1292هـ- 1875م) وتوفي عام (1365هـ - 1945م) ودرس في الكتاتيب ثم المدارس ولم يتم تعليمه فاخذ علومه عن كبار الأدباء كمحمد شكري، ثم درّس في الأستانة ثم بالقدس ثم في بغداد واشترك في ثورة رشيد الكيلاني وكان من خطبائها عاش منزوياً بعد إخفاقها .
2- امتلك الرصافي حساً اجتماعياً حراً، يؤمن بحرية الشعب ويصرح بآرائه دفاعاً عن وطنه وشعبه.
3- شعره:
كتب في الشؤون الاجتماعية والسياسية والجماعية والكونية من ذلك وصفه للأرملة المرضع:
لقيتها ليتني ساكنت ألقاها تمشي، وقد أثقلَ الإملاقُ ممشاها
أثوابها رثّةٌ والرّجل حافيةٌ والدمعُ تذرفهُ في الخدّ عيناها
ودعا أيضاً للحرية قائلاً:
ألا إنّما حرّية العيش غادةٌ منى كلِّ نفس وصلّها ووفودُها
لقد واصلت قوماً وضلّت وراءها
أناساً تمنّى الموتَ لولا وعودُها

3- أبو القاسم الشابي:
1- نشأته وحياته:
ولد أبو القاسم الشابي في مطلع القرن العشرين ونهل الثقافة من موطنه تونس، ثقف نفسه مطلعاً على الآداب والتراث العربي المنقولة وقد عاجلته المنية عام (1934م) ولمّا يبلغ الخامسة والعشرين:
2- عاش الشابي حياة الألم والمرارة بسبب إصابته بمرض القلب، ولكن ذلك لم يكن حائلاً دون انطلاقه في الحياة .
3- شعره:
غنت قيثارة الشابي الشعرية لواعج نفسه، وصوّرت الدنيا الجاحدة وأشباح الموت تتراقص حوله:
أرأيت شحرور الفلا مترنماّ بين الغصون
جمد النشيد بصدره لما رأى طيف المنون
ولكنه مع ذلك قرع آذان المستعمرين الذين اغتصبوا الشعوب وهددهم بثورات الشعوب قائلاً:
ألا أيها الظالمُ المستبدُّ حبيب الفناء، عدوّ الحياة
رويدك لا يخدعنك الربيع وصحوا الفضاء وضوء الصباح
إذا الشعب يوماً اراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر
ولابدّ لليل أن ينجلي ولا بدّ للقيد أن ينكسر
وهو يشعر كشعبه المبتلى بالاستعمار كما ابتلي بالمرض أنه شيعيش رغم أعدائه:
سأعيش رغم الداء والأعداء كالنّسر فوق القمة الشماء
أرنو إلى الشمس المضيئة هازئاً بالسحب والأمطار والأنواء
وقد تمثلت الطبيعة برومانسيتها في شعر الشابي فأكثر من ذكر الوجود والحياة والطيور والأشجار والفجر والوديان ومن ذلك قوله:
اسكني يا جراح واسكني يا شجون
مات عهد النواح وزمان الجنون
وأطل الصباح من وراء القرون

4- التجاني يوسف بشير:
1- نشأته وحياته:
ولد أحمد يوسف بشير التجاني من أسرة عربية في الخرطوم عام (1880م) وتوفي عام (1937م) وتلقى علومه في معهد أم درمان الديني ثم ثقّف نفسه بنفسه وأصيب بذات الرئة (الصدر) فتوفي.
2- شخصيته:
عاش التجاني الإخفاق والمعاناة بعد فشله في التعليم وأصبح فريسة للمرض فاستكان لما أصابه ، وانسحب من الحياة العامة إلى الحياة الصوفية، وقد مثّل الرومانسية في شعره .
3- شعره:
كتب شعره في أبواب الغزل ووصف الطبيعة في الخرطوم وأنشد الشعر الصوفي في صراعه بين الشك واليقين .
يقول متغنياً بالجمال:
فيا وادعاً حالماً كالملا بك تهبط من حجرات الأبد
يرفُّ عليه شبابُ الفتون وتبرق في وجنتيه الفصد
ويقول واصفاً مدينة الخرطوم :
مدينة كالزهرة المونقة تنفحُ بالطيب على قطرها
ضفافها السحرية المورقة يخفق قلبُ النيل في صدرها
وشمسها الخمرية المشرقة تفرغُ كأس الضوء في بدرها
ويقول أيضاً مازجاً الطبيعة بالحب:
غنّنا يا جميل السند بيل وبارك بسحر عينيك فيه
إنّ حسنك العميق لأنها راً عذاباً تغض من آذيه
إنّ في وجهك الوضيء وعيـ ـنيك ينابيعَ من دلالٍ وتيه































5- ايليا أبو ماضي
1-نشأته وحياته:
ولد أبو ماضي في قرية المحيدثة عام (1889م) رحل إلى مصر بعد إتمامه للتعليم الإبتدائي، وأقام بها تاجراً في إحدى عشر سنة حيث تفتحت شاعريته ثم هاجر إلى أمريكيا وأقام في نيويورك، والتقى بجبران ونعيمة ونسيب عريضة ورشيد أيوب وانضم إلى الرابطة القلمية ، أسس صحيفة عربية (السمير) وأصدر مجموعة دواوين هي (تذكار الماضي – الجداول – الخمائل – تبرو تراب)
وتوفي مهاجراً (1947م).
2- شخصيته:
طغت صفة التفاؤل على نظرة أبي ماضي إلى الحياة رغم ما عاناه من غربة وتنقل، فكانت إرادته بالحياة قوية .
3- شعره:
امتلأ شعر أبي ماضي بالزفرات الرومانسية، ومثّل ذلك قصيدة الطلاسم:
جئت لا أعلم من أيـ ـن و لكني أتيت
ولقد أبصرت قدا مي طريقاً فمشيت
وسأبقى ماشياً إن شئت هذا أم أبيت
كيف جئت؟ كيف أبصر ت طريقي ؟
لست أدري
وهو يعيب على المتذمرين والشاكين من الحياة:
أيهذا الشاكي وما بكَ داءٌ كن جميلاً تر الوجود جميلا
وكانت فلسفته في الحياة الابتسامة في وجه الصحاب:
قال: السماء كئيبة وتجهّما قلت: ابتسم يكفي التجهّم في السّما
قال : الصّبا ولى، فقلت له ابتسم
لن يرجع الأسف الصّبا المتصرّما
قلت: ابتسم ما دام بينك والردى
شبرٌ فإنك بعد لن تتبسّما

6- الشاعر القروي:
1-نشأته وحياته:
ولد القروي في قرية البربارة سنة (1778م) ورث قرض الشعر عن والده، وتنتقل بين صيدا وبيروت حتى غدا معلماً للغة العربية، رحل إلى البرازيل في السادسة عشرة من عمره، عانى هناك شظف العيش وقسوة فراق الوطن والشوق إلى الأهل والأرض.
2- شخصيته:
امتلك القروي حساً مرهفاً صادقاً ربطه بوطنه بشكل كبير وقد بدا ذلك من أناته في البرازيل:
نصحتك يا نفس لا تطمعي وقلت حذار فلم تسمعي
فإن كنت تستهلين الوداع كنا تدّعين إذاً ودّعي
كفاك اضطراباً بالصدر المحيط قفي حيث أنت ولا تجزعي
3- شعره:
التحم في شعر القروي الوطن بالذات وأصبح البعد عن الوطن واليأس في العودة همّاً :
نأت عنك الأحبّة والديار فدمعك والأسى وطن وجارُ
وقد تمثل حبّ الشاعر لوطنه بوصفه للفتاة الانكليزية (مود) والتي أعرض عنها لأن صيحات الجهاد في موطنه شغلته عن ذلك:
ولو لم تكوني فرنجيّة لكنت سعادي قبل سعاد
لعمرك يامود لولا ذووك لما ميّز الحبّ بين العباد
فإني حرامٌ عليّ هواك وفي وطني صيحة للجهاد.
ومن ذلك وصفه لوعد (بلفور) قائلاً :
الحقُّ منك ومن وعودك أكبر فاحسب حساب الحقَّ يا متجبِّرُ
تعد الوعود وتقضي انجازها مهح العباد خسئت يا مستعمر
لو كنت من أهل المكارم لم تكن من جيب غيرك محسناً يا بلفرُ




























7- علاّل الفاسيّ
أ‌- نشأته وحياته:
ولد الشاعر الصحافي العالم علاّل الفاسيّ في المغرب، وتخرج من جامعة القرويين سنة (1930م) وأسس أول حزب سياسي في المغرب ، ثم نفاه الفرنسيون إلى الغابون ثم عاد إلى الكونغو ، ثم عاد سنة (1946م) إلى المغرب و استأنف نشاطه السياسي.
ب- شخصيته:
امتلك علاّل الفاسيّ نفسية شابة وحساً وطنياً صادقاً كان متفائلاً بالمستقبل ومتطلعاً نحو الأفضل.
جـ- شعره:
كتب الفاسيّ في معظم أبواب الشعر ولكنه أبدع في الشعر الوطني من ذلك وصفه لهحة الشباب :
كلُّ صعب على الشباب يهون هكذا همّة الرجال تكون
قدم في الثرى وفوق الثريا همة قدرها هناك مكين
وهو يرى الخلاص في عزم الشباب فيردف قائلاً:
يا شباب البلاد احييتونا قلنا فيكم رجاء متين
قد بعثتم رجاءنا فأديموا سيركم واعملوا ولا تستكينوا







8- عبد الله البردّوني
1- نشأته وحياته:
نشأ البردّوني في اليمن في مجتمع قبليّ ، أصيب منذ صغره بالعمى، ففجع وأبويه وانتقل ليتثقف في المدينة على الفقه الزيدي.
2- شخصيته:
عاش البردّوني شعوراً بانعدام الأهمية لعماه، وبسبب الصراع القبليّ المحتدم في اليمن ، وقد عايش الحزن والمرارة والشجن، وشعر بالعدمية والعجز، ثم تحول إلى مصارعة الحياة وإثبات وجوده على الساحة الأدبية.
3- شعره:
كتب البردّوني في الهجاء والشعر السياسي والثوري وبشّر بالثورة اليمنية قبل وقوعها وفي ذلك يقول:
إنّ خلف الليل فجراً نائماً وغداً يصحو فيجتاح الظلاما
ويؤكد من جديد على تفوق إرادة الشعوب:
الشعب أقوى من مدافع ظالمٍ وأشدُّ من بأس الحديد وأجلد
وهو القائل بثورة الشباب المؤذنة بايتلاج الفجر:
هتافٌ هتافٌ وماج الصدى وأرغى هنا،وهنا أزبدا
وزحفٌ مريد يقود السنا ويهدي العمالقة المرّدا
مضى منشدا وضلوع الطريق صنوجٌ توقع ما أنشدا






9- بدوي الجبل
أحمد سليمان الأحمد
آ- نشأته وحياته:
ولد الشاعر بدوي الجبل عام(1905م) في قرية ديفة من أعمال منطقة الحفة في محافظة اللاذقية ، والده علاّمة في الأدب والفقه . أقبل منذ حداثته على كتب اللغة والأدب ونهل من مدينة حماة ثم انتقل إلى دمشق واتصل بفيصل آل سعود ، توارى بعد فاجعة ميسلون بسبب ملاحقة الفرنسيين له، ثم ألقي القبض عليه وأودع السجن حيث لقي صنوف التعذيب، وأطلق سراحه لعدم بلوغه سن الرشد ، ثم نقي إلى العراق واتصل بالزهاوي الذي اشترك في ثورة رشيد الكيلاني وعاد إلى سوريا بعد إخفاقه الثورة ليعتقل من جديد كرّم الشاعر بعد الاستقلال ، وعيّن نائباً في مجلس الشعب ثم وزيراً للتعليم العالي، واستقر أخيراً في دمشق وتوفي فيها سنة(1981م)
لقّب ببدوي الجبل لأنه كان يوقع تحت قصائده باسم مستعار في صحيفة (الألف باء).
ب- شخصيته:
نشأ بدوي الجبل في بيئة وطنية صادقة، أسهمت مع الثقافة في نحو الحس الوطني يضاف إلى ذلك علو الهمة عند الشاعر بسبب كفاحه الطويل وتمسكه بالحرية مع ما يمتلكه الشاعر من صفات الإباء والمروءة والعزيمة التي لا تلين.
جـ- شعره:
كتب بدوي الجبل في الغزل والشعر الوطني والشكوى والطفولة والعشق الصوفي . من ذلك قوله متغزلاً:
وزار طيفك أجفاني فعطّرها يا للطيوف الغريرات المعاطير
كأن همسك في ريّاه وشوشة دار النسيم بها بين الأزاهير
يا طفلة الروح حبات القلوب فدى
ذنب لحسنك عند الله مغفور
ومن ذلك قوله في العشق الصوفي :
تصوف القلب تدليلاً لساكنه فما شكا عنت البلوى وعتبا
بيني وبينك أنساب موثقة هذا اللهيب بقلبي خيرها سببا
لم يشهد الله قلب لا لهيب به ويشرق الله في القلب الذي التهبا
ومن شعره الوطني في الشهادة قوله:
يا سامر الحيّ هل تعنيك شكوانا رقّ الحديد وما رقوا لبلوانا
أذكى من الطيب ريحاناً وغالية
ما سال من دم قتلانا وجرحانا
يعطي الشهيد فلا والله ما شهدت
عيني كإحسانه في القوم إحسانا
ومن ذلك قصيدته التي أهداها إلى حفيده في يوم ميلاده:
وسيم من الأطفال لولاه لم أخف
على الشيب أن أنأى وأن أتغربا
يزف لنا الأعياد ، عيداً إذا خطا
وعيداً إذا ناغى وعيداً إذا حبا
ثم يعظم الطفولة قائلاً:
ويا ربّ من أجل الطفولة وحدها
أفضى بركات السِّلم شرقاً ومغربا
وقد كتب الشاعر قصائده تعبر عن ذكرياته في اللاذقية والشام:

وأعشق برق الشام إن كان ممطراً
حنوناً بسقياه وإن كان خلَّبا
سقى الله عند اللاذقية شاطئاً
مراحاً لأحلامي ومغنى وملعبا.


























10- أحمد شوقي
آ- نشأته وحياته:
ولد شوقي في القاهرة سنة(1868م) ونشأ في بيت الملك ودرس الحقوق، وأوفده الخديوي لدراسة الآداب والحقوق في فرنسا وعاد إلى مصر سنة(1891م) وقرّب من بلاط حلمي عباس فأصاب الشاعر ثروة وجاهاً واسعين.
ثم أوفد إلى مؤتمر المستشرقين عام(1894م) ثم نفي بعد خلع الخديوي عباس ، فاختار الأندلس ، عاد إلى مصر (1919م) وبويع بإمارة الشعر(1927م) وتوفي(1932م) جمع شوقي بين جنسيات مختلفة فوالده كردي وأمه تركية وجدته لأبيه جركسية، وجدته لأمه يونانية ، فكان منزعه إسلامياً أكثر من كونه عربي .
ب- شاعريته:
اجتاز شعر شوقي مرحلتين : الأولى شاعر القصر حيث بقيت عاطفته رهينة القصر.
والثانية شاعر الشعب وقد عايشها بعد عودته من منفاه وفيه سبك معظم قصائده.
نهل من مختلف الثقافات الشرقية والغربية والعربية والأجنبية ، تأثر بالبحتري والمتنبي وابن زيدون والمعري وبالرومانسية وقد كتب ديواناً في أربعة سميّ (بالشوقيات). وقد كتب مسرحيات شعرية ونثرية( مصرع كليوباترا – مجنون ليلى-
قمبيز- الست هدى – علي بيك الكبير- عنترة)
والمسرحية النثرية اليتيمة(أميرة الأندلس)
وألف قصيدة طويلة عنوانها (دول العرب وعظماء الاسلام)
جـ- أهم أغراضه الشعرية:
عالج شوقي معظم أغراض الشعر وعلى رأسها:
1ً- الوصف:
وهو أكثر أغراض الشاعر كتابة لما يمتلكه شوقي من خصوبة الخيال ساعده كثرة التجوال و السفر و الخروج إلى الطبيعة و لا تكاد تخلو قصيدة منه .
فقد وصف مظاهر الحياة الاجتماعية ، و الاختراعات الحديثة و الحروب و الطبيعة و الآثار.
تأثر وصفه بالبحتري في وصف آثار الأندلس ،من ذلك قوله في وصف غوطة دمشق:
جرى وصفّق يلقانا بها بردى كما تلقّاك دون الخلد رضوان
والحور في دمر أو حول هامتها حور كواشف عن ساقها وولدان
ومن ذلك وصفه لنخيل مصر:
مآذن قامت هنا وهناك ظواهرها درج من شذب
ومن ذلك أيضاً وصفه لمعركة سفاريا التي تغلب فيها مصطفى كامل على اليونانيين:
الله أكبركم في الفتح من عجب يا خالد الترك جدّد خالد العرب
يوم كبدر مخيل الحقِّ راقصةٌ على الصعيد ،وخيل الله في السحب
ومن ذلك وصف الطيارة:
مركب لو سلف الدهر به كان إحدى معجزات القدماء
نصفه طير ونصفه بشر يالها إحدى أعاجيب القضاء
ب- الشعر المسرحي:
كتب شوقي الشعر المسرحي متأثراً بما شاهده من مسرحيات أثناء دراسته في فرنسا،ويعدّ الرائد الأول في إدخال الفن المسرحي إلينا بعد أن كانت المسرحيات قبله بدائية وبسيطة، وقد كتب خمس مسرحيات شعرية هي:(مصرع كليوباترا- قمبيز – علي بيك الكبير- مجنون ليلى – عنترة العبسي). ومسرحية نثرية استوحاها من حياة مصر الشعبية المعاصرة:( أميرة الأندلس)
ومسرح شوقي مسرح اتباعي (كلاسيكي) مستمد من الكلاسيكية الفرنسية في القرن السابع عشر، إذ أن تمثيلاته تمثل الحياة الأرستقراطية والبطولة بلغة فخمة وحوادث تاريخية قديمة، تهتم بعاطفة الحب، وقلّد شوقي المسرح الرومانسي، وخرج على الوجدان الثلاثة :( الزمن- المكان- الموضوع).
وأخذ عليه مخالفته لبعض الحقائق التاريخية كجعله لكليوبابترا ملكة عظيمة مستهرة، وأخذ عليه أيضاً مخالفته لبعض العادات العربية، كما صنع في مسرحية المجنون حيث قامت ليلى بتقديم وتعريف أترابها على قيس ، وقد أضاف شوقي مقاطع غنائية إلى مسرحياته إرضاءً للجمهور المصري الذي يحب الغناء والرقص. وشخصيات شوقي المسرحية بسيطة قليلة التعقيد تتحدث بعفوية لكن أسلوبه من حيث الصياغة جمّل بالإطناب.
د- الخصائص الفنية لشعر شوقي:
يعد شوقي أحد أركان مدرسة البعث والإحياء وقد ترسم خطا أستاذه البارودي فاعتمد على القوة والجزالة والفحولة، وحافظ على عمود الشعر ، وتألق في الصياغة والتراكيب وتحرر من الصنعة البديعية وتأثر بأشعار الفرنسيين وخاصة (البحيرة) لـ (لامارتين) وأراد أن يجدد لكنه تراجع بسبب الحملة النقدية التي أفقدته هذا النهوض.
عناصر البناء الشعري عند شوقي
1- المعاني: نظم شوقي معظم قصائده في غرض واحد وإن خرج ببعض القصائد من الغرض الأصلي إلى الحكمة أو السياسة أو المجتمع ، وقد تميزت معانيه بما يلي:
1ً- (الخصوبه)
وللحرية الحمراء باب بكلِّ يدٍّ مضرجة يدق
2ً- (الابتكار):
دقات قلب المرء قائله له: إنّ الحياة دقائق وثوان
3ً- (التوليد لبعض المعاني من معانٍ قديمة):
رباع الخلد ويحك ما دهاها أحقاً أنها درست أحقُّ
4ً- (تأثر هذه المعاني بالمجتمع المشرقي والغربي):
ترسم الشاعر في معانيه خطا البحتري وأبي فراس وأبي الطيب وأبي نواس من ذلك:
شغف البحتري إيوان كسرى وشفتني القصور من عبد شمس
وتمحور المعاني حول وصف الحضارة الحديثة (القطار- الطائرة –الغواصة – سفينة البخار).
2- الخيال :
اتصف خيال شوقي بأنه:
1- كان عارماً كما في قصيدته (يا حارة الوادي)
2- مزدحماً بالصور كما في قصيدته(نكبة دمشق)
3- سرعة الحركة كما في وصفه للقصور الفرعونية التي غرقت في ماء النيل (وصف قصر أنس الوجود):
قف بتلك القصور في اليم غرقاً
ممسكاً بعضها من الذعر بعضا
تعذارى أخفين في الماء بضاً
سابحاتٍ به وأبدين بضا
3- العاطفة :
تتصف عاطفة شوقي بما يلي :
1- أقل قوة من العقل في شعره
2- عاطفة غيرية تضطرم في الحديث عن الغير
3- لم تكن عاطفته ذاتية حتى في رثائه لأمه وأبيه حارة
4- وصف العقاد شعر لشوقي لبرود عاطفته بالشعر الذي لا يمثل النفس الممتازة.
4- الأسلوب :
اتصف أسلوب شوقي بما يلي:
1- جمال التراكيب ووضوحها وقوتها.
2- جمال الألفاظ وفخامتها وقدرتها على الإيحاء والتأثير في النفوس
3- قدرة شوقي بسبب موهبته الموسيقية ، وذوقه المرهف على اصطفاء الألفاظ الرنانة والعذبة
4- قدرته على تناغم الألفاظ وتساوقها.












الفصل الخامس
الشعر الحديث
1- مقدمة:
تعود ولادة هذا النوع من الشعر الحديث إلى منتصف القرن العشرين على يد الشاعر بدر شاكر السياب و الشاعرة نازك الملائكة ، و إن كانت بذوره الأولى قد ظهرت عند الشعراء العرب المهاجرين كأمين الريحاني و ذلك تأثراً بالطريقة الأروبية في كتابة الشعر ، و قد سمّاه البعض بشعر التفعيلة أو الشعر الحر أو الشعر الحديث .
2- سمات مرتكزات هذا اللون من الشعر :
1- التشكيل الموسيقي :
تبرم الشعراء المحدثون من التشكيل الموسيقي القائم على الوحدة الموسيقية المتكررة في كل بيت ضمن سياق واحد و خط معين . و اعتبروا أن القصيدة الحديثة هي بنية ايقاعية ترتبط بحالة شعورية معينة تعتمد التفعيلة بحيث تتحرك الموسيقا في كل شطر وفق التي تموج في نفس الشاعر . يقول بلندا الحيدري :
يا صديقي ( فاعلاتن )
لم لا تحمل ماضيك و تمضي عن طريقي (فاعلاتن –فعلاتن – فعلاتن-فاعلاتن)
قد فرغنا و انتهينا (فاعلاتن- فاعلاتن )
و تذكرّنا كثيراً ونسينا . (فعلاتن-فاعلاتن-فعلاتن ) .
و الغالب على هذا النوع من الشعر استخدام البحور الشعرية
الخليلية و عدم الخروج عن البحور الصافية ( ذات التفعيلة الواحدة )
إضافة إلى مزج ثلاثة بحور في قصيدة واحدة كقصيدة (جيكور أمي) البدر شاكر السياب.
وقد اتهم أصحاب هذا اللون مسألة القافية بأنها تحدّ من انفعال الشاعر ، وتقطع أنفاسه وتضطره للبدء من جديد ،واعتبروا أن القافية في الشعر هي نهاية السطر الموسيقي باستخدام أية كلمة يستدعيها السياق.
يقول صلاح عبد الصبور في أغنية حبّ:
صنعت مركباً من الدخان والمداد والورق؟
ربّانها أمهر من قاد سفيناً في خضمّ
وفوق قمة السفين يخفق العلم
وجه حبيبي بيرقي المنشور
جبت الليالي باحثاً في جوفها عن لؤلؤة.
2- وحدة القصيدة:
وهو ما يسمى الوحدة العضوية حيث اعتبر الشعراء المحدثون القصيدة كلٌّ لايتجزأ وتتضافر أجزاءه في ايصال المعنى فالقصيدة كالإنسان كما أن كل عضو فيه يؤدي دوراً متكاملاً مع الأعضاء الأخرى ، كذلك مقاطع القصيدة الحديثة تتكامل في ايصال الموضوع الواحد على عكس الشعر التقليدي الذي اتخذ البيت وحدة عضوية.
3- اللغة الشعرية:
وقد اهتم المحدثون باللغة على أنها قاموس خاص يعكس شخصية الشاعر نفسه إذ لكل شاعر لغة خاصة به ولم يعد يبحث هؤلاء المحدثون عن الفخامة والجزالة والتركيز والايحاء بل يفتش الشاعر عن الكلمات المفعمة بالنبض والمعبرة عن الانفعال بيسر وراحة.
يقول محمد الفيتوري:
كلماتي أشواق سجين عاش، وثأر سجين مات
كلماتي أجساد ضحايا مصلوبين على الطرقات
كلماتي أحشاء حبلى تتلّوى تحت الطعنات
كلماتي أصوات حياة لا تعرف موت الكلمات
4- الرمز والأسطورة:
وقد أكثر المحدثون من استخدام الرموز أدوات للتعبير على اعتبار أن بين الرمز والتجربة الشعرية التمام شديد يخلقه السياق الشعري، وقد تناول الشعراء المحدثون الرموز الشعبية والأساطير القديمة والموروثة ، فمن الرموز التي استعملها الشعراء:
حفّار القبور-الكوليرا لنازك الملائكة .
أما الأساطير فقد أكثر الشعراء من استخدامها سواء ما تعلق بالأساطير البابلية أو الرومانية ، كتحوز وعشتار وأوديس- الفينيق والسندباد.
يقول بدر شاكر السياب في قصيدة رحيل النهار:
رحل النهار
ها إنه انطفأت ذبالته على أفق توهج دون نار
وجلست تنتظرين عودة سندباد من السّفار
والبحر يصرخ من ورائك بالعواطف والرعود
هو لن يعود
رحل النهار
فلترحلي هو لن يعود.
5- الصورة الشعرية :
وتعني أن يرسم الشاعر بكلماته شهداً تصويراً يعتمد على المجاز أكثر من اعتماده على الاستعارة والتشبيه كما كان يصنع الشعراء القدماء. قال نزار قباني:
في مرفأ عينيك الأزرق
أمطارٌ من ضوء مسموع
في مرفأ عينيك الأزرق
يتساقط ثلج تموز
وقد لجأ الشاعر في تصويره الحديث إلى إظهار الواقع اللاشعوري وأشرك حاسة السمع في عملية الرؤية، وهي تصور تخالف منطق العقل، ولكن الخيال يقلبها ، وقد يفتت الشاعر الحديث في صوره الأشياء الواقعية ويفقدها تماسكها البنائي ،ثم يعيد بناءها وترتيبها وفقاً لحالته النفسية ، وقد يميل الشاعر الحديث إلى إضفاء شيء من الغموض والإبهام على الصورة الشعرية بحيث يحدد بعض معالمها كما في قول الشاعر محمد عمران:
أدور في مدار برتقالة زرقاء
أو كما قال أدونيس في بعض قصائده:
أتكئ على قلمين.
أو كما قال أحدهم في عنوان لكتابه:
سأخون وطني.













الفصل السادس
النثر العربي في العصر الحديث
آ- مقدمة :
أخذ النثر في العصر الحديث يخرج من دائرة الصنعة والجمود وتحجر العقل وموت الفكرة ليبدأ مرحلة جديدة تتسم بسمات مختلفة عن العصر السابق.
ب- سمات النثر الفنية في العصر الحديث:
مرّ النثر في العصر الحديث بثلاث مراحل متداخلة ، طبعت هذا النثر بميزات خاصة وهذه المراحل:
1- مرحلة التحفز :
وأصحاب هذه المرحلة هم جيل الطليعة الأولى في حياة القرن التاسع عشر . إذ جدّت في حياة الشعوب في هذا العصر بواعث حركت الأدباء وحفزتهم بسبب الاتصال بالحضارة الغربية ، فدعا أصحاب هذه المرحلة إلى تفحص الواقع والدعوة إلى إصلاحه وتطويره ، ومن روادها "اليازجي – الطهطاوي – البستاني"
وقد كتب هؤلاء الكتاب نثرهم معتمدين على أسلوب السجع أحياناً ، ونقل الألفاظ والمصطلحات الفرنسية حرفياً أو تصريفها واشتقاقها أحياناً ، وحملت كتاباتهم بعض الأخطاء الصرفية ، ولكنهم أغنوا الفكر العربي الحديث ، ويسروا اللغة وأمدوها بمصطلحات الحضارة الجديدة . يقول الطهطاوي في تعليم البنات:
( فلا شك أن حصول النساء على ملكة القراءة والكتابة وعلى التخلق بالأخلاق الحميدة ، والاطلاع على المعارف المفيدة ، هو أجمل صفات الكمال ، وهو أشوق للرجال المتربين من الجمال.......).
2- المرحلة الثانية (مرحلة تثبيت الدعوة إلى الإصلاح والتطوير).
ويمثلها أديب اسحق وعبد الرحمن الكواكبي – محمد عبد و قاسم أمين – ولي الدين يكن- ابراهيم اليازجي.
وقد تكون لدى هؤلاء فكر حديث وسّع التعبير عن الحياة الحديثة ، وتفكيرها وقد بدا أسلوب أصحاب هذه المرحلة يحمل متانة في التعبير ، وسلامة في الأسلوب واستخداماًللإنشاء المزدوج والمسّجع ومع بعض التخلص من الصنعة والضعف والركاكة .
يقول الكواكبي في الاستبداد والعلم:
(إن بين الاستبداد والعلم حرباً دائمة،وطراداً مستمراً يسعى العلماء في نشر العلم ويجتهد المستبد في إطفاء نوره، والطرفان يتجاذبان العوام......).
3- المرحلة الثالثة(مرحلة البناء):
حيث حمل أصحاب هذه المرحلة على عاتقهم مهمة البناء بعد أن فتحت نوافذ الثقافة من الأمم الأخرى ومن كتاب هذه المرحلة:
(المنفلوطي – جبران – جرجي زيدان- الرافعي- طه حسين- أحمد حسن الزيات).
وما زلنا نحن نعيش في امتداد هذا الجيل ، وقد امتاز أسلوب المنفلوطي بسلامة العبارة وجمالها وكثرة الترادف والازدواج والصور والرقة والعاطفة .
وتميز جبران بالتصوير الخيالي الجانح والصور البراقة والألفاظ المجنحة والجمل الشعرية .
وتميز طه حسين بطريقة المراجعة واللف والدوران بأسلوب آسرٍ شائق.
وأهم سمات النثر في هذه المرحلة :
1- الاتجاه إلى تصوير الحياة الشعبية.
2- سلامة العبارة وسهولتها وخلوها من الضعف والركاكة .
3- تجنب الألفاظ الغربية والمهجورة والنادرة .
4- المساواة بين اللفظ والمعنى .
5- تأثر النثر بالعلوم الأخرى (علم النفس والاجتماع).
6- تأثر النثر بالآداب العالمية.
7- ظهور فنون جديدة كالمقالة والمسرحية والرواية .
يقول طه حسين في مقالة ( حرية الأدب والنقد ):
( صدّقوني أن من الإسراف أن تفرضوا النظام على كلِّ شيء، فدعوا الأدب طليقاً ، كما أراد الله له أن يكون ليكتب من شاء ما يشاء، ولينتقد من شاء كما يشاء ،فلا حياة للأدب إلا بهذا،....).
جـ- ميادين النثر الحديث:
إذا كان الأدب شعراً أو نثراً يكتب من الإنسان وإلى الإنسان فإن النثر الحديث قد اتجه تبعاً للحياة والثقافة الحديثة الاتجاهات التالية:
1-الاتجاه الاجتماعي:
عالج كتاب النثر الحديثون المشاكل الاجتماعية التي اعترضت حياة المجتمع في عصره فتحدثوا عن المشاكل التالية:
أ- مشكلة الفقر وأسبابه: وقد عالج الكتاب أسباب الفقر وحالوا بواعثه وكشفوا عن أثر الحكومات الفاسدة في تثبيت دعائم الاستغلال . يقول ميخائيل نعيمة:
( ما نام إنسان على الطوى إلا لأن غيره أكل واختزن فوق حاجته خيرات الأرض والسماء ، ولا افتقر رجل إلى ثوب إلا لأن لجاره ثوبين.....).
ب- تفاقم وضع الطبقات الكادحة: التي أخذت تزداد بؤساً وظلماً بسبب استغلال المستغلين ، وقد عالج الكتاب هذه القضية وأشادوا إلى أن الثورة الحقيقية في صفوف الفقراء ضد المترفين هي الحل الحقيقي.
يقول أحد الكتاب في ذلك :
( أليس الرجل منكم كالرجال منّا ؟ فما بالكم لا ترضون بثلاثين صنفاً من الطعام ونرضى بالخبر والملح ولا تقنعون بالألوان ونقنع بالقرش الواحد ؟ أخلقتم من الذهب وخلقتنا من التراب؟...).
جـ- قضية الصراع الطبقي : من خلال التاريخ حيث صوّر الكتاب استغلال بعض فئات المجتمع لتحقيق رغباتهم كما في الصراع بين السادة والعبيد فيما قبل الإسلام وقد مثله الأديب ممدوح عدوان(ليل العبيد) ونادى من خلال هذه المسرحية بالحرية والعدل والمساواة وتطوير المجتمع وضرورة استمرار الكفاح للحفاظ على المكتسبات.
د- قضية الهجرة من الريف إلى المدينة: وذلك بحثاً عن العمل وقد أدى ذلك إلى اكتضاض المدن بالسكان وخلو الريف منهم ، وبالتالي تراجع الحركة الزراعية وقد مثّل ذلك الكاتب الجزائري بشير خلف ( الأرض تنتحب ).
حيث عالج الكاتب آفاق التسول والبطالة والسرقة وقد عالج الكاتب قسوة الحياة في المدن.
هـ- قضية هموم الإنسان المعاصر وتطلعاته إلى المستقبل:
وقد صوّر الأدباء في هذه القضية حبّ الإنسان لوطنه بعد ظهور مفاهيم جديدة في هذا المجتمع وحاربوا المحسوبية والمكتبية والبيروقراطية والروتين.
2- الاتجاه القومي:
وقد عالج الكتاب في هذا الاتجاه مجموعة من المشكلات أهمها:
أ- مشكلة التجزئة: التي صبغت الأمة الواحدة إلى مجموعة دويلات بعضها كحبِّ السمسم ، وقد أدى ذلك إلى حدوث صراع اقليمي – قطري ، شتت جهد الأمة . يقول ساطع الحصري متحدثاً عن حقيقة التجزئة :
(وأما الدول والدويلات القائمة في هذه البلاد ، فإنها وليدة المناورات والمساومات والمقاسمات التي قامت بين الدول المستعمرة......)
ب- الدعوة إلى الوحدة : التي نستطيع بها أن نقف أمةً تدافع عن أبنائها وخيراتها وقد مثّل ذلك أديب اسحق حيث دعا إلى تثبيت روح المحبة عند أولي الأمر في هذه الدويلات:
(ألم يكن في كلّ هذه الأقطار نفر من أولي العزم تبعثهم الغيرة والحمية على جمع الكلمة العربية فيتلافون أحوالهم قبل التلف......)
جـ- الدعوة إلى محاربة الصهيونية ودولتها اسرائيل: التي أصبحت خطراً على الأمة كلّها ، وقد مثّل ذلك أكرم زعيتر الذي فهم هذه الصهيونية وكشف مطامعها:
( إنّ اسرائيل تسخر في سبيل تحقيق مآربها كل وسيلة ، لائذة بعناصرها العلم والنظام والسرعة، معبئة كل قواها البشرية لتقذف بها في معركتها مع العرب ، وهي تتحفز لوثبة تستولي بها على بقية القدس وأماكنها.....
ثم تغزو شرق الأرض منسوريا فلبنان فسائر بلاد العرب).
د- الدعوة إلى محاربة الاستعمار: الذي اشترك مع الصهيونية في جرائهم ضد الشعب العربي.
هـ- تصوير الروح الوطنية: التي شبّت في نفوس الجماهير فاندفعت تقاوم الاحتلال، كما في ثلاثية نجيب محفوظ في مصر ( بين القصرين – قصر الشوك – السكرية).
وثلاثية مجد ديب( الدار الكبيرة – الحريق – النول)
وثلاثية صدقي اسماعيل (آل عمران – الصديقان – العصبة)
و- استلهام التاريخ للأدب: بعد وقوع نكسة حزيران بحيث يغدو الماضي وسيلة لانتقاد الحاضر ومن المسرحيات التي تمثّل ذلك ( مغامرة رأس المملوك جابر) لسعد الله ونوس-(محاكمة الرجل الذي لم يحارب) لممدوح عدوان ورضا قيصر لعلي عقلة عرسان.
ز- مواجهة أدباء الأرض المحتلة لمحاولات العدو الصهيوني:
في محو الثقافة العربية وذلك بعد حرب (1948) إذ تحولت الحرب مع اليهود إلى حرب استيطانية ثقافية غايتها اقتلاع جذور الثقافة العربية، وقد وقف توفيق فياض واميل جيبي وغسان كنفاني في مواجهة ذلك فكتب اميل جيبي ( سداسيات الأيام الستة) وتوفيق فياض رواية ( التسارع الأصفر).
3- الاتجاه النقدي:
وهو اتجاه تفرع إلى تيارات متعددة أسهمت في نقد الأعمال الأدبية في هذا العصر ، وأهم هذه التيارات :
أ‌- تيار غربلة الأدب: كما هو عند ميخائيل نعيمة في كتابه ( الغربال) حيث أراد الكاتب تبين مهمة هذا الاتجاه لتصحيحه مسار الأدب . يقول نعيمة:
( إنّ مهمة الناقد الغربلة ، لكنها ليست غربلة الناس بل غربلة ما يدوّنه قسم من الناس من أفكار وشعور وميول).
ب- تيار مدرسة الديوان: التي تزعمها المازني والعقاد وعبد الرحمن شكري وقد بين العقاد رأيه في الشعر الصحيح قائلاً:
( ليست مزية الشاعر أن يقول لك عن الشيء ماذا يشبه ، وإنما مزيته أن يقول ما هو ؟ ويكشف عن لبابه وصلة الحياة به).
جـ- تيار الشعر الحر: وقد مثلته نازك الملائكة حينما أرادت أنّ تبين أن هذه الحركة هي اندفاعة اجتماعية وليست منبعثة من الفراغ:
( ولعلّ الدليل على أن حركة الشعر الحر كانت مقودة بضرورة اجتماعية محضة هو أن محاولات وأدها قد فشلت جميعاً....)
د- تيار نقد الشخصيات الأدبية القديمة والحديثة:
حيث كشف نقاد هذا التيار عن سلوك واتجاه وفن شخصيات مختلفة كما صنع طه حسين مع عنترة والمتنبي وأبي العلاء المعري ، وكما صنع العقاد ( ابن الرومي وعبقريات محمد وعمر....
وكما صنعت الدكتورة نعمة فؤاد في(أدب العقاد).
هـ- تيار نقد الأدب المعاصر : من خلال اتجاهاته وفنونه وتطوراته ومدارسه ، كما في كتاب الدكتور عز الدين اسماعيل:
( اتجاهات ومدارس وفنون في الأدب الحديث ) (دارسات في الأدب العربي المعاصر).
وكما في كتاب النقد الأدبي الحديث ( محمد غنيمي هلال).
4- الاتجاه الذاتي:
وهو اتجاه عرض للتجارب الإنسانية ووصف جزئياتها وسجّل انفعالات أصحابها وما تأثر به الكتاب من مظاهر الطبيعة التي أشركوها بأحاسيسهم كما في قول جبران:
أيتها الريح ....إلى أين تتسارعين بأرواحنا وتنهداتنا وأنفاسنا ؟ أين تحملين رسوم ابتساماتنا؟
وكما عند نعيمة في تصويره لمعاناته وهمومه وقلقه:
(ففي جبهة – حنّين – وحده لي معين لا ينضب من الفتنة الخرساء المنهلّة بغير انقطاع).
وكما هو عند المنفلوطي شعرة بيضاء تسللّت إلى رأسه:
(أيتها الشعرة البيضاء .....ليت شعري من أيِّ نافذة
خلصت إلى رأسي؟....وكيف طاب لك المقام في هذه الأرض الموحشة التي لا تجدين فيها أنيساً يسامرك؟.
وكما في قول الرافعي عندما رأى فاتنته أول مرة:
(كلمّا رأيتها أول مرة ، ولمسني الحبّ لمسة ساحر، جلست إليها أتأملها وأحتسي من جمالها).
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف