الأخبار
الهدنة على الأبواب.. وتجار الحرب إلى الجحيممسؤولون أميركيون: ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء حرب غزةنتنياهو: لقائي مع ترامب قد يسهم في التوصل إلى اتفاق بغزةالاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينيةمستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية مشددة من قوات الاحتلالعائلات أسرى الاحتلال تطالب الوفد بتسريع إنجاز الصفقة خلال هذا الأسبوع
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الخطيئة في التوراة بقلم الكاتب محسن الخزندار

تاريخ النشر : 2010-03-23
الخطيئة في التوراة بقلم الكاتب محسن الخزندار
الخطيئة في التوراة



من كتاب اليهودية في العراء بين الوهم والحقيقة/بقلم الكاتب محسن الخزندار



الخطيئة في التوراة

من العبارات التي تتردّد مرارًا في التوراة، تلك التي تعلن أن الله ذاك الرحيم الحنون الذي يغفر الإثم والمعصية والخطيئة. أجل، الله هو الذي يغفر خطايا شعبه، يغفر خطايا الأمم الوثنيّة، يغفر خطيئة الشعوب كما يغفر خطيئة الأفراد. إنه إله الرحمة ( ).
1- الله وخطيئة شعبه:
الخطيئة الكبرى التي عرفها الشعب العبرانيّ في البريّة هي عبادة العجل الذهبيّ. يروي كاتب سفر الخروج أنَّ سيدنا موسى أبطأ على الجبل، فاشتاق الشعب إلى آلهة يرونها بعيونهم، فصنع لهم سيدنا هارون ذاك العجل، أو بالأحرى هو الثور "أبيس" الذي عرفوه في مصر.
كانت ردّة الفعل الأولى لدى الربّ الغضب. قال الرب لسيدنا موسى:"رأيت هذا الشعب وإذا هو شعب صلب الرقبة فالآن اتركني ليحمى غضبى عليهم وأفنيهم ، فأصيرك شعباً عظيماً " .( )). الله الكليّ القداسة يرفض الخطيئة. هذا هو معنى الغضب. الله الكليّ الأمانة لا يتحمّل خيانة شعبه الذي يرفض "نير" الوصايا. فالنير يوجّه الحيوان في خطّ رسمَه له صاحبُه. والوصايا هي طريق العيش بحسب وصايا الله. ولكنّ الشعب يعاند ويرفض نير الوصايا.
أراد الربّ أن يرذل شعبه ويبدأ مع سيدنا موسى من جديد مغامرة أخرى: أراد أن يختار له شعبًا آخر. فتضرّع سيدنا موسى إلى الربّ وذكّره بالأسباب التي تدعوه إلى عدم التراجع عن مشروعه. الأول: أن أخرجتهم وأظهرت قدرتك العظيمة. الثاني: ماذا سوف يقول المصريون إنّ تراجع الله؟ أخرجهم ليفنيهم! إله خيّر! السبب الثالث: أين وعدُ الله لسيدنا إبراهيم وسيدنا إسحاق وسيدنا يعقوب بنسل كبير وأرض جميلة؟ "ارجع عن حمو غضبك، واندم على الشر بشعبك "( ). "فاجتاز الرب قدامه ، ونادي الرب:{الرب إله رحيم و رووف ،بطيء الغضب وكثير الإحسان والوفاء وحافظ الإحسان إلي ألوف . غافر الإثم والمعصية والخطيئة."( )
وستتكرّر عبادة العجل الذهبيّ خلال الدخول إلى كنعان، ولاسيّما مع الملك يربعام الذي فصل الشمال عن الجنوب وصنع لشعبه عجلين،" ووضع واحد في بيت أيل ، وجعل الآخر في دان" ( ). وستكون نهاية مملكته الدمار على يد الأشوريين سنة 721. وسيقول الكاتب إنّ سبب هذا العقاب هو عبادة الآلهة الأخرى والسلوك في الطرق الرديئة التي رسمها"وكان أن بني إسرائيل أخطا وإلى الرب ألههم الذي أصعدهم من أرض مصر من تحت يد فرعون ملك مصر واتقوا آلهة أخري ، وسلكوا حسب فرائض الأمم الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل و ملوك إسرائيل الذين أقاموهم" ( ). "وأشهد الربّ على إسرائيل وعلى إسرائيل وعلى يهوذا عن يد جميع الأنبياء وكل داء قائلا:{ارجعوا عن طرقكم الرديئة و أحفظوا وصاياي، فرائض،حسب كل الشريعة التى أوصيت بها آباءكم و التي أرسلتها إليكم عن يد عبيدي الأنبياء }فلم يسمعوا ابل صلبوا أقف يتهم كأفقية آبائهم الذين لم يومنوا بالرب إلههم ورفضوا فرائضه وعهد الذي قطعه مع آبائهم وشهاداته التي شهد بها عليهم ،وساروا وراء الباطل وصاروا باطلا وراء الأمم الذين حولهم،الذين أمرهم الرب إن لا يعملوا مثلهم... وفي النهاية كان المنفى. فيا ليت مملكة الجنوب تتعلّم .( )
وسقطت أورشليم هي أيضًا في يد البابليين (587 ق م) عقابًا لها على خطيئتها. ولكنَّ الربّ عاد فرحمها. في هذا المجال نقرأ صلاة عزرا الكاهن باسم شعبه: "وأبوا الاستماع، ولم يذكروا عجائبك التي صنعت معهم وصلبوا رقابهم. وعند تمردهم أقاموا رئيسا ليرجعوا إلي عبوديتهم وأنت اله غفور وحنان ورحيم طويل الروح وكثير الرحمة،فلم تتركهم"( )). ويتابع صلاته: صنعوا عجلاً... "أنت بمرحمتك الكثيرة لم تتركهم في البرّية" ( )
وذكر عزرا حقبة القضاة والملوك، حيث كانت مراحم الله هي التي تخلّص الشعب. ""ولكن لما استراحوا ارجعوا إلي عمل الشر قدامك فتركتهم بيد أعدائهم حسب مراحمك الكثيرة أحيانا كيثرة"( )). وفي النهاية، وبعد الذهاب إلى المنفى الذي اعتُبر العقاب الأخير بالنسبة إلى شعب الله، قال عزرا: "ولكن لأجل مراحمك الكثيرة لم تقتنهم ولم تتركهم لأنك اله حنان ورحيم" ( )
رحمة الله حاضرة دومًا، ولكنها تطلب جوابًا من الإنسان في التوبة والعودة عن الشرّ الذي يفعله الإنسان، جوابًا يكون في الإقرار بالخطايا. والخلاص الماديّ الذي يمنحه الله هو صورة عن خلاص آخر. كما أنَّ العقاب الماديّ هو صورة عن عقاب الله الذي هو الموت. ولكنَّ الله ليس إله الموت بل إله الحياة، لهذا أعاد خلق شعبه بعد أن كاد يموت. هذا هو معنى الصورة التي رسمها حزقيال: شعب الله هو مثل العظام اليابسة. "هكذا قال السيّد الربّ لهذه العظام:هأنذا أدخل فيكمم روحًا فتحيون واضع عليكم عصبًا وأكسيكم وأبسط عليكم جلدًا وأجعل فيكم روحًا، فتحيون وتعلمون أني أنا هو الربّ".( )
مسيرة الشعب هذه مع الله الذي يبقى الإله الأمين، الذي يغفر ويعود إلى شعبه، نقرأها بشكل خاصّ في المزامير. ففي ( )يبدأ المرنّم فيقابل بين أعمال الله العظيمة وممارسة الشريعة، ويدعو المؤمنين أن لا يتشبّهوا بآبائهم حين عاندوا الربّ. في القسم الأول، يشدّد على خبرة الإقامة في البريّة. "ثم عادوا أيضا ليخطئوا إليه لعصيان العليّ في الأرض الناشفة".( ) غضبَ الربّ، ولكنَّ غضبه كان يتحوّل عطاء وبركة: المياه والمن والسلوى. "أما هو فَرَؤُوفٌ يغفر الإثم ولا يهلك وكثيرا ما رد غضبه ولم يشعل كل سخطه ذكر أنهم بشر ريح تذهب ولا تعود "( ). لو أراد الربّ أن يقسو لفَني شعبه. ولكنَّه يعرف ضعفهم، ولا يترك مجالاً لكلّ غضبه وإن كان يعاقب ساعة العقاب.
وفي القسم الثاني من ( )نسمع مقاومة الشعب بعد أن أقام في أرض كنعان. لقد نسوا أيضًا أعمال الله العظيمة. نسوا أنّهم امتلكوا الأرض بفعل مجّانيّ من قبل الله. فوجب عليهم أن يردّوا جميله، أن يطيعوه ويخضعوا لوصاياه. فهل تتغلّب خيانتهم على أمانة الله؟ كلا.
ويعود المرنّم فيتذكّر من جهة، الله الأمين لميثاقه مع سيدناإبراهيم. نزل شعبه إلى مصر فكان معه. وصعد الشعب من مصر فصعد الله معه، وكلّ ما طلبه هو أن يكون أمينًا لشريعته ( ). كما يتذكّر من جهة ثانية خطايا الشعب كردّ على عطايا الربّ."وذكر لهم عهده وندم حسب كثيرة رحمته ،وأعطاهم نعمة قدام كل الذين سبوهم". لهذا ينتهي ( ) بما يلي: "مرات كثيرًا أنقذهم،أما هم فعصوه بمشورتهم وانحطوا بإثمهم ، فنظر إلي ضيقهم إذا سمع صراخهم ،وذكر لهم عهده وندم حسب كثيرة رحمته،وأعطاهم نعمة قدام كل الذين سبوهم"( ). هذا هو الله بالنسبة إلى شعب إسرائيل: إله الرحمة، إله الرأفة. فماذا يكون بالنسبة إلى الأمم الوثنية؟
2- الله والأمم الوثنيّة:
اعتبر الشعب العبراني أن الشعوب الوثنيّة تستحقّ عقاب الله، لا رحمته، لأنّها تعبد الأصنام. وأعظم مثال على هذا الوضع هو سفر الحكمة الذي أعاد قراءة سفر الخروج وأظهر أنّ كلّ خير هو للشعب العبراني لأنّه عبدَ الإله الواحد. أمّا المصريون فلا ينالون إلاّ عقاب الله. ""فانك قد جلدت بقوة ذراعك المنافقين الذين جمدوا معرفتك وأطلقت في أثرهم سيولاً وبرَدًا، وأمطارًا غريبة، ونادرًا آكلة"( ).
ولكنَّ الكتاب المقدَّس سوف يبدّل هذه النظرة، فيطلب من العبرانيّ أن يحترم العمونيّ والموآبيّ بعد أنّ اعتبرهما أولاد زنى. "لا تكره أدوميا لأنه أخوك .لا تكره مصريا لأنك كنت نزيلا في أرضه.الأولاد الذين يولدون لهم في الجيل الثالث يدخلون في جماعة الربّ"( ). قال الرب :"من أجل ذنوب موآب الثلاثة و الأربعة لا أرجع عنه ، لأنهم أحرقوا عظام ملك أدوم كلسا" ( )
وقال"حينما تولدان العبرانيات وتنظر إنهن على الكراسي،وان كان نبتا فتميا" ( ).: "لا تكره ادوميا لأنه أخوك.لا تكره مصريا لأنك كنت نزيلا في أرضه " ( ).
ولاشكّ أن المصريين اضطهدوا من قِبَل فرعون مصر ففي ضربات مصر العشر الشهيرة، كان الربّ يعود مرارًا عن الضربة، علّ الفرعون يعود عن خطأه ويعرف الربّ ، ومثال ذلك ضربة الضفادع ( )، طلب فرعون من سيدنا موسى وسيدنا هارون أن يتشفّعا إلى الله من أجله. وعدَ سيدنا موسى بذلك "ليعرف أنَّ الربّ الإله لا نظير له" (. ولكن ما إن جاء الفرج وتوقّفت الضربة حتى عاد فرعون "وقسَّى قلبه ولم يسمع لهما"( ) وأطال الله روحه مع فرعون حتى الضربة العاشرة، قبل أن يترك الشعب يذهب إلى البريّة لعبادة الله ( )
وهناك نصّ ثوريّ يبدّل الأمور كليًّا، لا بالنسبة إلى مصر فقط، بل بالنسبة إلى أشور أيضًا. والمرحلة التي مرّ فيها الشعب العبرانيّ سيمرُّ فيها الشعب المصريّ. قال أشعيا ( ): "في ذلك اليوم يرتعد المصريون ويرتجفون من يد الربّ المرفوعة عليهم"فأجاب جميع الشعب معا وقالوا "كل ما تكلم به الرب تفعل "فرد سيدنا موسي كلام الشعب إلي الرب "( ). فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ، وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ تُخْمِهَا. فَيَكُونُ عَلاَمَةً وَشَهَادَةً لِرَبِّ الْجُنُودِ فِي أَرْضِ مِصْرَ. لأَنَّهُمْ يَصْرُخُونَ إِلَى الرَّبِّ بِسَبَبِ الْمُضَايِقِينَ، فَيُرْسِلُ لَهُمْ مُخَلِّصًا وَمُحَامِيًا وَيُنْقِذُهُمْ.فَيُعْرَفُ الرَّبُّ فِي مِصْرَ، وَيَعْرِفُ الْمِصْرِيُّونَ الرَّبَّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، وَيُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةً وَتَقْدِمَةً، وَيَنْذُرُونَ لِلرَّبِّ نَذْرًا وَيُوفُونَ بِهِ. وَيَضْرِبُ الرَّبُّ مِصْرَ ضَارِبًا فَشَافِيًا، فَيَرْجِعُونَ إِلَى الرَّبِّ فَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ وَيَشْفِيهِمْ.فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَكُونُ سِكَّةٌ مِنْ مِصْرَ إِلَى أَشُّورَ، فَيَجِيءُ الأَشُّورِيُّونَ إِلَى مِصْرَ وَالْمِصْرِيُّونَ إِلَى أَشُّورَ، وَيَعْبُدُ الْمِصْرِيُّونَ مَعَ الأَشُّورِيِّينَ. فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ إِسْرَائِيلُ ثُلُثًا لِمِصْرَ وَلأَشُّورَ، بَرَكَةً فِي الأَرْضِ، بِهَا يُبَارِكُ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلاً: «مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ، وَعَمَلُ يَدَيَّ أَشُّورُ، وَمِيرَاثِي إِسْرَائِيلُ».
( ). "الربّ يشفي المصريّيِن حين يرجعون إليه ويستجيب لهم". يكفي أن تظهر التوبة، لكي تسطع مفاعيل رحمة الله تجاه المصريّين، بل تجاه الأشوريّين الذين عُرفوا بشرورهم في الشرق. لهذا يقول أش "بها يبارك رب الجنود قائلا:"مبارك شعبي مصر،وعمل يدي أشور،و ميراثي إسرائيل") ( ). أشور صنعة يدي (الله كوّن أشور بيديه بمحبّة كما جبل الإنسان في بدء الخليقة). وبنو إسرائيل ميراثي". فَيَكُونُ عَلاَمَةً وَشَهَادَةً لِرَبِّ الْجُنُودِ فِي أَرْضِ مِصْرَ. لأَنَّهُمْ يَصْرُخُونَ إِلَى الرَّبِّ بِسَبَبِ الْمُضَايِقِينَ، فَيُرْسِلُ لَهُمْ مُخَلِّصًا وَمُحَامِيًا وَيُنْقِذُهُمْ. ".( ) كما أنّ الله هو أبو إسرائيل، فهو أيضًا أبو مصر وأشور وسائر الشعوب، وهو يدافع عن كلّ ضعيف تجاه الأقوياء الظالمين.
غير أنّ التعليم الأعمق نجده في سفر يونان تلك القصة التي تصف ساعة انغلاق العبرانيون على أنفسهم واعتبروا أنَّهم وحدهم الشعب المقدَّس. وحدهم الذين أرسل الله إليهم أنبياء. فكانت قصّة يونان ذاك النبيّ المتزمّت الذي أرسله الله إلى شعب وثنيّ وشرّير، فرفض وتوجَّه في الجهة المعاكسة. ذهب إلى أقصى الغرب، إلى ترشيش. ولكنَّ الربّ أعاده وأرسله إلى الشرق. هو ما أراد أن يذهب، لأنّه علم أنَّ الله يغفر. فلماذا يُتعب نفسه؟ هذا ما قاله للربّ بعد أن صفح عن نينوى، المدينة الخاطئة. " فَقُلْتُ: قَدْ طُرِدْتُ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيْكَ. وَلكِنَّنِي أَعُودُ أَنْظُرُ إِلَى هَيْكَلِ قُدْسِكَ."( ).
تأكّد يونان أنَّ الله كثير الرحمة ولكنّه تردّد: ربّما سيعاقب هذه المدينة التي زرعت الأرض قتلاً ودمارًا! ولكنّ الله لم يتبدَّل: هو الإله "الحنون والرحوم والطويل البال". هدّد يونان بأن المدينة ستدمَّر، واعتبر أنّ عليه أن ينتظر فقط أربعين يومًا. ولكن مضت الأربعون يومًا، ولم يحدث شيء لنينوى، والسبب هو أنّ سكان المدينة تابوا إلى الربّ: نادوا بصوم، ولبسوا مسوحًا، وصرخوا إلى الله بشدّة. وترجّوا أن يرجع الله عن عقابه فرجع الربّ ولم يفعل، لم يدمِّر المدينة. فيا ليت أورشليم تعلّمت من نينوى وتابت. لو فعلت لما كان لحقها الدمار الذي لحقها سنة 587 ق م.
الله يرحم شعبه ويرحم الأمم الوثنيّة. خلقَ الأكوان والشعوب، وهو يهتمّ بالجميع ويهمّه أمر الجميع. ولكن أتراه لا يهتمّ بالأفراد أيضًا؟ بلى. إذا كان قد جبل الإنسان، كلّ إنسان بيديه، فهو يريد حياة كلّ إنسان. وإذا كان يونان تأسّف على موت يقطينة لم يتعب فيها ولا ربّاها، أترى الله لا يهتمّ بسكان نينوى الكثيرين، أتراه لا يهتمّ حتى بالبهائم؟ بل هو يهتمّ بكلِّ إنسان ويعامله برحمته وحنانه.
3- رحمة الله تجاه الأفراد:
في فصل مهمّ من سفر حزقيال، يشدّد النبيّ على أنّ كلّ واحد مسئول عن أعماله. البارّ يستحقّ الحياة، والخاطئ يستحقّ الموت. هنا نشير أنّنا على مستوى الموت الجسديّ، لا على مستوى الهلاك الأبديّ المحفوظ للخاطئين. ولكن هذه القاعدة تشذّ إذا تاب الإنسان إلى ربِّه "رَأَى فَرَجَعَ عَنْ كُلِّ مَعَاصِيهِ الَّتِي عَمِلَهَا فَحَيَاةً يَحْيَا. لاَ يَمُوتُ." ( ). وينتهي الفصل بهذا الكلام المشجّع: "أنبذوا جميع معاصيكم واتَّخذوا قلبًا جديدًا وروحًا جديدًا. فلماذا تريدون الموت، يا شعب إسرائيل؟ " لأَنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ مَنْ يَمُوتُ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فَارْجِعُوا وَاحْيَوْا. "( )ويتابع ملاخي "مِنْ أَيَّامِ آبَائِكُمْ حِدْتُمْ عَنْ فَرَائِضِي وَلَمْ تَحْفَظُوهَا. ارْجِعُوا إِلَيَّ أَرْجعْ إِلَيْكُمْ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. فَقُلْتُمْ: بِمَاذَا نَرْجعُ؟ "( ): "إرجعوا إليَّ فأرجع إليكم".
في الماضي، كان الإنسان عضوًا في المجتمع ولا دور خاصًا به. إنّ جاء عقاب (مرضَ، مات، لم يكن له أولاد، افتقر) وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً: «مَا لَكُمْ أَنْتُمْ تَضْرِبُونَ هذَا الْمَثَلَ عَلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، قَائِلِينَ: الآبَاءُ أَكَلُوا الْحِصْرِمَ وَأَسْنَانُ الأَبْنَاءِ ضَرِسَتْ؟ ( ) (. ولكن مع إرميا وحزقيال تبدّل الوضع، وعرف الإنسان أنّه يستطيع أن يعود إلى الربّ إذا شاء، وهو يجد لدى الربّ أذنًا حنونةً وقلبًا رحيمًا.
هذا ما وجده سيدنا داود بعد خطيئته المضاعفة وهي قتل أوريا الحثّي، أحد ضبّاط جيشه، وأخذ امرأته بعد أن زنى بها.
جاءه النبي ناتان موبّخًا فقال الملك: "الرجل الذي صنع هذا يستوجب الموت". قال له ناتان: "أنت هو الرجل". فَقَالَ سيدنا دَاوُدُ لِنَاثَانَ:"قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَى الرَّبِّ». فَقَالَ نَاثَانُ لسيدنا دَاوُدَ: «الرَّبُّ أَيْضًا قَدْ نَقَلَ عَنْكَ خَطِيَّتَكَ. لاَ تَمُوتُ."( ). وجاء في خطّ هذا الموقف مزمور شهير يُنسب إلى سيدنا داود: " اِرْحَمْنِي يَا اَللهُ حَسَبَ رَحْمَتِكَ. حَسَبَ كَثْرَةِ رَأْفَتِكَ امْحُ مَعَاصِيَّ. اغْسِلْنِي كَثِيرًا مِنْ إِثْمِي، وَمِنْ خَطِيَّتِي طَهِّرْنِي."( ). التجأ سيدنا داود إلى الربّ، فوجد ذاك الذي يخلق فيه قلبًا طاهرًا، ويكوّن فيه روحًا جديدًا. ذاك الذي يحمل إليه الخلاص فيردّ له السرور ( ) .
فرحمة الربّ تصل إلى الجماعات، وتصل أيضًا إلى الأفراد، لأنَّ كلّ إنسان كريم في عينَي الرب وهو يهتمّ به اهتمامه بحدقة عينه. وهذا الإيمان برحمة الله يجعل المؤمن يرفع صلاته حين يحسّ بثقل خطيئته. هذا ما نجده بشكل خاصّ في المزامير. " فِي الضِّيقِ رَحَّبْتَ لِي. تَرَاءَفْ عَلَيَّ وَاسْمَعْ صَلاَتِي. " ( )"ارْحَمْنِي يَا رَبُّ لأَنِّي ضَعِيفٌ. اشْفِنِي يَا رَبُّ لأَنَّ عِظَامِي قَدْ رَجَفَتْ، "( ). المرض هو علامة الخطيئة (يا ليت قومي يسمعون) فالربّ يرحم ويغفر، يشفي من الخطايا ومن أوجاع الجسد. " اِرْحَمْنِي يَا رَبُّ. انْظُرْ مَذَلَّتِي مِنْ مُبْغِضِيَّ، يَا رَافِعِي مِنْ أَبْوَابِ الْمَوْتِ، "( ). إن مات الإنسان (ولاسيّما الشاب، فهذا يعني أنَّ الله يعاقبه على خطاياه. ولكنّه يطلب الحياة لأنّه متأكّد من رحمة الله وحنانه. و يهتف المرتّل:"لأَنَّ رَحْمَتَكَ أَمَامَ عَيْنِي. وَقَدْ سَلَكْتُ بِحَقِّكَ. لَمْ أَجْلِسْ مَعَ أُنَاسِ السُّوءِ، وَمَعَ الْمَاكِرِينَ لاَ أَدْخُلُ. أَبْغَضْتُ جَمَاعَةَ الأَثَمَةِ، وَمَعَ الأَشْرَارِ لاَ أَجْلِسُ. أَغْسِلُ يَدَيَّ فِي النَّقَاوَةِ، فَأَطُوفُ بِمَذْبَحِكَ يَا رَبُّ،لأُسَمِّعَ بِصَوْتِ الْحَمْدِ، وَأُحَدِّثَ بِجَمِيعِ عَجَائِبِكَ. يَا رَبُّ، أَحْبَبْتُ مَحَلَّ بَيْتِكَ وَمَوْضِعَ مَسْكَنِ مَجْدِكَ.لاَ تَجْمَعْ مَعَ الْخُطَاةِ نَفْسِي، وَلاَ مَعَ رِجَالِ الدِّمَاءِ حَيَاتِي. الَّذِينَ فِي أَيْدِيهِمْ رَذِيلَةٌ، وَيَمِينُهُمْ مَلآنَةٌ رِشْوَةً أَمَّا أَنَا فَبِكَمَالِي أَسْلُكُ. افْدِنِي وَارْحَمْنِي."( )
نستطيع أن نطيل هذه اللائحة من الصلوات التي تتوجّه إلى إله الرحمة. ولكنّنا نتوقّف عند هذا القدر ونتذكّر بعض الحالات. أوّلها أخاب ملك السامرة وعمل الشرّ في عيني الربّ، ولاسيّما على مستوى عبادة البعل، على مستوى العدالة (قتل نابوت وأخذ كرمه). هو لا يستحقّ أن يسمع كلام الله. هكذا يفكّر البشر. ولكنّ أفكار الله غير أفكار البشر. إنّه ينتظر عودة الخاطئ إليه. لهذا أرسل إليه إيليا يوبّخه وسيقول لنبيّه: «هَلْ رَأَيْتَ كَيْفَ اتَّضَعَ أَخْآبُ أَمَامِي؟ فَمِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدِ اتَّضَعَ أَمَامِي لاَ أَجْلِبُ الشَّرَّ فِي أَيَّامِهِ، بَلْ فِي أَيَّامِ ابْنِهِ أَجْلِبُ الشَّرَّ عَلَى بَيْتِهِ». ( ). الشّر هو عقاب الخطيئة، وها هو الربّ يتراجع. ما الذي دفعه إلى ذلك؟ قلبه الحنون.
هذا في العالم اليهودي. وفي العالم الوثني، نجد رحمة الله تصل إلى أرملة مسكينة في صيدا. هي خاطئة ولا تستحقّ بركة الله في ساعات الجوع العصيبة. ولهذا اعتبرت أنَّ ابنها الصغير مات. فَقَالَتْ لإِيلِيَّا: «مَا لِي وَلَكَ يَا رَجُلَ اللهِ! هَلْ جِئْتَ إِلَيَّ لِتَذْكِيرِ إِثْمِي وَإِمَاتَةِ ابْنِي؟». ( ). ولكنَّ الربّ لا يربط عطاياه بسلوكنا. فهو الذي يعطي دائمًا لمن يعرف أن يفتح كفَّه. فهو الذي يغفر دائمًا لمن يستعدّ لأن يفتح قلبه. وهكذا بارك هذه الأرملة ومنحها طعامًا حتى أوان المطر. كما أقام لها ابنًا بواسطة نبيّه إيليا. ووصلت رحمة الله إلى نعمان السرياني ( ). هو قائد جيش ملك أرام، وهو وثنيّ. ومع ذلك نال رحمة الله. مرض بالبرص، وكان البُرص كثيرين في تلك الأيام. فتحنّن عليه الربّ بعد أن أرسله أليشاع النبيّ يغتسل في الأردن. البَرص مرض ونجاسة ودلالة على الخطيئة. فَنَزَلَ وَغَطَسَ فِي الأُرْدُنِّ سَبْعَ مَرَّاتٍ، حَسَبَ قَوْلِ رَجُلِ اللهِ، فَرَجَعَ لَحْمُهُ كَلَحْمِ صَبِيٍّ صَغِيرٍ وَطَهُرَ.( ). فكأنّه خُلق من جديد. أجل، لا حدود لرحمة الله. يكفي أن نلجأ إليه. وهذا ما فعل نعمان حين ذهب إلى السامرة يطلب نبيّ الله أليشاع. وهذا ما فعله عزرا الكاهن باسم شعبه. وهذا ما كان يفعله صاحب المزامير حين كان ينشد باسم المؤمنين رحمة الله من الآن وإلى الأبد.
خاتمة:
هذا هو وجه إله الرحمة كما تعرّفنا إليه في الكتاب المقدَّس، في العهد القديم. فرافقنا سيدنا موسى وأسفاره الخمسة، وكلام الأنبياء، وصلوات المزامير. توقّفنا عند رحمة الله. فهو أب يحبّ بقلبه، وأم ترتبط من خلال الرحم بأولادها. وهو الذي يحنّ ويحنو على خلائقه فيغفر للخاطئين. وهو الرءوف والمحبّ والإله الأمين الذي يثبت على مواعيده. هو يهتمّ بالصغار في شعبه، يهتمّ بالفقير والغريب واليتيم والأرملة. ويهتمّ بالخاطئين وينتظر عودتهم، فيكتفي بعلامة بسيطة من التوبة ليغفر لهم. هو إله البركة الذي لا ندامة في عطاياه. يده مبسوطة للعطاء، وذراعه ممدودة للمساعدة. هذا الإله الذي اكتشفنا تدخّلاته لدى شعبه وكلّ مؤمن من مؤمنيه، الذي اكتشفنا أعماله العظيمة في الكون وفي التاريخ .
4 - [ فتنة الدماء النقية ]
لا شك في أن الشيطان صد الناس عن عبادة وأفسد علاقته بربه ، وبرنامج الشيطان الذي صد به عن العبادة. هو نفس البرنامج الذي شوه به رموز هذه العبادة فالله تعالى اصطفى من خلقه سيدنا آدم و سيدنا نوح وآل سيدنا إبراهيم وآل سيدنا عمران وآل سيدنا محمد. كما أخبر القرآن والسنة ، حيث اصطفى الله الأنبياء والرسل واختار سبحانه من عباده من يقوم بيان شريعته للناس. فهؤلاء أصحاب الدماء النقية، بمعنى أن الشيطان ليس له فيهم نصيب، والشيطان صد عن هذا السبيل بإلقاءاته. ومن معالم هذه الإلقاءات ظهور ثقافة تبناها الجبابرة والطواغيت على امتداد المسيرة البشرية. والعمود الفقري لهذه الثقافة أن في عروق هؤلاء وأسرهم تجري دماء الآلهة، ووفقاً لهذا الاعتقاد الذي فرضوه على شعوبهم. حكموا بالحديد وبالنار، وظل الحكم في هذه الأسر قروناً طويلة نتيجة لهذا الاعتقاد، وما أن تسقط أسرة حتى تقوم مكانها أسرة جديدة. تنطلق من هذا المستنقع الذي ابتليت به المسيرة البشرية ، وعلى هذا الاعتقاد كان الفراعنة وملوك آشور وملوك بابل والإغريق والبطالمة، وجميع هؤلاء احتكت بهم المسيرة الإسرائيلية وتأثرت ببرامجهم المادية والحسية، ولقد رشحت ثقافة تزكية الفرد والأسرة والقبيلة التي تحتويها هذه البرامج على المسيرة البشرية فيما بعد، ورد عليها القرآن الكريم. قال تعالى: (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا تظلمون فتيلا)أنظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا)( ) وقال جل شأنه (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ( ).
وفي آشور وبابل لم يضع بنو إسرائيل أعمدة الأسرة المختارة وإنما وضعوا أعمدة الشعب المختار الذي يدخر له الغيب أميرا مختارا يمتلكون به الأرض، وكانت الأرضية التي وضعوا عليها هذه الأعمدة قولهم: سيغفر لنا، ولكي يتفق هذا المدخل مع ما ارتكبوه من جرائم، نسبوا إلى الأنبياء ما لا يتفق مع عصمتهم ومكانتهم، بمعنى أن الخطأ إذا وقع فيه الأنبياء. فإن من دونهم يلتمس له الأعذار، وبعد أن أدخلوا أنفسهم في دائرة المغفرة، أدخلوا أنفسهم في دوائر التبشير التي أخبر بها الأنبياء عن ربهم، بمعنى إذا كان في بطن الغيب أمه اختارها الله لقيادة البشرية ادعوا أن الأمة أمتهم، وأن الأوصاف التي بينها الأنبياء تنطبق عليهم في بطن الغيب لكونهم شعب الله المختار الذين ينفردون عن الناس ولهم أفضليتهم على جميع المخلوقات في نظر الخالق، وبهذا وبغيره جعلوا الكتاب المقدس ينطق. بعد أن حرفوا النصوص وتأولوها. وبعد أن وضعوها في غير مواضعها.
وقولهم سيغفر لنا. أشار إليه قوله تعالى: (وقطعناهم في الأرض أمماً منهم الصالحون ومنهم دون ذلك. وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون. فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق..) ( ) .
قال ابن كثير: يذكر تعالى أنه فرقهم في الأرض طوائف وفرقا، فيهم الصالح وغير ذلك، واختبرهم بالرخاء والشدة والرغبة والرهبة والعافية والبلاء لعلهم يرجعون، فخلف من بعدهم خلف لا خير فيهم وقد ورثوا دراسة التوراة، لا يشرف لهم شيء من الدنيا إلا أخذوه حلالا كان أو حراما ويقولون سيغفر لنا ( ).
وقال في كتاب تفسير الميزان: قولهم " سيغفر لنا " ( )قول جزافي لهم قالوه، ولا معول لهم فيه إلا الاغترار بشعبهم الذي سموه شعب الله. كما سموا أنفسهم أبناء الله وأحباءه، ولم يقولوا ذلك لوعد النفس بالتوبة، ولا أنهم قالوا ذلك رجاء للمغفرة الإلهية، فليس ما تظاهروا به رجاءً صادقا بل أمنية نفسانية كاذبة، وتسويل شيطاني موبق، "فمن كان يرجو لقاء ربه، فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا "( ).
ومن باب قولهم سيغفر لنا فتحوا أبوابا قالوا عنها يوما: نحن أولياء الله من دون الناس، ويوما: نحن أبناء الله وأحبائه، ووضعوا هذه الأقوال داخل عقيدة تقول خطوطها العريضة: ليس علينا في الأمِيِّين سبيل، ومن هذا النسيج قاموا ببناء نظرية تفوقهم على البشر وانفراديتهم عن الناس وأفضليتهم على جميع المخلوقات في نظر الخالق، وانطلقوا وراء الأحبار يرددون القول بأنهم أمة فريدة تقف من الأمم موقف المختار الذي يتمتع بحقوق ليس لغيره، ولأنهم أمة فريدة فإن أمتهم عندما تموت تبعث من جديد، لأنها كالروح الحية للأشجار، وكالأم السماوية معطية اللبن لجميع المواليد ليؤمنوا بالعهد الألفي السعيد.
ومن الترديد وراء الأحبار انطلقوا إلى دائرة العمل، وخطوطها العريضة تقول: إن داوود اختاره الإله وعينه ملكا، ومملكة سيدنا داوود هي عنوان ودعاء عهد الإله لسيدنا إبراهيم، وأورشاليم اختارها الله عاصمة لهذا الملك، وعلى الجميع أن يخضعوا لهذه المملكة ولعاصمتها، لأن التعبد لله لا ينفصل عن الدولة وعاصمتها، وإذا كانت الدولة قد اندثرت على أيدي الغزاة، فإنها عندما اندثرت من على الأرض ولدت من جديد داخل صدور بني إسرائيل، وعليهم أن يعملوا لبسط نفوذ الدولة وفقا لنظرية تفوقهم على البشر وانفراديتهم عن الناس، حتى يأتي ابن سيدنا داوود أمير السلام آخر الزمان. فهو وحده المسيح الذي سيعيد المجد لإسرائيل على أرض الواقع، وعلى الجميع أن يخضع من اليوم لمملكته الأزلية ولعاصمتها أورشاليم.
وهكذا جعلوا الكرامة الإلهية سهلة التناول، وزعموا أن هذه الكرامة وضعت على عاتق العنصر العبري. أكرمهم الله بها إكراما مطلقا من غير شرط ولا قيد، ولما كانت هذه الكرامة والسؤدد أمر جنسي خص بني إسرائيل، جعلوا الانتساب الإسرائيلي مادة الشرف وعنصر السؤدد. والمنتسب إلى إسرائيل له التقدم المطلق على غيره، لأن هذه الروح الباغية إذا دبت في قالب قوم. بعثتهم إلى إفساد الأرض وإماتة روح الإنسانية وآثارها الحاكمة في الجامعة البشرية، بينت الرسالة الخاتمة على نبيها الصلاة والسلام. أن الكرامة الإلهية ليست بذاك المبتذل السهل التناول. يحسبها كل محتال أو مختال كرامة جنسية أو قومية. بل يشترط في نيلها الوفاء بعهد الله وميثاقه والتقوى في الدين، فإذا تمت الشرائط حصلت الكرامة. وهي المحبة والولاية الإلهية التي لا تعدوا عباده المتقين، وأثرها النصرة الإلهية والحياة السعيدة التي تعمر الدنيا وتصلح بال أهلها وترفع درجات الآخرة، وبالجملة: إن الله تعالى لا يصطفي أحدا بالاستخلاف اصطفاءً جزافاً. ولا يكرم أحداً إكراماً مطلقاً من غير شرط ولا قيد، والاستخلاف تحت سقف الامتحان والابتلاء يخضع لسنة الله الحاكمة. ومنها النقل والإقالة، ولا يخص الله بحسن العاقبة إلا من يتقيه من عباده أينما وجدوا. ولقد رد القرآن الكريم على بني إسرائيل ومن حذا حذوهم من النصارى قولهم بأفضليتهم على البشر، فقال تعالى: (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه. قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) ( ). ورد على بني إسرائيل قولهم بأنهم مغفور لهم. وأن مسيرتهم نحو أهدافهم مسيرة يتعبدون فيها لله، فقال جل شأنه (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين. ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين. ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة. وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون) ( ).
الخلاصة:
لقد أخذت المسيرة الإسرائيلية بسنن الأولين، فأخذوا من عقائد البقر وعقائد الدماء النقية الأعمدة التي أقاموا عليها ديمومة الكرامة والحكم، والكتاب المقدس ينفي في أكثر من موضع مقولتهم بالدماء النقية. ويسجل أنهم سكنوا بين الأمم الوثنية واتخذوا بناتهم لأنفسهم نساء وأعطوا بناتهم لبنيهم. وعبدوا آلهتهم( ) وقال نحميا في سفره " رأيت اليهود الذين ساكنوا نساء أشدوديات وعمونيات وموآبيات، ونصف كلام بينهم باللسان الأشدودي، ولم يكونوا يحسنون التكلم باللسان اليهودي، بل بلسان شعب وشعب " ( ) فكيف يكون نقاء الدم تحت سقف هذه الأصول وغيرها:؟.
5 - [ فتنة التأويل والتحريف ]
لا شك في أن تحريف الأصول السماوية عمود أساسي يقوم عليه فساد الدين الفطري، وهذا الفساد يهدد الإنسانية بالانهدام، لأن الفرد الذي يفسد دينه الفطري لا تتعادل قواه الحسية الداخلية. فيتبع القوى الخارجية التي تنسجم مع هواه وبإتباعه لها يقوى جانبها في الصد عن سبيل الله، وتحريف المسيرة الإسرائيلية للكتاب ونسيانهم حظا من الدين وكذبهم على الله بواسطة القصص التي قصوها على الشعب، كل ذلك لا شك فيه واعترف به العهد القديم وعلماء الكتاب المقدس وأخبر به القرآن الكريم.
والتحريف كان هدفاً. وهدفه ما استقر عليه القوم فيما يتعلق بشعب الله المختار، ففي اتجاه ذلك أولوا ما ورد في النبي الخاتم صلي الله علية وسلم من بشارات. ومن قبل أولوا ما ورد في المسيح ابن مريم عليه السلام. وقالوا: إن سيدنا المسيح الموعود لم يجئ بعد وهم ينتظرون قدومه إلى اليوم، ليحكموا به الشعوب ويعود به ملك سيدنا داوود عنوان ووعاء عهد الله لسيدنا إبراهيم، ونظرا لأن الجرائم والآثام تحيط بالمسيرة الإسرائيلية. فإن التحريف رفع عن المسيرة هذا الحرج فنسبوا إلى الأنبياء ما لا يجوز في حقهم، فالأنبياء عندهم أول من سن عبادة العجول وأول من سن إقامة التماثيل وعبادة آلهة الأمم! وعلى هذه القاعدة فبما أنه لا يمكن أن تخرج نبيا من الأنبياء من تحت سقف الأنبياء. لارتكابه معصية بهذا الحجم. فكذلك لا يمكن أن تخرج الشعب من تحت سقف شعب الله المختار. لإتباعه ما سنه الأنبياء ولارتكابه الجرائم والمعاصي، وبالجملة: كان التحريف من أجل رفع حرج وقعت فيه المسيرة على امتداد تاريخها الطويل .
وشهادة العهد القديم في نسيان بني إسرائيل حظا مما ذكروا به، جاء على لسان أرميا. قال: " أما وحي الرب فلا تذكروه بعد. لأن كلمة كل إنسان وحيه إذ قد حرفتم كلام الإله الحي "( ). وقال في تحريفهم وكذبهم على الله: " كيف تقولون نحن حكماء وشريعة الرب معنا حقا إنه إلى الكذب حولها قلم الكتبة الكاذبين " ( ). وقال في ثقافة القص التي كذبوا على الله ليكون للشذوذ قاعدة: " الذين يأخذون لسانهم ويقولون قال - ها أنذا على الذين يتنبأون بأحلام كاذبة، يقول الرب: الذين يقصونها ويضلون شعبي بأكاذيبهم ومفاخراتهم. وأنا لم أرسلهم ولا أمرتهم. فلم يفيدوا هذا الشعب فائدة "( ).
أما شهادة علماء الكتاب المقدس. ومنهم المفسر (هارسلي) يقول: لا شك في تحريف الكتاب المقدس. في متنه وأصله. يدلنا على ذلك اختلاف النسخ حيث الاختلاف آية الاختلاق. فقد أدخلت كلمات وقحة في المتون المطبوعة مما لا يناسب ساحة الوحي ( ). ويقول الدكتور (همفري): إن تدخل الأوهام في العهد العتيق يتضح للقارئ بأدنى تأمل أنهم قضوا على البشارات المسيحية في العهد القديم). ويقول (كريزاستم): لقد انمحق الكثير من كتب الأنبياء( ) ، حيث حرفتها اليهود على غفلة وعلى عمد. فمزقوا البعض منها وحرفوا ما تبقى ( ).
أما شهادة القرآن الكريم بأن أهل الكتاب حرفوا أو نسوا حظا مما ذُكِّروا به. فلقد جاءت في أكثر من آية. منها قوله تعالى: (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه) ( ). ففي هذه الآية وصف تعالى هذه الطائفة بتحريف الكلم عن موضعه وذلك إما بتغيير مواضع الألفاظ بالتقديم والتأخير والإسقاط والزيادة. وإما بتفسير ما ورد عن موسى عليه السلام وعن سائر الأنبياء بغير ما قصد منه من المعنى الحق، وقوله تعالى: (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذُكِّروا به) ( ) وجاء في كتاب تفسير الميزان: إن أهل الكتاب إنما ابتلوا بما ابتلوا له لنسيانهم ميثاق الله سبحانه، ولم يكن إلا ميثاقا بالإسلام لله، وكان لازم ذلك أن يتقوا مخالفة ربهم ويتركون متابعة غير الله ورسله، لكنهم نبذوا الميثاق وراء ظهورهم فأبعدوا من رحمة الله، وحَرَّفوا الكلم عن موضعه وفسروها بغير ما أريد بها، فأوجب ذلك أن نسوا حظا من الدين ولم يكن إلا حظا وسهما يرتحل بارتحاله عنهم كل خير وسعادة، وأفسد ذلك ما بقي بأيديهم من الدين، فإن الدين مجموع من معارف وأحكام مرتبط بعضها ببعض يفسد بعضه بفساد بعض آخر، سيما الأركان والأصول ( ) ، وإفسادهم للدين الفطري يتضح للقارئ بمجرد أن يتأمل عقيدتهم في الله ورسله عليهم السلام، فالتحريف جعل التوراة تشتمل على أمور في التوحيد لا يصح إسنادها إلى الله تعالى. كالتجسيم والحلول في المكان ونحو ذلك، ونسب ما لا يجوز العقل نسبته إلى الأنبياء الكرام من أنواع الكفر والفجور والزلات، وهذا المنهج إذا اختلط بعقيدة سماوية أفسد ما بقي منها، ويقول د. جوستاف لوبون عن عقيدة اليهود: في وادي الفرات وفي مصر نشأت ديانة بني إسرائيل. أو على الأصح مختلف العبادات التي مارسها بنو إسرائيل، وذلك بين إقامتهم بفلسطين وعودتهم من السبي، حتى أن أسماء آلهتهم تدل على أصلها، وليست الآلهة الكبرى الشهوانية عشتروت التي كان العبريون يعبدونها. إلا زهراء فينوس بابل عشتار.. وحتى في دور السبي كان شعب إسرائيل قد بلغ من الغرق في الإشراك. ما كان يتعذر معه عزيمة ملك أو خطب نبي تخليصه منه.. ودام دين اليهود القائل بتعدد الآلهة بعباداته الكثيرة وطقوسه المتنوعة وأساطيره المتكاتفة ( ). وقال د.جوستاف لوبون عن عقيدة اليهود بعد دور السبي: لم يعبد بنو إسرائيل إلها يمكن أن يكون رب الأمم الأخرى، ثم يصل د. لوبون إلى نتيجة مفادها: لم تكن الديانة اليهودية في كل زمن. مطابقة لما نسميه اليوم باليهودية. ولا شبه بين إله اليهود الراهن وإله سيناء يهوه. فبنو إسرائيل كانوا يعبدون ألوهيمات في أثناء حياتهم البدوية التي قضتها أجيالهم الأولى. ولذلك لا ينبغي أن يطلب من هذا الشعب البسيط تعريف وثيق لموضوع عبادته ( ).
أما ما نسبوه إلى الأنبياء الكرام من أنواع الكفر والفجور، فكان الهدف منه تبرير أخطاء المسيرة، بمعنى أنهم إذا أجازوا على الأنبياء الوقوع في الزلات، تلتمس الأعذار لمن دونهم إذا وقعوا فيها أو في أشد منها، وإذا كان التحريف قد قطع شوطا كبيرا في نسبة الزلات إلى الأنبياء، إلا أن القارئ للعهد القديم يقع في حيرة عندما يجد نصوص أخرى تمتدحهم، وتزول الحيرة إذا علمنا أن القوم اعتمدوا في حركتهم على أشد الأمور فتكاً وإثارة للفتنة، وهو تلبيس الحق بالباطل، ليكون عندهم لكل سؤال جواب.
فهارون عليه السلام أشارت التوراة إلى تطهيره من المعاصي واختيار الله له ليكون مفسرا للشريعة، وغير ذلك من الأمور التي تبين وقع أقدامه على الطريق المستقيم ( )، وفي مقابل هذا ذكرت التوراة أن سيدنا هارون هو الذي أقام العجل لبني إسرائيل وبنى مذبحه، يقول العهد القديم " فقال لهم سيدنا هارون: انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتوني بها، فنزع كل الشعب أقراط الذهب التي في آذانهم وأتوا بها سيدنا هارون، فأخذ ذلك من أيديهم. وصوره بالأزميل ، وصنعه عجلا مسبوكا. فقالوا هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر، فلما نظر سيدنا هارون بنى مذبحا أمامه " ( )! لم يشيروا إلى السامري الذي أضلهم وجاء ذكره في القرآن الكريم. لأن موقع السامري لا يرفع عن المسيرة حرج.
وفي موضع آخر من العهد القديم. افتروا على سيدنا موسى و سيدنا هارون عليهما السلام بفرية العصيان، ومن هذا: " فقال الرب لسيدنا موسى و سيدنا هارون من أجل أنكما لم تؤمنا بي حتى تقدساني أمام أعين بني إسرائيل. لذلك لا تدخلان هذه الجماعة إلى الأرض التي إعطيتهم إياها " ( ). وفي موضع آخر نرى نصا يقول بأن الله كان يأمر و سيدنا موسى يطيع، وكان الله معه في كل خطواته، لقد قالوا ليوشع بن نون عندما قاتلوا معه " كل ما أمرتنا به نعمله وحيثما ترسلنا نذهب. حسب ما سمعنا لموسى نسمع لك. "إنما الرب إلهك يكون معك كما كان مع سيدنا موسى "( ).
وتناول العهد القديم سيرة سيدنا سليمان عليه السلام، وبينما نجد نصوصا تمتدحه، نجد نصوصا أخرى تنسب إليه الزلات، فالنصوص التي امتدحته بينت كيف كان يحذرهم من مخالفة أوامر الله، وعندما قدم العهد القديم أمثال سيدنا سليمان صدرها بقوله: أمثال سيدنا سليمان بن داوود ملك إسرائيل. لمعرفة حكمة وأدب، لإدراك أقوال الفهم، لقبول تأديب المعرفة والعدل والحق والاستقامة، لتعطي الجهال ذكاء والشاب معرفة وتدبرا. يسمعها الحكيم فيزداد علما والفهيم يكتسب تدبيراً لفهم المثل واللغز أقوال الحكماء وغوامضهم مخافة الرب رأس المعرفة "( ) وتقابل هذه النصوص نصوص أخرى منها قولهم: " وأحب سيدنا سليمان نساء غريبة كثيرة مع بنت فرعون. موآبيات وعمونياث وأدوميات وصيدونيات وحيثيات. من الأمم الذين قال عنهم الرب لبني إسرائيل لا تدخلوا إليهم وهم لا يدخلون إليكم. لأنهم يميلون قلوبكم وراء آلهة أخرى. فالتصق سيدنا سليمان بهؤلاء بالمحبة "( ). وقال العهد القديم " إن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى "( ) وقال " فذهب سيدنا سليمان وراء عشتروت آلهة الصيدونيين " ( )وقال " بني سليمان مرتفعة لكموش رجس الموآبيين " ( ) وقال " وهكذا فعل لجميع نسائه الغريبات اللواتي كن يوقدن ويذبحن لآلهتهن " ( ). فمن هذه النصوص أخذوا تبريرا لاتجاه مسيرتهم نحو الآلهة المتعددة، ومن نص آخر أخذوا تبريرا للأسباب التي أدت إلى تمزيق مملكة سيدنا سليمان إلى مملكتين، يقول " فقال الرب لسيدنا سليمان من أجل أن ذلك عندك، ولم تحفظ عهدي وفرائضي التي أوصيتك بها. فإني أمزق المملكة عندك تمزيقا " ( ). وبوقود التحريف ظهرت التربية غير الرشيدة. التي أثرت على سلوك المسيرة وشعورها وأفرغت عليها طابعا خاصا فيما بعد.
6 - [ السقوط في الفتنة ]
حذر الأنبياء والرسل على امتداد المسيرة البشرية من إلقاءات الشيطان. وبينوا أن ما يلقيه الشيطان ما هو إلا فتنة تصيب الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم. ليكونوا علامة سوء على امتداد الطريق كي يحذر الناس برامجهم وأطروحاتهم، والقرآن الكريم بَشَّرَ الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ولم يتوبوا بعذاب جهنم، وفي عالم الفتن انطلقت المسيرة الإسرائيلية بعد عهد السبي تبشر بالمسيح المنتظر الذي يعيد مجد المملكة الداوودية، وتولى التلمود عملية التبشير، ولليهود تلمودان، الأول: التلمود الاورشاليمي. وقد وضعه أحبار اليهود في أورشاليم، والثاني: التلمود البابلي وقد وضعه أحبار اليهود في بابل، ويزعم كثير من اليهود أن سيدنا موسى تسلم القانون المكتوب على ألواح الحجر، كما تسلم من الله تفسيرات وشروحا لهذا القانون. وهو ما يدعى بالقانون الشفهي( )، وذكرت مصادر أخرى أن فرقة الفريسيين اليهودية التي ظهرت قبل ميلاد المسيح ابن مريم عليه السلام بمائتي عام، هم الذين ابتدعوا القانون الشفهي. وهم الذين وضعوا التلمود ( ).
ونظرا لما أنتجه التحريف من تناقض وما أنتجه التلمود من اختلافات. ارتقى الأحبار منزلة كبيرة بين الشعب، وكانت مهمتهم النزول على الشعب بتفسيراتهم للتلمود، وهي تفسيرات لا ينبغي أن يناقشها غيرهم، ومن أجل هذه المهمة رفعهم التفسير التلمودي إلى مكانة عالية، قال " إن تعاليم الحاخامات لا يمكن نقضها ولا تغييرها " ( )، وقال " من احتقر أقوال الحاخامات استحق الموت. وليس كذلك من احتقر أقوال التوراة. ولا خلاص لمن ترك تعاليم التلمود واشتغل بالتوراة فقط " ( ) ، وقال الحاخام روسكي: التفت يا بني إلى أقوال الحاخامات أكثر من التفاتك إلى شريعة سيدنا موسى ( ) وجاء في كتاب كرافت المطبوع سنة 1590: اعلم أن أقوال الحاخامات أفضل من أقوال الأنبياء ( ) ، وقال الحاخام في أقوال الحاخامات المناقض بعضها بعضا " إنها كلام الله مهما وجد فيها من تناقض، فمن لم يؤمن بها أو قال إنها ليست أقوال الله. فقد أخطأ في حق الله " ( ) .
ومن أقوال الحاخامات في شعب الله المختار: " تتميز أرواح اليهود عن باقي الأرواح بأنها جزء من الله كما أن الابن جزء من والده ( )، ولهذا اختار الله الجنس العبري ليكون منه شعب الله المختار، وأعطى الله ميثاقه لهذا العنصر، وهو ليس عقدا بل عهدا لأنه جاء من جانب واحد، وهو عهد أزلي لا ينقض، وأنه تنفيذا لهذا الميثاق أخرج الله العنصر العبري من مصر وأنقذه من فرعون، وأهلك أهل فلسطين من أجله وأسكنهم أرضهم وملكها لهم، وإذا كان هذا الملك قد أفلت في عصر من العصور وآل للأمم، إلا أن هذا الملك لله أولا وأخيرا، ولقد قضى الله منذ الأزل أنه من نصيب شعبه، ومن ثم فلا خوف من ضياعه، وهذا العنصر العبري المختار سيظل لذلك يتطلع إلى أن يعيد الله هذا الملك لهذا الشعب كما قضى في كتابه، وسيكون تطلع هذا الشعب لإعادة هذا الملك بكل عقله وقلبه، وإنه لا يشك للحظة إنه سيستعيده.
وهو لا بد مسترجعه ( ).
واختلفوا في المسيح المنتظر الذي سيستعيد مملكة سيدنا داوود وعاء عهد الله لسيدنا إبراهيم، فزعم يهود السامرة أن المسيح عليه السلام سيكون من سبط سيدنا يوسف عليه السلام، وزعم يهود أورشاليم أنه سيكون من سبط يهوذا من نسل داوود ( ) واتفقوا في أحداث مجيء سيدنا المسيح. وقالوا " تطرح الأرض فطيرا وملابس من الصوف. وقمحا حبه بقدر كلاوي الثيران الكبيرة، وفي ذلك الزمان ترجع السلطة لليهود. وكل الأمم تخدم ذلك المسيح وتخضع له، وفي ذلك الوقت يكون لكل يهودي ألفان وثمانمائة عبد يخدمونه. وثلاثمائة وعشرة أكوان تحت سلطته، ولكن لا يأتي المسيح عليه السلام إلا بعد القضاء على حكم الأشرار. ولذلك يجب على كل يهودي أن يبذل جهده لمنع امتلاك باقي الأمم في الأرض، كي تظل السلطة لليهود وحدهم، لأنه من الضروري أن تكون لهم السلطة أينما حلوا، فإن لم يتيسر لهم ذلك اعتبروا منفيين وأسرى ، وإذا تسلط غير اليهود على وطن اليهود. حق لهؤلاء أن يندبوا عليه ويقولون: يا للعار ويا للخراب ويستمر ضرب الذل والمسكنة على بني إسرائيل حتى ينتهي حكم الأجانب، وقبل أن يحكم اليهود نهائيا باقي الأمم يجب أن تقوم الحرب على قدم وساق، ويهلك ثلثا العالم ويبقى اليهود سبع سنوات متواليات يحرقون الأسلحة التي كسبوها بعد النصر... ويعيش اليهود في حرب طاحنة مع باقي الشعوب في انتظار ذلك اليوم، وسيأتي المسيح الحقيقي عليه السلام ويحقق النصر المنتظر ويقبل المسيح إذ ذاك هدايا جميع الشعوب... وتكون الأمة اليهودية يومئذ في غاية الثراء.. وإن هذه الكنوز ستملأ بيوتا كثيرة لا يمكن حمل مفاتيحها وأقفالها إلا على ثلاثمائة حمار، وترى الناس كلهم حينئذ يدخلون في دين اليهود أفواجا.. ويتحقق أمل الأمة اليهودية بمجيء المسيح عليه السلام. وتكون هي الأمة المتسلطة على باقي الأمم عند مجيء سيدنا المسيح عليه السلام "( ).
وعلى امتداد المسيرة الإسرائيلية، اكتسب التلمود في نفوس الجماعات الإسرائيلية قداسة وأهمية تفوقان كل مقدس وكل تصور. يقول د. طعيمة: والتلمود من بين جملة المصادر الدينية الإسرائيلية قد أصبح التوراة المهمة في عواطف القوم ومعتقداتهم، وهو جملة من القواعد والوصايا والشرائع والتعاليم الدينية والأدبية. والشروح والتفاسير والروايات المتعلقة بدين وتاريخ وجنس إسرائيل على مدى التاريخ، وكانت هذه التعاليم والقواعد والشرائع تتناقل وتدرس مشافهة من حين إلى آخر، ولما تعاظم شأن هذه التعاليم في نفوس الجماعات الإسرائيلية. وكثرة هذه التعاليم. قرر كبار الحاخامات أن يسجلوا هذه التعاليم حتى تضاف إلى ما لديهم من نصوص أو مستندات، وبدأت عملية التسجيل والتدوين على مراحل متعددة. وفي مواقع مختلفة ( ).
الخلاصة:
لقد ركبت المسيرة طريق الانحراف الذي سلكته الأمم الوثنية، ومن هذا الطريق اكتسبت المسيرة مجموعة من النصائح الانفعالية. طرحتها ثقافات لا تصيب أصحابها إلا بصدمات نفسية، أو تجعلهم دائما وأبدا في صراع نفسي غير محسوم، وكان بين يدي المسيرة دوائر تبشير ودوائر تحذير بيَّنًها الأنبياء والرسل وهم يخبرون بالغيب عن ربهم، ومن دائرة التبشير بشروا بمسيح تلده عذراء الزهد علامة من علاماته، ومن دائرة التحذير حذروا من مسيح يخرج آخر الزمان فتنة للناس. معه ماء وطعام. وذهب وأهواء، ولكن دوائر التحذير اختلطت بدوائر التبشير. عندما بدأ القوم يحرفون النصوص. وعندما أنستهم مناهج المادة والحس حظا مما ذكروا به، فالتقطوا من بين الخليط ما يتفق مع القاسية قلوبهم. وعندما بعث النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم، أقام الحجة على المسيرة البشرية، وأخبر أهل الكتاب بما كانوا يختلفون فيه، ولكن الذين كفروا منهم تكبروا وجادلوا في آيات الله، قال تعالى: (إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير) ( ). قال ابن كثير: نزلت الآية في اليهود، وذلك أنهم ادعوا أن سيدنا المسيح منهم وأنهم يملكون به الأرض، فأمر الله نبيه. أن يستعذ من فتنة الدجال ( ) وقال في الميزان: أخبر سبحانه أن هؤلاء المجادلين لا ينالوا بغيتهم ولن ينالوا، وقال لرسوله. فلا يحزنك جدالهم، وحصر سبحانه السبب الموجب لمجادلتهم في الكبر، يريدون به إدحاض الحق الصريح، وأمره الله أن يستعذ منهم بما لهم من كبر. كما استعاذ سيدنا موسى من كل متكبر مجادل.
يخضع المفهوم الديني للكثير من المقولات الخاطئة والأوهام الشائعة التي أبقت الأبواب موصدة دون استجلاء أسرارها وفك مغاليقها بمفاتيح النقد والحوار العلمي والسجال المنطقي، لتشريع منافذ التفكير الديني نحو سماوات رحبة من حقائق العبادات التي سادت في الأزمان الغابرة والسحيقة، والارتقاء بمعارفنا إلى مصاف الحقيقة، وإيصال تلك الحقائق إلى مستحقيها، وهذه رسالة كل موحد مستنير دأب على التحقيق والتمحيص والبحث بنور العلم والبصيرة. فمن جهة تعتبر اليهودية كديانة منطلق العبادات التوحيدية وإنها السباقة بين الأمم برفض تعدد الآلهة والإيمان بإله واحد ومن جهة أخرى عاش أغلبية اليهود في بيئة غلبت عليها الوثنية. لذا، هناك من يشكك بتوحيد اليهود في تراثهم التلمودي، حيث أهملوا النواحي الماورائية كالقيامة والآخرة وخلود الروح فيما تقوم تعبداتهم على الطقوس والأضاحي، وحتى العالم اليهودي "سيغموند فرويد" أثار الأمر في كتابه "موسى والتوحيد"، والدلائل أكثر من أن تحصى منها تكرار كلمة آلهة في أكثر من سفر من أسفار العهد القديم مثلا "هوذا آلهتك يا إسرائيل الذين أصعدوك من أرض مصر"( ) و "من مثلك بين الآلهة يا رب"( ) و "لأن الرب إلهكم هو إله الآلهة ورب الأرباب" ( )، وغيرها الكثير. ويعتبر بعض الباحثين أن التوراة قد حورت وأخذ الكثير من أسفارها ونصوصها عن معتقدات قديمة، "وجدت آثارها في السومرية والأكادية والبابلية والآشورية والمصرية فضلا عن الكنعانية، وكل من قرأ ملحمة غلغاميش البابلية وجد التشابه بل التطابق بين قصة الطوفان وبطلها "أوتنابشتيم" وبين سفر التكوين، ويجد الباحث كثيراً من التشابه بين أسفار الشريعة حمورابي، أما الحكمة المصرية الفرعونية فنجدها بشكل جلي في ثنايا التوراة، ولا يسع مقالنا استطراداً في هذا الموضوع. ويدور اللغظ الأكبر حول كلمة "يهوه" عند اليهود وهو إله يستشيط غضبا ويهدأ حين يتنسم رائحة شواء الأضاحي التي ترفع إليه، يضرب شعبه ثم "يندم على الشر الذي فعله" وهو أشبه بإله بدائي رعوي، ومهما حاول أحبار وحاخامات اليهود أن يجتهدوا في تأويل هذه المثالب فلن يستطيعوا أن يصنعوا مها صفات إله منزه كلي القدرة. وهنا تبرز أهمية الإرث الكبير الذي اقتبسه العبرانيون عن الشعوب القديمة، فمنذ أيام سيدنا إبراهيم، تعترف التوراة بأن هذا، "النبي الذي لم يكن يهوديا" ولم يكن لليهود في أيامه أي وجود بعد، كان يعبد "إيل عليون" أي الله العلي، ولم تعرف كلمة يهوه التي يطلقها اليهود على اسم الجلالة سوى في أيام سيدنا "موسى" وما بعده.
وكان دين العبرانيين قبل سيدنا "موسى"، دين إيل "الإله السامي المشترك" الذي لا بد أن تكون الشعوب أشركت في ما بعد في توحيده وتحولت عباداته إلى أسطورة وثنية من ضمن آلهة عديدة شأن كل الأديان التي تشوهت عبر التاريخ، والدليل على أن الشعوب التي سبقت أو عاصرت العبرانيين كانت تعرف عبادات توحيدية لإيل – الله الواحد، قصة سيدنا "إبراهيم" وملك "اليبوسيين"، "ملكي صادق" الكاهن الأكبر لمدينة "سالم" أي القدس عاصمة اليبوسيين الكنعانيين، فالتوراة تقر أن "ملكي صادق" كان يعبد إيل عليون، أي الله العلي، وأنه كان على منزلة عظيمة وكان شعبه يؤمن معه على قاعدة "إن الناس على دين ملوكها"، وفي سفر يونان، فإن النبي يونان حين أرسل إلى نينوى عاصمة الآشوريين لينذرهم بعقاب شديد بعد أربعين يوما، وجد سكان المدينة الاثنى عشرة ربوة أي 120000 نسمة، يعبدون الله مؤمنين به، ويخافون مقام ربهم فاستجابوا لإنذاره ولبس الملك وسكان المدينة أجمعين المسوح وتضرعوا للرب لكي يجنبهم سوء العاقبة، ولقد استجيب لهم دعاؤهم، وعفا الله عن المدينة وسكانها لأنه غفور رحيم. ولم تخل النذر من أية أمة أو بلد، ويقول القرآن الكريم "وما من أمة إلا وخلت من قبلها النذر" أي خلت بها توعظها وترشدها وتنذرها بعاقبة الكفر والإشراك.
والإله "اليهوه" إله العبرانيين كان في بادئ الأمر إلهاً خاصاً أو مرحلياً ولكن فكرة الإله عند اليهود تطورت بعد السبي وبعد كتابة التوراة والكتب الدينية عند اليهود .
إن يهوه هو صاحب الاسم الشخصي لإله بني إسرائيل وقد جاء في نصوص ألواح رأس الشمرة أوغاريت أن يهوه كان معبوداً كنعانياً، فبعض العشائر الكنعانية عبدت عماو إلهاً باسم ياو أو ياوه وقد سبقت نصوص رأس شمرا التوراة بألف سنة كذلك وجدت بين المكتشفات الأثرية للسلالة السادسة والعشرين المصرية (664-525 ق.م) أن الإله يهوه كان معروفاً في مصر باسم إله غير رئيسي وقد أظهر فك الأحرف المصرية وتحويلها إن الاسم ه و أو ي ه و ه وكذلك وجدت على النقوش الثمودية اسم يهوا في القرن السابع ق.م بمدائن صالح.
ومن بين الآثار الني وجدت في فلسطين عام 1936م قطع خزفية تعود إلى 3000 سنة ق.م منقوش عليها الاله الكنعاني ياه أو ياهو كذلك عُرف يهوه في بابل في القرن الثامن عشر ق.م وقد جاء في كتاب (بابل والتوراة) للعالم فريدريك ديليتش ( ص52-53) عن اعتقاده بأن التوراة لم تكتب بمعزل عن الثقافة البابلية وسواها من الثقافات المختلفة وللعودة إلى يهوه فهو اسم لرب قديم كانت سجلته النصوص السامية على الألواح الصليصالية 2100 ق.م وهو لا يقتصر على ما بين النهرين بل في مصر القديمة في لاهوت عين شمس.
إن اسم يهوه يتجاوب همساً في مسمع التاريخ قبل وجود التاريخ العبري.
إن الدين اليهودي لا يعترف إلاّ بألوهية يهوه كرب في سفر الخروج الخاص بالعبريين ثم جعله من دون سائر الآلهة خاصاً ببني إسرائيل. فإذا كان آمون إلهً لمصر ومردوق لبابل وآشور لآشور فيهوه لبني إسرائيل.
ويعتقد الباحث الفرنسي "الفرد مر" في كتابه "أيل، يهوه، يسوع" أن السيد المسيح استعاد صفات الله (إيل) وهي الرحمة والشمول والسلام، وأعاد الاعتبار إليها، وأهمل "يهوه" الإله الصحراوي الضيق الآفاق القاسي والقبلي، ويقول "مر" إن اليهود طمسوا معالم عبادة إيل التوحيدية التي تعرفوا عليها عند غزوهم لبلاد الكنعانيين، وأن يسوع استشف مجدداً تعاليم الفداء والأخوة البشرية من العبادات القديمة. وليس بالخفي أن الأساطير والعبادات الوثنية عند الشعوب السامية كالأكاديين والكنعانيين ومن ثم الآراميين جعلت من إيل إلها وثنيا ضمن مجمع من الآلهة، لكنه من المعروف أن الأسطورة كانت وليدة المعتقدات الدينية الغارقة في القدم التي تشوهت مع الزمن ودخلت عليها طقوس العبادات الوثنية وغيرها، شأنها مثلا، شأن الزرادشتية التي انتهت بعبادة النار والشرك بعد ما بدأت بعبادة توحيدية. وتلك الصفات التي أطلقت على إيل كانت، كخالق الخلائق والملك الأبدي وإله الرحمة والشفقة، و "لطفان" أي اللطيف قد تكون من بقايا عبادة توحيدية ترقى إلى أيام النبي نوح. ويؤكد الباحث "الفرد مر" أن سيدنا المسيح أثناء معاناته استنجد بإيل وليس بيهوه حين قال "ايلي، ايلي، لما شبقتني" أي إلهي إلهي لما تركتني، وهو قول للنبي داوود في أحد مزاميره. وتصادفنا كلمة إيل (أي الله) في أسماء الملائكة والأنبياء في التوراة كجبرائيل وسفرائيل وميخائيل وعمانوئيل وغيرها، وقد كانت عبادة إيل سابقة لاستعمال كلمة "يهوه" في الإرث التوراتي منذ أيام سيدنا موسى، وأول ما تعرف سيدنا يعقوب على إيل الكنعانيين الذي طلب منه البركة وقد غير اسمه من يعقوب إلى "إسرائيل". وقد تضاربت المعلومات حول معنى التسمية. وهنا يطرح السؤال بقوة عن مصدر عبادة إيل وهو إله "سام" أو عربي مشترك بين الشعوب "السامية" أي العربية القديمة. للعالم المستشرق الشهير "روبرتسن سميث" رأي صريح في هذا الموضوع، حيث يؤكد أن الكثير من الموضوعات الدينية الغامضة تتوضح بالعودة إلى ديانة العرب، فقد تبنى العالم "سميث" نظرية الأصل العربي لحضارات وديانات الشرق الأدنى القديم، ووقف في وجه العديد من النظريات التي تبنتها شعوب أخرى لإبعاد الانظار عن شبه الجزيرة العربية، وذلك في كتابه الثمين "محاضرات في ديانة الساميين". وقد حاول أحد المؤرخين اللبنانيين جاهدا، أن يقارن كلمة إيل، بآل التي يكثر استعمالها في تسمية القرى والبلدات في جنوب الجزيرة العربية. والأصول العربية القديمة للديانات ليست بالشيء الغريب، فالقرآن الكريم، يعلمنا أن أسماء الأوثان التي اشرك قوم سيدنا نوح بعبادتها كانت ذوات أسماء عربية "ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر". وهي أسماء بعض الأوثان التي اشتهرت في اليمن، وقد تكونت هذه الأسماء صفات لإله واحد كان يعبده القوم قبل سيدنا نوح، ثم تحولت إلى آلهة مستقلة بعد اشراكهم بعبادة إيل واستغراقهم في لجج العبادات الوثنية، ونجد أثراً لكلمة إيل مثلا في الاسم اليمني "شرحبيل". فهل كان العرب في تلك الأيام السحيقة يعبدون "إيل" الواحد القدير البار، في اليمن وجواره وباقي أنحاء الجزيرة العربية؟؟
"إيل والأصل العربي لديانات الشرق"–
"يا أورشليم"، يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين".
بتلك الصرخة المدوية خاطب السيد المسيح يهود أورشليم أولئك "الخرفان الضالة" الذين تحولوا إلى ذئاب كاسرة نهشت أجساد أنبياء، حاولوا هدايتهم نحو طريق الخلاص.
لكنهم قتلوا أنبياءهم مرتين، مرة بالسيـوف الغادرة، ومرة ثانية بأقلام كهنتهم المزورة.
وطالما كان الأنبياء كبش فداء لتذمر اليهود وعصيانهم وقسوة قلوبهم الغلف، فأذاقوهم صنوف العذاب والتنكيل والقتل، وهوذا نبيهم أرميا يقول: "أكل سيفكم أنبياءكم كأسد مهلك".
لكن شناعة القتل الجسدي لا تقل خطورة عن تلطيخ سمعتهم وتحريف تعاليمهم وتزييف سيرتهم وإبدال فضائلهم بالرذائل التي تحلى بها بعض اليهود في بلاد السبي في بابل حيث انتهى شبانهم وشاباتهم غلمانا راقصات في قصور ملوكها واعتبر المؤرخ البريطاني "هـ ج. ويلز" بأن اليهود وصلوا أيام السبي إلى بابل "همجا وشعبا مخلطا لا رابطة وعي ذاتي بينهم وعادوا ممدنين ومعهم القسم الأكبر من مادة التوراة" حيث استقوا من معارف بابل ومكتباتها وموروثها الثقافي وجاءوا بما أملى عليهم الكهنة والأحبار وهم في بلاد السبي، وتكشف الأدلة العلمية اليوم أن اليهودية المتمثلة بـ "التلمود" ظهرت في تلك الحقبة من التاريخ (القرن السادس قبل الميلاد) على يد جماعة من كهنة اليهود (وأشهرهم عزرا) ليس لديهم أي علاقة بالأنبياء الموحدين لا من ناحية العقيدة ولا من ناحية الدين، فاقترفوا آنذاك أكبر عملية تزوير عرفها التاريخ حينما دونت معظم أسفار التوراة المزيفة، المستند الرئيسي لليهود "المتهودين" اليوم، فقد نسبت تلك المدونات المشبوهة والمضللة إلى أنبياء كرام.
"ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون". (سورة البقرة).
"وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه يعلمون". (سورة البقرة).
"فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون" (سورة البقرة).
ونجد في القرآن أيضا أنهم "... يحرفون الكلام عن مواضعه".
وجاءت الاكتشافات الأثرية الحديثة لمدونات قديمة لتثبت ما جاء في القرآن وهو قول صدق لا ريب فيه، وقامت دراسات التاريخ والحضارات القديمة لتفوض دعائم التلفيقات التلمودية وتناقضاتها التاريخية.
وقد أشار الكاتب الفرنسي الدكتور "موريس بوكاي" في كتابه "القرآن والتوراة والإنجيل والعلم" إلى الفرق الشاسع والواضح بين مصداقية الإنجيل والقرآن وتكريمهما للأنبياء وتطابقهما المدهش مع المفاهيم العلمية والمنطقية، وبين أباطيل التوراة وخرافاتها وأخطائها التاريخية التي اختلقها كهنة اليهود في الخفاء للانحراف بالدين اليهودي عن رسالة الأنبياء والوحي الحق.
فقد تعرضت سير الأنبياء وقصصهم لعبث المتهتكين وتضليل المتشككين الذين تهجموا على عصمتهم في جرأة ووقاحة ما بعدها وقاحة، حيث تجنوا على صفوة الخلق والنخبة المختارة لحمل أمانة النبوة ونقل الحقيقة إلى الناس لإتمام رسالتهم بتهذيب الأنفس وتقويم الأخلاق وتنوير البصيرة بأنوار الإيمان والهداية والخير .
وقد طاولت جرأة كهنة اليهود هؤلاء حتى مقام ربهم "يهوه" فصوروه كإله "منفصم الشخصية" تارة ينتقم من شعبه وطوراً يندم على الشر الذي فعله، وإله رعوي لا يرضى إلا برائحة شواء الأضاحي، وهوذا القاضي جدعون يجرب الرب إلهه في التوراة مرتين لكي يصدق وعده إياه بالنصر، رغم تلك الوصية الأساسية في التوراة "لا تجرب الرب إلهك" (سفر القضاة الإصحاح السادس).
هؤلاء الأنبياء الذين وجب احترامهم وإجلالهم والإقتداء بسيرهم الصالحة نجدهم في أساطير التوراة "المنحولة" وفي الأسفار التي عبثت بها أيدي الكهنة والأحبار رعاعاً اقترفوا جميع أصناف الخطايا والكبائر، فأينما قرأت وجدت اللصوصية والزنا والقتل والغش والاحتيال وحتى الاغتصاب بين أنبيائهم، فهؤلاء الأنبياء الكرام المنزهو عن ارتكاب الكبائر والرذائل والمعصومون عن الإجرام والاحتيال شوه المدونون المشبهون سيرهم ولوثوا مكارم أخلاقهم بافتراءاتهم الباطلة الملفقة والمختلفة، ليصبغوا أنبياءهم بصبغة موبقاتهم ورذائلهم وخبث سرائرهم وزيغ طواياهم .
وحيثما قرأت في التوراة تصدمك حالات السكر والخلاعة والمجون ضمن آيات حسية غليظة من المحال تأويلها بتفسيرات دينية أو روحية بل هي نتاج الرغبات والشهوات، فنشيد الأناشيد الذي ينسب زوراً إلى النبي سليمان، ما هو إلا قصيدة إباحية لا تمت إلى الدين بصلة، كما ومن يقرأ الإصحاح الثالث والعشرين من نبؤه حزقيال يندهش لبذاءة بعض العبارات، ومن يقرأ الإصحاح الثالث عشر من سفر صموئيل الثاني يصعق لوجود سفاح القربى في بيت النبوة، وكل هذا بالطبع مختلق ومدسوس، وهكذا دواليك لم ينج لوط من فعل الفحشاء والمنكر، أما سيدنا يعقوب الملقب بـ "إسرائيل" (أبو أسباط اليهود الإثني عشر)، فأفعاله في التوراة لا تنم عن نبوة بل تظهره بأخس وأحط طوية. فسيدنا يعقوب خدع والده النبي إسحاق بانتحاله شخصية أخيه "عيصو" ليسرق بركته وبالتالي النبوة، ومن ثم سرق خاله لابان الآرامي الذي حضنه وزوجه ابنته وأراد اقتسام أغنامه مع صهره الحبيب( )، فكانت خديعة سيدنا يعقوب "الداهية" بأن اشترط على خاله أن تكون حصته الأغنام المخططة( )، وبدهاء ما بعده دهاء وضع سيدنا يعقوب قضبانا على أجراه المياه "لتتوحم" الشاة حينما ترد المياه للشرب فتلد حملانا مخططة، وبهذا سرق سيدنا يعقوب معظم قطيع خاله لابان وعزا ذلك إلى إرادة إلهية... فتأملوا!!!
وأما يهوذا، ابن سيدنا يعقوب المميز الذي فضله على أخوته الآخرين (والذي اشتق اسم "اليهودية" Judia و "اليهود" فيما بعد من اسمه) فكان بنظر هؤلاء الكتبة إنسانا زانيا لم تسلم من مجونه كنته ثامار أرملة أحد أبنائه( ).
نتيجة ما سبق نصل في بحثنا هذا إلى النبي داوود الذي اتهموه بجريمة سوقية يأبى إتيانها الأشرار فكيف الأنبياء الأطهار، فقد اتهموه بامرأة أوريا الحثي وبتدبير اغتيال ذاك الضابط الشهم الذي أبى على نفسه الراحة في بيته وجنود سيدنا داوود يقاتلون أعداءه في القفار ( )، وتلك إدعاءات باطلة ومدسوسة، فالنبي داوود باعتراف التوراة ذاتها، رفض بشهامته شرب مياه خاصة بثلاثة من أبطاله عندما عطش ، كيف يقتل ضابطا من جنوده المخلصين من أجل شهوة بهيمية؟، وقد قال القرآن الكريم: "ولقد أتينا داوود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد" ( )، وروي عن الإمام علي بن أبي طالب قوله "لا أوتي برجل يزعم أن سيدنا داودد تزوج امرأة أوريا إلا جلدته حدين: "حداً للنبوة وحداً للإسلام".( )
أما النبي سليمان وهو صاحب الحكمة الشهيرة "شهوة الأبرار هي للخير فقط" فقد زعموا أنه تزوج 700 امرأة وامتلك 300 سرية وهذا منتهى الدس والتشويه، ومعاذ الله أن يكون سيدنا سليمان الحكمة والفطنة انتهت نبوته بعبادة الأصنام والأرجاس كما يدعي هؤلاء الكتبة المغرضون ( ) .
وبناء عليه، اقترح أحد أهم الباحثين الأميركيين وضع عبارة keep out of the reach of children (أحفظه بعيداً عن متناول الأطفال) على كتاب العهد القديم حفاظاً على أخلاقهم ورهافة أحاسيسهم من الشناعة الموجودة في طيات الكتاب.
ولكننا في المقابل لا نعتبر أن التوراة برمتها مدسوسة ومرفوضة، فهناك لا تزال تلك الحكم المضيئة وتلك الدرر المتناثرة في ثنيات ذلك الخضم الهائل من الطقوس والمراسم والتشريعات والتواريخ، في أقوال الأنبياء العظام (قدس الله سرهم) أمثال أيوب وداوود وسليمان وشعيب، و "أشعيا" و "أرميا" و "دانيال" و "حزقيال" و "زكريا" و "ملاخي" وغيرهم ممن نطق بالحق.
وخلاصة القول أن عصمة الأنبياء مثبتة بالبرهان العقلي والدليل المنطقي فضلا عن الإيمان، لأن من يعصى الله في نواهيه ووصاياه، يعصيه في طاعته وفي كيفية ابلاغ رسالته فيحق عليه ساعتئذ إسقاط نبوته.
وإذا سلمنا بأن الأنبياء بشر والبشر يخطئون، فنقول أن الأنبياء برقيهم الأخلاقي وصفاء نفوسهم لا بد أن تكون أخطاؤهم هنات وهفوات صغيرة، ومن المحال بما اصطفاهم الله بنعمة الإيمان ونور العقل أن يقوموا لا بكبائر ولا بصغائر، ولا أن ينحرفوا عن صراط الحق كالقوم الضالين، بل هم القدوة والمثال والسرج المنيرة التي تبدد غياهب الجهل والشرك لتضيء لنا رحاب البصائر بالإيمان.( )
























المراجع

1- إسماعيل دبج –تأملات في التوراة –مؤسسة الإيمان للطباعة والنشر- بيروت 2001
2- الكتاب المقدس -سفر الخروج (32:9-10)
3- الكتاب المقدس -سفر الخروج (32:12
4- الكتاب المقدس- سفر الخروج (34:6-7)
5- الكتاب المقدس- سفر الملوك الأول (12:29)
6- الكتاب المقدس- سفر الملوك الثاني (17:7-8)
7-الكتاب المقدس - سفر الملوك الثاني (13:17-20)
8-الكتاب المقدس - سفر نحميا (9:17)
9-الكتاب المقدس - سفر نحميا (9:19)
10- الكتاب المقدس - سفر نحميا (9:28)
11-الكتاب المقدس - سفر نحميا (9:31)
12- الكتاب المقدس -سفر حزقيال (37:5-6)
13-الكتاب المقدس - سفر المزامير 78
14- الكتاب المقدس -سفر المزامير (78:17)
15- الكتاب المقدس -سفر المزامير (78:38-39)
16- الكتاب المقدس -سفر المزامير (78:50)
17- الكتاب المقدس -سفر المزامير 105
18- الكتاب المقدس -سفر المزامير (106:43-44-45-46)
19- الكتاب المقدس - سفر المزامير (105:43-46)
20- الكتاب المقدس -سفر الحكمة (16: 16)
21- الكتاب المقدس -سفر التثنية (23: 7-8):
22- الكتاب المقدس - سفر عاموس (2:1)
23- الكتاب المقدس -سفر الخروج (1:16)
24- الكتاب المقدس -سفر التثنية (23:7)
25- الكتاب المقدس -سفر الخروج (8:1-16)
26- الكتاب المقدس -سفر الخروج (8:15)
27- الكتاب المقدس -سفر الخروج (12:29-31)
28- الكتاب المقدس - سفر أشعيا (19: 16)
29- الكتاب المقدس -سفر الخروج (19:8
30- الكتاب المقدس - سفر اشعيا (19:19-25)
31- الكتاب المقدس -سفر أشعيا (19:25)
32-الكتاب المقدس- سفر أشعيا (19:20)
33- الكتاب المقدس- سفر يونان (2:4)
34- الكتاب المقدس- سفر حزقيال (28:18)
35- الكتاب المقدس- سفر حزقيال (17:32
36- الكتاب المقدس- سفر ملاخي (7:3)
37- الكتاب المقدس- سفر حزقيال (18:1-2
38- الكتاب المقدس- سفر صموئيل الثاني (12:13)
39- الكتاب المقدس- سفر المزامير (50:1-2)
40- الكتاب المقدس- سفر أيوب (34: 13-14(
41- الكتاب المقدس- سفر المزامير (4:1
42- الكتاب المقدس- سفر المزامير (6:2)
43- الكتاب المقدس- سفر المزامير(9: 13)
44- الكتاب المقدس- سفر المزامير(26:3-11)
45- الكتاب المقدس- سفر الملوك الأول (21:29)
46- الكتاب المقدس- سفر الملوك الأول (17:18)
47- الكتاب المقدس- سفر الملوك الثاني (2:5)
48- الكتاب المقدس- سفر الملوك الثاني (5: 14)
49-قرآن كريم- سورة النساء آية 49
50- قرآن كريم-سورة النجم آية 32.
51- قرآن كريم -سورة الأعراف آية 168
52- تفسير ابن كثير 2/265
53- تفسير الميزان للعلامة آية الله محمد حسن الطبطبائي ، بيروت 1991 ،مؤسسة الأعلمي للمطبوعات 298/8
54-قرآن كريم – سورة الكهف آية 110
55-قرآن كريم - سورة المائدة آية 18
56-قرآن كريم- سورة البقرة آية 94
57- الكتاب المقدس- سفر القضاة 3/5-7
58- الكتاب المقدس- سفر نحميا 13/22-25.
59- الكتاب المقدس- سفر أرميا 23/36.
60- الكتاب المقدس- سفر أرميا 8/8
61- الكتاب المقدس- سفر أرميا 23/31.
62- من كتاب يوشع 282/3 نقلا من محمد الصادقي الطهراني: " البشارات والمقارنات بين القرآن والعهدين" ، ص89
63-من كتاب همفري: ص17-18- طبعة سنة 1841 نقلاً عن كتاب محمد الصادقي الطهراني: " البشارات والمقارنات بين القرآن والعهدين" ص90
64- تفسيره التاسع على إنجيل متى نقلاً من كتاب محمد الصادقي الطهراني: " البشارات والمقارنات بين القرآن والعهدين" ص91
65- قرآن كريم- سورة النساء آية 46
66-قرآن كريم- سورة المائدة آية 13.
67- تفسير الميزان للعلامة آية الله محمد حسن الطبطبائي ، بيروت 1991 ،مؤسسة الأعلمي للمطبوعات 239/5
68- غوستاف لوبون،"اليهود في تاريخ الحضارات الأولى"،القاهرة 1950 ص58 وما بعدها
69- غوستاف لوبون،"اليهود في تاريخ الحضارات الأولى"،القاهرة 1950 ص62 وما بعدها.
70- الكتاب المقدس- سفر العدد 18/1, 19/1 وسفر الخروج 29/1-30
71-الكتاب المقدس- سفر الخروج 32/2-6.
72-الكتاب المقدس، سفر العدد 12/20.
73- الكتاب المقدس ، سفر يوشع 16/1
74- الكتاب المقدس ، سفر أمثال 1/1-7
75- الكتاب المقدس ، سفر ملوك أول 11/1.
76- الكتاب المقدس ، سفر ملوك أول 11/5.
77- الكتاب المقدس ، سفر ملوك أول 11/6
78- الكتاب المقدس ، سفر ملوك أول 11/7.
79- الكتاب المقدس ، سفر ملوك أول 11/8
80- الكتاب المقدس ، سفر ملوك أول 11/12.
81- د. محمود الشرقاوي ، الكنز المرصود في فضائح التلمود ، مكتبة الوعي ، مصر ، ص 32
82- د. محمود الشرقاوي ، الكنز المرصود في فضائح التلمود ، مكتبة الوعي ، مصر ، ص32.
83- صابر طعيمة :" التراث الاسرائيلي في العهد القديم و موقف القرآن الكريم منه" ، القاهرة 1979ص401
84- د. محمود الشرقاوي ، الكنز المرصود في فضائح التلمود ، مكتبة الوعي ، مصر ص14
85- د. محمود الشرقاوي ، الكنز المرصود في فضائح التلمود ، مكتبة الوعي ، مصر 169.
86- د. محمود الشرقاوي ، الكنز المرصود في فضائح التلمود ، مكتبة الوعي ، مصر ص170
87- د. محمود الشرقاوي ، الكنز المرصود في فضائح التلمود ، مكتبة الوعي ، مصر ص171
88- د. محمود الشرقاوي ، الكنز المرصود في فضائح التلمود ، مكتبة الوعي ، مصر ص190
89- د. محمود الشرقاوي ، الكنز المرصود في فضائح التلمود ، مكتبة الوعي ، مصر ص84.
90- د.أحمد حجازي السقا:" نقد التوراة" أسفار موسى الخمسة-دار الجيل-بيروت 2001ص168
91- د. محمود الشرقاوي ، الكنز المرصود في فضائح التلمود ، مكتبة الوعي ، مصر ص197
92- صابر طعيمة :" التراث الاسرائيلي في العهد القديم و موقف القرآن الكريم منه" ، القاهرة 1979 ص395
93- قرآن كريم ، سورة غافر آية 56
94- تفسير ابن كثير 84/4
95- الكتاب المقدس ، سفر الملوك 12/28
96- الكتاب المقدس ، سفر الخروج 15/11
97- الكتاب المقدس ، سفر التثنية 10/17
98- إسماعيل دبج –تأملات في التوراة –مؤسسة الإيمان للطباعة والنشر- بيروت 2001–ص5-27
99- مجلة الضحى ، العدد السبعون ، (كانون الأول 1997)
100- الكتاب المقدس ، إنجيل متى ، الإصحاح 23
101- محمد عبد الواحد حجازي – منهج اليهود في تزييف التاريخ –مكتبة جزيرة الورد-المنصورة 2002 –ص125-135
102- الكتاب المقدس سفر التكوين ، الإصحاح 27
103- الكتاب المقدس ، سفر التكوين ، الإصحاح 30
104- الكتاب المقدس ، سفر التكوين الإصحاح 38
105- الكتاب المقدس ، سفر صموئيل الثاني – الإصحاح 11
106- قرآن كريم ، سورة سبأ آية 10
107- د.محمد دياب عبد الحافظ –أضواء على اليهودية من خلال مصادرها –دار المنار 1985
108- الكتاب المقدس ، سفر الملوك الأول ، الإصحاح 11
109-مجلة الضحى العدد 71 - عصمة الأنبياء والافتراءات التوراتية – كانون الثاني 1998
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف