الحاكمية بين سيد قطب ونصر ابو زيد صراع في الصياغات ...
الفصل الثامن
الاخوان المسلمون من التأسيس الى الهاوية
تحدثنا في الفصل السابع عن ابرز المثيرات لظهور حركة الإخوان وذكرنا منها اثنتين اما المثيران الآخران فهما :
3. تداعيات موقف بريطانيا من الملك فاروق :
4. صعود حزب الوفد العلماني بزعامة النحاس:
لقد جر قرار حل حركة الاخوان المسلمين اثارا مدوية في الساحة المصرية لازال بعضها شاخصا الى الان كما ان حل هذه الحركة وبشكل كامل يطرح تساؤلاً مهماً على نحو الإثارة التاريخية محفزاً جوانب موضوع مضى عليه عشرات السنين الى طاولة البحث، لماذا تحل الحركة بهذه البساطة على اثر تهمه بأنها نفذت عمليات وصفت بالارهابية ثم يقرر على ضوء ذلك وبنفس السرعة أنهم تحولوا من جماعة دينية الى هيئة سياسية، وهذه دعاوى قابلة للطعن ويتدخل في حلها المحامون ويلعب الاستئناف دوره المعهود ولكن ان يشرع قانون بمجموعة من المواد فهذا حل سياسي وليس قانوني، وبالانعطاف باتجاه الطرف الحكومي، الم يكن ويسجل الطرف الحكومي هذا المحضر المسجل في محفوظات مجلس الوزراء البريطاني يحمل رقم (801) والمحضر يجري على النحو التالي:
17 فبراير 1945.
القاهرة الساعة 5:30 ـ 7 مساءاً.
الحضور من الجانب البريطاني:
رئيس الوزراء (ونستون تشرشل)
وزير الخارجية (انتوني ايدن)
سفير صاحب الجلالة البريطاني (اللورد كيلرن)
الحضور من الجانب المصري:
ملك مصر (فاروق)
(الملك وحده بدون رئيس وزرائه او رئيس ديوانه او أي مرافق لتسجيل محضر المقابلة)
بدأ رئيس الوزراء (تشرشل) اللقاء بملاحظة عن التغيير الوزراي الذي جرى اخيراً في مصر، وخرج به (صديقنا النحاس ورد الملك فاروق قائلاً ان الوقت كان قد حان للتغيير وانه لولا حكومة صاحب الجلالة البريطانية لكان التغيير تم مبكراً. واضاف ملك مصر (انه شخصياً كان يتمنى تغيير وزارة الوفد من اول يوم ومن حسن الحظ انه اعطى تلك الحكومة حبل الصبر طويلاً وانه كما توقع فان تلك الحكومة شنقت نفسها بهذا الحبل، اضاف الملك من باب التأكيد تلك الحكومة انتحرت).
وتساءل رئيس الوزراء (تشرشل):
((هناك كلام عن محاكمة النحاس وبعض زملائه وهذا غير مقبول)) ورد الملك فاروق ((انهم متهمون بالخيانة! ولكنه ليس راغباً من محاكمتهم بهذه التهمة اضاف الملك ان لجان تحقيق برلمانية ونقابية وجدت أدلة ضدهم وهو يرى ان متابعة ذلك الى نهايته الطبيعية ليس عمله هو ولكنه مسؤولية الوزارة الجديدة)).
ورد رئيس الوزراء (تشرشل) محذراً ((ان الحكومة البريطانية لاتقبل محاكمة النحاس مهما كانت التهم ـ لأنه قدم لبريطانيا العظمى في زمن ازمة!!؟)).
اضاف رئيس الوزراء ((أن هذا على أي حال ليس الموضوع الذي يريد تضييع الوقت فيه فتلك مشكلة يمكن متابعتها بوسائل اخرى..)).
ونتائج هذا المحضر تفضي الى نتيجتين مع ملاحظة:
1ـ اتهام واضح وصريح بتخوين اكبر الأحزاب المصرية وأعرقها وهو حزب الوفد بقيادة مصطفى النحاس وهي مثبتة عند لجان قانونية وبرلمانية.
2ـ تحذير رئيس الوزراء البريطاني (تشرشل) من المساس بحكومة النحاس وبالنحاس نفسه وهذا التحذير يتطابق وحماية المصالح البريطانية على اعتبار ان النحاس قدم لبريطانيا في زمن ازمة لهذا فهو جزء من مصالحها.
ملاحظة: حضور الملك المصري وحيداً!! وهذه في علم السياسة واسرارها تعني ثلاثة احتمالات:
أ) عدم الثقة المطلقة.
ب) حراجة الموضوع فيكون يوسع الملك احتمال الاهانة فيما لو كان وحده.
ج) إمكانية التنصل من الاتفاق لانتفاء الشهود عليه من الجانب المصري وهذا ما يجعله في دائرة واسعة للحركة.
وعرضي لهذا المحضر هو لالفات النظر، الى ان اعرق الاحزاب السياسية حينما تصل به المخالفات الى مستوى الجريمة او الخيانة ويتهمه الملك تأتي الارادة الخارجية (كرئيس الوزراء البريطاني مثلاً) لتحذره من محاكمته او حتى التفكير به. وبالفعل تراجع فاروق عن طلبه ورغبته وانحنى خاضعاً. لماذا يطبق القانون رغم انتفاء الشهود وارضية القرار وتأثير هذا الجرم – ان ثبت - على المجتمع اهون من الخيانة التي وجهها الملك فاروق لحزب الوفد !! لماذا يطبق القانون على وقائع لم تثبت هل لان الموضوع هنا حركة دينية شعارها الاسلام دين ودنيا ودولة. رأت ان السياسة ليست حكراً على طرف،لماذا انتفض القانون واهتزت رئاسة الوزراء وصاح الحق الملكي انقذوا الشعب عندما وجدوا الامر حركة دينية وليست حزبا محفوظ بالرعاية البريطانية ، وقد اعترفوا – أي حكومة النحاس - بان الحوادث التي ضبطت فيها جماعة من الاخوان فقد كانت لاتخرج عن اربعة اقسام بعضها حكم فيه كحادثة ضبط الاخوان بالاسماعيلية يتدربون على صنع القنابل وبعضها حكم فيه ببراءة الاخوان براءة تامة كالجناية العسكرية التي اتهم فيها اثنان من الاخوان وحكم ببراءتهما، وبعضها كان العدوان فيه على الاخوان كقضية (شبين الكوم) التي انحكم فيها واحد من الاخوان المسلمين وحكمت المحكمة على قاتله بالف جنيه وبالسجن 15 سنة وبعضها فردي عن دوافع شخصية او عائلية لا صلة مطلقاً بينه وبين الاخوان المسلمين. في حين كانت التهم الموجه الى حكومة النحاس هائلة كتهريب الذهب خارج البلاد والمتاجرة الشخصية بالثروات القومية (القطن مثلاً) والتعسف في جبي الضرائب من الفلاحين مضافاً إلى امور اخرى، وهنا نورد اشارة مهمة الى أن التهم التي تمس الطرف القريب من بريطانيا كانت تستحيل الى براءة وتبقى على هذا الحال في حين تتحول المخالفات او التهم الى كوارث مع الحركة الاسلامية وبسرعة فائقة ولكن من الذي يصدر هذا القرار الحازم؟ انه النقراشي باشا! فمن هو؟
محمود فهمي النقراشي:
وضع النقراشي في وزارة جل عملها هي ابعاد الخيار الصعب عن الملك فاروق وهو عودة حزب الوفد في وزارة جديدة. وما جعل زعيم الوفد (النحاس) يبعث برسالة باسم الوفد المصري الى رئيس مجلس الامن يقول فيها (ان حكومة محمود فهي النقراشي لاتمثل الشعب المصري وان الدعوى التي يتقدم بها الى المجلس قاصرة في تعبيرها على المطالب العربية وان حزب الوفد المصري قرر ارسال ممثلين عنه الى نيويورك ليحدثوا هناك باسم "مصر الحقيقية" ! واجهت وزارة النقراشي صراعاً من ثلاث جهات اساسية كل جهة ترغب في توجيهها الى اهدافها والجهات هي :
1ـ رغبة الملك.
2ـ رغبة القوى السياسية المصرية.
3ـ رغبة الانجليز.
رغبة الملك:
كان الملك فاروق يريد منه في اول ايام الوزارة فضح النحاس زعيم الوفد بطريقة الابتزاز من خلال بث ونشر مكالمة تليفونية لزوج النحاس (زينب هانم) مع فؤاد سراج الدين ومكالمة اخرى لزكية هانم البدراوي وشقيقها عبد العزيز البدراوي ويبدو ان في المكالمات ما يمثل دليلاً جرمياً على حلقه قريبة من النحاس، وهذا ما جعل النقراشي يرفض قاطعاً والملك يصفه بـ ((كنت اقول لكم دائماً أن النقراشي قفل ولم تصدقوني والآن يثبت لكم انني كنت على حق)) وظلت رغبة الملك قائمة تلح على النقراشي بتحطيم النحاس وحزب الوفد كأهم وظيفة لوزارته ان لم تكن الوزارة اعدت لذلك اصلاً.
رغبة الأحزاب المصرية :
تطرقنا الى موقف الوفد من النقراشي ووزارته فهو لم يكن مؤهلاً بنظرهم لهذا المنصب، وهذا الحزب من اكثر الاحزاب انتشاراً ورقعة في المشهد السياسي المصري، لكن عملت الاحزاب الصغيرة الاخرى على دعم موقف حزب الوفد في هذا الخصوص وكذلك يسجل لقوى الاحزاب بضمنها الوفد مدى التأثير والمعارضة بالاضراب العام الذي واجه حكومة النقراشي انه شي مختلف تماما عن بقية الإضرابات في الدول لأنه الإضراب الذي لم يقم به المدنيون بل قام به البوليس المصري وكان غريباً على المواطنين ان يروا اقسام البوليس مغلقة والضباط المسؤولين عن الأمن ممتنعين عن العمل فكانت الأحزاب وأمامهم الوفد يريدون النقراشي وزيراً لهم ضد الملك.
رغبة الانجليز:
منذ ان تسلم النقراشي الوزارة وجد أمامه مجموعة من التقييمات البريطانية لسياسته وابرزها ما يلي:
1ـ تقييم السفير البريطاني رونالد كامبل للنقراشي (عنيد الى حد الغباء وضيق الأفق الى حد التعصب).
كلمة اخرى لكامبل (اذا اردنا ان نفهم النقراشي فلابد ان نتذكر دائماً مهنته فقد كان في الاصل ـ مدرساً ـ ولا يزال حتى الآن يتصرف مع مجلس وزرائه ومع موظفي الدولة كانهم في فصل دراسي).
اللورد (كيلرن) يقابل النقراشي ثم يخلص بنتيجة المقابلة بقوله: (لم يعلق النقراشي على ما قلت مباشرة ولا يبدو لي انه يعرف ما فيه الكفاية لكي يخوض في مناقشة مفيدة، وحاولت ان الفت نظره الى ان السفارات لايمكن ان تكون في حد ذاتها ـ سياسة ـ لكن اشك ان في مقدور الرجل ان يفهم باكثر مما تسمح به ملكاته). تمثلت رغبة بريطانيا بتوجيه النقراشي باتجاه الابتعاد عن شعارات (الأماني الوطنية) او الاستقلال او ما شابه ذلك..
موقف أخير يتوج شخصية النقراشي جاء في تقرير للسفير رونالد كامبل وهو تقرير خطير للغاية اذا ما تلمس منه الباحث حقيقة القرار الذي غير الموقف نهائياً سجل الاخوان عام 1948 وقد كتب هذا التقرير قبل عامين من تاريخ الحل – أي حل حركة الاخوان - وهذا نصه (ان النقراشي بعد الاشتغال بالتدريس انضم إلى الحركة الثورية المصرية وشارك في العمليات السرية لمقاومة وجودنا في مصر وبينها عملية اغتيال السير ستاك مفتش الجيش المصري لكن النقراشي الآن وفي رغبته للتفاهم معنا ينفى بشدة انه شارك في اغتيال السير ستاك..) .
واذا حللنا موقف النقراشي من الاخوان نجده مرسوماً ضمن صراع الجهات الثلاث لاشك، ونقطة التقاء المصالح كانت في انصياع النقراشي لها جميعاً ككبش فداء فهو طاوع الملك فيما يستطيع حتى اصبح اضحية العبد بضرب البنا واستدراجه ولو على حساب حياته وأرضى الأحزاب بمخالفته للملك والانجليز في بعض المسائل وهو يعلم او بغير علم مهد لهم طاولة المفاوضة على مواقفه وجنى المناصب، ووافق الانجليز في الرضوخ بما كان منه لهم ومنهم عليه ولعل قرار حل الاخوان جاء مناغماً وفصلاً متسلسلا من حدة عملية توجيه النقراشي لضرب بؤر التوتر وجمع المصالح المتفرقة ومن بؤر التوتر حسن البنا وحركته ومن المصالح المبعثرة هي مهمة جمع الوفد مع الملك .وكان في النهاية النقراشي المصيدة لضرب الاخوان ثم اتهام الاخوان بقتله وتشيع جنازته جمع للمتفرقين الملك وحزب الوفد وقد كان ما ارادوا بالفعل ..
دخل ابراهيم عبد الهادي الى رئاسة الوزراء ولديه مهمتان أهمهما الانتقام لمقتل النقراشي رئيس الوزراء، والانتقام مفتوح على القاتل مهما اتسع نشاطه واركانه وكان المتهم هو حركة الاخوان وبالاخص الجناح السري، وهو جهاز كانت الغرض من إنشائه هو مقاومة الوجود البريطاني في مصر كاحتلال ولكنه تحول في ظرف معقد الى كتيبة اغتيالات في ظروف حل حركة الاخوان ومصادرت حقوقهم واملاكهم.. حاول حسن البنا من خلال بيانات مهمة هي بيان للناس وبيان ليسوا اخواناً وليسوا بمسلمين وحوارات طويلة مع الصحافة حول هذا الغرض..
ولكنها انتهت على حافة سيارة تاكسي استوقفها امام جميعة الشباب المسلمين حين كان موعدا لتأخذه الى بيته وبدلاً من ذلك فان سيارة التاكسي هرعت به الى قصر العيني وهناك تبين ان الرجل لم يفارق الحياة بعد لكن المشرف على عملية الاغتيال وهو القائمقام محمود وصفي قائد حرس الوزارات أمر بتعقبه (والتخليص عليه) وهو تنفيذ للأوامر الصادرة من الملك فاروق ورئيس وزرائه ابراهيم عبد الهادي (ثم انتحر وصفي لاحقاً بعد ثورة يونيو 1952 بعد ان انكشف أمره وعثر على وثائق تدينه وان هناك امراً صدر بالتحقيق معه..).
ان اغيتال البنا يعكس حالة غريبة فعلاً فإن التهمة لم تكن موجه اصلا ً للبنا باغتيال النقراشي وقد عثر على من قام بها وقد استنكر البنا ذلك بمواقف وبيانات نعرض جملاً منها:
1ـ في رده على الأسلحة والقنابل التي عثرت لدى مداهمة الحكومة – حكومة النقراشي - لمقرات الحركة فقال فيها أنها (للمجاهدين من الاخوان المسلمين والفلسطينيين والهيئة العربية العليا الفلسطينية والحكومة نفسها تعرف ذلك) واتهم البنا بأن قرار حل الحركة جاء نتيجة مذكرة ثلاثية تقدمت بها بريطانيا وفرنسا وامريكا بعد اجتماع لممثليها الدبلوماسيين في 6 ديسمبر 1948 وطالبت المذكرة بحل الجماعة.. .
2ـ بياناً جاء فيه رداً على اغتيال النقراشي ونسف محكمة الاستئناف قال البنا فيه (وقع هذا الحادث الجديد حادث محاولة نسف مكتب سعادة النائب العام وذكرت الجرائد ان مرتكبه من الاخوان المسلمين فشعرت بان من الواجب ان اعلن ان مرتكب هذا الجرم الفضيع وامثاله من الجرائم لايمكن ان يكون من الاخوان ولامن المسلمين لان الاسلام يحرمها والاخوة تأباها وترفضها).
ان عبارة ليسوا باخوان وليسوا بمسلمين اقصى ما يمكن لزعيم ان يستنكره من اعوانه وهل يعد هذا الا إقامة الحد بالقتل عليهم انني اقطع بان حركة الاخوان لم تكن سياسية التأسيس قط ولا هي جرت بعد تأسيسها نحو السياسة والأدلة على ذلك نذكرها باقتضاب.
اولاـ لم يسع حسن البنا إلى نيل ـ وهو صاحب شعبية واسعة قد تقارب او تزيد على نفوذ وشعبية حزب الوفد وزعامته زعامة النحاس وعمر مكرم معاً ـ أي منصب او وزارة في حين سابق اليها من لايعرفه الشعب المصري ولم يسمع به الا بين اوساط الملاهي والقمار او الصالونات السياسية وحتى حينما اراد ان يرشح ـ البنا ـ انسحب بمجرد ان اشار عليه النحاس ان ساحته في الوسط الديني وليس في السياسي، ترى لو كان يراها اهلاً لحركته هل يأخذ بنصيحة احد في هذا الشأن؟ وميدان السياسة في كل عصر هي قصر الامارة والملك والسلطة.
2ـ من يبحث وراء السياسة لايعارض مصادرها ومنابعها المعهودة ومن المعلوم ان السياسة المصرية كانت تستقي من رضى السفير البريطاني علامة تقدمها ومن اراد الترشح فعليه قياس شهرته وشعبيته على صك السماح البريطاني له نحو البلاط او الحكم، كيف لا والملك فاروق ذاته اخذ ملكه من فم السفير البريطاني متوسلاً بكامل الخضوع في حادثة 4 فبراير 1942 الشهيرة وبطلها مايلز لامبسون .
وكان مطلب الملك هو أعطوني فرصة اخيرة واقترح ان يشكل حكومة مرضية للامبراطورية وزاد في الاقتراح ان يكلف مصطفى النحاس امام السفير البريطاني وعلى مسامعه بتشكيل الوزارة ويضيف لامبسون كلمة في غاية الاهمية تبين هشاشة عرش يتقوى على الضعفاء او المستضعفين من شعبه يعلل فيها اعراضها عن اقالة الملك بقوله (لم يكن في وسعي ان ارغمه على التنازل عن العرش لانه تاخر في استدعاء النحاس وفق ما طلبت منه في انذاري مدة ثلاث ساعات أيمن الساعة السادسة كما طلبت إلى التاسعة كما حدث فعلاً ولم يكن في وسعنا ان نبرر سياسياً طرده على هذا الاساس امام الرأي العام المصري والاجنبي..). لاعجب ان تحل حركة الاخوان بسرعة خاطفة وان يتم اغتيال زعيمها باسرع من ذلك وفي غضون عامين تنتهي الحركة وزعيمها وهي مسيرة طويلة لجماهير وتاريخ وجهاد لاعجب ان يقاتل على تخوم فلسطين كتائب الاخوان الى جنب الجيش المصري النظامي ثم ينقلون بقطار سريع يحمل اجيالهم فيلقى في السجن منهم أربعة آلاف من الاخوان .
لاعجب على الاخوان وهم نفر جمعته الرابطة الدينية وعززته المشايخ وليس لهم قدم راسخة في الحكم لتكون مسنداً وملجأ من البطش، اذا كان ملك قصر يهدد بالتنازل عن العرش في غضون ثلاث ساعات الاولى يتنازل بها والثانية يتسمح بذكريات الماضي والثالثة يقرر فيها الى اين يفر! لولا ان تداركه الخضوع وهو ما لم يعتد عليه غيره في فن البقاء على العروش.
3ـ التدخل في السياسة ومنافسة الحاكمين والسعي نحو العرش لايأتي بطرق قام بها الاخوان وهي في المعايير السياسية نوع من السذاجة والتخبط ويمكن تلخيصها بأربع اجراءات:
1) الاندفاع نحو الحكم يتطلب حزباً سياسياًَ يتقدم باتجاهين الاول المشاركة الفاعلة في منافذ السلطة كالانتخابات او التعيينات او الدخول في تشكيلة الوزارات ونحو ذلك، والتالي الولوج في الجماهير على مراحل وبتنظيم محكم كالمشاركة في المناسبات والاحتفالات والمظاهرات ونقد الحكومات على تقصيرها في قضايا الخدمات وما شابه هذا او ذاك. والاخوان لم يتحقق لهم كلا الاتجاهين فاول تأسيسها كانت ترسم لها هذه الصورة المستمدة من التعريف (دعوة سلفية.. طريقة صوفية .. هيئة سياسية.. جماعة رياضية.. رابطة علمية ثقافية.. شركة اقتصادية.. فكرة اجتماعية) وهذا مع قبوله للحركة كموسوعة تخصصية ينسجم في حالة واحدة فقط، الحركة المتسمة بهذا الخصائص هي قطعة من المجتمع تتحرك بهذه العناوين، ومن كان بهذا الوصف من الصعوبة عليه ان يصل الى القصر! فحركته بطيئة لتعدد الجهات والغايات فالتصوف مناقض تماماً للسلطة والرئاسة والاقتصاد لايتفاعل مع السلفية والفكرة الاجتماعية تحتاج إلى الانفتاح اذا اقترنت بهدف سياسي واين هذا الانفتاح والمرأة المصرية بلغت مرحلة اسفرت عن مفاتنها حد التعري في مواقع معينة قريبة من السلطة وحركة الاخوان بلغت بالمقابل مرحلة اوصلت الحجاب الى ستر المرأة كاملة حتى العيون! فأين هذا من الواقع السياسي الطامح للمنصب المضحي بكل مبدأ.
2) تأسيس جهاز عسكري سري يعمل على مقاومة الاحتلال البريطاني في مصر وهذه من اجلى نقاط الفشل السياسي عند حركة الاخوان فالجهاز السري تورط بحوادث داخلية خارج دائرة المقاومة مثل محاولة عملية نسف محكمة الاستنئاف واعترافات محمود الصباغ وكان واحداً من قادة الجهاز السري لحركة الاخوان بانه قام مع جماعته (بتفجير قنابل في جميع اقسام البوليس في القاهرة في يوم واحد وهو 3ـ12ـ1946 حيث فجرت اقسام الموسكي والجمالية والازيكية ومصر القديمة وعابدين والخليفة ونقطة السلخانة ومركز احباية) .
كما جاء حادث اغتيال المستشار احمد الخازندار من قبل الجهاز السري لحركة الاخوان ضغطاً على مؤسسها ومحاصرة لنشاطها وفشلا لأي مشروع سياسي وحكي عن مقربين ان البنا بكى من فرط حزنه على اغتيال المستشار كما انه أدلى بأكثر من تصريح يستنكر قتل القاضي وان كانت هناك اشارات تفيد بان البنا كان غاضباً لعدم استئذانه في قتل المستشار وانما تصرف رئيس الجهاز السري من تلقاء نفسه وكان عبد الرحمن السندي آنذاك هو على الجهاز ويورد السندي اعترافاً جاء فه (انه تصور ان عملية القتل سوف ترضي فضيلة المرشد ولان فضيلة المرشد يعلم عن السندي الصدق فقد اجهش بالبكاء).
ثم حدث انقسام في دواخل هذا الجهاز ادى الى حوادث مريعة ابرزها ما قام به رئيس الجهاز نفسه (عبد الرحمن سندي) حينما اقدم على اغتيال مساعدة الاول والخاص (سيد فايز) بارساله علبة حلوى بمناسبة المولد النبوي الشريف لتفجره وتمزق شقيقه .
هناك الكثير من هذا القبيل اعرضنا عنه لأننا وضحنا صورة الحركة فهي لم تملك مشروعها السياسي بل انطلقت من واقع عفوي مثله مؤسسها المتعفف عن التيار الجارف في المجتمع المصري المتمثل بتيارات التحلل الأخلاقي وانهيار المبادئ واضمحلال تعاليم الإسلام وغياب التعريف بالدين واعتكاف الناس على عاداتهم يتزودون منها ويرتعون بها جهلهم، ثم توسع العمل فتوسعت الحركة الا ان طبيعة النظام الداخلي لها لم تتغير فظل نظامهم مبني على الطاعة المطلقة والمصالحة باساليب قديمة وربما بالية في اغلب الاحيان يترجمها هذه العبارات في افتتاحية مجلة النذير (1358هـ 36ـ1937) كتبها الشيخ عبد الرحمن الساعاتي والد المرشد العام للحركة الشيخ حسن البنا. (استعدوا يا جنود وليأخذ كل منكم اهبته، ويعد سلاحه ولايلتفت منكم احد وامضوا الى حين تؤمرون) ثم (خذوا هذه الامة برفق فما أحوجها الى العناية والتدليل صفوا لها الدواء فكم على ضفاف النيل وهن مريض وجسم عليل واعكفوا على اعداده في صيدليتكم ولتقم على إعطائه فرقة الانقاذ منكم فاذا الامة ابت فاوثقوا يدها بالقيود وأثقلوا ظهرها بالحديد وجرعوها الدواء بالقوة وان وجدتهم في جسمها عضواً خبيثاً فاقطعوه او سرطاناً خطيراً فازيلوه) (استعدوا يا جنود فكثير من ابناء هذا الشعب في اذانهم وقر وفي عيون عمى) هذه التعابير (استعدوا يا جنود.. خذوا هذه الامة.. فما احوجها الى العناية والتدليل.. في صيدليتكم فاذا ابت الامة فاوثقوا يدها بالقيود واثقلوا ظهرها بالحديد وجرعوها الدواء بالقوة.. فاقطعوه.. فازيلوه) تناسب الخطاب الديني الذي يلتمس هداية الناس وقد يتصور انه مأمور بهذا القول او ذاك الفعل وقد يبرر له حب الخير للآخرين زيادة الأنا في الخطاب إلا أنه في هذا الخطاب السياسي انتكاسة وتراجع ونقاط ضعف يهبها التنظيم السياسي مجاناً لخصومه، المشروع السياسي يعتمد دائماً على الثناء على الجماهير وعلى التقدير والاحترام والدعوة الى تجاوز اخطاءها وتحملها الى اللعب على مشاعرها الى مجاملتها اقصى ما يمكن كل شيء يفعله من اجلها الى المجاملة والمصادقة على عيوبها.. ان الخطاب السياسي قريب الشبه من الشعراء وبعض شيوخ العشائر فالشاعر ـ إلا قليلاـ يتمايل مع قامة السلطة والسلطان فاذا غرب غرب واذا شرق شرق، وهو يكثر من المديح ويذم من اجل المديح وارضاء الخواطر وشيوخ العشائر ـ في بعضهم ـ خصال التملق نحو القوي وصاحب المال.
3) حركة الاخوان لاتمل من الاحلام بالمثاليات وظهور المدينة الفاضلة وهي خصلة قد تصلح للواعظ او المحب للناس لانه لايريد ان يتشاءم في وجوههم فيطمئمهم بقرب الفرج وانتهاء المحن وان الخير سيأتي بأسرع ما يمكن.. ومن هذه الاحلام حلم الخلافة الاسلامية وعودة التاريخ الى ايام الدعوة الاسلامية الاولى وتوقف الزمن حتى تستكمل الحركة دورها في تيار الخلافة وهي عندهم "رمز لوحدة الاسلام ومظهر ارتباط بين اسم الاسلام والاخوان المسلمون يجعلون فكرة الخلافة والعمل على اعادتها في رأس مناهجهم.." أن هذه الفكرة قويت بصورة ملفتة عندهم بعد سقوط الخلافة العثمانية في اسطنبول فكانت من عوامل قوة التأسيس واستمرار العمل، والخلافة في الحقيقة نظرية غير صالحة لهذه القرون لعدة اسباب منها:
1ـ عدم وجود نظرية واضحة لطريقة الخلافة، فكل الخلفاء وصلوا بطريق واسلوب غير منمط ـ عدا فترة الحكم العلوي (علي ابن ابي طالب) فقد ساهم في تأسيس نظرية جديدة وهي طاعة النصوص وترك الاجتهاد الا في موارد التبيين مع فح باب المشورة في عناوين النشاط الحيوي للناس في سائر معائشهم ـ فالخليفة ابو بكر تحصلت له الخلافة من طرف وانسحب طرف اخر وعرض ثالث ؟؟؟ ومع ذلك انحسم امر الخلافة بطريق الفلته (كما ورد في صحيح البخاري باب بيعة ابي بكر وهذا نص الرواية أخرج البخاري في صحيحه ، وأحمد في مسنده ، والحميدي والموصلي في الجمع بين الصحيحين وابن أبي شيبة في المصنف وغيرهم عن ابن عباس في حديث طويل أسموه بحديث السقيفة ، قال فيه عمر : إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ، ألا وإنها قد كانت كذلك ، ولكن الله وقى شرها . . . من بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا وهو بدوره افقر الامراء في ايامه الاخيرة الى مجلس شورى ثم الزمهم باتباع رأيه في اشخاص وضرب اعناق الاخرين في المجلس اذا خالفوا اجماعهم وهذا غريب في نظام الشورى وفي تاريخها ثم الخليفة عثمان تم عزله بالقتل وتنصيبه بالكره ولا ادري كيف يحدد من يريد الاقتداء بنظام الخلافة هل يعتمد الفردية ام القبلية ام القوة.
2ـ غياب المصلحة في اقرارها في هذا الزمان فمن يكن خليفة المسلمين عليه مسؤولياتهم كافة دون ان تحجزه عنهم الحدود والسدود او الخرائط والجوازات، فالمسلم اينما كان في بلاد الاسلام هم رعيته وافراده هل يتوفر شرط الخلافة هذا في هذه القرون المقارعة على الجزر والمقاتلة على امتار خارج الحدود المرسومة ان يمتلك سلطة الكفالة والرعاية للمسلمين. لم يثبت ولم نسمع عن تجربة هذه الا في طالبان عام 1994 وهي نسخة متعصبة من فكرة الاخوان عن الخلافة والنتيجة اصبح خليفة المسلمين في طالبان حائر في افغانستان بين تهريب المخدرات وجوع العباد وفقر الشعب وانعدام الامن وسيادة السلاح وكره الرعيه للراعي وصولاً الى استنجادهم – أي الشعب الافغاني - بالغرب وتطاير اللحى والعمائم بصواريخ الطائرات البارجات واصبحوا خبراً يحكى اثراً عن اثر ان هنا كانت خلافة.
2ـ اختلاف فقهاء وعلماء الامة في هذا الشأن، ولابد من مشروعية الزمان والمكان لارجاع مبدأ الخلافة فمن يعين الخليفة؟ ومن يتفق على خلافته؟ ومن يفتي للناس بجواز التعبد بأحكام دولته؟ هذه الاثارات تفضي بشبهة قيامها بل بفتنتها واستعرض في هذا العدد رأي احد علماء الازهر الشيخ علي عبد الرازق في بدايات القرن العشرين اذ يقول في خصوص الخلافة ((الحق ان الدين الإسلامي يرى من تلك الخلافة التي يتعارفها المسلمون ويرى من كل ما هيئوا حولها من رغبة ورهبة وحسن وقوة والخلافة ليست في شيء دون الخطط الدينية كلا ولا الفقهاء ولا غيرها من وظائف الحكم ومراكز الدولة وان تلك كلها خطط سياسية صرفة لا شأن للدين بها، فهو لم يعرفها ولم ينكرها ولا امر بها ولا نهى عنها وانما تركها لنا، لنرجع فيها الى احكام العقل، وتجارب الامم وقواعد السياسة كما ان تدابير الجيوش الاسلامية وعمارة المدن والثغور ونظام الدواوين لا شأن للدين بها وانما يرجع الامر فيها الى الفعل والتجريب .
3ـ الطاعة العمياء وهي من مثالب حركة الاخوان واحدى نقاط تكرار الخطأ في هيكلها التنظيمي، فإن كانت شخصية الموسس الشيخ حسن البنا مسيطرة تماماً على الحركة وهي الآمرة والناهية، ويبدو جلياً في اجتماع ممثلي الحركة في عام 1939 عندما وجهوا بمجموعهم انذاراً الى المرشد الشيخ حسن البناء بطرد احمد السكري لاتجاهاته السياسية وبقطع الجماعة اتصالاتها السياسية خاصة مع علي ماهر ولكن المرشد رفض قبول الإنذار ... وهددهم بابلاغ البوليس ان هم اذاعوا اسرار الجماعة)) وقد تولد من غياب النقد تناقضات في عملية الادارة والتوجيه من قبل المرشد فهو من انشأ الجهاز السري وهو من رفض وجوده علنيا وهو من حرك بعض العمليات او كان يبدئ انزعاجا منها ثم جاء في النهاية رده الحديدي على مخالفات الجهاز السري لاوامره بقوله (ليسوا اخواناً وليسوا بمسلمين) ولا أريد أن استعرض كيف استدرجت بيانات المرشد الى هذا المستوى، بمقدار ما اركز على تغاير في التوجيه، فعملية اغتيال انسان لابد ان تخضع لقانون النهار اقصد العلنية والوضوح في الهدف وبالتالي فليس هناك حاجة فعلية للاغتيال عند التنظيمات السياسية لانها تستدرج الأعداء الى الاغتيال القانوني في وضح النهار اما التصفية الجسدية مهما كانت بنظر اصحابها شرعية ووجيهه فإسرارها جزء من قوة الضحية مهما كانت تستحق العقاب وفي النهاية ينكشف الكغطى وتنهار كل الجهود والقوى امام القاضي ...! وهذا بالفعل ماحدث مع شخصية حسن البنا والتي تحولت معها حتى بعض القيادات في الاخوان الى شقاقات ومعارضة وصلت الى مراحل خطيرة لم تكن بالحسبان وهي نتيجة طبيعية محسوبة للطاعة العمياء !!
ومنذ فترة قصيرة اصدر جمال البنا شقيق المؤسس البنا كتاباً عن الحجاب استعرضه بمجموعه من الانتقادات للازهر لرفضها الكتاب ولبعض المثقفين الا ان الغريب انتقاده للطاعة العمياء التي كانت تحكم الحركة وهي احدى اسباب عزوفه عنها .
4ـ المشروع السياسي يحتاج الى برنامج عام وهو قابل للتعديل والرفض لان اساس قوة السياسي هو تحركه باتجاه مصالحه ولا توجد فرصة للرجوع ولهذا السبب افتى الكثير من الفقهاء بضرورة تجنيب الدين مزالق السياسية، فهي لاتعترف بالمبادئ الثابتة لتعويقها سرعة الحركة ثم لاتوجد اخلاقية لدى السياسيين تحتم عليهم نصرة المظلوم ومساعدة المحتاج ولهذا يجري السياسي باتجاه الفقراء لكسبهم كورقة انتخابية ثم يرميها عند اول سلة للمهملات في وزارته او منصبه، كان برنامج البنا غامضاً من حيث الشريحة المستهدفة فهو يحدد بأن (كل هيئة تحقق بعملها ناحية من نواحي منهاج الاخوان المسلمين يؤيدها الاخ المسلم في هذه الناحية..) ما هو مناهج الحركة (.. مسلمون وكفى .. ومنهجنا منهج رسول الله ـ ص ـ وكفى وعقديتنا مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله وكفى ) وهو منهاج خاص بالمسلمين المتدينين ((وهو يصلح للحركة في الامتداد الاسلامي ولكنه لايطبق في مجال الحكم فمصر ليس فيها المسلمون فقط وانا اقباط، ويهود وغيرها من الاقليات)) وفيها العلمانيون والمستغربين وفيها الطبقات البرجوازية والثرية الخاضعة لاحكام الاقتصاد وحده، لم يدر بأذهان المؤسس البنا او احد اركان الحركة آنذاك وضع برنامج لجميع المصريين بشرائحهم وفئاتهم المختلفة علماً ان الملك فاروق كان يحكم بالضد من منهج الاخوان كما ان الواقع الاجتماعي لم يستحسن المنهج إلاّ على المناطق الخارجة من تأثير الحكومة كالصعيد والارياف الاخرى، ولا يعني عدم الاستحسان هو الكره بل كانت الجماهير تحترم الاخوان وتقدر تضحياتهم ولكنها في ذات الوقت تحترم ام كلثوم وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب الموسيقار وتمجد جمال عبد الناصر كما تترحم على سيد قطب وعبد القادر عودة وحسن البنا وغيرهم.. وهذا الاحترام لايضع لهم خصوصيتهم المتصورة عندهم في أي مجال فهم -أي المجتمع المصري وكل المجتمعات الشرقية تقريبا- سواء مع الفقيه والقائد والفنان والقومي والعلماني.
5ـ الاسلام منهج الحركة والنشاط خارج دائرة القيم والمثل، ويحمل عنوان حركة الاخوان واقعاً موهوماً فالاسلام لايختزل يحركه ظهرت في اوائل القرن العشرين لتبني وتصحح الاسلام من جديد والمؤسف هو في تبني الحركة لهذا الواقع الموهوم فقد جاء في المؤتمر الثالث للاخوان الذي انعقد في اوائل سنة 1935 وضع منهاج لنشاط الجماعة وتضمنت قرارات المؤتمر ورئيسها امورا بالغة الاهمية واحد هذه القرارات هي:
على كل مسلم ان يعتقد ان هذا المنهج كله منهاج الاخوان المسلمين من الاسلام وان كل نقص فيه نقص من الفكرة الاسلامية الصحيحة . واجب سقط عنوة عل رؤوس المسلمين وعقيدة تتطلب الرجوع الى حركة "الاخوان"وتخطئة الحركة هو انقاص للفكرة الاسلامية، اين نضع هذا القرار في خانة الزهو ام في المنهج السلفي للحركة وكيف نقتنع بهذا الواجب وقد اسلفنا واسهبنا بذكر بيان "ليسوا اخواناً وليسوا بمسلمين" وما عملوه كان جزءاً من المنهج الذي اقر وجود تنظيم عسكري سري تحول بفعل الظروف وطبائع الامور الى كتيبة اغتيالات وتفجير لمن ناوئ الحركة ربما نحاكم التاريخ والتراث ايضاً فقد اسهما بما داخلهما من موضوع ومتحول ومدسوس ومكذوب في حرف القاعدة عن القدرة الصالحة، وظاعفت من حالة التوازي و الابتعاد ثم الغياب عن وصايا القيادة الاسلامية الحقة القرآن وتراث الانبياء (محمد وآله وصحابته) هذه الثقة المطلقة بالنفس من مآسي الانحراف عن القدوة الصالحة، والمنهج القويم فولدت فراغ ملئه الاحساس والشعور بالحق وهما ليسا بدليل ولا هادي الى الحق الا من اتبع الحق في وجوده ومنطقه وعلمه وهديه...
يتبع... في الفصل التاسع والأخير من كتاب الحاكمية والله تعالى الموفق لكل خير ..
الفصل الثامن
الاخوان المسلمون من التأسيس الى الهاوية
تحدثنا في الفصل السابع عن ابرز المثيرات لظهور حركة الإخوان وذكرنا منها اثنتين اما المثيران الآخران فهما :
3. تداعيات موقف بريطانيا من الملك فاروق :
4. صعود حزب الوفد العلماني بزعامة النحاس:
لقد جر قرار حل حركة الاخوان المسلمين اثارا مدوية في الساحة المصرية لازال بعضها شاخصا الى الان كما ان حل هذه الحركة وبشكل كامل يطرح تساؤلاً مهماً على نحو الإثارة التاريخية محفزاً جوانب موضوع مضى عليه عشرات السنين الى طاولة البحث، لماذا تحل الحركة بهذه البساطة على اثر تهمه بأنها نفذت عمليات وصفت بالارهابية ثم يقرر على ضوء ذلك وبنفس السرعة أنهم تحولوا من جماعة دينية الى هيئة سياسية، وهذه دعاوى قابلة للطعن ويتدخل في حلها المحامون ويلعب الاستئناف دوره المعهود ولكن ان يشرع قانون بمجموعة من المواد فهذا حل سياسي وليس قانوني، وبالانعطاف باتجاه الطرف الحكومي، الم يكن ويسجل الطرف الحكومي هذا المحضر المسجل في محفوظات مجلس الوزراء البريطاني يحمل رقم (801) والمحضر يجري على النحو التالي:
17 فبراير 1945.
القاهرة الساعة 5:30 ـ 7 مساءاً.
الحضور من الجانب البريطاني:
رئيس الوزراء (ونستون تشرشل)
وزير الخارجية (انتوني ايدن)
سفير صاحب الجلالة البريطاني (اللورد كيلرن)
الحضور من الجانب المصري:
ملك مصر (فاروق)
(الملك وحده بدون رئيس وزرائه او رئيس ديوانه او أي مرافق لتسجيل محضر المقابلة)
بدأ رئيس الوزراء (تشرشل) اللقاء بملاحظة عن التغيير الوزراي الذي جرى اخيراً في مصر، وخرج به (صديقنا النحاس ورد الملك فاروق قائلاً ان الوقت كان قد حان للتغيير وانه لولا حكومة صاحب الجلالة البريطانية لكان التغيير تم مبكراً. واضاف ملك مصر (انه شخصياً كان يتمنى تغيير وزارة الوفد من اول يوم ومن حسن الحظ انه اعطى تلك الحكومة حبل الصبر طويلاً وانه كما توقع فان تلك الحكومة شنقت نفسها بهذا الحبل، اضاف الملك من باب التأكيد تلك الحكومة انتحرت).
وتساءل رئيس الوزراء (تشرشل):
((هناك كلام عن محاكمة النحاس وبعض زملائه وهذا غير مقبول)) ورد الملك فاروق ((انهم متهمون بالخيانة! ولكنه ليس راغباً من محاكمتهم بهذه التهمة اضاف الملك ان لجان تحقيق برلمانية ونقابية وجدت أدلة ضدهم وهو يرى ان متابعة ذلك الى نهايته الطبيعية ليس عمله هو ولكنه مسؤولية الوزارة الجديدة)).
ورد رئيس الوزراء (تشرشل) محذراً ((ان الحكومة البريطانية لاتقبل محاكمة النحاس مهما كانت التهم ـ لأنه قدم لبريطانيا العظمى في زمن ازمة!!؟)).
اضاف رئيس الوزراء ((أن هذا على أي حال ليس الموضوع الذي يريد تضييع الوقت فيه فتلك مشكلة يمكن متابعتها بوسائل اخرى..)).
ونتائج هذا المحضر تفضي الى نتيجتين مع ملاحظة:
1ـ اتهام واضح وصريح بتخوين اكبر الأحزاب المصرية وأعرقها وهو حزب الوفد بقيادة مصطفى النحاس وهي مثبتة عند لجان قانونية وبرلمانية.
2ـ تحذير رئيس الوزراء البريطاني (تشرشل) من المساس بحكومة النحاس وبالنحاس نفسه وهذا التحذير يتطابق وحماية المصالح البريطانية على اعتبار ان النحاس قدم لبريطانيا في زمن ازمة لهذا فهو جزء من مصالحها.
ملاحظة: حضور الملك المصري وحيداً!! وهذه في علم السياسة واسرارها تعني ثلاثة احتمالات:
أ) عدم الثقة المطلقة.
ب) حراجة الموضوع فيكون يوسع الملك احتمال الاهانة فيما لو كان وحده.
ج) إمكانية التنصل من الاتفاق لانتفاء الشهود عليه من الجانب المصري وهذا ما يجعله في دائرة واسعة للحركة.
وعرضي لهذا المحضر هو لالفات النظر، الى ان اعرق الاحزاب السياسية حينما تصل به المخالفات الى مستوى الجريمة او الخيانة ويتهمه الملك تأتي الارادة الخارجية (كرئيس الوزراء البريطاني مثلاً) لتحذره من محاكمته او حتى التفكير به. وبالفعل تراجع فاروق عن طلبه ورغبته وانحنى خاضعاً. لماذا يطبق القانون رغم انتفاء الشهود وارضية القرار وتأثير هذا الجرم – ان ثبت - على المجتمع اهون من الخيانة التي وجهها الملك فاروق لحزب الوفد !! لماذا يطبق القانون على وقائع لم تثبت هل لان الموضوع هنا حركة دينية شعارها الاسلام دين ودنيا ودولة. رأت ان السياسة ليست حكراً على طرف،لماذا انتفض القانون واهتزت رئاسة الوزراء وصاح الحق الملكي انقذوا الشعب عندما وجدوا الامر حركة دينية وليست حزبا محفوظ بالرعاية البريطانية ، وقد اعترفوا – أي حكومة النحاس - بان الحوادث التي ضبطت فيها جماعة من الاخوان فقد كانت لاتخرج عن اربعة اقسام بعضها حكم فيه كحادثة ضبط الاخوان بالاسماعيلية يتدربون على صنع القنابل وبعضها حكم فيه ببراءة الاخوان براءة تامة كالجناية العسكرية التي اتهم فيها اثنان من الاخوان وحكم ببراءتهما، وبعضها كان العدوان فيه على الاخوان كقضية (شبين الكوم) التي انحكم فيها واحد من الاخوان المسلمين وحكمت المحكمة على قاتله بالف جنيه وبالسجن 15 سنة وبعضها فردي عن دوافع شخصية او عائلية لا صلة مطلقاً بينه وبين الاخوان المسلمين. في حين كانت التهم الموجه الى حكومة النحاس هائلة كتهريب الذهب خارج البلاد والمتاجرة الشخصية بالثروات القومية (القطن مثلاً) والتعسف في جبي الضرائب من الفلاحين مضافاً إلى امور اخرى، وهنا نورد اشارة مهمة الى أن التهم التي تمس الطرف القريب من بريطانيا كانت تستحيل الى براءة وتبقى على هذا الحال في حين تتحول المخالفات او التهم الى كوارث مع الحركة الاسلامية وبسرعة فائقة ولكن من الذي يصدر هذا القرار الحازم؟ انه النقراشي باشا! فمن هو؟
محمود فهمي النقراشي:
وضع النقراشي في وزارة جل عملها هي ابعاد الخيار الصعب عن الملك فاروق وهو عودة حزب الوفد في وزارة جديدة. وما جعل زعيم الوفد (النحاس) يبعث برسالة باسم الوفد المصري الى رئيس مجلس الامن يقول فيها (ان حكومة محمود فهي النقراشي لاتمثل الشعب المصري وان الدعوى التي يتقدم بها الى المجلس قاصرة في تعبيرها على المطالب العربية وان حزب الوفد المصري قرر ارسال ممثلين عنه الى نيويورك ليحدثوا هناك باسم "مصر الحقيقية" ! واجهت وزارة النقراشي صراعاً من ثلاث جهات اساسية كل جهة ترغب في توجيهها الى اهدافها والجهات هي :
1ـ رغبة الملك.
2ـ رغبة القوى السياسية المصرية.
3ـ رغبة الانجليز.
رغبة الملك:
كان الملك فاروق يريد منه في اول ايام الوزارة فضح النحاس زعيم الوفد بطريقة الابتزاز من خلال بث ونشر مكالمة تليفونية لزوج النحاس (زينب هانم) مع فؤاد سراج الدين ومكالمة اخرى لزكية هانم البدراوي وشقيقها عبد العزيز البدراوي ويبدو ان في المكالمات ما يمثل دليلاً جرمياً على حلقه قريبة من النحاس، وهذا ما جعل النقراشي يرفض قاطعاً والملك يصفه بـ ((كنت اقول لكم دائماً أن النقراشي قفل ولم تصدقوني والآن يثبت لكم انني كنت على حق)) وظلت رغبة الملك قائمة تلح على النقراشي بتحطيم النحاس وحزب الوفد كأهم وظيفة لوزارته ان لم تكن الوزارة اعدت لذلك اصلاً.
رغبة الأحزاب المصرية :
تطرقنا الى موقف الوفد من النقراشي ووزارته فهو لم يكن مؤهلاً بنظرهم لهذا المنصب، وهذا الحزب من اكثر الاحزاب انتشاراً ورقعة في المشهد السياسي المصري، لكن عملت الاحزاب الصغيرة الاخرى على دعم موقف حزب الوفد في هذا الخصوص وكذلك يسجل لقوى الاحزاب بضمنها الوفد مدى التأثير والمعارضة بالاضراب العام الذي واجه حكومة النقراشي انه شي مختلف تماما عن بقية الإضرابات في الدول لأنه الإضراب الذي لم يقم به المدنيون بل قام به البوليس المصري وكان غريباً على المواطنين ان يروا اقسام البوليس مغلقة والضباط المسؤولين عن الأمن ممتنعين عن العمل فكانت الأحزاب وأمامهم الوفد يريدون النقراشي وزيراً لهم ضد الملك.
رغبة الانجليز:
منذ ان تسلم النقراشي الوزارة وجد أمامه مجموعة من التقييمات البريطانية لسياسته وابرزها ما يلي:
1ـ تقييم السفير البريطاني رونالد كامبل للنقراشي (عنيد الى حد الغباء وضيق الأفق الى حد التعصب).
كلمة اخرى لكامبل (اذا اردنا ان نفهم النقراشي فلابد ان نتذكر دائماً مهنته فقد كان في الاصل ـ مدرساً ـ ولا يزال حتى الآن يتصرف مع مجلس وزرائه ومع موظفي الدولة كانهم في فصل دراسي).
اللورد (كيلرن) يقابل النقراشي ثم يخلص بنتيجة المقابلة بقوله: (لم يعلق النقراشي على ما قلت مباشرة ولا يبدو لي انه يعرف ما فيه الكفاية لكي يخوض في مناقشة مفيدة، وحاولت ان الفت نظره الى ان السفارات لايمكن ان تكون في حد ذاتها ـ سياسة ـ لكن اشك ان في مقدور الرجل ان يفهم باكثر مما تسمح به ملكاته). تمثلت رغبة بريطانيا بتوجيه النقراشي باتجاه الابتعاد عن شعارات (الأماني الوطنية) او الاستقلال او ما شابه ذلك..
موقف أخير يتوج شخصية النقراشي جاء في تقرير للسفير رونالد كامبل وهو تقرير خطير للغاية اذا ما تلمس منه الباحث حقيقة القرار الذي غير الموقف نهائياً سجل الاخوان عام 1948 وقد كتب هذا التقرير قبل عامين من تاريخ الحل – أي حل حركة الاخوان - وهذا نصه (ان النقراشي بعد الاشتغال بالتدريس انضم إلى الحركة الثورية المصرية وشارك في العمليات السرية لمقاومة وجودنا في مصر وبينها عملية اغتيال السير ستاك مفتش الجيش المصري لكن النقراشي الآن وفي رغبته للتفاهم معنا ينفى بشدة انه شارك في اغتيال السير ستاك..) .
واذا حللنا موقف النقراشي من الاخوان نجده مرسوماً ضمن صراع الجهات الثلاث لاشك، ونقطة التقاء المصالح كانت في انصياع النقراشي لها جميعاً ككبش فداء فهو طاوع الملك فيما يستطيع حتى اصبح اضحية العبد بضرب البنا واستدراجه ولو على حساب حياته وأرضى الأحزاب بمخالفته للملك والانجليز في بعض المسائل وهو يعلم او بغير علم مهد لهم طاولة المفاوضة على مواقفه وجنى المناصب، ووافق الانجليز في الرضوخ بما كان منه لهم ومنهم عليه ولعل قرار حل الاخوان جاء مناغماً وفصلاً متسلسلا من حدة عملية توجيه النقراشي لضرب بؤر التوتر وجمع المصالح المتفرقة ومن بؤر التوتر حسن البنا وحركته ومن المصالح المبعثرة هي مهمة جمع الوفد مع الملك .وكان في النهاية النقراشي المصيدة لضرب الاخوان ثم اتهام الاخوان بقتله وتشيع جنازته جمع للمتفرقين الملك وحزب الوفد وقد كان ما ارادوا بالفعل ..
دخل ابراهيم عبد الهادي الى رئاسة الوزراء ولديه مهمتان أهمهما الانتقام لمقتل النقراشي رئيس الوزراء، والانتقام مفتوح على القاتل مهما اتسع نشاطه واركانه وكان المتهم هو حركة الاخوان وبالاخص الجناح السري، وهو جهاز كانت الغرض من إنشائه هو مقاومة الوجود البريطاني في مصر كاحتلال ولكنه تحول في ظرف معقد الى كتيبة اغتيالات في ظروف حل حركة الاخوان ومصادرت حقوقهم واملاكهم.. حاول حسن البنا من خلال بيانات مهمة هي بيان للناس وبيان ليسوا اخواناً وليسوا بمسلمين وحوارات طويلة مع الصحافة حول هذا الغرض..
ولكنها انتهت على حافة سيارة تاكسي استوقفها امام جميعة الشباب المسلمين حين كان موعدا لتأخذه الى بيته وبدلاً من ذلك فان سيارة التاكسي هرعت به الى قصر العيني وهناك تبين ان الرجل لم يفارق الحياة بعد لكن المشرف على عملية الاغتيال وهو القائمقام محمود وصفي قائد حرس الوزارات أمر بتعقبه (والتخليص عليه) وهو تنفيذ للأوامر الصادرة من الملك فاروق ورئيس وزرائه ابراهيم عبد الهادي (ثم انتحر وصفي لاحقاً بعد ثورة يونيو 1952 بعد ان انكشف أمره وعثر على وثائق تدينه وان هناك امراً صدر بالتحقيق معه..).
ان اغيتال البنا يعكس حالة غريبة فعلاً فإن التهمة لم تكن موجه اصلا ً للبنا باغتيال النقراشي وقد عثر على من قام بها وقد استنكر البنا ذلك بمواقف وبيانات نعرض جملاً منها:
1ـ في رده على الأسلحة والقنابل التي عثرت لدى مداهمة الحكومة – حكومة النقراشي - لمقرات الحركة فقال فيها أنها (للمجاهدين من الاخوان المسلمين والفلسطينيين والهيئة العربية العليا الفلسطينية والحكومة نفسها تعرف ذلك) واتهم البنا بأن قرار حل الحركة جاء نتيجة مذكرة ثلاثية تقدمت بها بريطانيا وفرنسا وامريكا بعد اجتماع لممثليها الدبلوماسيين في 6 ديسمبر 1948 وطالبت المذكرة بحل الجماعة.. .
2ـ بياناً جاء فيه رداً على اغتيال النقراشي ونسف محكمة الاستئناف قال البنا فيه (وقع هذا الحادث الجديد حادث محاولة نسف مكتب سعادة النائب العام وذكرت الجرائد ان مرتكبه من الاخوان المسلمين فشعرت بان من الواجب ان اعلن ان مرتكب هذا الجرم الفضيع وامثاله من الجرائم لايمكن ان يكون من الاخوان ولامن المسلمين لان الاسلام يحرمها والاخوة تأباها وترفضها).
ان عبارة ليسوا باخوان وليسوا بمسلمين اقصى ما يمكن لزعيم ان يستنكره من اعوانه وهل يعد هذا الا إقامة الحد بالقتل عليهم انني اقطع بان حركة الاخوان لم تكن سياسية التأسيس قط ولا هي جرت بعد تأسيسها نحو السياسة والأدلة على ذلك نذكرها باقتضاب.
اولاـ لم يسع حسن البنا إلى نيل ـ وهو صاحب شعبية واسعة قد تقارب او تزيد على نفوذ وشعبية حزب الوفد وزعامته زعامة النحاس وعمر مكرم معاً ـ أي منصب او وزارة في حين سابق اليها من لايعرفه الشعب المصري ولم يسمع به الا بين اوساط الملاهي والقمار او الصالونات السياسية وحتى حينما اراد ان يرشح ـ البنا ـ انسحب بمجرد ان اشار عليه النحاس ان ساحته في الوسط الديني وليس في السياسي، ترى لو كان يراها اهلاً لحركته هل يأخذ بنصيحة احد في هذا الشأن؟ وميدان السياسة في كل عصر هي قصر الامارة والملك والسلطة.
2ـ من يبحث وراء السياسة لايعارض مصادرها ومنابعها المعهودة ومن المعلوم ان السياسة المصرية كانت تستقي من رضى السفير البريطاني علامة تقدمها ومن اراد الترشح فعليه قياس شهرته وشعبيته على صك السماح البريطاني له نحو البلاط او الحكم، كيف لا والملك فاروق ذاته اخذ ملكه من فم السفير البريطاني متوسلاً بكامل الخضوع في حادثة 4 فبراير 1942 الشهيرة وبطلها مايلز لامبسون .
وكان مطلب الملك هو أعطوني فرصة اخيرة واقترح ان يشكل حكومة مرضية للامبراطورية وزاد في الاقتراح ان يكلف مصطفى النحاس امام السفير البريطاني وعلى مسامعه بتشكيل الوزارة ويضيف لامبسون كلمة في غاية الاهمية تبين هشاشة عرش يتقوى على الضعفاء او المستضعفين من شعبه يعلل فيها اعراضها عن اقالة الملك بقوله (لم يكن في وسعي ان ارغمه على التنازل عن العرش لانه تاخر في استدعاء النحاس وفق ما طلبت منه في انذاري مدة ثلاث ساعات أيمن الساعة السادسة كما طلبت إلى التاسعة كما حدث فعلاً ولم يكن في وسعنا ان نبرر سياسياً طرده على هذا الاساس امام الرأي العام المصري والاجنبي..). لاعجب ان تحل حركة الاخوان بسرعة خاطفة وان يتم اغتيال زعيمها باسرع من ذلك وفي غضون عامين تنتهي الحركة وزعيمها وهي مسيرة طويلة لجماهير وتاريخ وجهاد لاعجب ان يقاتل على تخوم فلسطين كتائب الاخوان الى جنب الجيش المصري النظامي ثم ينقلون بقطار سريع يحمل اجيالهم فيلقى في السجن منهم أربعة آلاف من الاخوان .
لاعجب على الاخوان وهم نفر جمعته الرابطة الدينية وعززته المشايخ وليس لهم قدم راسخة في الحكم لتكون مسنداً وملجأ من البطش، اذا كان ملك قصر يهدد بالتنازل عن العرش في غضون ثلاث ساعات الاولى يتنازل بها والثانية يتسمح بذكريات الماضي والثالثة يقرر فيها الى اين يفر! لولا ان تداركه الخضوع وهو ما لم يعتد عليه غيره في فن البقاء على العروش.
3ـ التدخل في السياسة ومنافسة الحاكمين والسعي نحو العرش لايأتي بطرق قام بها الاخوان وهي في المعايير السياسية نوع من السذاجة والتخبط ويمكن تلخيصها بأربع اجراءات:
1) الاندفاع نحو الحكم يتطلب حزباً سياسياًَ يتقدم باتجاهين الاول المشاركة الفاعلة في منافذ السلطة كالانتخابات او التعيينات او الدخول في تشكيلة الوزارات ونحو ذلك، والتالي الولوج في الجماهير على مراحل وبتنظيم محكم كالمشاركة في المناسبات والاحتفالات والمظاهرات ونقد الحكومات على تقصيرها في قضايا الخدمات وما شابه هذا او ذاك. والاخوان لم يتحقق لهم كلا الاتجاهين فاول تأسيسها كانت ترسم لها هذه الصورة المستمدة من التعريف (دعوة سلفية.. طريقة صوفية .. هيئة سياسية.. جماعة رياضية.. رابطة علمية ثقافية.. شركة اقتصادية.. فكرة اجتماعية) وهذا مع قبوله للحركة كموسوعة تخصصية ينسجم في حالة واحدة فقط، الحركة المتسمة بهذا الخصائص هي قطعة من المجتمع تتحرك بهذه العناوين، ومن كان بهذا الوصف من الصعوبة عليه ان يصل الى القصر! فحركته بطيئة لتعدد الجهات والغايات فالتصوف مناقض تماماً للسلطة والرئاسة والاقتصاد لايتفاعل مع السلفية والفكرة الاجتماعية تحتاج إلى الانفتاح اذا اقترنت بهدف سياسي واين هذا الانفتاح والمرأة المصرية بلغت مرحلة اسفرت عن مفاتنها حد التعري في مواقع معينة قريبة من السلطة وحركة الاخوان بلغت بالمقابل مرحلة اوصلت الحجاب الى ستر المرأة كاملة حتى العيون! فأين هذا من الواقع السياسي الطامح للمنصب المضحي بكل مبدأ.
2) تأسيس جهاز عسكري سري يعمل على مقاومة الاحتلال البريطاني في مصر وهذه من اجلى نقاط الفشل السياسي عند حركة الاخوان فالجهاز السري تورط بحوادث داخلية خارج دائرة المقاومة مثل محاولة عملية نسف محكمة الاستنئاف واعترافات محمود الصباغ وكان واحداً من قادة الجهاز السري لحركة الاخوان بانه قام مع جماعته (بتفجير قنابل في جميع اقسام البوليس في القاهرة في يوم واحد وهو 3ـ12ـ1946 حيث فجرت اقسام الموسكي والجمالية والازيكية ومصر القديمة وعابدين والخليفة ونقطة السلخانة ومركز احباية) .
كما جاء حادث اغتيال المستشار احمد الخازندار من قبل الجهاز السري لحركة الاخوان ضغطاً على مؤسسها ومحاصرة لنشاطها وفشلا لأي مشروع سياسي وحكي عن مقربين ان البنا بكى من فرط حزنه على اغتيال المستشار كما انه أدلى بأكثر من تصريح يستنكر قتل القاضي وان كانت هناك اشارات تفيد بان البنا كان غاضباً لعدم استئذانه في قتل المستشار وانما تصرف رئيس الجهاز السري من تلقاء نفسه وكان عبد الرحمن السندي آنذاك هو على الجهاز ويورد السندي اعترافاً جاء فه (انه تصور ان عملية القتل سوف ترضي فضيلة المرشد ولان فضيلة المرشد يعلم عن السندي الصدق فقد اجهش بالبكاء).
ثم حدث انقسام في دواخل هذا الجهاز ادى الى حوادث مريعة ابرزها ما قام به رئيس الجهاز نفسه (عبد الرحمن سندي) حينما اقدم على اغتيال مساعدة الاول والخاص (سيد فايز) بارساله علبة حلوى بمناسبة المولد النبوي الشريف لتفجره وتمزق شقيقه .
هناك الكثير من هذا القبيل اعرضنا عنه لأننا وضحنا صورة الحركة فهي لم تملك مشروعها السياسي بل انطلقت من واقع عفوي مثله مؤسسها المتعفف عن التيار الجارف في المجتمع المصري المتمثل بتيارات التحلل الأخلاقي وانهيار المبادئ واضمحلال تعاليم الإسلام وغياب التعريف بالدين واعتكاف الناس على عاداتهم يتزودون منها ويرتعون بها جهلهم، ثم توسع العمل فتوسعت الحركة الا ان طبيعة النظام الداخلي لها لم تتغير فظل نظامهم مبني على الطاعة المطلقة والمصالحة باساليب قديمة وربما بالية في اغلب الاحيان يترجمها هذه العبارات في افتتاحية مجلة النذير (1358هـ 36ـ1937) كتبها الشيخ عبد الرحمن الساعاتي والد المرشد العام للحركة الشيخ حسن البنا. (استعدوا يا جنود وليأخذ كل منكم اهبته، ويعد سلاحه ولايلتفت منكم احد وامضوا الى حين تؤمرون) ثم (خذوا هذه الامة برفق فما أحوجها الى العناية والتدليل صفوا لها الدواء فكم على ضفاف النيل وهن مريض وجسم عليل واعكفوا على اعداده في صيدليتكم ولتقم على إعطائه فرقة الانقاذ منكم فاذا الامة ابت فاوثقوا يدها بالقيود وأثقلوا ظهرها بالحديد وجرعوها الدواء بالقوة وان وجدتهم في جسمها عضواً خبيثاً فاقطعوه او سرطاناً خطيراً فازيلوه) (استعدوا يا جنود فكثير من ابناء هذا الشعب في اذانهم وقر وفي عيون عمى) هذه التعابير (استعدوا يا جنود.. خذوا هذه الامة.. فما احوجها الى العناية والتدليل.. في صيدليتكم فاذا ابت الامة فاوثقوا يدها بالقيود واثقلوا ظهرها بالحديد وجرعوها الدواء بالقوة.. فاقطعوه.. فازيلوه) تناسب الخطاب الديني الذي يلتمس هداية الناس وقد يتصور انه مأمور بهذا القول او ذاك الفعل وقد يبرر له حب الخير للآخرين زيادة الأنا في الخطاب إلا أنه في هذا الخطاب السياسي انتكاسة وتراجع ونقاط ضعف يهبها التنظيم السياسي مجاناً لخصومه، المشروع السياسي يعتمد دائماً على الثناء على الجماهير وعلى التقدير والاحترام والدعوة الى تجاوز اخطاءها وتحملها الى اللعب على مشاعرها الى مجاملتها اقصى ما يمكن كل شيء يفعله من اجلها الى المجاملة والمصادقة على عيوبها.. ان الخطاب السياسي قريب الشبه من الشعراء وبعض شيوخ العشائر فالشاعر ـ إلا قليلاـ يتمايل مع قامة السلطة والسلطان فاذا غرب غرب واذا شرق شرق، وهو يكثر من المديح ويذم من اجل المديح وارضاء الخواطر وشيوخ العشائر ـ في بعضهم ـ خصال التملق نحو القوي وصاحب المال.
3) حركة الاخوان لاتمل من الاحلام بالمثاليات وظهور المدينة الفاضلة وهي خصلة قد تصلح للواعظ او المحب للناس لانه لايريد ان يتشاءم في وجوههم فيطمئمهم بقرب الفرج وانتهاء المحن وان الخير سيأتي بأسرع ما يمكن.. ومن هذه الاحلام حلم الخلافة الاسلامية وعودة التاريخ الى ايام الدعوة الاسلامية الاولى وتوقف الزمن حتى تستكمل الحركة دورها في تيار الخلافة وهي عندهم "رمز لوحدة الاسلام ومظهر ارتباط بين اسم الاسلام والاخوان المسلمون يجعلون فكرة الخلافة والعمل على اعادتها في رأس مناهجهم.." أن هذه الفكرة قويت بصورة ملفتة عندهم بعد سقوط الخلافة العثمانية في اسطنبول فكانت من عوامل قوة التأسيس واستمرار العمل، والخلافة في الحقيقة نظرية غير صالحة لهذه القرون لعدة اسباب منها:
1ـ عدم وجود نظرية واضحة لطريقة الخلافة، فكل الخلفاء وصلوا بطريق واسلوب غير منمط ـ عدا فترة الحكم العلوي (علي ابن ابي طالب) فقد ساهم في تأسيس نظرية جديدة وهي طاعة النصوص وترك الاجتهاد الا في موارد التبيين مع فح باب المشورة في عناوين النشاط الحيوي للناس في سائر معائشهم ـ فالخليفة ابو بكر تحصلت له الخلافة من طرف وانسحب طرف اخر وعرض ثالث ؟؟؟ ومع ذلك انحسم امر الخلافة بطريق الفلته (كما ورد في صحيح البخاري باب بيعة ابي بكر وهذا نص الرواية أخرج البخاري في صحيحه ، وأحمد في مسنده ، والحميدي والموصلي في الجمع بين الصحيحين وابن أبي شيبة في المصنف وغيرهم عن ابن عباس في حديث طويل أسموه بحديث السقيفة ، قال فيه عمر : إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ، ألا وإنها قد كانت كذلك ، ولكن الله وقى شرها . . . من بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا وهو بدوره افقر الامراء في ايامه الاخيرة الى مجلس شورى ثم الزمهم باتباع رأيه في اشخاص وضرب اعناق الاخرين في المجلس اذا خالفوا اجماعهم وهذا غريب في نظام الشورى وفي تاريخها ثم الخليفة عثمان تم عزله بالقتل وتنصيبه بالكره ولا ادري كيف يحدد من يريد الاقتداء بنظام الخلافة هل يعتمد الفردية ام القبلية ام القوة.
2ـ غياب المصلحة في اقرارها في هذا الزمان فمن يكن خليفة المسلمين عليه مسؤولياتهم كافة دون ان تحجزه عنهم الحدود والسدود او الخرائط والجوازات، فالمسلم اينما كان في بلاد الاسلام هم رعيته وافراده هل يتوفر شرط الخلافة هذا في هذه القرون المقارعة على الجزر والمقاتلة على امتار خارج الحدود المرسومة ان يمتلك سلطة الكفالة والرعاية للمسلمين. لم يثبت ولم نسمع عن تجربة هذه الا في طالبان عام 1994 وهي نسخة متعصبة من فكرة الاخوان عن الخلافة والنتيجة اصبح خليفة المسلمين في طالبان حائر في افغانستان بين تهريب المخدرات وجوع العباد وفقر الشعب وانعدام الامن وسيادة السلاح وكره الرعيه للراعي وصولاً الى استنجادهم – أي الشعب الافغاني - بالغرب وتطاير اللحى والعمائم بصواريخ الطائرات البارجات واصبحوا خبراً يحكى اثراً عن اثر ان هنا كانت خلافة.
2ـ اختلاف فقهاء وعلماء الامة في هذا الشأن، ولابد من مشروعية الزمان والمكان لارجاع مبدأ الخلافة فمن يعين الخليفة؟ ومن يتفق على خلافته؟ ومن يفتي للناس بجواز التعبد بأحكام دولته؟ هذه الاثارات تفضي بشبهة قيامها بل بفتنتها واستعرض في هذا العدد رأي احد علماء الازهر الشيخ علي عبد الرازق في بدايات القرن العشرين اذ يقول في خصوص الخلافة ((الحق ان الدين الإسلامي يرى من تلك الخلافة التي يتعارفها المسلمون ويرى من كل ما هيئوا حولها من رغبة ورهبة وحسن وقوة والخلافة ليست في شيء دون الخطط الدينية كلا ولا الفقهاء ولا غيرها من وظائف الحكم ومراكز الدولة وان تلك كلها خطط سياسية صرفة لا شأن للدين بها، فهو لم يعرفها ولم ينكرها ولا امر بها ولا نهى عنها وانما تركها لنا، لنرجع فيها الى احكام العقل، وتجارب الامم وقواعد السياسة كما ان تدابير الجيوش الاسلامية وعمارة المدن والثغور ونظام الدواوين لا شأن للدين بها وانما يرجع الامر فيها الى الفعل والتجريب .
3ـ الطاعة العمياء وهي من مثالب حركة الاخوان واحدى نقاط تكرار الخطأ في هيكلها التنظيمي، فإن كانت شخصية الموسس الشيخ حسن البنا مسيطرة تماماً على الحركة وهي الآمرة والناهية، ويبدو جلياً في اجتماع ممثلي الحركة في عام 1939 عندما وجهوا بمجموعهم انذاراً الى المرشد الشيخ حسن البناء بطرد احمد السكري لاتجاهاته السياسية وبقطع الجماعة اتصالاتها السياسية خاصة مع علي ماهر ولكن المرشد رفض قبول الإنذار ... وهددهم بابلاغ البوليس ان هم اذاعوا اسرار الجماعة)) وقد تولد من غياب النقد تناقضات في عملية الادارة والتوجيه من قبل المرشد فهو من انشأ الجهاز السري وهو من رفض وجوده علنيا وهو من حرك بعض العمليات او كان يبدئ انزعاجا منها ثم جاء في النهاية رده الحديدي على مخالفات الجهاز السري لاوامره بقوله (ليسوا اخواناً وليسوا بمسلمين) ولا أريد أن استعرض كيف استدرجت بيانات المرشد الى هذا المستوى، بمقدار ما اركز على تغاير في التوجيه، فعملية اغتيال انسان لابد ان تخضع لقانون النهار اقصد العلنية والوضوح في الهدف وبالتالي فليس هناك حاجة فعلية للاغتيال عند التنظيمات السياسية لانها تستدرج الأعداء الى الاغتيال القانوني في وضح النهار اما التصفية الجسدية مهما كانت بنظر اصحابها شرعية ووجيهه فإسرارها جزء من قوة الضحية مهما كانت تستحق العقاب وفي النهاية ينكشف الكغطى وتنهار كل الجهود والقوى امام القاضي ...! وهذا بالفعل ماحدث مع شخصية حسن البنا والتي تحولت معها حتى بعض القيادات في الاخوان الى شقاقات ومعارضة وصلت الى مراحل خطيرة لم تكن بالحسبان وهي نتيجة طبيعية محسوبة للطاعة العمياء !!
ومنذ فترة قصيرة اصدر جمال البنا شقيق المؤسس البنا كتاباً عن الحجاب استعرضه بمجموعه من الانتقادات للازهر لرفضها الكتاب ولبعض المثقفين الا ان الغريب انتقاده للطاعة العمياء التي كانت تحكم الحركة وهي احدى اسباب عزوفه عنها .
4ـ المشروع السياسي يحتاج الى برنامج عام وهو قابل للتعديل والرفض لان اساس قوة السياسي هو تحركه باتجاه مصالحه ولا توجد فرصة للرجوع ولهذا السبب افتى الكثير من الفقهاء بضرورة تجنيب الدين مزالق السياسية، فهي لاتعترف بالمبادئ الثابتة لتعويقها سرعة الحركة ثم لاتوجد اخلاقية لدى السياسيين تحتم عليهم نصرة المظلوم ومساعدة المحتاج ولهذا يجري السياسي باتجاه الفقراء لكسبهم كورقة انتخابية ثم يرميها عند اول سلة للمهملات في وزارته او منصبه، كان برنامج البنا غامضاً من حيث الشريحة المستهدفة فهو يحدد بأن (كل هيئة تحقق بعملها ناحية من نواحي منهاج الاخوان المسلمين يؤيدها الاخ المسلم في هذه الناحية..) ما هو مناهج الحركة (.. مسلمون وكفى .. ومنهجنا منهج رسول الله ـ ص ـ وكفى وعقديتنا مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله وكفى ) وهو منهاج خاص بالمسلمين المتدينين ((وهو يصلح للحركة في الامتداد الاسلامي ولكنه لايطبق في مجال الحكم فمصر ليس فيها المسلمون فقط وانا اقباط، ويهود وغيرها من الاقليات)) وفيها العلمانيون والمستغربين وفيها الطبقات البرجوازية والثرية الخاضعة لاحكام الاقتصاد وحده، لم يدر بأذهان المؤسس البنا او احد اركان الحركة آنذاك وضع برنامج لجميع المصريين بشرائحهم وفئاتهم المختلفة علماً ان الملك فاروق كان يحكم بالضد من منهج الاخوان كما ان الواقع الاجتماعي لم يستحسن المنهج إلاّ على المناطق الخارجة من تأثير الحكومة كالصعيد والارياف الاخرى، ولا يعني عدم الاستحسان هو الكره بل كانت الجماهير تحترم الاخوان وتقدر تضحياتهم ولكنها في ذات الوقت تحترم ام كلثوم وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب الموسيقار وتمجد جمال عبد الناصر كما تترحم على سيد قطب وعبد القادر عودة وحسن البنا وغيرهم.. وهذا الاحترام لايضع لهم خصوصيتهم المتصورة عندهم في أي مجال فهم -أي المجتمع المصري وكل المجتمعات الشرقية تقريبا- سواء مع الفقيه والقائد والفنان والقومي والعلماني.
5ـ الاسلام منهج الحركة والنشاط خارج دائرة القيم والمثل، ويحمل عنوان حركة الاخوان واقعاً موهوماً فالاسلام لايختزل يحركه ظهرت في اوائل القرن العشرين لتبني وتصحح الاسلام من جديد والمؤسف هو في تبني الحركة لهذا الواقع الموهوم فقد جاء في المؤتمر الثالث للاخوان الذي انعقد في اوائل سنة 1935 وضع منهاج لنشاط الجماعة وتضمنت قرارات المؤتمر ورئيسها امورا بالغة الاهمية واحد هذه القرارات هي:
على كل مسلم ان يعتقد ان هذا المنهج كله منهاج الاخوان المسلمين من الاسلام وان كل نقص فيه نقص من الفكرة الاسلامية الصحيحة . واجب سقط عنوة عل رؤوس المسلمين وعقيدة تتطلب الرجوع الى حركة "الاخوان"وتخطئة الحركة هو انقاص للفكرة الاسلامية، اين نضع هذا القرار في خانة الزهو ام في المنهج السلفي للحركة وكيف نقتنع بهذا الواجب وقد اسلفنا واسهبنا بذكر بيان "ليسوا اخواناً وليسوا بمسلمين" وما عملوه كان جزءاً من المنهج الذي اقر وجود تنظيم عسكري سري تحول بفعل الظروف وطبائع الامور الى كتيبة اغتيالات وتفجير لمن ناوئ الحركة ربما نحاكم التاريخ والتراث ايضاً فقد اسهما بما داخلهما من موضوع ومتحول ومدسوس ومكذوب في حرف القاعدة عن القدرة الصالحة، وظاعفت من حالة التوازي و الابتعاد ثم الغياب عن وصايا القيادة الاسلامية الحقة القرآن وتراث الانبياء (محمد وآله وصحابته) هذه الثقة المطلقة بالنفس من مآسي الانحراف عن القدوة الصالحة، والمنهج القويم فولدت فراغ ملئه الاحساس والشعور بالحق وهما ليسا بدليل ولا هادي الى الحق الا من اتبع الحق في وجوده ومنطقه وعلمه وهديه...
يتبع... في الفصل التاسع والأخير من كتاب الحاكمية والله تعالى الموفق لكل خير ..