الأخبار
الهدنة على الأبواب.. وتجار الحرب إلى الجحيممسؤولون أميركيون: ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء حرب غزةنتنياهو: لقائي مع ترامب قد يسهم في التوصل إلى اتفاق بغزةالاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينيةمستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية مشددة من قوات الاحتلالعائلات أسرى الاحتلال تطالب الوفد بتسريع إنجاز الصفقة خلال هذا الأسبوع
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الأنباط : تاريخ وحضارة (الجزء3 من الفصل 2) لمؤلفه عزام أبو الحمـام

تاريخ النشر : 2010-04-09
الأنباط : تاريخ وحضارة (الجزء3 من الفصل 2) لمؤلفه عزام أبو الحمـام
مدينة البتراء ومعالمها الباقية

وإذا قيض للمرء أن يعبر قرية وادي موسى ليصل إلى بداية السيق، فإنه لا بد من أن يمر مشيا على الأقدام أو فوق ظهور الدواب بطريق مرصوف طوله حوالي كيلو متر ونصف الكيلومتر بدءا من مركز الزوار في منتصف الوادي تقريبا، وسيدهش المرء من المناظر الخلابة التي يقع معظمها على الجانب الأيمن لهذا الطريق، وسيشاهد المرء كتلاً ضخمة من الصخور الملونة التي يغلب عليها اللون الوردي rose وقد استغلها الأنباط في بناء القبور التي حفرت في الصخور العالية وزين بعضها بنقوش فيها من البساطة والفن ما يسحر المشاهد. وما أن يعبر الزائر السيق حتى يبدأ مرحلة أخرى من المشاعر والتصورات التي يوحي بها هذا الشق العظيم الذي يشكل المدخل الرئيس للبتراء، وبجانب مدخل السيق من السهل مشاهدة آثار البركة التي كانت تتجمع فيها مياه الوديان ومنها يجري نقلها عبر الأنابيب الفخارية التي ما تزال آثارها تلتصق بجدار السيق. وترتفع جدران السيق حوالي 200 قدم في حين يبلغ عرضه حوالي ثلاثة أمتار تقريبا تتسع وتضيق، وقد حرص الأنباط على تزيين هذا الممر بالكثير من الرسومات البارزة والنقوش والنصب، خصوصا نصب إلههم الأكثر تبجيلا "ذو الشرى" الذي كان يرمز له بالأنصاب المتعامدة. وقد يتيسر للزائر استذكار بعض اللحظات الطبيعية التي كانت حية أيام الأنباط وهو يشاهد الخيول والبغال والجمال التي تنقل الزوار جيئة وذهابا خلال السيق، ولا بد أن حوافر دواب القوافل والزوار ورجال الأمن الأنباط كانت تعزف هذه الألحان الناتجة عن صرير الحوافر بأرضية السيق الذي كان آنذاك مكسوا بالبلاط الحجري الذي ما يزال بالإمكان التعرف على بقاياه.
وما أن تنتهي من السيق، حتى تفاجأ بطلعة الواجهة الرئيسية للمدينة ألا وهو ما يعرف ببناء الخزنة الشهير، أو "خزنة فرعون" الذي يبدو كواجهة قصر عظيم، ولا بد للزائر من أن يتوقف طويلا متأملا هذا المنظر الرائع الذي يفرض على المشاهد مشاعر الرهبة والتبجيل والإعجاب، وقد وصفه الكثيرون فلم يوفوه حقه، "وهذا الأثر يعتبر أكبر النصب التذكارية الأثرية وأكملها وأجملها، لقد وجدناها في تمامها وكمالها مثلما تركها نحاتوها قبل خمسة عشر قرنا أو عشرين، ويزيد في جمالها وزينتها تشربها بالألوان الطبيعية للصخور الرملية المشعة"(6) ومع أن هذا البناء هو أكثر الأبنية وضوحا واكتمالا، إلا أنه ما يزال سرا من أسرار البتراء، إذ أن خبراء الآثار لم يتفقوا على ما إذا كانت الخزنة معبدا أم ضريحا، لكن أكثر الأدلة تميل إلى تأييد القول بأنها أنشئت لتكون معبدا(7). تبلغ واجهة الخزنة 92 قدما، ويبلغ أقصى ارتفاع لها 130 قدما، وبين العلماء جدل حول تاريخ هذا الأثر المهم، فبعضهم يرجعه إلى عصر هدريان (حوالي 131 ميلادي)، وبعضهم يراه أقدم بكثير من ذلك، وأغرب ما في الخزنة من الناحية المعمارية اشتمالها على تيجان أعمدة كورنثية (يونانية)، وهذا ما يقوي الافتراض بأن الذين بنوها كانوا معماريين غرباء، ولكن ما الخزنة؟ الأغلب أنها معبد أقيم في رأي بعضهم للربة "مناة "، وفي رأي آخرين معبد للعزى، وذهب فريق ثالث إلى أنه معبد – ضريح لأحد ملوك الأنباط، ولكن ليس ثمة ما يدل على أن الخزنة اتخذت ضريحا، وفي الخزنة غرفة وسطى مساحتها أربعون قدما مربعا، وهي عاطلة من كل زخرف وتفضي إلى غرف صغيرة على جانبيها، منها غرفتان كثيفتا الزخرفة، وسطوح الحجارة فيها ليست ملساء إنما واضحة الخشونة(8).


صورة الخزنة – بعد الانتهاء من السيق

وليس من المستبعد أن تكون الخزنة وساحتها مركزا لإقامة طقوس دينية أو طقوس تجارية وإدارية للمدينة لأنها تقع في بداية المدينة وتمتد أمامها ساحة واسعة ، أو منها ينطلق الزائر إلى شوارع المدينة ومنها يغادرها أيضا، بعد انتهاء الزائر من تأمل الخزنة وتفحصها، فإن الطريق ستقوده عبر قصبة البتراء أو وادي البتراء، وسرعان ما سيجد الراجل نفسه محاط بالكثير من الأبنية المنقورة في الصخر، فعن يساره أبرز المعالم مدرج البتراء، ويتسع هذا المدرج لثلاثة آلاف مشاهد أو أكثر، وعن يمينه في المرتفع الصخري بناء المحكمة، وهي بناء منقور بالصخر يحتوي على أعمدة ضخمة وغرف كبيرة يصعد إليها بدرج، ومن تحت الدرج بإمكانك مشاهدة السجن أو مقر القوة المكلفة بحماية المحكمة ربما، وحول هذا الصرح الكبير تنتشر القبور والأبنية المختلفة المنقورة في الصخر التي تفنن فيها النحاتون

صورة بناء المحكمة – على يمين الوادي وسط البتراء

والبناءون فبدت لوحات فنية يصعب نسيانها، وإذا ما استمر الراجل سيرا عبر الوادي فإنه سيلاحظ آثار الطريق القديم وبمحاذاته القناة المائية التي كانت جزءا من خط المياه الرئيس الذي يغذي البتراء ويصرف سيولها إلى الخزانات والبرك والآبار، وسيجد الزائر في وسط الوادي ما يعرف بـ"قصر البنت" وهو بناء متقن من الحجارة المقطوعة والمشذبة بعناية، ويبدو أن هذا البناء كان معبدا. وإلى الجهة الشرقية الشمالية من هذا الأثر تبدو أكوام هائلة من الحجارة التي تنبئ عن استيطان كثيف في البتراء قبل أن تتهدم أبنيتها بفعل زلزال قوي سنة 363 ق.م. والتنقيبات التي أجرتها البعثة السويسرية في موقع الزنطور (1988-2001م) كشفت عن وجود استيطان نبطي كثيف امتد من القرن الثاني قبل الميلاد إلى ما بعد القرن الثاني الميلادي، والزنطور يقع في الجهة الجنوبية الغربية للبتراء ويشرف على مركز المدينة(9). وعلى الإجمال، فإن الكهوف الصخرية والقبور المنحوتة التي تعج بها صخور البتراء تشي باستيطان كثيف شهدته المدينة بحيث جرى استغلال كل مساحة ممكنة من هذه الصخور التي جاء بعضها على شكل طوابق بعضها فوق بعض.
وكنا قد ذكرنا أن تقديرات عدد سكان المدينة كان يبلغ حوالي ثلاثين ألفا في فترة ازدهارها، وهذا الرقم يعد كبيرا بمقاييس تلك الأيام، ولا نعرف تماما إن كان هذا الرقم يشمل الضواحي المحيطة والقريبة من البتراء أم لا.
يشار كذلك إلى أن البتراء ضمت بين سكانها العديد من الأجانب، فقد عرف منها الجالية الإغريقية والجالية الرومانية وجالية يهودية وفق بعض المستشرقين.
وفي القرن الثالث لم تعد بترا مدينة ذات شأن، لقد سلبت تدمر ما كان لها من مكانة إثر قرار الرومان بتحويل خطوط التجارة عنها إلى تدمر. حتى إذا ما حرمت الدعم الروماني لها تقطعت أشلاء وانتهت، وما أن حل عام 300م حتى أصبحت البتراء مهجورة ومنسية(10). وفي الفترة البيزنطية فقدت مكانتها التجارية وأصبحت مركزا دينيا. ومن الثابت أن الزلزال الذي وقع سنة 363 ق.م في المنطقة قد أصاب عدة مدن كانت بترا واحدة منها، وتشير رسالة سريانية إلى هذا الحادث، وترد بترا فيها باسم "الرقيم"، وفي القرن الرابع يزداد شأن المدينة تضاؤلا، ولم تعد في القرن السادس مستقرا لسكان مقيمين، ثم ضاع اسمها وذكرها من بعد، إلى أن ذكرها من جديد: بيركهارت (الحاج إبراهيم عبدالله اللوزاني) سنة 1812.
ومهما يجتهد المرء في الوصف، ومهما أوتي من موهبة في التصوير، فإنه لن يوفي المدينة وآثارها وهيبتها النزر اليسير الذي لا يغني عن التجول فيها وتنسم عبق تراثها الغني بالعمل والقصص والحكايا والحوادث العظام، ولا بد من قراءة تاريخها بتمعن أيضا كجزء من تاريخ المنطقة وتاريخ الإنسان العربي وحضارته.
1- قرى ومستوطنات "وادي موسى" وهي كثيرة، أهمها "الجيه" أو "جايا" و "الزرابة" و "خربة النوافلة":
والجية بالآرامية: "المكان المبهج الرائق اللطيف"(11)، وقد أشرنا لها في تقديمنا للحديث عن البتراء، إذ أن هذا الموقع كان ولا يزال يشكل المعبر الإجباري للبتراء، وهو الآن قرية وادي موسى التي أخذت هذا الاسم اعتقادا من السكان الأوائل، الذين وفدوا إليها بعد الفتح الإسلامي، أن عين الماء العذب في هذا الوادي هي العين التي أشار إليها القرآن الكريم التي ضرب فيها موسى (عليه السلام) بعصاه فانفجرت اثنا عشر نبعا، وبالطبع فإن مثل هذا الاعتقاد يخلو من دليل، إنما كان هذا تخمين الناس في عصور بعيدة.
تغطي المنطقة هذه الأيام مئات المنازل الحديثة التي بناها الناس من سكان المنطقة، ما غدا معه إنقاذ الآثار أمرا مستحيلا باستثناء القليل منها، وللمفارقة فإن معظم الآثار التي تم اكتشافها في هذه البلدة كان بفعل حفريات الصرف الصحي ومشاريع البناء للأهلين.
إن اختيار وسط وادي موسى لعيش علية القوم من الأنباط كان طبيعيا بسبب حسن مناخها مقارنة بالبتراء، وقد توفرت الأرض الطيبة والمياه الوفيرة، وعثر خلال تنقيبات دائرة الآثار العامة عام 1996، وحفريات خطوط المياه والصرف الصحي (الأعوام 1998-2002) وأعمال بناء موقف سيارات الجية والمجمع التجاري التابع لبلدية وادي موسى عام 2000 على عدد من خزانات المياه والبرك النبطية التي كانت تخدم المدينة، وشبكة من قنوات الري المصنوعة من الأنابيب الفخارية والرصاصية إضافة إلى شبكة التصريف الحجرية(12) وقد خمنا أن هذا الموقع ربما كان الضاحية الجديدة للبتراء ويرتبط بها إداريا، ويدل على ذلك اسمها ونبع الماء الذي كان يغذي البتراء بعد أن يأخذ سكان المنطقة حاجتهم منه، علاوة على أن هذه الضاحية تتحكم بطريق البتراء الرئيسية، وليس من المعقول أن يترك حكام البتراء مدينتهم تحت رحمة حاكم هذه الضاحية الأقل شأنا، ومن المحتمل أيضا أن هذه الضاحية كانت مصدرا رئيسيا لتزويد البتراء بالفواكه والخضار التي توافرت فيها حسب الكثير من الشواهد كالمصاطب الزراعية ومعاصر الزيتون والمناخ والتربة الملائمين لأفضل الزراعات.
تنتشر في وادي موسى أيضا العديد من المستوطنات أو القرى الصغيرة التي لم تتمكن الحفريات الأثرية من كشف الكثير من معالمها بسبب وقوعها حاليا تحت وطأة المساكن الحديثة والبساتين الزراعية، ومن ذلك " خربة النوافلة " وهي قرية زراعية أنشأها الأنباط في القرن الأول قبل الميلاد وامتدت وتيرة الحياة فيها باستمرارية لافته للنظر حتى السبعينات من القرن العشرين، واكتشفت في هذه القرية إحدى أقدم معاصر الزيتون النبطية المعروفة حتى الآن وتعود إلى بداية القرن الأول الميلادي. وقد اكتشف في الزرابة حتى الآن 12 فرنا لتصنيع الفخار، وامتدت صناعة الفخار على الطرز النبطية في الزرابة منذ القرن الأول قبل الميلاد، حتى السادس الميلادي، ولذلك تعد أطول المراكز الصناعية المعروفة في الأردن عمرا حتى الآن وأكبرها حجما بعد مركز تصنيع الفخار في جرش(13). فهي بذلك واحدة من المناطق الصناعية النبطية التي لا يجوز إغفال أهميتها.

في الجزء التالي – وادي رم ومواقع أثرية أخرى في المملكة الأردنية الهاشمية:
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف