حـدثـني جـدي....
قـبـل أكـثـر مـن سـبـعـيـن عـاماً
قطاع غزة .... ما لم يكتبه التاريخ
{متفرقات من هنا وهناك في حياة الفلسطينيين ما قبل النكبة ، على لسان الأجداد}
تحسين يحيى حسن أبو عاصي
فلسطين – قطاع غزة –
كافة الحقوق محفوظة إلا بإذن صاحبها
الإهداء
إلى زوجتي الصابرة التي وفرت لي كل راحة من أجل إعداد هذا الكتاب .
إلى أبنائي الأعزاء الذين حرصوا على معرفة تراثهم الشعبي الفلسطيني ، والذين لمست بأعينهم حباً لوطنهم ؛ وحثوني بإصرار على إنجاز هذا الكتاب .
إلى طلاب وطالبات مدارسنا وناشئتنا من أجل الحنين إلى الوطن .
إلى زملائي وزميلاتي من المعلمين والمعلمات .
أهدي كتابي هذا
التمهيد
يعتبر التراث في جميع المجتمعات البشرية أحد عوامل النصر أو الهزيمة ؛ بسبب تأثيره على الوعي المجتمعي ، فهو يربط فكر ووجدان المرء في مقومات واستمرارية تواجده وهويته التي تغذي مقاومة اندثاره وذوبانه ، فقد تعرضت كثير من التجمعات البشرية للطمس والتذويب بسبب ضعف جذورها التراثية ، والتي لم تضرب عميقا في تربة البناء العقلي والسيكولوجي في تنشئة الإنسان ، كما حافظت تجمعات بشرية أخرى على عوامل ديمومتها وحيويتها وأثبتت هويتها وعمق انتمائها ، ووقفت شامخة أمام الأعاصير والمحن التي واجهتها ، كالآشوريين والكلدانيين والصابئة في العراق وسوريا ، والبربر في المغرب العربي ، فقد حافظت على بقائها رغم قلة عددها ومحدودية إمكانياتها من حيث المؤسسات والتعليم والتمويل والإعلام ، وذلك بفضل تمسكها بتراثها وبطقوسها وعاداتها الضاربة عميقا في البنى الفكرية والنفسية لتلك المجتمعات .
ولا شك بأن التراث له كثير من الصور والمظاهر، وهو عميق ومتشعب ، ولذلك فهو متأصل في حياة المجتمعات التي حافظت عليه ، كما انه الملهم الأول في تحقيق ثوابتها وتفاعلها بين الشعوب ، وهو شكل من أشكال الثقافة ، والثقافة عنوان يدل على تقدم الجماعة أو تأخرها .
وما يتميز به الشعب الفلسطيني رغم حرب العدو المفتوحة ضدنا هو تمسكه بتراثه ، فنحن شعب لن نذوب ولن نتلاشى بإذن الله تعالى ، ولا زلنا نعكس عمق حضارتنا وتمسكنا بجذورنا العميقة وبهويتنا القومية والوطنية ، نورثها إلى أجيالنا جيلا بعد جيل حتى العودة إلى أرض فلسطين بإذن الله تعالى مهما طال الزمن ، ومهما يحاول العدو طمس تراثنا فستظل لمعالمه حضوراً قوياً بالوعي الفلسطيني الذي يتطور عبر الأجيال ومراحل النضال ، وذلك من خلال المحافظة على عراقة وأصالة هذا التراث الغني العظيم الذي مزج ما بين الاجتماعي والأخلاقي والوطني ، والديني والقومي والتاريخي مزجاً جميلا له روح مبدعة خلاقة ، بحيث شكّل جماله في الوعي الفلسطيني مصدراً قوياً من مصادر الاعتزاز بوطننا وشعبنا وهويتنا ، مما جعله حاضرا في كثير من مجالات الحياة معبرا عن الضمير الحي للشعب الفلسطيني ، من أجل ذلك لا يزال العدو يبذل كل محاولاته لطمس معالم تراثنا وتذويبها ومن ثم تلاشيها ونسيانها من خلال السرقة والضم والهدم والعرقلة والتزييف ، بهدف فصل الفلسطيني عن ماضيه وتاريخه وحضارته ، وذلك من خلال عملياته المنهجية والمدروسة ، مستغلا ضعفنا وتفرقنا ، فقد أعلن مؤخراً عن تغيير أسماء شوارعنا العربية إلى أسماء يهودية ، وتدمير مقابرنا ومزارات وأضرحة الأولياء ، واعتبار مواقعنا التراثية جزءا من متاحفهم وتراثهم كما حصل مؤخرا من إعلانهم عن ضم المسجد الإبراهيمي في الخليل وقبر النبي يوسف عليه السلام في نابلس إلى متاحفهم وتراثهم وتاريخهم في مارس 2010م ، وكذلك التهديد الواقع على أهالي قرية كفل حارس شمال محافظة سلفيت بالضفة الغربية بسبب التوسع الاستيطاني ومحاولة المستوطنين السيطرة على ثلاثة مقامات إسلامية بالقرية ، كما يوجد بالقرية مقامات ذي الكفل وذي النون ومقام ثالث بناه السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله ، ويسعى المستوطنون لتحويل المقام إلى مزار توراتي ، وأطلقوا عليه مقام يوشع بن نون ، وهو اسم قائد جيش النبي موسى { عليه السلام } الذي دخل فلسطين من جهة أريحا كما يدّعون.
ولا يزال العدو يسرق تراثنا ويعرضه في محافله على أنه تراث يهودي ، كما حصل في معرض في فندق هيلتون وأزياء ديان في تل أبيب ، أو بيعها في الأسواق باعتبارها بضاعة إسرائيلية قديمة ، كما تقوم دولة الكيان بعرض حفلات الدبكا في أوروبا باللباس الشعبي الفلسطيني باعتباره تراثا يهودياً .
كل ما سبق يرتبط ارتباطا كاملا بالحرب الشاملة التي يشنها الاحتلال على الشعب الفلسطيني وهي حرب وجود وهوية وتاريخ وثقافة وحضارة ، خاصة عندما يزعم العدو أن الفلسطينيين لا حقوق لهم ولا تراث ولا ثقافة ولا حضارة .
نشرت صحيفة هآرتس مؤخراً تقريراُ يتناول حملات تدمير المعالم العربية في فلسطين عام 1950 خصوصاً الأماكن المقدسة : ففي شهر تموز/ يوليو 1950 أصدر ديّان أمراً بهدم مقام مشهد الحسين الذي تم بناؤه في القرن الحادي عشر ، كما وجدت وثائق تتعلق بأوامر ديّان لتفجيره ، وشملت حملة تفجير المساجد تدمير أكثر من 120 مسجداً من أصل 160 مسجد كانت قائمة في القرى والمدن الفلسطينية قبل عام 1948، وأظهرت وثائق في أرشيف الجيش الصهيوني التي تم كشفها أخيراً ، أنه عمل منذ قيام الدولة العبرية سنة 1948 على إزالة آثار قرى وبلدات عربية تم تهجير سكانها ومحوها من الوجود ، وأن ديان أعطى أوامره لتنفيذ حملات غايتها تفجير مساجد وأضرحة أولياء بأوامر صادرة عن قائد الجبهة الجنوبية في حينه موشيه ديّان ، الذي حول فلسطين وفقاً لمؤرخ صهيوني ، إلى صحراء مدمرة لطمس الحضارة العربية الإسلامية الفلسطينية التي كانت قائمة ، وإقامة دولة الاحتلال عليها .
ما ورد في هذا الكتاب غيض من فيض ، وما لم نتمكن من الحصول عليه كان أعظم بكثير ولا تسعه الكتب والمجلات في حقيقة الأمر ، وكم كنت أتمنى أن تتوفر جهة وطنية مسئولة تعمل على جمع هذا التراث الشفوي المبعثر هنا وهناك ، والذي ينقرض في معظمه بموت الأجداد الذين عاصروا تلك الأزمنة .
المقدمة
جاء هذا الكتاب في معظمه على ألسنة كبار السن الذين عايشوا أو علموا بأحوال الفلسطينيين في قطاع غزة قبل أكثر من سبعين عاما وما حولها ، باعتبار أن ذلك من أهم المراجع التي تعتمد على سرد التراث الشفوي ، أستقي المعلومات على ألسنتهم ومن خلال ذكرياتهم وتجاربهم ، والأحداث التي مروا بها والعصور التي عاصروها ، باعتبار أن ذلك تاريخا وتراثا وعلما يكاد أن يندثر بموت معاصريه ، وعلى الرغم من صعوبة الحصول على معلومات في مجال التراث الشعبي الفلسطيني من كبار السن ، والصعوبة التي واجهتني في جمع المعلومة وتدوينها ثم تنقيحها ومراجعتها ، والتأكد من صحتها من خلال تعدد مصادرها البشرية وتكرار سردها على ألسنة كبار السن الذين ذكرت سماءهم أدناه ، وكذلك التجربة الشاقة التي خضتها في هذا المجال ، إلا أنني تمكنت أخيرا بفضل الله تعالى من جمع مادة جيدة ، لعلها تُعتبر مرجعاً إلى ناشئتنا من طلاب وطالبات المدارس في يوم من الأيام ، تجذبهم إلى وطنهم فلسطين ، كما رجعت إلى بعض المراجع لتثبيت وتأكيد ما صدر على لسان الأجداد والآباء ، بالإضافة إلى الشبكة العنكبوتية التي حصلت منها على الصور المناسبة للنص ؛ من أجل تعزيز ثقافة الصورة لدى القارئ ؛ ومن أجل توضيح وترسيخ الفكرة التي يدور النص حولها بقدر الإمكان خاصة لناشئتنا ، وحرصت إلى اختصار موضوع التراث على قطاع غزة تقريباً بحكم نشأتي وترعرعي به ، وما سمعته من والدي وجدي رحمهما الله ، وما لا يزال موجوداً من معالم للتراث الشعبي الفلسطيني في قطاع غزة حتى اليوم .
ولا شك أن بعض ما جاء في هذا الكتاب مدوناً في بعض المراجع التراثية مثل الأمثال الشعبية إلا أنني رأيت عدم فصلها عن السياق الطبيعي لمجرد أنها مدونة في الكتب ؛ بسبب ما لها من قيمة وأهمية تضفي على محتوى الكتاب مزيدا من الرونق والحيوية والجمال .
ولا زال الكثير من الفلسطينيين في قطاع غزة حتى اليوم يمارسون أنماطا من الفلكلور الشعبي في كثير من مجالات الحياة ، في ملبسهم ومأكلهم ومشربهم وفي عاداتهم وتقاليدهم ، وفي أبنيتهم وفنونهم وآدابهم وأفراحهم وما إلى ذلك .
الجزء الأول من كتاب : حـدثـني جـدي.... قـبـل أكـثـر مـن سـبـعـيـن عـاماً
قطاع غزة .... ما لم يكتبه التاريخ
الاقتصاد الفلسطيني والاستعمار البريطاني : عمل الاحتلال الانجليزي بقوة على ضرب الاقتصاد الفلسطيني في زمن الانتداب البريطاني من خلال وسائل كثيرة منها :-
أحضر المستعمر البريطاني القمح من أستراليا وباعوه بثمن رخيص من أجل منافسة القمح الفلسطيني ؛ من أجل الضغط على الفلاح فيُسلّم أرضه للبريطانيين وأعوانهم ، إلى درجة أن الفلاح لم يقدر في ذلك الوقت على شراء جمل له إذا مات جمله ، فيضطر إلى بيع جزء من أرضه من أجل شراء الجمل ، والذي كان يقدر بحوالي عشرين جنيها فلسطينيا في ذلك الوقت ، أي في عصر الثلاثينات من القرن الماضي .
في الوقت الذي كان يعادل هذا الثمن ثمن ما جمعه من محصول في العام كله ، وإذا كان الفلاح أو المزارع أو التاجر الفلسطيني يبيع صاع القمح بأربعة قروش فلسطينية على سبيل المثال في ذلك الوقت ، كان الاحتلال يغرق الأسواق بأجود أنواع السلع ، ويبيع السلعة أو الصاع بقرش واحد . وكذلك كان يعمل مع باقي السلع الغذائية كسلعة الذرة والشعير والحمص وغيرها من مقومات الاقتصاد الفلسطيني في تلك الحقبة .
كانت معظم مناطق قطاع غزة زراعية ، وكانوا يزرعون القصب والخضار والفواكه والحمضيات والحبوب والبقوليات والبلح والزيتون والعنب ، واشتهر قطاع غزة كسائر مدن فلسطين بالحمضيات .
ووضع الفلاحون المحاصيل في أماكن عرفت بالخوابير مفرد خابور، فخابور للقمح ، وخابور للشعير، وآخر للذرة .
والخابور هو مكان واسع يوضع به السلعة ، وأحيانا كان يغطى بالقماش ، ويبنى حوله السياج المكسو بالصاج أو القماش أو الحجارة أو الأسلاك أو التراب .
وكان المزارع الفلسطيني يؤجر أرضه أحياناً مقابل أن يحصل على ربع الناتج من المحصول ، باستثناء الأفندية ( الإقطاعيين والباشاوات ) فكانوا يحصلون على ثلثي ناتج المحصول ، وكان الانتداب البريطاني يفرض على الفلسطينيين ضريبة تسمى بضريبة الويركو ، وهي ضريبة على الأرض الزراعية كما سيأتي معنا لاحقاً ، وكانت الضريبة ما بين جنيه واحد إلى عشر جنيهات سنوياً على كل دونم مربع ، ولما كان عدد كبير من السكان الفلسطينيين يملكون الأراضي الزراعية الواسعة ، أي أن غالبيتهم من الفلاحين والعمال والمزارعين .
فلا بد من دفع عشرات الجنيهات الفلسطينية كل عام ، أو مئات في أحيان كثيرة لمن يملك مئات الدونمات ، علما بأن العامل أو الموظف كان يتقاضى أجرا بالقروش وليس بالجنيهات ، أي مائة وخمسين قرشا في الشهر أو مائتين على سبيل المثال لا الحصر ، مما زاد العبء المخطط له مسبقاً على الفلسطينيين ، وكل من لا يتمكن من دفع الضريبة فمصيره السجن والتعذيب والتغريم ، أو مصادرة الأرض ومن ثم يقوم الانجليز بتسليمها مجانا إلى العصابات اليهودية ، كان الهدف من وراء ذلك واضحا هو الضغط على الفلسطينيين ؛ لكي يتنازلوا عن أرضهم ومن ثم يقوم الانجليز بتسليمها إلى اليهود لإقامة مشروعهم الصهيوني على تراب فلسطين .
كان بعض الأغنياء إقطاعيين في ذلك الوقت ، وكانوا يلقبون ويعرفون بالأفندية أو الباشاوات ، فكان الإقطاعي الأفندي يحضر بنفسه يوم توزيع غلة المحصول ؛ ليرى بعينيه عملية قسمة أو توزيع الغلة ، فيحصل هو على الثلثين ويحصل من قام بزراعة الأرض وفلاحتها على الثلث ، وكان لزاما على الفلاح المسكين أن يذبح ذبيحة للأفندي من أجل أن يحصل على رضاه ( شاة أو بقرة أو خروف ) ، وإن لم يفعل الفلاح ذلك فسيعتبره الأفندي مستهزئا به ومستخفاً بكرامته ، الأمر الذي يستوجب عقاب الفلاح بالطرد أو السجن ...
كانوا يبيعون الغلة في سوق الزاوية والذي لا يزال موجودا في مكانه القديم حتى اليوم ، وقد عرف من قبل بسوق التُجار، وكان به منطقة تسمى سوق الغَلة لبيع وشراء جميع أنواع الحبوب ، وكانت المكاييل بالصاع والنصف صاع والربع صاع ، ولم يكن في وقتها الموازين ، و كان يقدر الصاع الواحد بعشرة كيلو جرامات تقريباً ، والصاع عبارة عن وعاء خشبي أو من الفخار أو الجلد ، كما كان ما يعرف بـ الكُعُد وهو وعاء من الخشب يستخدمونه للكيل أيضاً .
يجب ذكر المصدر عند النقل
[email protected]
www.tahsseen.jeeran.com مدونتي
الجزء الثاني من كتاب : حـدثـني جـدي.... قـبـل أكـثـر مـن سـبـعـيـن عـاماً
قطاع غزة .... ما لم يكتبه التاريخ
{مقتطفات من هنا وهناك في حياة الفلسطينيين ما قبل النكبة ، على لسان الأجداد}
بحث وجمع وكتابة : أ . تحسين يحيى أبو عاصي – كاتب فلسطيني مستقل -
= = = = = = = = = = = = = = = = =
كان كل من يعتدي على أرض الباشا أو الأفندي يتعرض للسجن ، ودفع الغرامة وطلب مسامحة الباشا الذي كان الاستعمار الانجليزي يدعمه ، حتى أن أحد الباشاوات أو الأفندية اعتقل وجهاء ومخاتير قرية بأكملها بسبب عبث قطيع من الأغنام في أرضه التي بلغت ألفين من الدونمات ، ولم يخرجوا من السجن إلا بشروطه والتي كان من أهمها : كل من يدخل أرض الأفندي يغرم خمسة جنيهات فلسطينية ، ويمنع منعا باتا دخول الماشية إلى أرض الأفندي وإلا دفع صاحب الماشية عشر جنيهات ؛ فاضطر الفلاحون إلى الرحيل من جوار أرضه ليزدادوا عذاباً من فوق عذاباتهم ،وكان الأفندي يجمع زعران البلد عند حرث أرضه خوفا من اعتداء الفلاحين على المحصول وتهديدا وردعاً لهم، ويضع لها حارسا يطلقون عليه لقب (قولجي ) .
كان الأفندية في غزة يسيطرون على أراضي الفلاحين بالقوة أو بالحيلة ، أو بالمكر والدهاء أو بأساليب ملتوية أخرى من هنا وهناك ، فمقابل خروج ابن الفلاح من السجن كان الأفندي يحصل على عشرين جنيها ثمنا لدخوله واسطة بين الفلاح المسكين والد المعتقل أو أخيه أو من أحد أقربائه وبين الضباط البريطانيين ( الإنجليز ) ، وإن لم يدفع الفلاح العشرين جنيها كان الأفندي يسيطر على أرض الفلاح المسكين ، فكثير من الفلاحين لم يتمكنوا من دفع هذا المبلغ فاضطروا لمنح الأفندي قطعة من الأرض .
وبهذا الأسلوب جمع الأفندية ألوف الدونمات من الأراضي ، في الوقت الذي كان الفلاح يحصل بالكاد على قوته وقوت أسرته ؛ عن طريق عمله مع زوجته وأهل بيته من قبل شروق الشمس إلى ما بعد غروبها .
كانت أرض قرية بيت حانون والواقعة في شمال قطاع غزة تتكون من عشرين قيراطا ، كان لجميع لسكان القرية من الفلاحين قيراطين ، وللأفندية من عائلة أبو خضرا ثمانية عشر قيراطا .
وبسبب ضعف عائلة أبو خضرا وعدم قدرة صاحب الأرض ( أبو خضرة ) من حماية أرضه بسبب اعتداء الفلاحين عليها ، التجأ صاحب الأرض أبو خضرا إلى الشوا ، وكان الشوا زعيما كبيرا وقوياً في ذلك الوقت في قطاع غزة ، فوهبه أبو خضرا أرض بيت حانون التي كان يملك غالبيتها العظمى كاملة هدية له ، كعمل مضاد لاعتداء الفلاحين على أرضه من أجل أن ينتقم منهم ، لأن الفلاحين لا حيلة لهم أمام الأفندي الشوا فعندما يعلمون أن الأرض باتت للأفندي الشوا سيتراجعون عن محاولاتهم السيطرة على الأرض ، فرد عليه الشوا قائلا وأنا وهبتك أرض قرية برقة عطية لك ، وقرية برقة من القرى القريبة من قطاع غزة والتي دمرها اليهود وهجروا أهلها سنة 1948 .
بعد أن ضعف سلطان بعض الأفندية في غزة ، اضطروا إلى ترك غزة والرحيل منها رغم ما يتمتعون به من امتيازات،ولا زالت الكثير من أملاكهم موجودة في غزة تحت سلطة الوقف الإسلامي في كثير من المناطق .
وكان عندهم في سنوات الأربعينات ما يعرف بطقة الفنجان ، أي تسجيل الأرض عند رجب خلف مسئول طابو تسجل الأراضي .
كان الفلاحون في قطاع غزة يمشون ثلاث ساعات من أجل الوصول إلى أرضهم ، فقد بلغ ثمن الجمل سنة ( 1948 ) 60 جنيهاً ؟ .
وكانوا يحرثون الأرض ليلا ، والحرث يعني لديهم موت العشب ؛ لكي لا تُسَكِّر أو تغلق الأرض بالعشب ، أي خوفا من أن تُعشّب الأرض فيواجهون صعوبة في حرثها وتنظيفها من الأعشاب ، وكانوا يعللون ذلك بالسرعة قبل المطرة الأولى التي أطلقوا عليها اسم مطرة العُرش ، أو مطرة الصليب أو الغريبة لأنها تخرج العشب الغريب من باطن التربة .
كانوا المهاجرون الفلسطينيون بعد الهجرة سنة 1948 يتسللون إلى أملاكهم التي تركوها في مدنهم وقراهم المحاذية لقطاع غزة ، والتي أخرجتهم عصابات الاحتلال منها بالقوة ؛ لعلهم يحصلون على شيء مما تركوه من محصولهم أو حيواناتهم أو أثاثهم ، وكانوا يتعرضون إلى القتل في أحيان كثيرة بسبب تلغيم الصهاينة للأرض أو إطلاق النار عليهم مباشرة ، تدفعهم شدة الفقر والحاجة ..
كان في غزة القديمة مركزاً للشرطة مكان مئراب الزهرة الحالي .
غزة سنة 1918
وكانت بناية البريد المركزي مقابل المكتبات الموجودة حاليا أمام مدرسة الزهراء الثانوية .
وأما ميدان فلسطين الحالي فكان في فترة الثلاثينات مقبرة .
كما كان موقع البنك العربي ومسجد الشيخ شعبان الحاليين موقفا خاصاً للحناطير التي تجرها الخيل والبغال ؛ لتنقل الناس من مكان لآخر .
ومن الناس من كان يتنقل فوق حمار بأجرة قليلة ، ويضع ما معه من متاع أو خضار في خرج الحمار .
وكان المهاجرون الفلسطينيون يتعرضون أثناء رحيلهم ( هجرتهم من مدنهم وقراهم ) لحملات السطو من قبائل البدو الذين كانوا يكمنون لهم بين التلال والأشجار وفي المغارات .
كانت المساحات الكبيرة من الأراضي في قطاع غزة ممتلئة بالكثبان الرملية والرمال الصفراء الناعمة والغابات الكثيفة ، ويخرج الناس من بيوتهم قبل الغروب إلى التلال الرملية الجميلة فيفرشون الفراش أو الحصير ،ويجلسون في جو جميل لطيف خالٍ من المنغصات، تداعب وجوههم نسمات رقيقة ، ويشمون رائحة الزهر والشجر والكثبان الرملية التي تعطي رائحة متميزة جميلة في نكهة خاصة تعبر عن جمال الطبيعة .
يجب ذكر المصدر عند النقل
[email protected]
www.tahsseen.jeeran.com مدونتي
الجزء الثالث من كتاب : حـدثـني جـدي.... قـبـل أكـثـر مـن سـبـعـيـن عـاماً
قطاع غزة .... ما لم يكتبه التاريخ
{مقتطفات من هنا وهناك في حياة الفلسطينيين ما قبل النكبة ، على لسان الأجداد}
بحث وجمع وكتابة : أ . تحسين يحيى أبو عاصي – كاتب فلسطيني مستقل -
= = = = = = = = = = = = = = = = =
وكانت منطقة الدونمات ( الرمال حالياً ) عبارة عن كثبان رملية جميلة واسعة ، ينتشر بينها أشجار العنب والتين والخروب ، كان الناس يجمعون تلك الثمار في سلال خشبية صغيرة .
كما كان أول بيتين في منطقة الدونمات ( الرمال الحالية ) هما بيت الحاج علي كُبة الحلبي ، وبيت الحاج حسن قاسم أبو عاصي ، ( جد كاتب السطور ) بحيث كان كل من يفكر في السكن بهذه المنطقة يقولون له : أنت مجنون فلا أحد يسكن بين الواويات ( حيوانات بنات آوى ) في هذه المناطق الخالية . وتعتبر اليوم هذه المنطقة من أجمل مناطق قطاع غزة ، كما تعتبر أراضيها من أغلا الأراضي ثمنا .
كان شجر الجميز والكينياء والتوت منتشرا في كثير من مساحات قطاع غزة ، وكانت غابات التحطيب المليئة بالأشجار الكثيفة والمتشابكة فيما بينها موزعة في مناطق كثيرة ، وكنت في طفولتي أخرج مع الأقرباء والجيران من أجل التحطيب ( أي لجمع الحطب من الغابة من أجل الطهي )
وأذكر وأنا في الرابعة من عمري كنت أسمع صراخ حيوان يُعرف بالواوية ( بنت آوى ) ، كان هذا الحيوان يهجم على البيوت خلسة لسرقة الطيور والأرانب ، وهو حيوان يشبه الكلب يعيش في المزارع والخلاء والغابات ، وكانت بنت آوى بمجرد أن تصرخ تهجم عليها الكلاب فتسرع بالهروب .
كانت لغابة تقع في الجهة الشرقية من قصر الحاكم ومعسكر أنصار حالياً ، في منطقة اسمها القيشانية .
ومنح الفلسطينيون الزراعة جل اهتمامهم ، معتمدين على مياه الأمطار والآبار ، وكانوا يحفرون حفرا كبيرة في مناطق منخفضة من أجل تخزين مياه الأمطار والاستفادة منها في الأوقات الأخرى وتسمى هِرَابة .
كان المزارعون يلجأون إلى المناطق الغربية لقربها من البحر، والغنية بالمياه الجوفية القريبة من سطح الأرض بأقل من متر واحد وأحيانا سنتمترات كما هو الحال في منطقة النواصي الغربية بخان يونس ، مما يسهل عليهم حفر الآبار لاستخراج المياه .
وعندما عرفوا الحجارة بنوا منها جدرانا للبئر على شكل دائرة قطرها حوالي المتر ، وبلغ عمق بعض تلك الآبار البعيدة عن البحر من 3 – 5 مترات ، يستخرجون المياه منها بواسطة حبل من الليف ، أما المناطق الشرقية من غزة فكانت المياه عميقة جدا داخل التربة ، مما يصعب معه حفر الآبار هناك ، ولكن الحفر انتشر في مناطق كثيرة بعد أن عرف الناس طريقة شفط المياه يدوياً بواسطة الذراع الآلي أو( طرمبة أم الذراع ، وكانت تعتمد على شفط المياه عن طريق ذراع يحركه رجل أو امرأة بدون وقود )
حينئذ انتشر حفر الآبار في مناطق كثيرة ، بسبب سهولة استخراج المياه ، ولكن ذلك كان من حظ الأغنياء فقط ، وكانت النساء تنقلن المياه في الجرار وتحملنها على رؤوسهن ، وتضع المرأة الجرة في مكان داخل بيتها لتتعرض للهواء فيبرد ماؤها بسبب غياب أجهزة التبريد والكهرباء ، وكن يضعن فوق فوهة الجرة أو الإبريق الفخاري عرقا من الليمون ، فإذا شربت من الماء شربت ماءً بارداً عذبا فراتا يحتوي على نكهة الليمون الجميلة .......، وكانت الجرار تعبأ من العين أو البئر وكان للبئر حبل من الليف .
وكانت الأسر تتعاون في حرث الأرض وزراعتها ، وجني المحاصيل وذري الحبوب وتخزينها ، في مظهر نادر من التعاون والإيثار يجمع أفراد الأسرة كلها ومعهم الأصدقاء والجيران والأقرباء ، يتعاون الجميع في الحرث والذري بروح من المودة والمحبة والاحترام من قبل شروق الشمس وحتى غروبها وهم يرددون الأغاني والأناشيد الشعبية الجميلة .
كان الفلاح الفلسطيني يحصد المحصول بالمنجل الذي يصنعه الحداد .
وكان يترك ماشيته لتسير فوق الغلال ( القمح أو الشعير أو الذرة ) ، وكان بعد ذلك يسحب من فوق غلاله أو محصوله لوحا خشبيا سميكا وثقيلا اسمه لوح الدراس تجره الحيوانات .
كان اللوح ثقيلاً من أجل تحقيق الغرض منه وهو الضغط على المحصول وتحطيمه بمعنى تهريسه وخرطه ، طوله تقريباً مترين × 80 سم ، وبسمك حوالي 25 سم ، يستخدمه من أجل خراطة القش وتمزيقه لكي يتحول إلى تبن ، وكان من تحت ذلك اللوح مناشير تشبه السكاكين طول السكين من 30 سم إلى 45 سم وعرضها من 5 – 10 سم وفي كل لوح من 30 – 40 منشاراً أو سكيناً وظيفتها الخراطة والتنعيم .
ثم ينقل الفلاح من بعد ذلك الغلال إلى أرض واسعة من أجل درسه ؛ فيضع الغلال في مكان يُعرف بالجُرن ، وقد تصل مساحة الجرن إلى عَشَر دونمات من الأراضي أو أقل ، ثم تأتي عملية الذري بواسطة المذراة من أجل فصل الحب عن التبن والقش .
فيوضع الحب في أوعية خاصة كانت من جلد الحيوان ، ثم من القماش ثم من الخيش ، وكان يخزنها في بئر منزلي أو في حفرة عميقة داخل منزله أو قريبة منه بعمق خمسة أمتار وعرض عشرة أمتار تقريبا وذلك وفقا لكمية المحصول ، ويذهب التبن طعاما للدواب كما يذهب القصب لأعمال البناء من أجل تقويته .
وكانوا يخزنون التبن في مكان اسمه كِبِر ، وكانوا يخزنون الحب من القمح أو الشعير أو الذرة أو ما شابه ذلك لاستهلاك السنة كلها لهم ولماشيتهم في مكان يسمونه كِمِر ، وكانت طريقة التخزين هي بعمل حواف من التراب حول كوم الحب وتغطية الكوم بالقصل ثم بالتراب .
وأطلقوا على اسم الحرث ( إشقاق ) كما أطلقوا على عملية بذر البذور ( ثناية )،
ومن أجل إتلاف ما تبقى من فائض الإنتاج ، درج الفلاحون على دفن الحبوب والبرتقال في حفر عميقة نسبيا للتخلص منها .
يجب ذكر المصدر عند النقل
[email protected]
www.tahsseen.jeeran.com مدونتي
قـبـل أكـثـر مـن سـبـعـيـن عـاماً
قطاع غزة .... ما لم يكتبه التاريخ
{متفرقات من هنا وهناك في حياة الفلسطينيين ما قبل النكبة ، على لسان الأجداد}
تحسين يحيى حسن أبو عاصي
فلسطين – قطاع غزة –
كافة الحقوق محفوظة إلا بإذن صاحبها
الإهداء
إلى زوجتي الصابرة التي وفرت لي كل راحة من أجل إعداد هذا الكتاب .
إلى أبنائي الأعزاء الذين حرصوا على معرفة تراثهم الشعبي الفلسطيني ، والذين لمست بأعينهم حباً لوطنهم ؛ وحثوني بإصرار على إنجاز هذا الكتاب .
إلى طلاب وطالبات مدارسنا وناشئتنا من أجل الحنين إلى الوطن .
إلى زملائي وزميلاتي من المعلمين والمعلمات .
أهدي كتابي هذا
التمهيد
يعتبر التراث في جميع المجتمعات البشرية أحد عوامل النصر أو الهزيمة ؛ بسبب تأثيره على الوعي المجتمعي ، فهو يربط فكر ووجدان المرء في مقومات واستمرارية تواجده وهويته التي تغذي مقاومة اندثاره وذوبانه ، فقد تعرضت كثير من التجمعات البشرية للطمس والتذويب بسبب ضعف جذورها التراثية ، والتي لم تضرب عميقا في تربة البناء العقلي والسيكولوجي في تنشئة الإنسان ، كما حافظت تجمعات بشرية أخرى على عوامل ديمومتها وحيويتها وأثبتت هويتها وعمق انتمائها ، ووقفت شامخة أمام الأعاصير والمحن التي واجهتها ، كالآشوريين والكلدانيين والصابئة في العراق وسوريا ، والبربر في المغرب العربي ، فقد حافظت على بقائها رغم قلة عددها ومحدودية إمكانياتها من حيث المؤسسات والتعليم والتمويل والإعلام ، وذلك بفضل تمسكها بتراثها وبطقوسها وعاداتها الضاربة عميقا في البنى الفكرية والنفسية لتلك المجتمعات .
ولا شك بأن التراث له كثير من الصور والمظاهر، وهو عميق ومتشعب ، ولذلك فهو متأصل في حياة المجتمعات التي حافظت عليه ، كما انه الملهم الأول في تحقيق ثوابتها وتفاعلها بين الشعوب ، وهو شكل من أشكال الثقافة ، والثقافة عنوان يدل على تقدم الجماعة أو تأخرها .
وما يتميز به الشعب الفلسطيني رغم حرب العدو المفتوحة ضدنا هو تمسكه بتراثه ، فنحن شعب لن نذوب ولن نتلاشى بإذن الله تعالى ، ولا زلنا نعكس عمق حضارتنا وتمسكنا بجذورنا العميقة وبهويتنا القومية والوطنية ، نورثها إلى أجيالنا جيلا بعد جيل حتى العودة إلى أرض فلسطين بإذن الله تعالى مهما طال الزمن ، ومهما يحاول العدو طمس تراثنا فستظل لمعالمه حضوراً قوياً بالوعي الفلسطيني الذي يتطور عبر الأجيال ومراحل النضال ، وذلك من خلال المحافظة على عراقة وأصالة هذا التراث الغني العظيم الذي مزج ما بين الاجتماعي والأخلاقي والوطني ، والديني والقومي والتاريخي مزجاً جميلا له روح مبدعة خلاقة ، بحيث شكّل جماله في الوعي الفلسطيني مصدراً قوياً من مصادر الاعتزاز بوطننا وشعبنا وهويتنا ، مما جعله حاضرا في كثير من مجالات الحياة معبرا عن الضمير الحي للشعب الفلسطيني ، من أجل ذلك لا يزال العدو يبذل كل محاولاته لطمس معالم تراثنا وتذويبها ومن ثم تلاشيها ونسيانها من خلال السرقة والضم والهدم والعرقلة والتزييف ، بهدف فصل الفلسطيني عن ماضيه وتاريخه وحضارته ، وذلك من خلال عملياته المنهجية والمدروسة ، مستغلا ضعفنا وتفرقنا ، فقد أعلن مؤخراً عن تغيير أسماء شوارعنا العربية إلى أسماء يهودية ، وتدمير مقابرنا ومزارات وأضرحة الأولياء ، واعتبار مواقعنا التراثية جزءا من متاحفهم وتراثهم كما حصل مؤخرا من إعلانهم عن ضم المسجد الإبراهيمي في الخليل وقبر النبي يوسف عليه السلام في نابلس إلى متاحفهم وتراثهم وتاريخهم في مارس 2010م ، وكذلك التهديد الواقع على أهالي قرية كفل حارس شمال محافظة سلفيت بالضفة الغربية بسبب التوسع الاستيطاني ومحاولة المستوطنين السيطرة على ثلاثة مقامات إسلامية بالقرية ، كما يوجد بالقرية مقامات ذي الكفل وذي النون ومقام ثالث بناه السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله ، ويسعى المستوطنون لتحويل المقام إلى مزار توراتي ، وأطلقوا عليه مقام يوشع بن نون ، وهو اسم قائد جيش النبي موسى { عليه السلام } الذي دخل فلسطين من جهة أريحا كما يدّعون.
ولا يزال العدو يسرق تراثنا ويعرضه في محافله على أنه تراث يهودي ، كما حصل في معرض في فندق هيلتون وأزياء ديان في تل أبيب ، أو بيعها في الأسواق باعتبارها بضاعة إسرائيلية قديمة ، كما تقوم دولة الكيان بعرض حفلات الدبكا في أوروبا باللباس الشعبي الفلسطيني باعتباره تراثا يهودياً .
كل ما سبق يرتبط ارتباطا كاملا بالحرب الشاملة التي يشنها الاحتلال على الشعب الفلسطيني وهي حرب وجود وهوية وتاريخ وثقافة وحضارة ، خاصة عندما يزعم العدو أن الفلسطينيين لا حقوق لهم ولا تراث ولا ثقافة ولا حضارة .
نشرت صحيفة هآرتس مؤخراً تقريراُ يتناول حملات تدمير المعالم العربية في فلسطين عام 1950 خصوصاً الأماكن المقدسة : ففي شهر تموز/ يوليو 1950 أصدر ديّان أمراً بهدم مقام مشهد الحسين الذي تم بناؤه في القرن الحادي عشر ، كما وجدت وثائق تتعلق بأوامر ديّان لتفجيره ، وشملت حملة تفجير المساجد تدمير أكثر من 120 مسجداً من أصل 160 مسجد كانت قائمة في القرى والمدن الفلسطينية قبل عام 1948، وأظهرت وثائق في أرشيف الجيش الصهيوني التي تم كشفها أخيراً ، أنه عمل منذ قيام الدولة العبرية سنة 1948 على إزالة آثار قرى وبلدات عربية تم تهجير سكانها ومحوها من الوجود ، وأن ديان أعطى أوامره لتنفيذ حملات غايتها تفجير مساجد وأضرحة أولياء بأوامر صادرة عن قائد الجبهة الجنوبية في حينه موشيه ديّان ، الذي حول فلسطين وفقاً لمؤرخ صهيوني ، إلى صحراء مدمرة لطمس الحضارة العربية الإسلامية الفلسطينية التي كانت قائمة ، وإقامة دولة الاحتلال عليها .
ما ورد في هذا الكتاب غيض من فيض ، وما لم نتمكن من الحصول عليه كان أعظم بكثير ولا تسعه الكتب والمجلات في حقيقة الأمر ، وكم كنت أتمنى أن تتوفر جهة وطنية مسئولة تعمل على جمع هذا التراث الشفوي المبعثر هنا وهناك ، والذي ينقرض في معظمه بموت الأجداد الذين عاصروا تلك الأزمنة .
المقدمة
جاء هذا الكتاب في معظمه على ألسنة كبار السن الذين عايشوا أو علموا بأحوال الفلسطينيين في قطاع غزة قبل أكثر من سبعين عاما وما حولها ، باعتبار أن ذلك من أهم المراجع التي تعتمد على سرد التراث الشفوي ، أستقي المعلومات على ألسنتهم ومن خلال ذكرياتهم وتجاربهم ، والأحداث التي مروا بها والعصور التي عاصروها ، باعتبار أن ذلك تاريخا وتراثا وعلما يكاد أن يندثر بموت معاصريه ، وعلى الرغم من صعوبة الحصول على معلومات في مجال التراث الشعبي الفلسطيني من كبار السن ، والصعوبة التي واجهتني في جمع المعلومة وتدوينها ثم تنقيحها ومراجعتها ، والتأكد من صحتها من خلال تعدد مصادرها البشرية وتكرار سردها على ألسنة كبار السن الذين ذكرت سماءهم أدناه ، وكذلك التجربة الشاقة التي خضتها في هذا المجال ، إلا أنني تمكنت أخيرا بفضل الله تعالى من جمع مادة جيدة ، لعلها تُعتبر مرجعاً إلى ناشئتنا من طلاب وطالبات المدارس في يوم من الأيام ، تجذبهم إلى وطنهم فلسطين ، كما رجعت إلى بعض المراجع لتثبيت وتأكيد ما صدر على لسان الأجداد والآباء ، بالإضافة إلى الشبكة العنكبوتية التي حصلت منها على الصور المناسبة للنص ؛ من أجل تعزيز ثقافة الصورة لدى القارئ ؛ ومن أجل توضيح وترسيخ الفكرة التي يدور النص حولها بقدر الإمكان خاصة لناشئتنا ، وحرصت إلى اختصار موضوع التراث على قطاع غزة تقريباً بحكم نشأتي وترعرعي به ، وما سمعته من والدي وجدي رحمهما الله ، وما لا يزال موجوداً من معالم للتراث الشعبي الفلسطيني في قطاع غزة حتى اليوم .
ولا شك أن بعض ما جاء في هذا الكتاب مدوناً في بعض المراجع التراثية مثل الأمثال الشعبية إلا أنني رأيت عدم فصلها عن السياق الطبيعي لمجرد أنها مدونة في الكتب ؛ بسبب ما لها من قيمة وأهمية تضفي على محتوى الكتاب مزيدا من الرونق والحيوية والجمال .
ولا زال الكثير من الفلسطينيين في قطاع غزة حتى اليوم يمارسون أنماطا من الفلكلور الشعبي في كثير من مجالات الحياة ، في ملبسهم ومأكلهم ومشربهم وفي عاداتهم وتقاليدهم ، وفي أبنيتهم وفنونهم وآدابهم وأفراحهم وما إلى ذلك .
الجزء الأول من كتاب : حـدثـني جـدي.... قـبـل أكـثـر مـن سـبـعـيـن عـاماً
قطاع غزة .... ما لم يكتبه التاريخ
الاقتصاد الفلسطيني والاستعمار البريطاني : عمل الاحتلال الانجليزي بقوة على ضرب الاقتصاد الفلسطيني في زمن الانتداب البريطاني من خلال وسائل كثيرة منها :-
أحضر المستعمر البريطاني القمح من أستراليا وباعوه بثمن رخيص من أجل منافسة القمح الفلسطيني ؛ من أجل الضغط على الفلاح فيُسلّم أرضه للبريطانيين وأعوانهم ، إلى درجة أن الفلاح لم يقدر في ذلك الوقت على شراء جمل له إذا مات جمله ، فيضطر إلى بيع جزء من أرضه من أجل شراء الجمل ، والذي كان يقدر بحوالي عشرين جنيها فلسطينيا في ذلك الوقت ، أي في عصر الثلاثينات من القرن الماضي .
في الوقت الذي كان يعادل هذا الثمن ثمن ما جمعه من محصول في العام كله ، وإذا كان الفلاح أو المزارع أو التاجر الفلسطيني يبيع صاع القمح بأربعة قروش فلسطينية على سبيل المثال في ذلك الوقت ، كان الاحتلال يغرق الأسواق بأجود أنواع السلع ، ويبيع السلعة أو الصاع بقرش واحد . وكذلك كان يعمل مع باقي السلع الغذائية كسلعة الذرة والشعير والحمص وغيرها من مقومات الاقتصاد الفلسطيني في تلك الحقبة .
كانت معظم مناطق قطاع غزة زراعية ، وكانوا يزرعون القصب والخضار والفواكه والحمضيات والحبوب والبقوليات والبلح والزيتون والعنب ، واشتهر قطاع غزة كسائر مدن فلسطين بالحمضيات .
ووضع الفلاحون المحاصيل في أماكن عرفت بالخوابير مفرد خابور، فخابور للقمح ، وخابور للشعير، وآخر للذرة .
والخابور هو مكان واسع يوضع به السلعة ، وأحيانا كان يغطى بالقماش ، ويبنى حوله السياج المكسو بالصاج أو القماش أو الحجارة أو الأسلاك أو التراب .
وكان المزارع الفلسطيني يؤجر أرضه أحياناً مقابل أن يحصل على ربع الناتج من المحصول ، باستثناء الأفندية ( الإقطاعيين والباشاوات ) فكانوا يحصلون على ثلثي ناتج المحصول ، وكان الانتداب البريطاني يفرض على الفلسطينيين ضريبة تسمى بضريبة الويركو ، وهي ضريبة على الأرض الزراعية كما سيأتي معنا لاحقاً ، وكانت الضريبة ما بين جنيه واحد إلى عشر جنيهات سنوياً على كل دونم مربع ، ولما كان عدد كبير من السكان الفلسطينيين يملكون الأراضي الزراعية الواسعة ، أي أن غالبيتهم من الفلاحين والعمال والمزارعين .
فلا بد من دفع عشرات الجنيهات الفلسطينية كل عام ، أو مئات في أحيان كثيرة لمن يملك مئات الدونمات ، علما بأن العامل أو الموظف كان يتقاضى أجرا بالقروش وليس بالجنيهات ، أي مائة وخمسين قرشا في الشهر أو مائتين على سبيل المثال لا الحصر ، مما زاد العبء المخطط له مسبقاً على الفلسطينيين ، وكل من لا يتمكن من دفع الضريبة فمصيره السجن والتعذيب والتغريم ، أو مصادرة الأرض ومن ثم يقوم الانجليز بتسليمها مجانا إلى العصابات اليهودية ، كان الهدف من وراء ذلك واضحا هو الضغط على الفلسطينيين ؛ لكي يتنازلوا عن أرضهم ومن ثم يقوم الانجليز بتسليمها إلى اليهود لإقامة مشروعهم الصهيوني على تراب فلسطين .
كان بعض الأغنياء إقطاعيين في ذلك الوقت ، وكانوا يلقبون ويعرفون بالأفندية أو الباشاوات ، فكان الإقطاعي الأفندي يحضر بنفسه يوم توزيع غلة المحصول ؛ ليرى بعينيه عملية قسمة أو توزيع الغلة ، فيحصل هو على الثلثين ويحصل من قام بزراعة الأرض وفلاحتها على الثلث ، وكان لزاما على الفلاح المسكين أن يذبح ذبيحة للأفندي من أجل أن يحصل على رضاه ( شاة أو بقرة أو خروف ) ، وإن لم يفعل الفلاح ذلك فسيعتبره الأفندي مستهزئا به ومستخفاً بكرامته ، الأمر الذي يستوجب عقاب الفلاح بالطرد أو السجن ...
كانوا يبيعون الغلة في سوق الزاوية والذي لا يزال موجودا في مكانه القديم حتى اليوم ، وقد عرف من قبل بسوق التُجار، وكان به منطقة تسمى سوق الغَلة لبيع وشراء جميع أنواع الحبوب ، وكانت المكاييل بالصاع والنصف صاع والربع صاع ، ولم يكن في وقتها الموازين ، و كان يقدر الصاع الواحد بعشرة كيلو جرامات تقريباً ، والصاع عبارة عن وعاء خشبي أو من الفخار أو الجلد ، كما كان ما يعرف بـ الكُعُد وهو وعاء من الخشب يستخدمونه للكيل أيضاً .
يجب ذكر المصدر عند النقل
[email protected]
www.tahsseen.jeeran.com مدونتي
الجزء الثاني من كتاب : حـدثـني جـدي.... قـبـل أكـثـر مـن سـبـعـيـن عـاماً
قطاع غزة .... ما لم يكتبه التاريخ
{مقتطفات من هنا وهناك في حياة الفلسطينيين ما قبل النكبة ، على لسان الأجداد}
بحث وجمع وكتابة : أ . تحسين يحيى أبو عاصي – كاتب فلسطيني مستقل -
= = = = = = = = = = = = = = = = =
كان كل من يعتدي على أرض الباشا أو الأفندي يتعرض للسجن ، ودفع الغرامة وطلب مسامحة الباشا الذي كان الاستعمار الانجليزي يدعمه ، حتى أن أحد الباشاوات أو الأفندية اعتقل وجهاء ومخاتير قرية بأكملها بسبب عبث قطيع من الأغنام في أرضه التي بلغت ألفين من الدونمات ، ولم يخرجوا من السجن إلا بشروطه والتي كان من أهمها : كل من يدخل أرض الأفندي يغرم خمسة جنيهات فلسطينية ، ويمنع منعا باتا دخول الماشية إلى أرض الأفندي وإلا دفع صاحب الماشية عشر جنيهات ؛ فاضطر الفلاحون إلى الرحيل من جوار أرضه ليزدادوا عذاباً من فوق عذاباتهم ،وكان الأفندي يجمع زعران البلد عند حرث أرضه خوفا من اعتداء الفلاحين على المحصول وتهديدا وردعاً لهم، ويضع لها حارسا يطلقون عليه لقب (قولجي ) .
كان الأفندية في غزة يسيطرون على أراضي الفلاحين بالقوة أو بالحيلة ، أو بالمكر والدهاء أو بأساليب ملتوية أخرى من هنا وهناك ، فمقابل خروج ابن الفلاح من السجن كان الأفندي يحصل على عشرين جنيها ثمنا لدخوله واسطة بين الفلاح المسكين والد المعتقل أو أخيه أو من أحد أقربائه وبين الضباط البريطانيين ( الإنجليز ) ، وإن لم يدفع الفلاح العشرين جنيها كان الأفندي يسيطر على أرض الفلاح المسكين ، فكثير من الفلاحين لم يتمكنوا من دفع هذا المبلغ فاضطروا لمنح الأفندي قطعة من الأرض .
وبهذا الأسلوب جمع الأفندية ألوف الدونمات من الأراضي ، في الوقت الذي كان الفلاح يحصل بالكاد على قوته وقوت أسرته ؛ عن طريق عمله مع زوجته وأهل بيته من قبل شروق الشمس إلى ما بعد غروبها .
كانت أرض قرية بيت حانون والواقعة في شمال قطاع غزة تتكون من عشرين قيراطا ، كان لجميع لسكان القرية من الفلاحين قيراطين ، وللأفندية من عائلة أبو خضرا ثمانية عشر قيراطا .
وبسبب ضعف عائلة أبو خضرا وعدم قدرة صاحب الأرض ( أبو خضرة ) من حماية أرضه بسبب اعتداء الفلاحين عليها ، التجأ صاحب الأرض أبو خضرا إلى الشوا ، وكان الشوا زعيما كبيرا وقوياً في ذلك الوقت في قطاع غزة ، فوهبه أبو خضرا أرض بيت حانون التي كان يملك غالبيتها العظمى كاملة هدية له ، كعمل مضاد لاعتداء الفلاحين على أرضه من أجل أن ينتقم منهم ، لأن الفلاحين لا حيلة لهم أمام الأفندي الشوا فعندما يعلمون أن الأرض باتت للأفندي الشوا سيتراجعون عن محاولاتهم السيطرة على الأرض ، فرد عليه الشوا قائلا وأنا وهبتك أرض قرية برقة عطية لك ، وقرية برقة من القرى القريبة من قطاع غزة والتي دمرها اليهود وهجروا أهلها سنة 1948 .
بعد أن ضعف سلطان بعض الأفندية في غزة ، اضطروا إلى ترك غزة والرحيل منها رغم ما يتمتعون به من امتيازات،ولا زالت الكثير من أملاكهم موجودة في غزة تحت سلطة الوقف الإسلامي في كثير من المناطق .
وكان عندهم في سنوات الأربعينات ما يعرف بطقة الفنجان ، أي تسجيل الأرض عند رجب خلف مسئول طابو تسجل الأراضي .
كان الفلاحون في قطاع غزة يمشون ثلاث ساعات من أجل الوصول إلى أرضهم ، فقد بلغ ثمن الجمل سنة ( 1948 ) 60 جنيهاً ؟ .
وكانوا يحرثون الأرض ليلا ، والحرث يعني لديهم موت العشب ؛ لكي لا تُسَكِّر أو تغلق الأرض بالعشب ، أي خوفا من أن تُعشّب الأرض فيواجهون صعوبة في حرثها وتنظيفها من الأعشاب ، وكانوا يعللون ذلك بالسرعة قبل المطرة الأولى التي أطلقوا عليها اسم مطرة العُرش ، أو مطرة الصليب أو الغريبة لأنها تخرج العشب الغريب من باطن التربة .
كانوا المهاجرون الفلسطينيون بعد الهجرة سنة 1948 يتسللون إلى أملاكهم التي تركوها في مدنهم وقراهم المحاذية لقطاع غزة ، والتي أخرجتهم عصابات الاحتلال منها بالقوة ؛ لعلهم يحصلون على شيء مما تركوه من محصولهم أو حيواناتهم أو أثاثهم ، وكانوا يتعرضون إلى القتل في أحيان كثيرة بسبب تلغيم الصهاينة للأرض أو إطلاق النار عليهم مباشرة ، تدفعهم شدة الفقر والحاجة ..
كان في غزة القديمة مركزاً للشرطة مكان مئراب الزهرة الحالي .
غزة سنة 1918
وكانت بناية البريد المركزي مقابل المكتبات الموجودة حاليا أمام مدرسة الزهراء الثانوية .
وأما ميدان فلسطين الحالي فكان في فترة الثلاثينات مقبرة .
كما كان موقع البنك العربي ومسجد الشيخ شعبان الحاليين موقفا خاصاً للحناطير التي تجرها الخيل والبغال ؛ لتنقل الناس من مكان لآخر .
ومن الناس من كان يتنقل فوق حمار بأجرة قليلة ، ويضع ما معه من متاع أو خضار في خرج الحمار .
وكان المهاجرون الفلسطينيون يتعرضون أثناء رحيلهم ( هجرتهم من مدنهم وقراهم ) لحملات السطو من قبائل البدو الذين كانوا يكمنون لهم بين التلال والأشجار وفي المغارات .
كانت المساحات الكبيرة من الأراضي في قطاع غزة ممتلئة بالكثبان الرملية والرمال الصفراء الناعمة والغابات الكثيفة ، ويخرج الناس من بيوتهم قبل الغروب إلى التلال الرملية الجميلة فيفرشون الفراش أو الحصير ،ويجلسون في جو جميل لطيف خالٍ من المنغصات، تداعب وجوههم نسمات رقيقة ، ويشمون رائحة الزهر والشجر والكثبان الرملية التي تعطي رائحة متميزة جميلة في نكهة خاصة تعبر عن جمال الطبيعة .
يجب ذكر المصدر عند النقل
[email protected]
www.tahsseen.jeeran.com مدونتي
الجزء الثالث من كتاب : حـدثـني جـدي.... قـبـل أكـثـر مـن سـبـعـيـن عـاماً
قطاع غزة .... ما لم يكتبه التاريخ
{مقتطفات من هنا وهناك في حياة الفلسطينيين ما قبل النكبة ، على لسان الأجداد}
بحث وجمع وكتابة : أ . تحسين يحيى أبو عاصي – كاتب فلسطيني مستقل -
= = = = = = = = = = = = = = = = =
وكانت منطقة الدونمات ( الرمال حالياً ) عبارة عن كثبان رملية جميلة واسعة ، ينتشر بينها أشجار العنب والتين والخروب ، كان الناس يجمعون تلك الثمار في سلال خشبية صغيرة .
كما كان أول بيتين في منطقة الدونمات ( الرمال الحالية ) هما بيت الحاج علي كُبة الحلبي ، وبيت الحاج حسن قاسم أبو عاصي ، ( جد كاتب السطور ) بحيث كان كل من يفكر في السكن بهذه المنطقة يقولون له : أنت مجنون فلا أحد يسكن بين الواويات ( حيوانات بنات آوى ) في هذه المناطق الخالية . وتعتبر اليوم هذه المنطقة من أجمل مناطق قطاع غزة ، كما تعتبر أراضيها من أغلا الأراضي ثمنا .
كان شجر الجميز والكينياء والتوت منتشرا في كثير من مساحات قطاع غزة ، وكانت غابات التحطيب المليئة بالأشجار الكثيفة والمتشابكة فيما بينها موزعة في مناطق كثيرة ، وكنت في طفولتي أخرج مع الأقرباء والجيران من أجل التحطيب ( أي لجمع الحطب من الغابة من أجل الطهي )
وأذكر وأنا في الرابعة من عمري كنت أسمع صراخ حيوان يُعرف بالواوية ( بنت آوى ) ، كان هذا الحيوان يهجم على البيوت خلسة لسرقة الطيور والأرانب ، وهو حيوان يشبه الكلب يعيش في المزارع والخلاء والغابات ، وكانت بنت آوى بمجرد أن تصرخ تهجم عليها الكلاب فتسرع بالهروب .
كانت لغابة تقع في الجهة الشرقية من قصر الحاكم ومعسكر أنصار حالياً ، في منطقة اسمها القيشانية .
ومنح الفلسطينيون الزراعة جل اهتمامهم ، معتمدين على مياه الأمطار والآبار ، وكانوا يحفرون حفرا كبيرة في مناطق منخفضة من أجل تخزين مياه الأمطار والاستفادة منها في الأوقات الأخرى وتسمى هِرَابة .
كان المزارعون يلجأون إلى المناطق الغربية لقربها من البحر، والغنية بالمياه الجوفية القريبة من سطح الأرض بأقل من متر واحد وأحيانا سنتمترات كما هو الحال في منطقة النواصي الغربية بخان يونس ، مما يسهل عليهم حفر الآبار لاستخراج المياه .
وعندما عرفوا الحجارة بنوا منها جدرانا للبئر على شكل دائرة قطرها حوالي المتر ، وبلغ عمق بعض تلك الآبار البعيدة عن البحر من 3 – 5 مترات ، يستخرجون المياه منها بواسطة حبل من الليف ، أما المناطق الشرقية من غزة فكانت المياه عميقة جدا داخل التربة ، مما يصعب معه حفر الآبار هناك ، ولكن الحفر انتشر في مناطق كثيرة بعد أن عرف الناس طريقة شفط المياه يدوياً بواسطة الذراع الآلي أو( طرمبة أم الذراع ، وكانت تعتمد على شفط المياه عن طريق ذراع يحركه رجل أو امرأة بدون وقود )
حينئذ انتشر حفر الآبار في مناطق كثيرة ، بسبب سهولة استخراج المياه ، ولكن ذلك كان من حظ الأغنياء فقط ، وكانت النساء تنقلن المياه في الجرار وتحملنها على رؤوسهن ، وتضع المرأة الجرة في مكان داخل بيتها لتتعرض للهواء فيبرد ماؤها بسبب غياب أجهزة التبريد والكهرباء ، وكن يضعن فوق فوهة الجرة أو الإبريق الفخاري عرقا من الليمون ، فإذا شربت من الماء شربت ماءً بارداً عذبا فراتا يحتوي على نكهة الليمون الجميلة .......، وكانت الجرار تعبأ من العين أو البئر وكان للبئر حبل من الليف .
وكانت الأسر تتعاون في حرث الأرض وزراعتها ، وجني المحاصيل وذري الحبوب وتخزينها ، في مظهر نادر من التعاون والإيثار يجمع أفراد الأسرة كلها ومعهم الأصدقاء والجيران والأقرباء ، يتعاون الجميع في الحرث والذري بروح من المودة والمحبة والاحترام من قبل شروق الشمس وحتى غروبها وهم يرددون الأغاني والأناشيد الشعبية الجميلة .
كان الفلاح الفلسطيني يحصد المحصول بالمنجل الذي يصنعه الحداد .
وكان يترك ماشيته لتسير فوق الغلال ( القمح أو الشعير أو الذرة ) ، وكان بعد ذلك يسحب من فوق غلاله أو محصوله لوحا خشبيا سميكا وثقيلا اسمه لوح الدراس تجره الحيوانات .
كان اللوح ثقيلاً من أجل تحقيق الغرض منه وهو الضغط على المحصول وتحطيمه بمعنى تهريسه وخرطه ، طوله تقريباً مترين × 80 سم ، وبسمك حوالي 25 سم ، يستخدمه من أجل خراطة القش وتمزيقه لكي يتحول إلى تبن ، وكان من تحت ذلك اللوح مناشير تشبه السكاكين طول السكين من 30 سم إلى 45 سم وعرضها من 5 – 10 سم وفي كل لوح من 30 – 40 منشاراً أو سكيناً وظيفتها الخراطة والتنعيم .
ثم ينقل الفلاح من بعد ذلك الغلال إلى أرض واسعة من أجل درسه ؛ فيضع الغلال في مكان يُعرف بالجُرن ، وقد تصل مساحة الجرن إلى عَشَر دونمات من الأراضي أو أقل ، ثم تأتي عملية الذري بواسطة المذراة من أجل فصل الحب عن التبن والقش .
فيوضع الحب في أوعية خاصة كانت من جلد الحيوان ، ثم من القماش ثم من الخيش ، وكان يخزنها في بئر منزلي أو في حفرة عميقة داخل منزله أو قريبة منه بعمق خمسة أمتار وعرض عشرة أمتار تقريبا وذلك وفقا لكمية المحصول ، ويذهب التبن طعاما للدواب كما يذهب القصب لأعمال البناء من أجل تقويته .
وكانوا يخزنون التبن في مكان اسمه كِبِر ، وكانوا يخزنون الحب من القمح أو الشعير أو الذرة أو ما شابه ذلك لاستهلاك السنة كلها لهم ولماشيتهم في مكان يسمونه كِمِر ، وكانت طريقة التخزين هي بعمل حواف من التراب حول كوم الحب وتغطية الكوم بالقصل ثم بالتراب .
وأطلقوا على اسم الحرث ( إشقاق ) كما أطلقوا على عملية بذر البذور ( ثناية )،
ومن أجل إتلاف ما تبقى من فائض الإنتاج ، درج الفلاحون على دفن الحبوب والبرتقال في حفر عميقة نسبيا للتخلص منها .
يجب ذكر المصدر عند النقل
[email protected]
www.tahsseen.jeeran.com مدونتي