تقرير النتائج
عودة محملة بالاحداث الى رأي نصر ابو زيد حينما اعتبر ان الحاكمية مكسب سياسي والحقيقة اننا وجدنا ان لا اثر ترتب على اثر، تفحصنا المواقف وإشكالياتها وتصارع الاحداث والطبائع وتغير الحكومات ومطالب السياسة.. فوجدنا نتيجة يرسمها هذا التقرير:
بعثت جماعة اسلامية في بدايات القرن المنصرم (القرن العشرين وتحديداً في 1927 الى الوجود من قلب المجتمع المصري الفقراء والعمال والموظفين والكتاب والمثقفين والمتدينين والاسر المحافظة وتعاطف معها العديد من الوجه الاخر بعد ان كانت أجزاء متناثرة من الصوفية والسلفية والمثقفين وحملة الشهادات والصعايدة والفتوة، اثر كل جزء على الآخر ثم تأثر المجتمع بالمؤسس الشيخ حسن البنا وانصاعوا له بطاعة عمياء، لايخفى ان تأسيسهم الديني كان المحرك والدافع نحو الهدف الاسلامي ومن هنا أبت الاسس ان توصل الى اهداف مغايرة، فاصحاب الطموح السياسي مشكلة عند الحركة فهي لم تعتد على أجواءه كما انها على خلو من ادواته وخطابه فجعل من الحركة نتيجة امام الطموح السياسي او البقاء على الواجب الديني ولاسيما بعد ثورة يوليو 1952 بخطر مايسقبلها مترددة وواثقة فحقق الواثق منها غرضه فانشأ جيلاً متديناً يعتز بعقيدته ومفكرين اثروا المكتبة الإسلامية وبقي المتردد متردداً حتى ملا السجون وغاص آخر في جوف الارض لما لم يسعه ظاهرها!! ويلف اخرين النسيان واعوانه ومن تبقى كان شاهد عصره موثقا او مبينا او طاعنا ويبقى حديثنا موصول بالجزء العقائدي فطموحه مشروع وأهدافه اسمى من مرامي السياسي ، والسلطة تخافه وهناك في آخر النفق مشكلة ايضاً، تبلورت الى تساؤل يطرح كل ما نظر اصحاب القرار في الغرف المحكمة الى ملامح سيد قطب هل هو عدو؟ ماذا يريد منا؟ لماذا يكتب وينظر مع جماعة الاخوان المنقرضين؟ لقد شكل سيد قطب مفترق الطرق بين الدولة والحكومة في مصر بين النظام الذي يدعو له علماء المسلمين سنة وشيعة الى نظام ينعت باشد النعوت ايلاما عليه ووجعا على محبيه كقول احد علماء المغرب في النكسة "ماكان الله ينصر من قتل سيد قطب " ولكن السؤال المهم هل كان سيد قطب عدوا لامفر من اعدامه ؟ وهل هناك فوارق لو كان سيد قطب ذاك الاديب لا مفكر المسلمين هل سيعدم نتعرف على الجواب في هذا البحث :
سيد قطب
في السجون تختمر الأفكار
ثورة يوليو 1952 في مصر اكثر من مجرد حركة هادفة لمجموعة من الضباط أمسكت زمام الأمور وتمكنت من إجابة خيارات الظرف المفتوح على مصراعيه، وقاد هذا التمكن الى التأميم لمعظم النشاط البشري في عهد الرئيس جمال عبد الناصر فأضفى نوعاً من الشك هل هناك فرق بين هذا والشيوعية، وبعيدا عن التكهنات فان جمال عبد الناصر لم يكن شيوعياً كما لم يكن امريكياً الا انه بالفعل كان ضابطا عسكرياً ينظر الى الحياة من فوهة البندقية ويتصفح الوانها من خلال مسامات (الكاكي) وللانصاف انه كان يقرأ بنهم ويتحرى المصادر دون المختصرات إلاّ ان موضع الخلل في ثقته العنيفه قادته في بعض الظروف الى الاعتماد على نفسه وترك النفوس الاخرى ثم لان في ظروف اخرى فاعتمد على نفوس اعتمد عليها فقط فتحول الخلل من لون الى آخر ولم يصلحه الانتقال، وكما اسلفنا في الفصل السابق قد جرت عمليات التعذيب بصورة رهيبة لم تفرق بين المستويات والماهيات كما اسفر الضغط عن ردة فعل دمرت الفعل ذاته وزادت عليه بلا قياس لم يأت موضوع سيد قطب بمعزل عن سياقات التاريخ وملابساته فهو كإحساس مرهف وفكر واسع ومبدأ صادق وقع تحت أقسى ضغط مثل صراع إرادات دول سلط على دائرة صغيرة هي حركة سميت الاخوان وادق منها رجل سمي سيد قطب، قد يعترض اخرون على هذا الاختزال فللحركة قادة عديدون ذهبوا في نفس الطريق واحدهم قطب وهذا صحيح في الشكل اما الداخل بلا رتوش فليس بدقيق، فسيد قطب كان مفكراً اسلامياً متحرر النزعة لم يسبق له ان كان من بذور الحركة الاولى الذين استهلكتهم طاعة عمياء وأجيال بين العلني والسري، وحركات متخبطة في الطول والعرض.
بل كان ذا احتكاك بالواقع ومجريات الاحداث العامة وقد سببت لديه هواجساً جسيمه حسمها له الكاتب المعروف عباس العقاد كما بينا في سيرته، فالحركة (الاخوان) زرعت زرعاً حصده مناوئيها وانما حصدت جيلاً آمن بها كحركة عقائدية استقرت على قضايا ومبادئ يتعاطى معها الكثير ومن هذا الجيل الذي كان يعد حصاداً لها سيد قطب بالرغم من كونه ليس من بذورها. وللعودة ألى مشهد الاحداث وصلب الموضوع فقد كتب سيد قطب كتابه المعالم وهو في حالة تنتابه الذبحة القلبية كل اسبوع (مرتين) يرافقه تحول والام وسماع لأصوات المعذبين واخبار عن احتفالات بالنصر في الساحة الخارجية لمصر "تاميم القناة السد العالي الاتفاقيات والمناورات والوحدات "اما في الداخل فكان النصر بكثرة التعذيب لذا كابر سيد قطب ليبين ان النصر ينطلق من داخل السجون وليس من خارج القصور وله قوله شهيرة (ساصبر لان في صبري صبر للكثير) اما الجلاد فكان ينطق بالشهادتين ويصلي ربما.. ويشرب الخمر ويجلب الفنانات كبغايا يسهر معهن في شقق مفروشة، ويطلق نساء من رجال ليتزوج سفاحاً وبالصورة عقد وقرآن والأهم هو ان ينتصر الرئيس على الرؤساء وتتغلب القومية على الغرباء، كل عنصر كان جزءً قابلاً للانفجار فتجمع الكل واحتاج الفتيل ثم تحصل الأخير وترقب عود الثقاب وحين كان عود الثقاب موجوداً أجابه السطح الخشن وعديم الرحمة فصارت شعلة ادت للانفجار.. انني استغرب حقاً حينما يتطرق الاستاذ الكبير هيكل الى محنة مصطفى امين واخيه علي امين ويستطرد بكل تسلسل دقيق للازمة التي دارت بينها وبين الرئيس، ثم اقارن بين اولاد امين وسيد قطب وشقيقه واليك موضوع مصطفى امين من وحي صحفي خيمت افكاره ووثائقه على مصر ولازالت وهي مرجع بحق رغم توالي السنين والنسيان ..
مصطفى امين: وهو من كبار بارونات الصحافة المصرية ولديه هو وأخوه حق الامتياز والملكية لدار اخبار اليوم بصحفها وشركات التوزيع والنشر والطباعة وكان من القريبين للملك فاروق او من السراي بالاصح وقد يكون اتصاله بنقطة الصحافة والاعلام في القصر وهو كريم ثابت ثم بعد ثورة يوليو 1952 كان حظ الأستاذ هيكل وافراً لقربه من الرئيس جمال عبد الناصر فانتقلت الكفة من الاخوين الى الصديق هيكل ثم بدأ العد التنازلي بالاسراع واعلان المفاجآت التي ادهشت هيكل ذاته واترك باب الحوار بين جمال عبد الناصر وهيكل بهذا الخصوص.
((الرئيس: انني ساقول لك الآن شيئاً اعرف انه سوف يضايقك)) ثم استطرد: ((لقد قبضوا الآن على مصطفى أمين متلبساً بالتجسس للامريكان..)).
هيكل: وعقد الذهول لساني وتساؤلت غير مصدق لما سمعت (غير معقول).
الرئيس: ((ذلك ما حدث مع الأسف)).
هيكل: (وقلت والذهول ما زال مستبداً بي: سيادة الرئيس.. أنني لا أفهم تماماً ما تقوله لي؟).
الرئيس: وراح يقول بنفس النبرة التي يختلط فيها الحزم والاسف اسمع.. انني اريد ان تعرف بشكل واضح ان الموضوع كبير وخطر وانا لا أريدك ان تحتكم فيه الى مشاعرك الشخصية، انت تعرف اولاً انه كانت هناك شكوك ومن ناحيتي فإني طرحت هذه الشكوك جانباً واعطيت فرصة جديدة ولم أعط فرصة واحدة وانما اعطيت عشرات الفرص وكان آخرها موافقتي على سفر علي أمين الى لندن مراسلاً للأهرام، ولقد وافقت وأنا أعلم ان مصطفى متورط في أشياء لكني لم أمانع في سفر علي لأني من ناحية لم اجد شيئاً قاطعاً عليه، ومن ناحية أخرى لانك كنت تلح. ولقد وافقت على ضبط مصطفى بعد أن رأيت من الأدلة والوثائق ما جعلني ـ بكل اسف ـ ولكن بكل ضمير مستريح اوافق على العملية ليس لدي ما يدعوني الى تلفيق تهمة لرجل قابلته مرات عديدة وقرأت له ما كان ينشره وما كان يتطوع بارساله لي .. لا أريدك (الكلام موجه الى هيكل) الآن ان تقول شيئاً أريد منك شيئاً واحداً ان تخطو الآن عبر الشارع الى مكتب سامي شرف وان تطلع بنفسك على الملفات والاوراق وتستمع الى التسجيلات الصوتية ثم فكر على مهل فيما سوف تقرؤه وتسمعه ثم نم هذه الليلة وعد الى هنا في الصباح وساعتها يكون من حقك ان تقول لي ما تشاء)) ثم صدر جمال عبد الناصر امراً الى سامي شرف ـ سكرتيره للمعلومات في ذلك الوقت ـ بطلب منه ان يطلع هيكل على كل شيء.
ثم ذهب هيكل الى سامي شرف وقد رحب به واعد له مجموعة من الملفات والاشرطة واترك المجال لهيكل لعرض الملفات ((امسكت بأول الملفات كان عنوانه من الخارج ـ هيئة الامن القومي ـ )) ثم اسم (بروس تايلور اوديل) ثم رقم مسبوق بمجموعة حروف وفي الداخل مجموعة من التقارير تروي قصة بدت لي جيدة ومزعجة والقصة ـ من واقع الملف ـ تبدأ من اول سنة 1964 وترسم بدايتها صورة نشاط مكثف لوكالة المخابرات المركزية الامريكية في مصر، فالعلاقات بين مصر والولايات المتحدة الامريكية.. ويظهر اسم (بروس تايلور اوويل) لاول مرة في القصة من خلال تقرير مندوب سري لهيئة الأمن القومي في اثنيا ـ عاصمة اليونان ـ يقول كاتبه ان معلومات وصلته بأن احد رجال المخابرات المركزية الامريكية واسمه (بروس تايلور اوديل) قد رشح للعمل في مصر وانه سيجيئ اليها تحت ستار انه مستشار في السفارة الامريكية في القاهرة.
ويتابع هيكل التواريخ من اغسطس 1964 حتى نوفمبر 1964 تشير مجموعة تقارير منظمة الى ان (بروس تايلور اوديل) يتصرف بطريقة عادية ـ كأي دبلوماسي آخر يحضر الحفلات التقليدية ويجري اتصالات لاتثير شبهات ويقوم بنشاط مألوف وفي الفترة من ديسمبر 1964 الى مارس 1965 تتخذ اتصالات ـ بروس تايلور اوديل ـ نسقاً محدوداً ويتكرر ظهور اسم الاستاذ مصطفى امين في عداد من يقابلهم.
ثم تبدو بعد ذلك التقارير ظاهرة ملفتة للنظر (وضع احدهم في هيئة الامن القومي المصري خطاً بالحبر الاحمر) فقد اصبحت بين الاثنين ـ الاستاذ مصطفى امين و (بروس تايلور اوديل) دورية غداء في يوم الاربعاء من كل اسبوع ووحدها بدون أي شخص آخر وفي بيت الاستاذ مصطفى امين في شارع صلاح الدين بالزمالك ثم ان هذه اللقاءات كانت تحاط باجراءات للتمويه منها ان بورس تايلر اوديل كان ينزل من سيارته في شارع بعيد عن شارع صلاح الدين ويتركها هناك ويمشي على قدميه ثم يدخل العمارة التي يسكنها مصطفى أمين ويضغط زر المصعد على دور آخر غير الدور الذي يسكن فيه الاستاذ مصطفى أمين ثم يصعد او ينزل السلم على قدميه الى مقصده النهائي وبعد ان تم وضع اجهزة تنصت في داخل شقة مصطفى امين ثم توالت اجتماعات ادويل مع امين الى فتر امتدت من 19 مايو والى 7 يوليو.. ثم استمع هيكل الى الاشرطة المسجلة حتى يستطيع مطابقة الأصوات والأقوال فيما يسمعه وما يراه مكتوباً امامه.. ثم يضيف هيكل ((.. كان ظاهراً من التسجيلات ان اوديل يجئ كل مرة ومعه قائمة مكتوبة باسئلة يريد اجابات عليها الامر الذي يضع اللقاءات كلها في اطار عملية ـ تخابر ـ لاشك فيها )) وجاء في تبليغ موجهاً من رئيس هيئة الامن القومي المصري الى رئيس نيابة امن الدولة، نصه كما يلي:
هيئة الامن القومي
السيد رئيس نيابة امن الدولة العليا..
بعد التحية..
نحيط سيادتكم ان السيد مصطفى أمين ـ مصري الجنسية ـ يعمل رئيس تحرير الاخبار .. قد دلت تحرياتنا السرية ان المذكور يقوم بالتخابر والعمل لحساب المخابرات الامريكية في القاهرة والعمل ضد امن وسلامة الدولة يعاونه في ذلك آخرون، ويجتمع المذكور مع مندوب المخابرات الامريكية الحالي في القاهرة سعت 1400 يوم الاربعاء الموافق 21/7/1965.
ثم يستعرض هيكل مسألة في غاية الاهمية نقلاً من سامي شرف مدير سكرتارية المعلومات (حينما قبضوا عليه ظهر اليوم كان هناك مبلغ خمسة آلاف جنيه مصري قبل ذلك نجد في الأشرطة ان مصطفى سلم للراجل مبلغ عشرة آلاف جنيه، ولابد أنه كانت هناك مبالغ اخرى قبل ان تبدأ التسجيلات).. ثم يواصل شرف إلحاحه على هيكل ((هل تستطيع ان تفسر لي لماذا يقبل مندوب المخابرات وممثلها في السفارة الامريكية ان يقوم بعملية تهريب لصالح احد؟ المفروض في رجل المخابرات في السفارة الامريكية ان يتوارى وان لايلفت الانظار إليه وان يتجنب اكثر من غيره أي مخالفة لقوانين البلد الذي يعمل فيه.. لابد ان مصطفى كان مهماً جداً ((للراجل يقصد رجل الاستخبارات الامريكية)) بحيث يقبل ان يقدم لحساب بتهريب امواله مع مصر) الى هذا الحد يكفي لاتهام مصطفى بالتجسس لحساب المخابرات المركزية الامريكية والادلة وافرة خصوصاً اني لم أذكر ما يكفي وهو الاكثر، ننتقل بعدها الى موضوع حساس وأساسي وهو عقوبة مصطفى امين ومن المعلوم أن تهمة التخابر في القانون المصري عقوبتها الاعدام علماً انه لم يتهم بالتخابر فقط بل اتهم بانتحال صفة وذلك واضح في ملفات هيئة الأمن القومي المصري والتقرير الذي كتبه مصطفى أمين وهو في السجن من 60 صفحة فقد اعترف بانه نقل معلومات الى اوديل على لسان الرئيس وأوصل كلاما مهم الى الرئيس وفق هذه اللغة المزعومة.
اقتطع حواراً بين هيكل ومصطفى أمين واحد السياسيين في سجون مصر في ذات الوقت الذي كان فيه سيد قطب سجيناً هناك.
دخل مأمور السجن الى الغرفة ووراءه احد جنود السجن يحمل صينية عليها فنجانين من القهوة وقال بأدب:
ـ تشربان فنجان قهوة.. ثم تنتهي الزيارة.
قالها وهو ينظر الى ساعته.
.. كان الاستاذ مصطفى أمين قد راح يفتح طرد الأدوية والفيتامينات الذي بعث به سعيد فريحه ويراجع ما تحتويه..
ثم رفع رأسه (أي مصطفى) وسأل مأمور السجن (متى يسمحون لي بان اتلقي طعاماً من بيتي) وقال مأمور السجن (فور أن يصلنا تصريح بذلك) وقلت لمأمور السجن (انني سوف اعمل على ان يصل التصريح هذا اليوم ونحن على أي حال ـ كصحفيين ـ نترك الاستاذ مصطفى أمانة عنده واثقين بانه يعرف مكانته لنا جميعاً)).
قال الاستاذ مصطفى امين موجهاً كلامه لمأمور السجن (هه.. هل سمعت) ورد مأمور السجن (استاذ مصطفى.. هل هناك ما تشكو منه؟ اننا بالطبع نعرف ان السجن ليس تجربة ـ مفرحة ـ ونحن نتمنى لكل نزيل عندنا ان تثبت براءته ويذهب الى بيته لكننا حتى يحدث ذلك امام قوانين ولوائح ولكن أي حال فأننا نحاول ان نعطيك كل التسهيلات التي تسمح بها هذه القوانين واللوائح..).
ثم مقطع آخر لايقل غرابة يتحدث فيه هيكل عن زيارته لمصطفى أمين فيقول بعد ان دخل السجن لزيارة أمين (ولم تمضي دقائق حتى كنا نقوم بجولة في السجن ودليلنا فيها هو الاستاذ مصطفى أمين يمشي وسطنا ومن حولنا مأمور السجن وبعض الضباط وذهبنا الى ورش السجن والى المخبز والمطبخ ثم الى المكتبة، وكانت هي المكان الذي تقرر ان ينفذ فيه الاستاذ مصطفى أمين عقوبته مع الشغل شغله كان المكتبة وداعبته قائلاً له (على الأقل تقرأ بعض الكتب).
وضحكنا فقد كنت ألومه مرات في الأزمنة الخوالي لان قراءاته كانت مقصورة على الصحف والمسجلات لانتعداها، وراح الاستاذ مصطفى أمين اثناء تجوالنا في السجن يقدمنا الى بعض زملائنا وفي لحظة مرت اللحظات راودني الاحساس بأننا في فناء مدرسة ولسنا وسط جدران سجن!) .
أما علي أمين الأخ الثاني:
فقد اجابت تحريات اجهزة جمال عبد الناصر السرية على لسانه [وهو يخاطب محمد احمد محجوب ـ ولعلمك يا محجوب علي أمين يعمل ايضاً مع بعض العناصر في السعودية وهو على اتصال منتظم بالشيخ حافظ وهبة (سفير السعودية وقتها في لندن) كما انه على اتصال مستمر بكمال ادهم (رئيس المخابرات السعودية)] .
ولنا أن نتساءل ماذا كان يعمل علي امين في لندن؟ انه مراسل صحيفة الاهرام الصحيفة شبه الرسمية التي يترأسها هيكل وزير الارشاد القومي لاحقاً وسابقاً الصديق المقرب من ناصر، ان هذه اللغة غير مستنكرة فهي تدل على ديمقراطية صحيحة بين الحاكم والنخب وبين النخب والشعب، وهذه الصورة الوردية للسجن يطمح فيها كل فقير مصري، بل المعاملة الشفافة بين مأمور السجن والزائر او السجين كلها انماط متقدمة في السلوك المتمدن، ولكنها اين؟ ولماذا اختفت مع الآخرين؟ وقد لا أجرأ ان ابين تناقضاً واضحاً للاستاذ الكبير هيكل وهو يحق مفخرة للعقل والاعلام العربي الا اني مضطر الى الاشارة والتلميح باننا امام حمل وديع اسمه الأمن المصري في كتابه " بين الصحافة والسياسة " وفي رعب فضيع هناك عند زوار الفجر وهو من كتاباته ايضا ولا أدري من منهما عاصر الحقيقة او جانبها لنحتكم اليه في قضية مر عليها 44 عاماً تقريباً، اختفى معظم رموزها وهرم من بقى منها واضمحلت علاماتها..
ولكي نكمل التقرير والكتاب معا نطرح هذه التساؤلات على القارئ ثم نتركها لاجاباته بعد ان قرا معنا من الفصل الاول والى هذ النهاية ..
هل كان سيد قطب مفكرا خطرا على مصر ؟
هل كان مصطفى امين خطرا على مصر ؟
هل ثبت ان سيد قطب جاسوسا لدولة ؟
ماهي عقوبة مصطفى امين في حبسه على حد وصف هيكل ؟
مات مصطفى امين قبل سنوات قلائل بعد ان مرت حقبة جمال عبد الناصر والسادات والى وقت قريب من الان لبى نداء ربه ..
مات سيد قطب شنقا في عام 1966 ..
ترى من هو الميت الان ومن هو المنتصر سؤال للقارئ ..؟؟؟
عودة محملة بالاحداث الى رأي نصر ابو زيد حينما اعتبر ان الحاكمية مكسب سياسي والحقيقة اننا وجدنا ان لا اثر ترتب على اثر، تفحصنا المواقف وإشكالياتها وتصارع الاحداث والطبائع وتغير الحكومات ومطالب السياسة.. فوجدنا نتيجة يرسمها هذا التقرير:
بعثت جماعة اسلامية في بدايات القرن المنصرم (القرن العشرين وتحديداً في 1927 الى الوجود من قلب المجتمع المصري الفقراء والعمال والموظفين والكتاب والمثقفين والمتدينين والاسر المحافظة وتعاطف معها العديد من الوجه الاخر بعد ان كانت أجزاء متناثرة من الصوفية والسلفية والمثقفين وحملة الشهادات والصعايدة والفتوة، اثر كل جزء على الآخر ثم تأثر المجتمع بالمؤسس الشيخ حسن البنا وانصاعوا له بطاعة عمياء، لايخفى ان تأسيسهم الديني كان المحرك والدافع نحو الهدف الاسلامي ومن هنا أبت الاسس ان توصل الى اهداف مغايرة، فاصحاب الطموح السياسي مشكلة عند الحركة فهي لم تعتد على أجواءه كما انها على خلو من ادواته وخطابه فجعل من الحركة نتيجة امام الطموح السياسي او البقاء على الواجب الديني ولاسيما بعد ثورة يوليو 1952 بخطر مايسقبلها مترددة وواثقة فحقق الواثق منها غرضه فانشأ جيلاً متديناً يعتز بعقيدته ومفكرين اثروا المكتبة الإسلامية وبقي المتردد متردداً حتى ملا السجون وغاص آخر في جوف الارض لما لم يسعه ظاهرها!! ويلف اخرين النسيان واعوانه ومن تبقى كان شاهد عصره موثقا او مبينا او طاعنا ويبقى حديثنا موصول بالجزء العقائدي فطموحه مشروع وأهدافه اسمى من مرامي السياسي ، والسلطة تخافه وهناك في آخر النفق مشكلة ايضاً، تبلورت الى تساؤل يطرح كل ما نظر اصحاب القرار في الغرف المحكمة الى ملامح سيد قطب هل هو عدو؟ ماذا يريد منا؟ لماذا يكتب وينظر مع جماعة الاخوان المنقرضين؟ لقد شكل سيد قطب مفترق الطرق بين الدولة والحكومة في مصر بين النظام الذي يدعو له علماء المسلمين سنة وشيعة الى نظام ينعت باشد النعوت ايلاما عليه ووجعا على محبيه كقول احد علماء المغرب في النكسة "ماكان الله ينصر من قتل سيد قطب " ولكن السؤال المهم هل كان سيد قطب عدوا لامفر من اعدامه ؟ وهل هناك فوارق لو كان سيد قطب ذاك الاديب لا مفكر المسلمين هل سيعدم نتعرف على الجواب في هذا البحث :
سيد قطب
في السجون تختمر الأفكار
ثورة يوليو 1952 في مصر اكثر من مجرد حركة هادفة لمجموعة من الضباط أمسكت زمام الأمور وتمكنت من إجابة خيارات الظرف المفتوح على مصراعيه، وقاد هذا التمكن الى التأميم لمعظم النشاط البشري في عهد الرئيس جمال عبد الناصر فأضفى نوعاً من الشك هل هناك فرق بين هذا والشيوعية، وبعيدا عن التكهنات فان جمال عبد الناصر لم يكن شيوعياً كما لم يكن امريكياً الا انه بالفعل كان ضابطا عسكرياً ينظر الى الحياة من فوهة البندقية ويتصفح الوانها من خلال مسامات (الكاكي) وللانصاف انه كان يقرأ بنهم ويتحرى المصادر دون المختصرات إلاّ ان موضع الخلل في ثقته العنيفه قادته في بعض الظروف الى الاعتماد على نفسه وترك النفوس الاخرى ثم لان في ظروف اخرى فاعتمد على نفوس اعتمد عليها فقط فتحول الخلل من لون الى آخر ولم يصلحه الانتقال، وكما اسلفنا في الفصل السابق قد جرت عمليات التعذيب بصورة رهيبة لم تفرق بين المستويات والماهيات كما اسفر الضغط عن ردة فعل دمرت الفعل ذاته وزادت عليه بلا قياس لم يأت موضوع سيد قطب بمعزل عن سياقات التاريخ وملابساته فهو كإحساس مرهف وفكر واسع ومبدأ صادق وقع تحت أقسى ضغط مثل صراع إرادات دول سلط على دائرة صغيرة هي حركة سميت الاخوان وادق منها رجل سمي سيد قطب، قد يعترض اخرون على هذا الاختزال فللحركة قادة عديدون ذهبوا في نفس الطريق واحدهم قطب وهذا صحيح في الشكل اما الداخل بلا رتوش فليس بدقيق، فسيد قطب كان مفكراً اسلامياً متحرر النزعة لم يسبق له ان كان من بذور الحركة الاولى الذين استهلكتهم طاعة عمياء وأجيال بين العلني والسري، وحركات متخبطة في الطول والعرض.
بل كان ذا احتكاك بالواقع ومجريات الاحداث العامة وقد سببت لديه هواجساً جسيمه حسمها له الكاتب المعروف عباس العقاد كما بينا في سيرته، فالحركة (الاخوان) زرعت زرعاً حصده مناوئيها وانما حصدت جيلاً آمن بها كحركة عقائدية استقرت على قضايا ومبادئ يتعاطى معها الكثير ومن هذا الجيل الذي كان يعد حصاداً لها سيد قطب بالرغم من كونه ليس من بذورها. وللعودة ألى مشهد الاحداث وصلب الموضوع فقد كتب سيد قطب كتابه المعالم وهو في حالة تنتابه الذبحة القلبية كل اسبوع (مرتين) يرافقه تحول والام وسماع لأصوات المعذبين واخبار عن احتفالات بالنصر في الساحة الخارجية لمصر "تاميم القناة السد العالي الاتفاقيات والمناورات والوحدات "اما في الداخل فكان النصر بكثرة التعذيب لذا كابر سيد قطب ليبين ان النصر ينطلق من داخل السجون وليس من خارج القصور وله قوله شهيرة (ساصبر لان في صبري صبر للكثير) اما الجلاد فكان ينطق بالشهادتين ويصلي ربما.. ويشرب الخمر ويجلب الفنانات كبغايا يسهر معهن في شقق مفروشة، ويطلق نساء من رجال ليتزوج سفاحاً وبالصورة عقد وقرآن والأهم هو ان ينتصر الرئيس على الرؤساء وتتغلب القومية على الغرباء، كل عنصر كان جزءً قابلاً للانفجار فتجمع الكل واحتاج الفتيل ثم تحصل الأخير وترقب عود الثقاب وحين كان عود الثقاب موجوداً أجابه السطح الخشن وعديم الرحمة فصارت شعلة ادت للانفجار.. انني استغرب حقاً حينما يتطرق الاستاذ الكبير هيكل الى محنة مصطفى امين واخيه علي امين ويستطرد بكل تسلسل دقيق للازمة التي دارت بينها وبين الرئيس، ثم اقارن بين اولاد امين وسيد قطب وشقيقه واليك موضوع مصطفى امين من وحي صحفي خيمت افكاره ووثائقه على مصر ولازالت وهي مرجع بحق رغم توالي السنين والنسيان ..
مصطفى امين: وهو من كبار بارونات الصحافة المصرية ولديه هو وأخوه حق الامتياز والملكية لدار اخبار اليوم بصحفها وشركات التوزيع والنشر والطباعة وكان من القريبين للملك فاروق او من السراي بالاصح وقد يكون اتصاله بنقطة الصحافة والاعلام في القصر وهو كريم ثابت ثم بعد ثورة يوليو 1952 كان حظ الأستاذ هيكل وافراً لقربه من الرئيس جمال عبد الناصر فانتقلت الكفة من الاخوين الى الصديق هيكل ثم بدأ العد التنازلي بالاسراع واعلان المفاجآت التي ادهشت هيكل ذاته واترك باب الحوار بين جمال عبد الناصر وهيكل بهذا الخصوص.
((الرئيس: انني ساقول لك الآن شيئاً اعرف انه سوف يضايقك)) ثم استطرد: ((لقد قبضوا الآن على مصطفى أمين متلبساً بالتجسس للامريكان..)).
هيكل: وعقد الذهول لساني وتساؤلت غير مصدق لما سمعت (غير معقول).
الرئيس: ((ذلك ما حدث مع الأسف)).
هيكل: (وقلت والذهول ما زال مستبداً بي: سيادة الرئيس.. أنني لا أفهم تماماً ما تقوله لي؟).
الرئيس: وراح يقول بنفس النبرة التي يختلط فيها الحزم والاسف اسمع.. انني اريد ان تعرف بشكل واضح ان الموضوع كبير وخطر وانا لا أريدك ان تحتكم فيه الى مشاعرك الشخصية، انت تعرف اولاً انه كانت هناك شكوك ومن ناحيتي فإني طرحت هذه الشكوك جانباً واعطيت فرصة جديدة ولم أعط فرصة واحدة وانما اعطيت عشرات الفرص وكان آخرها موافقتي على سفر علي أمين الى لندن مراسلاً للأهرام، ولقد وافقت وأنا أعلم ان مصطفى متورط في أشياء لكني لم أمانع في سفر علي لأني من ناحية لم اجد شيئاً قاطعاً عليه، ومن ناحية أخرى لانك كنت تلح. ولقد وافقت على ضبط مصطفى بعد أن رأيت من الأدلة والوثائق ما جعلني ـ بكل اسف ـ ولكن بكل ضمير مستريح اوافق على العملية ليس لدي ما يدعوني الى تلفيق تهمة لرجل قابلته مرات عديدة وقرأت له ما كان ينشره وما كان يتطوع بارساله لي .. لا أريدك (الكلام موجه الى هيكل) الآن ان تقول شيئاً أريد منك شيئاً واحداً ان تخطو الآن عبر الشارع الى مكتب سامي شرف وان تطلع بنفسك على الملفات والاوراق وتستمع الى التسجيلات الصوتية ثم فكر على مهل فيما سوف تقرؤه وتسمعه ثم نم هذه الليلة وعد الى هنا في الصباح وساعتها يكون من حقك ان تقول لي ما تشاء)) ثم صدر جمال عبد الناصر امراً الى سامي شرف ـ سكرتيره للمعلومات في ذلك الوقت ـ بطلب منه ان يطلع هيكل على كل شيء.
ثم ذهب هيكل الى سامي شرف وقد رحب به واعد له مجموعة من الملفات والاشرطة واترك المجال لهيكل لعرض الملفات ((امسكت بأول الملفات كان عنوانه من الخارج ـ هيئة الامن القومي ـ )) ثم اسم (بروس تايلور اوديل) ثم رقم مسبوق بمجموعة حروف وفي الداخل مجموعة من التقارير تروي قصة بدت لي جيدة ومزعجة والقصة ـ من واقع الملف ـ تبدأ من اول سنة 1964 وترسم بدايتها صورة نشاط مكثف لوكالة المخابرات المركزية الامريكية في مصر، فالعلاقات بين مصر والولايات المتحدة الامريكية.. ويظهر اسم (بروس تايلور اوويل) لاول مرة في القصة من خلال تقرير مندوب سري لهيئة الأمن القومي في اثنيا ـ عاصمة اليونان ـ يقول كاتبه ان معلومات وصلته بأن احد رجال المخابرات المركزية الامريكية واسمه (بروس تايلور اوديل) قد رشح للعمل في مصر وانه سيجيئ اليها تحت ستار انه مستشار في السفارة الامريكية في القاهرة.
ويتابع هيكل التواريخ من اغسطس 1964 حتى نوفمبر 1964 تشير مجموعة تقارير منظمة الى ان (بروس تايلور اوديل) يتصرف بطريقة عادية ـ كأي دبلوماسي آخر يحضر الحفلات التقليدية ويجري اتصالات لاتثير شبهات ويقوم بنشاط مألوف وفي الفترة من ديسمبر 1964 الى مارس 1965 تتخذ اتصالات ـ بروس تايلور اوديل ـ نسقاً محدوداً ويتكرر ظهور اسم الاستاذ مصطفى امين في عداد من يقابلهم.
ثم تبدو بعد ذلك التقارير ظاهرة ملفتة للنظر (وضع احدهم في هيئة الامن القومي المصري خطاً بالحبر الاحمر) فقد اصبحت بين الاثنين ـ الاستاذ مصطفى امين و (بروس تايلور اوديل) دورية غداء في يوم الاربعاء من كل اسبوع ووحدها بدون أي شخص آخر وفي بيت الاستاذ مصطفى امين في شارع صلاح الدين بالزمالك ثم ان هذه اللقاءات كانت تحاط باجراءات للتمويه منها ان بورس تايلر اوديل كان ينزل من سيارته في شارع بعيد عن شارع صلاح الدين ويتركها هناك ويمشي على قدميه ثم يدخل العمارة التي يسكنها مصطفى أمين ويضغط زر المصعد على دور آخر غير الدور الذي يسكن فيه الاستاذ مصطفى أمين ثم يصعد او ينزل السلم على قدميه الى مقصده النهائي وبعد ان تم وضع اجهزة تنصت في داخل شقة مصطفى امين ثم توالت اجتماعات ادويل مع امين الى فتر امتدت من 19 مايو والى 7 يوليو.. ثم استمع هيكل الى الاشرطة المسجلة حتى يستطيع مطابقة الأصوات والأقوال فيما يسمعه وما يراه مكتوباً امامه.. ثم يضيف هيكل ((.. كان ظاهراً من التسجيلات ان اوديل يجئ كل مرة ومعه قائمة مكتوبة باسئلة يريد اجابات عليها الامر الذي يضع اللقاءات كلها في اطار عملية ـ تخابر ـ لاشك فيها )) وجاء في تبليغ موجهاً من رئيس هيئة الامن القومي المصري الى رئيس نيابة امن الدولة، نصه كما يلي:
هيئة الامن القومي
السيد رئيس نيابة امن الدولة العليا..
بعد التحية..
نحيط سيادتكم ان السيد مصطفى أمين ـ مصري الجنسية ـ يعمل رئيس تحرير الاخبار .. قد دلت تحرياتنا السرية ان المذكور يقوم بالتخابر والعمل لحساب المخابرات الامريكية في القاهرة والعمل ضد امن وسلامة الدولة يعاونه في ذلك آخرون، ويجتمع المذكور مع مندوب المخابرات الامريكية الحالي في القاهرة سعت 1400 يوم الاربعاء الموافق 21/7/1965.
ثم يستعرض هيكل مسألة في غاية الاهمية نقلاً من سامي شرف مدير سكرتارية المعلومات (حينما قبضوا عليه ظهر اليوم كان هناك مبلغ خمسة آلاف جنيه مصري قبل ذلك نجد في الأشرطة ان مصطفى سلم للراجل مبلغ عشرة آلاف جنيه، ولابد أنه كانت هناك مبالغ اخرى قبل ان تبدأ التسجيلات).. ثم يواصل شرف إلحاحه على هيكل ((هل تستطيع ان تفسر لي لماذا يقبل مندوب المخابرات وممثلها في السفارة الامريكية ان يقوم بعملية تهريب لصالح احد؟ المفروض في رجل المخابرات في السفارة الامريكية ان يتوارى وان لايلفت الانظار إليه وان يتجنب اكثر من غيره أي مخالفة لقوانين البلد الذي يعمل فيه.. لابد ان مصطفى كان مهماً جداً ((للراجل يقصد رجل الاستخبارات الامريكية)) بحيث يقبل ان يقدم لحساب بتهريب امواله مع مصر) الى هذا الحد يكفي لاتهام مصطفى بالتجسس لحساب المخابرات المركزية الامريكية والادلة وافرة خصوصاً اني لم أذكر ما يكفي وهو الاكثر، ننتقل بعدها الى موضوع حساس وأساسي وهو عقوبة مصطفى امين ومن المعلوم أن تهمة التخابر في القانون المصري عقوبتها الاعدام علماً انه لم يتهم بالتخابر فقط بل اتهم بانتحال صفة وذلك واضح في ملفات هيئة الأمن القومي المصري والتقرير الذي كتبه مصطفى أمين وهو في السجن من 60 صفحة فقد اعترف بانه نقل معلومات الى اوديل على لسان الرئيس وأوصل كلاما مهم الى الرئيس وفق هذه اللغة المزعومة.
اقتطع حواراً بين هيكل ومصطفى أمين واحد السياسيين في سجون مصر في ذات الوقت الذي كان فيه سيد قطب سجيناً هناك.
دخل مأمور السجن الى الغرفة ووراءه احد جنود السجن يحمل صينية عليها فنجانين من القهوة وقال بأدب:
ـ تشربان فنجان قهوة.. ثم تنتهي الزيارة.
قالها وهو ينظر الى ساعته.
.. كان الاستاذ مصطفى أمين قد راح يفتح طرد الأدوية والفيتامينات الذي بعث به سعيد فريحه ويراجع ما تحتويه..
ثم رفع رأسه (أي مصطفى) وسأل مأمور السجن (متى يسمحون لي بان اتلقي طعاماً من بيتي) وقال مأمور السجن (فور أن يصلنا تصريح بذلك) وقلت لمأمور السجن (انني سوف اعمل على ان يصل التصريح هذا اليوم ونحن على أي حال ـ كصحفيين ـ نترك الاستاذ مصطفى أمانة عنده واثقين بانه يعرف مكانته لنا جميعاً)).
قال الاستاذ مصطفى امين موجهاً كلامه لمأمور السجن (هه.. هل سمعت) ورد مأمور السجن (استاذ مصطفى.. هل هناك ما تشكو منه؟ اننا بالطبع نعرف ان السجن ليس تجربة ـ مفرحة ـ ونحن نتمنى لكل نزيل عندنا ان تثبت براءته ويذهب الى بيته لكننا حتى يحدث ذلك امام قوانين ولوائح ولكن أي حال فأننا نحاول ان نعطيك كل التسهيلات التي تسمح بها هذه القوانين واللوائح..).
ثم مقطع آخر لايقل غرابة يتحدث فيه هيكل عن زيارته لمصطفى أمين فيقول بعد ان دخل السجن لزيارة أمين (ولم تمضي دقائق حتى كنا نقوم بجولة في السجن ودليلنا فيها هو الاستاذ مصطفى أمين يمشي وسطنا ومن حولنا مأمور السجن وبعض الضباط وذهبنا الى ورش السجن والى المخبز والمطبخ ثم الى المكتبة، وكانت هي المكان الذي تقرر ان ينفذ فيه الاستاذ مصطفى أمين عقوبته مع الشغل شغله كان المكتبة وداعبته قائلاً له (على الأقل تقرأ بعض الكتب).
وضحكنا فقد كنت ألومه مرات في الأزمنة الخوالي لان قراءاته كانت مقصورة على الصحف والمسجلات لانتعداها، وراح الاستاذ مصطفى أمين اثناء تجوالنا في السجن يقدمنا الى بعض زملائنا وفي لحظة مرت اللحظات راودني الاحساس بأننا في فناء مدرسة ولسنا وسط جدران سجن!) .
أما علي أمين الأخ الثاني:
فقد اجابت تحريات اجهزة جمال عبد الناصر السرية على لسانه [وهو يخاطب محمد احمد محجوب ـ ولعلمك يا محجوب علي أمين يعمل ايضاً مع بعض العناصر في السعودية وهو على اتصال منتظم بالشيخ حافظ وهبة (سفير السعودية وقتها في لندن) كما انه على اتصال مستمر بكمال ادهم (رئيس المخابرات السعودية)] .
ولنا أن نتساءل ماذا كان يعمل علي امين في لندن؟ انه مراسل صحيفة الاهرام الصحيفة شبه الرسمية التي يترأسها هيكل وزير الارشاد القومي لاحقاً وسابقاً الصديق المقرب من ناصر، ان هذه اللغة غير مستنكرة فهي تدل على ديمقراطية صحيحة بين الحاكم والنخب وبين النخب والشعب، وهذه الصورة الوردية للسجن يطمح فيها كل فقير مصري، بل المعاملة الشفافة بين مأمور السجن والزائر او السجين كلها انماط متقدمة في السلوك المتمدن، ولكنها اين؟ ولماذا اختفت مع الآخرين؟ وقد لا أجرأ ان ابين تناقضاً واضحاً للاستاذ الكبير هيكل وهو يحق مفخرة للعقل والاعلام العربي الا اني مضطر الى الاشارة والتلميح باننا امام حمل وديع اسمه الأمن المصري في كتابه " بين الصحافة والسياسة " وفي رعب فضيع هناك عند زوار الفجر وهو من كتاباته ايضا ولا أدري من منهما عاصر الحقيقة او جانبها لنحتكم اليه في قضية مر عليها 44 عاماً تقريباً، اختفى معظم رموزها وهرم من بقى منها واضمحلت علاماتها..
ولكي نكمل التقرير والكتاب معا نطرح هذه التساؤلات على القارئ ثم نتركها لاجاباته بعد ان قرا معنا من الفصل الاول والى هذ النهاية ..
هل كان سيد قطب مفكرا خطرا على مصر ؟
هل كان مصطفى امين خطرا على مصر ؟
هل ثبت ان سيد قطب جاسوسا لدولة ؟
ماهي عقوبة مصطفى امين في حبسه على حد وصف هيكل ؟
مات مصطفى امين قبل سنوات قلائل بعد ان مرت حقبة جمال عبد الناصر والسادات والى وقت قريب من الان لبى نداء ربه ..
مات سيد قطب شنقا في عام 1966 ..
ترى من هو الميت الان ومن هو المنتصر سؤال للقارئ ..؟؟؟